مستمسك العروة الوثقى - ج ١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦١١

______________________________________________________

ومنها : ما ورد في الماء القليل تكون فيه الفأرة الميتة ، من الأمر بغسل الثوب منه واعادة الوضوء‌ (١). وفي الجرذ يموت في الإناء ، من الأمر بغسله‌ (٢) ، وما ورد في الماء تكون فيه الجيفة ، من الأمر بالوضوء من الجانب الآخر‌ (٣) ، والنهي عن الشرب والوضوء إذا غلب ريحها على ريح الماء‌ (٤).

اللهم إلا أن يقال : إن كان المراد مطلق الجيفة كان موضوع الحكم الجيفة لا الميتة ، وبينهما عموم من وجه ، وان أريد جيفة مخصوصة امتنع الاستدلال بذلك على ما نحن فيه ، لإمكان اختصاصه بجيفة نجس العين. وفيه : أن الحمل على نجس العين بعيد ، فإنه خلاف إطلاق النصوص ، ولا سيما مع ندرة جيفة نجس العين. والجمود على معنى الجيفة وان كان يقتضي العموم للمذكى ، لكن الداعي إلى تذكية الحيوان داع الى الانتفاع به ، وعدم وضعه في الماء كي يصير جيفة ، كما لا يخفى. فالجيفة منصرفة في النصوص الى الميت من الحيوان.

ومنها : ما ورد في أهل الكتاب ، من النهي عن الأكل في آنيتهم إذا كانوا يأكلون فيها الميتة والدم ولحم الخنزير ، كما في صحيح ابن مسلم‌ (٥) ومنها : ما ورد في الثوب تصيبه أغماد السيوف المعمولة من جلود‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب الماء المطلق حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٥٣ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٩ من أبواب الماء المطلق حديث : ١١ ، ١٣.

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب الماء المطلق حديث : ١ وربما تضمن ذلك بعض الاخبار الأخر في الباب وغيره.

(٥) الوسائل باب : ٥٤ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ٦.

٣٠١

______________________________________________________

الحمر الميتة ، من الأمر باتخاذ غيره للصلاة‌ (١). وما ورد فيما لا نفس له سائلة ، من‌ قول الصادق (ع) في موثق عمار لما سأله عن الخنفساء والذباب والجراد والنملة وما أشبه ذلك يموت في البئر والسمن وشبهه. قال (ع) : « كل ما ليس له دم فلا بأس » (٢). فتأمل. وقول أبي جعفر (ع) : « لا يفسد الماء إلا ما كانت له نفس سائلة » (٣).

ومنها : ما ورد في الاستصباح بأليات الغنم المقطوعة ، من‌ قول أبي الحسن (ع) : « أما علمت أنه يصيب اليد والثوب وهو حرام » (٤).

ومنها : ما ورد فيما لا تحله الحياة المأخوذ من الميتة ، من‌ قول أبي عبد الله (ع) : لزرارة ومحمد : « وإن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله وصل فيه » (٥). وحمل الغسل على أنه لإزالة الأجزاء الملتصقة خلاف الظاهر من الأمر بالغسل تعييناً. وما‌ في رواية تحف العقول : من قول الصادق (ع) : « والبيع للميتة ، أو الدم ، أو لحم الخنزير ، أو لحوم السباع من صنوف سباع الوحش والطير ، أو جلودها ، أو الخمر ، أو شي‌ء من وجوه النجس » (٦). وما‌ في رواية جابر في فارة وقعت في خابية فيها سمن أو زيت. قال أبو جعفر (ع) : « لا تأكله. فقال له الرجل : الفأرة أهون علي من أن أترك طعامي من أجلها. فقال له أبو جعفر (ع) إنك لم تستخف بالفأرة إنما استخففت بدينك ، إن الله تعالى حرم الميتة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب النجاسات حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الذبائح حديث : ٢.

(٥) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ٣.

(٦) الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يكتسب به حديث : ١.

٣٠٢

______________________________________________________

من كل شي‌ء » (١).

والمناقشة في جميع ذلك في غير محلها. ولا سيما وقد عد الحكم بالنجاسة عداد الضروريات الدينية ، فضلا عن الضروريات المذهبية ، وضروريات الفقه.

ومن هنا أنكر جماعة من الأساطين على السيد في المدارك لما استشكل في النجاسة. إذ لم يجد عليها نصاً يعتد به ولا إجماعا محققاً عليها. ولأن الصدوق [ ره ] روى مرسلا في الفقيه عن الصادق (ع) : « سئل عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن والماء والسمن ما ترى فيه. فقال (ع) : لا بأس بأن تجعل فيها ما شئت من ماء أو لبن أو سمن وتتوضأ منه وتشرب ، ولكن لا تصل فيها » (٢). ومقتضى ما ذكره في صدر كتابه من أنه لا يورد فيه إلا ما يفتي به ويكون حجة بينه وبين ربه ، أنه يفتي بطهارة جلد الميتة.

إذ فيه [ أولا ] : عدم تأتي المناقشات في جميع ما عرفت من النصوص التي فيها الصحيح والموثق ومعتبر الإسناد في نفسه ، المعول عليه عند الأصحاب. [ وثانيا ] : أنك عرفت حكاية الإجماعات الكثيرة على النجاسة المقبولة عند جميع الأصحاب ، فإن الإجماع المنقول إذا كان مقبولا عند الأصحاب يخرج عن كونه منقولا ويكون متواتراً ، فكيف بالإجماعات الكثيرة إذا كانت مقبولة عند الطائفة؟! بل عرفت دعوى الضرورة على النجاسة من بعضهم وإيراد الصدوق [ ره ] للمرسل في كتابه لا يدل على اعتقاده بمضمونه ، لأنه عدل عما ذكر في صدر كتابه ، كما عن المجلسي [ ره ]. وإن كان يشكل ذلك : بأن الواجب التنبيه منه على ذلك ، لئلا يكون تدليساً وهو بعيد عن مقامه الأقدس. مع أن حصول البداء له في ذلك مستبعد جداً ، ولا سيما بالنسبة إلى هذه الرواية المذكورة في أوائل الكتاب. فالأولى حمل المرسل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب الماء المضاف حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب النجاسات حديث : ٥.

