مستمسك العروة الوثقى - ج ١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦١١

وموطوء الإنسان [١] ، والغنم الذي شرب لبن خنزيرة [٢]. وأما البول والغائط من حلال اللحم فطاهر [٣] حتى الحمار‌

______________________________________________________

« لا تأكلوا لحوم الجلالة ، وان أصابك من عرقها فاغسله » (١) ، ونحوه غيره.

[١] فان المعروف حرمة لحمه. ويقتضيه ظاهر النصوص ، ففي خبر مسمع عن أبي عبد الله (ع) : « إن أمير المؤمنين (ع) سئل عن البهيمة التي تنكح فقال (ع) : حرام لحمها ، وكذلك لبنها » (٢).

[٢] بلا خلاف ظاهر. ويقتضيه جملة من النصوص ، وفيها الموثق‌ عن أبي عبد الله (ع) : « عن جدي رضع من لبن خنزيرة ، حتى شب وكبر واشتد عظمه ، ثمَّ إن رجلا استفحله في غنمه فخرج له نسل. فقال (ع) : أما ما عرفت من نسله بعينه فلا تقربه ، وأما ما لم تعرفه فكله » (٣). ومورده أخص من فتوى الأصحاب ، وغيره (٤) أعم منها. فكأن العمدة الإجماع على اعتبار الاشتداد وكفايته.

[٣] عن الخلاف والناصريات والغنية والتذكرة والبيان : الإجماع على طهارة فضلة المأكول. ويقتضيه جملة من النصوص‌ كمصحح زرارة : « أنهما (ع) قالا : لا تغسل ثوبك من بول شي‌ء يؤكل لحمه » (٥). وفي موثق عمار عن أبي عبد الله (ع) : « كل ما أكل لحمه فلا بأس بما‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب الأسئار حديث : ١ ، وباب : ٣٧ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ١ وقد اشتمل الباب على بعض الاخبار الدالة على المطلوب.

(٢) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ١.

(٤) راجع الوسائل باب : ٢٥ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٥) الوسائل باب : ٩ من أبواب النجاسات حديث : ٤.

٢٨١

والبغل والخيل [١].

______________________________________________________

يخرج منه » (١).

[١] فان المشهور حلية لحمها وكراهته ، وعن المفيد [ ره ] تحريم الأولين والهجن من الثالث ، وعن الحلبي تحريم الثاني. ويشهد لهما بعض النصوص (٢). لكن حمله على الكراهة للنصوص الظاهرة في الحل ، والمصرحة بالكراهة ـ جمعاً عرفياً ـ متعين. والمشهور أيضاً طهارة فضلة المذكورات. لعموم ما دل على طهارة فضلة ما يؤكل لحمه. ويشهد له جملة وافرة من النصوص بالخصوص ، كرواية أبي الأغر النخاس : « قلت لأبي عبد الله (ع) : إني أعالج الدواب فربما خرجت بالليل وقد بالت وراثت ، فيضرب أحدها برجله أو يده فينضح على ثيابي فأصبح فأرى أثره فيه. فقال (ع) : ليس عليك شي‌ء » (٣). ورواية المعلى وابن أبي يعفور : « كنا خرجنا في جنازة وقدامنا حمار ، فبال ، فجاءت الريح ببوله حتى صكت وجوهنا وثيابنا ، فدخلنا على أبي عبد الله (ع) فأخبرناه فقال (ع) : ليس عليكم بأس » (٤). وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « لا بأس بروث الحمر ، واغسل أبوالها » (٥). وقريب منه رواية أبي مريم في الدواب‌ (٦) ورواية عبد الأعلى بن أعين في الحمير والبغال‌ (٧) ...

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب النجاسات حديث : ١٢.

(٢) راجع الوسائل باب : ٥ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٣) الوسائل باب : ٩ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٩ من أبواب النجاسات حديث : ١٤.

(٥) الوسائل باب : ٩ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٦) الوسائل باب : ٩ من أبواب النجاسات حديث : ٨.

(٧) الوسائل باب : ٩ من أبواب النجاسات حديث : ١٣.

٢٨٢

وكذا من حرام اللحم الذي ليس له دم سائل [١] ، كالسمك المحرم ونحوه.

______________________________________________________

إلى غير ذلك. وضعف السند لو كان في جميعها فهو منجبر بعمل الأصحاب.

وعن الإسكافي والشيخ وجماعة من متأخري المتأخرين كالأردبيلي وتلميذيه : القول بالنجاسة. ويشهد لهم كثير من النصوص ـ كمصحح محمد ابن مسلم : « وسألته عن أبوال الدواب والبغال والحمير. فقال : اغسله ، فان لم تعلم مكانه فاغسل الثوب كله ، فان شككت فانضحه » (١). وفي رواية الحلبي : « سألت أبا عبد الله (ع) عن أبوال الخيل والبغال. فقال (ع) : اغسل ما أصابك منه » (٢) ونحوهما غيرهما. لكن يجب حمله على الكراهة جمعاً عرفيا. وأما ما ظاهره التفصيل بين البول والروث فمحمول على اختلاف مراتب الكراهة بقرينة غيره.

