مستمسك العروة الوثقى - ج ١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦١١

______________________________________________________

والسمن ، وشبهه. قال (ع) : كل ما ليس له دم فلا بأس به » (١). [ والاشكال ] في دلالة الأول بعدم التصريح فيه بالميتة واختصاصه بالماء [ يندفع ] بانصرافه إلى الميتة ، وبعدم القول بالفصل بين الماء وغيره. كالإشكال على الثاني باختصاصه بما له ليس له دم. وبمعارضة مفهومه بمنطوق الأول بالعموم من وجه ، الموجب للرجوع في مورد المعارضة ـ وهو ميتة ما له دم غير سائل ـ إلى عموم نجاسة الميتة. فإنه أيضاً يندفع بعدم الفصل بين ما لا دم له وما له دم غير سائل. والمعارضة بالعموم من وجه إنما توجب الرجوع إلى دليل آخر ، حيث لا يكون أحد الدليلين أقوى ، والمنطوق في المقام أقوى ، لأن تخصيصه بما لا دم له أصلا بعيد جداً. مضافا إلى ما عرفت سابقا من أن [ الفاء ] ظاهرة في مجرد ترتب الخبر على المبتدأ ترتب العلية ولا تدل على الانحصار فلا مفهوم للقضية الحملية المذكورة كي يكون معارضاً لغيره من الأدلة.

كما أن ما‌ في موثق سماعة « سألت أبا عبد الله (ع) عن جرة وجد فيها خنفساء قد ماتت. قال (ع) : القه وتوضأ منه ، وان كان عقربا فارق الماء وتوضأ من ماء غيره » (٢). محمول على التنزه من السم أو نحوه بشهادة‌ خبر ابن جعفر (ع) عن أخيه (ع) : « عن العقرب والخنفساء وأشباههن تموت في الجرة أو الدن يتوضأ منه للصلاة. قال (ع) : لا بأس به » (٣). ومنه يظهر ضعف ما عن المهذب من استثنائه العقرب من الحكم المذكور كالوزغ أيضاً. لكن عن بعض عباراته نجاسة الثاني حياً ، كما عن القواعد والنهاية ذلك فيه وفي العقرب. وكأنه لظاهره ـ كما ذكر في العقرب ـ

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الأسئار حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب الأسئار حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الأسئار حديث : ٥.

٣٢١

والعقرب والخنفساء ، والسمك ، وكذا الحية ، والتمساح ، وان قيل بكونهما ذا نفس [١] ، لعدم معلومية ذلك. مع أنه إذا كان بعض الحيات كذلك لا يلزم الاجتناب عن المشكوك كونه كذلك [٢].

[ مسألة ٤ ] : إذا شك في شي‌ء أنه من أجزاء الحيوان أم لا فهو محكوم بالطهارة [٣]. وكذا إذا علم أنه من الحيوان لكن شك في أنه مما له دم سائل أم لا.

[ مسألة ٥ ] : المراد من الميتة أعم مما مات حتف أنفه أو قتل أو ذبح على غير الوجه الشرعي [٤].

______________________________________________________

ولرواية الغنوي في الوزغ‌ (١) ، فلا يكون مما نحن فيه من نجاسة الميتة.

[١] تقدمت حكايته عن المعتبر وغيره في الحية ، وعن الشهيد في التمساح في المسألة الرابعة.

[٢] لكون الشبهة موضوعية » والأصل فيها الطهارة. بل لا يبعد جريان الأصل الموضوعي ، وهو أصالة عدم كونها ذات نفس سائلة ، ويثبت به موضوع الطهارة.

[٣] لأصالة الطهارة ، ولا أصل موضوعي على خلافها ، ولا حكمي وكذا الحال في الفرض الآتي. والشبهة موضوعية في الفرضين.

[٤] الميتة [ تارة ] : تستعمل صفة من الموت المقابل للحياة [ وأخرى ] : بمعنى ما مات حتف أنفه في مقابل المقتول بالأسباب الموجبة للتذكية وغيرها كما في قوله تعالى ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ... ) (٢). وقوله‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب الأسئار حديث : ٤.

(٢) المائدة : ٣.

٣٢٢

[ مسألة ٦ ] : ما يؤخذ من يد المسلم من اللحم أو الشحم أو الجلد محكوم بالطهارة وان لم يعلم تذكيته [١].

______________________________________________________

تعالى : ( أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ ... ) (١) [ وثالثة ] : بمعنى ما لم يذك ذكاة شرعية ، كما ذكر شيخنا الأعظم [ ره ] وغيره مستشهداً عليه بجملة من النصوص ، كموثق سماعة : « إذا رميت وسميت فانتفع بجلده. وأما الميتة فلا » (٢). وما‌ في رواية علي بن أبي حمزة « قال (ع) : وما الكيمخت؟ قال : جلود دواب منه ما يكون ذكياً ومنه ما يكون ميتة ، فقال (ع) : ما علمت أنه ميتة فلا تصل فيه » (٣). وما‌ في رواية الصيقل : « إني أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة‌ ... [ إلى أن قال ] : فصرت أعملها من جلود الحمر الوحشية الذكية » (٤) ... إلى غير ذلك. وبهذا المعنى صارت موضوعا للنجاسة والحرمة وسائر الاحكام ولا يهم تحقيق ذلك ، فان ما ليس بمذكى بحكم الميتة شرعا ، إجماعا ونصوصاً سواء أكان من معاني الميتة أم لا.

