مستمسك العروة الوثقى - ج ١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦١١

أو غسالة الاستنجاء [١] أو الخبث.

[ مسألة ٩ ] : إذا شك في وصول نجاسة من الخارج أو مع الغائط يبني على العدم [٢].

______________________________________________________

أقول. فراجع. فالعمدة إذاً في خروج الكثير ـ مضافا الى الإجماع ـ صحيح صفوان الجمال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الحياض التي ما بين مكة والمدينة تردها السباع ، وتلغ فيها الكلاب ، وتشرب منها الحمير ، ويغتسل فيها الجنب ، ويتوضأ منه. قال (ع) : وكم قدر الماء؟ قال : إلى نصف الساق وإلى الركبة. فقال : توضأ منه » (١). وصحيح محمد ابن إسماعيل الوارد في الغدير الذي يستنجى فيه ، أو يغتسل فيه الجنب. فقال (ع) : « لا تتوضأ من مثل هذا إلا من ضرورة » (٢) ، بناء على الإجماع على عدم التفصيل في المنع بين الضرورة وغيرها. فيكون ذلك قرينة على الكراهة. وقد يستفاد أيضا مما ورد في الاغتسال في ماء الحمام.

[١] لأن العمدة في المنع عن طهوريته الإجماع ، وهو مفقود في الكثير وأما خبر ابن سنان‌ ، فقد تقدمت الإشارة إلى الإشكال في الاستدلال به على ذلك ، بناء على طهارة ماء الاستنجاء ونجاسة الغسالة. ولو فرض ظهوره في مطلق ما يلاقي النجاسة وجب الخروج عنه بما ورد من جواز الوضوء من الماء الكثير الذي تكون فيه العذرة ، أو البول ، أو الجيفة ، أو تلغ فيه الكلاب ، أو نحو ذلك (٣). ومنه يظهر أيضاً عدم جريان حكم الغسالة على الكثير المغسول به الخبث. فلاحظ.

[٢] لاستصحاب العدم.

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب الماء المطلق حديث : ١٢.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب الماء المطلق حديث : ١٥.

(٣) راجع الوسائل باب : ٩ من أبواب الماء المطلق.

٢٤١

[ مسألة ١٠ ] : سلب الطهارة والطهورية عن الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر أو الخبث استنجاء أو غيره ، إنما يجري في الماء القليل دون الكر فما زاد ، كخزانة الحمام ونحوها [١].

[ مسألة ١١ ] : المتخلف في الثوب بعد العصر من الماء طاهر [٢] ، فلو أخرج بعد ذلك لا يلحقه حكم الغسالة. وكذا ما يبقى في الإناء بعد إهراق ماء غسالته.

[ مسألة ١٢ ] : تطهر اليد تبعا بعد التطهير ، فلا حاجة إلى غسلها. وكذا الظرف الذي يغسل فيه الثوب ونحوه.

[ مسألة ١٣ ] : لو أجرى الماء على المحل النجس زائداً على مقدار يكفي في طهارته ، فالمقدار الزائد بعد حصول الطهارة طاهر [٣] ، وان عد تمامه غسلة واحدة ولو كان بمقدار ساعة. ولكن مراعاة الاحتياط أولى.

[ مسألة ١٤ ] : غسالة ما يحتاج الى تعدد الغسل كالبول ـ مثلا ـ إذا لاقت شيئاً لا يعتبر فيها التعدد [٤] ، وان كان أحوط.

______________________________________________________

[١] مضمون هذه المسألة متحد مع مضمون المسألة الثامنة.

[٢] يأتي الكلام في هذه المسألة ولاحقتها في مبحث الطهارة بالتبعية في مبحث المطهرات.

[٣] لأن ظاهر الدليل كون الغسل المطهر بنحو صرف الوجود الصادق على الحدوث ، فاذا تحقق طهر المحل ، فما يلاقيه من الماء المنصب طاهر ، لعدم ملاقاته للنجس.

[٤] قد اختلفوا في ملاقي الغسالة بناء على نجاستها ، وأنه كالمحل بعدها‌

٢٤٢

[ مسألة ١٥ ] : غسالة الغسلة الاحتياطية استحبابا يستحب الاجتناب عنها [١].

______________________________________________________

أو كالمحل قبلها ، أو كالمحل قبل الغسل. وقد ذكروا وجوهاً لا تخلو من تأمل ، لكونها مبنية على ظن وتخمين. وينبغي أن يكون مبنى هذا الخلاف وجود إطلاق يرجع اليه وعدمه ، فعلى الأول يكتفى في تطهير الملاقي بالمرة ولو كانت من الغسلة الأولى فيما يجب فيه التعدد. وعلى الثاني يجب التعدد للاستصحاب حتى إذا كانت مما لا يجب فيه التعدد ، أو كانت من الغسلة الأخيرة. هذا ، ولا يحضرني إطلاق في خصوص ملاقي الغسالة يرجع اليه عدا رواية العيص المتقدمة‌ (١) ، وقد عرفت الإشكال في سندها. نعم يأتي في مبحث المطهرات ـ إن شاء الله تعالى ـ تقريب إطلاق مطهرية الماء من مثل‌ النبوي : « خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شي‌ء » وأنه كما يرجع إلى العرف في كيفية التنجيس يرجع إليهم في كيفية التطهير. ومن المعلوم أن الكيفية عند العرف هي الغسل مرة ، ومقتضى ذلك الاكتفاء بالمرة في التطهير ما لم يقم دليل على التعدد ، كما في البول والأواني بناء على وجوب التعدد فيها. وسيأتي ـ إن شاء الله ـ ما له نفع في المقام.

[١] لاشتراك المناط ، وهو احتمال النجاسة مع كون الحجة على خلافه.

