مستمسك العروة الوثقى - ج ١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦١١

[ مسألة ٢ ] : إذا تلوثت يده في مقام العلاج يجب غسلها ، ولا عفو. كما أنه كذلك إذا كان الجرح مما لا يتعدى ، فتلوثت أطرافه بالمسح عليها بيده أو بالخرقة الملوثتين ، على خلاف المتعارف.

[ مسألة ٣ ] : يعفى عن دم البواسير [١] خارجة كانت أو داخلة. وكذا كل قرح أو جرح باطني خرج دمه إلى الظاهر.

[ مسألة ٤ ] : لا يعفى عن دم الرعاف [٢] ، ولا يكون من الجروح.

[ مسألة ٥ ] : : يستحب لصاحب القروح والجروح أن يغسل ثوبه من دمهما كل يوم مرة [٣].

______________________________________________________

[١] عموم الحكم للجروح الباطنة غير ظاهر ، فإن إطلاق لفظ الجرح ظاهر في الجرح الظاهر ، والجرح الباطن يحتاج الى التقييد بالباطن ، ولا يفهم من قول القائل : « زيد فيه جرح أو قرح » إلا الجرح والقرح الظاهران ، ولا يتوهم عموم الأدلة للدم الخارج من الصدر ، أو المعدة ، أو دم الاستحاضة ، أو نحوها مما يكون من الجروح أو القروح الباطنية. مع أن في دخول البواسير في القرح اشكالا ، فإنها منابع للدم. فتأمل.

[٢] للأخبار الكثيرة الآمرة بالتطهير منه إذا حدث في أثناء الصلاة ، وبقطعها ان لم يمكن‌ (١) ، ولصحيح زرارة الطويل‌ (٢) وغيره. مضافاً الى قصور نصوص العفو عن شموله.

[٣] على المشهور بين من تعرض له ، بل لم يحك الخلاف فيه. لموثق‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٢ من أبواب قواطع الصلاة.

(٢) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب النجاسات حديث : ٢. وقد تقدم ذكر ما يناسب المقام منه فيمن صلى في النجاسة نسياناً.

٥٦١

[ مسألة ٦ ] : إذا شك في دم أنه من الجروح أو القروح أم لا ، فالأحوط عدم العفو عنه [١].

[ مسألة ٧ ] : إذا كانت القروح أو الجروح المتعددة متقاربة ، بحيث تعد جرحا واحدا عرفا ، جرى عليه حكم الواحد ، فلو برئ بعضها لم يجب غسله ، بل معفو عنه حتى يبرأ الجميع. وان كانت متباعدة لا يصدق عليها الوحدة‌

______________________________________________________

سماعة‌ ورواية ابن مسلم‌ المتقدمين (١) ، المحمولين على الاستحباب ، بقرينة غيرهما من النصوص التي هي ما بين ناف له مطلقاً ، أو الى أن يبرأ ، فإنها ـ ولا سيما الثاني منها ـ مما يأبى التصرف فيه بالتقييد بالغسل أكثر من مرة في اليوم ، كما لا يخفى. ومن ذلك يظهر ضعف ما في الحدائق من الميل إلى الوجوب ، أخذاً بظاهر الروايتين.

[١] وجزم به بعضهم. لأصالة عدم كون الدم من الجروح أو القروح بناء على ما هو الظاهر من أن نفي عنوان الخاص بالأصل يكفي في ثبوت حكم العام له. وجزم بعضهم بالعفو. وكأنه لأن الأصل المذكور من قبيل الأصل الجاري في العدم الأزلي ، الممنوع حجيته عند جماعة من المحققين ، كما تقدم التعرض لذلك في الشك في وجود المادة. ولما كانت الشبهة مصداقية لا يجوز الرجوع فيها الى العام ، كان المرجع أصل البراءة من المانعية.

وفيه : أن كون الدم من جرح أو قرح ليس من عوارض الوجود حال حدوثه ، بل من عوارضه حال بقائه ، فإن الدم الموجود في بدن الإنسان إن خرج من الجرح أو القرح كان دم الجرح أو القرح المعفو عنه وإلا فلا ، فأصالة عدم الخروج من الجرح أو القرح بلا مانع ، وكأنه لعدم‌

__________________

(١) تقدم ذكرهما في أوائل هذا الفصل.

٥٦٢

العرفية ، فلكل حكم نفسه ، فلو برئ البعض وجب غسله ، ولا يعفى عنه إلى أن يبرأ الجميع [١].

الثاني مما يعفى عنه في الصلاة : الدم الأقل من الدرهم [٢] ،

______________________________________________________

وضوح ما ذكرنا في نظر المصنف توقف عن الجزم.

[١] لكن مقتضى مصححة أبي بصير‌ (١) العفو عن الجميع حتى يبرأ الجميع‌

[٢] دون ما يساويه ، على المشهور ، وعن الخلاف الإجماع عليه ، وعن كشف الحق نسبته إلى الإمامية [ رض ]. ويدل عليه‌ صحيح ابن أبي يعفور : « قلت لأبي عبد الله (ع) : الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثمَّ يعلم فينسى أن يغسله فيصلي ، ثمَّ يذكر بعد ما صلى ، أيعيد صلاته؟ قال (ع) : يغسله ولا يعيد صلاته ، إلا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعاً فيغسله ويعيد الصلاة » (٢) ونحو مرسل جميل‌ (٣). وفي صحيح إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (ع) : « قال في الدم يكون في الثوب : إن كان أقل من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة ، وان أكثر من قدر الدرهم ، وكان رآه فلم يغسله حتى صلى فليعد صلاته » (٤).

