مستمسك العروة الوثقى - ج ١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦١١

جميعه ، فلو اتصل ثمَّ انقطع كفى. نعم إذا كان الكر الطاهر أسفل ، والماء النجس يجري عليه من فوق لا يطهر الفوقاني بهذا الاتصال [١].

[ مسألة ٤ ] : الكوز المملوء من الماء النجس إذا غمس في الحوض يطهر [٢] ، ولا يلزم صب مائه وغسله.

[ مسألة ٥ ] : الماء المتغير إذا ألقي عليه الكر فزال تغيره به يطهر ، ولا حاجة الى إلقاء كر آخر بعد زواله [٣] ، لكن بشرط أن يبقى الكر الملقى على حاله [٤] من اتصال أجزائه ، وعدم تغيره ، فلو تغير بعضه قبل زوال تغير النجس أو تفرق بحيث لم يبق مقدار الكر متصلا باقياً على حاله ، تنجس ولم يكف في التطهير. والأولى إزالة التغير أولا ثمَّ إلقاء الكر أو وصله به.

______________________________________________________

العالي بالسافل إذا كان المطهر أعلى لا بد من زيادته على الكر بمقدار النازل منه الى المتنجس ، لئلا ينقص عن الكر بنزول شي‌ء منه فيخرج عن العاصمية.

[١] لعدم صدق المادة ، وعدم تحقق الامتزاج ، وقد عرفت انحصار المطهر بهما.

[٢] يعني : نفس الكوز ، لتحقق انغساله بالكثير ، وسيأتي أنه كاف في التطهير للاواني ، وان قلنا باحتياجها الى التعدد في القليل.

[٣] لتحقق الاتصال بالمادة ، ولا وجه لاعتبار كون الاتصال بها بعد زوال التغير ، فان مورد صحيح ابن بزيع‌ (١) ـ الذي هو العمدة في دليل كفاية الاتصال في التطهير ـ صورة حصول الاتصال قبل زوال التغير.

[٤] تحقق هذا الشرط ـ غالباً ـ موقوف إما على زيادة الماء على‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الماء المطلق حديث : ٦ ، ٧.

٢٠١

[ مسألة ٦ ] : تثبت نجاسة الماء كغيره ـ بالعلم ، وبالبينة [١] ،

______________________________________________________

الكر لتحصل الغلبة منه على المتغير ، أو على كون التغير بمرتبة ضعيفة تذهب بمجرد اتصال الكر ، وإلا فالاتصال يوجب تغير بعض أجزاء الكر الطاهر ، فينجس الجميع ، بعضه بالتغير ، والباقي بالاتصال به ، لأنه قليل.

[١] على المشهور. وفي الجواهر : « ينبغي القطع به ، بل لا أجد فيه خلافا إلا ما يحكى عن القاضي وظاهر عبارة الكاتب والشيخ ، ولا ريب في ضعفه ». لعموم ما دل على حجية البينة. وخصوص‌ خبر عبد الله ابن سليمان المروي عن الكافي والتهذيب عن الصادق (ع) في الجبن : « كل شي‌ء لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان أن فيه ميتة » (١). لكن قد يستشكل في الرواية بضعف السند ، واختصاصها بما فيه الميتة ، وأنها لا تدل على ثبوت النجاسة ، وإنما تدل على ارتفاع الحل وثبوت الحرمة.

وأما العموم فهو وان ادعاه جمع من الأعاظم ، وفيهم شيخنا الأعظم رحمه‌الله في رسالة الجماعة ، لكنه غير ظاهر. إذ دليله إن كان هو الإجماع المحكي عن النراقي والسيد الأصبهاني [ قدهما ] فهو ينافيه الخلاف في المقام ممن عرفت وغيرهم من متأخري المتأخرين ، وكذا الخلاف في مقام آخر.

وان كان‌ قوله (ع) : « فاذا شهد عندك المؤمنون فصدقهم » (٢) فالمراد من التصديق فيه التصديق النفسي ولو ببعض مراتبه ، لا التعبدي بترتب آثار الواقع شرعا الذي هو محل الكلام. ويشهد بذلك ملاحظة مورده ، فان العمل فيه ليس موضوعا لأثر شرعي. هذا مضافا الى أنه لو تمَّ اقتضى حجية خبر المسلم مطلقاً من دون اعتبار العدد والعدالة فيه.

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٠ من أبواب الأطعمة المباحة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٦ من كتاب الوديعة حديث : ١.

٢٠٢

______________________________________________________

ومثله قوله تعالى ( يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ) [١] إذ المراد منه الإيمان الصوري.

وان كان آية النبإ (٢) ، فيتوقف الاستدلال بها على ثبوت المفهوم لها ، وهو محل الاشكال. مع عدم اعتبار العدد فيها.

وان كان ما ورد في جواز شهادة العبد ، والمكاتب ، والصبي ، بعد البلوغ ، والاعمى ، والأصم ونحوهم. ففيه : أنه لا إطلاق له من حيث المورد ، ولا تعرض فيه لاعتبار العدد والعدالة.

وان كان بناء العقلاء على حجية خبر الثقة. ففيه : أن بين خبر الثقة وبين البينة عموما من وجه.

وان كان الاستقراء. فثبوته وحجيته معا ممنوعان.

