مستمسك العروة الوثقى - ج ١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦١١

تنجس أيضاً. وأن يكون التغير حسياً [١] ، فالتقديري لا يضر ،

______________________________________________________

له ملاق لعين النجاسة حقيقة [ قلت ] : هذا المقدار غير كاف في التنجس لأن‌ قوله (ص) : « لا ينجسه شي‌ء إلا ما غير ... ». قد عرفت أنه منصرف الى المتغير بملاقاة النجاسة عرفا ، وهو غير حاصل في جميع أفراد المتغير بالمتنجس وان كان حاصلا عقلا.

اللهم إلا أن يبنى على عموم الموصول في النبوي ونحوه للنجس والمتنجس وعلى انصرافه الى خصوص صورة الملاقاة وكون التغير بوصف النجس ذاتاً لمساعدة الارتكاز العرفي عليه ، كما أشرنا الى ذلك آنفا. ويؤيده أن الغالب في التغير بالجيفة ونحوها سراية التغير مما حولها الى ما يتصل به وهكذا. ومن هذا يظهر الاشكال فيما في الجواهر من اختصاص الحكم بالنجاسة بصورة استناد التغير إلى النجاسة التي تغير بها المتنجس دون غيرها من الصور وان كان التغير بصفة النجاسة. فإنه مبني على اختصاص الموصول في النبوي‌ ونحوه بالنجس دون المتنجس ، ولكنه خلاف الإطلاق. فلاحظ.

وقد يقرر الوجه في النجاسة : بأن المتغير بعين النجاسة إذا امتزج بالكثير فغيره ، فاما أن يطهر المتنجس ، وهو خلاف النص والإجماع على اعتبار زوال التغير في طهارة المتغير ، أو يبقى كل على حكمه ، وهو خلاف الإجماع على اتحاد الماء الواحد في الحكم ، أو ينجس الطاهر ، وهو المطلوب ويتم الحكم في غير الممتزج بالإجماع على عدم الفصل.

[١] المراد بالحسي [ تارة ] : ما يقابل الواقعي الذي لا يدركه الحس [ وأخرى ] : الفعلي ما يقابل التقديري. واعتبار الحسي بالمعنى الأول مقتضى النصوص الدالة على الطهارة بملاقاة البول والدم وغيرهما إذا لم يتغير الماء ، فإنه لا بد من وجود التغير واقعاً لاختلاف اللونين. وأما اعتباره بالمعنى الثاني فهو المشهور بل لم ينسب الخلاف فيه إلا الى العلامة في القواعد وغيرها‌

١٢١

فلو كان لون الماء أحمر أو أصفر ، فوقع فيه مقدار من الدم كان يغيره لو لم يكن كذلك لم ينجس ، وكذا إذا صب فيه بول كثير لا لون له بحيث لو كان له لون غيره ، وكذا لو كان‌

______________________________________________________

وبعض من تأخر عنه. ويشكل : بأن التغير كغيره من العناوين المذكورة في القضايا الشرعية ظاهر في الوجود الفعلي ، ولا سيما بملاحظة الارتكاز العرفي فلا يشمل التقدير الفرضي.

ودعوى : كون التغير ملحوظا طريقاً الى كم النجاسة ، لا موضوعا ليدور الحكم مداره. مندفعة أولا : بأنه خلاف الظاهر ، كما عرفت. وثانياً : بأن لازمه عدم نجاسة المتغير إذا كان كم النجاسة قليلا ووصفها شديداً. وثالثا : بأن تحديد الكم المقتضي للتغير مجهول لا طريق إلى معرفته ، ولازمه أنه مع الشك يرجع الى استصحاب الطهارة ولو مع العلم بالتغير. اللهم إلا أن يدعى ان التغير طريق شرعي إلى حصول الكم المنجس ، فتكون النصوص المتضمنة للنجاسة مع التغير واردة في مقام جعل الحكم الظاهري لا الواقعي ولكنه كما ترى.

وعن البيان وجامع المقاصد الاكتفاء بالتقدير فيما لو كان عدم ظهور أثر النجاسة لوجود وصف في الماء ، معللا : بأن التغير فيه حقيقي مستور ، ووافقهما عليه جماعة من الأساطين ، بل في الحدائق : نسبه الى قطع المتأخرين من دون خلاف ظاهر معروف. وفيه ما لا يخفى ، لامتناع اجتماع المثلين كالضدين ، فاذا كان الماء متلوناً بمثل لون النجاسة كيف يتلون بلونها؟ وأشكل من ذلك ما عن المحقق الخونساري من التفصيل في اعتبار التقدير بين الصفات العارضية ، كما في المصبوغ بطاهر أحمر ، فيعتبر فيه التقدير ، وبين الصفات الأصلية ، كما في المياه الكبريتية ، فلا يعتبر فيه التقدير. فإنه بلا فاصل ظاهر.

١٢٢

جائفاً فوقع فيه ميتة كانت تغيره لو لم يكن جائفا ، وهكذا. ففي هذه الصور ما لم يخرج عن صدق الإطلاق [١] محكوم بالطهارة ، على الأقوى.

[ مسألة ١٠ ] : لو تغير الماء بما عدا الأوصاف المذكورة من أوصاف النجاسة ، مثل الحرارة والبرودة ، والرقة والغلظة ، والخفة والثقل ، لم ينجس ما لم يصر مضافا [٢].