وتقريب الاستدلال به أن عدم ذكر المساوي إما أن يكون إهمالا لبيان حكمه ، أو لاستفادته من مفهوم الشرطية الأولى ، أو لاستفادته من مفهوم الشرطية الثانية. والأول خلاف ظاهر الجواب عن السؤال وإذا دار الأمر بين الثاني ـ بحمل الشرطية الثانية على كونها تصريحاً بمفهوم الاولى ـ وبين الثالث ـ بحمل الشرطية الأولى على كونها تصريحاً بمفهوم الثانية ـ يتعين‌

__________________

(١) تقدمت في أول هذا الفصل.

(٢) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب النجاسات حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

٥٦٣

سواء كان في البدن أو اللباس [١] ،

______________________________________________________

الثاني لأنه أقرب من الثالث ، لأن ترتيب البيان على حسب ترتيب الذكر أولى من عكسه. ثمَّ إنه لو لم يتم هذا التقريب فالرواية تكون مجملة ، والعمل على غيرها متعين.

وعن المراسم العفو عن المساوي ، ونسب إلى الانتصار أيضاً. لكن عبارته توافق المشهور. ويشهد للعفو صحيح ابن مسلم : « قلت له : الدم يكون في الثوب علي وأنا في الصلاة. قال (ع) : إن رأيته وعليك ثوب غيره فاطرحه وصل في غيره ، وان لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك ولا اعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم ، وما كان أقل من ذلك فليس بشي‌ء رأيته قبل أو لم تره. وإذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله وصليت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صليت فيه » (١). فإنه يدل عليه بالمفهوم أو المنطوق في الفقرات الثلاث. والجمع بينها بالتخصيص ، بحمل ما لم يزد على ما دون الدرهم ، أو كون المراد منه درهما فما زاد ، نظير قوله تعالى : ( فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ ... ) (٢) أو بغير ذلك. بعيد. عن مقام الجمع العرفي بين الاخبار الواردة في مقام التحديد جوازاً أو منعاً. فلا بد من المصير إلى أحكام التعارض ، والترجيح يقتضي الأخذ بأخبار المنع ، لتعددها ، وموافقتها لعموم المنع.

[١] اللباس مورد النصوص. لكن يجب إلحاق البدن به ، للإجماع المحكي عليه عن الانتصار ، والتحرير ، والتذكرة ، وكشف الالتباس ، وبعض نسخ الخلاف ، بل وإطلاق معقد الإجماع على العفو المحكي عن المعتبر والمختلف والمنتهى والدروس ، والمدارك ، والدلائل ، والذخيرة. ولعل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب النجاسات حديث : ٦.

(٢) النساء : ١١.

٥٦٤

من نفسه أو غيره [١]. عدا الدماء الثلاثة من الحيض والنفاس والاستحاضة [٢] ،

______________________________________________________

الاقتصار على الثوب في جملة من كتب الصدوق والشيخ وغيرهما كان تبعاً للنصوص ، أو من باب المثال. وأما الاستدلال عليه‌ برواية المثنى بن عبد السلام عن أبي عبد الله (ع) : « إني حككت جلدي فخرج منه دم. قال (ع) : ان اجتمع قدر حمصة فاغسله ، والا فلا » (١). فضعيف لقصور دلالتها على ذلك ، على أن سندها لا يخلو عن إشكال.

[١] لإطلاق النصوص.

[٢] للإجماع المحكي نقله عن جماعة ـ صريحاً وظاهراً ـ في الأول. ولرواية أبي بصير : « لا تعاد الصلاة من دم لا [ لم. خ ل ] تبصره ، غير دم الحيض ، فإن قليله وكثيره في الثوب إن رآه أو لم يره سواء » (٢) بناء على ظهور القليل فيما دون الدرهم ، كما هو الظاهر ، بملاحظة ظهوره في خصوصية لدم الحيض ، لا أنه مطلق كي يمكن تقييده بالدرهم فما زاد. ثمَّ إنه لو منع الظهور المذكور كان بينه وبين إطلاق العفو عما دون الدرهم عموم من وجه ، وبعد التعارض يرجع الى عموم المنع عن الدم. [ ودعوى ] : أن الرواية موقوفة (٣) لم يروها أبو بصير عن المعصوم (ع). [ مدفوعة ] : بأن ذكرها في الكافي والتهذيب مما يأبى ذلك ، كما تقدم في نظيره. على أنها مروية في النسخ الموجودة بين أيدينا من الكافي والتهذيب عن المعصوم (ع)

وأما وجه الحكم في الأخيرين ، فاستدل عليه بما دل على أن النفاس حيض وبما دل على لزوم تبديل القطنة. لكن الأول لم يثبت كونه رواية‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب النجاسات حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٢١ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٣) هذه الدعوى مذكورة في المعتبر والمدارك وحكيت عن المعالم. منه قدس‌سره.

٥٦٥

أو من نجس العين [١] ، أو الميتة [٢]. بل أو غير المأكول [٣] ، مما عدا الإنسان [٤] على الأحوط بل لا يخلو من قوة. وإذا كان متفرقا في البدن أو اللباس أو فيهما ، وكان المجموع بقدر‌

______________________________________________________

معتبرة. مع أنه غير ظاهر في وروده مورد التنزيل الموجب لثبوت الأحكام والثاني لم يكن بناؤهم على التعدي من مورده الى موضع القطنة ، فكيف يتعدى عن مورده الى المقام؟. فتأمل. وأضعف من ذلك الاستدلال عليه في الذكرى : بأن أصل النفاس حيض ، والاستحاضة مشتقة منه ، وبتساويهما في إيجاب الغسل ، وهو يشعر بالتغليظ. فالعمدة فيه ظاهر الإجماع المحكي عن جماعة.