[١] النصوص الواردة في هذا الباب طوائف.

منها : ما يدل على جواز ترتيب آثار التذكية مطلقاً ما لم يعلم بعدمها‌ كموثق سماعة : « سأل أبا عبد الله (ع) : عن تقليد السيف في الصلاة وفيه الغراء (٥) والكيمخت ، فقال (ع) : لا بأس ما لم تعلم أنه ميتة » (٦).

__________________

(١) آل عمران : ١٤٤.

(٢) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب النجاسات حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٥) الغراء ـ بكسر الغين المعجمة ـ الذي يلصق به الشي‌ء. نهاية ابن الأثير.

(٦) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب النجاسات حديث : ١٢.

٣٢٣

______________________________________________________

ورواية علي بن أبي حمزة المتقدمة في المسألة السابقة‌ ، ونحوهما غيرهما.

ومنها : ما يدل على المنع من ترتيب الأثر مطلقاً حتى يعلم أنه مذكى‌ كموثق ابن بكير الوارد في المنع عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه ، قال (ع) فيه : « فان كان مما يؤكل لحمه. فالصلاة في وبره ، وبوله وشعره ، وروثه وألبانه وكل شي‌ء منه جائز إذا علمت أنه ذكي قد ذكاه الذبح » (١).

ومنها : ما يدل على جواز ترتيب الأثر في موارد خاصة ، مثل أن يباع في السوق ، كصحيح الحلبي : « سألت أبا عبد الله (ع) : عن الخفاف التي تباع في السوق ، فقال (ع) : اشتر وصل فيها حتى تعلم أنه ميتة بعينه » (٢) ، وصحيح البزنطي : « سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبة فراء لا يدري أذكية هي أم غير ذكية ، أيصلي فيها؟ قال (ع) : نعم ليس عليكم المسألة ، إن أبا جعفر (ع) كان يقول : إن الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم ، إن الدين أوسع من ذلك » (٣) ، ونحوه صحيحه الآخر‌ (٤) ، وصحيح سليمان بن جعفر الجعفري‌ (٥) ، وخبر الحسن بن الجهم‌ (٦). أو يكون مما صنعه المسلمون ، كمصحح إسحاق بن عمار عن العبد الصالح (ع) : « لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني وفيما صنع في أرض الإسلام. قلت : فان كان فيها غير أهل الإسلام قال (ع) : إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس » (٧). أو يبيعه المسلمون ، أو يصلون‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب لباس المصلي حديث : ١ ، وباب : ٩ من أبواب النجاسات حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب النجاسات حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب النجاسات حديث : ٦.

(٥) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب النجاسات ملحق حديث : ٣.

(٦) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب النجاسات حديث : ٩.

(٧) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب النجاسات حديث : ٥.

٣٢٤

______________________________________________________

فيه ، كخبر إسماعيل بن عيسى : « سألت أبا الحسن (ع) عن الجلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل ، أيسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلماً غير عارف؟ قال (ع) : عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك ، وإذا رأيتم يصلون فيه فلا تسألوا عنه » (١). أو ما كان مضمونا ، كخبر محمد بن الحسين الأشعري : « كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني (ع) : ما تقول في الفرو يشترى من السوق؟ فقال (ع) : إذا كان مضموناً فلا بأس » (٢).

والجمع العرفي يقتضي حمل الطائفة الأولى على موارد الأخيرة ، وحمل الثانية على غيرها. والمتحصل من ذلك : الحكم بعدم التذكية مع الشك فيها إلا مع قيام أمارة عليها ، كبيع المسلم ، أو صنعه ، أو صلاته فيه ، ونحوها من التصرفات الدالة على كونه مذكى ، أو إخباره بالتذكية ، كما هو الظاهر من الضمان في مكاتبة الأشعري. والظاهر ان هذا هو المشهور.

نعم في التذكرة وعن المنتهى : المنع فيما يكون في يد المستحل للميتة بل نسب إليهما ذلك حتى لو أخبر ذو اليد بالتذكية ، وعن الشيخ في النهاية. « ولا يجوز شراؤها ممن يستحل ذلك أو كان متهما ». علله في التذكرة بعدم حصول الظن بالتذكية ، بخلاف من لا يستبيح الميتة ، فإن إسلامه مانع عن الاقدام على الحرام غالبا. واستدل لهم أيضاً‌ بخبر أبي بصير : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الصلاة في الفراء. فقال (ع) : كان علي بن الحسين (ع) رجلا صردا لا يدفؤه فراء الحجاز ، لأن دباغها بالقرظ ، فكان يبعث الى العراق فيؤتى مما قبلكم بالفرو فيلبسه ، فاذا حضرت الصلاة ألقاه والقى القميص الذي يليه. فكان يسأل عن ذلك ، فقال : إن أهل العراق يستحلون لباس‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب النجاسات حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب النجاسات حديث : ١٠.

٣٢٥

______________________________________________________

الجلود الميتة ، ويزعمون أن دباغه ذكاته » (١). وخبر عبد الرحمن بن الحجاج : « قلت لأبي عبد الله (ع) : إني أدخل سوق المسلمين ـ أعني : هذا الخلق الذي يدعون الإسلام ـ فاشتري منهم الفراء للتجارة فأقول لصاحبها : أليس هي ذكية؟ فيقول : بلى. فهل يصلح لي أن أبيعها على أنها ذكية؟ فقال (ع) : لا ، ولكن لا بأس أن تبيعها وتقول : قد شرط لي الذي اشتريتها منه أنها ذكية. قلت : وما أفسد ذلك؟ قال (ع) : استحلال أهل العراق للميتة وزعموا أن دباغ جلد الميتة ذكاته ... » (٢).