[١] بلا خلاف ، كما عن الحدائق وشرح الدروس. للأصل. وقصور أدلة النجاسة عن شموله ، لانصرافها الى غيره. ولطهارة ميتته ودمه ، فصارت فضلاته كعصارة النبات. لكن الجميع كما ترى. وكأنه لذلك تردد في الشرائع ـ وكذا في المعتبر ـ في رجيع الذباب والخنافس. لكن قال بعد ذلك : « والأشبه الطهارة ». بل عدم تقييد موضوع النجاسة بذي النفس السائلة في كلام جماعة ظاهر في عموم النجاسة له ولغيره. ومن هنا يشكل الاعتماد على ظهور الإجماع المدعى. نعم يختص الاشكال بالبول مما له لحم ، أما الخرء فقد عرفت أنه لا عموم يدل على نجاسته ، وأن العمدة فيه الإجماع وهو منتف في غير ذي النفس ، فالمرجع فيه أصل الطهارة ولذلك قال في المدارك : « أما الرجيع فلا أعرف للتردد في طهارته وجهاً ».

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب النجاسات حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب النجاسات حديث : ١١.

٢٨٣

[ مسألة ١ ] : ملاقاة الغائط في الباطن لا توجب النجاسة [١] كالنوى الخارج من الإنسان ، أو الدود الخارج منه ، إذا لم يكن معه شي‌ء من الغائط ، وان كان ملاقياً له في الباطن. نعم لو أدخل من الخارج شيئاً فلاقى الغائط في الباطن كشيشة الاحتقان. إن علم ملاقاتها له فالأحوط الاجتناب عنه. وأما إذا شك في ملاقاته فلا يحكم عليه بالنجاسة ، فلو خرج ماء الاحتقان ولم يعلم خلطه بالغائط ولا ملاقاته له لا يحكم بنجاسته.

______________________________________________________

لأن الطهارة مقتضى الأصل ، ولا معارض له. وكذا الحال في بول ما لا لحم له ، فإنه لا يشمله عموم النجاسة ، والأصل فيه الطهارة.

[١] ملاقاة النجاسة في الداخل [ تارة ] : يكون المتلاقيان من الداخل كالدم الخارج من بين الأسنان الملاقي لها وللريق ، وللّثة [ وأخرى ] : يكون أحدهما من الخارج فيدخل الى الداخل ، سواء اكان الداخل النجاسة ، كالماء النجس يتمضمض به ، أم الملاقي لها ، كالماء الطاهر يتمضمض به مع وجود أجزاء الدم في الفم.

ففي الصورة الأولى : لا إشكال عندنا في عدم الانفعال ، وعن أبي حنيفة نجاسة جميع ما يخرج من القبل والدبر ، لأنه خرج من مجرى النجاسة قال في المعتبر : « وليس بشي‌ء ، لأن النجاسات لا يظهر حكمها إلا بعد خروجها عن المجرى ». وظاهره أن ذلك من المسلمات. وعن ظاهر شرح الروضة : نفي الخلاف فيه. ويشهد له ما ورد في طهارة المذي والودي وبلل الفرج‌ (١).

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١٢ من أبواب نواقض الوضوء ، وباب : ١٧ ، ٥٥ من أبواب النجاسات.

٢٨٤

______________________________________________________

والظاهر أن الحكم في الصورة الثانية كذلك ، وعن ظاهر شرح الروضة أيضاً نفي الخلاف فيه. ويشهد له ما ورد في طهارة بصاق شارب الخمر مثل‌ خبر عبد الحميد : « قلت لأبي عبد الله (ع) : رجل يشرب الخمر فيبصق ، فأصاب ثوبي من بصاقه. فقال (ع) : ليس بشي‌ء » (١) ، وفي طهارة بلل الفرج مع كون المرأة جنباً ، كرواية إبراهيم بن أبي محمود : « سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن المرأة عليها قميصها أو إزارها يصيبه من بلل الفرج وهي جنب أتصلي فيه؟ قال (ع) إذا اغتسلت صلت فيهما » (٢) ، فإنه شامل لصورة كون جنابتها بالوطء ، وإنزال الرجل في فرجها ، بل هو الغالب. نعم يمكن الإشكال في الدلالة على عدم الانفعال لاحتمال كون زوال العين مطهراً. فالعمدة في إثبات عدم الانفعال ما يأتي من قصور الأدلة.

وأما الصورة الثالثة : فهي وان كانت داخلة في كلام المعتبر المتقدم لكن لم أعثر على نص فيها. وكأنه لذلك كانت محلا للإشكال ، من جهة قاعدة سراية النجاسة إلى الملاقي ، ومن أن القاعدة المذكورة ليس عليها دليل لفظي له إطلاق أحوالي يشمل صورة الملاقاة في الداخل ، وإنما هي مستفادة من الحكم بالنجاسة في الموارد المتفرقة ، التي كلها تكون الملاقاة فيها في الخارج ، فالتعدي منها إلى الملاقاة في الداخل لا دليل عليه ظاهر إذ لا إجماع عليه. والارتكاز العرفي وان كان يقتضي التعدي ، لعدم الفرق عند العرف بين الداخل والخارج. لكنه معارض بالارتكاز الموجب للتعدي من المتكون في الجوف الى الداخل اليه ، ومن الصورة الأولى والثانية ، إلى الثالثة ، فإن التفكيك بينهما خلاف الارتكاز ، وبعد تعارض الارتكازين‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٥٥ من أبواب النجاسات حديث : ١.

٢٨٥

[ مسألة ٢ ] : لا مانع من بيع البول ، والغائط ، من مأكول اللحم [١].

