مستمسك العروة الوثقى - ج ١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦١١

فبالمن الشاهي [١] ـ وهو ألف ومائتان وثمانون مثقالا [٢] ـ يصير أربعة وستين منا إلا عشرين مثقالا [٣].

______________________________________________________

[١] المشهور أن الرطل العراقي مائة وثلاثون درهما. وتدل عليه‌ رواية إبراهيم بن محمد الهمداني في مكاتبة أبي الحسن صاحب العسكر (ع) إليه في الفطرة ، أنها ستة أرطال برطل المدينة قال : « والرطل مائة وخمسة وتسعون درهما » (١). بضميمة‌ رواية جعفر بن إبراهيم المذكور في مكاتبته الى أبي الحسن (ع) وفيها : « الصاع ستة أرطال بالمدني ، وتسعة أرطال بالعراقي » (٢). ورواية علي بن بلال في مكاتبته إلى الرجل في الفطرة : « فكتب (ع) : ستة أرطال من تمر بالمدني وذلك تسعة أرطال بالبغدادي » (٣) وعن النهاية وفي المنتهى : أنه مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع. ولم يعرف له مستند. نعم يظهر من رواية المروزي‌ (٤) ـ المتضمنة كون المد مائتين وثمانين درهما ـ أنه مائة وأربعة وعشرون درهما وأربعة أتساع. لكنه لم يحك العمل بها إلا من المقنع. فالعمل على المشهور. وعليه يكون الكر مائة وستة وخمسين ألف درهم. ومقتضى ما ذكروه من أن العشرة دراهم سبعة مثاقيل شرعية ، يكون الكر مائة ألف وتسعة آلاف ومائتين مثقالا شرعيا. ومقتضى أن المثقال الشرعي ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي ، يكون الكر واحدا وثمانين ألفا وتسعمائة مثقال صيرفي.

[٢] يعني : صيرفيا.

[٣] لأنه إذا ضرب عدد الأمنان في عدد المثاقيل المذكورة ، يكون‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٧ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب الوضوء حديث : ٣.

١٦١

[ مسألة ٣ ] : الكر بحقة الاسلامبول وهي مائتان وثمانون مثقالا ـ مائتا حقة واثنتان وتسعون حقة ونصف حقة.

[ مسألة ٤ ] : إذا كان الماء أقل من الكر ولو بنصف مثقال ، يجري عليه حكم القليل [١].

[ مسألة ٥ ] : إذا لم يتساو سطوح القليل ينجس العالي بملاقاة السافل [٢] كالعكس. نعم لو كان جاريا من الأعلى إلى الأسفل لا ينجس العالي بملاقاة السافل [٣] ، من غير فرق بين العلو التسنيمي والتسريحي.

______________________________________________________

الحاصل زائداً على مقدار الكر من المثاقيل الصيرفية بعشرين مثقالا. ومنه يعلم ما ذكر في المسألة الآتية.

[١] إذ ظاهر أدلة التقدير بالوزن ، أو المساحة ، كونه تحقيقيا لا تقريبيا فلا مجال للمسامحة فيه حينئذ.

[٢] بلا إشكال. لإطلاق أدلة الانفعال ، المنزل على المرتكز العرفي.

[٣] إجماعا ، حكاه جماعة في روض الجنان ، ومصابيح العلامة الطباطبائي [ ره ] ومقابيس المحقق التستري [ ره ] ، والجواهر وغيرها ـ على ما حكي عن بعضهم ـ بل عن الأول : أن سراية النجاسة إلى العالي غير معقولة. وان كان فيه تأمل ظاهر ضرورة معقوليتها لو قام دليل عليها. ولعل المراد ـ كما قيل ـ انها غير مفهومة من الدليل الدال على انفعال القليل لعدم مساعدة الارتكاز العقلائي عليه في القذارات العرفية ، كما أشرنا إليه آنفا. وهو واضح مع العلو التسنيمي والتسريحي الشبيه به ، أما في غير ذلك فلا يخلو من تأمل. والرجوع الى العموم مع الشك ـ كما استوضحه شيخنا الأعظم [ ره ] ـ غير واضح ، لأن دليل الانفعال إنما يدل على سراية‌

١٦٢

[ مسألة ٦ ] : إذا جمد بعض ماء الحوض والباقي لا يبلغ كراً ، ينجس بالملاقاة ولا يعصمه ما جمد [١]. بل إذا ذاب شيئاً فشيئاً ينجس أيضاً. وكذا إذا كان هناك ثلج كثير فذاب منه أقل من الكر فإنه ينجس بالملاقاة ، ولا يعتصم بما بقي من الثلج.

[ مسألة ٧ ] : الماء المشكوك كريته مع عدم العلم بحالته السابقة في حكم القليل [٢] على الأحوط ،

______________________________________________________

النجاسة إلى جميع أجزاء الماء بتوسط الارتكاز العرفي ، وإلا فنجاسة الماء بملاقاة النجاسة أعم من نجاسة الجزء الملاقي فقط ـ كما في الجامدات ـ ومن نجاسة الجميع بالسراية ، وحمله على الثاني إنما كان بقرينة الارتكاز العرفي ، فإذا كان الارتكاز مجملا كان الحكم بالسراية بلا قرينة ، فيرجع إلى عموم اعتصام الماء ، أو استصحاب الطهارة.

[١] لأن السيلان معتبر في مفهوم الماء عرفا ، فمع الجمود لا يصدق.

لا أقل من انصراف مفهوم الماء عنه ، فلا يدخل في إطلاق أدلة أحكام الماء. ومنه يظهر ضعف ما عن المنتهى ، من إلحاق الجامد بالمائع ، وعن حواشي الشهيد : أنه الأقوى ، وما في القواعد وعن التحرير من التوقف فيه.