ويشكل الأول : بأنه إن بني على ملاحظة نصوص الباب المتقدمة فإطلاقها يقتضي الجواز مطلقاً ، وان بني على غض النظر عنها فالظن المستند إلى الغلبة لا دليل على حجيته. وأما الروايتان فمع ضعف سندهما قاصرا الدلالة. إذ الأولى واردة في مقام بيان جواز الصلاة في الفراء من حيث الشبهة الحكمية ـ كما يقتضيه ظاهر السؤال ـ وعليه فحكاية إلقاء الإمام (ع) الفرو حال الصلاة لا يدل على المنع ، لجواز أن يكون للاحتياط الاستحبابي أو للكراهة ، كما يشير اليه‌ مصحح الحلبي : « تكره الصلاة في الفراء إلا ما صنع في أرض الحجاز أو ما علمت منه ذكاة » (٣). نعم لو كان السؤال من حيث الشبهة الموضوعية فحكاية الإلقاء عن الامام (ع) تدل على المنع. لكنه خلاف الظاهر. وأما الثانية فلس فيها تعرض لما نحن فيه وإنما هي في مقام بيان عدم جواز الاخبار بالتذكية اعتماداً على اخبار البائع بها وذلك أجنبي عما نحن فيه. مضافا إلى أن تضمنهما للبيع والشراء دليل على الجواز لما يأتي من عدم جواز بيع الميتة إجماعا ونصوصا ، وان من البعيد جدا ان‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦١ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٦١ من أبواب النجاسات حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٦١ من أبواب لباس المصلي حديث : ١.

٣٢٦

______________________________________________________

الامام (ع) كان يلبس الفراء وهو متحرز عن مساورته فلاحظ.

هذا وعن الذكرى والبيان : الجواز فيما في يد المستحل إذا أخبر بالتذكية ، ويظهر من الدروس الميل اليه. وكأنه لرواية محمد بن الحسين الأشعري المتقدمة‌. لكن ـ مع عدم اختصاصها بالمستحل ـ ينافيها صحيحا البزنطي المتقدمان وغيرهما لقوله (ع) فيهما : « ليس عليكم المسألة ». فيتعين حمل الرواية على الاستحباب أو على ما إذا لم يكن البائع مسلما ، كما يشهد للأخير رواية إسماعيل بن عيسى المتقدمة‌ ، لكن سندها لا يخلو من ضعف.

ويحتمل أن يكون وجه القول المذكور أن الاعتماد على خبر الكافر مقتضى قاعدة حجية خبر ذي اليد من دون معارض لها في خصوص الباب إذ لا تعرض فيها لنفي حجية أخبار الكافر بالتذكية. نعم‌ في رواية عيسى ابن عبد الله : « سألت أبا عبد الله عن صيد المجوس. فقال (ع) : لا بأس إذا أعطوكه حيا والسمك أيضا ، والا فلا تجوز شهادتهم إلا أن تشهده » (١). لكن سندها لا يخلو من اشكال ، لاشتراك عيسى. ولأجل ذلك يشكل الخروج عن قاعدة حجية اخبار ذي اليد. لكن لو تمَّ ذلك فليس هو عملا برواية الأشعري‌ ، بل هو عمل بالقاعدة ، والرواية في موردها محمولة على الاستحباب.

هذا ومقتضى الجمود على لفظ السوق المذكور في النصوص البناء على تذكية ما يباع في السوق مطلقا ولو كان سوقا للكافرين. لكن المنصرف منه من فيه من المسلمين. وأوضح منه ما‌ في صحيح الفضيل وزرارة ومحمد ابن مسلم : « أنهم سألوا أبا جعفر (ع) : عن شراء اللحوم من الأسواق ولا يدرى ما صنع القصابون. فقال (ع) : كل إذا كان ذلك في سوق المسلمين ولا تسأل عنه » (٢) ، فقد قيد فيه السوق بسوق المسلمين‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب الصيد حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب الذبائح حديث : ١.

٣٢٧

______________________________________________________

بعناية كون البيع تصرفا من المسلم. ويشهد به ما تقدم من مصحح إسحاق‌ المتضمن للحكم بتذكية ما صنعه المسلمون أو صنع في بلاد الإسلام ، وأنه مع وجود غير المسلم يبنى على ذلك إذا كان الغالب المسلمين ، فالمراد من السوق في هذه النصوص الإشارة إلى تصرف المسلم ، ولو لم يكن في السوق.

ومن ذلك يشكل القول بجواز البناء على تذكية ما في سوق المسلمين ولو كان مأخوذا من يد الكافر ، كما يظهر من الجواهر وجود القائل به ، وان كان ظاهر المستند عدمه كما يأتي. وعلى ما ذكرنا يترتب أنه إذا كان البائع في السوق كافرا فالنصوص المذكورة قاصرة عن شموله ، والمرجع فيه أصالة عدم التذكية. وكذا الحال في مجهول الحال إذا لم تقم أمارة على إسلامه.

ومن ذلك تعرف ضعف ما في المستند من الحكم بتذكية ما أخذ من مجهول الحال إذا كان في سوق المسلمين ، عملا منه بإطلاق نصوص السوق المقتصر في الخروج عنه بالإجماع. على ما أخذ من يد الكافر في سوق المسلمين ، فيبقى المجهول داخلا في الإطلاق.