٣٠٣

______________________________________________________

المذكور على ميتة ما لا نفس له سائلة لقرينة على ذلك اعتقدها الصدوق ، فأورده في سلك الأخبار التي يجوز التعويل عليها. فلاحظ ، وتأمل.

هذا كله في ميتة غير الآدمي من ذي النفس السائلة. إما ميتة الآدمي فالإجماعات المتقدمة محكية على نجاستها أيضاً. ويشهد لها‌ صحيح ابن ميمون : « سألت أبا عبد الله (ع) : عن رجل يقع ثوبه على جسد الميت. قال (ع) : إن كان غسل الميت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه ، وان كان لم يغسل فاغسل ما أصاب ثوبك منه. يعني : إذا برد الميت » (١). وصحيح الحلبي عنه (ع) : « عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميت. قال (ع) : يغسل ما أصاب الثوب » (٢) والتوقيع في إمام حدثت عليه حادثة ، قال : « ليس على من مسه إلا غسل اليد » (٣) ، ونحوه الآخر بتفاوت لا يضر في المقصود‌ (٤). وما في موثقة عمار ، من الأمر بنزح سبعين دلواً لموت الإنسان في البئر‌ (٥). هذا والظاهر من الأمر بغسل الثوب واليد في التوقيع هو النجاسة بالمعنى المعروف.

وظاهر محكي المفاتيح أن النجاسة هنا بمعنى الخباثة ، فلا تسري إلى الملاقي. وأن المراد من غسل الثوب غسل ما لصق به من رطوبة الميت وقذارته. ولكنه ـ كما ترى ـ خلاف الظاهر. واستدلاله : بأن الميت لو كان نجس العين لم يطهر بالتغسيل اجتهاد في مقابلة النص ، كما في الجواهر.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب غسل المس حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب غسل المس حديث : ٥.

(٥) الوسائل باب : ٢١ من أبواب الماء المطلق حديث : ٢.

٣٠٤

وكذا أجزاؤها المبانة منها [١] ، وان كانت صغاراً [٢] عدا ما لا تحله الحياة منها [٣] كالصوف ، والشعر ، والوبر ،

______________________________________________________

[١] بلا خلاف يعرف ، وعن المدارك : أنه مقطوع به في كلام الأصحاب ، وقريب منه ما عن غيره. لظهور الأدلة في ثبوت النجاسة للاجزاء بلا دخل للاتصال فيها ، ومن ذلك يظهر ضعف ما في المدارك ، من أن الأدلة دلت على نجاسة الميتة ، وهي لا تصدق على الاجزاء قطعا. نعم يمكن القول بنجاسة القطعة المبانة من الميت استصحابا لحكمها حال الاتصال. ولا يخفى ما فيه. انتهى. والاشكال على الاستصحاب غير ظاهر ، لوحدة الموضوع عرفا. ولذا لم يوافقه في ذلك أحد إلا بعض تلامذته. مع أنه لم يلتزم به في غير المقام ، فإن المحكي عنه القول بنجاسة أجزاء الكلب المنفصلة ، لنفس أدلة نجاسة الكلب. مضافا إلى تعليل جواز الصلاة في صوف الميتة : بأنه ليس فيه روح ، كما في صحيح الحلبي (١). وتعليل طهارة الإنفحة : بأنها ليس لها عرق ولا فيها دم ولا لها عظم ، كما في خبر الثمالي‌ (٢). بل نصوص استثناء ما لا تحله الحياة ظاهرة في خصوصية له يمتاز بها عن بقية الاجزاء ، كما لا يخفى.

[٢] لعدم الفرق في استفادة الحكم من الأدلة بين الصغير والكبير.

[٣] بلا خلاف فيه ، بل حكي الاتفاق عليه. وفي صحيح صفوان عن الحسين بن زرارة : « قال أبو عبد الله (ع) : العظم والشعر والصوف والريش ، كل ذلك نابت لا يكون ميتاً » (٣). وفي صحيح حريز : « قال أبو عبد الله (ع) لزرارة ومحمد : اللبن واللبأ والبيضة والشعر والصوف والقرن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٨ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ١٢.

٣٠٥

والعظم ، والقرن ، والمنقار ، والظفر والمخلب والريش ، والظلف ، والسن ، والبيضة إذا اكتست القشر الأعلى [١]

______________________________________________________

والناب والحافر وكل شي‌ء يفصل من الشاة والدابة فهو ذكي. وان أخذته منه بعد أن يموت فاغسله وصل فيه » (١). وصحيح زرارة ، وفيه : « قلت : والصوف والشعر وعظام الفيل والجلد والبيض يخرج من الدجاجة فقال (ع) : كل هذا لا بأس به » (٢). ومرسل الفقيه : « قال الصادق (ع) : عشرة أشياء من الميتة ذكية : القرن والحافر والعظم والسن والأنفحة واللبن والشعر والصوف والريش والبيض » (٣). وفي رواية الفتح بن يزيد‌ (٤) ، أيضاً ذكر القرن فيها. وفي رواية محمد بن جمهور ذكر الظفر والمخلب فيها‌ (٥). ولم أعثر على ذكر المنقار بالخصوص. لكن يستفاد حكمه من العموم في صحيح حريز‌ ، ومن التعليل في صحيح الحلبي‌ وخبر الثمالي‌ المتقدمة.