وان كان‌ رواية مسعدة بن صدقة : « كل شي‌ء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه ، فتدعه من قبل نفسك. وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة ، والمملوك عندك ولعله حر قد باع نفسه ، أو خدع فبيع قهراً ، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك. والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة » (٣). فالبينة فيها إنما جعلت غاية للحل الذي هو المراد من اسم الإشارة ، وكونها حجة على الحرمة لا يقتضي حجيتها على الموضوع ، فضلا عن عموم الحجية لما لم يكن مورداً للحل والحرمة من موضوعات سائر الأحكام.

اللهم إلا أن يقال : المراد من قيام البينة بالحرمة أعم من كونها مدلولا مطابقيا وتضمنيا والتزاميا ، فاذا شهدت بكون الثوب سرقة فقد‌

__________________

(١) التوبة : ٦١.

(٢) الحجرات : ٦.

(٣) الوسائل باب : ٤ من أبواب ما يكتسب به حديث : ٤.

٢٠٣

______________________________________________________

قامت بحرمته ، وكذا إذا شهدت بكون المرأة رضيعة فقد قامت بحرمتها. فليس المراد من قيام البينة بالحرمة شهادتها بها فحسب ، بل أعم من ذلك ومن شهادتها بموضوع خارجي تلزمه الحرمة ، أو لازم لها ، أو ملازم ، مثل كون المائع خمراً أو بولا أو دما أو نحوها ، وكذا أعم من شهادتها بعنوان اعتباري مثل إخوة امرأة ، أو نجاسة مائع ، أو حرية رجل ، إذا كان بينه وبين الحرمة ملازمة ، فإن البينة في جميع ذلك قائمة بالحرمة ، فلا يختص موردها بما إذا شهدت البينة بالحرمة لا غير.

ثمَّ إن البينة لما كانت من سنخ الامارات العرفية ، كان الظاهر من ثبوت الحرمة عند قيامها بها كونها طريقاً إلى مؤداها ، لا تعبداً كما في موارد الأصول ، فإذا شهدت البينة بكون الثوب سرقة ، فثبوت الحرمة ظاهرا لثبوت موضوعها وقيام الامارة عليه. وعليه لا فرق بين الحرمة وغيرها من الأحكام المترتبة على السرقة ، فكما تثبت الحرمة تثبت تلك الاحكام ، لأن طريقيتها بنظر العرف لا تختص بجهة دون جهة ، فيحمل الدليل على إطلاق الحجية ، ومقتضى ذلك حجية البينة مطلقاً عند قيامها بالحرمة ، فيترتب عليها جميع الاحكام والآثار. فلم يبق مورد خارج عن الرواية إلا ما لا يترتب عليه أثر الحرمة أصلا ، بحيث لا تدل عليه البينة أصلا ولو بالالتزام لكنه نادر. ولا يبعد التعدي إليه بعدم القول بالفصل أو لعدم التفكيك عرفا بينه وبين مورد الرواية ، بحيث تكون البينة حجة حيث يكون في موردها حكم الحرمة ، ولا تكون حجة في غير ذلك. فلاحظ.

والمتحصل : أن الرواية المذكورة صالحة لإثبات عموم الحجية بتوسط أمور : [ الأول ] : أن المراد من قيام البينة بالحرمة كونها مدلولا للكلام ولو بالالتزام [ الثاني ] : أن طريقية البينة عرفا تقتضي كون المفهوم من الدليل عموم الحجية [ الثالث ] : امتناع التفكيك بين الموارد التي تكون‌

٢٠٤

وبالعدل الواحد [١] ،

______________________________________________________

الحرمة فيها مدلولا للكلام ـ ولو التزامياً ولو باللزوم غير البين ـ وبين غيرها من الموارد مما هو نادر إما لعدم القول بالفصل ، أو لإلغاء الخصوصية عرفا.

ويعضد العموم المذكور الإجماع المدعى ممن عرفت على عموم الحجية. ولا ينافيه الخلاف في بعض الموارد ، لأنه لشبهة ، كما يظهر ذلك من استدلال المخالف في المقام : بأن البينة ليست من العلم الذي جعل غاية للحل في‌ قولهم (ع) : « الماء كله طاهر حتى تعلم أنه قذر » [١] ونحوه. وكذا المخالف في حجية البينة في الاجتهاد استدل : بأن الاجتهاد من الأمور الحدسية التي لا تكون مورداً للشهادة مع تيسر العلم. ولو كان الوجه في الخلاف عدم ثبوت العموم الدال على الحجية كان المناسب الاستدلال به أيضاً ، ولكان اللازم الخلاف في كل مورد لم يقم دليل بالخصوص على الحجية ، وهو مما لا يحصى كثرة ، مع أن الخلاف لم ينقل إلا في موارد خاصة هذا وبعين هذا التقريب يمكن إثبات عموم الحجية في إثبات النجاسة من رواية عبد الله بن سليمان المتقدمة في صدر المسألة‌، بناء على ظهورها في كون ذكر الميتة فيها من باب المثال.

[١] كما عن ظاهر التذكرة ، وقواه في الحدائق. لما دل على جواز الصلاة بأذان الثقة‌ (٢) وثبوت عزل الوكيل باخباره‌ (٣) ، وكذا ثبوت الوصية بقوله‌، (٤) وثبوت استبراء الأمة إذا كان بائعاً‌ (٥) ، وغير ذلك‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب الماء المطلق حديث : ٥.

(٢) راجع باب : ٣ من أبواب الأذان والإقامة.

(٣) الوسائل باب : ٢ من كتاب الوكالة حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٩٧ من كتاب الوصايا حديث : ١.

