مستمسك العروة الوثقى - ج ١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦١١

[ مسألة ٢ ] : الإناء المتروس بماء نجس كالحب والشربة ونحوهما ـ إذا تقاطر عليه طهر ماؤه واناؤه [١] بالمقدار الذي فيه ماء. وكذا ظهره وأطرافه إن وصل اليه المطر حال التقاطر ، ولا يعتبر فيه الامتزاج ، بل ولا وصوله الى تمام‌

______________________________________________________

[١] ليس في نصوص الباب ما هو ظاهر في ذلك. ودعوى : صدق الرؤية الواردة في المرسلة بمجرد التقاطر ، غير ظاهرة إلا بالإضافة إلى السطح الملاقي للقطرات لا غير. مع أنه لو تمَّ ذلك هنا اقتضى طهارة المضاف بذلك أيضاً ، والظاهر عدم القول به من أحد ، وان كان مقتضى ما عن العلامة [ ره ] في طهر المضاف باتصاله بالجاري ، قوله به هنا أيضاً ، للإجماع على أنه بحكم الجاري ، لكنه لم ينقل ذلك عنه هنا. اللهم إلا أن يدعى خروج المضاف عن القاعدة من جهة الإجماع. فالعمدة الإشكال الأول ، وهو عدم ثبوت صدق الرؤية لتمام أجزاء الماء بمجرد التقاطر على سطحه. وما في الجواهر من أنه لا ينبغي الإصغاء إلى هذه الدعوى غير واضح. بل يشكل الحكم بالطهارة حتى مع الامتزاج ، لأن انفصال القطرات بعضها عن بعض موجب لانفعال كل قطرة بعد الاستقرار. ولا ينافي هذا ما تقدم من أن ماء المطر الجاري على الأرض معتصم بنفسه ما دام التقاطر عليه ، لاختصاص النصوص الدالة على ذلك‌ (١) بغير الممتزج ، ورواية الميزابين‌ (٢) محمولة ـ جزما ـ على صورة استهلاك البول في ماء المطر. [ وبالجملة ] : لا دليل على أن القطرات الممتزجة بالماء النجس معتصمة ما دام التقاطر ، ولا سيما مع استهلاكها فيه.

فالعمدة إذاً في طهارة الماء المتنجس بتقاطر المطر عليه الإجماعات‌

__________________

(١) المتقدمة في أول هذا الفصل.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب الماء المطلق حديث : ٤.

١٨١

سطحه الظاهر ، وان كان الأحوط ذلك [١].

[ مسألة ٣ ] : الأرض النجسة تطهر بوصول المطر إليها بشرط أن يكون من السماء ، ولو بإعانة الريح. وأما لو وصل إليها بعد الوقوع على محل آخر ، كما إذا ترشح بعد الوقوع‌

______________________________________________________

المستفيضة على أنه بحكم الجاري ، وقد عرفت آنفا طهارة الماء النجس بمجرد اتصاله بالجاري. هذا مضافا الى الإجماع المحكي على طهارته بوقوع المطر عليه كما عن المفاتيح والروضة.

ويمكن الاستدلال له بما في مرسلة الكاهلي‌، على ما في بعض نسخ الكافي. وفي نسخة الوافي (١) عن بعض المتبحرين (٢) من مشايخنا المعاصرين [ قده ] تصحيحها هكذا : « يسيل على الماء المطر » بجر الماء ورفع المطر ، على أن يكون الضمير في قول السائل : « أرى فيه » راجعا إلى الماء لا الى المطر. وكأنه بقرينة قوله (ع) في الجواب : « كل شي‌ء يراه ... » إذ لو كان راجعا الى المطر كان المراد من الجواب أنه مطهر لنفس القذر ، وهو ممتنع. والذي يشهد لهذا التصحيح أن مجرور : [ على ] لو كان ياء المتكلم لكان فرض السيلان عليه منافيا لفرض ورود القطرات عليه ، كما لا يخفى.

ثمَّ إن الظاهر أنه لا كلام عندهم في طهارة الإناء بطهارة الماء ، لأن ملاقاته للماء المعتصم مطهرة له ، ولو لاستفادته من عموم مرسلة الكاهلي‌ الدالة بعمومها على أن ملاقاة المطر للإناء مطهرة له ، فيتعدى منه إلى كل ماء معتصم ، كما يأتي ذلك في محله إن شاء الله تعالى. ومنه يظهر الحكم في طهارة ظهره وأطرافه.

[١] لأنه المتيقن من معاقد الإجماع على مطهريته للماء واختاره في المستند.

__________________

(١) الباب الرابع من أبواب أحكام المياه حديث : ٣.

(٢) شيخ الشريعة الأصفهاني « ره ».

١٨٢

على مكان فوصل مكاناً آخر ، لا يطهر [١]. نعم لو جرى على وجه الأرض فوصل الى مكان مسقف بالجريان اليه طهر [٢]

[ مسألة ٤ ] : الحوض النجس تحت السماء يطهر بالمطر [٣] ، وكذا إذا كان تحت السقف وكان هناك ثقبة ينزل منها على الحوض ، بل وكذا لو أطارته الريح حال تقاطره فوقع في الحوض ، وكذا إذا جرى من ميزاب فوقع فيه.

[ مسألة ٥ ] : إذا تقاطر من السقف لا يكون مطهراً [٤] بل وكذا إذا وقع على ورق الشجر ثمَّ وقع على الأرض نعم لو لاقى في الهواء شيئا ـ كورق الشجر أو نحوه ـ حال نزوله لا يضر ، إذا لم يقع عليه ثمَّ منه على الأرض ، فبمجرد المرور على الشي‌ء لا يضر [٥].