[١] باتفاق كما قيل وان اختلف في التعبير عنه بما في المتن ، وبالقشر الصلب وبالجلد الفوقاني ، وبالجلد الغليظ ، وهو المذكور‌ في رواية غياث عن أبي عبد الله (ع) : « في بيضة خرجت من است دجاجة ميتة. قال (ع) : إن كانت اكتست البيضة الجلد الغليظ فلا بأس بها » (٦). وبها يقيد إطلاق غيرها. وضعف السند منجبر بالعمل. وعليه فلا وجه لاعتبار الصلابة. إلا أن يكون المراد بها الغلظ.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرمة ملحق حديث : ٩.

(٣) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ٨.

(٤) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ٦.

(٥) الوسائل باب : ٣١ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ١٧.

(٦) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرمة : حديث : ٥.

٣٠٦

سواء كانت من الحيوان الحلال أو الحرام [١] ، وسواء أخذ ذلك بجز أو نتف أو غيرهما [٢]. نعم يجب غسل المنتوف من‌

______________________________________________________

[١] خلافا للعلامة [ ره ] في المنتهى ومحكي النهاية ، فقد أفتى بنجاسة بيض ما لا يؤكل لحمه. وفي المدارك : « هو مطالب بدليله » ، وفي الجواهر : « لم نعرف له دليلا ولا موافقا ، كما اعترف بذلك بعض من تأخر عنه ». أقول : كأن وجهه ما في جملة من النصوص من التنصيص على جواز الأكل ، المختص بمأكول اللحم ، فيحمل غيره عليه. ولكنه غير واضح ، لعدم التنافي الموجب لحمل المطلق على المقيد.

[٢] خلافا للشيخ في محكي النهاية ، فخص الطهارة بالجز. وكأنه لأن أصولها المتصلة باللحم من جملة أجزاء الميتة ، ولا دليل على استثنائها ، لعدم كونها شعراً أو صوفا أو غيرهما. ولما‌ في رواية الفتح بن يزيد الجرجاني : « وكل ما كان من السخال الصوف إن جز ، والشعر ، والوبر ، والانفحة ، والقرن ، ولا يتعدى إلى غيرها » (١). وفيه : أنه لو سلم عدم صدق الشعر ـ مثلا ـ كفى في استثنائه ما‌ في صحيح حريز من قوله (ع) « وكل شي‌ء يفصل ... » ، لصدق ذلك عليه. وكذا التعليل في صحيح الحلبي‌ وخبر الثمالي‌ المتقدمين. وأما رواية الجرجاني‌ فمع أنها ضعيفة السند ، وأنها لا تخلو من اضطراب ، لعدم ظهور خبر قوله (ع) : « كل ما كان ... » مختصة بالصوف ، ولا يخلو ما فيها من التخصيص بالسخال ، ومن عدم التعدي عن الأمور المذكورة فيها من الاشكال. ولعل مراد الشيخ [ ره ] عدم الانتفاع بالمنتوف إلا بعد غسله ، كما تقدم في صحيح حريز‌. ولا بأس به حينئذ ، عملا بالدليل ، كما ذكر في المتن.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ٦.

٣٠٧

رطوبات الميتة. ويلحق بالمذكورات الانفحة [١] ،

______________________________________________________

[١] بكسر الهمزة وتشديد الحاء وقد تخفف ، وبكسر الفاء وقد تفتح. حكى جماعة الإجماع على طهارتها. ونفى الخلاف فيها آخرون ، وانما نقلوا الخلاف عن الشافعي وأحمد ، كما عن الذخيرة. ويشهد لذلك جملة من النصوص ، كصحيح زرارة عن أبي عبد الله (ع) : « سألته عن الانفحة تخرج من الجدي الميت. قال (ع) : لا بأس به. قلت : اللبن يكون في ضرع الشاة وقد ماتت قال (ع) : لا بأس به » (١) ، ونحوه فيما تضمنه من طهارة الإنفحة خبر أبي حمزة‌ (٢) ـ معللا : بأن الإنفحة ليس لها عروق ولا فيها دم ولا لها عظم ـ وخبر يونس عنهم (ع) (٣) ، وخبر الفتح بن يزيد‌ (٤) ، وموثق ابن بكير عن الحسين بن زرارة‌ (٥) ، ومرسل الصدوق‌ (٦) ، وقد تقدم بعضها.

هذا والمصرح به في كلام جماعة ـ منهم العلامة [ ره ] في القواعد ـ : أن الإنفحة لبن مستحيل في جوف السخلة ، كما لعله ظاهر رواية الثمالي‌ ، وفي كشف اللثام : أنه المعروف. وعن السرائر وغيرها : أنها كرش الحمل أو الجدي ما لم يأكل فإذا أكل فهي كرش. وظاهره أنها اسم للظرف لا للمظروف. وكلمات اللغويين لا تخلو من اضطراب ، فعن الصحاح عن أبي زيد وعن غيره : انها كرش الحمل. وفي القاموس : « والانفحة ...

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ٦.

(٥) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ٤.

(٦) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ٨.