[٢] إما لأنه يستفاد من النصوص أن الملاقاة مقتضية للانفعال والكرية مانعة عنه ، فمع الشك في المانع يرجع الى أصالة عدمه. وإما لأن إناطة الرخصة ـ تكليفية كانت أو وضعية ـ بأمر وجودي ، يدل بالالتزام العرفي على إناطة الرخصة بإحراز ذلك الأمر ، وانتفائها بعدم إحرازه. وإما لأن مقتضى العمومات انفعال الماء إلا الكر ، فمع الشك في كرية الموجود يشك في مصداق الخاص ، والعموم مرجع في الشبهات المصداقية. وإما لأن‌

١٦٣

______________________________________________________

أصالة عدم وجود الكر في المكان المعين كافية. في إثبات عدم كرية الماء الموجود ، فيترتب حكمه وهو عدم الاعتصام. وإما لأصالة عدم الكرية الأزلي ، نظير أصالة عدم القرشية ، لأن الكرية وصف زائد على صرف وجود الماء ، كوصف القرشية ، وقد عرفت فيما سبق صحة جريان الأصل في العدم الأزلي.

لكن الأول : مبني على تمامية قاعدة الاقتضاء ، والمحقق في محله عدمها والثاني : إن كان المراد منه أن إناطة الرخصة بالأمر الوجودي مرجعها إلى إناطة الرخصة الواقعية بذلك الأمر ، واناطة الرخصة الظاهرية بالعلم بوجوده فيكون المجعول حكمين : واقعيا منوطاً بوجود ذلك الأمر الواقعي وظاهرياً منوطا بالشك فيه. فذلك مما لا يقتضيه ظاهر الدليل أصلا ، وليست إناطة الرخصة بأمر إلا كاناطة المنع بأمر ، ليس المقصود منها إلا جعل حكم واقعي لموضوعه الواقعي. وإن كان المراد أن هناك قاعدة عقلائية ظاهرية ، نظير جواز الرجوع إلى العام عند الشك في وجود الخاص. فهو أيضاً غير ثابت. نعم إذا كان الأصل يقتضي انتفاء الأمر المنوط به الجواز كان الأصل النافي له نافيا لحكمه وهو الجواز. ولكن هذا وجه آخر يأتي ويتوقف على جريان الأصل النافي للكرية.

والثالث : يتوقف على أن مقتضى العموم انفعال الماء والخارج منه الكر. وهذا ليس بأولى من القول : بأن مقتضى العموم الاعتصام والخارج عنه القليل ، كما يشهد به النبوي المشهور‌ (١) ، وجملة من النصوص المتقدمة في انفعال الماء القليل. مضافا إلى أن التحقيق ، عدم مرجعية العام في الشبهات المصداقية. والرابع : يتوقف على القول بالأصل المثبت ، لان موضوع الانفعال‌

__________________

(١) وهو قوله ( ص ) : « خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شي‌ء ... » الوسائل باب : ١ من أبواب الماء المطلق حديث : ٩.

١٦٤

وان كان الأقوى عدم تنجسه بالملاقاة. نعم لا يجري عليه حكم الكر ، فلا يطهر ما يحتاج تطهيره إلى إلقاء الكر عليه [٢] ، ولا يحكم بطهارة متنجس غسل فيه [٢].

______________________________________________________

الماء الذي ليس بكر ـ الذي هو مفاد ليس الناقصة ـ لا عدم وجود الكر ـ الذي هو مفاد ليس التامة ـ وإثبات الأول بالأصل الجاري لإثبات الثاني من العمل بالأصل المثبت.

والخامس : يتوقف على أن الكرية من عوارض وجود الماء عرفا بنحو تصدق في الأزل السالبة بانتفاء الموضوع ، وليس كذلك ، فإنها نحو سعة في مرتبة الطبيعة ، فلا يصح أن تشير الى كر من الماء وتقول : هذا قبل وجوده ليس بكر كما لا يصح أن تقول : هؤلاء العشرة من الرجال قبل وجودهم ليسوا بعشرة ، وهذا المثقال من الدقيق قبل وجوده ليس بمثقال. وليست الكرية منتزعة من صفات عارضة على وجود الماء. مثل الحمرة والصفرة ونحوهما. فليس المقام من موارد جريان الأصل في العدم الأزلي ، الذي عرفت فيما سبق صحة جريانه.

[١] لأن التطهير من أحكام الكر ، فلا يترتب مع الشك في موضوعه بل يرجع الى استصحاب النجاسة. نعم لو قام إجماع على عدم اختلاف الماء الواحد في الحكم الظاهري ، وقد كان الماءان ممتزجين على نحو يصدق أنهما ماء واحد. أمكن القول بحصول الطهارة للملقى عليه ، لأنه بعد تعارض استصحاب الطهارة في مشكوك الكرية ، واستصحاب النجاسة فيما ألقي عليه ، يرجع الى قاعدة الطهارة فيهما. لكن الإجماع غير ثابت ، كما يظهر من ملاحظة كلماتهم في المتمم كرا بطاهر.

[٢] يعني : إذا بنينا على الفرق بين الكر وغيره في شرائط التطهير من علو المطهر. والتعدد ، والعصر ، ونحوها ، وقد فقد بعض تلك الشرائط‌

١٦٥

وان علم حالته السابقة يجري عليه حكم تلك الحالة [١].