__________________

(١) تقدمت في حكم ماء الغسالة.

٢٤٣

فصل

الماء المشكوك نجاسته طاهر [١] إلا مع العلم بنجاسته سابقاً [٢]. والمشكوك إطلاقه لا يجري عليه حكم المطلق [٣] ، إلا مع سبق إطلاقه [٤]. والمشكوك إباحته محكوم بالإباحة [٥]

______________________________________________________

فصل في الماء المشكوك‌

[١] لقاعدة الطهارة الجارية في كل ما يحتمل أنه طاهر ، المستفادة من‌ موثق عمار عن أبي عبد الله (ع) ـ في حديث ـ قال (ع) : « كل شي‌ء نظيف حتى تعلم أنه قذر ، فاذا علمت فقد قذر ، وما لم تعلم فليس عليك » (١). وللقاعدة الجارية في خصوص الماء المشكوك ، التي يدل عليها ما‌ رواه حماد بن عثمان عنه (ع) : « الماء كله طاهر حتى تعلم أنه قذر » (٢).

[٢] لاستصحاب النجاسة المقدم على قاعدة الطهارة ، كما حقق في الأصول.

[٣] إذ لا قاعدة تقتضي ذلك. فلا بد من الرجوع الى الأصول الجارية في أحكامهما ، والعمل بما يقتضيه الأصل في كل منهما.

[٤] فحينئذ يستصحب إطلاقه ، كسائر العوارض المشكوكة الارتفاع فيجري عليه حكم المطلق.

[٥] لقاعدة الإباحة المستفادة من خبري مسعدة بن صدقة‌ ، وعبد الله‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٧ من أبواب النجاسات حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب الماء المطلق حديث : ٢.

٢٤٤

______________________________________________________

ابن سنان‌ (١). نعم‌ روى في الوسائل ـ في باب وجوب إيصاله حصة الإمام من الخمس اليه ـ عن الكافي عن محمد بن الحسن ، وعلى بن محمد جميعا عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن المثنى ، عن محمد بن زيد الطبري : « كتب رجل من تجار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا (ع) يسأله الاذن في الخمس. فكتب (ع) : ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) إن الله واسع كريم ، ضمن على العمل الثواب ، وعلى الضيق الهم. لا يحل مال إلا من وجه أحله الله ... » (٢) ومقتضاه أصالة الحرمة في الأموال إلا مع العلم بوجود السبب المحلل ، لأنه مع الشك في السبب المحلل يرجع الى أصالة عدمه. والأمر في سهل سهل. لكن أحمد بن المثنى مهمل ومحمد بن زيد الطبري مجهول. ولأجل ذلك يشكل الاعتماد على الخبر ، والخروج به عن قاعدة الحل.

وما اشتهر من أصالة الحرمة في الأموال لا يصلح جابراً له ، لعدم ثبوته بنحو الكلية الشاملة لما لم يكن أصل موضوعي يقتضي الحرمة ، من استصحاب ملكية الغير ، أو عدم إذن المالك في التصرف ، أو نحو ذلك ، كما لو شك في ثمر أنه ثمر شجرة أو ثمر شجر غيره ، أو في ماء : أنه ماؤه المتولد في بئره ، أو المتولد في بئر غيره ، أو في حيوان : أنه متولد من حيوانه ، أو من حيوان غيره ، فان مقتضى أصالة الحل الحل في مثل ذلك ، ولم يثبت ما يوجب الخروج عنها.

ثمَّ إنه لو بني على العمل بالخبر المذكور فذلك إذا لم يكن سابقاً من المباحات الأصلية وقد احتمل بقاؤه عليها ، وإلا جرى استصحاب عدم ملك غيره له ، المقتضي لحليته بالحيازة. وكذا لو كان مملوكا سابقاً لغير محترم المال واحتمل بقاؤه على ذلك ، فإنه يجري فيه استصحاب ملكيته ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب ما يكتسب به حديث : ٤ ، ١.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام حديث : ٢.

٢٤٥

الا مع سبق ملكية الغير [١] ، أو كونه في يد الغير المحتمل كونه له [٢].

[ مسألة ١ ] : إذا اشتبه نجس أو مغصوب في محصور ـ كإناء في عشرة ـ يجب الاجتناب عن الجميع [٣] ، وان اشتبه في غير المحصور ـ كواحد في ألف مثلا [٤] ـ لا يجب الاجتناب عن شي‌ء منه.

______________________________________________________

السابقة ، فيجوز تملكه والتصرف فيه بأي نحو.

[١] فتستصحب الملكية ، ولا يحل إلا بطيب نفس المالك ، ولو شك فالأصل عدمه ، كما عرفت.

[٢] فتكون اليد حجة على الملكية ، فيجري عليه حكم معلوم ملكية الغير.

[٣] للعلم الإجمالي الذي تحقق في محله أنه حجة كالعلم التفصيلي.

[٤] الضابط في الفرق بين المحصور وغير المحصور يختلف باختلاف الوجه في عدم حجية العلم الإجمالي إذا كانت أطرافه غير محصورة. [ ولأجل ] أن المحقق في محله عدم الفرق في حجية العلم المردد متعلقه بين الكثير والقليل من حيث هما ، وأن العبرة في سقوط العلم عن الحجية في الكثير وجود بعض الموانع عن تأثيره ، ولو كان بين أفراد قليلة ، من لزوم الحرج أو الضرر من الاحتياط ، أو خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء [ يكون ] المدار في كون الشبهة غير محصورة كونها بالغة في الكثرة حداً يكون فيه أحد الموانع المذكورة. وان كان الأظهر اختصاصها عند الأصحاب بالكثرة مع خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء ، وان اشتركت بقية الموانع معه في الحكم. فراجع كلماتهم.