٣٠٨

______________________________________________________

شي‌ء يستخرج من بطن الراضع أصفر ، فيعصر في صوفة مبتلة ، فيغلظ كالجبن. فإذا أكل الجدي فهو كرش. وتفسير الجوهري الإنفحة بالكرش سهو » وقال في مادة [ كرش ] : « واستكرشت الانفحة صارت كرشاً ، وذلك إذا رعى الجدي النبات ». وصريحه ـ كظاهر محكي المغرب ـ وقوع الخلاف في معناه ، وأنه الكرش أو ما يكون فيه. وقوى في الجواهر اتحاد التفسيرين : بأن يراد بالشي‌ء الأصفر في التفسير الأول هو ما يصير كرشا للجدي بعد أن يأكل فهو قبل أكله إنفحة ، وبعده كرش. واستشهد على ما ذكر بما تقدم عن المغرب. لكنه يشكل : بأن ما عن المغرب ظاهر في وقوع الخلاف في معناه ، كما عرفت. مع أن ظاهر التفسير الأول أنه المظروف ، وليس هو ما يكون كرشاً ، فان الكرش ـ كما عرفت ـ نفس الظرف.

ولذا قال في المدارك : « إن الأول أولى ، اقتصاراً على موضع الوفاق وان كان طهارة نفس الكرش غير بعيدة ، تمسكا بمقتضى الأصل ». والظاهر أن مراده من كون الأول موضع الوفاق أن طهارته موضع وفاق ، لأنه على تقدير كون الانفحة هي الكرش ، فالمراد من طهارتها طهارتها بما فيها ، لا أنه موضع وفاق من المفسرين ، كي يتوجه عليه أنه لا وفاق بعد تباين التفسيرين. وعلى هذا فما ذكره [ قده ] في محله ، لأن إجمال الأدلة الناشئ من اختلاف الفقهاء واللغويين في معنى الكلمة يوجب الاقتصار على المتيقن في الخروج عن عموم نجاسة الميتة ، ضرورة أن الكرش جزء منها. ومن ذلك يشكل ما ذكره أخيراً ـ في المدارك ـ من طهارة الكرش عملا بالأصل فإنه لا مجال للأصل مع الدليل.

هذا ولو كانت هي اللبن المائع فهي طاهرة ذاتاً وعرضا ، كما يقتضيه ظاهر النصوص. أما لو كانت هي الظرف فظاهر النصوص طهارتها ذاتا‌

٣٠٩

وكذا اللبن في الضرع [١] ، ولا ينجس بملاقاة الضرع النجس ، لكن الأحوط في اللبن الاجتناب ، خصوصاً إذا كان‌

______________________________________________________

في قبال أجزاء الميتة ، فلا ينافي ذلك نجاسة بعض سطوحها بملاقاة رطوبة الميتة ، كما هو ظاهر ما تقدم في الصوف والشعر.

ثمَّ إن صريح ما تقدم عن الفقهاء واللغويين في معنى الانفحة اختصاصها بما قبل الأكل. لكن في الذكرى : « والانفحة طاهرة من الميتة والمذبوحة وان أكلت السخلة ». وهو مشكل ، إلا أن يرجع القيد إلى المذبوحة ، أو يريد الأكل اليسير الذي لا يعتد به ، كما في الجواهر. وعليه فلو شك في مقداره بنحو الشبهة المفهومية كان اللازم البناء على النجاسة ، لعموم نجاسة الميتة ، واستصحاب الطهارة لا يدافع العموم ، إذ ليس هذا من موارد العمل باستصحاب حكم الخاص ، لكون التخصيص من أول الأمر. وأما استصحاب كونها إنفحة فهو من الاستصحاب الجاري في المفهوم المردد ، وليس هو بحجة. ولو كان الشك بنحو الشبهة الموضوعية فاستصحاب الموضوع ـ أعني كونها إنفحة ـ في محله ، فيترتب عليها حكمها وهو الطهارة.

[١] على المشهور ، كما عن البيان واللمعة ، بل عن الخلاف نقل الإجماع عليه. وهو المحكي عن الصدوق ، والشيخين ، والقاضي ، وابن زهرة ، والطوسي والشهيدين في الدروس ، والمسالك ، والروضة ، وغيرهم. ويشهد له مصحح حريز المتقدم فيما لا تحله الحياة‌ ، وصحيح زرارة المتقدم في الإنفحة‌ ، وموثق ابن بكير عن الحسين بن زرارة‌ ، ومرسل الصدوق‌ المتقدمان ، ونحوه مسنده في الخصال إلى ابن أبي عمير مرفوعا إلى الصادق (ع) (١).

__________________

(١) الخصال أبواب العشرة صفحة : ٥٣ جزء ٢ الطبعة القديمة. ويشير إليه في الوسائل باب : ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرمة ملحق حديث : ٨.

٣١٠

من غير مأكول اللحم. ولا بد من غسل ظاهر الانفحة الملاقي للميتة [١]

______________________________________________________

وعن جماعة : القول بالنجاسة ، بل عن السرائر نسبته إلى المحصلين ، وان ناقشه الآبي في كشف الرموز ـ على ما حكي ـ : بأن الشيخين مخالفان ، والمرتضى واتباعه غير ناطقين ، فما أعرف من بقي معه من المحصلين. انتهى. نعم في المنتهى وعن جامع المقاصد : أنه المشهور. وعن غاية المرام : أنه مذهب المتأخرين. وليس له وجه ظاهر غير قاعدة نجاسة ملاقي النجس. وخبر وهب : « إن عليا (ع) سئل عن شاة ماتت فحلب منها لبن. فقال (ع) : ذلك الحرام محضاً » (١). ومكاتبة الجرجاني المتقدمة في حكم النتف‌. والجميع محل تأمل. إذ لا مجال للقواعد العامة مع وجود المخصص. ولا سيما مع ملاحظة كون الملاقاة في الداخل. فتأمل. ولضعف الخبر سنداً. ولما عرفت سابقاً من وجوه الإشكال في المكاتبة. فإذاً لا مانع من تخصيص القاعدة بما عرفت من النصوص ، كتخصيصها في غير اللبن قطعاً. ثمَّ إن نصوص الطهارة بعضها خاص بالمأكول ، وبعضها مطلق ، والعمل بالأخير متعين ، إذ لا تنافي بينهما لكونهما مثبتين. إلا أن يدعى الانصراف إلى المأكول. ولكنه بدوي ، وان كان لازم تخصيص البيض بالمأكول تخصيصه هنا.