[ مسألة ١١ ] : لا يعتبر في تنجسه أن يكون التغير بوصف النجس [٣] بعينه ، فلو حدث فيه لون أو طعم أو ريح غير ما بالجنس ـ كما لو اصفر الماء مثلا بوقوع الدم ـ تنجس. وكذا لو حدث فيه بوقوع البول أو العذرة رائحة أخرى غير رائحتهما. فالمناط تغير أحد الأوصاف المذكورة بسبب النجاسة وان كان من غير سنخ وصف النجس [٤].

______________________________________________________

[١] يعني : مع عدم استهلاك النجاسة ، أما لو كان الخروج عن ذلك بعد الاستهلاك فالحكم الطهارة أيضا.

[٢] إجماعا محكياً عن غير واحد. ويقتضيه الحصر المستفاد من النبوي‌ وغيره‌

[٣] يعني : قبل الملاقاة.

[٤] محتملات التغير بدواً أربعة : [ الأول ] : التغير بمثل وصف النجاسة [ الثاني ] : التغير بسنخ وصفها قبل الملاقاة ، مثل التغير بالصفرة من وقوع الدم الأحمر. [ الثالث ] : التغير بوصف النجاسة في الجملة ولو كان وصفا لها بعد ملاقاة الماء ، نظير الحناء التي وصفها الخضرة ، فاذا لاقت الماء صار وصفها الحمرة ، والزاج الذي وصفه البياض ، فاذا لاقى الماء الذي فيه شي‌ء من الدباغ صار وصفه السواد. [ الرابع ] : التغير‌

١٢٣

[ مسألة ١٢ ] : لا فرق بين زوال الوصف الأصلي للماء أو العرضي ، فلو كان الماء أحمر أو أسود لعارض ، فوقع فيه البول حتى صار أبيض ، تنجس. وكذا إذا زال طعمه‌

______________________________________________________

مطلقاً ولو بوصف أجنبي عن وصف النجاسة مطلقا أو بزوال وصفه.

هذا وقد يظهر من الجواهر أحد الأولين ، للتبادر ، أو لأنه المتيقن ويرجع في غيره الى استصحاب الطهارة. كما أن مقتضى الإطلاق في النبوي‌ وغيره الأخير. اللهم إلا أن يناقش في الإطلاق : بأن الارتكاز العرفي يساعد على اعتبار ظهور وصف النجاسة في الماء ، لاختصاص الاستقذار العرفي بذلك وطروء وصف أجنبي أو زوال وصف الماء لا يوجب النفرة. ويعضده ظهور جملة من النصوص في ذلك ، ففي صحيح شهاب الوارد في الجيفة تكون في الغدير قال (ع) : « إلا أن يغلب الماء الريح فينتن‌ ... [ إلى أن قال ] : قلت : فما التغير؟ قال (ع) : الصفرة » (١). وفي موثق سماعة : « إذا كان النتن الغالب على الماء فلا يتوضأ ولا يشرب » (٢). وفي خبر العلاء : « لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول » (٣). وفي صحيح ابن بزيع : « حتى يذهب الريح ويطيب طعمه » (٤). فان ظاهر الجميع اعتبار التغير بوصف النجاسة في الجملة ولو كان ثبوته لها في حال الملاقاة للماء ، كما عرفت في الاحتمال الثالث. وعلى هذا يكون هو المتعين. ومن ذلك يظهر الاشكال فيما ذكره المصنف ـ رحمه‌الله ـ في المسألة اللاحقة بقوله. « لا فرق بين ». فلاحظ وتأمل.

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب الماء المطلق حديث : ١١.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب الماء المطلق حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب الماء المطلق حديث : ٧.

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب الماء المطلق حديث : ١٢.

١٢٤

العرضي ، أو ريحه العرضي.

[ مسألة ١٣ ] : لو تغير طرف من الحوض ـ مثلا ـ تنجس ، فان كان الباقي أقل من الكر تنجس الجميع [١] ، وان كان بقدر الكر بقي على الطهارة وإذا زال تغير ذلك البعض طهر الجميع ولو لم يحصل الامتزاج ، على الأقوى [٢]

______________________________________________________

[١] لانفعال الباقي بملاقاة المتغير.

[٢] كما نسب إلى الأكثر ، وعن المحقق والشهيد الثانيين وأكثر من تأخر عنهما التصريح به. بل قيل : « لم يعرف القول بالامتزاج من قبل المحقق في المعتبر ». وان كان ذلك لا يخلو عن نظر. لصحيح ابن بزيع عن الرضا (ع) : « ماء البئر واسع لا يفسده شي‌ء ، إلا أن يتغير ريحه أو طعمه ، فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه ، لأن له مادة » (١) ومحصل ما ينبغي أن يقال في تقريب الاستدلال : أن قوله (ع) : « واسع » وان كان يحتمل أن يراد منه الكثير ، لكن لما كان ذلك أمراً خارجياً عرفياً كان خلاف ظاهر البيان الوارد من الشارع. فيتعين أن يكون المراد منه أنه واسع الحكم. ولا سيما بملاحظة عدم المناسبة في التعبير عن الكثرة بالسعة وعليه فيكون قوله (ع) : « لا يفسده شي‌ء ». من قبيل التفصيل بعد الاجمال ، فترجع الجملتان الى مضمون واحد ، ورجوع التعليل اليه محتمل وأما الاستثناء فلا معنى لرجوع التعليل اليه. أما قوله : « فينزح » فرجوع التعليل اليه وان كان ممكنا عقلا إلا أنه بعيد جداً ، لخلوه عن المناسبة العرفية وأما قوله (ع) : « حتى يذهب الريح .... ». فلما كان المستفاد منه أمرين أحدهما عرفي خارجي ، وهو ترتب ذهاب الريح وطيب الطعم على النزح والثاني حصول الطهارة بذلك ، كما هو مفاد حرف الانتهاء ، لم يكن مانع‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب الماء المطلق حديث : ١٢.