______________________________________________________

يبنى على الاقتصار على موارد الأدلة ، ويرجع في غيره إلى أصالة الطهارة. ومقتضى ذلك البناء على عدم نجاسة باطن الإنسان وما يتكون فيه من الرطوبات كما سيأتي التعرض له من المصنف في المطهرات. بل لو لا ظهور التسالم على الحكم بنجاسة الأعيان النجسة في الداخل ، لأمكن القول بطهارتها ما لم تخرج ، لأن أدلة نجاستها لا إطلاق فيها يشمل حال كونها في الداخل. ومن ذلك يظهر الحكم بطهارة السن الصناعي الذي يوضع في الفم بدل السن الطبيعي ، عند ملاقاته للدم الذي يخرج من اللثة أو اللهاة. بل لا يبعد الحكم بعدم سراية النجاسة في المتلاقيين إذا كانا معا من الخارج ، وكانت الملاقاة في الداخل ، كما في السن الصناعي عند المضمضة بالماء المتنجس. وان كان الحكم في هذه الصورة الرابعة أخفى ، وحسن الاحتياط فيها وفي الثالثة واضح.

[١] أما البول : فلعدم دليل على المنع فيه ، فعمومات صحة البيع بلا مخصص. نعم لا بد أن يكون مالا عرفا ، بحيث يكون مما يتنافس عليه العقلاء ، لئلا يكون أكل المال بإزائه أكلا للمال بالباطل. ومجرد الطهارة لا يوجب ذلك ، بل يتوقف على وجود منفعة معتد بها عند العقلاء ، مع عزة الوجود ، فلو لم يكن له منفعة أو كان مبذولا ـ كالماء في شاطئ النهر ـ لم يجز بيعه. والبول الطاهر بعد كونه مستقذراً عند العرف ، لا يكون له منفعة ، ولا فيه غرض يوجب التنافس عليه ، فلا يكون مالا ولأجل ذلك يشكل جواز بيع بول الإبل أيضاً وان حكي الإجماع عليه. لكنه غير ظاهر مطلقا. وجواز شربه للاستشفاء لا يوجب ماليته ما لم يكن الداعي إلى شربه عاما. وكذا بول البقر والغنم الذي ورد جواز شربه للتداوي به.

٢٨٦

وأما بيعهما من غير المأكول فلا يجوز [١]. نعم يجوز الانتفاع بهما في التسميد ونحوه [٢].

______________________________________________________

وأما الغائط : فالظاهر كونه مالا عرفا ـ غالبا ـ لكثرة الحاجة إليه في الإشعال ، والتسميد ، ونحوهما من الانتفاعات العامة ، فهو من الأموال ولذا جرت السيرة على بذل الأموال الطائلة بإزائه ، فلا مانع من بيعه من هذه الجهة ، والعمومات الدالة على صحة البيع دالة على صحة بيعه.

[١] أما البول : فالظاهر أنه لا إشكال في عدم جواز بيعه ، وقد نفي الخلاف فيه. ويقتضيه النهي عنه في رواية تحف العقول‌ (١). مضافا الى ما عرفت من عدم كونه مالا عرفا.

وأما الغائط : فنقل الإجماع عليه مستفيض. وتقتضيه رواية تحف العقول‌ ، وخبر يعقوب بن شعيب : « ثمن العذرة سحت » (٢). نعم‌ في رواية محمد بن مضارب عن الصادق (ع) : لا بأس ببيع العذرة » (٣) لكنها مهجورة ، مخالفة للإجماع ، فيتعين طرحها ، أو تأويلها. وجمع بينهما بحملها على عذرة غير الإنسان ، أو على بلاد ينتفع بها فيها. لكنه جمع بلا شاهد. وأما الجمع بحمل الأول على الكراهة ، فبعيد جداً عن لفظ السحت. مع أنه موقوف على اجتماع شرائط الحجية في الثانية ، وقد عرفت خلافه.

[٢] ظاهر جماعة كونه من المسلمات ، وفي محكي المبسوط : « سرجين ما لا يؤكل لحمه وعذرة الإنسان وخرء الكلب لا يجوز بيعها ، ويجوز الانتفاع بها في الزروع والكروم وأصول الشجر ، بلا خلاف » ، وقريب منه ما عن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يكتسب به حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب ما يكتسب به حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب ما يكتسب به حديث : ٣.

٢٨٧

[ مسألة ٣ ] : إذا لم يعلم كون حيوان معين أنه مأكول اللحم أو لا ، لا يحكم بنجاسة بوله وروثه [١] ، وان كان لا يجوز أكل لحمه بمقتضى الأصل [٢].

______________________________________________________

غيره. وفي رواية وهب بن وهب عن علي (ع) : « انه كان لا يرى بأسا أن تطرح في المزارع العذرة » (١). نعم في رواية تحف العقول (٢) : المنع من جميع التقلبات في النجس‌. ولعل المراد الانتفاع المحرم ، أو ما يدل على عدم المبالاة في الدين كما عن الشيخ الأكبر [ ره ]. والأمر سهل بعد عدم ثبوت الجابر لها. وان حكي عن فخر الدين والمقداد دعوى الإجماع على أصالة حرمة الانتفاع بالنجس مطلقاً ، لكنه غير ظاهر ، بل ظاهر كلمات جماعة خلافه. والاستدلال له ببعض الآيات الكريمة والروايات الشريفة أشكل ، لقصور الدلالة أو السند. فراجع كلمات شيخنا الأعظم [ ره ] في مكاسبه. جزاه الله تعالى عن العلم وأهله خير جزاء المحسنين.

[١] لأصالة الطهارة.