وبعض الأعاظم جعل ضابط غير المحصور أن تبلغ الأطراف حداً من‌

٢٤٦

[ مسألة ٢ ] : لو اشتبه مضاف في محصور يجوز أن يكرر الوضوء أو الغسل إلى عدد يعلم استعمال مطلق في ضمنه فاذا كانا اثنين يتوضأ بهما ، وان كانت ثلاثة أو أزيد يكفي التوضؤ باثنين إذا كان المضاف واحداً ، وان كان المضاف اثنين في الثلاثة يجب استعمال الكل ، وان كان اثنين في أربعة تكفي الثلاثة. والمعيار أن يزاد على عدد المضاف المعلوم بواحد. وان اشتبه في غير المحصور جاز استعمال كل منها ، كما إذا كان المضاف واحداً في ألف. والمعيار أن لا يعد العلم الإجمالي علما ، ويجعل المضاف المشتبه بحكم العدم [١] فلا يجري عليه حكم الشبهة البدوية أيضاً. ولكن الاحتياط أولى.

______________________________________________________

الكثرة لا يتمكن المكلف عادة من جميعها وان تمكن من كل واحد على البدل. وفيه ـ مع أنه خلاف المصطلح عليه ظاهراً ـ : أن الترخيص في مثل ذلك لا يخلو من خفاء ، فان العجز عن المخالفة القطعية لا يوجب سقوط العلم بالتكليف عن المنجزية عند العقلاء. كيف؟! والاضطرار إلى المخالفة الاحتمالية ـ مع كونه منافيا لمقتضى العلم ـ لا يوجب سقوط العلم عن المنجزية كما لو اضطر الى ارتكاب أحد أطراف الشبهة ، فأولى أن لا يوجب العجز عن المخالفة القطعية ذلك ، لعدم منافاته لمقتضى العلم. فمن علم بغصبية أحد المكانين في زمان قصير يجب عليه اجتنابهما معا ، وان لم يمكنه التصرف فيهما معا في ذلك الزمان. [ وبالجملة ] : العجز عن المخالفة القطعية لا ينافي مقتضى العلم ، فلا يمنع من منجزيته.

[١] كأنه لدعوى : أن كثرة الأطراف موجبة لبناء العقلاء على عدم الاعتناء باحتمال انطباق المعلوم بالإجمال على كل واحد من الأطراف ،

٢٤٧

[ مسألة ٣ ] : إذا لم يكن عنده الا ماء مشكوك إطلاقه وإضافته ، ولم يتيقن أنه كان في السابق مطلقاً ، يتيمم للصلاة [١] ونحوها. والاولى الجمع بين التيمم والوضوء به.

______________________________________________________

فكل طرف وان كان يحتمل كونه مضافاً ومطلقاً ، إلا أن العقلاء لا يعتنون باحتمال كونه مضافا فيجوز استعماله في كل ما يجوز استعمال المطلق فيه ، ومرجع ذلك إلى حجية الغلبة. إلا أنه شي‌ء لا أصل له ، ولا دليل عليه فالاحتياط في الفرض ـ عملا بقاعدة الاحتياط ـ متعين. فلو فرض إجماع على عدم وجوب الاحتياط في الشبهة غير المحصورة ، فإنما هو بالنظر إلى العلم الإجمالي بالتكليف المتعلق بالمشتبه بين الأطراف ، لا بالنظر إلى علم آخر ، كالعلم بوجوب الوضوء بالماء ، فان مقتضاه عقلا وجوب العلم بتحقق الوضوء بالماء ، ولا يكفي الشك في ذلك ، لأنه شك في الفراغ يجب فيه الاحتياط ، كما لو كانت الشبهة بدوية ليست مقرونة بعلم إجمالي.

[١] يعني : ولا يحتاج الى الوضوء ، فان التردد في المائع بين كونه ماء مطلقاً ومضافا وان كان يستلزم العلم الإجمالي بوجوب الوضوء أو التيمم إلا أن أصالة عدم وجدان الماء كافية في إثبات وجوب التيمم ، فينحل بذلك العلم الإجمالي.

فإن قلت : إذا كان وجدان الماء شرطا في وجوب الوضوء ، كما أن عدم الوجدان شرط في وجوب التيمم ، يتم ما ذكر ، لأن الأصل المذكور كما يثبت وجوب التيمم ، ينفي وجوب الوضوء. أما إذا كان وجوب الوضوء مطلقاً غير مشروط بالوجدان ـ كما هو الظاهر حسبما يأتي في محله تحقيقه ـ فأصالة عدم الوجدان وان اقتضت مشروعية التيمم وسقوط العلم الإجمالي ، الا أنه لما كان ملاك وجوب الوضوء مطلقا ، فالشك في الوجدان يوجب الشك في القدرة على امتثال وجوب الوضوء ، فيجب ، بناء على التحقيق من‌

٢٤٨

[ مسألة ٤ ] : إذا علم إجمالا أن هذا الماء إما نجس أو مضاف ، يجوز شربه [١] ، ولكن لا يجوز التوضؤ به [٢]. وكذا إذا علم أنه إما مضاف أو مغصوب [٣]. وإذا علم أنه إما نجس أو مغصوب ، فلا يجوز شربه أيضاً [٤] كما لا يجوز التوضؤ به [٥].

______________________________________________________

وجوب الاحتياط عند الشك في القدرة.