______________________________________________________

[١] للشك في ذلك من دون دليل عليه. بل عموم انفعال القليل يقتضي انفعال الماء الواصل اليه. وقد عرفت أن هذا العموم مقدم على استصحاب الاعتصام الثابت له حال النزول.

[٢] لإطلاق نصوص الباب الواردة في ماء المطر الجاري. فلاحظ ما سبق (١).

[٣] يعلم الحكم المذكور مما سبق في المسألة الثانية.

[٤] لما تقدم في المسألة الثانية. ولا فرق بين السقف وورق الشجر وغيرهما من الوسائط. نعم لو كان يجري من الواسطة إلى غيرها مع توالي التقاطر عليه كان معتصما ومطهراً.

[٥] لإطلاق الأدلة.

__________________

(١) في أول هذا الفصل.

١٨٣

[ مسألة ٦ ] : إذا تقاطر على عين النجس ، فترشح منها على شي‌ء آخر ، لم ينجس [١] ، إذا لم يكن معه عين النجاسة ، ولم يكن متغيراً [٢].

[ مسألة ٧ ] : إذا كان السطح نجساً فوقع عليه المطر ونفذ وتقاطر من السقف ، لا تكون تلك القطرات نجسة وان كان عين النجاسة موجودة على السطح ووقع عليها. لكن بشرط أن يكون ذلك حال تقاطره من السماء. وأما إذا انقطع ثمَّ تقاطر من السقف مع فرض مروره على عين النجس فيكون نجساً. وكذا الحال إذا جرى من الميزاب بعد وقوعه على السطح النجس.

[ مسألة ٨ ] : إذا تقاطر من السقف النجس يكون طاهرا إذا كان التقاطر حال نزوله من السماء ، سواء كان السطح أيضاً نجساً أم طاهراً.

[ مسألة ٩ ] : التراب النجس يطهر بنزول المطر عليه إذا وصل إلى أعماقه حتى صار طيناً [٣].

______________________________________________________

[١] يعني : ما دام متصلا بماء السماء بتوالي تقاطره عليه ، كما هو مورد النصوص المتقدمة ، فإنه معتصم حينئذ. ولا يضر أن يكون معه عين النجاسة فإنه لا ينجس بها ، كما هو مورد مرسلة الكاهلي‌ (١).

[٢] إذ لا إشكال في نجاسته بذلك ، كما يستفاد من صحيح ابن سالم (٢) ومما ذكرنا هنا تعرف وجه الحكم في المسألة السابعة والثامنة.

[٣] يدل على ذلك إطلاق ما دل على مطهريته. مضافا الى المرسل‌

__________________

(١) تقدم ذكرهما في أول هذا الفصل.

(٢) تقدم ذكرهما في أول هذا الفصل.

١٨٤

[ مسألة ١٠ ] : الحصير النجس يطهر بالمطر ، وكذا الفراش المفروش على الأرض وإذا كانت الأرض التي تحتها أيضاً نجسة تطهر إذا وصل إليها [١]. نعم إذا كان الحصير منفصلا عن الأرض ، يشكل طهارتها بنزول المطر عليه إذا تقاطر منه عليها ، نظير ما مر من الاشكال [٢] فيما وقع على ورق الشجر وتقاطر منه على الأرض.

[ مسألة ١١ ] : الإناء النجس يطهر إذا أصاب المطر جميع مواضع النجس منه. نعم إذا كان نجساً بولوغ الكلب يشكل طهارته بدون التعفير [٣] لكن بعده إذا نزل عليه يطهر من غير حاجة الى التعدد.

______________________________________________________

عن أبي الحسن (ع) في طين المطر : « انه لا بأس به أن يصيب الثوب ثلاثة أيام ، إلا أن يعلم أنه قد نجسه شي‌ء بعد المطر » (١) فتأمل.

[١] يستفاد ذلك كله من مرسلة الكاهلي‌ (٢) وغيرها.

[٢] تقدم منه [ قده ] الجزم بالعدم.

[٣] لأن‌ قوله (ع) : « كل شي‌ء يراه ماء المطر فقد طهر » (٣) ليس بأقوى مما دل على اعتبار التعفير ، لقرب دعوى ظهوره في تميز ماء المطر عن سائر أفراد الماء ، فلا يعتبر في مطهريته ما يعتبر في مطهرية غيره لا جعله مطهراً لما لا يطهره الماء ، كالتراب ، فإطلاق ما دل على اعتبار التعفير محكم. لا أقل من تساويهما في الظهور ، فيرجع بعد المعارضة إلى استصحاب النجاسة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب الماء المطلق حديث : ٦.

(٢) تقدم في أول هذا الفصل.

(٣) تقدم في أول هذا الفصل.

١٨٥

فصل

ماء الحمام بمنزلة الجاري [١] ، بشرط اتصاله بالخزانة [٢] فالحياض الصغار فيه إذا اتصلت بالخزانة لا تنجس بالملاقاة فصل في ماء الحمام‌

______________________________________________________

فصل في ماء الحمام

[١] في الجواهر الإجماع محصلا ومنقولا عليه. ويشهد له‌ صحيح داود ابن سرحان : « قلت لأبي عبد الله (ع) : ما تقول في ماء الحمام؟ قال (ع) : هو بمنزلة الجاري » (١). وخبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) : « إن ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا » (٢). وقريب منهما غيرهما.