(٥) راجع باب : ٦ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

٢٠٥

على إشكال لا يترك فيه الاحتياط ، وبقول ذي اليد [١] ، بل قيل : إن ثبوت حكم النجاسة به دون المتنجس متنافيان. [ وفيه ] : أن الموارد المذكورة موضوعها خبر الثقة ، وبينه وبين خبر العادل عموم من وجه. مع أن استفادة الكلية من الموارد المذكورة غير ظاهرة ، ولا سيما عند الأخباريين. وأنه خلاف ظاهر الحصر في رواية مسعدة‌. وأما التنافي بين الحجية في إثبات الحكم دون موضوعه ، فأوضح إشكالا كما لا يخفى. وأما آية النبإ فدلالتها على حجية خبر العادل محل إشكال مشهور ولو سلمت فيتعارض مفهومها مع الحصر في رواية مسعدة‌، ورفع اليد عن المفهوم فيها أولى من تخصيص الرواية ، لأن عطف خبر العدل على البينة مستهجن ، لأن العدل جزء البينة ، ولو كان خبره حجة تعين الاقتصار عليه دون البينة ، كما لا يخفى. ومن ذلك يظهر أن عموم حجية خبر الثقة في الاحكام والموضوعات ، لو تمَّ ـ من بناء العقلاء وغيره ـ فتخصيصه أولى من تخصيص الرواية. على أنها بالنسبة إلى بناء العقلاء رادعة واردة لا معارضة وكذا الكلام في خصوص رواية عبد الله بن سليمان‌ في إثبات النجاسة ، بناء على ما عرفت من استفادة عموم حجية البينة فيها فلاحظ وتأمل. ومن ذلك تعرف الوجه في قول المصنف : « على اشكال » ، وان المتعين المنع من القبول.

[١] على المشهور بين المتأخرين ، وعن الحدائق : أن ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه. ويشهد له السيرة. وهي العمدة فيه. وأما الاستدلال عليه بما‌ في خبر إسماعيل بن عيسى عن أبي الحسن (ع) إذ سأله عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل ... [ الى أن قال ] (ع) : « عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك » (١). فلا يخلو من اشكال ، لعدم ظهور الأمر بالسؤال في وجوب القبول ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب النجاسات حديث : ٧.

٢٠٦

______________________________________________________

مع أنه خال عن التقييد بذي اليد. ومثله الإشكال في الاستدلال بالنهي عن السؤال في صحيح البزنطي الوارد في شراء الفراء من السوق‌ (١) ، وفي رواية عمار الواردة في شراء الجبن من المسلم (٢). وأضعف من ذلك الاستدلال بالنهي عن الإعلام في رواية ابن بكير الواردة فيمن أعار ثوبا لا يصلى فيه ، حيث‌ قال (ع) : « لا يعلمه قلت : فإن أعلمه قال (ع) : يعيد » (٣) إذ لا يظهر منه أن المراد من الاعلام مجرد الخبر ولو لم يعلم بمضمونه ، ولا كون عدم الصلاة من جهة النجاسة. مع أنه مبني على وجوب إعادة الجاهل بالنجاسة ، وهو خلاف التحقيق ، كما يأتي إن شاء الله (٤) وكأنه لذلك كان ما عن الذخيرة وشرح الدروس من عدم الوقوف له على دليل. نعم‌ في صحيح معاوية بن عمار : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل من أهل المعرفة بالحق يأتيني بالبختج (٥) ويقول : قد طبخ على الثلث وأنا أعرفه أنه يشربه على النصف فاشربه بقوله وهو يشربه على النصف؟ فقال (ع) : لا تشربه. قلت : فرجل من غير أهل المعرفة ممن لا نعرفه أنه يشربه على الثلث ولا يستحله على النصف ، يخبر أن عنده بختجا على الثلث قد ذهب ثلثاه وبقي ثلثه يشرب منه قال (ع) : نعم » (٦) وظاهره حجية الخبر مع عدم ما يوجب اتهام المخبر. ولعله محمل‌ صحيح

__________________

(١) لم نعثر على رواية : عمار المشتملة على النهي : نعم اشتمل على ذلك رواية الثمالي ( الوسائل باب : ٣٣ من الأطعمة المحرمة ) ورواية بكر بن حبيب ( الوسائل باب : ٦٠ من الأطعمة المباحة )

(٢) في أول فصل الصلاة في النجس.

(٣) البختج : العصير المطبوخ. ( مجمع البحرين ).

(٤) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب النجاسات حديث : ٣.

(٥) الوسائل باب : ٤٧ من أبواب النجاسات حديث : ٣.

(٦) الوسائل باب : ٧ من أبواب الأشربة المحرمة حديث : ٤.

٢٠٧

وان لم يكن عادلا ولا تثبت بالظن المطلق [١] على الأقوى.

______________________________________________________

معاوية بن وهب : « عن البختج ، فقال : إذا كان حلواً يخضب الإناء وقال صاحبه : قد ذهب ثلثاه وبقي الثلث ، فاشربه » (١) ‌، فان عدم كونه يخضب الإناء أمارة على عدم ذهاب الثلاثين.

لكن‌ في موثق عمار فيمن يأتي بالشراب ويقول : هو مطبوخ على الثلث « فقال (ع) : إن كان مسلما ورعا مؤمنا فلا بأس أن يشرب » (٢). وفي صحيح ابن جعفر (ع) : « لا يصدق إلا أن يكون مسلماً عارفا » (٣). والمتعين حملهما على الاستحباب ، لصراحة الصحيح الأول بعدم اعتبار الورع والايمان ، والتفكيك بينهما وبين الإسلام بعيد.