قلت : أصالة عدم الوجدان إذا جرت وثبتت مشروعية التيمم لا موجب للاحتياط ، لحصول الأمن من جهة العلم بمشروعية البدل ظاهرا ، فلا خوف كي يجب ـ عقلا وفطرة ـ تحصيل المؤمن ، وهو الاحتياط. نعم قد يشكل إطلاق الاكتفاء بالتيمم : بأن أصالة عدم الوجدان إنما تجري مع اليقين بفقد الماء قبل الابتلاء بالمشكوك ، فلو كان مسبوقا بوجود الماء المعلوم ، ثمَّ فقد ذلك ، لا مجال لجريانها. بل قد يقال بجريان استصحاب وجود الماء. وان كان ذلك خلاف التحقيق ، فإنه من القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي ، والأصل الجاري فيه استصحاب العدم.

[١] لأصالة الطهارة.

[٢] للعلم التفصيلي بفساده ، الناشئ من العلم الإجمالي بفوات الشرط اما الطهارة أو الإطلاق.

[٣] يعني : يجوز شربه ، لأصالة الإباحة ، ولا يجوز الوضوء به ، إذ لا أصل يقتضي الإطلاق ، والشك فيه كاف في وجوب الاحتياط ، لقاعدة الاشتغال.

[٤] للعلم بحرمته إما للنجاسة أو للغصبية.

[٥] للعلم إجمالا إما بفساد الوضوء به على تقدير النجاسة ، أو بحرمة‌

٢٤٩

والقول بأنه يجوز التوضؤ به ضعيف [١] جداً.

______________________________________________________

التصرف فيه على تقدير الغصبية ، وكل منهما أثر شرعي. وجواز الوضوء بالماء النجس تكليفاً ـ بمعنى : عدم ترتب العقاب عليه ـ لا ينافي كون الفساد أثراً شرعياً ، لأن مرجعة إلى بقاء الأمر بالوضوء ، فمرجع العلم الإجمالي المذكور الى العلم بالأمر بالوضوء بغيره ، أو بالنهي عن التصرف فيه ، وكلاهما شرعي ، فيكون العلم منجزاً للمعلوم ، ولا مجال للرجوع الى الأصل في الأطراف كأصالة الطهارة. ولذا نقول لا يجوز رفع الخبث به أيضاً ـ بمعنى : عدم الحكم بطهارة ما يغسل به ، بل مقتضى استصحاب النجاسة البناء على بقاء نجاسته.

نعم لا يبعد جواز التصرف فيه ، لأن فساد الوضوء به مقتضى الأصل كاستصحاب بقاء الأمر أو بقاء الحدث ، فينحل بذلك العلم الإجمالي ـ بناء على التحقيق من أن الأصل المثبت للتكليف في أحد الأطراف مانع من تنجيز العلم لمتعلقه ـ فيرجع في الطرف الآخر إلى أصالة البراءة ، بعد سقوط أصالة الحل وأصالة الطهارة بالمعارضة.

نعم لو كان مقتضى الأصل الحرمة ـ كما لو كان الشك في إذن المالك أو في بقائه على ملك المالك ـ لم يجز التصرف به لا بالوضوء ، ولا بالشرب ولا بغيرهما من أنواع التصرف. ولكن لو غسل به المتنجس يطهر ، لعدم المانع من جريان أصالة الطهارة فيه بعد انحلال العلم الإجمالي بالأصل المانع من التصرف ، لكونه مثبتاً للتكليف. ومن هنا تعرف اختلاف الحكم باختلاف الفرض. فلاحظ.

[١] لضعف وجهه ، وهو [ إما ] عدم منجزية العلم الإجمالي مع عدم اتحاد سنخ التكليف. لكن المحقق في محله خلافه. [ واما ] لأن فساد الوضوء لا يوجب حكما تكليفياً. وقد عرفت إشكاله. [ واما ] لأن عدم‌

٢٥٠

[ مسألة ٥ ] : لو أريق أحد الإناءين المشتبهين من حيث النجاسة أو الغصبية لا يجوز التوضؤ بالآخر [١] وان‌

______________________________________________________

الغصبية ليست من الشرائط الواقعية لصحة الوضوء ، وإنما هو شرط علمي فالعلم الإجمالي به لا أثر له. [ وفيه ] : أنه كذلك ، إلا أنه بالنسبة إلى حرمة التصرف شرط واقعي ، كما يقتضيه‌ قولهم (ع) : « لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيبة نفسه » (١) وقولهم (ع) : « لا يجوز لأحد أن يتصرف في مال غيره إلا بإذنه » (٢) فيكون طرف المعلوم بالإجمال.

[١] لأنه لا يخرج عن كونه طرفا للمعلوم بالإجمال المنجز بالعلم الإجمالي الحاصل بين التدريجيين ، وهما الباقي بعد الإراقة ، ـ والمراق قبل الإراقة. نظير وجوب صوم أحد اليومين. فإنه بعد انتهاء اليوم الأول لا مجال للرجوع الى الأصل في اليوم الثاني ، لأن العلم الإجمالي حين حدوثه لما كان متعلقاً بالتكليف نجزه ، وهذا التنجز باق ببقاء العلم ، فاذا انقلب شكا ـ كما في موارد الشك الساري ـ بطل التنجز ، وإذا بقي على حاله بقي التنجز بحاله ، وبعد إراقة أحد الأطراف فالطرف الآخر وان لم يعلم بتعلق التكليف به ، لكن يحتمل كونه موضوعا للتكليف المنجز ، فيجب الاحتياط فيه ، كما يجب الاحتياط فيه قبل اراقة صاحبه ، لاطراد المناط في الحالين.

هذا على التحقيق من أن العلم الإجمالي مانع من جريان الأصول في‌

__________________

(١) هذا النص لم نعثر عليه في كتب الحديث وان اشتهر في كتب الفقهاء. نعم في الوسائل باب : ٣ من أبواب مكان المصلي حديث : ١ « لا يحل دم امرء مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه » وحديث : ٤ : « ولا يحل لمؤمن مال أخيه إلا عن طيب نفس منه ».