[ مسألة ٨ ] : الكر المسبوق بالقلة إذا علم ملاقاته للنجاسة ولم يعلم السابق من الملاقاة والكرية إن جهل تاريخهما أو علم تاريخ الكرية ، حكم بطهارته [٢] وان كان الأحوط‌

______________________________________________________

عند التطهير بمشكوك الكرية. لا يحكم بالطهارة ، للشك في حصولها ، الموجب للرجوع الى استصحاب النجاسة.

[١] لاستصحابها. والاشكال في الاستصحاب بتعدد الموضوع ، يندفع بأن الكثرة والقلة من قبيل الحالات المتبادلة على موضوع واحد عرفا ، وهو كاف في صحة الاستصحاب.

[٢] أما في صورة الجهل بالتاريخين. فلأصالة الطهارة ، التي هي المرجع بعد تعارض أصالة عدم الملاقاة إلى زمان الكرية ـ المقتضية للطهارة ـ مع أصالة عدم الكرية إلى زمان الملاقاة ، المقتضية للنجاسة. هذا على المشهور ، من جريان الأصل ذاتاً في مجهول التاريخ ، إذا كان الأثر مترتبا على عدمه في زمان الآخر ، وان كان يسقط للمعارضة. أما بناء على التحقيق من عدم جريانه ذاتا ، لأن الشك فيه ليس في امتداد المستصحب وعدمه بل في اتصال المستصحب بوجود الحادث الآخر ، من جهة الشك في التقدم والتأخر ، ودليل الاستصحاب قاصر عن إثبات هذه الجهة ـ كما سيجي‌ء في أواخر مباحث الوضوء ـ فالمرجع أصالة الطهارة ابتداء ، بناء على أنها المرجع في ملاقاة النجاسة لمشكوك الكرية ، كما تقدم في المسألة السابقة. وبعض الوجوه المتقدمة للحكم بالنجاسة جار هنا أيضاً. وأما في صورة العلم بتاريخ الكرية والجهل بتاريخ الملاقاة ، فلأصالة عدم الملاقاة إلى زمان الكرية فإنها تقتضي الطهارة.

١٦٦

التجنب. وان علم تاريخ الملاقاة حكم بنجاسته [١]. وأما القليل المسبوق بالكريه الملاقي لها ، فان جهل التاريخان أو علم تاريخ الملاقاة حكم فيه بالطهارة [٢] ، مع الاحتياط المذكور. وان علم تاريخ القلة حكم بنجاسته.

[ مسألة ٩ ] إذا وجد نجاسة في الكر ، ولم يعلم أنها وقعت فيه قبل الكرية أو بعدها ، يحكم بطهارته ، إلا إذا علم‌

______________________________________________________

[١] لاستصحاب عدم الكرية إلى زمان الملاقاة ، فيثبت موضوع النجاسة وهو ملاقاة ما ليس بكر. ولا يعارضه استصحاب عدم الملاقاة إلى زمان الكرية ، لعدم الشك في الملاقاة بالنسبة إلى الأزمنة التفصيلية ، وبالنسبة إلى الزمان الإجمالي وان كانت الملاقاة مشكوكة ، لكن الشك فيها ليس من الشك في البقاء ، الذي هو قوام الاستصحاب ، كما عرفت.

[٢] أما مع الجهل بتاريخهما فلما تقدم من أن المرجع أصالة الطهارة. وأما مع العلم بتاريخ الملاقاة ، فلاستصحاب الكرية إلى زمان الملاقاة. وقد عرفت أنه لا مجال لمعارضته بأصالة عدم الملاقاة إلى زمان القلة. مع أنه لو جرى لم يثبت الملاقاة في حال القلة ، فلا يثبت النجاسة. ومنه يظهر أنه لو علم تاريخ القلة ، فأصالة عدم الملاقاة إلى زمان القلة وان كان صحيحا في نفسه ، لكنه لا يثبت النجاسة إلا إذا أثبت الملاقاة حال القلة ، وذلك موقوف على القول بالأصل المثبت ، لأن ثبوت الملاقاة حال القلة من اللوازم العقلية لعدم الملاقاة إلى زمان القلة. وأصالة تأخر الحادث لا أصل لها ، إلا بمعنى أصالة عدم وجود الحادث في زمان الشك في وجوده ، لا بمعنى أصالة وجوده في الزمان اللاحق. ومنه يشكل ما في المتن من الحكم بالنجاسة في الفرض ، فان مقتضى ما ذكرنا هو الطهارة.

١٦٧

تاريخ الوقوع [١].

[ مسألة ١٠ ] : إذا حدثت الكرية والملاقاة في آن واحد حكم بطهارته [٢] ، وان كان الأحوط الاجتناب.

______________________________________________________

[١] هذا مثل ما قبله في الحكم ، بل هو هو بتفاوت يسير لا يوجب فرقا في الحكم.

[٢] لإطلاق‌ قولهم (ع) : « إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء » (١) الشامل للملاقاة المقارنة واللاحقة. والتخصيص بالثانية فيه ـ مع أنه خلاف الإطلاق المؤيد بالارتكاز العقلائي في المانع ، فإنه يكفي عندهم في مانعية المانع عن أثر المقتضي مقارنته للمقتضي حدوثا ، وليس سبق حدوث المانع دخيلا في مانعيته ، كما هو ظاهر ـ : أنه لو حمل الدليل المذكور على الكرية السابقة على الملاقاة حدوثا لزم اعتبار (٢) اللحوق في الملاقاة ـ يعني لم ينجسه شي‌ء لو لاقاه بعد صيرورته كراً ـ وتقييد الجزاء بالملاقاة اللاحقة يستلزم تقييد المفهوم بها ، لأن حكم المفهوم نقيض حكم المنطوق ، فاذا قيد الحكم في المنطوق بقيد تعين تقييد الحكم في المفهوم به ، فيكون مفهوم القضية المذكورة : إذا لم يكن الماء قدر كر في زمان ينجسه الشي‌ء الملاقي له بعد ذلك. فتكون صورة المقارنة خارجة عن كل من المنطوق والمفهوم ، والمرجع فيها إما عموم طهارة الماء أو استصحاب الطهارة. فتأمل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب الماء المطلق تضمن ذلك عدة اخبار منها.