وأشكل من ذلك ما في الحدائق حيث حكى عن المشهور نجاسة الجلد المطروح ، لأصالة عدم التذكية. ورده : بأنه خلاف القاعدة المتفق عليها نصا وفتوى ، من أن كل شي‌ء فيه حلال وحرام فهو لك حلال ، وكل شي‌ء طاهر حتى تعلم أنه قذر. وقد ذكروا أنه يجب رفع اليد عن الأصل بالدليل ، فترجيحهم العمل بالأصل المذكور على هذه القاعدة المنصوصة خروج عن القواعد. ويعضد هذه القاعدة جملة من النصوص ، ثمَّ ذكر النصوص الواردة في الجلد المشترى من السوق. ثمَّ ذكر وجوها أخرى من الاشكال فيما حكاه ، عن المشهور.

إذ فيه : أن قاعدتي الحل والطهارة محكومتان لأصالة عدم التذكية.

٣٢٨

______________________________________________________

والدليل الذي يجب الخروج عن الأصل لأجله لا يراد به مثل القاعدتين المذكورتين. والنصوص التي ذكرها ليس موردها الجلد المطروح. وكان الأولى له أن يذكر مثل موثق سماعة‌ وخبر علي بن أبي حمزة‌ الدالين على إلغاء أصالة عدم التذكية. لكن عرفت أنهما معارضتان أيضا بغيرهما ، وأن الجمع العرفي يقتضي حملهما على خصوص ما كان فيه أمارة التذكية ، وهو غير الجلد المطروح. وأما وجوه الإشكال الباقية في كلامه فيعلم حالها بمراجعة الحدائق والتأمل فيها فراجع.

ومنه يظهر ما فيما في المدارك حيث بنى على طهارة الجلد المطروح واستشكل في أصالة عدم التذكية بعدم حجية الاستصحاب ، وأنه يتعين الرجوع الى أصالة الطهارة. واستشهد له بصحيح الحلبي‌ ، وخبر علي بن أبي حمزة‌ المتقدمين. إذ فيه ـ مع أن المحقق في محله حجية الاستصحاب ـ : أن صحيح الحلبي‌ مختص بالسوق ، ورواية ابن أبي حمزة‌

معارضة بغيرها ، كموثق ابن بكير المتقدم‌ ، والجمع العرفي يقتضي البناء على نجاسة الجلد المطروح ، كما عرفت.

هذا وفي الجواهر مال إلى كون يد الكافر أمارة على عدم التذكية مستظهرا له من روايتي إسحاق‌ وإسماعيل بن عيسى‌. لكن دلالتهما لا تخلو من خفاء. لأن مجرد الحكم بكون ما في يد الكافر ، أو المصنوع في أرض لا يكون الغالب عليها المسلمين ، ميتة ، أعم من ذلك ومن كونه لأجل أصالة عدم التذكية.

ودعوى : أن أصالة عدم التذكية غير جارية في مورد الروايتين ، لأن كون الجلد في أرض المسلمين أمارة على التذكية ، فالحكم بعدم كون الجلد مذكى لا بد أن يكون من جهة يد الكافر لا غير. مندفعة : بأن مجرد كون الجلد في أرض المسلمين لم يثبت كونه أمارة على التذكية ولا دليل عليه ، بل لعل الأمر بالسؤال في رواية ابن عيسى‌

٣٢٩

______________________________________________________

ظاهر في خلاف ذلك ، لأن السؤال إنما يناسب الجهل ، لا العلم ولو تنزيلا.

وأما رواية السكوني الواردة في السفرة المطروحة في الطريق كثير لحمها وخبزها ، وجبنها وبيضها » وفيها سكين ، حيث‌ قيل له : يا أمير المؤمنين لا يدرى سفرة مسلم أو سفرة مجوسي. فقال (ع) : « هم في سعة حتى يعلموا » (١). فالمحتمل ـ لو لم يكن ظاهراً ـ أن السؤال فيها من جهة النجاسة العرضية للأمور المذكورة من جهة مساورة المجوسي ، لا من جهة الشك في التذكية ، فلا تكون مما نحن فيه.

والمتحصل مما ذكرنا : لزوم الحكم بعدم التذكية ، إلا في الموارد الخاصة ، كبيع المسلم ، وصنعه ، وصلاته فيه ، ونحو ذلك من التصرفات التي كان بناء المسلمين على عدم إيقاعها في الميتة. وعليه يلزم تقييد عبارة المتن بما إذا كانت يد المسلم عليه بما أنه معد لتصرفه الذي يكون أمارة ـ نوعا ـ على التذكية لا مجرد كونه تحت يده ولو بقصد الإلقاء في المزبلة ، أو التصرف الذي لا يرتبط ـ بوجه ـ بالتذكية ، كالقرب المعدة لنقل القذارات ، فان ذلك لا يكون أمارة على التذكية شرعا.

هذا ولو كانت يد المسلم مسبوقة بيد الكافر ـ كما في الجلود المجلوبة في هذه الأزمنة من بلاد الكفار ـ فالظاهر كونها أمارة أيضاً ، كما يقتضيه إطلاق كلماتهم ، وصرح به غير واحد. قال في كشف الغطاء : « وما يؤتى به من بلاد الكفار كالبرغال والقضاعي ونحوه لا بأس به إذا أخذ من أيدي المسلمين ». وقال قبل ذلك : « وكل ما يوجد في أيدي المسلمين من الجلود مما لم يعلم حاله يبنى على تذكيته ، علم بسبق يد الكفار عليه أو لا » وفي الجواهر بعد أن ذكر النصوص المتقدمة : « يستفاد منها طهارة ما يؤخذ من يد المسلم وان علم سبقها بيد كافر ». وما ذكره ـ قدس‌سره ـ

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب النجاسات حديث : ١١.