[١] كما ذكره جماعة. لأن أدلة العفو إنما دلت على العفو عن النجاسة الدموية ، لا عن النجاسة من حيث كونه من نجس العين ، فيرجع من هذه الجهة إلى عموم المنع ، وقد عرفت في مبحث نجاسة المتنجس أن مقتضى القاعدة الالتزام باجتماع نجاستين في محل واحد ، ولا دليل على امتناعه. مضافاً الى كونه مما لا يؤكل لحمه ، فيدخل تحت ما دل على مانعية ما لا يؤكل لحمه ، ولو لم يكن نجساً ولا دماً. هذا وعن الحلي : أنه أنكر هذا الاستثناء كل الإنكار ، وادعى أنه خلاف مذهب الإمامية [ رض ]. وكأنه أخذه من عدم تعرض القدماء له. لكن الظاهر أن كلامهم كالنصوص مسوق للعفو عن الدم من حيث هو لا غير. فراجع.

[٢] لما تقدم في نجس العين.

[٣] لما تقدم أيضا في نجس العين.

[٤] لاستثناء الإنسان عن حكم ما لا يؤكل لحمه. كما سيأتي في محله إن شاء الله.

٥٦٦

الدرهم ، فالأحوط عدم العفو [١]. والمناط سعة الدرهم [٢] لا وزنه. وحده سعة أخمص الراحة [٣].

______________________________________________________

[١] وجزم بالعدم جماعة ، وعن كشف الالتباس نسبته الى المشهور لأن الظاهر من قوله (ع) : « مجتمعا » في صحيح ابن أبي يعفور‌ ومرسل جميل‌ المتقدمين ، كونه حالا من الضمير في : « كان » والمعنى : الا أن يكون الدم في حال كونه مجتمعا مقدار الدرهم. ولو بني على إجماله كفى إطلاق صحيح ابن مسلم‌ وإسماعيل الجعفي‌ المتقدمين ، أو عموم المنع عن الصلاة في الدم.

وعن جماعة العفو عنه ، بل في الذكرى نسبته الى المشهور ، بدعوى ظهور قوله (ع) : « مجتمعا » ‌في الصحيح‌ والمرسل‌ في كونه خبرا ثانياً في الصحيح ، وأولا في المرسل ، والمعنى : إلا أن يكون مقدار الدرهم ومجتمعا ، فالشرط في عدم العفو أمران : الاجتماع وكونه مقدار الدرهم. وفيه : أن الظاهر وان كان ذلك في نفسه ، إلا أن استثناءه مما كان في الثوب متفرقا شبه النضح في الصحيح وتقييدا لما كان نقطا في الثوب ، يقتضي كون الاستثناء منقطعا. أو يكون تقييدا بأمر أجنبي ، وهو خلاف الظاهر جدا ، فيتعين حمله على كونه حالا لا خبرا. ولا أقل من الاجمال الموجب للرجوع إلى إطلاق صحيح ابن مسلم‌ ، أو عموم المنع من الدم ، كما عرفت.

[٢] بلا خلاف كما عن لوامع النراقي ، لأن الظاهر من التقدير ذلك.

[٣] المحكي عن المتقدمين تفسير الدرهم المعفو عما دونه بالوافي ، وعن الانتصار والخلاف والغنية : الإجماع عليه. وعن كثير تفسيره بالبغلي ، وعن كشف الحق : نسبته إلى الإمامية ، وعن بعض الأساطين في شرحه أن كون الدرهم هو البغلي من العلميات ، والإجماعات عليه لا تحصر. وهو إما بفتح الباء والغين المعجمة وتشديد اللام ، كما نسب إلى المتأخرين وأنه الذي سمع‌

٥٦٧

______________________________________________________

من الشيوخ ـ كما عن المهذب البارع ـ وإما بإسكان الغين وتخفيف اللام ، كما عن جماعة التصريح به. والظاهر رجوع التفسيرين إلى أمر واحد. ويشهد به ـ مضافا الى دعوى الإجماع من كل من الطرفين على ما فسره به ـ عدم تعرضهم للخلاف في التفسير ، بل عن بعض دعوى الاتفاق على الاتحاد. ولذا قال في المعتبر : « والدرهم هو الوافي الذي وزنه درهم وثلث ، وسمي البغلي نسبة الى قرية بالجامعين ». وفي الذكرى : « عفى عن الدم في الثوب والبدن عما نقص عن سعة الدرهم الوافي وهو البغلي بإسكان الغين ، وهو منسوب الى رأس البغل ، ضربه للثاني في ولايته بسكة كسروية ، وزنه ثمانية دوانيق. [ والبغلية ] كانت تسمى قبل الإسلام [ الكسروية ] فحدث لها هذا الإسلام في الإسلام ... ». نعم في السرائر ـ بعد أن فسر الدرهم بالوافي المضروب من درهم وثلث ـ قال : « وبعضهم يقولون دون الدرهم البغلي ... » لكن حكاية ذلك بعد كلامه المتقدم يدل على تضعيفه. ويحتمل أن يكون مقصوده ذكر اختلاف العبارة لا اختلاف المراد ، يعني أن المعفو عنه بعضهم يعبر عنه بما دون الدرهم الوافي ، وبعضهم يعبر بما دون الدرهم البغلي. وبالجملة : رجوع التفسيرين إلى أمر واحد مما لا ينبغي الإشكال فيه.

