مستمسك العروة الوثقى - ج ١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦١١

والأقوى الصحة. هذا إذا أمكنه الإزالة وأما مع عدم قدرته مطلقاً أو في ذلك الوقت فلا إشكال في صحة صلاته [١]. ولا فرق في الاشكال في الصورة الأولى بين أن يصلي في ذلك المسجد أو في مسجد آخر [٢]. وإذا اشتغل غيره بالإزالة لا مانع من مبادرته إلى الصلاة قبل تحقق الإزالة [٣].

[ مسألة ٥ ] : إذا صلى ثمَّ تبين له كون المسجد نجساً كانت صلاته صحيحة [٤]. وكذا إذا كان عالما بالنجاسة ، ثمَّ غفل ، وصلى. وأما إذا علمها أو التفت إليها في أثناء‌

______________________________________________________

أوضحناها في تعليقتنا حقائق الأصول. فراجع.

[١] لأن العجز مانع عن الأمر بالمبادرة إلى الإزالة ، فلا مجال لتوهم المنع عن الصلاة.

[٢] لتحقق التضاد ، الموجب لورود الاشكال السابق.

[٣] لتحقق امتثال الواجب الكفائي بفعل غيره فلا مزاحمة. نعم لو كان ترك المعاونة له مفوتاً للفورية العرفية جاء الاشكال السابق ، لتحقق التزاحم حينئذ بين وجوب المعاونة ووجوب الصلاة.

[٤] لا اشكال فيه ظاهراً. إذ لا قصور في صلاته لتماميتها في نفسها ووقوعها على وجه العبادة. ومجرد وجود المفسدة فيها ـ بناء على كونها منهياً عنها ـ لا يمنع من صحة التعبد بها ، واستحقاق الثواب على فعلها ، بعد جهله بالنهي المانع من حصول البعد بمخالفته [ وبالجملة ] : بعد ما كانت الصلاة تامة الاجزاء والشرائط ومأتيا بها على وجه العبادة ، وصلاحية الفعل للمقربية ، وصلاحية الفاعل للتقرب ، لا موجب للبطلان.

فان قلت : إذا كان مبنى القول بالبطلان على تقدير الالتفات‌

٥٠١

الصلاة ، فهل يجب إتمامها ثمَّ الإزالة ، أو إبطالها والمبادرة إلى الإزالة؟! وجهان ، أو وجوه ، والأقوى وجوب الإتمام [١].

______________________________________________________

هو تقديم جانب النهي ، فلازم ذلك كون ترك الصلاة أرجح من فعلها ، وعدمها أولى من وجودها ، فكيف يمكن التقرب بفعلها؟ وهل يمكن التقرب بالمرجوح؟ [ قلت ] : لا ريب في بناء العقلاء على استحقاق الثواب بمجرد الانقياد الى المولى بفعل ما يعتقد محبوبيته ، وان كان مبغوضاً ، فالبغض الواقعي لا يكون مانعاً من الانقياد ، الذي هو سبب القرب إلى المولى ، واستحقاق ثوابه. وإنما يكون مانعاً إذا كان معلوما للعبد ، على نحو يكون الفعل مبعداً عن المولى ، لكونه تمردا عليه. ولذا أفتوا بصحة الصلاة مع الجهل بالغصب ، حتى بناء على القول بالامتناع وتقديم جانب النهي. وكذا مع النسيان وسائر الأعذار المانعة من صحة العقاب على الفعل المبغوض. وتحقيق ذلك في مبحث جواز اجتماع الأمر والنهي وامتناعه. فراجع.

[١] علله المصنف [ ره ] في مبحث عدم جواز قطع الفريضة : بأن دليل الفورية قاصر الشمول عن مثل المقام ، فدليل حرمة القطع بلا مزاحم ويشكل : بأن دليل الفورية عين دليل وجوب الإزالة ، لأن دليل وجوب الإزالة مرجعه إلى النهي عن وجود النجاسة في المسجد بنحو الطبيعة السارية التي لا فرق فيها بين زمان وآخر. نظير ما دل على وجوب الاجتناب عن النجس وغيره من المحرمات فاذا كان دليل الإزالة شاملا للمقام ، كان دليلا على الفورية أيضاً.