[٢] إجماعا كما في الجواهر. ويقتضيه الجمع بين ما تقدم وبين‌ رواية بكر بن حبيب عن أبي جعفر (ع) : « ماء الحمام لا بأس به إذا كانت له مادة » (٣). وضعفها بجهالة بكر منجبر بعمل المشهور. بل في الحبل المتين : ان جمهور الأصحاب تلقوا روايته هذه بالقبول. انتهى. هذا مضافا الى رواية صفوان عنه الذي هو من أصحاب الإجماع ، وممن لا يروي إلا عن ثقة ، كما عن الشيخ [ ره ] في العدة وأما ما في طهارة شيخنا الأعظم [ ره ] من أن الظاهر أنه بكر بن محمد بن حبيب ـ الذي ظاهر المحكي عن النجاشي وصريح الخلاصة : أنه من علماء الإمامية ، وحكى ابن داود عن الكشي.

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب الماء المطلق حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب الماء المطلق حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ٧ من أبواب الماء المطلق حديث : ٤.

١٨٦

إذا كان ما في الخزانة وحده ، أو مع ما في الحياض بقدر الكر [١] ، من غير فرق بين تساوي سطحها مع الخزانة ،

______________________________________________________

أنه ثقة ـ فغير ظاهر ، فان ذلك أبو عثمان المازني ، المتوفى سنة ثمان وأربعين ومائتين ، وتمتنع روايته عن أبي جعفر (ع) الذي هو الباقر (ع) ، بقرينة وقوع منصور في السند. فلاحظ.

ثمَّ إن الظاهر من ماء الحمام في النصوص ما في الحياض الصغار ، كما هو الظاهر من الأصحاب والمصرح به في كلام جماعة ، ويكون تشبيهه بالجاري في النص والفتوى بملاحظة كونه ذا مادة جارية عليه. فيدل على اعتصامه ما تقدم من عموم اعتصام كل ماله مادة. وكأن الوجه في إهمال تقييد الماء بكونه دون الكر أن القضية لوحظ فيها الافراد الخارجية ، وهي في عصر صدور النصوص كلها قليلة لا تبلغ الكر ، لا قضية حقيقية ليلزم تقييد موضوعها بما دون الكر ، لوضوح أن الماء البالغ كراً لا بأس به وان لم يكن له مادة إجماعاً نصاً وفتوى.

[١] المنسوب إلى الأكثر ، أو المشهور : اعتبار بلوغ المادة كراً. وعن جماعة : الاكتفاء ببلوغ المجموع كرا. وفي الحدائق : عدم اعتبار الكرية في المادة ولا في مجموع ما فيها وما في الحياض. ونسبه إلى جملة من المتأخرين ومتأخريهم ، واختاره أيضاً في الكفاية ، ونسبه إلى ظاهر كلام المحقق. وعن بعض التفصيل بين تساوي السطوح فيكفي بلوغ المجموع كرا ، وبين اختلافها فلا بد من بلوغ المادة كراً. وعن بعض التفصيل بين الرفع فالأول ، وبين الدفع فالثاني.

ومختصر الكلام في تحقيق هذه الأقوال : أنه [ إن كانت ] نصوص الباب من قبيل القضية الحقيقية ، فمفادهما أن عنوان ماء الحمام كعنوان ماء المطر ، دخيل في ثبوت الحكم المذكور فيهما ، فمهما تحقق ماء الحمام كان بمنزلة‌

١٨٧

______________________________________________________

الجاري إذا كانت له مادة. ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين كون ما في المادة وذي المادة بالغا كرا وعدمه. ومقتضى وجوب العمل بهذا الإطلاق البناء على ما ذكره في الكفاية والحدائق وغيرهما من عدم اعتبار الكرية أصلا ، لا في المادة ، ولا في مجموع ما في المادة وذي المادة. [ وإن كانت ] من قبيل القضية الخارجية التي حكم فيها على الافراد الخارجية لا غير ، لم يكن لها إطلاق يصلح أن يتمسك به لعدم اعتبار الكرية في المادة ـ فضلا عن مجموع ما في المادة والحياض ـ لان القضية الشرعية على هذا ـ من قبيل قضايا الأحوال المكتسبة ثوب الاجمال ، ولا يجوز الخروج بها عن القواعد العامة إلا فيما يكون متيقن الدخول في مواردها ، مثل الحوض الصغير الذي تجري عليه المادة ، فإنه لو لم يكن دليل على اعتصامه أمكن أن تكون هذه الروايات دليلا عليه ، لأنه متيقن دخوله في موردها. وعلى هذا الاحتمال تبتني بقية الأقوال.

وحينئذ نقول : إن بني على تقوي السافل بالعالي اكتفي بكون المجموع كراً ولو مع اختلاف السطوح. وان بني على عدمه تعين التفصيل بين صورة تساوي السطوح ، فيكفي كون المجموع كرا ، وبين صورة اختلافها فلا بد من كون المادة وحدها كرا. ولعل إطلاق المشهور اعتبار بلوغ المادة كرا مبني على كون محل كلامهم صورة اختلاف السطوح. ثمَّ على القول بتقوي السافل بالعالي إن قلنا بأن المتمم كرا بطاهر طاهر ، لم يفرق بين الدفع والرفع في كفاية كون المجموع كرا. وان لم نقل بطهارة المتمم بطاهر تعين التفصيل بين الدفع فيكفي فيه كون المجموع كرا ، وبين الرفع فلا يكفي فيه ذلك ، بل لا بد من كون المادة وحدها كرا ، كما اختاره المصنف [ ره ] في المتن.