[٢] تردد الحيوان بين محلل الأكل ومحرمه [ تارة ] : يكون من جهة الشبهة الحكمية ، كأن لا يعلم أن الأرنب محرم الأكل أو محلل الأكل [ وأخرى ] : من جهة الشبهة الموضوعية ، كأن لا يعلم أن الحيوان الخارجي شاة أو ذئب. وكل منهما [ تارة ] : يعلم بقبوله للتذكية وطهارته على تقدير وقوعها عليه. [ وأخرى ] : لا يعلم ذلك. فهنا مسائل :

الأولى : في حكم الحيوان المعلوم عنوانه ، كالارنب غير المعلوم كونه محلل الأكل أو محرمة ، مع العلم بقبوله للتذكية ، فنقول : مقتضى استصحاب الحرمة الثابتة قبل وقوع التذكية عليه إلى ما بعدها هي حرمة أكله ، وهو‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يكتسب به حديث : ١.

٢٨٨

______________________________________________________

حاكم أو وارد على أصالة الإباحة.

والاشكال على الاستصحاب المذكور من جهة عدم بقاء الموضوع ، تارة : لأن موضوع الحرمة المعلومة الحيوان ، وموضوع الحرمة المشكوكة اللحم ، وهما متغايران عرفا. وأخرى : من جهة أن الحرمة الثابتة قبل التذكية موضوعها غير المذكى ، والمشكوك ثبوتها بعد التذكية موضوعها المذكى. [ مندفع ] : بأن المعيار في وحدة الموضوع المعتبرة في جريان الاستصحاب الوحدة في نظر العرف ، بحيث يصدق الشك في البقاء عرفا ، والاختلاف بين الحيوان واللحم لا يوجب التعدد في نظر العرف ، ولا ينتفي لأجله صدق الشك في بقاء الحرمة. ولأجل ذلك نقول : لا مانع من جريان استصحاب نجاسة الكلب بعد موته ، ولا من استصحاب جملة من أحكام الزوجية بعد موت الزوج أو الزوجة. وبذلك يندفع الاشكال من الجهة الثانية أيضاً ، ولذا بني على استصحاب نجاسة الماء المتغير بالنجاسة بعد زوال تغيره ، واستصحاب حكم الحاضر بعد سفره ، وحكم المسافر بعد حضره ، وأمثال ذلك.

ومثله في الاندفاع الإشكال أيضاً : بأن الحرمة الثابتة قبل التذكية معلولة لعدم التذكية ، والمشكوك ثبوتها بعد التذكية ناشئة من خصوصية في الحيوان ، وتعدد العلة يوجب تعدد المعلول عرفا. إذ فيه : المنع من ذلك أيضاً ، فإن البقاء عين الحدوث وجوداً. مع أنه قد يختلف معه في العلة ، كما في الأمور القارة التي يستند بقاؤها إلى استعداد ذاتها ، وحدوثها إلى علة أخرى ، كالجدار المبني ، فان حدوثه بفعل البناء ، وبقاؤه باستعداد ذاته ، وصدق البقاء فيه من ضروريات العرف.

نعم يمكن أن يقال : إن الحرمة الناشئة من الخصوصية الذاتية لما لم تكن في رتبة الحرمة الناشئة من الجهة العرضية ـ أعني عدم التذكية ـ لترتب‌

٢٨٩

______________________________________________________

موضوعيهما امتنع أن تكون إحداهما مؤكدة للأخرى ، ولا وجود إحداهما بقاء للأخرى ، لأن البقاء عين الحدوث وجوداً ، فلا يكون بينهما اختلاف رتبة. وحينئذ فالمعلوم وجودها حال الحياة الحرمة التي موضوعها اللامذكى وهي زائلة قطعاً بعد التذكية والمحتمل وجودها بعد التذكية هي الحرمة الثابتة للذات نفسها ، وهو وجود آخر يحتمل مقارنته لوجود الحرمة الزائلة وبقاؤه بعد زوالها. فيكون الاستصحاب من قبيل القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي ، الذي ليس بحجة على التحقيق.

هذا وهذا التقريب يبتني على كون وصف اللامذكى مأخوذاً في موضوع الحرمة على نحو الجهة التقييدية عرفا ، ووصف التغير في مسألة نجاسة المتغير مأخوذاً في موضوع النجاسة على نحو الجهة التعليلية عرفا. ولكنه غير واضح فالبناء على عدم جريان الاستصحاب لأجله غير ظاهر.

نعم لا بأس بالرجوع في إثبات الحل إلى عمومات الحل ، مثل قوله تعالى : ( قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً ... ) (١) وقوله تعالى : ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ ) (٢) وقوله تعالى ( يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ ) (٣) ونحوها ، الحاكم على الاستصحاب لو سلم جريانه. واستصحاب حكم المخصص في مثله غير جار ، لكون التخصيص من أول الأمر ، كما لا يخفى.

المسألة الثانية : في حكم الحيوان المعلوم العنوان مع الشك في حله وحرمته وفي قبوله للتذكية وعدمه ، فنقول : لا ينبغي التأمل في أن المستفاد من ملاحظة موارد استعمال لفظ التذكية أنها عبارة عن صفة خاصة تحدث‌

__________________

(١) الانعام : ١٤٥.

(٢) المائدة : ٥.

(٣) المائدة : ٤.

٢٩٠

______________________________________________________

في الحيوان من أسباب معينة ، مثل الذبح الخاص ، والنحر كذلك ، وغيرهما من الأسباب. وما في القاموس وعن كاشف اللثام : من أنها الذبح. في غير محله ، أو ليس على ظاهره. وحينئذ إذا شك في قبول الحيوان للتذكية كان مقتضى الأصل عدمها.