وإنما الإشكال في وجه حمل الدرهم المذكور في النصوص على ذلك مع اختلاف الدراهم. بل مقتضى ما ذكروه من هجر الدرهم المذكور في زمن عبد الملك ـ حيث اتخذ الدرهم المتوسط بين الوافي والطبري الذي هو أربعة دوانيق فجعل وزنه ستة دوانيق ، واستقر أمر الإسلام عليه ـ وجوب حمل الدرهم المذكور في الروايات عن الصادقين (ع) ـ المتأخر زمنهما عن زمن عبد الملك ـ على ما كان وزنه ستة دوانيق ، لأنه شائع ، والشياع قرينة الحمل عليه ، إذ الدرهم المذكور ليس من قبيل المطلق الصالح للانطباق‌

٥٦٨

______________________________________________________

على كل فرد ، لأن وروده مورد التحديد ينافي ذلك ، لامتناع التحديد بما كان صالحا للانطباق على القليل والكثير ، كما لا يخفى.

ومن الغريب ما استوضحه في مصباح الفقيه ، من أن موضوع المانعية إن كان ما زاد على الدرهم ـ كما في صحيح ابن مسلم‌ ـ فالعبرة في عدم العفو بالزيادة عن جنسها على الإطلاق ، فلا تضر زيادته عن بعض المصاديق دون بعض. وان كان الدرهم فما زاد ، فالعبرة بالعفو عما نقص عن جميع الافراد ، فلا يجدي نقصانه عن بعض مصاديقه. انتهى. وبالجملة : لا ينبغي التأمل في إرادة التقدير بدرهم معين ، والشياع قرينة على التقدير بالشائع. فاذاً العمدة في تعيين الوافي المسمى بالبغلي هو الإجماع.

ثمَّ إن في سعة الدرهم ـ المحمول عليه التقدير ـ خلافا ، فالمحكي عن أكثر عبارات الأصحاب تحديدها بأخمص الراحة ، وعن المناهج السوية : أنه الأشهر ، بل لا يعرف قول بخلافه ، لأن التحديد الآتي المحكي عن الإسكافي ليس تحديدا للدرهم البغلي الوافي ، وانما هو تحديد للدرهم المعفو عن مقداره. وكذلك التحديدان الآخران ، كما يظهر ذلك من محكي عباراتهم جميعا. فراجعها. فلم يعرف تحديد للدرهم الوافي إلا بذلك لكن الإشكال في مأخذ هذا التحديد ، ولم أجد له أثرا في كلام أحد ممن تتبعت كلماتهم نعم في السرائر : « إن الدرهم البغلي منسوب إلى مدينة قديمة من [ بابل ] يقال لها : [ بغل ] متصلة ببلد الجامعين ، يجد فيها الحفرة دراهم واسعة وأنه شاهد واحدا منها ، فوجده يقرب من سعة أخمص الراحة ».

والذي يظهر من كلمات جماعة أن التقدير المشهور كان اعتمادا على شهادته [ ره ] لكن كان المناسب أن يجعل التقدير المشهور قريبا من أخمص الراحة لا مساويا لها. مع أن الاعتماد على شهادته لا يخلو من إشكال ، لاختلافهم في وجه نسبة البغلي ـ كما تقدم عن الذكرى ـ وحكي في السرائر قولا :

٥٦٩

______________________________________________________

بأنه منسوب الى رجل من كبار أهل الكوفة يسمى : [ ابن أبي البغل ] ضربه للثاني في أيام خلافته ، ورده : بأن الدرهم البغلي موجود قبل الإسلام وقبل الكوفة. لكن تقدم في الذكرى : أن التسمية إسلامية ، وأنها قبل الإسلام كانت تسمى [ كسروية ] ، وفي مجمع البحرين : أنه منسوب الى ملك يسمى [ رأس البغل ]. ومع هذا الاختلاف كيف يحصل الوثوق بشهادته؟! ولا سيما بعد ملاحظة ما في المعتبر ، فإنه بعد كلامه السابق قال : « وقال ابن أبي عقيل : ما كان سعة الدينار. وقال ابن الجنيد : ما كان سعته سعة العقد الأعلى من الإبهام والكل متقارب » فان أخمص الراحة يبعد عن العقد الأعلى من الإبهام كثيراً ، فلا بد أن يكون الدرهم الوافي أقل من سعة أخمص الراحة. وان كان هذا الاشكال وارد أيضاً في تقدير الدينار ، فان الدينار الذي شاهدته أقل من ذلك كثيرا ، لأنه بقدر الفلس العراقي المسكوك في هذا العصر ، الذي يساوي نصف عقد الإبهام تقريبا ، فكيف يكون مقاربا لعقد الإبهام؟! فكأن المراد من التقارب ما يشمل مثل هذا التفاوت.