وقد يعلل ما في المتن : بأنه مقتضى استصحاب وجوب الإتمام وحرمة القطع. وفيه : أن الشك في المقام ليس في وجوب الإتمام ، للعلم بتحقق مناطه ، وانما الشك في تقديمه في نظر العقل على وجوب الإزالة لأهمية ملاكه أو تأخيره عنه لضعف ملاكه ، أو التخيير بينهما لتساويهما في الملاك ، فالشك‌

٥٠٢

[ مسألة ٦ ] : إذا كان موضع من المسجد نجساً ، لا يجوز تنجيسه ثانياً بما يوجب تلويثه [١]. بل وكذا مع‌

______________________________________________________

في الحكم العقلي للشك في مناطه. نعم كان الإتمام واجباً تعيينياً في نظر العقل قبل الالتفات إلى النجاسة. لكن مثل هذا الحكم العقلي ليس مجرى للاستصحاب.

ولا فرق في ذلك بين صورة وقوعها في الأثناء والالتفات إليها ، وصورة وقوعها قبل الصلاة والالتفات إليها قبل الصلاة ثمَّ الغفلة والشروع في الصلاة ثمَّ الالتفات إليها في الأثناء ، وصورة وقوعها قبل الصلاة وعدم الالتفات إليها إلا في الأثناء ، فإن الجميع مشتركة في توقف العقل عن الحكم بوجوب القطع والإزالة أو وجوب الإتمام ، أو التخيير بينهما حين الالتفات إليها في الأثناء والابتلاء بالمزاحم. ومثلها صورة الالتفات إليها قبل الصلاة والشروع فيها عمدا ، فإنه بعد البناء على صحة الصلاة يقع الإشكال في وظيفة المكلف أيضاً عقلا من حيث وجوب الإتمام وترك الإزالة ، أو القطع والإزالة ، أو التخيير بينهما لعدم علمه بالمناط.

وقد يعلل أيضاً : بأن مناط حرمة القطع أقوى من مناط وجوب الفورية في الإزالة. وفيه : أنه غير ظاهر.

هذا والمتعين وجوب الإزالة وترك الإتمام ، لأن العمدة في الدليل على حرمة قطع الفريضة هو الإجماع ، والقدر المتيقن منه غير مثل المقام ، مما كان القطع فيه بداعي فعل واجب.

[١] قد تقدم ـ في مسألة أن المتنجس لا يتنجس ثانيا ـ احتمال كون المتنجس يتنجس ثانياً ، وأن التداخل في المزيل لا في المزال. وعليه فحرمت التلويث في محلها. أما بناء على ما هو ظاهرهم من كون التداخل في المزال ، فلا يظهر وجه لحرمة التلويث ، إلا بناء على حرمة إدخال النجاسة‌

٥٠٣

عدم التلويث إذا كانت الثانية أشد وأغلظ من الأولى [١]. وإلا ففي تحريمه تأمل ، بل منع [٢] ، إذا لم يستلزم تنجيسه ما يجاوره من الموضع الطاهر. لكنه أحوط.

[ مسألة ٧ ] : لو توقف تطهير المسجد على حفر أرضه جاز ، بل وجب [٣]. وكذا لو توقف على تخريب شي‌ء‌

______________________________________________________

غير المتعدية إلى المسجد إذا كانت ملوثة ، كما يقتضيه إطلاق الآية الشريفة مع عدم مخرج عنها من سيرة أو نحوها ، وان لم يحصل الهتك من مجرد التلويث. لكنه على إطلاقه ممنوع.

[١] لأن التنجيس المحرم ملحوظ بنحو الطبيعة السارية في الافراد والمراتب بقرينة الارتكاز العرفي.

[٢] هذا إذا بنينا على ما هو ظاهرهم من كون التداخل في الأثر لا في المزيل ، وإلا ـ كما تقدم احتماله ـ فالبناء على التحريم في الفرض في محله.

[٣] كأنه لإطلاق دليل وجوب إزالة النجاسة عن المسجد. لكن يزاحمه ما دل على حرمة تخريب المسجد. اللهم إلا أن يقال : حرمة تخريب المسجد تختص بما إذا لم يكن لمصلحة المسجد ، كالتوسعة ، واحداث باب ونحوهما مما يترتب عليه مصلحة عامة ، وفي الجواهر : أنه لا ريب في جواز ذلك. وتطهير المسجد من هذا القبيل ، فلا مزاحم لما دل على وجوب إزالة النجاسة عنه. [ وفيه ] : أن المراد بالمصلحة المسوغة للتخريب الفائدة العائدة إلى المترددين ، والطهارة ليست منها ، ومجرد الوجوب لا يقتضي ذلك فالتزاحم بحاله. وحينئذ فالبناء على وجوب التخريب ـ بحفر الأرض ، وهدم العمارة ، ونحوهما ـ يتوقف على إحراز أهمية الإزالة بالنسبة اليه ، أو احتمال أهميتها من دون احتمال أهمية مفسدة التخريب ، وهو غير ظاهر كلية ، ومقتضى ذلك جواز كل من الأمرين. نعم تمكن دعوى أهمية الإزالة‌

٥٠٤

منه. ولا يجب طم الحفر وتعمير الخراب [١]. نعم لو كان مثل الآجر مما يمكن رده [٢] بعد التطهير وجب [٣].