وربما يتوهم أنها الطهارة فإذا شك في ثبوتها بعد الموت كان المرجع استصحاب الطهارة الثابتة حال الحياة. إذ فيه : أن التذكية وان كانت هي الطهارة ، لكنها طهارة خاصة ، ولذا يحكم بطهارة ميتة ما لا نفس له سائلة مع أنها غير ذكية ، ويحكم بطهارة الحيوان حال الحياة ، وهو غير ذكي ، فالمراد من التذكية طهارة خاصة ، لا الطهارة مقابل النجاسة التي هي مفاد قاعدة الطهارة.

نعم ادعى غير واحد : أن الأصل قابلية كل حيوان للتذكية ، بل في الحدائق : « لا خلاف بين الأصحاب [ رض ] فيما أعلم أن ما عدا الكلب والخنزير والإنسان من الحيوانات الطاهرة يقع عليه الذكاة ». وقد استدلوا على ذلك بالآيات والنصوص المتضمنة لحلية ما أمسك الكلاب‌ (١) ، وما ذكر اسم الله تعالى عليه‌ (٢) ولحلية ما يصطاد بالسيف أو الرمح أو نحوهما‌ (٣) وبما دل على حلية كل حيوان إلا ما خرج‌ (٤). مثل قوله تعالى : ( قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً ... ) (٥) وما‌ في موثق ابن بكير من قوله (ع) : « ذكاه الذابح أو لم يذكه » (٦).

__________________

(١) المائدة : ٤. وراجع الوسائل باب : ١ ، ٢ من أبواب الصيد.

(٢) الانعام : ١١٨ ، ١٢١ ، وراجع الوسائل باب : ١٥ من أبواب الذبائح.

(٣) راجع الوسائل باب : ١٦ من أبواب الصيد.

(٤) راجع الوسائل باب : ١ من أبواب الأطعمة المباحة.

(٥) الأنعام : ١٤٥.

(٦) الوسائل باب : ٢ من أبواب لباس المصلي حديث : ١.

٢٩١

______________________________________________________

لكن الجميع كما ترى. إذ الأول في مقام بيان السبب الذي تكون به التذكية بعد المفروغية عن قابلية الحيوان لها. والثاني مقيد بما دل على اعتبار التذكية في حل الحيوان. مع أن الآية الشريفة قد استثني فيها الميتة وهي غير المذكى ، كما يفهم من جملة من النصوص‌ (١). وما في الموثق‌ غير ظاهر الدلالة على ذلك ، لأن عدم تذكية الذابح أعم من عدم القابلية للتذكية ، ولا سيما بناء على ما في بعض النسخ من قوله (ع) : « ذكاه الذبح » بدل : « ذكاه الذابح » ، فان الجمود على العبارة يقتضي أن يكون الذبح موجباً للذكاة تارة ، وغير موجب لها أخرى.

ومثل ذلك في الاشكال الاستدلال ـ كما في الجواهر ـ بصحيح علي ابن يقطين : « سألت أبا الحسن (ع) عن لباس الفراء ، والسمور ، والفنك والثعالب وجميع الجلود. قال (ع) : لا بأس بذلك » (٢) إذ لو لم تقبل الجلود التذكية كانت ميتة لا يجوز لبسها ، ونحوه صحيح الريان بن الصلت‌ (٣) ، إذ فيه : أنه إن ثبت عدم جواز لبس الميتة كان ذلك مخصصاً للصحيح المذكور ونحوه بالمذكى ، والعام المخصص بمخصص منفصل لا يدل على انتفاء الخاص ، واللازم الرجوع الى الأصل.

اللهم إلا أن يقال : إنما لا يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية إذا لم يكن بيان المصداق من وظيفة الشارع ، وإلا كان العام حجة في الفرد المشكوك ، لأن دليل التخصيص إنما يعارض العام إذا كان عنوان الخاص منطبقاً على عنوان العام ، ومقتضى العام عدم الانطباق ، لأنه يدل بالمطابقة‌

__________________

(١) وهي النصوص المقابلة للمذكى بالميتة ، كما تعرض ـ قدس‌سره ـ الى ذلك في التنبيه الأول من تنبيهات البراءة من كتاب حقائق الأصول.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب لباس المصلي حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٥ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.

٢٩٢

______________________________________________________

على ثبوت حكم العام في كل فرد ، ويدل بالالتزام على نفي عنوان الخاص عن كل فرد. وهذه الدلالة الالتزامية وان لم تكن حجة في إثبات ذلك إذا كان خارجاً من وظيفة الشارع ، لكنها حجة إذا كان النفي من وظائفه ، فإن كان الشك في التذكية من جهة الشك في وجود السبب الشرعي يكون المرجع أصالة عدم التذكية ، وان كان من جهة وجود القابلية التي من وظائف الشارع بيانها ، فالتمسك بعموم الصحيح ونحوه لإثباتها في محله.

نعم يختص الصحيح ونحوه بالحيوانات ذوات الجلود ، فيبقى غيرها على مقتضى الأصل. نعم يمكن أن يقال : إن الذكاة من المفاهيم العرفية ، وهي في الحيوان من الأفعال التوليدية التي لها أسباب خاصة عندهم ، فإطلاق أدلة أحكام التذكية من الطهارة وحل الأكل وجواز الانتفاع وغيرها ينزل ـ بمقتضى الإطلاق المقامي ـ على ما هو عند العرف. فاذا دل دليل على قيد أخذ به ، ومع الشك فيه يرجع الى ما عند العرف ، عملا بالإطلاق المقامي ، وعلى هذا ما يكون قابلا عند العرف للتذكية محكوم بذلك شرعاً ، وما علم بعدم قابليته لها عندهم ، أو شك فيها ، يرجع فيه الى أصالة عدم التذكية. وهذا نظير ما يقال في مثل ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (١) ونحوه من أدلة العقود والإيقاعات ، من وجوب الحمل على المفاهيم العرفية وأسبابها وشرائطها ـ ومنها قابلية المحل ـ فيكون تطبيق العرف حجة ما لم يرد عنه رادع.