فلا يبعد كون المستفاد من هذه النصوص حجية قول ذي اليد إذا لم يكن ما يوجب اتهامه. ولكن موردها خصوص الاخبار بالتطهير. ومثلها في الدلالة على الحجية ما دل من المستفيضة على أن من أقر بعين في يده لغيره فهي له‌ (٤). وليس ذلك من باب حجية الإقرار ، لاختصاص ذلك بما كان إقراراً على نفسه وهو نفي الملكية عن نفسه ، لا ثبوت الملكية لغيره فان ذلك من باب حجية الخبر ، كما لا يخفى. لكن موردها أيضاً خصوص الاخبار بالملك.

[١] كما هو المشهور المعروف ، بل لا ينقل فيه خلاف إلا عن ظاهر النهاية وصريح الحلبي. لابتناء أكثر الاحكام على الظنون. وامتناع ترجيح المرجوح. ولما في بعض النصوص من الأمر بغسل الثوب المأخوذ من يد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب الأشربة المحرمة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب الأشربة المحرمة حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ٧ من أبواب الأشربة المحرمة حديث : ٧.

(٤) راجع باب : ١٦ ، ٢٥ ، ٢٦ من الوصايا.

٢٠٨

[ مسألة ٧ ] : إذا أخبر ذو اليد بنجاسته ، وقامت البينة على الطهارة ، قدمت البينة [١]. وإذا تعارض البينتان تساقطتا [٢] ،

______________________________________________________

الكافر‌ (١). ولما تضمن إلقاء السجاد (ع) الفراء إذا أراد الصلاة ، لأن أهل العراق يستحلون الميتة بالدباغ‌ (٢). والجميع كما ترى. لمنع الأول إن أريد مطلق الظن ـ كما هو محل الكلام ـ كمنع الثاني إذا كان لحجة شرعية من أصل الطهارة أو استصحابها. ومعارضة الثالث بما دل على جواز الصلاة فيما يعمله الكافر‌ (٣) ، وعدم وجوب غسله. وإلقاء السجاد الفراء أعم من الوجوب. مع أن في لبسه دلالة على خلاف المطلوب. مع أنه لو بني على حجية الظن بالنجاسة لزم الهرج والمرج ، إذ قل ما ينفك مورد عن الظن بالنجاسة ولو للسراية.

[١] لقصور دليل حجية قول المالك عن صورة التعارض المذكور.

مضافا الى ما يستفاد مما دل على القضاء بالبينة في مقابل دعوى ذي اليد الملكية لنفسه أو لغيره. نعم إذا كان مستند البينة الأصل ـ بناء على جواز ذلك ـ قدم اخبار ذي اليد ، لأنه مقدم على الأصل ، وإذا بطل مستند الشهادة امتنع قبولها.

[٢] لأصالة التساقط في المتعارضين. ودليل الترجيح مع وجود المرجح والتخيير مع عدمه ، يختص بتعارض الأخبار الحاكية عن الحكم الكلي ، ولا يعم البينات الحاكية عن الموضوع أو الحكم الجزئي.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٦١ من أبواب النجاسات حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٧٣ من أبواب النجاسات حديث : ١.

٢٠٩

إذا كانت بينة الطهارة مستندة إلى العلم [١] ، وان كانت مستندة إلى الأصل [٢] تقدم بينة النجاسة.

______________________________________________________

[١] يعني : وكانت بينة النجاسة كذلك. أما لو كانت هذه مستندة إلى الأصل قدمت بينة الطهارة ، لأنها تقدم على الأصل الذي هو مستند بينة النجاسة فتسقط لبطلان مستندها. كما هو كذلك في عكس ذلك المفروض في المتن : بأن كانت بينة الطهارة مستندة الى الأصل ، وبينة النجاسة إلى العلم ، فإنه تقدم فيه بينة النجاسة ، لأنها تقدم على الأصل الذي هو مستند بينة الطهارة ، فتبطل هي لبطلان مستندها. فالتساقط يختص بصورة لا تكون فيه إحدى البينتين رافعة لمستند الأخرى ، فإنه تبطل الأخرى لبطلان مستندها ، فتبقى الأولى بلا معارض فتكون واردة على الأخرى لا معارضة بها إذ مع الخطأ في المستند تنتفي الحجية لقصور أدلة الحجية عن شمول ذلك من دون فرق بين حجية الخبر والفتوى والبينة وغيرها من الحجج ، سواء أكانت حجة على الحكم الكلي أم الجزئي. نعم في حكم الحاكم نوع تفصيل أشرنا إليه آنفا في مسائل التقليد.

[٢] لا ينبغي التأمل في أن جواز الشهادة بشي‌ء ليس من آثار ثبوته واقعا كي يكون الشك في ثبوته مستلزما للشك في جواز الشهادة به ، فيبنى على جوازها لأصالة البراءة. بل هو من آثار العلم بالثبوت ، والظاهر أنه مما لا خلاف فيه في الجملة. ويشهد به جملة من النصوص مثل ما‌ رواه المحقق في الشرائع عن النبي (ص) من قوله ـ وقد سئل عن الشهادة ـ : « هل ترى الشمس؟ على مثلها فاشهد أو دع » (١) وفي خبر علي بن غياث : « لا تشهد بشهادة حتى تعرفها كما تعرف كفك » (٢) ‌، ونحوهما غيرهما‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من كتاب الشهادات حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب ٢٠ من كتاب الشهادات حديث : ١.