______________________________________________________

في الحفر والهدم إذا كانا يسيرين.

هذا مع الغض عن المناقشة في إطلاق دليل وجوب الإزالة الشامل للنجس والمتنجس ، وإلا فقد عرفت المناقشة في ذلك ، وأن العمدة الإجماع وعليه إذا شك يرجع إلى أصالة البراءة ، ويكون دليل حرمة التخريب بلا مزاحم ولا معارض.

هذا كله إذا لم يوجد باذل لتعميره. وأما لو وجد الباذل فلا ينبغي التأمل في وجوب الإزالة والتخريب ، لأهمية وجوب الإزالة. واحتمال عدم وجوب الإزالة في الفرض ، وانتفاء ملاكه ، بعيد جدا ، لا يعتد به في قبال إطلاق معاقد الإجماع.

[١] لأصالة البراءة. وقاعدة الضمان بالإتلاف غير جارية في المقام ، لا من جهة أن الوجوب ينافي الضمان ، لمنع ذلك ، ولذا يجب أكل طعام غيره عند المخمصة مع الضمان ، بل لاختصاص الضمان بصورة الإتلاف لا لمصلحة ذي المال ، وفي المقام إنما يكون الإتلاف لمصلحة المسجد.

[٢] يعني : الى المسجد.

[٣] كأنه لما ورد في وجوب رد ما أخذ من الحصى والتراب من البيت. ففي رواية معاوية : « أخذت سكا من سكاك المقام ، وترابا من تراب البيت وسبع حصيات. فقال (ع) : بئس ما صنعت أما التراب والحصى فرده » (١) وقريب منها غيرها. لكن استفادة المقام منها غير ظاهرة ، فان موردها الأخذ المحرم ، بخلاف المقام ، فاحتمال عدم وجوب رده إذا لم يستلزم تضييعاً للوقف أنسب بالقواعد. إلا أن يكون إجماع.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب أحكام المساجد حديث : ٢.

٥٠٥

[ مسألة ٨ ] : إذا تنجس حصير المسجد وجب تطهيره [١] ، أو قطع موضع النجس منه ، إذا كان ذلك أصلح من إخراجه وتطهيره [٢] ، كما هو الغالب.

[ مسألة ٩ ] : إذا توقف تطهير المسجد على تخريبه أجمع كما إذا كان الجص الذي عمر به نجساً ، أو كان المباشر للبناء كافرا ـ فان وجد متبرع بالتعمير بعد الخراب جاز ، وإلا فمشكل [٣].

[ مسألة ١٠ ] : لا يجوز تنجيس المسجد الذي صار خرابا [٤] وان لم يصل فيه أحد ، ويجب تطهيره إذا تنجس.

______________________________________________________

[١] وكذا آلاته. ذكره كثير ، ولم ينقل فيه خلاف ، بل عن مجمع البرهان والمدارك ما يشعر بالاتفاق عليه. وكأنه للبناء على المنع من إدخال النجاسة غير المتعدية إذا كانت من هذا القبيل ، كما يقتضيه إطلاق الآية الشريفة من دون مخرج عنه ، من سيرة أو غيرها ، لاختصاصهما ـ على تقدير ثبوتهما ـ بغير ذلك. لكن يشكل ذلك هنا بما عرفت من اختصاص الآية بالنجاسة العينية فلا تشمل المتنجس. مضافا الى أن غاية ما تقتضيه الآية حرمة التنجيس ما دام في المسجد فإذا أخرج من المسجد لا يجب تطهيره. نعم لو ثبت وجوب رده وجب تطهيره حينئذ ، فرارا من لزوم إدخال النجاسة الى المسجد.

[٢] وحينئذ يتعين.

[٣] قد عرفت أن المنع أظهر.