ويشير إلى ما ذكرنا‌ خبر علي بن أبي حمزة قال : « سألت أبا عبد الله أو أبا الحسن (ع) عن لبس الفراء والصلاة فيها. فقال : لا تصل فيها إلا فيما كان منه ذكياً. قال : قلت : أوليس الذكي ما ذكي بالحديد؟ قال : بلى ، إذا كان مما يؤكل لحمه ... » (٢). فان ظاهره السؤال‌

__________________

(١) البقرة : ٢٧٥.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب لباس المصلي حديث : ٣.

٢٩٣

______________________________________________________

عن صحة حمل المراد على المعنى العرفي ، ولزوم العمل على تطبيقهم ، وقوله (ع) : « إذا كان مما ... » ليس لبيان اعتبار المأكولية في مفهوم التذكية ، بل لبيان اعتبارها في جواز الصلاة بالمذكى كما يشهد به ما في ذيله. مضافا إلى النصوص والإجماع على وقوع التذكية على غير مأكول اللحم.

هذا ولو بني على أن التذكية عبارة عن الأفعال الخاصة من فري الأوداج وغيرها مع القابلية ـ على أن تكون القابلية جزءاً لمفهومها ـ فلا مجال لجريان أصالة عدمها إذا شك فيها للشك في القابلية ، إذ القابلية لم يحرز لعدمها حالة سابقة لأنها من لوازم الماهية ، فلا يجري فيها أصل العدم ، حتى لو بني على جريانه في إثبات العدم الأزلي ، لاختصاص القول بجريانه بعوارض الوجود ، ولا يجري في عوارض الماهية. وكذا الكلام لو قيل : بأن التذكية عبارة عن نفس الأفعال الخاصة بشرط القابلية ، فإنه لو شك في التذكية للشك في القابلية ـ مع تحقق الأفعال الخاصة ـ لا مجال لجريان أصالة عدم الوجود الخاص ، إذ لا شك في الوجود وإنما الشك في الخصوصية ، وهي ليست مجرى لأصل العدم.

المسألة الثالثة : في حكم الحيوان المشكوك كونه محلل الأكل من جهة الشبهة الموضوعية ، لتردده بين عنوانين ، أحدهما محلل والآخر محرم. مع العلم بقبوله للتذكية على كل حال. والكلام فيها هو الكلام في المسألة الأولى بعينها. وليس الفرق إلا من جهة عدم جواز التمسك هنا بعموم الحل ، لعدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. ولأجل أنك عرفت عدم وضوح المناقشات في استصحاب الحرمة ، فالرجوع إليه في محله. فتأمل.

المسألة الرابعة : في حكم الحيوان المردد بين المحلل الأكل كالشاة ، والمحرم ـ كالخنزير ـ الذي لا يقبل التذكية. والكلام فيها هو الكلام في‌

٢٩٤

وكذا إذا لم يعلم أن له دما سائلا أم لا [١] ، كما أنه إذا شك في شي‌ء أنه من فضلة حلال اللحم أو حرامه [٢] ، أو شك في أنه من الحيوان الفلاني حتى يكون نجساً ، أو من الفلاني‌

______________________________________________________

المسألة الثانية ، فيرجع فيه إلى أصالة عدم التذكية المقتضية للحرمة والنجاسة.

وكيف كان فالحرمة الثابتة للحيوان بالاستصحاب لا تقتضي نجاسة البول والغائط ، لأن حرمة الأكل المأخوذة موضوعا للنجاسة ، هي ما كانت لخصوصية في الحيوان ، والاستصحاب لا يثبتها. وكذا لو ثبتت الحرمة بأصالة عدم التذكية ، فإن الحرمة لعدم التذكية غير الحرمة المذكورة ، كما هو ظاهر.

[١] لأصالة الطهارة من دون معارض. نعم في الجواهر : هل يحكم بطهارة فضلته حتى يعلم أنه من ذي النفس ، للأصل واستصحاب طهارة الملاقي. أو يتوقف الحكم بالطهارة على الاختبار. لتوقف امتثال الأمر بالاجتناب عليه ، ولأنه كسائر الموضوعات التي علق الشارع عليها أحكاماً كالصلاة للوقت والقبلة. أو يفرق بين الحكم بطهارته وبين عدم تنجيسه للغير ، فلا يحكم بالأول إلا بعد الاختبار ، بخلاف الثاني؟ وجوه لم أعثر على تنقيح شي‌ء منها في كلمات الأصحاب. انتهى ملخصاً. وفيه : أن وجوب الاجتناب عن النجس لا يقتضي الاحتياط في موارد الشك ، كما حرر في محله. والقياس على مثل القبلة والوقت غير ظاهر ، لكون الشك فيها شكا في الفراغ ، وما نحن فيه شك في التكليف.

[٢] لما تقدم من جريان أصالة الطهارة فيها. نعم يفترق هذا الفرض عن الفرض الأول ، أنه في هذا الفرض لا مجال للرجوع الى استصحاب الحرمة ، أو أصالة الحل ، أو غيرهما في نفس الحيوان لأنه من الفرد المردد بين معلوم الحل ومعلوم الحرمة ، والمردد ليس مجرى للأصول.