٢١٠

______________________________________________________

والظاهر منها ـ ولو بقرينة مناسبة الحكم والموضوع ـ اعتبار العلم موضوعا على نحو الطريقية ، لا الصفة الخاصة ، لأن الحمل عليه في أمثال المقام يحتاج إلى عناية خال عنها الكلام ، بخلاف الحمل على الأول.

مع أن البناء على الصفتية يوجب الإشكال في كثير من الموارد التي استقرت السيرة فيها على الشهادة اعتماداً على أمارة أو قاعدة أو إقرار أو نحو ذلك ، مثل الشهادة بالنسب اعتماداً على قاعدة الفراش ، والشهادة بالزوجية وبالملك اعتماداً على قاعدة الصحة في عقد النكاح وعقد البيع ، وكذا الشهادة بالطلاق اعتماداً على قاعدة صحة الطلاق ، وبالحرية اعتمادا على قاعدة صحة العتق ، والشهادة بالدين اعتماداً على الإقرار ، أو قاعدة الصحة في عقد الضمان ، وكذا الحال في أمثال ذلك مما هو كثير لا يحصى.

ودعوى : أن الشهادة إنما هي بالسبب ، وهو معلوم ، والقاعدة إنما يجريها المشهود عنده. مندفعة : بأنها خلاف‌ قوله (ع) : « إنما أقضي بينكم بالبينات والايمان » (١) ويشير الى ذلك الصحيح الآتي ، فإنه يدل على أن القاضي لا يستصحب ، وإنما الذي يعمل بالاستصحاب هو الشاهد والقاضي إنما يعمل بشهادته.

وبالجملة فالتأمل قاض : بأن سيرة المتشرعة على الشهادة اعتماداً على الأمارة أو القاعدة التي هي بمنزلتها ولو بالإضافة إلى حيثية الشهادة ـ مثل قاعدة الصحة ـ مما لا مجال لإنكارها. فلا بد من التصرف في الحديثين المذكورين ـ لو تمَّ ظهورهما في اعتبار العلم على نحو الصفتية ـ بحملهما على ما لا ينافي ذلك ، بأن يكون المراد منهما الردع عن الشهادة اعتمادا على الظن والحدس والتخمين.

ويشهد بذلك ما ورد من جواز الشهادة بالملك اعتمادا على اليد ، وهي‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب كيفية الحكم من كتاب القضاء حديث : ١.

٢١١

______________________________________________________

رواية حفص بن غياث عن أبي عبد الله (ع) قال له : « إذا رأيت شيئاً في يد رجل يجوز لي أن أشهد أنه له؟ قال (ع) : نعم. قال الرجل : أشهد أنه في يده ، ولا أشهد أنه له ، فلعله لغيره. فقال أبو عبد الله (ع) : أفيحل الشراء منه؟ قال : نعم. فقال أبو عبد الله (ع) : فلعله لغيره فمن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكا لك ، ثمَّ تقول بعد الملك : هو لي. وتحلف عليه ، ولا يجوز أن تنسبه الى من صار ملكه من قبله إليك. ثمَّ قال أبو عبد الله (ع) : لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق » (١) ‌، فإنها تدل على أن اليد لما كانت أمارة على الملك كانت بمنزلة العلم به فيترتب عليها أحكامه ، ومن تلك الاحكام جواز الشهادة به. وما‌ رواه معاوية بن وهب قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : الرجل يكون في داره ، ثمَّ يغيب عنها ثلاثين سنة ، ويدع فيها عياله ، ثمَّ يأتينا هلاكه ، ونحن لا ندري ما أحدث في داره. ولا ما أحدث له من الولد ، إلا أنا لا نعلم أنه أحدث في داره شيئاً ، ولا حدث له ولد ، ولا تقسم هذه الدار على ورثته الذين ترك في الدار حتى يشهد شاهدا عدل أن هذه الدار دار فلان ابن فلان ، مات وتركها ميراثا بين فلان وفلان ، أو نشهد على هذا؟ قال (ع) : نعم. قلت : الرجل يكون له العبد ، والأمة ، فيقول أبق غلامي أو أبقت أمتي ، فيؤخذ بالبلد فيكلفه القاضي البينة ان هذا غلام فلان ، لم يبعه ولم يهبه ، أفنشهد على هذا إذا كلفناه؟ ونحن لم نعلم أنه أحدث شيئاً. فقال (ع) : كلما غاب من يد المرء المسلم غلامه أو أمته أو غاب عنك لم تشهد به » (٢) وروي في الصحيح أيضا قال : « قلت له : إن ابن أبي ليلى يسألني الشهادة عن هذه الدار مات فلان وتركها‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب كيفية الحكم من كتاب القضاء حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٧ من كتاب الشهادات حديث : ٢.

٢١٢

______________________________________________________

ميراثا ، وأنه ليس له وارث غير الذي شهدنا له. فقال : اشهد بما هو علمك. قلت : إن ابن أبي ليلى يحلفنا اليمين الغموس. فقال (ع) : احلف إنما هو على علمك » (١). وروي أيضاً في الموثق : « قلت لأبي عبد الله (ع) : الرجل يكون له العبد والأمة قد عرف ذلك فيقول : أبق غلامي أو أمتي ، فيكلفونه القضاة شاهدين بأن هذا غلامه أو أمته لم يبع ولم يهب ، أنشهد على هذا إذا كلفنا؟ قال (ع) : نعم » (٢). وما في ذيل الأول محمول على بعض المحامل ، أو مطروح ، لترجح غيره عليه. كما أن ما في الصحيح من جعله علماً مبني على الادعاء ، كما هو ظاهر دليل الاستصحاب.