هذا ولا ينبغي التأمل في لزوم حمل القضية الشرعية في الروايات‌

١٨٨

______________________________________________________

المذكورة على القضية الخارجية [ أولا ] : من جهة أن خصوصية الحمام من قبيل خصوصية الدار والخان ونحوهما من الأمكنة ، مما لا يساعد العرف على دخلها في الحكم المذكور ، والمنسبق الى الذهن ملاحظتها مرآة للافراد الخارجية. [ وثانيا ] : أن لازم أخذ العنوان المذكور موضوعا للحكم ، هو انفعال ماء الحمام إذا لم يكن له مادة ولو كان كثيرا ، وعدم انفعاله لو أخذ منه مقدار وجعل مادة ، وذلك ـ مع أنه خلاف المرتكز العقلائي ـ مما لم يقل به أحد فإذا دار الأمر بين حمل القضية على الحقيقية والتصرف فيها بإخراج ذلك ، وبين حملها على الخارجية ، فالثاني أولى. [ وثالثاً ] : أنه يظهر منهم الاتفاق على أن المراد من ماء الحمام في النصوص هو ما في الحياض الصغار ، ولا يظهر وجه لذلك إلا حمل القضية على الخارجية. فإذا حمل ماء الحمام على الحياض الصغار التي كانت متعارفة في زمن صدور الروايات ، فلم لا تحمل المادة على المادة المتعارفة في ذلك الزمان أيضاً؟!. وحينئذ لا يسوغ الأخذ بإطلاق المادة الشامل لما دون الكر ، لأن الحمل على ذلك من قبيل الحمل على الفرد الخارجي الذي لا يقبل الإطلاق والتقييد بل عمومها لما دون الكر موقوف على وجود ذلك الفرد في ذلك الزمان ، وهو غير معلوم. وبالجملة : لا وجه للتفكيك بين ماء الحمام وبين المادة ، بحمل الأول على الفرد الخارجي ، وحمل الثاني على الكلي ثمَّ يتمسك بإطلاقه فاما أن يحملا معا على الفرد الخارجي أو معا على الكلي ، كما لعله ظاهر بالتأمل. فما في الحدائق من الجمع بين تمسكه بإطلاق المادة ، وبين استظهاره أن المراد من ماء الحمام ما في الحياض الصغار بعد نسبة ذلك الى الأصحاب كما ترى.

وأما تقوي السافل بالعالي ، وعكسه ، وعدمهما فقد اختلفت فيها كلمات الجماعة. ولعل أول من تعرض لذلك العلامة [ ره ] في التذكرة ،

١٨٩

______________________________________________________

قال : « لو وصل بين الغديرين بساقية اتحدا إن اعتدل الماء ، وإلا في حق السافل ، فلو نقص الأعلى عن كر انفعل بالملاقاة » وظاهره تقوي السافل بالعالي دون العكس ، ومثله محكي كلام غيره. ومقتضى ما ذكره في القواعد وغيرها من اعتبار الكرية في مادة الحمام عدم تقوي السافل بالعالي. وظاهر محكي جامع المقاصد عدم تقوي كل منهما بالآخر.

وصريح جماعة من المتأخرين التقوي من الطرفين. لإطلاق أدلة اعتصام الكر الشامل لمختلف السطوح ومتساويها. وقد يستشكل فيه [ تارة ] : باختصاصها بالماء الواحد ، ومع اختلاف السطوح يتعدد وجود الماء. وفيه : أن التعدد يتوقف على الانفصال وتخلل العدم وهو خلاف المفروض. [ واخرى ] : باختصاص مورد تلك الأدلة بالحياض والغدران ونحوهما مما يتساوى فيه السطوح. وفيه ـ مع أن بعضها لا مورد له معين ـ : أن المورد لا يخصص الوارد ولا يقيده. [ وثالثة ] : بأن ما دل على اعتبار المادة في ماء الحمام ـ المنصرف إطلاقها بحكم الغلبة إلى الكر ، يكون مقيدا لذلك الإطلاق حتى في غير الحمام ، لإلغاء خصوصية مورده عرفا. وفيه : أن الغلبة لا تصلح للانصراف المعتد به ، وقد عرفت أن أدلة ماء الحمام مجملة لأن مضمونها من قبيل القضية الخارجية. [ ورابعة ] : من جهة انصرافه الى خصوص متساوي السطوح ، وفيه : أن الانصراف المذكور بدوي ، لأن منشأه أنس الذهن بذلك. [ وخامسة ] : بأن الأعلى لا ينجس بنجاسة الأسفل اتفاقا فلا يطهر بطهارته. وفيه : أنه لا ملازمة بين الأمرين ولذا لا إشكال في سراية النجاسة من الأعلى إلى الأسفل ، مع أن المستشكل ممن لا يقول بتقوي الأعلى بالأسفل. وعمدة الفرق بين المقامين : أن أدلة السراية قاصرة عن شمول الأعلى عند نجاسة الأسفل ، بخلاف أدلة اعتصام الكر فإنها شاملة لمختلفي السطحين ، ومتساويهما ، كما عرفت.