٢٩٥

حتى يكون طاهراً ، كما إذا رأى شيئاً لا يدري أنه بعرة فار أو بعرة خنفساء. ففي جميع هذه الصور يبني على طهارته.

[ مسألة ٤ ] : لا يحكم بنجاسة فضلة الحية ، لعدم العلم بأن دمها سائل. نعم حكي عن بعض السادة [١] : أن دمها سائل. ويمكن اختلاف الحيات في ذلك. وكذا لا يحكم بنجاسة فضلة التمساح ، للشك المذكور ، وان حكي عن الشهيد : أن جميع الحيوانات البحرية ليس لها دم سائل إلا التمساح. لكنه غير معلوم. والكلية المذكورة أيضاً غير معلومة.

الثالث : المني من كل حيوان [٢] له دم سائل ،

______________________________________________________

[١] قد صرح في المعتبر في أحكام البئر : أن الحية دمها سائل ، وأن ميتتها نجسة. انتهى. ونسب ذلك الى المعروف بين الأصحاب ، وعن المبسوط دعوى الإجماع على نجاستها بالقتل. وفي المدارك : « إن المتأخرين استبعدوا وجود النفس لها ».

[٢] إجماعاً ، حكاه جماعة كثيرة من القدماء والمتأخرين ومتأخريهم ، وفي جملة من كلماتهم تقييد معقده بكونه من ذي النفس السائلة ، وكأنه لقصور النصوص عن شمول غيره ، لانصرافها إلى مني الإنسان ـ كما عن جماعة من الأعيان ـ بل عن بعض : أنها ظاهرة كالعيان. وإن منعها بعض من تأخر. ولكنه محل نظر ، كما يظهر من ملاحظة سياقها ، وكون مورد جميعها المني يصيب الثوب ، فان عدم الابتلاء بغير مني الإنسان يوجب انصرافه إلى مني الإنسان. ولا سيما بملاحظة ما في القاموس : من أنه ماء الرجل والمرأة. وما عن الصحاح : من أنه ماء الرجل ، فلا يكون ترك الاستفصال فيه مقتضياً للعموم. وأما ما‌ في صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) :

٢٩٦

حراماً كان أو حلالا بريا أو بحريا. وأما المذي ، والوذي ، والودي ، فطاهر [١]

______________________________________________________

« قال : ذكر المني وشدده وجعله أشد من البول ، ثمَّ قال : إن رأيت المني قبل ... » (١). فالظاهر منه شدة النجاسة وتأكدها ، لا عمومها.

ومن ذلك يظهر أن التعدي إلى مطلق ذي النفس مأكولا أو غيره لأجل الإجماع. كما أن الظاهر انعقاده على طهارته من غير ذي النفس ، وتردد المحقق في الشرائع والمعتبر غير قادح ، لأنه اختار فيهما الطهارة بعد ذلك. ولأجل ذلك لا يكون للاهتمام في إثبات عموم النصوص مزيد فائدة. ولأجله أيضاً يخرج عن إطلاق‌ موثق عمار عن أبي عبد الله (ع) : « كل ما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه » (٢) ، وإطلاق موثق ابن بكير الوارد في جواز الصلاة في كل ما يكون مما يؤكل لحمه أو يخرج منه. (٣) كما يجب الخروج عما قد يدل على طهارته ، كصحيح زرارة : « عن الرجل يجنب في ثوبه أيتجفف فيه من غسله؟ فقال : نعم لا بأس به ، إلا أن تكون النطفة فيه رطبة ، فإن كانت جافة فلا بأس » (٤).

[١] كما هو المعروف ، بل لا يعرف الخلاف في ذلك منا ، وإنما حكي عن بعض العامة. نعم عن ابن الجنيد القول بنجاسة المذي الذي يخرج عقيب الشهوة. ويشهد له‌ حسن الحسين بن أبي العلاء : « سألت أبا عبد الله (ع) عن المذي يصيب الثوب. قال (ع) : ان عرفت مكانه فاغسله ، وان خفي عليك مكانه فاغسل الثوب كله (٥) ، وفي خبره

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب النجاسات حديث : ١٢.

(٣) الوسائل باب : ٩ من أبواب النجاسات ملحق حديث : ٦.

(٤) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب النجاسات حديث : ٧.

(٥) الوسائل باب : ١٧ من أبواب النجاسات حديث : ٣.

٢٩٧

من كل حيوان إلا نجس العين [١].

______________________________________________________

الآخر : « يغسله ولا يتوضأ » (١). لكن ـ مع عدم اختصاصهما بالشهوة واعراض الأصحاب عنهما ـ يعارضهما كثير من النصوص ، كمصحح زرارة عن أبي عبد الله (ع) : « إن سال من ذكرك شي‌ء من مذي أو وذي ، وأنت في الصلاة فلا تغسله ، ولا تقطع له الصلاة ، ولا تنقض له الوضوء وان بلغ عقبك ، فإنما ذلك بمنزلة النخامة » (٢) ، ونحوه غيره. فيتعين لذلك حملهما على الاستحباب. ويشهد به‌ صحيح محمد عن أحدهما : « سألته عن المذي يصيب الثوب. فقال (ع) : ينضحه بالماء إن شاء » (٣) وحسن الحسين بن أبي العلاء الآخر : « سألت أبا عبد الله (ع) عن المذي يصيب الثوب. قال (ع) : لا بأس به. فلما رددنا عليه قال (ع) : ينضحه بالماء » (٤).