وكيف كان فالمراد من الأصل في عبارة المتن الاستصحاب ، لا أصالة الطهارة ، فإنها لا تكون مستنداً للشهادة بالطهارة الواقعية ، لعدم كونها علماً بها لا حقيقة ولا تنزيلا ، والطهارة الظاهرية في حق الشاهد ليست موضوعا للحكم في حق المشهود عنده ، بل هو إن كان شاكا كان موضوعا لها ، لقيام الدليل الدال عليها عنده إن كان مجتهداً ، أو لفتوى مجتهده إن كان مقلداً بلا توسط شهادة الشاهد.

ثمَّ إنه مما يتفرع على ذلك جواز الشهادة بالواقع اعتماداً على البينة إذا شهدت به ، كما حكي عن الشيخ [ ره ]. لكن المعروف بين الأصحاب عدم القبول ولعله لما ورد من عدم قبول شهادة الفرع إلا في موارد خاصة (٣). لكن عدم القبول لا يقتضي عدم جواز الشهادة نفسها. فلاحظ.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من كتاب الشهادات حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٧ من كتاب الشهادات حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٤٤ ، ٤٥ من كتاب الشهادات.

٢١٣

[ مسألة ٨ ] : إذا شهد اثنان بأحد الأمرين ، وشهد أربعة بالآخر ، يمكن ـ بل لا يبعد ـ تساقط الاثنين بالاثنين ، وبقاء الآخرين [١].

[ مسألة ٩ ] : الكرية تثبت بالعلم ، والبينة [٢]. وفي ثبوتها بقول صاحب اليد وجه ، وان كان لا يخلو عن إشكال [٣].

______________________________________________________

[١] هذا غير ظاهر ، فان دليل حجية البينة كدليل حجية الخبر نسبته الى الواحد والكثير نسبة واحدة ، وانطباقه على الجميع في رتبة واحدة ، فإذا امتنع انطباق الدليل على المتعارضين كان مقتضاه سقوط الطرفين عن الحجية ، وما في المتن من التبعيض في أحد الطرفين يحتاج إلى معين مفقود. نعم لو كانت أبعاض أحد الطرفين مترتبة في انطباق الدليل ، سقط ما يكون في الرتبة الأولى للمعارضة وانفرد المتأخر بالحجية ، كما هو كذلك في الأصول المترتبة. لكن المقام ليس كذلك. نعم لو بني على الترجيح في البينات المتعارضة ، كالترجيح في الاخبار المتعارضة ، كان اللازم في الفرض ترجيح شهادة الأربعة على شهادة الاثنين ، لا ما ذكر في المتن. وكذا ترجيح شهادة الثلاثة على شهادة الاثنين ، لو فرض شهادة ثلاثة بأحد الأمرين ، وشهادة اثنين بالآخر. لكن الترجيح غير واضح ، لعدم الدليل عليه. والترجيح بالاشهرية مختص بالخبرين المتعارضين ، والترجيح بالأكثرية مختص ببعض صور تعارض البينتين عند القاضي في مقام المرافعة اليه ، والتعدي إلى المقام محتاج الى دليل مفقود.

[٢] لما تقدم من عموم حجية البينة.

[٣] كأنه لندرة الابتلاء بالسؤال عن الكرية في عصر المعصومين (ع) فلم تحرز سيرة على قبول خبر ذي اليد فيه ، أو لعدم دليل بالخصوص فيه. بخلاف السؤال عن النجاسة. فقد ورد فيه بعض النصوص ، وادعي‌

٢١٤

كما أن في إخبار العدل الواحد أيضاً اشكالا [١].

[ مسألة ١٠ ] : يحرم شرب الماء النجس [٢] ، إلا في الضرورة. ويجوز سقيه للحيوانات [٣] ،

______________________________________________________

الاتفاق عليه. وفيه : أن العمدة في الدليل على القبول في النجاسة هو السيرة ـ لما عرفت من الإشكال في دلالة النصوص عليه ، ولم يثبت إجماع معتبر على القبول ـ والسيرة العملية في المقام وان كانت غير ثابتة لندرة الابتلاء ، لكن السيرة الارتكازية محققة ، فإنه لا ريب عند المتشرعة في جواز الاعتماد على خبر ذي اليد في الكرية والنجاسة وغيرهما مما يتعلق بما في اليد ، من دون فرق بين الجميع ، والسيرة الارتكازية حجة كالعملية فلاحظ.

[١] تقدم أن الاشكال قوي جدا.

[٢] إجماعا ، نصا وفتوى ، بل لعله من ضروريات الدين. نعم في حال الضرورة يجوز شربه بلا إشكال ، لأدلة نفي الضرر‌ (١) والحرج (٢) وغيرها.

[٣] يكفي فيه الأصل. وفي خبر أبي بصير عن الصادق (ع) : « عن البهيمة البقرة وغيرها تسقى أو تطعم ما لا يحل للمسلم أكله أو شربه أيكره ذلك؟ قال (ع) نعم يكره ذلك » (٣). وظاهره الجواز على كراهية.

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١٧ من أبواب الخيار من كتاب البيع وباب : ٥ من كتاب الشفعة وباب : ٧ و١٢ من كتاب احياء الموات.

(٢) مثل قوله تعالى ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) البقرة : ١٨٥ وقوله تعالى : ( ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ) المائدة : ٦. وقوله تعالى ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) الحج : ٧٨. وقد يدل عليه خبر عبد الأعلى مولى آل سام ( الوسائل باب : ٣٩ من أبواب الوضوء حديث : ٥ ).