١٢٥

______________________________________________________

عقلي من رجوعه الى كل منهما.

لكن رجوعه إلى الأول يبعده أمور : [ الأول ] : أنه أمر عرفي واضح التحقق ، فيكون تعليله في لسان الشارع تعليلا على خلاف وظيفته وبيانا للواضح ، [ الثاني ] : أن ذهاب الريح لا يترتب على مجرد وجود المادة ، وانما يترتب على ذلك منضما الى تزايد الماء النقي ، ونقص المتغير وغلبة الأول على الثاني ، فلو رجع التعليل اليه لزم الاقتصار على بعض العلة في التعليل وهو خلاف الظاهر. [ الثالث ] : أن المفاد المذكور ليس مدلولا عليه بالكلام ولا مما سيق لأجله ، وانما هو متصيد. وهذا بخلاف المفاد الثاني كما لا يخفى.

ومن ذلك يظهر لك الاشكال فيما عن الشيخ البهائي [ ره ] في الحبل المتين من إجمال التعليل ، لاحتمال رجوعه الى ترتب ذهاب الريح وطيب الطعم على النزح ، نظير قولك : لازم غريمك حتى يوفيك حقك فإنه يكره ملازمتك.

وعلى ما ذكرنا فالمتعين إرجاع التعليل إما الى المفاد الثاني للفقرة الأخيرة وحده ، أو مع الفقرة الأولى فيكون تعليلا لمجموع المفادين. والأول متيقن والأظهر الأخير. واحتمال إرجاعه إلى الفقرة الأولى فقط ـ فيكون تعليلا للدفع فقط ـ بعيد ، لان الكلام السابق عليه مشتمل على الدفع والرفع معا وكون الرفع أقرب إليه ، فيكون تعليل الدفع الذي هو أبعد إيهاما لخلاف المقصود ، فهو خلاف الظاهر. بل عرفت أن رجوعه الى الرفع الذي هو أقرب متيقن ، ورجوعه اليه والى الدفع الأبعد أظهر ، لأن تخصيصه بأحدهما دون الآخر مع احتياج كل منهما اليه بلا مخصص ، فهو خلاف الظاهر. وكون الثاني من متعلقات الأول ـ لو تمَّ ـ فأولى أن يقتضي الرجوع إليهما معا لا إلى أحدهما وحده. على أن تعلق الثاني بالأول من جهة عطفه عليه‌

١٢٦

[ مسألة ١٤ ] : إذا وقع النجس في الماء فلم يتغير ،

______________________________________________________

بالفاء ، والتعلق بالعطف لا يمنع من كون الثاني متيقناً في مرجعية التعليل.

ثمَّ إن مقتضى ظهور التعليل في العموم للمورد وغيره عدم الفرق بين ماء البئر وغيره ، فيشمل المقام وان لم يصدق عرفا على مقدار الكر أنه مادة ، لأن الارتكاز العرفي يقتضي كون المراد من المادة مطلق المعتصم وان لم يسم بالمادة. ولو بني على الاقتصار في التعليل على خصوص ما يسمى بالمادة كان تعليلا تعبديا ، وهو خلاف الظاهر.

فان قلت : مورد التعليل صورة امتزاج ما في المادة بالماء المتغير على نحو يزول تغيره بتوسط النزح ، لأن الحكم المعلل مطهرية زوال التغير بتوسط النزح ، وهو إنما يكون مع الامتزاج لا بدونه ، فكيف يستفاد من التعليل مطهرية الاتصال مطلقاً؟!

قلت : خصوصية النزح ليست معتبرة. أولا : للإجماع على كفاية الامتزاج ولو لم يكن نزح. وثانياً : لأجل أن البناء على اعتبارها تعبداً يوجب حمل التعليل على التعبدي لعدم دخل النزح في الطهارة في مرتكز العرف ، وانما الدخيل مجرد زوال التغير بأي سبب كان ، فإذا بني لذلك على إلغاء خصوصية النزح كان المدار على مجرد زوال التغير. وأما الامتزاج وغيره من الخصوصيات الموجودة في ماء البئر عند ذهاب تغيره فالغاؤها لازم ، للاقتصار في التعليل على ذكر المادة فلو كانت خصوصية غيرها دخيلة في الطهارة عند زوال الريح كان اللازم ذكرها ، فعدم التعرض لذلك دليل على عدم اعتباره.

والمتحصل مما ذكرنا : أن ظاهر الصحيح الشريف رجوع التعليل الى الدفع والرفع معا ، فكما أن الاتصال بالمادة موجب لاعتصام الماء حدوثاً كذلك يوجب ارتفاع النجاسة عند زوال التغير الموجب للنجاسة.

١٢٧

ثمَّ تغير بعد مدة ، فإن علم استناده الى ذلك النجس تنجس ، وإلا فلا [١].

[ مسألة ١٥ ] : إذا وقعت الميتة خارج الماء ووقع جزء منها في الماء [٢] وتغير بسبب المجموع من الداخل والخارج ، تنجس [٣] ، بخلاف ما إذا كان تمامها خارج الماء.