نعم قد يتأمل في إطلاق الميتة على ميت الإنسان ، فإنه يقال له : ميت وميتة ـ بالتشديد ـ وعليه فيشكل عموم النصوص له. ولكنه خلاف المتسالم عليه ، فلا يبعد إذاً العموم ، ولو لأجل بعض التعليلات والمناسبات العرفية الموجبة لإلغاء خصوصية المورد. فتأمل جيداً.

[١] هذا بناء على أنها الجلد ، إذ لو كانت هي اللبن فقد عرفت أن ظاهر كلماتهم أنه مائع ، وظاهر الأدلة طهارته عرضا كطهارته ذاتا. نعم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ١٠.

٣١١

هذا في ميتة غير نجس العين ، وأما فيها فلا يستثنى شي‌ء [١].

[ مسألة ١ ] : الاجزاء المبانة من الحي مما تحله الحياة كالمبانة من الميتة [٢]

______________________________________________________

لو كان جامدا ـ كما يتفق كثيراً ـ فلا يبعد طهارته أيضاً بلا حاجة الى تطهيره ، لاتحاد ظاهر النصوص في الجميع ، وهو الطهارة العرضية.

[١] لأن ظاهر النصوص الاستثناء من نجاسة الميتة ، لا من النجاسة الذاتية.

[٢] بلا خلاف ظاهر ، وفي المدارك : « انه مقطوع به في كلام الأصحاب » ويشهد له النصوص الواردة في باب الصيد ، المتضمنة أن ما قطعت الحبالة فهو ميتة ، كصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) : « قال أمير المؤمنين (ع) : ما أخذت الحبالة من صيد فقطعت منه يداً أو رجلا فذروه ، فإنه ميت ، وكلوا مما أدركتم حياً وذكرتم اسم الله عليه » (١) ، ونحوه غيره.

والمناقشة في دلالتها : بأنه إن كان المراد أنها ميتة حكما فالمتبادر من التشبيه إرادة حرمة الأكل ، وان كان المراد أنها ميتة حقيقة فدلالتها على النجاسة تتوقف على وجود دليل عام يعم المورد ، وهو غير ثابت. مندفعة : بأن حمل التنزيل على ملاحظة خصوص الحرمة دون النجاسة خلاف إطلاق دليله ، كما لا يخفى ، فإن النجاسة ليست من الأحكام الخفية ، كي يدعى انصراف لسان التنزيل عنها.

ومن ذلك يظهر أنه لو بني على ارادة بيان الفرد الحقيقي يتعين البناء على عموم الحكم له ولو كان دليل الحكم قاصر الشمول له ، لأن بيان الأفراد الحقيقية ليس من وظيفة الشارع ، فتعرضه لذلك إنما يكون لأجل تعميم الحكم وليس الحال كما لو علم بفردية فرد له لا من قبل الشارع ، فإنه لا يعمه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب الصيد حديث : ١ وفي الباب أحاديث أخر تتضمن ذلك.

٣١٢

______________________________________________________

الحكم إلا إذا كان الدليل في نفسه عاما له ، فبيان الشارع للفرد الحقيقي كبيانه الفرد التنزيلي يقتضي عموم الحكم له ولو كان الدليل قاصراً عن إثبات ذلك.

ومن ذلك تعرف ما في كلمات المقدس الفقيه الهمداني [ قده ] في مصباحه من النظر. وأشكل من ذلك ما ذكره من الفرق بين النصوص المذكورة والنصوص الواردة في باب الأطعمة في أليات الغنم‌ (١) ، وأن هذه النصوص لا قصور في دلالتها على النجاسة بخلاف النصوص الأول ، لما تقدم فإنه لم يتضح الفرق المذكور مع وحدة لسان الجميع ، ففي رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « أنه قال (ع) : في أليات الضأن تقطع وهي أحياء : إنها ميتة » (٢) ونحوها غيرها فلاحظ.

هذا في العضو المقطوع من غير الآدمي. وأما المقطوع منه : فيدل على نجاسته ـ مضافا الى الاتفاق ونفي الخلاف المحكيين ـ مرسلة أيوب بن نوح عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) : « إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة ، فإذا مسها إنسان فكل ما كان فيه عظم فقد وجب على من يمسه الغسل ، فان لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه » (٣).

وضعف السند منجبر بالعمل. والظاهر عدم الفرق بين ما خرجت منه الروح قبل القطع وبعده. ودعوى : الانصراف الى الثاني ممنوعة. فعضو المشلول إذا مات قبل الانفصال ثمَّ انفصل نجس. ثمَّ إنه قد يستدل على الحكم المذكور بصدق الميتة على العضو المقطوع ، كما في المنتهى. وفيه : أنه غير واضح فإن الميتة ـ عرفا ـ نفس الحيوان ذي الأعضاء ، فلا تصدق على كل عضو في نفسه.

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الذبائح.

(٢) الوسائل باب : ٦٢ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب غسل المس حديث : ١.