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الأشربة المحرمة حديث : ٥.

٢١٥

بل وللأطفال أيضا [١]. ويجوز بيعه [٢].

______________________________________________________

[١] لأصل. وما ورد من تحريم سقي المسكر لهم‌ (١) لا يمكن استفادة حكم المقام منه ، لاحتمال خصوصية للمسكر. وما تضمن الأمر بإراقة الماء المتنجس‌ (٢) ، الظاهر في عدم الانتفاع به ، لا يقتضي المنع في المقام أيضاً ، بتوهم أنه لو جاز سقيه للأطفال لكان له منفعة معتد بها لكثرة الابتلاء بهم ، بل ربما كانوا أكثر العيال. وذلك لأن جواز سقيه لا يوجب كونه ذا منفعة معتد بها عرفا إذا كان يؤدي الى نجاسة الطفل وثيابه غالبا ، السارية إلى غيره ، فان ذلك أمر مرغوب عنه. ولعله لذلك لم يذكر الطفل في بعض الروايات الآمرة بإراقة المرق المتنجس ، أو إطعامه أهل الكتاب ، أو الكلب‌.

وما يقال : من أن أدلة المنع عن شرب النجس‌ لما كانت عامة للصبي كانت دالة على وجود المفسدة في شربه ، وأدلة رفع القلم عن الصبي‌ ليست مخصصة لها ، بل نافية لمحض الاستحقاق برفع الإلزام ، ـ ولذا بنينا على شرعية عبادات الصبي لعموم أدلة الأحكام ـ فإذا كان شرب الصبي مشتملا على المفسدة كان سقيه إيقاعا له في المفسدة ، فيحرم. [ مندفع ] : بأن المفسدة التي يحرم إيقاع الصبي فيها من الولي وغيره لا تشمل مثل ذلك.

[٢] إذا كان له منفعة معتد بها. لعموم دليل صحة البيع (٣) ، ووجوب الوفاء بالعقود (٤). وأما‌ النبوي : « إذا حرم الله شيئاً حرم‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١٠ من أبواب الأشربة المحرمة.

(٢) راجع الوسائل باب : ٨ من أبواب الماء المطلق.

(٣) مثل قوله تعالى ( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا ) ـ البقرة : ٢٧٥ وقوله تعالى ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) ـ النساء : ٢٩.

(٤) مثل قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ـ المائدة : ١.

٢١٦

مع الاعلام [١].

______________________________________________________

ثمنه » (١) فظاهره التحريم المؤدي إلى سلب المنفعة المعتد بها ، لا مطلقاً ، وإلا لزم تخصيص الأكثر.

[١] العمدة فيه‌ قول الصادق (ع) في صحيح معاوية الوارد في بيع الزيت المتنجس : « ويبينه لمن اشتراه ليستصبح به » (٢) ‌، فإنه لما لم يكن ترتب بين الاعلام والاستصباح ، وإنما الترتب بين الاعلام وعدم أكل الزيت ، بلحاظ أن الاعلام يستوجب حدوث الداعي إلى ترك الأكل لكن لأجل انحصار الفائدة بهما غالبا كان ترك الأكل ملازما للاستصباح ، فالتعليل بالاستصباح يكون عرضياً والعلة الأصلية ترك الأكل. ويشير إلى ذلك أن الاستصباح ليس مأموراً به كي يمكن أن يترشح الأمر الغيري إلى مقدمته ، وهو الاعلام والتنبيه.

هذا ولأجل حمل التعليل على التنبيه على أمر عرفي ، لزم التعدي عن مورده الى غيره وإلا كان تعبدياً ، وهو خلاف الأصل في التعليلات الشرعية فتكون العلة في وجوب الاعلام الفرار من الوقوع في الحرام ، وهي حاصلة فيما نحن فيه وغيره. وعلى هذا فوجوب الاعلام مولوي ، لا إرشادي الى شرطيته للبيع. كما أنه لو علم عدم شربه للنجس لم يجب الاعلام. وكذا لو علم عدم تأثير الاعلام في احداث الداعي ، بأن كان مقدما على شربه على كل حال.

وقد يستدل على وجوب الإعلام : بأن تركه تسبيب الى فعل الحرام ، كمن قدم الى غيره محرما ، فإنه فاعل للحرام ، لأن استناد الفعل الى السبب أقوى ، فنسبة الفعل إليه أولى. وفيه : [ أولا ] : أن مجرد ترك الاعلام لا يكون من قبيل السبب إلا إذا كان شرب النجس اعتمادا على فعل البائع‌

__________________

(١) كتاب البيوع من كتاب الخلاف المسألة : ٣٠٨ ، ٣١٠.

(٢) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب الأطعمة المحرمة ملحق حديث : ١.