[ مسألة ١٦ ] : إذا شك في التغير وعدمه ، أو في كونه للمجاورة أو بالملاقاة ، أو كونه بالنجاسة أو بطاهر ، لم يحكم بالنجاسة [٤].

[ مسألة ١٧ ] : إذا وقع في الماء دم وشي‌ء طاهر أحمر فاحمر بالمجموع لم يحكم بنجاسته [٥].

______________________________________________________

[١] للأصل.

[٢] يعني : بعضها في الماء وبعضها في الأرض.

[٣] كما استظهره شيخنا الأعظم [ ره ] (١) لإطلاق النصوص ، مع أن الغالب الجيفة التي تكون في الماء بروز بعضها. والتفكيك بينه وبين فرض المسألة في الحكم بعيد عن المرتكز العرفي ، والبناء على الطهارة فيهما معا في صورة الاستناد الى الداخل والخارج كما ترى. بل من المحتمل شمول الإطلاقات لصورة الاستناد إلى ما هو خارج فقط بلا مشاركة ما هو في الماء نعم لو كانت الجيفة في الخارج وبعضها اليسير في الماء كطرف رجلها وذنبها ونحوهما لم تبعد دعوى الانصراف عن مثله.

[٤] لأصالة عدم التغير ، وعدم الملاقاة ، وعدم التغير بالنجس.

[٥] بل ينبغي الحكم بها لو كان بعض مراتب الحمرة مستنداً الى الدم‌

__________________

(١) المحقق الشيخ الأنصاري.

١٢٨

[ مسألة ١٨ ] : الماء المتغير إذا زال تغيره بنفسه من غير اتصاله بالكر أو الجاري لم يطهر [١]. نعم الجاري والنابع‌

______________________________________________________

وبعضها مستندا إلى الأحمر ، لتحقق التغير بالنجاسة عرفا على سبيل الاستقلال نعم لو كان التغير بمرتبة ضعيفة ، بحيث كان أثر الدم استقلالا غير محسوس لم يبعد ما في المتن ، لظهور الأدلة في الاستناد الاستقلالي.

[١] إجماعا في القليل ـ كما قيل ـ وعلى المشهور في الكثير. وعن يحيى بن سعيد : القول بالطهارة فيه. لأصالة الطهارة. وللنصوص الدالة على إناطة النجاسة بالتغير وجودا وعدما‌. وللخبر : « إذا بلغ الماء قدر كر لم يحمل خبثا » (١). ولقول الرضا (ع) في صحيح ابن بزيع المتقدم : « حتى يذهب الريح ويطيب طعمه » (٢) بناء على كون‌ [ حتى ] تعليلية مع رجوع التعليل الى الأمر العرفي كما سبق احتماله في الحبل المتين.

وفيه : أن أصل الطهارة محكوم باستصحاب النجاسة. والاشكال على الاستصحاب : بأن موضوع اليقين فيه المتغير وموضوع الشك غير المتغير ، فيتعدد فيه الموضوع ، ومع تعدد الموضوع لا يجري الاستصحاب. مندفع : بأن التغير وعدمه من قبيل الأحوال ، التي لا يوجب اختلافها تعدداً في الموضوع عرفا ، كما حقق في محله.

وأما النصوص : فظاهرها إناطة النجاسة حدوثاً بالتغير وعدمه ، لا ما يعم الحدوث والبقاء ، كي تصلح حجة في المقام.

وأما الخبر : فسيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ في حكم المتمم كراً الاشكال فيه ، لضعف سنده ، وهجره عند المشهور ، ومعارضته بما دل على انفعال‌

__________________

(١) السرائر صفحة : ٨.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب الماء المطلق حديث : ١٢.

١٢٩

إذا زال تغيره بنفسه طهر ، لاتصاله بالمادة. وكذا البعض من الحوض إذا كان الباقي بقدر الكر كما مر [١].

______________________________________________________

الماء القليل (١). نعم لو جاز العمل به هناك تعين العمل به هنا ، لأن خروج الماء عنه حال التغير إنما يقتضي تقييد إطلاقه الاحوالي ، لا تخصيص عمومه الأفرادي ، فإذا وجب الخروج عنه في حال تعين الرجوع إليه في غيره من الأحوال ، لوجوب الرجوع إلى المطلق مع الشك في التقييد ، فاذا شك في طهارته في حال زوال التغير كان إطلاقه الدال على الطهارة مرجعاً رافعا للشك ، فلا مجال لاستصحاب النجاسة.

وأما صحيح ابن بزيع : فكون‌ [ حتى ] فيه تعليلية غير ظاهر ، وانما تتعين [ حتى ] لذلك إذا لم يمكن استمرار ما قبلها بدون ما بعدها ، مثل : أسلم حتى تسلم ، أما إذا أمكن استمراره كذلك فهي فيه للغاية. نعم ربما يكون مدخولها علة غائية وربما لا يكون ، والحمل على واحد منهما بعينه يحتاج إلى قرينة ، وهي مفقودة في المقام. وقد عرفت ضعف احتمال رجوع التعليل إلى الأمر العرفي.

[١] ومر وجهه في شرح المسألة الثالثة عشرة.

__________________

(١) يأتي منه ـ قدس‌سره ـ في المسألة الرابعة عشرة من فصل الماء الراكد الاشكال بذلك تبعا لما هو المشهور بين الفقهاء. لكنه ـ قدس‌سره ـ دفع المعارضة واستشكل في الخبر يضعف الدلالة. فراجع.