٣٣٠

وكذا ما يوجد في أرض المسلمين مطروحا إذا كان عليه أثر الاستعمال [١]. لكن الأحوط الاجتناب.

[ مسألة ٧ ] : ما يؤخذ من يد الكافر أو يوجد في‌

______________________________________________________

من الاستفادة في محله.

ودعوى : احتمال كون أيدي المسلمين في عصر صدور النصوص الشريفة مما لا يعلم بكونها مسبوقة بيد الكافر ، وترك الاستفصال إنما يفيد العموم حيث يمكن وقوع الواقعة المسؤول عنها على نحوين ، أما إذا قامت القرينة على وقوعها على حال واحدة معينة فلا يكون ترك الاستفصال دليلا على العموم ، لاحتمال كونه لوضوح الحال وعدم الحاجة إلى الاستفصال.

مندفعة : أولا : بأن ما ذكر لا يجري في النصوص الدالة على العموم بالإطلاق لا بترك الاستفصال ، مثل موثق إسحاق‌ ، فإن ما صنع في أرض الإسلام أعم مما كان مجلوبا من بلاد الكفر أو مأخوذاً من الكافر. وثانيا : بأنه لا مجال للاحتمال المذكور ، للعلم بوجود الكفار في بلاد المسلمين ، وتداول ذبحهم للحيوانات ، وأكلهم لها ، وبيع جلودها ، ولا سيما مع البناء على كفر الخوارج والنواصب والغلاة ، مع بناء المخالفين على استحلال ذبائح الكافرين وبنائهم على طهارة الميتة بالدبغ ، فضلا عن استحلالهم شراء الجلود منهم مع احتمال كونها مذكاة ، إذ بعد ذلك لا مجال لاحتمال عدم وجود صورة يعلم فيها بسبق يد الكافر على يد المسلم ، بحيث لا يحسن التقييد بغير تلك الصورة ، كما لعله ظاهر.

[١] يعني : الأثر الظاهر في تحقق التذكية ، كما عرفت آنفا. ويشهد له مصحح إسحاق المتقدم‌. وأما رواية السكوني الواردة في السفرة المطروحة فقد عرفت قصور دلالتها على ذلك ، لعدم مناسبة السؤال والجواب له ، كما يظهر بالتأمل.

٣٣١

أرضهم محكوم بالنجاسة [١] إلا إذا علم سبق يد المسلم عليه [٣].

[ مسألة ٨ ] : جلد الميتة لا يطهر بالدبغ [٣] ، ولا يقبل الطهارة شي‌ء من الميتات [٤] سوى ميت المسلم ، فإنه يطهر بالغسل [٥].

______________________________________________________

[١] لأصالة عدم التذكية ، لا لأن يد الكافر أمارة على عدمها.

[٢] فتكون يد المسلم أمارة على التذكية من دون معارض.

[٣] على المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا ، بل قيل : تواتر نقل الإجماع عليه. بل عد من ضروريات المذهب ، كما عن شرح المفاتيح نعم حكي القول بالطهارة عن ابن الجنيد ، وعن المحدث الكاشاني الميل اليه. ويشهد للأول روايتا أبي بصير وابن الحجاج المتقدمتان في المسألة السادسة ، ولا دليل بالخصوص على النجاسة غيرهما. مع ما هما عليه من ضعف السند. ولكن حكي عن التذكرة دعوى تواتر الاخبار بذلك.

وكأنه أراد النصوص المتضمنة عدم الانتفاع بالميتة ، فإن إطلاقها شامل لما بعد الدبغ. ويشهد لابن الجنيد‌ رواية الحسين بن زرارة : « جلد شاة ميتة يدبغ فيصب فيه اللبن والماء أفأشرب منه وأتوضأ؟ قال (ع) : نعم وقال : يدبغ فينتفع به ، ولا يصلى فيه » (١). ومرسلة الصدوق‌ (٢) المتقدمة في طهارة الميتة ، بناء على حملها على ما بعد الدبغ. لكن لا ينبغي التأمل في طرحهما بعد حكاية الإجماع على خلافهما. وكفى بالأصل دليلا على المشهور.

[٤] للإطلاق أو الأصل بعد عدم الدليل على الطهارة.

[٥] للروايات المتقدمة المفصلة في لزوم غسل الثوب الذي يلاقي جسد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب النجاسات حديث : ٥.

٣٣٢

[ مسألة ٩ ] : السقط قبل ولوج الروح نجس ، وكذا الفرخ في البيض [١].

______________________________________________________

الميت بين ما قبل الغسل وبعده.

[١] اتفاقا ، كما عن شرح المفاتيح ، وبلا خلاف ، كما عن لوامع النراقي. لكن الدليل عليه غير ظاهر ، إذ هو إما لأنه ميتة ، لأن الموت يقابل الحياة تقابل العدم والملكة ، ولا يعتبر في صدقه سبق الحياة. أو لأنه من قبيل القطعة المبانة من الحي ، فيشمله دليل نجاستها. أو لأن‌ قوله (ع) : « ذكاة الجنين ذكاة أمه » (١) يقتضي كونه ميتة بموت أمه ، فاذا ثبت نجاسته من الميتة ثبت نجاسته من الحية ، لعدم القول بالفصل. أو لأنه قبل ولوج الروح فيه حي بحياة أمة لا بحياة مستقلة. فإذا انفصل عنها صار ميتة ، فيلحقه حكمها.