وقد أطلعني بعض من يقتني الآثار القديمة القيمة ـ مع خبرة كاملة ، واطلاع وافر على خمسة دراهم قديمة إسلامية. ودرهمين غير اسلاميين ، قد كتب في واحد من الدراهم الإسلامية في دائرة أحد وجهيه : « بسم الله ضرب هذا الدرهم بالبصرة في سنة ثمانين » وفي وسطه : « لا إله إلا الله وحده لا شريك له » وفي دائرة وجهه الآخر : « محمد رسول الله أرسله « بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون » وفي وسطه : ( اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ). وكتب في آخر منها : « بسم الله ضرب هذا الدرهم بدمشق سنة تسع وثمانين » وتمام ما كتب في الدرهم السابق. وكتب في ثالث منها في دائرة أحد وجهيه : « بسم الله‌

٥٧٠

______________________________________________________

ضرب هذا الدرهم بالبصرة سنة مائة » وتمام ما كتب على وجهي الدرهمين السابقين. وكتب في رابع منها في دائرة أحد وجهيه : « بسم الله ضرب هذا الدرهم بالكوفة سنة إحدى وأربعين ومائة » وعلى وسطه : « لا إله إلا الله وحده لا شريك له » وعلى دائرة وجهه الآخر : « محمد رسول الله ». وكتب في الخامس منها في دائرة أحد وجهيه : « بسم الله ضرب هذا الدرهم بمدينة السلام سنة أربع وسبعين ومائة » ، وتمام ما كتب على الدرهم الرابع. كل ذلك بالخط الكوفي.

كما أطلعني على دينارين اسلاميين قد كتب بالكوفي أيضاً في أحدهما في دائرة أحد وجهيه : « بسم الله ضرب هذا الدينار سنة تسع وسبعين » وعلى وسطه ( اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ) وعلى دائرة وجهه الآخر : « محمد رسول الله أرسله ( بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) » وعلى وسطه : « لا إله إلا الله وحده لا شريك له ». وكتب في الآخر في دائرة أحد وجهيه » : « بسم الله ضرب هذا الدينار سنة ثلاثين ومائة » وتمام ما كتب على الدينار السابق.

ثمَّ إن الدراهم الأربعة ـ وهي عدا ما ضرب في البصرة بتاريخ سنة مائة ـ لا يظهر تفاوتها بحسب المساحة إلا بالمداقة بمقدار يسير ، كما ترى صورها في الصفحة المقابلة. وما ضرب في سنة مائة يزيد عليها مساحة بقليل ، كما ترى صورته (١) وقد كان وزن الأول ومثله الأخير أربع عشرة حبة ، التي يساوي الأربع والعشرون منها مثقالا صيرفياً ، والثلاثة الأخرى وزن كل‌

__________________

(١) هذا ما ذكره ـ قدس‌سره ـ اعتمادا على ما شاهده من الدراهم وعليه جرى أخذ مساحة الدراهم في الطبعة الأولى. ولكن الذي عثرنا عليه في المتحف العراقي أن الدرهم المضروب في دمشق سنة : ٨٩ هو أكبر الدراهم الخمسة التي أشار إليها قدس‌سره ، كما أثبتت صورها ومساحاتها في الورقة الملحقة هنا.

٥٧١

ولما حده بعضهم بسعة عقد الإبهام من اليد [١] وآخر بعقد الوسطى وآخر بعقد السبابة ، فالأحوط الاقتصار على الأقل [٢] وهو الأخير.

[ مسألة ١ ] : إذا تفشي من أحد طرفي الثوب الى‌

______________________________________________________

واحد منها خمس عشرة حبة.

أما الدرهمان غير الاسلاميين فوزن أحدهما ثلاث عشرة حبة ونصف حبة تقريباً ، وهو يساوي الدرهم المضروب سنة مائة مساحة أو يزيد عليه يسيرا. وقد ذكر الخبير المذكور ـ وفقه الله تعالى ـ أنه المسمى بالطبري. لكن ينافيه ما ذكره الجماعة ـ قدس‌سرهم ـ من أن الطبري وزنه ثلثا المضروب في سنة ثمانين. ووزن الآخر منهما تسع عشرة حبة ومساحته تزيد على مساحة هذين الدرهمين الأخيرين بمقدار العشر أو أكثر ، وهو المسمى بالوافي والبغلي ، على ما ادعاه الخبير المذكور ، وهو قريب لزيادته على الدراهم المتقدمة أجمع مساحة ووزنا. ولا يقدح فيه عدم المطابقة لما ذكروه في الوزن بحسب المداقة ، لإمكان أن يكون هذا التفاوت طارئاً من كثرة الاستعمال ، أو عدم الإتقان في الموازين. والله سبحانه العالم.

[١] قد تقدمت حكاية هذا التحديد عن الإسكافي ، كما تقدم أنه ليس غرضه تحديد الدرهم البغلي أو الوافي ، وانما غرضه تحديد الدرهم المعفو عنه. وكذلك التحديدان الآخران ، والقائل بهما غير معروف ـ كما اعترف بذلك جماعة ـ والتفاوت بينهما يسير جداً.

[٢] لا ريب أنه مع إجمال التقدير يقتصر على القدر المتيقن في الخروج عن عموم مانعية الدم. كما هو الشأن في العام المخصص بالمخصص المجمل. لكن عرفت ما يمكن الركون إليه في تقريب القول المشهور.

٥٧٢

الآخر فدم واحد [١] والمناط في ملاحظة الدرهم أوسع الطرفين [٢]. نعم لو كان الثوب طبقات فتفشى من طبقة إلى أخرى ، فالظاهر التعدد [٣] ، وان كانتا من قبيل الظهارة والبطانة. كما أنه لو وصل الى الطرف الآخر دم آخر لا بالتفشي ، يحكم عليه بالتعدد [٤] وان لم يكن طبقتين.