١٣٠

فصل

الماء الجاري ـ وهو النابع [١] السائل على وجه الأرض [٢] فوقها أو تحتها ، كالقنوات ـ لا ينجس بملاقاة النجس ما لم يتغير ، سواء كان كراً أو أقل [٣].

______________________________________________________

فصل في حكم الماء الجاري

[١] بلا خلاف فيه ، كما عن جماعة. وفي جامع المقاصد : إن الجاري لا عن نبع من أقسام الراكد ، يعتبر فيه الكرية اتفاقا ممن عدا ابن أبي عقيل انتهى. ويساعده المتفاهم العرفي ، فإن الاستعداد للجريان مقوم لمفهوم الجاري وما لا يكون له نبع فاقد لذلك الاستعداد. نعم الجاري لغة أعم من ذلك.

[٢] كما نص عليه جماعة. لكن في المسالك : أنه النابع غير البئر سواء جرى أم لا. انتهى. فإن أراد أنه كذلك لغة أو عرفا فممنوع. وان أراد أنه كذلك اصطلاحا فغير ظاهر ، لما عرفت من تصريح جمع بخلافه.

[٣] أما نجاسته مع التغير فمتفق عليها نصاً وفتوى. وأما عدم نجاسته بالملاقاة ـ وان كان قليلا ـ فظاهر محكي عبارات جماعة انه إجماعي ، بل عن حواشي التحرير نقل الإجماع عليه صريحاً ، وفي الجواهر : « يمكن للمتروي في كلمات الأصحاب تحصيل الإجماع على عدم اشتراط الكرية ».

ويشهد له التعليل في صحيح ابن بزيع المتقدم (١) ، على ما عرفت‌

__________________

(١) راجع المسألة : ١٣ من الفصل الأول في المياه.

١٣١

______________________________________________________

من عمومه للمقام. وصحيح داود بن سرحان : « قلت لأبي عبد الله (ع) : ما تقول في ماء الحمام؟ قال (ع) : بمنزلة الماء الجاري » (١). لكن يشكل بإجمال الحكم الملحوظ في التنزيل ، إذ يحتمل أن لا يكون هو الاعتصام ولا قرينة في الكلام على تعيينه.

وأما الإشكال : بأنه على خلاف المطلوب أدل ، بناء على اشتراط بلوغ المادة ولو مع ما في الحياض كراً ، لأن مقتضى التنزيل مساواة الشيئين في الحكم. [ فيدفعه ] : أن التنزيل إنما يقتضي ثبوت حكم ذي المنزلة لما جعل بمنزلته ، أعني : حكم الجاري لماء الحمام ، لا حكم ماء الحمام للجاري ولو سلم فغاية ما يقتضي ذلك اعتبار الكرية في مادة الجاري ـ ولو بضميمة الخارج عنها ـ ولا مضايقة في ذلك. لكن حينئذ يدل على عدم اعتبار الكرية في الماء الجاري ، كما ذهب إليه العلامة [ ره ] ومن تبعه.

نعم من هنا يظهر أنه لو فرض ظهور الرواية في كون التنزيل بلحاظ الاعتصام لا حكم آخر مجهول فلا يظهر منها التنزيل في الاعتصام مطلقاً ، بل من الجائز أن يكون التنزيل بلحاظ الاعتصام في حال كون المادة كراً ، وعدمه عند كونها دون الكر ، فاعتصام الجاري مطلقاً مما لا يمكن إثباته من الرواية بوجه.

نعم لا يتوجه هذا الاشكال على رواية ابن أبي يعفور‌ (٢) المتضمنة أن ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضاً ، للتصريح فيها بكون الاعتصام هو الملحوظ في التنزيل. كما لا يتوجه عليها الاشكال بمنع عموم النهر للقليل إذ هو خلاف الإطلاق. كالإشكال بمنع اختصاص النهر بما له نبع ، إذ هو لا يقدح في الاستدلال بها على حكم ذي النبع.

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب الماء المطلق حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب الماء المطلق حديث : ٧.

١٣٢

______________________________________________________

نعم تشكل هذه الرواية : بأن ظاهر‌ قوله (ع) : « يطهر بعضه بعضاً » ‌أن الاعتصام يكون لماء النهر بنفسه ، لا بالمادة ، وحيث عرفت الاتفاق على أن ما لا مادة له بحكم المحقون يتعين له حمل الرواية على النهر المشتمل على الكر وتكون أجنبية عما نحن فيه [ ودعوى ] : أن حملها على الكر يستوجب إلغاء خصوصية النهرية. [ يدفعها ] : أن ارتكاب ذلك أولى من التصرف في ظاهر قوله (ع) : « يطهر ... » بحمله على التطهير بالمادة.

وأما الإشكال عليها : بأن مقتضى المماثلة المساواة من الطرفين ... إلى آخر ما تقدم في صحيح ابن سرحان. فقد عرفت ما فيه ، وأنه لا مضايقة في الالتزام باعتبار الكرية في المادة في الجاري وغيره ولو بضميمة ما في الحياض.

بل لا يبعد اعتبار الكرية فيها مستقلة ـ وإن قيل : انه لا قائل به ظاهراً ـ لانصراف إطلاق المادة في التعليل إلى ما كانت كراً ، بقرينة الارتكاز العرفي المتعين حمل التعليل عليه ، فان البناء على الأخذ بالإطلاق يوجب كون التعليل تعبدياً ، إذ لا ارتكاز عرفي يساعد على كون المادة مطلقا عاصمة لغيرها. فلاحظ.