١٩٠

______________________________________________________

نعم الذي ينبغي أن يقال : إنه لا ريب في أن المرتكز العرفي عدم تقوي كل من العالي والسافل بالآخر. وهذا الارتكاز موجب لانصراف المطلقات الدالة على اعتصام الكر إلى مستوي السطوح ، فيكون موضوع الاعتصام مقيداً بذلك ، ومقتضاه انتفاؤه بانتفائه. وليس هذا الانصراف ناشئاً من أنس الذهن بالمقيد لسبب من الأسباب الخارجية ، ـ من غلبة أو محبة أو نحوهما ـ ليكون من الانصرافات البدوية التي لا يعول عليها في رفع اليد عن الإطلاق. بل هو ناشئ من المناسبات الارتكازية العرفية التي يعول عليها في تقييد المطلق ، كما يظهر من ملاحظة النظائر التي يطول الكلام بذكرها فلاحظ. ولا فرق بين العلو التسنيمي والتسريحي الذي لا يلحق بالمساوي عرفا.

هذا كله مع اختلاف السطوح وجريان الماء ، فلو كان الماء ساكنا ـ كما لو عمل ظرف من نحاس على هيئة المنبر ـ فالظاهر أنه لا إشكال في تقوي كل من الأعلى والأسفل بالآخر. كما أنه مع تساوي السطوح ، وضعف الاتصال كما لو وصل بين الغديرين بساقية ضعيفة جدا ، فالتقوي حينئذ لا يخلو من إشكال ، لأنه خلاف الارتكاز العرفي. وكذا لو كان الماء في أنبوب ضيق طوله فرسخ أو فرسخان ، لعين ما ذكر من الاشكال. وأما ما عن المعالم من الإشكال في اعتصام الكر مع تساوي السطوح إذا لم يكن مجتمعا متقارب الاجزاء ، فان رجع الى ما ذكرنا ففي محله ، وإلا فهو خلاف الإطلاق ، كما عرفت.

هذا ولو كان العالي وحده كرا ، فالمعروف تقوي السافل به ، بل عن شارح الدروس الاتفاق عليه. لكن قد يظهر من بعض العبارات الاشكال فيه. نعم لا إشكال فيه في ماء الحمام ، لأنه المتيقن من النصوص ، وقد عرفت أن احتمال الخصوصية فيه خلاف المرتكز العرفي ، فالتعدي منه الى‌

١٩١

أو عدمه ، وإذا تنجس ما فيها يطهر بالاتصال بالخزانة [١] ، بشرط كونها كرا ، وان كانت أعلى وكان الاتصال بمثل [ المزملة ]. ويجري هذا الحكم في غير الحمام أيضاً ، فإذا كان في المنبع الأعلى مقدار الكر أو أزيد ، وكان تحته حوض صغير نجس ، واتصل بالمنبع بمثل [ المزملة ] يطهر ، وكذا لو غسل فيه شي‌ء نجس ، فإنه يطهر مع الاتصال المذكور.

______________________________________________________

غيره في محله. ويدل عليه صحيح ابن بزيع عن الرضا (ع) (١) ، سواء أرجع التعليل الى قوله (ع) : « لا يفسده شي‌ء » فيدل على ما نحن فيه بالصراحة ، أم إلى قوله (ع) : حتى يذهب الريح ويطيب‌ ... » فيدل على ما نحن فيه بالفحوى ، لأن الدفع أهون من الرفع.

[١] كما يستفاد من صحيح ابن بزيع‌ (٢) ، بناء على ما تقدم في مبحث الماء الجاري من رجوع التعليل فيه الى الغاية ، فيعم الحكم كل ما له مادة. ويستفاد أيضا من نصوص نفي البأس في ماء الحمام إذا كان له مادة ، فإن إطلاقها يشمل ما إذا تنجس الماء ثمَّ وصل بالمادة. اللهم إلا أن يحتمل ان الحمامات في عصر صدور هذه النصوص ما كانت المادة تنقطع فيها عن الحياض وقد عرفت أن النصوص محمولة على الافراد الخارجية لا غير ، ومع هذا الاحتمال ـ وان بعد ـ تكون النصوص مجملة. فالعمدة صحيح ابن بزيع. ومنه يستفاد حكم غير الحمام ، لعموم التعليل وان كان مورده البئر. فلاحظ وتأمل.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الماء المطلق حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الماء المطلق حديث : ٧.

١٩٢

فصل

ماء البئر النابع بمنزلة الجاري ، لا ينجس إلا بالتغير [١] ،

______________________________________________________

فصل في ماء البئر

[١] على المشهور بين المتأخرين ، ونسب إلى العماني ، والحسين بن الغضائري ومحمد بن جهم : للنصوص الدالة عليه ، كصحيح ابن بزيع عن الرضا (ع) : « ماء البئر واسع لا يفسده شي‌ء ، إلا أن يتغير ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه ، لأن له مادة » (١). وصحيح ابن جعفر (ع) عن أخيه (ع) قال : « سألته عن بئر ماء وقع فيها زنبيل من عذرة رطبة أو يابسة ، أو زنبيل من سرقين أيصلح الوضوء منها؟

قال (ع) : لا بأس » (٢). وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) : « قال سمعته يقول : لا يغسل الثوب ولا تعاد الصلاة مما وقع في البئر ، إلا أن ينتن ، فإن أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة ، ونزحت البئر » (٣) إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة ، وقد عقد لها في الوسائل بابا طويلا (٤) وان كان بعضه لا يخلو من خدش في الدلالة ، أو السند.