(٢) هذا النص ـ كسابقه ـ لم نعثر عليه في كتب الحديث. نعم في الوسائل في التوقيع المروي عن الحجة ( ع ) ـ باب : ٣ من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام من كتاب الخمس حديث : ٦ ـ : « ... فلا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير اذنه ».

٢٥١

زال العلم الإجمالي [١]. ولو أريق أحد المشتبهين من حيث الإضافة لا يكفي الوضوء بالآخر [٢] ،

______________________________________________________

كل واحد من الأطراف مع قطع النظر عن معارضتها بحيث لو فرض عدم المعارضة لم تجر أيضا ، للزوم التناقض ونقض الغرض. أما بناء على أن المانع هو المعارضة فيشكل وجوب الاجتناب عن الباقي ، لعدم المعارضة بعد الإراقة ، والمعارضة قبلها لا توجب سقوط الأصل في الفرد الباقي إلى الأبد ، إذ لا دليل عليه ، بل هو خلاف إطلاق أدلتها. ولعل ملاحظة المرتكز العقلائي في مثل هذا المورد من وجوب الاحتياط ، وعدم جواز الرجوع الى الأصل ، مما يدل على ضعف المبنى المذكور. وتحقيق المقام في الأصول.

[١] لا يخفى أن العلم لم يزل باقيا ، ولو زال لم يجب الاحتياط في الباقي ، لارتفاع المنجز للمعلوم بالإجمال المحتمل الانطباق على الباقي ، فلا يحتمل كون الباقي مورداً للتكليف المنجز ، كي يجب فيه الاحتياط. فالمراد زوال العلم بالتكليف فعلا ، لامتناع حصول هذا العلم مع احتمال كون المراق هو النجس ، وزوال هذا العلم لا يقدح في وجوب الاحتياط ، للوجه المتقدم. ولذا لو علم تفصيلا بوجوب الصلاة ، فإذا شك بعد ذلك في الوجوب ، فان كان من قبيل الشك الساري لا يجب الاحتياط ، لعدم احتمال التكليف المنجز ، لما عرفت من أن التنجز منوط بالعلم حدوثا وبقاء فاذا زال زال التنجز ، وان كان من جهة الشك في الفراغ ـ بأن يكون الزائل العلم بالتكليف فعلا مع بقاء العلم بالتكليف سابقاً ـ وجب الاحتياط ، لقاعدة الاشتغال.

[٢] لأن احتمال الإضافة كاف في المنع عن الوضوء به ، والعلم الإجمالي بإضافة أحدهما لا أثر له. نعم لو كان كل من الطرفين مستصحب الإطلاق كان وجوب الاحتياط في الباقي من أجل العلم الإجمالي ، كما في الفرض الأول.

٢٥٢

بل الأحوط الجمع بينه وبين التيمم [١].

[ مسألة ٦ ] : ملاقي الشبهة المحصورة لا يحكم عليه بالنجاسة [٢]. لكن الأحوط الاجتناب.

______________________________________________________

[١] يعني : حيث لا يجد ماء سواه. للعلم الإجمالي بوجوب الوضوء بالباقي أو وجوب التيمم ، وأصالة وجدان الماء وان كانت في نفسها صحيحة ، لأنها من قبيل الاستصحاب في القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلي ، إلا أنها لا تثبت كون الباقي ماء ، فالوضوء به لا تحرز به الطهارة المعتبرة كما قبل اراقة صاحبه.

وكذا الإشكال في احتمال الاقتصار على التيمم ، بدعوى : صدق عدم الوجدان في هذه الحال ، لأن المراد منه عدم العلم ، ولذا قيل : عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود. إذ فيها : أن المراد من عدم الوجدان ما يساوق الفقدان ، وهو مع احتمال كونه ماء غير محرز ، فلا دليل على مشروعية التيمم. ومن ذلك يظهر أن الأقوى الجمع ، وان احتمال كفاية الاقتصار على التيمم ضعيف ، وأضعف منه احتمال كفاية الاقتصار على الوضوء.

[٢] هذا مما لا ينبغي الإشكال فيه. إذ لا وجه له مع احتمال طهارة ما لاقاه ، ومجرد وجوب الاجتناب عنه من باب المقدمة العلمية لا يوجب نجاسته ولا نجاسة ملاقية. نعم قيل بوجوب الاجتناب عنه كالأصل الذي لاقاه. والعمدة فيه : أنه طرف للمعلوم بالإجمال ، فإنه يعلم إما بنجاسته أو نجاسة الطرف الآخر ، فيكون الحال كما لو قسم أحد الإناءين إلى قسمين فإنه كما يعلم إجمالا بنجاسة القسمين أو الطرف الآخر ، يعلم إجمالا إما بنجاسة المتلاقيين أو الطرف الآخر ، فيجب الاجتناب عن الملاقي ـ بالكسر ـ كالملاقي ـ بالفتح.

وقد يدفع ـ كما في كلام شيخنا الأعظم [ ره ]ـ : بأن نجاسة الملاقي‌

٢٥٣

______________________________________________________

لما كانت متفرعة على نجاسة الملاقي ـ بالفتح ـ الذي هو طرف العلم الإجمالي فالأصل الجاري فيه مسببي ، والأصل الجاري في الملاقي ـ بالفتح ـ سببي والأصل السببي مقدم رتبة على الأصل المسببي ، ففي رتبة الأصل المسببي لا معارض له ، لأن ما يتوهم معارضته له هو الأصل الجاري في طرف الملاقي ـ بالفتح ـ وهو الإناء الثالث ، والمفروض سقوطه بالمعارضة في الرتبة السابقة مع الأصل الجاري في الملاقي ـ بالفتح ـ وإذ لا معارض له لا مانع من جريانه ، ومقتضاه الطهارة وجواز الارتكاب.