ثمَّ إن اعتبار الكرية في المادة مستقلة ، أو بضميمة ما في الحياض ، أجنبي عن مذهب العلامة [ ره ] ، فدعوى : أنه عين مذهب العلامة في الجاري غير ظاهرة. ومن ذلك تعرف وجوه النظر في كلمات شيخنا الأعظم [ ره ] في طهارته. فراجع.

وأما‌ صحيحة ابن مسلم في الثوب يصيبه البول : « فان غسلته في ماء جار فمرة واحدة » (١) فالاستدلال بها يتوقف إما على اعتبار التعدد في غير المعتصم ، أو على اعتبار ورود الماء في غير المعتصم مع ظهورها في ورود النجاسة على الماء ، وكلا المبنيين غير ظاهر. نعم ورد في البول وجوب‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب النجاسات حديث : ١.

١٣٣

وسواء كان بالفوران أو بنحو الرشح [١]. ومثله كل نابع وان كان واقفا [٢].

[ مسألة ١ ] : الجاري على الأرض من غير مادة نابعة‌

______________________________________________________

التعدد. لكن لا مانع من تخصيصه بغير الجاري ، عملا بالصحيح المذكور. ومن هذا كله يظهر لك : أن العمدة في اعتصام الجاري ـ وان كان قليلا ـ عموم التعليل في صحيح ابن بزيع وكفى به حجة على ذلك.

وبه يظهر ضعف ما ذهب إليه العلامة [ ره ] في أكثر كتبه ـ وتبعه عليه الشهيد الثاني [ ره ] في المسالك ، والروض ، والروضة ـ من اعتبار الكرية فيه تمسكا بعموم ما دل على انفعال القليل ، إذ هو مخصص بالتعليل المذكور حتما ، لأن ظهور التعليل في العموم أقوى من ظهور ذلك الدليل فيه. ولو سلم التساوي فلأجل أن بينهما عموما من وجه ، يتعين الرجوع الى عموم النبوي الدال على اعتصام الماء مطلقا ولو كان قليلا ما لم يتغير‌، أو الى أصالة الطهارة.

[١] لإطلاق المادة. وفي الحدائق عن والده [ ره ] : عدم تطهير الآبار التي في بعض البلدان بالنزح بل بإلقاء كر ، لأن ماءها يخرج رشحاً. انتهى وفيه : أن ذلك لا يأبى شمول إطلاق المادة له. نعم بناء على ما عرفت من اتفاقهم على اعتبار النبع في الجاري قد يشكل صدقه إذا كانت المادة راشحة لخروج الرشح عن النبع. لكن الظاهر أن المراد من النبع ما هو أعم من الرشح مقابل ما لا مادة له. ولو سلم ذلك فلا يهم بعد ما عرفت من أن العمدة في دليل حكم الجاري ما دل على عاصمية المادة ، وهي أعم من الرشح بل قد قيل : إن الغالب في الآبار الرشح.

[٢] لما عرفت من عموم التعليل في صحيح ابن بزيع.

١٣٤

أو راشحة إذا لم يكن كراً ينجس بالملاقاة [١]. نعم إذا كان جاريا من الأعلى إلى الأسفل لا ينجس أعلاه بملاقاة الأسفل للنجاسة [٢] ، وان كان قليلا.

[ مسألة ٢ ] : إذا شك في أن له مادة أم لا وكان قليلا ، ينجس بالملاقاة [٣].

______________________________________________________

[١] لعدم شمول التعليل له. ونصوص الجاري ، لو تمت دلالتها على اعتصامه فهي غير واضحة الشمول للفرض ، كما عرفت.

[٢] كما تقدم في المسألة الأولى من الفصل السابق. نعم لو لم يكن الجريان بقوة ودفع تعين البناء على سراية النجاسة إلى العالي ، لموافقته للمرتكز العرفي.

[٣] لأن الجمع بين ما دل على انفعال القليل ، وما دل على اعتصام ذي المادة ، يقتضي كون موضوع الانفعال القليل الذي ليس له مادة ، فاذا أحرزت قلة الماء ، وجرت أصالة عدم المادة ، فقد أحرز موضوع الانفعال بعضه بالوجدان ، وبعضه بالأصل ، فيترتب حكمه.

ثمَّ إن الشك في وجود المادة [ تارة ] : يكون في وجودها المقارن لوجود الماء. [ وأخرى ] : في وجودها اللاحق بعد وجود الماء. وفي الصورة الثانية : إن علم بانتفائها قبل زمان الشك بني على استصحاب عدمها فيترتب الحكم بلا إشكال. وان علم بوجودها قبل زمان الشك بني على استصحاب وجودها ، ويترتب حكمه وهو الاعتصام بلا إشكال أيضاً.

أما في الصورة الأولى : فأصالة العدم فيها من قبيل استصحاب العدم الأزلي الثابت قبل وجود الموضوع ، وهو محل كلام بين الأعلام ، وإن كان الأظهر جريانه ، لعموم الأدلة بعد اجتماع أركانه من اليقين والشك [ ودعوى ] : أن العدم الأزلي مغاير للعدم اللاحق للوجود ، لكون الأول‌

١٣٥

______________________________________________________

عدماً لعدم الموضوع ، والثاني عدماً لعدم المقتضي أو لوجود المانع ، وليس عدم الموضوع دخيلا فيه ، لفرض وجوده. [ مندفعة ] : بأن هذا الاختلاف لا يستوجب اختلافهما ذاتاً ، وانما يستوجب اختلافهما منشأ وعلة ، وذلك لا يمنع من إجراء الاستصحاب ، ولا يوجب التعدد عرفاً ، كما يظهر من ملاحظة النظائر ، فإنه يجوز استصحاب ترك الأكل والشرب للصائم بعد الغروب ، مع أن الترك الى الغروب كان بداعي الأمر الشرعي ـ وهو منتف بعد الغروب ـ والترك بعده لا بد أن يكون بداع آخر.