والمشهور بين القدماء النجاسة بمجرد الملاقاة ، بل عن الاقتصاد والغنية وغيرهما : الإجماع صريحا أو ظاهراً عليه وتبعهم عليه جماعة من المتأخرين‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الماء المطلق حديث : ٦ ، ٧.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الماء المطلق حديث : ٨.

(٣) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الماء المطلق حديث : ١٠.

(٤) وهو الباب : ١٤ من أبواب الماء المطلق.

١٩٣

______________________________________________________

لما دل على وجوب النزح بملاقاة النجاسة ، الظاهر في كونه مطهراً لها ، بل هو المصرح به في بعضها ، كصحيح ابن يقطين عن أبي الحسن (ع) : « سألته عن البئر تقع فيها الحمامة ، والدجاجة ، والفأرة ، أو الكلب أو الهرة فقال (ع) : يجزؤك أن تنزح منها دلاء ، فان ذلك يطهرها إن شاء الله تعالى » (١). وصحيح ابن بزيع : « عن البئر تكون في المنزل للوضوء فتقطر فيها قطرات من بول أو دم ، أو يسقط فيها شي‌ء من عذرة ـ كالبعرة ونحوها ـ ما الذي يطهرها حتى يحل الوضوء منها للصلاة؟ فوقع (ع) بخطه في كتابي : ينزح منها دلاء » (٢). وفيه : أنها لا تصلح لمعارضة ما عرفت ، مما هو أقوى دلالة ، فيجمع بينها بالحمل على الاستحباب. ولا سيما بملاحظة ما فيها من الاختلاف الكثير ، وورود بعضها فيما ميتته طاهرة ـ كالوزغ والعقرب ـ الموجب ذلك لحمل كثير منها على الاستحباب. ومما يؤيد ذلك أنها لو انفعلت مع كثرة مائها لزم دوران النجاسة مدار المادة وهو غريب كما قيل.

نعم قد تشكل نصوص الطهارة من جهة إعراض القدماء عنها ، وعدم اعتمادهم عليها. لكنه يندفع : بأنه لم يثبت كونه إعراضا موهنا لها ، بل من الجائز أن يكون لبنائهم على عدم الجمع العرفي بينها وبين نصوص النجاسة ، مع ترجح الثانية بموافقتها للاحتياط وكونها أكثر عدداً. ومجرد احتمال كونه لأجل اطلاعهم على قرينة تنافي أصالة الظهور فيها ، أو أصالة الجهة ، لا يكفي في رفع اليد عنها ـ كما لا يخفى ـ فإنه خلاف الأصل العقلائي المقتضي لنفي ذلك الاحتمال.

هذا وأما‌ صحيح ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) : « قال :

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب الماء المطلق حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الماء المطلق حديث : ٢١.

١٩٤

______________________________________________________

إذا أتيت البئر وأنت جنب فلم تجد دلوا ولا شيئاً تغرف فيه فتيمم بالصعيد فان رب الماء رب الصعيد ، ولا تقع في البئر ولا تفسد على القوم ماءهم » (١) فغير ظاهر في النجاسة ، لعدم التعرض فيه لنجاسة بدن الجنب ، فلعل المراد من الإفساد فيه القذارة العرفية. بل لو كان المراد به النجاسة ، كان اللازم التعبير بأن لا يفسد الماء فلا يمكن الاغتسال به ويتنجس البدن به ، لا بإفساد الماء على أهله. فلاحظ. وأما ما ورد في تقارب البئر والبالوعة فلا يأبى الحمل على صورة التغير بالنجاسة ، فلا يقوى على صرف ما تقدم فلاحظ.

هذا ونسب إلى الشيخ [ قده ] القول بالطهارة ووجوب النزح تعبدا. وتبعه عليه في المنتهى والموجز وغيرهما. وكأنه للأخذ بظاهر الدليلين ، فإن الأصل في الأمر أن يكون مولويا فيحمل الأمر بالنزح عليه. أو لأن المقام وان كان مقام الإرشاد إلى النجاسة ، فيكون الأمر بالنزح إرشاديا إليها ، لكنه حيث لا يمنع عنه مانع ، واخبار الطهارة مانعة عنه.

وفيه : أن قرينية المقام على الإرشاد إلى النجاسة إذا لم يمكن الأخذ بها من جهة نصوص الطهارة ، يتعين حمل الأمر بالنزح على الإرشاد إلى مرتبة ضعيفة من النجاسة ، لا تثبت لها أحكام النجاسة لاختصاص تلك الأحكام بالمرتبة القوية ، فإنه هو الذي يساعده الجمع العرفي ، كما استقر عليه ديدنهم في أمثال المقام. فإن الأمر بجملة من المستحبات في الصلاة ـ مثل الإقامة والتكبير وغيرهما ـ ظاهر في الإرشاد إلى الجزئية أو الشرطية لكن لما لم يمكن الأخذ به ـ لما دل على الصحة بدونه ـ حمل على الإرشاد إلى خصوصية راجحة في الصلاة ولم تحمل على الوجوب المولوي.

وعن البصروي : التفصيل في الانفعال بين الكر وغيره. وكأنه‌ لموثق عمار قال : « سئل أبو عبد الله (ع) عن البئر يقع فيها زنبيل عذرة يابسة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الماء المطلق حديث : ٢٢.