والجميع لا يخلو من نظر. إذ لو سلم كونه ميتة فلا إطلاق لأدلة نجاستها يشمله. والقطعة المبانة مختصة بالجزء ، وليس هو منه. وقوله (ع) « ذكاة الجنين ... » لا إطلاق له في موضوع الذكاة ، لوروده في مقام بيان الاكتفاء بذكاة الأم في تحقق ذكاة الجنين ، فيمكن اختصاصه بما ولجته الروح. ولأنه لا يصح تطبيق الحي والميت على كل جزء من أجزاء البدن ولا على مثل الحمل ، ولذا لا نقول بنجاسة العضو الميت في حال اتصاله بالبدن ، والحكم بنجاسته بعد الانفصال إنما كان للأخبار الخاصة المتضمنة أنه ميتة. ودعوى : الاتفاق وعدم الخلاف المتقدمة من شرح المفاتيح واللوامع. غير ظاهرة ، لعدم تعرض الأكثر للحكم المذكور. اللهم إلا أن يستفاد من مذاق الأصحاب. وهو غير بعيد ، ويساعده ارتكاز المتشرعة. وبذلك‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ من أبواب الذبائح حديث : ١٢.

٣٣٣

[ مسألة ١٠ ] : ملاقاة الميتة بلا رطوبة مسرية لا توجب النجاسة ، على الأقوى [١] ، وان كان الأحوط غسل الملاقي ،

______________________________________________________

يكون الخروج عن مقتضى قاعدة الطهارة.

[١] كما هو المشهور. وعن العلامة والشهيدين وغيرهما [ رض ] سراية نجاستها إلى الملاقي ولو مع اليبوسة. لإطلاق ما دل على نجاسة ملاقيها ، الوارد بعضه في ميتة الإنسان ، وبعضه في ميتة غيره. مثل التوقيع الوارد في إمام حدثت عليه حادثة ، قال (ع) : « ليس على من مسه إلا غسل اليد » (١). وموثق عمار : « اغسل الإناء الذي تصيب فيه الجرذ ميتا سبع مرات » (٢). لكنه يشكل ذلك : بأن اعتبار الرطوبة في سراية النجاسة عند العرف مما يصلح أن يكون قرينة على صرف الإطلاق ، فلا مجال للاعتماد عليه. مضافا إلى‌ موثق ابن بكير « كل شي‌ء يابس ذكي » (٣) الظاهر في الحكومة على إطلاق ما دل على سراية النجاسة مع الجفاف. ولو بني على عدم ظهوره في الحكومة فبينه وبين إطلاقات المقام عموم من وجه ، والمرجع في مورد المعارضة ـ وهو صورة الجفاف ـ إلى أصالة الطهارة. ويشير الى ذلك ما‌ في الصحيح الوارد في الثوب الذي يقع على جسد الميت : « فاغسل ما أصاب ثوبك منه » (٤) ، وفي الآخر : « يغسل ما أصاب الثوب » (٥). فان الظاهر من التعبير المذكور لزوم غسل الأثر الحاصل من ملاقاة الثوب للميت ، الذي لا يكون إلا مع الرطوبة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب غسل المس حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٥٣ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٣١ من أبواب أحكام الخلوة حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٥) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

٣٣٤

خصوصا في ميتة الإنسان قبل الغسل [١].

[ مسألة ١١ ] : يشترط في نجاسة الميتة خروج الروح من جميع جسده ، فلو مات بعض الجسد ولم تخرج الروح من تمامه لم ينجس [٢].

______________________________________________________

هذا وفي صحيح علي بن جعفر (ع) : عن أخيه موسى (ع) : « سألته عن الرجل يقع ثوبه على حمار ميت هل تصلح الصلاة فيه قبل أن يغسله؟ قال (ع) : ليس عليه غسله ويصلي فيه ولا بأس » (١). ولأجله قيل بتعين حمل الإطلاقات في ميت غير الإنسان على صورة الرطوبة ، وحمله على صورة اليبوسة لكن الجمع بذلك ليس عرفيا ، ولا شاهد له ، فلو بني على العمل بالصحيح يتعين حمل أدلة لزوم الغسل على الاستحباب مطلقاً. وما أبعد ما بين هذا القول وبين القول المحكي عن الحلي [ ره ] من عدم نجاسة ملاقي الميت مطلقاً. وضعفه ظاهر ، لما عرفت من النصوص الآمرة بغسل الملاقي له. ولو بني على غض النظر عنها أو عن ظاهرها لم يبق دليل على نجاسة الميت ، كما لا يخفى.

[١] لأن الخلاف فيها أظهر.

[٢] كما هو المعروف. وعن شرح الدروس : التردد فيه ، لاحتمال صدق الميتة عليه. لكنه ضعيف ، لأن موضوع الموت والحياة المأخوذ موضوعا للطهارة والنجاسة هو البدن بلحاظ اتصاله بالروح على نحو خاص وانفصاله عنها ، فاتصاف الاجزاء بها بعين اتصاف البدن ، لأنها عينه ، ولا تتصف الاجزاء بهما مستقلا فلا يمكن تطبيق الميتة على الجزء مستقلا ، وتطبيقها على الجزء المبان في النصوص مجاز بلحاظ الاحكام.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب النجاسات حديث : ٥.