فان قلت : عدم العارض لما كان نقيضاً لوجود العارض ، ولا بد من وحدة الرتبة بين النقيضين ، ومن المعلوم أن وجود العارض متأخر رتبة عن وجود المعروض ، فعدم العارض المأخوذ قيداً في الحكم لا بد أن يكون متأخراً رتبة عن وجود الموضوع ، والعدم الأزلي ليس كذلك ، لأنه سابق على وجود الموضوع.

قلت : السبق الزماني على وجود الموضوع لا ينافي التأخر الرتبي عنه فان وجود المعروض وعدمه نقيضان ، وهما في رتبة واحدة ، ووجود العارض وعدمه نقيضان وهما في رتبة واحدة أيضاً ، فعدم العارض لما كان بمنزلة المعلول لعدم المعروض كان متأخراً عنه رتبة ، وهو عين تأخره عن وجود المعروض المتأخر زماناً ، لكون وجود المعروض في رتبة عدمه فالمتأخر عن أحدهما متأخر عن الآخر ، وتأخر وجود المعروض زماناً لا ينافي ذلك.

وبالجملة : ثبوت شي‌ء لشي‌ء فرع ثبوت المثبت له ، ومقتضى الفرعية الانتفاء عند الانتفاء المعبر عنه بالسالبة بانتفاء الموضوع ، فاذا وجد زيد بعد العدم صح أن يقال : لم يكن زيد موجوداً ـ يعني : قبل أن يوجد ـ كما يصح أن يقال : لم يكن زيد هاشمياً ، وبعد ما تبدل الأول بنقيضه وصح أن يقال : وجد زيد ، فاذا شك في تبدل الثاني بنقيضه يبنى على بقائه ،

١٣٦

[ مسألة ٣ ] : يعتبر في عدم تنجس الجاري اتصاله بالمادة [١] فلو كانت المادة من فوق تترشح وتتقاطر ، فان كان دون الكر ينجس. نعم إذا لاقى محل الرشح للنجاسة لا ينجس.

______________________________________________________

فيقال بعد ما وجد زيد : لم يكن هاشمياً. بالاستصحاب ، وقد عرفت أن السلب بانتفاء الموضوع عين السلب بانتفاء المحمول لا غيره ، فلا مانع من استصحابه عند الشك فيه.

ودعوى : أن التقابل بين عدم المحمول ووجوده المأخوذين في موضوع الحكم الشرعي ـ مثل القرشية واللاقرشية ـ تقابل العدم والملكة ، لا تقابل النقيضين ، وعدم العارض عند عدم المعروض يقابل وجود العارض عند وجود المعروض تقابل النقيضين ، فلا يكون أحدهما عين الآخر ، كي تكون القضية المتيقنة عين القضية المشكوكة كي يصح الاستصحاب. [ لا مأخذ ] لها ظاهر ، فان المذكور في كلامهم أن نقيض الجزاء يثبت مع نقيض الشرط ففي قوله (ع) : « لأن له مادة » يكون المفهوم : [ إذا لم يكن له مادة ] الذي هو نقيض : كان له مادة. وكذلك مثل قوله : « إن كانت المرأة قرشية تحيض الى الستين » يكون المفهوم : « إذا لم تكن المرأة قرشية لا تحيض الى الستين » ، فشرط المفهوم نقيض شرط المنطوق. [ وبالجملة ] : الوحدة بين العدمين ـ عرفاً ـ لا مجال لإنكارها ، وهي كافية في صحة الاستصحاب ومن ذلك كله يظهر أن استصحاب العدم الأزلي لإثبات القيد السلبي في محله.

وقد أطال بعض الأعاظم من مشايخنا (١) في تقريب المنع من جريان الأصل المذكور ، بترتيب مقدمات غير واضحة في نفسها ، ولا في صلاحيتها لنفي الاستصحاب المبني على صدق الشك في البقاء عرفاً وإن لم يصدق عقلا.

[١] هذا مما لا ريب فيه ، فإنه منصرف الدليل ، لمطابقته للمرتكز العرفي‌

__________________

(١) الميرزا النائيني قدس‌سره.

١٣٧

[ مسألة ٤ ] : يعتبر في المادة الدوام [١] ، فلو اجتمع الماء من المطر أو غيره تحت الأرض ويترشح إذا حفرت لا يلحقه حكم الجاري.