٢١٧

______________________________________________________

ليكون من قبيل من قدم الى غيره محرما. أما لو كان اعتماداً على أصل الطهارة فلا تسبيب فيه أصلا ، كما لو رأى نجسا في يد غيره يريد أكله ، فإن ترك إعلامه من قبيل ترك إحداث الداعي إلى ترك الحرام ، لا من قبيل فعل السبب الى الحرام. [ وثانياً ] : أنه لا دليل على تحريم التسبيب كلية. ونسبة الفعل الى السبب حقيقة ممنوعة ، ومجازاً غير مجدية ، ولذا كان التحقيق ضمان المباشر للأكل فيما لو قدم إلى غيره طعاماً ، وأن رجوع الآكل عند الخسارة على من قدم الطعام له ليتدارك خسارته ، لقاعدة الغرور لا لقاعدة : « من أتلف ... ». ولذا لم يعرف قائل منا برجوع المالك على من قدم الطعام لا غير ، ولو كان هو أولى بنسبة الإتلاف كان هو المتعين في الرجوع عليه بالبدل. [ وثالثا ] : أنه لو سلمت صحة النسبة في باب الضمان بالإتلاف أمكن الإشكال في صحة مقايسة المقام عليه ، لأن الإتلاف المأخوذ موضوعا للضمان مطلق الإتلاف الحاصل ولو بواسطة غير المتلف ، بأن يكون غيره كالآلة في الإتلاف ، بخلاف شرب النجس المأخوذ موضوعا للحرمة ، فإنه خصوص شرب المكلف نفسه ، وإدخاله إلى جوفه ، وهو غير حاصل في الفرض. وكذا لو أدخل الماء النجس الى جوف غيره قهرا. نعم يحرم ذلك من جهة التعدي على نفسه وبدنه ، لا من جهة تحقق شرب النجس. [ وبالجملة ] التارك للاعلام لا يصدق عليه أنه شارب للنجس. نعم لو قام دليل على تحريم شرب النجس مطلقا ولو كان من غير من يقوم به الشرب ، كان التحريم في المقام في محله.

ثمَّ إنه لو بني على وجوب الاعلام من هذا الوجه الأخير فهو مولوي أيضاً ، لا إرشادي إلى شرطية الإعلام للبيع ، فلو باع بلا إعلام صح البيع وان أثم البائع بترك الاعلام المؤدي إلى الوقوع في النجس. لكن الذي يتراءى من عبارة المتن كون الاعلام شرطا في البيع ، فلا يصح بدونه.

٢١٨

فصل

الماء المستعمل في الوضوء طاهر ، مطهر من الحدث ، والخبث [١]. وكذا المستعمل في الأغسال المندوبة [٢]. وأما المستعمل في الحدث الأكبر فمع طهارة البدن لا إشكال في طهارته [٣]

______________________________________________________

ولعله لأنه لو لا الاعلام لكان قصد المشتري الانتفاع المحرم ، فيكون أكل الثمن بإزائه أكلا للمال بالباطل. وفيه ـ مع أن الجهل مانع من التحريم لحصول الرخصة معه ـ : أن قصد المشتري نفسه لا يكفي في صدق الأكل بالباطل بالنسبة إلى البائع مع عدم قصده ذلك ، كما لا يخفى.

فصل في الماء المستعمل‌

[١] إجماعا ، بل ادعي على الأول ضرورة المذهب. ويكفي فيه الأصل ، وفي الثاني إطلاقات مطهرية الماء‌ (١) ، وبعض النصوص ، كما سيأتي. نعم في المستدرك عن أبي حنيفة : « إنه نجس نجاسة مغلظة ».

[٢] إجماعا ، كما في القواعد ، وعن التذكرة ، وظاهر غيرهما ، وفي الحدائق : « نفى جملة من المتأخرين الخلاف فيها ». لاشتراكه مع ما قبله فيما ذكر دليلا على حكمية.

[٣] اتفاقا نصا‌ (٢) وفتوى ، بل لعله ضروري. ويكفي فيه الأصل نعم ظاهر عبارة الوسيلة عدم رفع الخبث به ، بل قد يستظهر منها القول‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١ من أبواب الماء المطلق.

(٢) راجع الوسائل باب : ٩ من أبواب الماء المضاف.

٢١٩

ورفعه للخبث [١]. والأقوى جواز استعماله في رفع الحدث أيضاً [٢].

______________________________________________________

بنجاسته. وهو غريب.

[١] إجماعا ، كما عن غير واحد. للعمومات‌ (١) ويقتضيه الأصل لكنه تعليقي.

[٢] كما هو الأشهر ، بل نسب الى مشهور المتأخرين ، وحكي عن السيدين والعلامة والشهيدين وغيرهم. خلافا للمقنعة والمبسوط والصدوقين وابني حمزة والبراج ، على ما حكي عنهم. لخبر ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « قال : لا بأس بأن تتوضأ بالماء المستعمل. فقال [ وقال خ ل ] : الماء الذي يغسل به الثوب ، أو يغتسل به الرجل من الجنابة ، لا يجوز أن يتوضأ منه وأشباهه. وأما الذي يتوضأ الرجل به ، فيغسل به وجهه ويده في شي‌ء نظيف ، فلا بأس أن يأخذه غيره ويتوضأ به » (٢). لظهوره في عطف : « وأشباهه » على الضمير المجرور ، فيدل على المنع من الوضوء بكل مستعمل في رفع الأكبر ، جنابة كان أو غيرها.

والطعن في السند باشتماله على أحمد بن هلال العبرتائي ، الذي رجع عن التشيع الى النصب ـ كما عن سعد بن عبد الله الأشعري ـ والملعون المذموم ـ كما عن الكشي ـ والغالي المتهم في دينه ـ كما عن الفهرست ـ والذي لا يعمل بما يختص بروايته ـ كما عن التهذيب ـ وروايته غير مقبولة ـ كما عن الخلاصة ـ [ مدفوع ] : بأن اعتماد المشايخ الثلاثة وغيرهم على روايته كاف في جبر ضعفه ولا سيما بملاحظة أن الراوي عنه بواسطة الحسن ابن علي سعد بن عبد الله ، وهو أحد الطاعنين عليه. وأن رواية أحمد للخبر‌

__________________

(١) يعني. عمومات مطهرية الماء.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب الماء المضاف حديث : ١٣.

٢٢٠