لكن فيه : أن هذا مبني على أن المانع من جريان الأصل المرخص في طرف العلم الإجمالي هو المعارضة ، وقد عرفت أنه خلاف التحقيق ، بل المانع نفس العلم من جهة اقتضائه تنجيز متعلقه المردد بين الأطراف ، فالترخيص في ارتكاب طرف منها مخالفة لمقتضى العلم ، وذلك يؤدي الى احتمال التناقض.

وقد يدفع أيضاً ـ كما في كلام غير واحد من الأعيان ـ : بأن العلم الإجمالي القائم بين الملاقي ـ بالكسر ـ وطرف الملاقي ـ بالفتح ـ ناشئ من العلم الإجمالي القائم بين الأصلين ، ففي الرتبة السابقة يكون ذلك العلم منجزاً للطرفين ، فيكون العلم الثاني قائماً بين طرفين أحدهما منجز بالعلم الأول ، فينحل بذلك العلم الثاني ، ويمتنع أن ينجز متعلقه لاحتمال انطباقه على ما هو متنجز بالعلم الأول ، وإذا سقط العلم الثاني عن المنجزية كان الفرد الملاقي ـ بالكسر ـ بلا منجز ، فلا مانع من الرجوع الى الأصل فيه.

لكن فيه : أن العلم بنجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ وطرف الملاقي ـ بالفتح ـ ليس منجزاً ، لعدم تعلقه بالحكم ، بل بالموضوع ، وكذلك العلم بنجاسة أحد الأصلين فإنه أيضا غير منجز لتعلقه بالموضوع ، وانما المنجز العلم بوجوب الاجتناب عن أحد الأصلين المتولد من العلم بالنجاسة‌

٢٥٤

______________________________________________________

في أحدهما ، والعلم بوجوب الاجتناب عن أحد الأمرين من الملاقي ـ بالكسر ـ وطرف الملاقي ـ بالفتح ـ المتولد من العلم بنجاسة أحدهما ، والعلم بالوجوب في المورد الثاني ليس متولداً من العلم به في المورد الأول ، فلا ترتب بينهما ، وانما الترتب بين علتيهما وهما العلمان بالموضوع لكنهما لا أثر لهما ، ترتبا أو لم يترتبا.

وقد يدفع أيضاً ـ كما في كلام الأستاذ [ قده ] في كفايته ـ : بأن العلم الذي أحد طرفيه الملاقي ـ بالكسر ـ متأخر عن العلم الذي أحد طرفيه الملاقي ـ بالفتح ـ فيكون حادثا بعد تنجز طرفي العلم السابق ، فيكون أحد طرفيه متنجزاً قبل حدوثه ، فينحل بذلك ويسقط عن التأثير.

وقد يشكل : بأنه إنما يتم لو بني على أن العلم بحدوثه يوجب تنجز المعلوم إلى الأبد ، لكنه خلاف التحقيق ، والا لزم بقاء التنجز ولو ارتفع العلم ، كما لو طرأ الشك الساري ، أو علم بالخطإ ، ولكنه خلاف المقطوع به ، فلا بد أن يكون التنجز منوطاً بالعلم حدوثا وبقاء ، فبحدوث العلم يتنجز المعلوم ، وببقائه يبقى التنجز ـ كما أشرنا الى ذلك كله آنفا ـ وحينئذ فلا أثر لسبق أحد العلمين ، فان السابق إنما ينجز في الزمان السابق ، فاذا حدث العلم الثاني يكون استناد التنجز في الأصلين ـ اللذين يكون أحدهما طرفا للعلم الثاني ـ إلى خصوص الأول ترجيحاً بلا مرجح ، فلا بد أن ينجزا معا ، وتكون الحال كما لو علم بنجاسة إناءين أو نجاسة إناء ثالث ، فكما يجب الاجتناب عن الجميع هنا ، كذلك يجب الاجتناب عن المتلاقيين والطرف الثالث جميعا فيما نحن فيه.

هذا ويمكن دفع هذا الإشكال : بأن إناطة التنجز بالعلم حدوثا وبقاء غاية ما تقتضيه أن التنجز في حال حدوث العلم الثاني مستند الى وجود العلم في ذلك الآن ، لكن هذا المقدار لا يوجب إلحاق الفرض بما لو علم بنجاسة‌

٢٥٥

______________________________________________________

إناءين أو إناء ثالث ، إذ في هذا الفرض لما كان أحد العلمين سابقاً والآخر لاحقاً ، كان السابق موجبا لانحلال اللاحق به ، وسقوطه عن التأثير ، بخلاف فرض اقتران العلمين ، فإنه يمتنع أن ينحل أحدهما بالآخر ، لأنه ترجيح بلا مرجح ، فان انحلال أحد العلمين بالعلم الآخر بحيث يسقط العلم المنحل عن التأثير ليس حقيقيا ، بل هو حكمي ـ كما أشرنا إليه في بعض المباحث السابقة ـ وليس عقلياً ، بل هو عقلائي لأن البرهان المذكور في الاستدلال على كونه عقلياً مدخول فيه ، إذ لا مانع من كون كل من العلمين منجزاً لمتعلقه. واحتمال انطباقهما على فرد واحد لا يقدح في ذلك ، بل يكون من باب اجتماع علتين على معلول واحد ، فيستند الأثر إليهما معا. كما لو اقترن العلمان.