______________________________________________________

[١] كما هو الأشهر. وعن الذكرى والبيان : أنه اثنان. وربما يفصل بين الصفيق فالثاني ، والرقيق فالأول ، والمراد من الوحدة في كلامهم ليس وحدة الوجود ، إذ لا مجال لتوهم كون الدم المتفشي الى الجانب الآخر وجودين بل المراد أن ظاهر نصوص التقدير ملاحظة السطح الظاهر ، فإذا تفشي كان له سطحان ظاهران ، فيكون مجموعهما ملحوظاً للتقدير المعفو عنه ، فاذا زاد عن ذلك لم يكن موضوعاً للعفو. ولكنه مشكل ، إذ الدم لا بد أن يكون له سطوح متعددة ، غاية الأمر قد يظهر السطح على ظاهر الثوب ، وقد لا يظهر فيكون في عمقه ، وهذا المقدار من الفرق لا يوجب الفرق في الحكم فإذاً الأول أقوى.

[٢] للإطلاق. وتأمل فيه في الجواهر. وكأنه لاحتمال الانصراف الى الوجه الملاقي له أولا. ولكنه ممنوع.

[٣] هذا يتم مع انفصال الطبقات بعضها عن بعض الموجب لتعددها عرفاً ، إذ لا أقل من الشك في شمول أدلة العفو له الموجب للرجوع الى عموم المنع. أما مع الاتصال ـ كالملبد ـ فلا يبعد عدم الضم ، للإطلاق.

[٤] لظهور النص في وجوب ملاحظة المجموع في مثله ، لصدق أن فيه نقط الدم المذكور في صحيحة ابن أبي يعفور‌ (١) لا أقل من الشك الموجب للرجوع الى عموم المنع. نعم يشكل ذلك لو تفشي إلى الجانب‌

__________________

(١) تقدم في أول الكلام في العفو عن الدم دون الدرهم.

٥٧٣

[ مسألة ٢ ] : الدم الأقل إذا وصل إليه رطوبة من الخارج ، فصار المجموع بقدر الدرهم أو أزيد ، لا إشكال في عدم العفو عنه [١] ، وان لم يبلغ الدرهم ، فان لم يتنجس بها شي‌ء من المحل ـ بأن لم تتعدد عن محل الدم ـ فالظاهر بقاء العفو [٢] ، وان تعدى عنه ولكن لم يكن المجموع بقدر الدرهم ، ففيه إشكال ، والأحوط عدم العفو.

______________________________________________________

الآخر ، ثمَّ وقع عليه من الجانب الآخر دم آخر فان المتفشي بعد ما كان محكوماً بأنه دم واحد ، فاذا وقع عليه دم آخر يكون من قبيل وقوع الدم على الدم ، الذي لا يوجب التعدد. فتأمل.

[١] لأنه إما غير معفو عن الرطوبة وان كانت دون الدرهم ، لاختصاص أدلة العفو بالدم ، وأما لأنها بحكم الدم لا يعفى عنها مع مساواة المجموع للدرهم. لكن استظهر من قول الشهيد في الذكرى : ـ « وان أصابه مائع طاهر فالعفو قوي » ـ عدم اعتبار النصاب في المتنجس بالدم. اللهم الا أن يكون نظره الى الحكم في الجملة.

[٢] يشكل العفو ، من جهة أن الرطوبة النجسة لما لم تكن بحكم الدم في العفو فالصلاة معها صلاة في النجس ، وان لم يتنجس بها الثوب. نعم لو قلنا بالعفو عما تنجس بالدم ـ كما عن الذكرى ، وروض الجنان ، والمعالم ، والمدارك ـ لأن الفرع لا يزيد على أصله كان العفو عنها في الفرض في محله. لكن القاعدة المذكورة لا دليل عليها ، فعدم العفو ـ كما عن المنتهى والبيان والذخيرة وغيرها ـ في محله. ومن ذلك تعرف الوجه في قوله [ ره ] ـ في صورة التعدي ـ : « والأحوط عدم العفو » فإنه الأقوى لتنجس الثوب بها ، فصدق الصلاة في النجس حينئذ ظاهر.

٥٧٤

[ مسألة ٣ ] : إذا علم كون الدم أقل من الدرهم ، وشك في أنه من المستثنيات أم لا ، يبنى على العفو [١]. وأما‌

______________________________________________________

[١] كما عن الدروس ، والموجز ، وشرحه ، وغيرها ، بل قيل : إن عليه بناء الفقهاء. لا لعموم العفو عما دون الدرهم ، لأنه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية ، والتحقيق عدم جوازه. بل إما لأصالة عدم كون الدم من غير المعفو عنه ـ دم حيض أو نفاس أو غيرهما ـ بناء على صحة جريان الأصل في العدم الأزلي ، كما تقدم في المياه ، فاذا ثبت أنه ليس بحيض مثلا ثبت العفو عنه ، لأن موضوعه الدم الذي ليس بحيض ، فيثبت الموضوع ـ وهو الدم ـ بالوجدان ووصفه بالأصل ، وقد عرفت أن الجمع بين الخاص والعام يقتضي ـ عرفا ـ كون موضوع حكم العام عنوان العام الذي ليس بخاص

وإما لأصالة البراءة عن مانعية الدم المشكوك المانعية [ ودعوى ] : أن المرجع في مشكوك الحيضية أو النفاسية ـ مثلا ـ عموم مانعية الدم الحاكم على أصالة البراءة ، أو الوارد عليها [ مندفعة ] : بأن عموم المنع مخصص بعموم العفو عما دون الدرهم ، مما لم يكن حيضاً أو نفاسا ـ مثلا ـ فان بني على جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ، كان المرجع عموم العفو لأنه أخص من عموم المنع عن الدم ، وان لم يبن على ذلك ، لا يجوز الرجوع الى كل واحد منهما ، بل يرجع الى الأصل المقتضي للبراءة.