هذا ويكفي في طهارة الوذي والودي ـ مضافا إلى الأصل ـ ظهور الإجماع والاخبار الواردة في البلل المشتبه بالبول‌ (٥) ، ومرسل ابن رباط : « وأما الودي فهو الذي يخرج بعد البول ، وأما الوذي فهو الذي يخرج من الأدواء ولا شي‌ء فيه » (٦).

[١] لما دل على نجاسته الظاهر في نجاسة جميع ما يخرج منه.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب النجاسات حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ٢. ويتضمن ذلك غيره من احاديث الباب.

(٣) الوسائل باب : ١٧ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ١٧ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

(٥) راجع الوسائل باب : ١٣ من أبواب نواقض الوضوء.

(٦) الوسائل باب : ١٢ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ٦.

٢٩٨

وكذا رطوبات [١] الفرج ، والدبر [٢] ، ما عدا البول والغائط. الرابع : الميتة من كل ما له دم سائل [٣] ، حلالا كان أو حراما.

______________________________________________________

[١] بلا خلاف ظاهر. ويدل عليه‌ صحيح إبراهيم بن أبي محمود : « سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن المرأة عليها قميصها أو إزارها يصيبه من بلل الفرج وهي جنب أتصلي فيه؟ قال (ع) : إذا اغتسلت صلت فيهما » (١).

[٢] بلا خلاف ظاهر. ويقتضيه ما‌ في مصحح زرارة المتقدم من قوله (ع) : « وكل شي‌ء خرج منك بعد الوضوء فإنه من الحبائل ، أو من البواسير ، وليس بشي‌ء فلا تغسله من ثوبك ، إلا أن تقذره » (٢)

[٣] إجماعا محصلا ومنقولا في الغنية ، والمعتبر ، والمنتهى ، والذكرى وكشف اللثام ، وعن نهاية الاحكام ، والتذكرة ، وكشف الالتباس وغيرها بل في المعتبر والمنتهى : انه إجماع علماء الإسلام. كذا في الجواهر. ويشهد له طوائف من النصوص [ منها ] : ما ورد في نزح البئر لموت الدابة‌ والفأرة‌ ، والطير‌ والحمامة‌ ، والحمار‌ ، والثور‌ ، والجمل‌ والسنور‌ والدجاجة‌ ، والشاة‌ ومطلق الميتة (٣) كصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « عن البئر تقع فيها الميتة. فقال : إن كان لها ريح نزح منها عشرون دلواً » (٤) وغيره.

نعم قد يشكل ذلك من جهة ما دل على عدم انفعال ماء البئر. لكنه يندفع : بأن الروايات المذكورة تدل على انفعاله وعلى نجاسة الميتة ، فاذا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٥ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ٢.

(٣) راجع الوسائل باب : ١٤ ، ١٥ ، ١٧ ، ١٨ ، ١٩ ، ٢١ ، ٢٢ ، ٢٣ من أبواب الماء المطلق.

(٤) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب الماء المطلق حديث : ١.

٢٩٩

______________________________________________________

قام دليل على عدم الانفعال تعين رفع اليد عن إحدى الدلالتين ، فتبقى الأخرى على حجيتها ، والتلازم بين الدلالتين وجوداً لا يوجب التلازم بينهما في الحجية ، فإن الخبرين المتعارضين مع سقوطهما عن الحجية في المدلول المطابقي باقيان على الحجية في نفي الدليل الثالث.

فان قلت إذا قام دليل على وجوب غسل الثوب عند ملاقاة البول ـ مثلا ـ وقام دليل آخر على عدم وجوب غسله عند ملاقاة البول ، لا يحكم بنجاسة البول لو بني على الأخذ بظاهر الدليل الثاني ، فما الفرق بينه وبين المقام؟! [ قلت ] : الفرق أن التفكيك بين نجاسة البول ونجاسة الثوب ممتنع عرفا فانتفاء أحد المدلولين يلازمه انتفاء الآخر ، فيكون التعارض في الدلالتين الالتزاميتين ، وليس كذلك في مثل ماء البئر ، فإن دليل طهارته عند ملاقاة النجاسة إنما يدل على اعتصامه في نفسه من تأثير النجاسة فيه ، فلا يدل بالالتزام على طهارة الشي‌ء الواقع في البئر ، كي يقع التعارض بين الدلالتين.

نعم قد يشكل الاستدلال المذكور بعدم ظهور أوامر النزح في كونه مطهراً ، لأن مطهرية النزح ليست موافقة للارتكاز العرفي ، فدلالة النصوص على نجاسة الماء من هذه الجهة لا تكون ظاهرة كي تلازمها الدلالة على نجاسة الميتة. فتأمل جيداً.

ومنها : ما ورد في السمن ، أو العسل ، أو الطعام ، أو الشراب ، تموت فيه الفأرة ، أو الجرذ ، أو الدابة ، أو تقع فيه الميتة ، من الأمر بإلقائها وما يليها ان كان جامداً ، والاستصباح به ان كان ذائباً. وفي المرق : من الأمر بإهراقه وغسل اللحم. فلاحظ صحاح معاوية بن وهب‌ ، وزرارة ابن أعين‌ ، والحلبي‌ ، وسعيد الأعرج‌ ، وموثق سماعة‌ ، وغيرها (١).

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٤٣ من أبواب الأطعمة المحرمة. وقد ذكر بعضها في باب : ٥ من أبواب الماء المضاف ، وبعضها في باب : ٣٥ من أبواب النجاسات. وباب : ٦ من أبواب ما يكتسب به.

وتعشر على أمثالها في نفس الأبواب.

٣٠٠