(٢) فإن الملاقاة غير مصرح بها في الدليل ، فضلا عن وصف كونها لاحقة للكرية ، وانما تستفاد الملاقاة من انصراف الشي‌ء في ( الجزاء ) إلى الملاقي ، فاللحوق ان تمت استفادته من الدليل فهو أيضا للانصراف إلى الملاقي ملاقاة لاحقة ، فيكون مفاد الشرطية : إذا كان الماء قدر كر في زمان لا ينجسه شي‌ء لاقاه بعد ذلك. ومفهومها : إذا لم يكن قدر كر في زمان ينجسه شي‌ء يلاقيه بعد ذلك. فتكون صورة التقارن خارجة عن المنطوق والمفهوم « منه قدس‌سره ».

١٦٨

[ مسألة ١١ ] : إذا كان هناك ماءان أحدهما كر والآخر قليل ، ولم يعلم أن أيهما كر ، فوقعت نجاسة في أحدهما معيناً أو غير معين لم يحكم بالنجاسة [١] ، وان كان الأحوط في صورة التعين الاجتناب [٢].

[ مسألة ١٢ ] : إذا كان ماءان أحدهما المعين نجس ، فوقعت نجاسة لم يعلم وقوعها في النجس أو الطاهر ، لم يحكم بنجاسة الطاهر [٣].

[ مسألة ١٣ ] : إذا كان كر لم يعلم أنه مطلق أو مضاف ، فوقعت فيه نجاسة لم يحكم بنجاسته [٤]. وإذا كان‌

______________________________________________________

جيداً. نعم لو كان لسان الدليل هكذا : كل ماء ينفعل بملاقاة النجاسة إلا ما كان كراً قبل الملاقاة. كانت صورة المقارنة داخلة في المستثنى منه لكنه ليس كذلك.

[١] للشك في ملاقاتها للقليل ، والمرجع استصحاب الطهارة سواء أكانت الملاقاة لمعين أم لغير معين. هذا إذا كانت الحالة السابقة مجهولة. أما إذا كانا معلومي الكرية سابقا ، فاستصحاب الكرية المقتضي للطهارة هو المرجع. كما أنه لو كانا معلومي القلة ، فاستصحابها كاف في الحكم بالنجاسة.

[٢] تخصيص الاحتياط بهذه الصورة غير ظاهر الوجه ، لأن أكثر الوجوه المقتضية للحكم بالنجاسة ، المتقدمة في المسألة السابعة ـ من قاعدة المقتضى والمانع ، والتمسك بالعام في الشبهة المصداقية ، وغيرهما ـ جار في صورتي تعين الملاقي وعدمه.

[٣] لانحلال العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما المردد ، بالعلم التفصيلي بنجاسة أحدهما المعين ، فلا مانع من الرجوع الى استصحاب الطهارة.

[٤] للشك فيها ، من جهة احتمال الإطلاق ، والمرجع استصحاب‌

١٦٩

كران أحدهما مطلق والآخر مضاف ، وعلم وقوع النجاسة في أحدهما ، ولم يعلم على التعيين ، يحكم بطهارتهما [١].

[ مسألة ١٤ ] : القليل النجس المتمم كراً بطاهر أو نجس نجس على الأقوى [٢].

______________________________________________________

الطهارة. نعم بعض الوجوه المتقدمة في المسألة السابعة للقول بالنجاسة مقتض له هنا أيضاً.

[١] أما مطلق فطهارته معلومة ، لأنه كر بالفرض. وأما المضاف فيحكم بطهارته ظاهراً ، للشك في ملاقاته للنجاسة ، فيرجع الى استصحاب الطهارة.

[٢] كما هو المشهور ، كما عن جماعة. وعن الوسيلة : الطهارة إن تمم بطاهر. ونسبه في المبسوط الى بعض الأصحاب وقال : إنه قوي. أما إذا تمم بنجس ففي المبسوط : « لا شك أنه ينجس الكل ». لكن عن رسيات السيد والمراسم وجواهر القاضي وغيرها : الطهارة أيضاً. وهو صريح السرائر. والعمدة من أدلتهم المرسل في المبسوط من‌ قولهم (ع) : « إذا بلغ الماء كرا لم يحمل نجاسة » (١) ‌، وفي السرائر : « قول الرسول (ص) المجمع عليه عند المخالف والمؤالف : إذا بلغ الماء كراً لم يحمل خبثا » (٢) ‌، وأرسله السيد [ ره ] فيما عن المسائل الرسية ، واستدل ـ مضافا إليه ـ بالإجماع على أن الماء المعلوم وقوع النجاسة فيه المشكوك سبقه على الكرية ولحوقه لها طاهر ، فلو لا بناؤهم على طهارة المتنجس ببلوغ الكرية لم يكن لذلك وجه.

لكن الإجماع المذكور ـ على تقدير ثبوته وحجيته ـ إنما يثبت الطهارة فيما نحن فيه لو كان إجماعا على الطهارة واقعا في مورده ، أما لو كان على‌

__________________

(١) آخر صفحة ٣ من المبسوط المطبوع في إيران.

(٢) صفحة : ٨ سطر ١٤ من كتاب السرائر المطبوع في إيران.