٣٣٥

[ مسألة ١٢ ] : مجرد خروج الروح يوجب النجاسة وإن كان قبل البرد [١] ، من غير فرق بين الإنسان وغيره. نعم وجوب غسل المس للميت الإنساني مخصوص بما بعد برده [٢].

______________________________________________________

[١] كما عن صريح المبسوط ، والتذكرة ، والذخيرة ، وظاهر غيرها. لإطلاق صحيح الحلبي‌ ، وخصوص التوقيعين‌ ، وقد تقدمت في مبحث نجاسة الميت. ولا معارض لها غير ما‌ في صحيح ابن ميمون من قوله : « يعني : إذا برد الميت » (١) ، لكنه لم يثبت كونه من المعصوم ، فلا يصلح للمعارضة

وعن الجامع ، ونهاية الاحكام ، والدروس ، والذكرى ، وجامع المقاصد ، والمدارك ، وغيرها : الطهارة حينئذ ، بل نسب إلى الأكثر ، بل عن الشيخ الإجماع عليه. للاستصحاب. وللمنع من تحقق الموت قبل البرد. وللتلازم بين الغسل ـ بالضم ـ والغسل ـ بالفتح ـ والأول لا يكون قبل البرد فكذا الثاني. ولما دل على أنه لا بأس بالمس مع الحرارة ، كصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « مس الميت عند موته وبعد غسله والقبلة ليس بها بأس » (٢) ، وحمله على بيان الحكم التكليفي خلاف الظاهر.

لكن الاشكال فيما عدا الأخير ظاهر ، والأخير محمول على نفي الغسل ـ بالضم ـ جمعاً بينه وبين التوقيعين ، حملا للمطلق على المقيد. اللهم إلا أن يشكل الاحتجاج بهما لعدم روايتهما إلا في كتاب الاحتجاج ، ولا يخلو سندهما عن إرسال.

[٢] كما سيأتي في محله.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب النجاسات حديث : ١ ، وقد تقدم بتمامه في نجاسة ميت الإنسان.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب غسل المس حديث : ١.

٣٣٦

[ مسألة ١٣ ] : المضغة نجسة [١] ، وكذا المشيمة ، وقطعة اللحم التي تخرج حين الوضع مع الطفل.

[ مسألة ١٤ ] : إذا قطع عضو من الحي وبقي معلقاً متصلا به فهو طاهر ما دام الاتصال [٢] ، وينجس بعد الانفصال [٣]. نعم لو قطعت يده ـ مثلا ـ وكانت معلقة بجلدة رقيقة فالأحوط الاجتناب [٤].

[ مسألة ١٥ ] : الجند المعروف كونه خصية كلب الماء إن لم يعلم ذلك ، واحتمل عدم كونه من أجزاء الحيوان فطاهر وحلال [٥] ، وان علم كونه كذلك فلا إشكال في حرمته [٦] لكنه محكوم بالطهارة ، لعدم العلم بأن ذلك الحيوان مما له نفس.

[ مسألة ١٦ ] : إذا قلع سنة أو قص ظفره ، فانقطع‌

______________________________________________________

[١] الوجه في نجاستها ، ونجاسة المشيمة ، وقطعة اللحم ، هو بعض ما أشرنا إليه في نجاسة السقط ، والفرخ ، قبل ولوج الروح فيه ، بل المضغة داخلة في إطلاق السقط الذي لم تلجه الروح. وفي المنتهى : « المشيمة التي فيها الولد نجسة لأنها جزء حيوان أبين منه » ، وفي كشف الغطاء : « وما يخرج من بطن المرأة أو الحيوان حين الولادة من لمم ونحوه محكوم بنجاسته ».

[٢] للأصل. بل لما دل على طهارة الحيوان إذا فرض صدق الجزء عليه.

[٣] لما تقدم في القطعة المبانة من الحي.

[٤] لاحتمال دخولها في القطعة المبانة من الحي ، وان كان الشك كافياً في الرجوع إلى أصل الطهارة.

[٥] لأصالة الطهارة والحل.

[٦] لحرمة حيوانه.

٣٣٧

معه شي‌ء من اللحم فان كان قليلا جداً فهو طاهر [١] ، وإلا فنجس.

[ مسألة ١٧ ] : إذا وجد عظما مجرداً وشك في أنه من نجس العين أو من غيره يحكم عليه بالطهارة [٢] حتى لو علم أنه من الإنسان ولم يعلم أنه من كافر أو مسلم [٣].

[ مسألة ١٨ ] : الجلد المطروح إن لم يعلم أنه من الحيوان الذي له نفس أو من غيره ـ كالسمك مثلا ـ محكوم بالطهارة [٤].

[ مسألة ١٩ ] : يحرم بيع الميتة [٥].

______________________________________________________

[١] إما لدعوى انصراف أدلة نجاسة القطعة المبانة من الحي عن الجزء الصغير ، أو لدعوى سيرة المتشرعة عليه. ولكن كلتيهما محل إشكال.

[٢] لأصالة الطهارة.