٣١٣

إلا الأجزاء الصغار [١] ، كالثالول والبثور ، وكالجلدة التي تنفصل من الشفعة ، أو من بدن الأجرب عند الحك ، ونحو ذلك.

______________________________________________________

[١] فقد حكي الإجماع على طهارتها ، وعن الحدائق : « الظاهر أنه لا خلاف فيها ». والعمدة فيه انصراف النصوص إلى ما يعد جزءاً من البدن عرفا وليست هي كذلك ، فإنها بمنزلة الأوساخ المتولدة فيه. مضافا إلى دعوى السيرة على معاملتها معاملة الطاهر ، وإلى لزوم الحرج لو لا ذلك.

وقد يستدل له تارة : بانصراف النصوص الى الجزء الكبير ، ولكنه ـ كما ترى ـ انصراف بدوي لا يعول عليه في رفع اليد عن الإطلاق ولذا كان بناء الأصحاب على عدم الفرق بين الجزء الكبير من اللحم والصغير.

وأخرى : بصحيح ابن جعفر (ع) : « عن الرجل يكون به الثالول والجرح ، هل يصلح له أن يقطع الثالول وهو في صلاته ، أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح ويطرحه؟ قال (ع) : ان لم يتخوف أن يسيل الدم فلا بأس ، وان تخوف أن يسيل الدم فلا يفعل » (١). ويشكل : بأن قطع الثالول لا يستلزم حمله آنا ما في الصلاة ولا مسه برطوبة ، وليس فيه إطلاق يشمل ذلك ، لوروده لبيان قادحية الفعل المذكور في الصلاة لا غير. اللهم إلا أن يكون تعرض الامام (ع) لسيلان الدم قرينة على كونه (ع) في مقام بيان الجواز من جميع الجهات التي هي في معرض الابتلاء ، ومنها نجاسة الجزء الموجبة لنجاسة اليد المماسة له مع الرطوبة. ولذلك استحسن شيخنا الأعظم [ ره ] الاستدلال به على المقام ، كما عن نهاية الاحكام والمعالم ولأجل ذلك يظهر وجه طهارة الثالول ، وإلا فالوجوه المتقدمة غير جارية فيه ، لعدم الانصراف عن مثله من الاجزاء الصغيرة اللحمية ، ولم تثبت سيرة فيه ، ولا حرج يقتضي طهارته فلاحظ.

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٣ من أبواب النجاسات حديث : ١.

٣١٤

[ مسألة ٢ ] : فأرة المسك المبانة من الحي طاهرة على الأقوى [١] ،

______________________________________________________

[١] مسك الفارة ـ على ما ذكر جماعة ـ دم يجتمع في أطراف سرة الظبي ثمَّ يعرض للموضع حكة يسقط بسببها الدم مع جلدة هي وعاء له. وهذه الجلدة هي فأرة المسك. فان كان الظبي مذكى فلا إشكال ولا خلاف في طهارتها. أما إذا لم يكن مذكى ، حيا كان حين سقطت منه أو ميتاً فقد اختلف الأصحاب في طهارتها ونجاستها ، فالمعروف المشهور الطهارة مطلقا ، وفي كشف اللثام : أنها نجسة مطلقاً. وفي المنتهى : الطهارة إذا انفصلت عن الحي والأقرب النجاسة إذا انفصلت من الميت.

وكأن الوجه في الطهارة ـ على ما يظهر من كلماتهم ـ أحد الوجوه : إما عدم كونها جزءاً من الظبي ، أو عدم كونها مما تحله الحياة ، أو الإجماع والنص‌ (١) على طهارة المسك الدال على طهارة الجلدة بالالتزام ، أو الإجماع المدعى على طهارتها ـ كما عن ظاهر التذكرة والذكرى ـ أو صحيح علي ابن جعفر (ع) عن أخيه (ع) : « سألته عن فأرة المسك تكون مع من يصلي وهي في جيبه أو ثيابه. فقال (ع) : لا بأس بذلك » (٢).

والجميع لا يخلو من إشكال. إذ الأول ينافيه اتصالها بالبدن. وكذلك الثاني ، فإن الجلد مما تحله الحياة ، غاية الأمر أنها طرأ عليها الموت ، فكيف تكون مما لا تحله الحياة؟!. وكذلك الثالث ، لإمكان عدم سراية نجاستها إلى المسك ، لعدم الرطوبة المسرية ، من جهة انجماد الدم حين صيرورته مسكا. وأما الإجماع على طهارتها فلا مجال للاعتماد عليه بعد مخالفة حاكيه في المنتهى وذهابه إلى التفصيل المتقدم ، وحكي أيضاً عن غيره. وأما الصحيح فمع قصور دلالته على الطهارة ، لأن جواز الحمل‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٩٥ ، ٩٧ من أبواب آداب الحمام.

(٢) الوسائل باب : ٤١ من أبواب لباس المصلي حديث : ١.

٣١٥

______________________________________________________

في الصلاة أعم منها. معارض‌ بمكاتبة عبد الله بن جعفر إلى أبي محمد (ع) : « هل يجوز للرجل أن يصلي ومعه فأرة مسك؟ قال (ع) : لا بأس إذا كان ذكياً » (١). والجمع يقتضي تقييد الصحيح بها. ولأجل ذلك اختار في كشف اللثام النجاسة مع أخذها من غير المذكى.