ودعوى : أن التنجز في صورة الاقتران مستند الى علم ثالث وهو القائم بين طرفين وطرف ثالث. [ فيها ] : أن هذا العلم عين العلمين لانحلاله إليهما ، فيكون حاله بالنسبة إليهما حال الكل بالنسبة إلى أجزائه ، كما يظهر بالتأمل. فالانحلال في جميع موارده ليس عقلياً ، بل هو عقلائي بمعنى أن العقلاء لا يرون اللاحق حجة على مؤداه ، بل يرون السابق هو الحجة لا غير. ولا مانع من الالتزام به في المقام ، فإنه الذي بنى عليه العقلاء. فاذا كان العلم السابق هو المنجز للأصلين اللذين أحدهما طرف الملاقي ـ بالفتح ـ يكون العلم اللاحق حادثا ، وأحد طرفيه منجزاً سابقاً ، فينحل ، ولا يجب الاحتياط في الطرف الآخر ، وهو الملاقي ـ بالكسر ـ بل يرجع فيه الى أصل الطهارة. ولو بني على الإشكال في الانحلال فيما نحن فيه أشكل الأمر في موارد الانحلال الذي لا يكون بين العلم السابق واللاحق ترتب عقلي.

وبالجملة : بعد ما كان الإناء الثالث الذي هو طرف الملاقي ـ بالفتح ـ متنجزاً بالعلم الإجمالي بالتكليف بينهما ، وكان باقيا على تنجزه الى زمان‌

٢٥٦

______________________________________________________

حصول العلم الثاني القائم بينه وبين الملاقي ـ بالكسر ـ لا يكون العلم الثاني منجزاً له عند العقلاء ، لا ضمناً ولا استقلالا ، بل يستند بقاء تنجزه الى العلم الأول المنجز له سابقاً ، فيكون الملاقي ـ بالكسر ـ بلا منجز.

وعلى هذا يتعين الفرق بين صورة حدوث العلم الذي أحد طرفيه الملاقي ـ بالكسر ـ بعد العلم الذي أحد طرفيه الملاقي ـ بالفتح ـ وبين صورة تقدمه عليه وبين صورة اقترانهما. ففي الأولى : لا يجب الاجتناب عن الملاقي ـ بالكسر ـ لما ذكر. وفي الثانية : لا يجب الاجتناب عن الملاقي ـ بالفتح ـ لأن طرفه قد تنجز بالعلم السابق ، فالعلم القائم به لا ينجز. وفي الثالثة : يجب الاجتناب عنهما ، لأن استناد تنجز الطرف الثالث الى أحد العلمين دون الآخر بلا مرجح فيستند إليهما معا. ويكون الحال كما لو قسم أحد الإناءين قسمين.

ودعوى : الفرق بينهما بعدم الترتب بين العلمين في مثال القسمة. بخلاف ما نحن فيه. فان العلمين فيه مترتبان ، لأن نجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ ناشئة من نجاسة الملاقي ـ بالفتح ـ [ قد عرفت ] اندفاعها ، فإنه لا ترتب بين العلمين المتعلقين بوجوب الاجتناب عن المعلوم ، إذ ليس وجوب الاجتناب عن الملاقي ـ بالكسر ـ مترتبا على وجوب الاجتناب عن الملاقي ـ بالفتح ـ ولما لم يكن بينهما ترتب لم يكن أحدهما موجباً لانحلال الآخر مع الاقتران ، والا كان بلا مرجح. نعم العلم بنجاسة أحد الأصلين متقدم رتبة على العلم بنجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ أو طرف الملاقي ـ بالفتح ـ إلا أن كلا منهما لما كان علماً بالموضوع لم يكن منجزاً على كل حال.

فان قلت : إذا كان العلم الإجمالي الذي طرفه الملاقي ـ بالكسر ـ متقدما زماناً على العلم الذي طرفه الملاقي ـ بالفتح ـ فهذا العلم المتأخر وان‌

٢٥٧

______________________________________________________

كان بوجوده متأخراً. إلا أن الميزان في منجزية العلم كونه طريقا وكاشفاً ومقتضى ذلك ملاحظة زمان المعلوم ، فاذا كان سابقاً لزم ترتيب الأثر من ذلك الزمان. دون زمان حدوثه. فلو علم بنجاسة أحد الإناءين يوم السبت ، ثمَّ يوم الأحد علم إجمالا بوقوع نجاسة يوم الجمعة في واحد معين من ذينك الاثنين ، أو في إناء ثالث يكون التنجز في يوم السبت مستندا الى العلم الحاصل فيه ، فاذا جاء يوم الأحد يستند التنجز الى العلم الحاصل فيه. ويجب الاحتياط في أطرافه لا غير. إذ به يخرج العلم الأول عن كونه علماً بالتكليف الفعلي.

قلت : سبق المعلوم إنما يقتضي سبق أثره ، فيجب حين العلم ترتيب آثار وجوده سابقا. لا أنه يقتضي ترتيب آثار نفس العلم سابقا. لأن فرض تأخره يوجب تأخر أثره إلى زمان حدوثه ، والتنجز من آثار نفس العلم. فلا وجه لأن يترتب سابقا في زمان ثبوت المعلوم ، وإلا لزم ثبوت الحكم بلا موضوع.