ثمَّ إنه يختص الدم المشكوك كونه من نجس العين ، أو من محرم الأكل بأصل موضوعي غير ما ذكر ، وهو أصالة الطهارة أو الحل في حيوانه فيثبت أنه دم حيوان طاهر أو محلل الأكل. لكنه يختص ذلك بما إذا لم يكن الحيوان مردداً بين فردين أحدهما معلوم النجاسة أو الحرمة ، والثاني معلوم الطهارة أو الحل ، والا امتنع جريان الأصل ، لما ذكرنا غير مرة‌

٥٧٥

إذا شك في أنه بقدر الدرهم ، أو أقل فالأحوط عدم العفو [١]

______________________________________________________

من عدم جريان الأصل في الفرد المردد. بل قد يستشكل في جريان أصالة الحل المذكورة : بأن حلية الحيوان المأخوذة شرطا في صحة الصلاة في بعض أجزائه هي الحلية الواقعية ، ولا يجدي في إحرازها أصالة الحل الثابتة حال الشك ، فان مفادها مجرد الترخيص الظاهري بلا نظر الى إثبات آثار الحلية الواقعية ، كما ذكره استاذنا الأعظم [ ره ] لكنه يندفع : بأنه خلاف ظاهر دليل أصالة الحل. فان ظاهره إثبات الحلية المشكوكة حال الشك ، وليس الحلية المشكوكة إلا الحلية الواقعية [ وان شئت قلت ] : ظاهر‌ قوله (ع) : « كل شي‌ء فيه حلال وحرام فهو لك حلال » (١) وقوله (ع) : « كل شي‌ء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام » (٢) هو جعل الحلية المقابلة للحرمة المحتملة ، وليس المقابل للحرمة المحتملة إلا الحلية الواقعية.

نعم هنا إشكال آخر وهو أن جواز الصلاة وعدمه ليس من آثار الحلية الواقعية وعدمها بل من آثار الأصناف الخاصة التي لوحظت موضوعا للحلية والحرمة ، فالمراد من‌ قوله (ع). « لا تجوز الصلاة في شعر ووبر ما لا يؤكل لحمه » (٣) الأصناف الخاصة من الحيوان ، وحرمة الأكل لوحظت مرآة إلى تلك الأصناف ، لا موضوعا للمانعية ، فأصالة الحل لا تجدي في إثبات جواز الصلاة في اجزائه. ولكنه يندفع ـ أيضا ـ : بأنه خلاف الظاهر ولعله يأتي التعرض لذلك في لباس المصلي إن شاء الله.

[١] لا يظهر الفرق بين هذا الفرض وما قبله ، في جريان أصالة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب ما يكتسب به حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب ما يكتسب به حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب لباس المصلي حديث : ٧.

٥٧٦

إلا أن يكون مسبوقا بالاقلية ، وشك في زيادته [١].

[ مسألة ٤ ] : المتنجس بالدم ليس كالدم ، في العفو عنه إذا كان أقل من الدرهم [٢].

______________________________________________________

البراءة من مانعية المشكوك ، المقتضية للعفو ظاهرا. نعم يفترق عنه في جريان الأصل الموضوعي ، وهو أصالة عدم كون الدم درهما ، نظير أصالة عدم كون الدم من دم الحيض ، فإنه لو قلنا بجريان الأصل في الفرض السابق ـ بناء على جريانه في العدم الأزلي ـ لا يجري في المقام ، لأن زيادة الدم ليست من قبيل عوارض الوجود المسبوقة بالعدم الأزلي ، بل هي منتزعة من نفس تكثر حصص الماهية ، فهذه الكثرة كثرة قبل وجودها وبعده ، لا أنها قبل الوجود لا كثرة ، وبعد الوجود صارت كثرة. وقد أشرنا الى ذلك في مسألة الشك في كرية الماء. فراجع. كما أنه يفترق هذا الفرض عما قبله بعدم إمكان التمسك بعموم العفو فيه ، وان قلنا بجوازه في الفرض السابق ، لأن موضوع العام هنا قد أخذ معنوناً بما دون الدرهم ، ومع الشك في عنوان العام لا يجوز الرجوع إليه إجماعا. وفي صحيح ابن أبي يعفور‌ (١) وان لم يؤخذ معنوناً بعنوان إلا أن الاستثناء فيه مانع عن التمسك بالعام في الشبهة المصداقية بلا كلام ، وكذا كل مخصص متصل. وكيف كان يكفي في الحكم بالعفو أصالة البراءة من المانعية.

[١] لاستصحاب عدم الزيادة.

[٢] كما عن المنتهى ، والبيان ، والذخيرة وغيرها. خلافاً لما عن الذكرى وروض الجنان ، والمعالم ، والمدارك. لأن الفرع لا يزيد على أصله. وقد تقدم أنه لا دليل على هذه القاعدة.

__________________

(١) تقدم في أول الكلام في العفو عن الدم دون الدرهم.

٥٧٧

[ مسألة ٥ ] : الدم الأقل إذا أزيل عينه فالظاهر بقاء حكمه [١].

[ مسألة ٦ ] : الدم الأقل إذا وقع عليه دم آخر أقل ، ولم يتعد عنه ، أو تعدى وكان المجموع أقل ، لم يزل حكم العفو عنه [٢].