اللهم إلا أن يقال : كما يحتمل في المكاتبة رجوع الضمير المذكر إلى الظبي المفهوم من الكلام ، أو الى الفأرة بتقدير كونها مما مع المصلي ، فيترتب على ذلك اعتبار الذكاة فيها ، يحتمل أيضاً رجوع الضمير إلى المسك وهذا الاحتمال إن لم يكن أقرب ـ كما هو الظاهر ـ لأن التقدير اللازم للاحتمالين السابقين خلاف الأصل ، فلا أقل من الاحتمال الموجب للإجمال المانع من الاستدلال بهما على التقييد ، فإطلاق طهارة الفأرة المستفاد من الصحيح بلا مقيد. نعم دلالته على الطهارة تتوقف على عدم جواز حمل النجس في الصلاة كما عرفت ، وهو وان كان محل إشكال ، لكن كفى بالمكاتبة دليلا عليه ، بناء على ما هو الظاهر من رجوع الضمير إلى المسك وعلى أن المراد من كونه ذكياً أنه طاهر.

والظاهر أن المراد طهارته الذاتية في قبال ما لا يكون كذلك ، وهو المسك المعمول من دم الظبي على ما ذكره بعض ، كما سيأتي ، لا الطهارة العرضية. إذ لو كان المراد الطهارة العرضية لم يكن وجه لتخصيصه بالقيد المذكور ، بل كان اللازم اعتبار الذكاة فيه وفي الفأرة معاً.

ومن ذلك يظهر لك وجه ما عن الذكرى من أن المراد طهارة المسك والاشكال فيما ذكره بقوله : « ويحتمل أمرين ، أحدهما : التحرز من نجاسة عارضة له ، والثاني : التحرز مما يؤخذ من الظبي في حال الحياة بجلده ، لأن السؤال عن فارة المسك ». فان الاحتمالين المذكورين كلاهما خلاف‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤١ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.

٣١٦

وان كان الأحوط الاجتناب عنها. نعم لا إشكال في طهارة ما فيها من المسك [١].

______________________________________________________

ظاهر إرجاع القيد إلى المسك فقط.

هذا والمتحصل مما ذكرنا : أن العمدة في البناء على طهارة الفأرة مطلقاً صحيح ابن جعفر‌ الذي لم يثبت تقييده ، وأنه لو بني على الغض عنه فالوجوه المذكورة للطهارة مطلقاً غير ظاهرة ، بل اللازم العمل بالقواعد العامة. ولا يبعد أن مقتضاها التفصيل بين المأخوذة من الحي فطاهرة ـ للأصل. وليس ما يتوهم عليه إلا ما دل على نجاسة القطعة المبانة من الحي لكن شموله للمقام غير ظاهر لانصرافه الى ما هو مستعد للاتصال ، فلا يشمل ما هو مستعد للانفصال حتى انفصل ولعله ظاهر ـ وبين المأخوذة من الميت فنجسة ، لعموم ما دل على نجاسة الميتة الشامل لجميع أجزائها. وقد عرفت الإشكال في نفي الجزئية عرفا ، أو كونها مما لا تحله الحياة.

هذا كله مبني على ما نسب الى المشهور من كون الفارة ملتحمة بالظبي ومتصلة به. قال الدميري : « المشهور انها ليست مودعة في الظبية ، بل هي خارجة ملتحمة ». أما بناء على غير المشهور من كونها مودعة فيها ـ كما عن كاشف الغطاء في شرح القواعد ، من أنها تتكون في جوف الظبي فيلقيها كالبيضة ، وحكي أيضاً ذلك عن ابن فهد الطبري ، بل عن بعضهم : أن هذا القسم هو الشائع الغالب من المسك ، وإطلاقه ينصرف اليه. انتهى ـ فلا إشكال في طهارتها ، سواء أخذت من الحي أم من الميت. لعدم كونها جزءاً من الحيوان ، فلا تشملها أدلة نجاسة القطعة المبانة من الحي ، ولا أدلة نجاسة أجزاء الميتة ، والأصل فيها الطهارة. وكذا الحال لو شك في ذلك بنحو الشبهة الموضوعية.

[١] إجماعا حكاه غير واحد ، بل لعله ضروري. وتقتضيه سيرة‌

٣١٧

وأما المبانة من الميت ففيها إشكال [١] وكذا في مسكها [٢].

______________________________________________________

النبي (ص) والمسلمين (١) ، وفي صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « كانت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممسكة إذا هو توضأ أخذها بيده وهي رطبة فكان إذا خرج عرفوا أنه رسول الله (١). وذلك إما لخروجه بالاستحالة عن مفهوم الدم عرفا أو لتخصيص ما دل على نجاسة الدم. ولو بني على كون الفارة تتكون في جوف الظبي فالطهارة أوضح ، لاحتمال خروج الدم المتكون فيها عن كونه دم ذي النفس ، والمرجع أصل الطهارة وقد عرفت أن المكاتبة محمولة على الذكاة الذاتية في مقابل النجاسة كذلك الناشئة عن كون المسك مغشوشاً بالمعمول النجس كما سيأتي.

[١] قد عرفت وجهه وضعفه.

[٢] كأنه لأنه دم ذي نفس ، ولم تثبت استحالته. ولا إطلاق يدل على طهارة المسك ، كي يتمسك به ، ولذا قيل : « لا إشكال في نجاسة بعض أقسامه كالتركي والهندي ». نعم يظهر من كلماتهم الإجماع على طهارة المسك مطلقاً. قال في التذكرة : « المسك طاهر إجماعا ، لأن رسول الله (ص) كان يتطيب به. وكذا فأرته عندنا ، سواء أخذت من حي أو ميت ». وقال في نهاية الاحكام : « إن المسك طاهر وإن قلنا بنجاسة فأرته المأخوذة من الميتة » وقال في كشف اللثام : « وعندي أن فأرته نجسة إذا لم تؤخذ من المذكى ، وكذا ما فيها من المسك مع رطوبته عند الانفصال ». ولذا قال في الجواهر : « أطلق غير واحد حكاية الإجماع على طهارة المسك ثمَّ أعقبه بذكر حكم الفارة وظاهره أيضاً بل كاد يكون صريحه طهارة المسك مطلقاً وان قلنا بنجاسة الفأرة ».