ودعوى كون العلم اللاحق يخرج به العلم السابق عن كونه علما بالتكليف الفعلي ، ليست بأولى من دعوى العكس ، بل هيئ المتعينة. لما عرفت من استناد التنجز إلى أسبق العلمين. وقد عرفت أن انحلال اللاحق بالسابق ليس حقيقيا ـ بمعنى : أنه يخرج عن كونه علما بالتكليف الفعلي ـ بل هو حكمي عقلائي ـ بمعنى : أنه لا يكون حجة عند العقلاء ـ وإلا فالانحلال قد يكون بحجة غير العلم. من أمارة ، أو أصل ، فكيف ترفع العلم بالتكليف الفعلي؟! وكيف يكون العلم السابق رافعا للاحق دون العكس؟! ولم لا ينحل أحدهما بالآخر مع اقترانهما؟ كما لو علم بنجاسة إناءين معينين أو إناء ثالث. فإنه ينحل الى علمين اجماليين مشتركين في طرف. ومفترقين في طرف. [ وبالجملة ] : العلم إنما يتعلق بالصور الذهنية. ولا يسري الى الخارج. فكيف يرفع أحد العلمين الآخر مع‌

٢٥٨

______________________________________________________

اختلاف الصورتين؟!. ومن ذلك تعرف تمامية ما ذكره الأستاذ [ قده ] وضعف المناقشات فيه.

ثمَّ إن مقتضى الوجه الثاني الذي ذكره غير واحد من الأعيان في تقريب جواز الرجوع الى الأصل في الملاقي : أنه لو كان العلم الإجمالي الذي أحد طرفيه الملاقي ـ بالفتح ـ ناشئا من العلم الإجمالي الذي أحد طرفيه الملاقي ـ بالكسر ـ لوجب الاجتناب عن الملاقي ـ بالكسر ـ دون الملاقي ـ بالفتح ـ كما لو علم بنجاسة أحد إناءين ، ثمَّ علم أن نجاسة أحدهما المعين إن كانت فهي ناشئة من ملاقاته لاناء ثالث ، فإنه حينئذ يحصل علم إجمالي بنجاسة ذلك الإناء الثالث ، أو طرف الإناء الملاقي. لكنه لا ينجز ، لتأخره رتبة عن العلم الأول ، وان كان المعلوم متقدما رتبة على المعلوم بالعلم الأول لأن العلم بالعلة ، كما قد يكون علة للعلم بالمعلول ، كذلك قد يحصل من العلم بالمعلول كالعلم بوجود النار الحاصل من العلم بوجود الدخان. كما أنه لو فرض عدم حصول أحد العلمين من الآخر ، بأن حصلا من سبب آخر وجب الاجتناب عن المتلاقيين معاً ، لعدم انحلال أحدهما بالآخر ، كما لو علم بنجاسة إناءين أو إناء ثالث ، ثمَّ علم بأن الإناءين على تقدير نجاستهما فهي من ملاقاة أحدهما للآخر. فهذا التفصيل يكون نظير التفصيل الذي ذكره الأستاذ [ قده ] في كفايته ، غايته أن هذا تفصيل بين صور تقدم أحد العلمين رتبة على الآخر وتأخره عنه ، وكونهما في رتبة واحدة ، وذلك تفصيل من حيث تقدم أحدهما على الآخر زمانا وتأخره واقترانهما.

هذا وشيخنا الأعظم [ ره ] في رسائله فصل بين صورة حصول العلم بالملاقاة بعد فقد الملاقي ـ بالفتح ـ وبين صورة حصوله في حال وجوده ففي الثانية لا يجب الاجتناب عن الملاقي ـ بالكسر ـ لما تقدم من عدم معارضة أصل الطهارة الجاري فيه بأصل آخر ، وفي الأولى يجب الاجتناب‌

٢٥٩

______________________________________________________

عنه لمعارضة الأصل الجاري فيه بالأصل الجاري في الطرف الآخر.

ولكنه يشكل : بأن فقد الملاقي ـ بالفتح ـ لا يوجب عدم جريان أصل الطهارة فيه لإثبات طهارة الملاقي ـ بالكسر ـ بل يجري فيه ، ويتعارض مع الأصل الجاري في الطرف الآخر ، وبعد التعارض والتساقط يرجع الى الأصل في الملاقي ـ بالكسر ـ بلا معارض ، والفقدان لا يمنع من جريان الأصل في المفقود إذا كان الأثر المقصود منه ثابتا لموضوع موجود ، فلو غسل ثوبه النجس بماء يعتقد نجاسته ثمَّ شك بعد الغسل في طهارة الماء المغسول به ، جرى استصحاب الطهارة في الماء لإثبات طهارة الثوب وان كان الماء معدوما حين إجراء الاستصحاب فيه. وكذا الحال في إجراء استصحاب الطهارة أو أصالة الطهارة في الإناء المفقود ، بلحاظ أثره في الإناء الملاقي له ، فلا فرق بين صورة فقد الملاقي ـ بالفتح ـ حال العلم بالملاقاة ، وبين صورة وجوده في كون الأصل الجاري في الملاقي ـ بالكسر ـ بلا معارض فلو بني على جواز العمل بالأصل المرخص في أحد أطراف العلم الإجمالي كان اللازم البناء على طهارة الملاقي ـ بالكسر ـ مطلقاً.

هذا والذي تحصل مما ذكرنا أمور : [ الأول ] : أن العلم الإجمالي كما هو حاصل بين الملاقي ـ بالفتح ـ وطرفه كذلك هو قائم بين الملاقي ـ بالكسر ـ وطرف الملاقي [ الثاني ] : أنه لا يجوز إجراء الأصل المرخص في الملاقي ولو لم يكن له معارض ، لأن العلم الإجمالي مانع من إجرائه في كل واحد من الأطراف مع قطع النظر عن المعارض ، لأنه علة لوجوب الموافقة القطعية [ الثالث ] : أنه لو بني على جواز إجراء الأصل المرخص في كل واحد من الأطراف لم يكن فرق بين صورة فقد الملاقي ـ بالفتح ـ قبل العلم بالملاقاة وعدمه ، لجواز إجراء الأصل في الفرد المفقود إذا كان يترتب عليه الأثر في ملاقيه الموجود [ الرابع ] : أن ترتب أفراد العلم المتعلق بالموضوعات لا أثر‌

٢٦٠