[ مسألة ٧ ] : الدم الغليظ الذي سعته أقل عفو [٣] ، وإن كان بحيث لو كان رقيقاً صار بقدره أو أكثر.

[ مسألة ٨ ] : إذا وقعت نجاسة أخرى كقطرة من البول مثلا ـ على الدم الأقل ، بحيث لم تتعدد عنه إلى المحل الطاهر ، ولم يصل الى الثوب أيضا ، هل يبقى العفو أم لا؟

إشكال [٤] فلا يترك الاحتياط.

______________________________________________________

[١] كما عن شرح الموجز ، والنهاية ، والمدارك. لاستصحاب العفو عنه الثابت له حال وجود الدم. لكنه ـ مع أنه من الاستصحاب التعليقي ـ مبني على جواز الرجوع الى الاستصحاب في مثله ، لا عموم العام ـ أعني : عموم المنع عن الصلاة في النجس ـ والتحقيق الرجوع الى العام مع كون التخصيص من أول الأمر ـ كما في المقام ـ بل ولو كان في الأثناء ، على تفصيل ذكرناه في محله من تعليقتنا [ حقائق الأصول ]. وأما دعوى العفو في المقام للأولوية فغير ظاهرة.

[٢] لإطلاق الأدلة.

[٣] للإطلاق ، وقد عرفت أن منصرف النص التحديد بالسعة.

[٤] ينشأ أولا من الإشكال في تنجس الدم بالنجاسة الطارية عليه ، وثانياً من جهة صدق الصلاة في النجس. وقد عرفت في مسألة تنجس‌

٥٧٨

الثالث مما يعفى عنه : ما لا تتم فيه الصلاة [١] من الملابس كالقلنسوة والعرقجين ، والتكة ، والجورب ، والنعل ، والخاتم ، والخلخال [٢] ونحوها بشرط أن لا يكون من الميتة [٣] ،

______________________________________________________

المتنجس أن الأول مقتضى القاعدة. كما أن الثاني غير بعيد. فعدم العفو أقرب.

[١] إجماعا صريحاً ، وظاهراً ، محكياً عن الانتصار ، والخلاف ، والسرائر والتذكرة ، والكفاية ، والذخيرة ، وغيرها. وبه استفاضت النصوص. مثل ما‌ رواه زرارة عن أحدهما (ع) : « كل ما كان لا تجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس بأن يكون عليه الشي‌ء. مثل القلنسوة ، والتكة ، والجورب » (١) ونحوه مرسل إبراهيم بن أبي البلاد‌ (٢). وفي مرسل حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (ع) : « في الرجل يصلي في الخف الذي قد أصابه القذر. فقال (ع) : إذا كان مما لا تتم فيه الصلاة فلا بأس » (٣). ومرسل عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « أنه قال : كل ما كان على الإنسان أو معه مما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يصلي فيه وان كان فيه قذر. مثل القلنسوة والتكة والكمرة والنعل والخفين وما أشبه ذلك » (٤). وقريب منها غيرها.

[٢] ونحوهما ، وان لم يكن من جنس الساتر ، لأن العفو عنه مقتضى إطلاق النصوص. ولا ينافيه التمثيل بما ذكر ، فإنه لا يصلح للتقييد. ولذا نص عليه جماعة. بل عن الحلي الإجماع عليه.

[٣] لأن مورد النصوص المتقدمة المتنجس ، والتعدي إلى النجس محتاج‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣١ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣١ من أبواب النجاسات حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٣١ من أبواب النجاسات حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ٣١ من أبواب النجاسات حديث : ٥.

٥٧٩

______________________________________________________

إلى دليل مفقود ، فعموم المنع من الصلاة في النجس محكم. مضافاً إلى النصوص الواردة في المنع عن الصلاة في الخف إذا كان من الميتة ، وفي السيف إذا كان فيه الميتة (١). وفي صحيح ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله (ع) : « في الميتة قال (ع) : لا تصل في شي‌ء منه ولا شسع » (٢). نعم يعارضها‌ خبر الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « كل ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه مثل التكة الإبريسم ، والقلنسوة ، والخف ، والزنار ، يكون في السراويل ويصلى فيه » (٣). وموثقة إسماعيل بن الفضل : « سألت أبا عبد الله (ع) عن لباس الجلود والخفاف والنعال والصلاة فيها إذا لم تكن من أرض المصلين. فقال (ع) : أما النعال والخفاف فلا بأس بهما » (٤). لكن الأول مطلق شامل للنجس والمتنجس ، والجمع بينه وبين النصوص المتقدمة يقتضي تقييده بها ، فيحمل على خصوص المتنجس. ولا يبعد جريان ذلك في الموثقة ، فإن قول السائل : « إذا لم تكن من أرض المصلين » يعني المسلمين ـ كما هو الظاهر ـ محتمل للسؤال من حيث النجاسة الذاتية ، لعدم التذكية ، وللنجاسة العرضية من جهة أن عملها في أرض الكفار يلازم غالباً نجاستها عرضا ، وترك الاستفصال وان كان يقتضي العموم ، لكنه مقيد بما تقدم من النصوص ، فيحمل على النجاسة العرضية.

وهذا الجمع وان كان خلاف الظاهر ، لكن ارتكابه أهون من حمل نصوص المنع على الكراهة مع كثرتها ، وتأكد دلالتها. فلاحظ صحيح‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٥٠ من أبواب النجاسات.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٤ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب لباس المصلي حديث : ٣.

٥٨٠