١٧٠

______________________________________________________

الطهارة ظاهراً فهو أجنبي عن المقام ، لإمكان أن يكون الوجه في مورده أصالة الطهارة ، كما عرفته في المسألة الثامنة. أما المقام فلا مجال فيه لأصل الطهارة. أما في المتمم بنجس فواضح ، لحكومة استصحاب النجاسة عليها وأما في المتمم بطاهر ، فلأن مقتضى عموم انفعال القليل نجاسة المقدار الطاهر المتمم للنجس كرا ، لملاقاته لذلك النجس. وأدلة اعتصام الكر مختصة بالكر الملحوظ موضوعا للملاقاة ، فلا بد من ثبوت كريته في رتبة سابقة على الملاقاة ، فلا يشمل ما نحن فيه. ومن ذلك يظهر أنه لا مجال في المقام للرجوع إلى عموم : « خلق الله الماء طهورا ... » (١). لأنه مخصص بأدلة انفعال القليل. كما لا مجال لمعارضة استصحاب الطهارة في المقدار الطاهر لاستصحاب النجاسة في المقدار النجس ـ بناء على عدم اختلاف الماء الواحد في الحكم واقعا وظاهرا ـ والرجوع الى قاعدة الطهارة. وذلك لأن الرجوع إلى الأصل إنما يكون مع عدم الدليل ، وقد عرفت الدليل على النجاسة. مع أن ذلك إنما يتم بعد امتزاج الماءين ، لا قبله بمحض الاتصال ، لعدم ثبوت وحدة حكم الماءين حينئذ ، كما يظهر مما ذكروه في الجاري والكثير إذا تغير بعضهما حيث ذكروا اختصاص النجاسة بالمتغير لا غير ، كما تضمن ذلك النص في الكثير أيضاً. مع أن الإجماع على الوحدة في الحكم ظاهراً غير ثابت ، والمتيقن الوحدة في الحكم واقعاً.

وأما المرسل فضعف سنده بالإرسال ، واعراض المشهور عنه ، يمنعان عن العمل به. وعمل ابن إدريس به مبني على اعتقاده رواية المؤالف والمخالف له ، وقد قال المحقق : « والذي رواه مرسلا السيد والشيخ وآحاد ممن جاء بعده والمرسل لا يعمل به ، وكتب الحديث عن الأئمة (ع) خالية عنه أصلا. وأما المخالفون فلم أعرف به عاملا سوى ما يحكى عن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب الماء المطلق حديث : ٩.

١٧١

______________________________________________________

ابن حي ، وهو زيدي منقطع المذهب. وأما رأيت أعجب ممن يدعي إجماع المخالف والمؤالف فيما لا يوجد إلا نادرا ». وأما السيد [ ره ] فلم يظهر منه الاعتماد عليه لو لا الإجماع الذي ادعاه. بل من المحتمل أن يكون ذلك الإجماع قرينة عنده على صحته وثبوته. وكذلك القاضي في جواهره ، فإنه وان رواه عنهم (ع) ، لكنه استدل على الطهارة في المتمم بطاهر ـ الذي هو موضوع كلامه ـ بأن الطاهر لا ينجس بالملاقاة للنجس ، لصيرورته كرا ، وبضميمة الإجماع على عدم اختلاف الماء الواحد في الحكم يحكم بطهارة النجس. وأطال في النقض والإبرام في إثبات ذلك. ومن الجائز أن يكون اعتماده عليه لذلك. مع أن اعتماد مثله غير كاف في حجية الخبر وأما الشيخ فإنه وان ظهر من كلامه في المبسوط الميل إلى الطهارة ، لكن ظاهر عبارة المبسوط أن النجاسة أقوى. فلاحظ كلامه. وبالجملة : وجود هذه الضمائم في كلمات الجماعة مانعة من الوثوق باعتمادهم على الخبر بحيث يخرج به عن القواعد.

هذا مضافا إلى تأتي المناقشة في دلالته ، لأن‌ قوله (ع) : « لم يحمل خبثاً » يحتمل ـ بدوا ـ أن يراد منه تشريع اعتصام الكر عن حدوث النجاسة ، وانفعال ما دونه ، فيكون مفاده منطوقا ومفهوما مفاد‌ الرواية المشهورة : « إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء » (١). ويحتمل أن يراد منه الرفع ، يعني : إذا بلغ الماء النجس كرا ارتفعت عنه النجاسة الثابتة له قبل البلوغ. ومفهومه ـ على هذا ـ دال على انحصار مطهرية الماء النجس بالبلوغ كرا ، وبقاء النجاسة للماء بدون أن يبلغ كرا ، فيكون حجة على بقاء نجاسته مهما شك في ارتفاعها لطروء أمر ما غير الكرية ولا مجال للرجوع الى استصحابها إذ لا مجال للاستصحاب مع الدليل. وعلى هذا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب الماء المطلق تضمن ذلك عدة احاديث منها.

١٧٢

______________________________________________________

المعنى تكون الرواية واردة في مقام تشريع البقاء والارتفاع ، المترتب على تشريع الحدوث والعدم الذي هو مفاد الرواية المشهورة.

وبالجملة : على هذا المعنى يكون قد صدر من الشارع المقدس تشريعان [ أحدهما ] : تشريع الانفعال وعدمه منوطين بالقلة والكثرة ، وهو مفاد الرواية المشهورة. [ وثانيهما ] تشريع بقاء الانفعال وارتفاعه منوطين بطروء الكرية وعدمه ، وهذان التشريعان مترتبان ، لترتب البقاء والارتفاع على الحدوث وتفرعهما عليه ، فيكون كل من منطوق القضية الشرطية ومفهومها على المعنى الثاني متفرعا على مفهومها بالمعنى الأول. ولأجل ذلك يمتنع عرفا أن تكون الجملة المذكورة في مقام إنشاء الحكمين المذكورين ، بأن يراد من‌ قوله (ع) : « لم يحمل خبثا » أنه ان كان كرا لم ينفعل وإلا انفعل ، وأنه إن كان كرا لم يبق فيه الانفعال ، وإلا بقي. فحمل الرواية على إنشاء الحكمين معا متعذر.