١٩٥

______________________________________________________

أو رطبة. فقال (ع) : لا بأس إذا كان فيها ماء كثير » (١) وخبر الحسن بن صالح المتقدم في تحديد الكر (٢). ولقوله (ع) في صحيح ابن بزيع : « ماء البئر واسع » (٣) ‌بناء على ظهوره في أنه كثير. ولغلبة الكرية في البئر ، الموجب ذلك لحمل نصوص الطهارة عليه عند الجمع بينها وبين عموم انفعال القليل ، فيكون عموم انفعال القليل بلا معارض. أو لأنه لا يمكن الأخذ بنصوص الانفعال إذا كان الماء كرا ، لما تقدم من امتناع أن تكون المادة سببا للانفعال.

وفيه : أنه لم يثبت للشارع الأقدس اصطلاح في الكثرة بمعنى الكرية كي يحمل في الموثق عليها ، بل الظاهر من الكثرة الكثرة العرفية ، واعتبارها في الموثق لأجل المنع من حصول التغير في الماء من وقوع الزنبيل من العذرة فيه فالكثرة معتبرة في مورد السؤال شرطا في عدم التغير الخارجي ، لا شرطا مطلقا في عدم الانفعال شرعا ، والمراد بها كثرة خاصة تزيد على الكر بكثير وأما‌ خبر الحسن ـ فمع ضعفه في نفسه ـ مهجور. وحمل السعة في الصحيح على الكثرة ـ مع أنه لا يجدي ، كما عرفت ـ خلاف الظاهر. لا أقل من الاجمال ولو بملاحظة التعليل ، المحتمل رجوعه إلى السعة أو الى عدم الإفساد إذ على كلا التقديرين لا يناسب حمل السعة على الكثرة ، إذ لا دخل للمادة في الحكمين المذكورين ، كما لعله ظاهر. وغلبة الكرية في ماء البئر ممنوع ولو سلم ، فالجمع بين نصوص اعتصام البئر وانفعال الماء القليل يكون بحمل الثانية على غير ماء البئر ، لظهور الأولى في خصوصية لماء البئر امتاز بها عن غيره ، وإذا بني على التقييد بالكثير فلا خصوصية لماء البئر ، وذلك‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الماء المطلق حديث : ١٥.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب الماء المطلق حديث : ٨ وتقدم في تحديد الكر بالمساحة.

(٣) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الماء المطلق حديث : ١ ، ٦ ، ٧.

١٩٦

سواء كان بقدر الكر أو أقل ، وإذا تغير ثمَّ زال تغيره من قبل نفسه طهر ، لأن له مادة [١]. ونزح المقدرات في صورة عدم التغير مستحب [٢]. وأما إذا لم يكن له مادة نابعة فيعتبر في عدم تنجسه الكرية [٣] ، وإن سمي بئرا ، كالآبار التي يجتمع فيها ماء المطر ولا نبع لها.

[ مسألة ١ ] : ماء البئر المتصل بالمادة إذا تنجس بالتغير فطهره بزواله ولو من قبل نفسه [٤] ، فضلا عن نزول المطر‌

______________________________________________________

خلاف الظاهر. وصحيح ابن بزيع كالصريح في ذلك ، بناء على أن المراد من قوله (ع) « واسع » أنه واسع الحكم ـ كما هو الظاهر ـ وأن التعليل بالمادة راجع اليه ، كما تقدم في مبحث الماء الجاري.

هذا وعن الجعفي اعتبار ذراعين في الأبعاد الثلاثة في الاعتصام. وليس له دليل ظاهر. ويمكن أن يكون راجعاً إلى ما قبله. ففيه حينئذ ما فيه. [١] إشارة إلى التعليل في صحيح ابن بزيع‌ (١) ، الظاهر رجوعه الى جميع الأحكام السابقة عليه المناسبة له ، كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا في مبحث الماء الجاري فراجع.

[٢] حملا لنصوص النزح على ذلك ، لما عرفت.

[٣] لما تقدم من عموم انفعال القليل. ومجرد التسمية مجازاً أو اصطلاحا لا يجدي بعد ما لم يكن مصداقا حقيقياً لموضوع الأحكام الخاصة. مع أنه لو فرض كون إطلاق البئر عليه حقيقياً ، فالتعليل حاكم على إطلاقه ومانع من الأخذ به.

[٤] لما تقدم من أن الارتكاز العرفي مانع من اعتبار خصوصية النزح في الطهارة.

__________________

(١) الوسائل باب ١٤ من أبواب الماء المطلق حديث : ٦ ، ٧.

١٩٧

عليه أو نزحه حتى يزول. ولا يعتبر خروج ماء من المادة في ذلك [١].

[ مسألة ٢ ] : الماء الراكد النجس كراً كان أو قليلا يطهر بالاتصال بكر طاهر [٢] ، أو بالجاري ، أو النابع غير‌

______________________________________________________

[١] لإطلاق التعليل.

[٢] للتعليل في الصحيح الذي يجب التعدي عن مورده الى المقام.