[٣] إذا كان التقابل بين الكفر والإسلام تقابل العدم والملكة ، فأصل عدم الإسلام الجاري في الإنسان يثبت الكفر ، فيحكم بنجاسة العظم وهو ـ لكونه أصلا موضوعياً ـ حاكم على أصل الطهارة الذي هو أصل حكمي. نعم لو تردد العظم بين كونه لمعلوم الإسلام [ كزيد ] وكونه لمعلوم الكفر [ كعمرو ] فأصالة عدم إسلام الإنسان المردد بين معلوم الوجدان ومعلوم الفقدان غير جارية ، كما عرفت ذلك غير مرة.

[٤] إما لأصالة عدم كون حيوانه ذا نفس سائلة ، بناء على جريان أصالة العدم الأزلي في مثله مما كان من عوارض الوجود. أو لأصالة الطهارة بناء على عدم جريان أصل العدم الأزلي فيه.

[٥] على المعروف من مذهب الأصحاب ، بل عن التذكرة والمنتهى‌

٣٣٨

______________________________________________________

والتنقيح نقل الإجماع عليه ، وعن الخلاف نقل الإجماع على عدم ملكيتها وفي رواية السكوني عن أبي عبد الله (ع) : « السحت ثمن الميتة » (١) وعن جامع البزنطي عن الرضا (ع) : « في الغنم يقطع من ألياتها وهي أحياء أيصلح له أن ينتفع بما قطع؟ قال (ع) : نعم يذيبها ويسرج بها ، ولا يأكلها ولا يبيعها » (٢) ، ونحوه رواية علي بن جعفر (ع) عن أخيه (ع) ، (٣) وفي روايته الأخرى « عن الماشية تكون للرجل فيموت بعضها ، يصلح له بيع جلودها ودباغها ولبسها قال (ع) : لا ، ولو لبسها فلا يصل فيها » (٤) ، وفي رواية تحف العقول‌ (٥) : النهى عن بيع الميتة. مضافا الى ما ذكر في محله من اعتبار المالية في كل من العوضين في البيع ، وكون الميتة مالا موقوف على تحقق المنفعة لها المعتد بها ، وهو غير حاصل ، إما لحرمة الانتفاع بها كلية ، أو لأن جواز الانتفاع بها في بعض الموارد ليس بنحو يعتد به في صدق المال لندرته.

نعم‌ في رواية أبي القاسم الصيقل وولده : « كتبوا إلى الرجل : جعلنا الله تعالى فداك إنا قوم نعمل السيوف ليست لنا معيشة ولا تجارة غيرها ، ونحن مضطرون إليها وانما علاجنا [ غلافها. ظ ] جلود الميتة والبغال والحمير الأهلية لا يجوز في أعمالنا غيرها ، فيحل لنا عملها وشراؤها وبيعها ومسها بأيدينا وثيابنا ونحن نصلي في ثيابنا؟ ونحن محتاجون إلى جوابك في هذه المسألة يا سيدنا لضرورتنا. فكتب (ع) : اجعل ثوبا للصلاة ... » (٦)

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب ما يكتسب به حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يكتسب به حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يكتسب به ملحق حديث : ٦.

(٤) الوسائل باب : ٥ من أبواب ما يكتسب به حديث : ١٦.

(٥) الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يكتسب به حديث : ١.

(٦) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب ما يكتسب به حديث : ٤.

٣٣٩

لكن الأقوى جواز الانتفاع بها فيما لا يشترط فيه الطهارة [١].

______________________________________________________

لكن ـ مع احتمال كون المبيع هو السيف والغلاف تابع له بنحو الشرط ـ لا تصلح للخروج بها عن تلك النصوص ، التي لا يبعد تواترها معنى ، ومجمع على العمل بها ، المعتضدة بقاعدة لزوم كون العوضين مالا في البيع فلاحظ. فما عن المجلسي من الجواز ضعيف ، بل في الجواهر : انه غريب.

[١] كما يظهر من محكي عبارات جماعة منهم العلامة والشهيدان. لعموم الحل الموافق لأصالة الحل. ولخبري البزنطي‌ وعلي بن جعفر (ع) المتقدمين ورواية زرارة في جلد الخنزير يجعل دلواً يستقى به‌ (١) ، وروايته الأخرى في شعر الخنزير يجعل حبلا يستقى به من البئر‌ (٢) ـ بناء على عدم الفرق بين أنواع نجس العين في الحكم ـ ورواية الصيقل المتقدمة‌ ، ورواية الوشاء المتقدم إليها الإشارة في نجاسة الميتة عن أبي الحسن (ع) في أليات الغنم المقطوعة : « فقلت : جعلت فداك فيستصبح به؟ فقال (ع) : أما علمت أنه يصيب اليد والثوب وهو حرام » (٣) لظهورها في جواز الانتفاع بالميتة من حيث هو ، وانما يمنع عنه إصابة الثوب واليد ، وقوله (ع) : « وهو حرام » إما أن يراد به أنه نجس ، فيكون المقصود الإرشاد الى ما يترتب على الاستصباح من نجاسة اليد والثوب المؤدي إلى لزوم التطهير ، أو بطلان الصلاة ، أو أنه حرام تكليفاً مع تعاطيه تعاطي الطاهر ، وعلى كل حال فالرواية دالة على جواز الانتفاع من حيث هو ، وإلا فمن الضروري جواز مماسة النجس بنحو يؤدي إلى نجاسة الجسم المماس له.

وأما رواية ابن جعفر (ع) الثانية المتقدمة فالظاهر من قول السائل :

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الماء المطلق حديث : ١٦.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الماء المطلق حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الذبائح حديث : ٢.

٣٤٠