وحينئذ يدور الأمر بين حملها على الأول ـ وهو الدفع ـ فتتحد مع الرواية المشهورة في المفاد ، وبين حملها على الرفع فتخالفها فيه ، وتكون متضمنة للتشريع الثاني. والأظهر الحمل على الأول ، لأن الحمل على الثاني يتوقف على تقييد الماء بالماء النجس قبل البلوغ كرا ، والعبارة المناسبة له أن يقال : إذا بلغ الماء النجس كرا طهر ، لا مثل العبارة المذكورة. نعم لو كانت الجملة الشرطية المذكورة في الحديث خبرية ، أمكن أن يراد منها المفادان معا. لكنه خلاف الظاهر. ومن ذلك يظهر عدم صلاحية الحديث المذكور لإثبات طهارة المتمم كرا بطاهر ، فضلا عن المتمم بالنجس.

كما يظهر أن التفصيل بينهما ـ كما عن الجماعة ـ اعتمادا على الحديث المذكور ضعيف ، فإنه لو تمت دلالته لم يكن فرق بين الفرضين ، كما اختاره الحلي. اللهم إلا أن يكون الوجه في الفرق بينهما الإجماع على عدم‌

١٧٣

______________________________________________________

الطهارة في النجس المتمم بنجس ، كما يظهر من المبسوط ، حيث نفى الشك في النجاسة فيه. لكن خلاف ابن إدريس قادح في جواز الاعتماد عليه. فتأمل.

وأما معارضته ـ على تقدير تمامية دلالته ـ بما دل على انفعال القليل المقتضي للحكم بنجاسة الطاهر المتمم ، المنافي للحكم بطهارته حين الملاقاة المقتضية للكرية ، لامتناع الحكم بالطهارة والنجاسة لموضوع واحد في زمان واحد. ومجرد اختلاف مفاد الدليلين ، من أجل أن أحدهما في مقام الدفع ، والآخر في مقام الرفع ، ولا يجدي في رفع المنافاة المذكورة. [ فيدفعها ] : أنه يمكن الجمع بين الدليلين بحمل الثاني على مجرد الاقتضاء دون الفعلية ، فلا ينافي فعلية الطهارة ، ويكون نظير الجمع بين دليلي العنوان الاولي والثانوي كما يظهر بالتأمل. والجمع بينهما بذلك أقرب من غيره من وجوه الجمع.

وأشكل من ذلك معارضته بما تضمن النهي عن غسالة الحمام ، كموثق ابن أبي يعفور عن الصادق (ع) : « وإياك أن تغتسل من غسالة الحمام ، ففيها يجتمع غسالة اليهودي ، والنصراني ، والمجوسي ، والناصب لنا أهل البيت ، وهو شرهم ، فان الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقا أنجس من الكلب وإن الناصب لنا ـ أهل البيت ـ لأنجس منه » (١). إذ يدفعها قصور الدلالة على النجاسة مع بلوغ الكرية ، لإجمال المراد من الغسالة ، لأن موردها من قبيل قضايا الأحوال ، بقرينة ذكر اليهودي واخوته ـ ومن الجائز أن يكون مورد السؤال ما لا يبلغ الكر. مع أن العمل بهذه الاخبار لا يخلو من اشكال ، كما يأتي فلاحظ.

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب الماء المضاف حديث : ٥.

١٧٤

فصل

ماء المطر حال تقاطره من السماء كالجاري [١] ، فلا ينجس ما لم يتغير وان كان قليلا ، سواء جرى من الميزاب ، أو على وجه الأرض ، أم لا [٢].

______________________________________________________

فصل في ماء المطر

[١] بذلك طفحت عباراتهم. بل استفاض نقل الإجماع عليه في الجملة صريحاً وظاهراً.

[٢] كما هو المشهور. ويشهد له‌ مرسلة الكاهلي عن أبي عبد الله (ع) في حديث : « قلت : يسيل علي من ماء المطر أرى فيه التغير وأرى فيه آثار القذر فتقطر القطرات علي وينتضح علي منه. والبيت يتوضأ على سطحه فيكف على ثيابنا ، قال (ع) : ما بذا بأس لا تغسله. كل شي‌ء يراه ماء المطر فقد طهر » (١) وصحيح هشام بن سالم : « أنه سأل أبا عبد الله (ع) عن السطح يبال عليه فتصيبه السماء فيكف فيصيب الثوب فقال (ع) : لا بأس به ، ما أصابه من الماء أكثر منه » (٢) فان الوكوف في الثاني وان كان ملازما للجريان غالباً ، فلا يكون له إطلاق يشمل صورة عدم الجريان ، إلا أن التعليل بقوله (ع) : « ما أصابه ... » ظاهر في الاكتفاء بالمسمى إذا كان غالباً على النجاسة ، والأخذ به لازم. وكذلك‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب الماء المطلق حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب الماء المطلق حديث : ١.