______________________________________________________

[١] قال الشهيد [ ره ] في الدروس : « ولا يشترط فيه ـ أي في الجاري ـ الكرية على الأصح. نعم يشترط دوام النبع ». وظاهر العبارة غير مراد قطعاً. فيحتمل أن يكون المراد الاحتراز عن العيون التي لا يتصل نبعها لضعف الاستعداد فيه فتنبع آناً وتقف آناً ، كما عن المحقق الكركي احتماله. أو الاحتراز به عن العيون التي يقف نبعها لسد المادة. أو الاحتراز عن العيون التي يقف نبعها لوصول الماء الى حد مساو لسطح النبع ، فاذا نقص من الماء شي‌ء نبعت حينئذ. أو الاحتراز عن العيون التي تنبع في الشتاء وتجف في الصيف ، فلا يدوم في فصول السنة ، كما عن كثير احتماله بل عن المحقق الكركي : أن أكثر المتأخرين عن الشهيد ـ رحمه‌الله ـ ممن لا تحصيل لهم فهموا هذا المعنى من كلامه. انتهى. والأظهر منها الأول كما أن الحكم بعدم الاعتصام في الثانية ظاهر ، لعدم الاتصال. وفي الأخيرتين مشكل ، لأنه خلاف الإطلاق. وأما الأولى فإن كان الآن الذي يكون فيه النبع مما يعتد به عرفاً في صدق أن له مادة ، كان الماء معتصما في ذلك الآن لا غيره. وإن كان لا يعتد به فلا اعتصام للماء حينئذ دائماً. وأما الدوام في عبارة المتن فالمراد منه غير ظاهر.

نعم في الجواهر : ان الثمد ـ وهو ما يتحقق تحت الرمل من ماء المطر كما عن الأصمعي وغيره ـ الأقوى إلحاقه بالمحقون مطلقا ، جري أو لم يجر ، للاستصحاب مع الظن أو القطع بعدم شمول ذي المادة له ، لا أقل من الشك فيبقى على حكم المحقون من القليل أو الكثير. اللهم إلا أن يفرض كونه على وجه يصدق ذو المادة عليه. أو يقال : إنه مطلقا من ذي المادة‌

١٣٨

[ مسألة ٥ ] : لو انقطع الاتصال بالمادة كما لو اجتمع الطين فمنع من النبع ـ كان حكمه حكم الراكد [١] ، فإن أزيل الطين لحقه حكم الجاري وان لم يخرج من المادة شي‌ء ، فاللازم مجرد الاتصال.

[ مسألة ٦ ] : الراكد المتصل بالجاري كالجاري [٢] ، فالحوض المتصل بالنهر بساقية يلحقه حكمه ، وكذا أطراف النهر وان كان ماؤها واقفاً.

______________________________________________________

أو بحكمه ولو مع الشك ، كما ستعرف. انتهى. وأشار بما ذكره أخيراً الى ما ذكره بعد ذلك من أن عموم الأدلة يقتضي اعتصام كل ماء ، والخارج عنه القليل المعلوم عدم المادة له كالحياض والغدران ونحوهما. انتهى.

وحاصل وجه الإشكال في اعتصام الثمد ونحوه التشكيك في شمول ذي المادة له. لكنه غير ظاهر ، لصدق المادة فيه كغيره. وأما ما ذكره أخيراً من وجه الاعتصام ، فهو على خلاف إطلاق أدلة انفعال القليل. واختصاصه بالمعلوم عدم المادة له غير ظاهر الوجه ، بل إطلاقه شامل للمعلوم وجود المادة له. غاية الأمر يجب الخروج عنه بما دل على الاعتصام بالمادة ، فإذا شك في صدق المادة بنحو الشبهة الموضوعية يتعين الرجوع الى الأصول ، بناء على التحقيق من عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. وكيف كان فالدوام في عبارة المصنف رحمه‌الله لا يخلو من إجمال.

[١] لما عرفت من ظهور دليل الاعتصام بالمادة في اعتبار الاتصال بها ، فاذا انقطع الاتصال لا يدخل المورد تحت ذلك الدليل ، ويتعين الرجوع الى عموم انفعال القليل.

[٢] لصدق أن له مادة.

١٣٩

[ مسألة ٧ ] : العيون التي تنبع في الشتاء مثلا ـ وتنقطع في الصيف يلحقها الحكم في زمان نبعها [١].

[ مسألة ٨ ] : إذا تغير بعض الجاري دون بعضه الآخر فالطرف المتصل بالمادة لا ينجس بالملاقاة [٢] وان كان قليلا [٣] والطرف الآخر حكمه حكم الراكد [٤] إن تغير تمام قطر ذلك البعض المتغير ، وإلا فالمتنجس هو المقدار المتغير فقط ، لاتصال ما عداه بالمادة.

______________________________________________________

[١] قد تقدم أن المحكي عن جماعة ممن تأخر عن الشهيد ـ رحمه‌الله ـ أنهم فهموا من اعتبار الدوام في النبع في اعتصام الجاري المذكور في عبارة الدروس الاحتراز عن العيون التي تنبع في الشتاء وتجف في الصيف. وعن المحقق الثاني إنكاره ، وأنه لا شاهد له من الاخبار ولا يساعد عليه الاعتبار وأنه تخصيص لعموم الدليل بمجرد التشهي. وجعل من فهم ذلك من عبارته ممن لا تحصيل له. وأنه منزه عن أن يذهب الى مثله ، فإنه تقييد لإطلاق النص بمجرد الاستحسان ، وهو أفحش أغلاط الفقهاء.

[٢] لاتصاله بالمادة.

[٣] لما عرفت من عدم اعتبار الكرية في اعتصام المتصل بالمادة. بل عن بعض الحكم بعدم الانفعال مع القلة وإن اعتبرنا الكرية في الجاري لأن جهة المنع في الجاري أعلى سطحاً فلا تسري النجاسة إليه من المتغير السائل عنه. وفيه : أن العلو الموجب للجريان لا يمنع من سراية النجاسة إلى العالي.

[٤] يعني يعتصم إن كان كراً ، لعموم اعتصام الكر. وينفعل إن كان قليلا ، لعموم انفعال القليل واحتمال طهارته ـ عملا بإطلاق ما دل

١٤٠