وتعضده أخبار ماء الحمام ، بناء على أن نفي البأس فيها يعم حالتي الدفع والرفع ، لكثرة الابتلاء بالحالين ، وبعد إلغاء خصوصية موردها عرفا يتعدى منه إلى كل ماله مادة فتأمل. وهذا هو العمدة في كفاية الاتصال بالمادة في التطهير. وما عن بعض الأفاضل من الاستدلال له بالأصل غير ظاهر إذ الأصل يقتضي النجاسة. وكذا في الاشكال ما عن آخر من الاستدلال له بعموم مطهرية الماء ، أو خصوص الماء المعتصم ، من‌ قوله (ص) : « خلق الله الماء طهورا » (١) ‌، وقوله (ع) : « الماء يطهِّر ولا يطهَّر » (٢) ‌، وقوله (ع) : « كل شي‌ء يراه ماء المطر فقد طهر » (٣) ‌، وقوله (ع) : « ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضاً » (٤) ‌، وقوله (ع) ـ مشيراً إلى غدير ماء ـ : « إن هذا لا يصيب شيئاً إلا طهره » (٥). فإن إطلاق الأول لو تمَّ فلا إطلاق له في كيفية التطهير ، وليس مجرد الاتصال كافياً عند العرف في حصول الطهارة لينزل الإطلاق عليه. ومن ذلك يظهر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب الماء المطلق حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب الماء المطلق حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب الماء المطلق حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ٧ من أبواب الماء المطلق حديث : ٧.

(٥) مستدرك الوسائل باب : ٩ من أبواب الماء المطلق حديث : ٨.

١٩٨

______________________________________________________

الإشكال في الثاني. مضافا الى إهماله من حيث المتعلق. وحصول الرؤية لجميع أجزاء الماء بمجرد إصابته للسطح الظاهر ممنوع ، كما يظهر ذلك من ملاحظة الجامدات التي يصيبها المطر ، ضرورة عدم اصابته لجميع الاجزاء بمجرد اصابة بعضها ، ولذا لا يطهر الجميع بمجرد إصابة المطر لبعضها. ومن ذلك يظهر الإشكال في الأخير. وروايات ماء الحمام ليست بذلك الوضوح في الدلالة على ذلك فالعمدة إذاً في كفاية الاتصال بالمادة في التطهير ما ذكرنا.

والمتحصل من النصوص : أن المعتصم نوعان : معتصم بنفسه ، وهو الكر وماء المطر. ومعتصم بغيره ، وهو المتصل بأحدهما. والمتصل بالأول هو ذو المادة الذي هو محل الكلام. فان كانت المادة أعلى فلا بد أن يكون ما في المادة زائدا على الكر بالمقدار الخارج منها الى القليل النازل اليه ، بناء على ما عرفت آنفا من عدم تقوي العالي بالسافل. ولا فرق في المادة العاصمة بين الكر ، ومادة الجاري ومادة البئر ، والعيون الراكدة ، والثمد ، وغيرها مما يسمى مادة. فالاتصال بالمادة في جميع ذلك دافع للنجاسة ورافع لها. ولو لا الصحيح واخبار ماء الحمام لوجب اعتبار الامتزاج في حصول التطهير للشك فيه بدونه ، الموجب للرجوع إلى استصحاب النجاسة. ومع الامتزاج لا شك في الطهارة ، للإجماع القطعي ـ كما قيل ـ وللقاعدة المجمع عليها ، من أن الماء الواحد لا يختلف حكم أبعاضه ، فإنه لو بني على نجاسة المعتصم مع الامتزاج لزم مخالفة دليل اعتصامه فيتعين البناء على طهارة المتنجس. ومخالفة استصحاب النجاسة لا تهم ، بعد دلالة دليل اعتصام المعتصم على طهارة المتنجس بالدلالة الالتزامية ، كما لا يخفى. والمراد من الواحد في القاعدة ما يكون واحداً في الإشارة ، فلا تمكن الإشارة إلى بعض منه دون بعض ، ولا يحصل ذلك إلا بالامتزاج ، فان الاتصال وان كان يحصل الوحدة‌

١٩٩

الجاري ، وان لم يحصل الامتزاج على الأقوى. وكذا بنزول المطر [١].

[ مسألة ٣ ] : لا فرق بين أنحاء الاتصال في حصول التطهير [٢] ، فيطهر بمجرده وان كان الكر المطهر ـ مثلا ـ أعلى والنجس أسفل. وعلى هذا فإذا ألقى الكر لا يلزم نزول‌

______________________________________________________

في الوجود والفردية ، لكنه لا يحصل الوحدة في الإشارة.

هذا ، ولأجل ما ذكرنا في وجه كفاية الاتصال في التطهير ، يظهر خفاء الوجه في اعتبار علو المطهر ، كما يستفاد من قولهم : « يطهر الماء النجس بإلقاء كر عليه دفعة ». وأما اعتبار الدفعة ، فيمكن أن يكون لأجل تحقيق الامتزاج المعتبر عندهم. ويحتمل أن يكون من جهة أن عدم الإلقاء دفعة يوجب انقسام الماء الى قسمين : عال وسافل ، ولا يتقوى أحدهما بالآخر. ويحتمل أن يكون تعبديا للنص كما عن المحقق الثاني [ ره ] تعليله بذلك ، وان لم يعثر على هذا النص ، كما اعترف به جماعة. وكيفما كان فقد عرفت أن الماء إذا زاد على الكر بمقدار ما به يتحقق الاتصال بين الماء النجس والكر طهر النجس ، ولو لم يلق تمام الكر ، فضلا عن أن يكون دفعة.

[١] العمدة في دليل هذا الإجماع على أن ماء المطر بمنزلة الجاري ، بضميمة ما دل على أن الاتصال بالجاري مطهر ، لصدق ذي المادة على المتصل به. وأما الاستدلال بمثل : « كل شي‌ء يراه ماء المطر فقد طهر » فقد عرفت الاشكال فيه (١).

[٢] لصدق المادة في الجميع. نعم تقدم أنه بناء على عدم تقوي‌

__________________

(١) في أول الكلام في هذه المسألة.

٢٠٠