١٧٥

______________________________________________________

السيلان في الأول ، وان كان لا يعم صورة عدم الجريان. وقوله (ع) : « كل شي‌ء يراه ... » غير ظاهر في الاعتصام ، لأن المطهرية أعم منه ولذا يقال بنجاسة ماء الغسالة ولو طهر المحل بها ولذلك قد تشكل دلالته على المشهور. إلا أن قوله (ع) : « كل شي‌ء يراه ... » لما كان مسوقا مساق الكبرى الكلية للجواب بنفي البأس ، دل على عموم نفي البأس لكل ما يسمى ماء المطر ، وان لم يكن جاريا.

هذا وقد ينسب الى ابن حمزة اعتبار الجريان. والى التهذيب والمبسوط والجامع اشتراط الجريان من الميزاب. ولعل ذكر الميزاب في كلامهم من باب المثال ، فيرجع الى القول الأول. ويشهد له حينئذ‌ صحيح ابن جعفر (ع) عن أخيه موسى (ع) : « سألته عن البيت يبال على ظهره ، ويغتسل من الجنابة ثمَّ يصيبه المطر ، أيؤخذ من مائه فيتوضأ به للصلاة؟ فقال : إذا جرى فلا بأس به » (١) وخبره المروي عن قرب الاسناد : « سألته عن الكنيف يكون فوق البيت فيصيبه المطر فيكف فيصيب الثياب ، أيصلى فيها قبل أن تغسل؟ قال (ع) : إذا جرى من ماء المطر فلا بأس » (٢) ونحوه خبره ـ المروي عن كتابه ـ في المطر يجري في المكان فيه العذرة‌ (٣). وظاهرها اعتبار الجريان الفعلي : فيشكل الأمر في المطر الواقع على الأرض الرملية ، وفي البحر ، ونحوهما مما يمتنع فيه الجريان. وحملها على الجريان بالقوة ـ كما عن المحقق الأردبيلي ـ قدس‌سره ـ لا قرينة عليه.

وأشكل منه ما تقدم عن ظاهر الشيخ وغيره من اعتبار الجريان من ميزاب ، فإنه تقييد للنصوص المذكورة بلا مقيد ، ويلزمه القول بعدم اعتصام‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب الماء المطلق حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب الماء المطلق حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب الماء المطلق حديث : ٩.

١٧٦

بل وان كان قطرات ، بشرط صدق المطر عليه [١] وإذا‌

______________________________________________________

المطر الواقع في الصحاري والبحار ، وهو كما ترى. ومن هنا يظهر الإشكال في هذه الفتاوى ، كالإشكال في النصوص.

ولا يبعد ما ذكره بعض مشايخنا [ قده ] من كون مراد الجماعة إلحاق ماء المطر الجاري على وجه الأرض ، بماء المطر النازل من السماء ، لدفع توهم اختصاص الحكم بماء المطر حال نزوله ، وأنه بعد نزوله واستقراره في الأرض يكون بحكم المحقون. وعبارة بعضهم لا تأبى ذلك. ففي الوسيلة ـ بعد أن ذكر أن الماء الجاري طاهر ومطهر ـ قال [ ره ] : « وما يكون في حكم الجاري هو ماء الحمام ... [ إلى أن قال ] : وحكم الماء الجاري من الشعب من ماء المطر كذلك ». وعن التهذيب والاستبصار : « ماء المطر إذا جرى من الميزاب فحكمه حكم الجاري ».

وكيف كان فالنصوص المتقدمة المستدل بها على اعتبار الجريان في اعتصام ماء المطر يعارضها التعليل في صحيح هشام المتقدم ، الظاهر في الاكتفاء بأكثرية ماء المطر على المتنجس ، الظاهر في غلبته عليه ، كما هو اللازم في مطهرية الماء. لأن المراد من البول الذي يكون المطر أكثر منه هو الأثر الموجود في السطح ، ولعدم السنخية بينه وبين الماء يتعين حمل الأكثرية على الأغلبية ، ولأجل ذلك يجب أن تحمل نصوص الجريان على أن اعتباره في موارد السؤال فيها ، للمحافظة على الغلبة المذكورة ، كما يساعده مواردها.

[١] بأن يكون له نحو كثرة بها يتحقق صدق الاسم ، وان كان الملاقي للنجس قطرات منه ، فلو كان مجموع ما نزل من السماء قطرات يسيرة فلم يصدق عليها ماء المطر لم يترتب الحكم. وفي روض الجنان : « كان بعض من عاصرناه من السادة الفضلاء يكتفي في تطهير الماء النجس بوقوع قطرة واحدة عليه. وليس ببعيد ، وان كان العمل على خلافه ». واشكاله‌

١٧٧

اجتمع في مكان وغسل فيه النجس طهر وان كان قليلا [١]. لكن ما دام يتقاطر عليه من السماء [٢].

______________________________________________________

ظاهر ، لمنع الصدق ، أو عدم ثبوته. ولعل مراده الاكتفاء في التطهير بالقطرة من المطر النازل ، لا الاكتفاء بها في صدق المطر. وعليه فهو في محله. والفرق بين المقامين واضح ـ كما في الجواهر ـ فلاحظ.

[١] ولا يحتاج إلى وروده على النجس في حصول طهارته به ، لاختصاص اعتبار الورود في التطهير بغير المعتصم ، أما المعتصم فلا يعتبر فيه ذلك. هذا بناء على اعتبار الورود في التطهير بغير المعتصم ، أما بناء على عدم اعتباره فلا فرق بين ماء المطر وغيره في الحكم المذكور في المتن.

[٢] أما اعتبار التقاطر من السماء ـ في الجملة ـ في الاعتصام فالظاهر أنه لا إشكال فيه ، وفي كشف اللثام وظاهر غيره الاتفاق عليه. واما اعتبار كون التقاطر عليه ، فهو ظاهر محكي مصابيح العلامة الطباطبائي [ قده ] بل في الجواهر أنه صريحه ، وأنه لم يتعرض لذلك سوى العلامة المزبور ، في الكتاب المذكور ، وأما غيره فأطلق ، بل هو نفسه في منظومته كذلك أيضاً.