__________________

(١) كما تدل عليه الاخبار الواردة في الوسائل باب : ٩٥ ، ٩٧ من أبواب آداب الحمام.

(٢) الوسائل باب : ٥٨ من أبواب النجاسات حديث : ١.

٣١٨

نعم إذا أخذت من يد المسلم يحكم بطهارتها [١] ، ولو لم يعلم أنها مبانة من الحي أو الميت.

______________________________________________________

وبالجملة : السيرة والإجماع يقتضيان طهارة المسك في نفسه مطلقاً. نعم المتيقن من موردهما مسك الفارة ، وأما غيره فمشكوك ، فعموم نجاسة الدم فيه محكم ، إلا إذا ثبت كونه مستحيلا.

هذا ولكن الذي حكاه بعض عن محققي الفن في هذه الأعصار : أن المسك مفهوم مباين للدم ، كالمني ، والبول ، ونحوهما من فضلات الحيوان وان كانت المواد المسكية يحملها دم الظبي ، فاذا وصلت إلى الفأرة أفرزت عن الاجزاء الدموية لاشتمال الفأرة على آلة الافراز ، وهذا الافراز يكون تدريجيا الى أن تمتلئ الفارة من المسك. فالمسك ليس دما فعلا ولا كان أصله دما فاستحال مسكا ، وقد حلل وجزء فكانت أجزاؤه أجنبية عن أجزاء الدم. وما تقدم في كلماتهم من أن المسك دم حتى نظم في الشعر : « فان المسك بعض دم الغزال » مما لا أصل له كما يشهد بذلك العرف أيضاً.

هذا هو المسك الأصلي ، وهو معقد الإجماع والسيرة على الطهارة. وأما غيره ـ كالمعجون من دم الظبي وروثه وكبده ، أو الدم الذي يخرج من الظبي كدم البواسير ، أو غير ذلك ، فليس مسكا حقيقة. وانما فيه أجزاء مسكية ، ولأجلها كانت رائحته رائحة المسك ـ فليس موضوعا للإجماع على الطهارة ، ولا للسيرة ، وطهارته غير ظاهرة ، لأنه دم فيه أجزاء مسكية ، فعموم نجاسة الدم يكون فيه محكما. واستحالته ـ بنحو تمنع من استصحاب النجاسة ـ ممنوعة جداً. وهذا هو المشار إليه في مكاتبة الحميري المتقدمة‌

[١]. والمتحصل مما ذكرنا : طهارة الفأرة مطلقاً ، وطهارة مسكها كذلك. (١) كأنه لأجل أن يد المسلم أمارة على الطهارة ، للنصوص الآتية في‌

__________________

(١) وهي مكاتبة عبد الله بن جعفر الى أبي محمد ( ع ) المتقدمة في أول المسألة.

٣١٩

[ مسألة ٣ ] : ميتة ما لا نفس له طاهرة [١] ، كالوزغ‌

______________________________________________________

مسألة الجلود المبيعة في أسواق المسلمين. لكن مورد تلك النصوص ما يعتبر في طهارته التذكية ، بحيث لو لا يد المسلم كان المرجع فيه أصالة عدم التذكية المقتضية لنجاسته ، وما نحن فيه ليس من ذلك القبيل ، فإن الفأرة المأخوذة من الحي طاهرة مع العلم بعدم التذكية ، فلو بني على نجاسة المأخوذة من الميتة ، فالمرددة بين المأخوذة من الحي الطاهرة. وبين المأخوذة من الميتة النجسة يكون المرجع فيها أصالة الطهارة ، إذ لا أصل موضوعي يمكن إثبات أحد العنوانين فيه. وأصالة عدم الأخذ إلى حين الموت معارض بأصالة عدم الموت إلى حين الأخذ. مع أن الجهل بالتاريخ يستوجب الإشكال في جريان الأصل ذاتا. نعم لو علم تاريخ الأخذ وشك في تاريخ الموت ، فأصالة عدم الموت إلى حين الأخذ يثبت موضوع الطهارة. ومن هذه الجهة لا فرق بين المأخوذة من يد المسلم والكافر ، لعدم الفرق في جريان الأصول المذكورة وعدمه. كما لا فرق بين الأمرين في جريان أصالة الطهارة. نعم لو بني على نجاسة الفأرة المأخوذة من غير المذكى ـ كما تقدم عن كشف اللثام ـ كان البناء على طهارة ما تؤخذ من المسلم دون الكافر في محله لأن يد المسلم أمارة على التذكية دون يد الكافر ، بل يرجع فيما في يده إلى أصالة عدم التذكية.

[١] إجماعا ، كما عن جماعة ، وفي الذخيرة : « قد تكرر في كلام الأصحاب نقل الإجماع على طهارته ». ويشهد له‌ موثق حفص عن جعفر ابن محمد عن أبيه عليهما‌السلام : « قال (ع) : لا يفسد الماء إلا ما كانت له نفس سائلة » (١). وموثق عمار عنه (ع) : « قال : سئل عن الخنفساء والذباب والجراد والنملة وما أشبه ذلك يموت في البئر ، والزيت

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الأسئار حديث : ٢.

٣٢٠