ومال في الجواهر الى الاكتفاء في اعتصام المجتمع في الأرض بوجود التقاطر من السماء وان لم يكن عليه. وجعله ظاهر صحيح ابن الحكم‌ (١) وصحيح ابن سالم‌ (٢) ، ومرسل الكاهلي‌ (٣) ، وغيرها. بل جعله ظاهر جميع ما ورد في ماء المطر ، وأن ماء المطر كما يصدق على النازل حال نزوله ، يصدق على المستقر في الأرض ، وان اعتصام الثاني لأنه ماء مطر ، لا لأنه متصل بالنازل. نعم يشترط في ثبوت الحكم له ـ مضافا الى وجود التقاطر ـ

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب الماء المطلق حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب الماء المطلق حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب الماء المطلق حديث : ٥.

١٧٨

______________________________________________________

أن يكون متهيئاً للتقاطر عليه فلو وضع في خابية وترك في بيت مثلا لم يجر الحكم المذكور عليه.

وفيه : أن ماء المطر [ تارة ] : يراد منه النازل من السماء [ وأخرى ] : يراد منه ما كان أصله كذلك وان كان فعلا في خابية أو مصنع أو نحوهما ولا ريب أن موضوع النصوص والفتاوى هو الأول ، لا الثاني ، فإن جملة من نصوص انفعال القليل موردها الحياض والغدران التي أصلها من المطر ، ولا يتوهم المعارضة بينها وبين نصوص الباب ، لما عرفت أن موردها المعنى الأول ، وكونه جاريا على السطح أو من ميزاب ، أو نحو ذلك لا ينافي هذا المعنى ، لأن اتصاله بالنازل بتوالي القطرات عليه يوجب الوحدة العرفية بينهما ، فالنازل من السماء قبل الجريان وبعده مع توالي القطرات عليه ، إطلاق المطر ، أو ماء المطر عليه في الحالين بمعنى واحد.

وكذلك الكلام في أمثال المقام مثل ماء النهر وماء البئر ، فإنه أيضاً يطلق [ تارة ] : على ما كان في النهر أو في البئر ، [ وأخرى ] : على ما كان أصله منهما ، فاذا قيل ماء النهر‌ يطهر بعضه بعضاً‌، وماء البئر واسع لا يفسده شي‌ء‌، يكون ظاهراً في المعنى الأول ، فإذا سئل عن ماء البئر الجاري على جوانبها ، أو ماء النهر كذلك لا يحمل على المعنى الثاني ، بل هو ظاهر في الأول ، كما لا يخفى. هذا مضافا الى أن الحمل على الثاني في المقام يقتضي عموم الحكم لصورة انقطاع التقاطر بالمرة ، وصورة وضعه في خابية ونحوها ، فإخراج الصورتين المذكورتين لا وجه له. اللهم إلا أن يكون من جهة الإجماع. ولكن الإجماع تعبداً على خروجهما غير واضح.

وأما التمسك باستصحاب حكم الجاري ، فيدفعه : أن عموم انفعال القليل حاكم عليه. مع أنه من الاستصحاب التعليقي ، وهو وان كان معتضداً ـ بالنسبة إلى اعتصامه ـ باستصحاب الطهارة ، لكنه معارض ـ بالنسبة إلى‌

١٧٩

[ مسألة ١ ] : الثوب أو الفراش النجس إذا تقاطر عليه المطر ، ونفذ في جميعه طهر ، ولا يحتاج الى العصر أو التعدد [١] ، وإذا وصل الى بعضه دون بعض طهر ما وصل اليه. هذا إذا لم يكن فيه عين النجاسة ، والا فلا يطهر إلا إذا تقاطر عليه بعد زوال عينها [٢].

______________________________________________________

مطهريته لغيره ـ باستصحاب النجاسة ، وان كان المرجع بعد التعارض قاعدة الطهارة ، فتتحد النتيجة. فالعمدة في البناء على انفعاله بانقطاع التقاطر ، عموم أدلة انفعال القليل التي مورد بعضها ماء المطر بعد انقطاع تقاطره ، وبها يخرج عن نصوص الباب.

[١] لإطلاق مرسلة الكاهلي المتقدمة‌ (١). ومعارضتها بما دل على اعتبار العصر أو التعدد بالعموم من وجه ، المقتضية للرجوع الى استصحاب النجاسة. مندفعة : بأنه لو تمَّ إطلاق دليلهما بنحو يشمل المقام ، فرفع اليد عن إطلاق المرسلة وتقييدها بدليلهما يوجب إلغاء خصوصية المطر ، وذلك خلاف ظاهر الرواية جدا فيتعين العكس ، أعني : تقييد دليلي العصر والتعدد والأخذ بإطلاقها. مع أن العمدة في دليل اعتبار العصر هو ارتكاز العرف من جهة انفعال الماء المغسول به ، ومع اعتصام الماء ـ كما في المقام ـ لا مجال له. وكذا في كل ماء معتصم.

[٢] لعل مقتضى صحيح ابن سالم المتقدم (٢) الاكتفاء بغلبة المطر على عين النجاسة حتى يزيلها. بل لعل إطلاق رواية الكاهلي‌ (٣) دال على ذلك ، فلا يحتاج إلى التقاطر بعد زوال عين النجاسة.

__________________

(١) في أول هذا الفصل.

(٢) في أول هذا الفصل.

(٣) وهي مرسلة الكاهلي المتقدمة في أول هذا الفصل.

١٨٠