[٤] فإن المعروف عدم بطلان مسجديته بالخراب. بل الظاهر أنه لا خلاف فيه بيننا. نعم عن بعض العامة : أنه يرجع ملكا للواقف ، قياساً‌

٥٠٦

______________________________________________________

على ما لو أخذ السيل ميتا. فإنه يرجع كفنه الى ملك الوارث. لكنه قياس مع الفارق ، فإن الثاني تكليف يسقط بذهاب موضوعه ، والثاني وضع باق ببقاء موضوعه ، وهو الأرض وان خربت. وقد ذكرنا في كتابنا نهج الفقاهة أقسام الوقف ، واختلاف أحكامها ، وأن وقف المساجد قسم برأسه ليس الوقف فيه على غاية معينة من صلاة أو عبادة ، حتى يبطل بالخراب ، لفوات الجهة المقصودة ، وانما الوقف فيه لحفظ عنوان خاص ، وهو عنوان المسجدية ، والخراب لا يستوجب فواته ، لعدم الدليل عليه ، والأصل يقتضي بقاءه.

لكن في المسالك : « هذا في غير المبنى في الأرض المفتوحة عنوة ، حيث يجوز وقفها تبعاً لآثار التصرف ، فإنه ينبغي حينئذ بطلان الوقف بزوال الآثار ، لزوال المقتضي للاختصاص ، وخروجه عن حكم الأصل ... » وفيه : أن الملك آناً ما ـ ولو تبعاً للآثار ـ يكفي في صحة الوقف ، وإذا صح كان مؤبدا ولو للاستصحاب. نعم يقع الإشكال في ثبوت الملكية. ولو تبعا للآثار ، فإنه لا دليل عليه ، كما أشرنا الى ذلك في نهج الفقاهة. وحينئذ يشكل أصل وقفها مسجدا ، لعدم الدليل على صحة التصرف فيها بذلك ، وان ادعى شيخنا في الجواهر في كتاب الوقف السيرة القطعية على اتخاذ المساجد فيها. بل المعلوم من الشرع جريان أحكام المساجد على مساجد العراق ونحوه من البلاد المفتوحة عنوة ، وان كان [ قده ] في كتاب البيع حكى عن المبسوط وغيره المنع من التصرف فيها ، حتى ببنائها مساجد وسقايات ، وأنه لو تصرف بذلك أو غيره كان باطلا ، وهو الذي تقتضيه القواعد الأولية. والسيرة لم تثبت في مورد علم بأن أرض المسجد مما كان عامرا حين الفتح ، وأنه لم يخرج عن ملك المسلمين ولو ببيع السلطان ، وأنه لم يكن ذلك التصرف بإذنه. وليس التصرف فيها بجعلها مسجداً إلا‌

٥٠٧

[ مسألة ١١ ] : إذا توقف تطهيره على تنجيس بعض المواضع الطاهرة لا مانع منه إن أمكن إزالته بعد ذلك [١] ، كما إذا أراد تطهيره بصب الماء واستلزم ما ذكر.

[ مسألة ١٢ ] : إذا توقف التطهير على بذل مال وجب [٢]. وهل يضمن من صار سبباً للتنجس؟ وجهان ، لا يخلو ثانيهما من قوة [٣].

______________________________________________________

كسائر التصرفات التي ذكروا أنها لا تجوز في أرض المسلمين إلا بالاذن من وليهم ، كبنائها دورا ومنازل وسقايات ونحو ذلك ، والسيرة في جميع ذلك لم تثبت بنحو يخرج بها عن القواعد.

[١] لوجوب ارتكاب أقل المحذورين عند التزاحم.

[٢] لإطلاق الدليل. إلا أن يكون ضرراً أو حرجا ، فيرتفع بما دل على نفي الضرر ، أو الحرج [١].

[٣] لأن التسبيب الموجب للضمان يختص بما يكون الإتلاف فيه مستنداً ـ عرفا ـ الى السبب ، لا الى المباشر ، بأن كان المباشر غير مختار في الإتلاف. كما لو وضع كأس غيره الى جنب نائم فانقلب عليه فكسره ، فان الضمان على واضع الكأس لا على النائم المباشر ، وليس المقام من هذا القبيل ، بل من باب إحداث الداعي إلى بذل المال بإزاء عمل مقصود ، وان كان قصده بتوسط السبب ، وفي مثله لا مجال للضمان ، كما يظهر من ملاحظة النظائر. فإذا وجد الشخص الزاد والراحلة وكان مديوناً بدين مانع من الاستطاعة ، فإذا أبرأه الدائن من الدين لا يكون ضامناً لما يصرفه في طريق الحج.

__________________

(١) تقدمت الإشارة إليه في تعاليق مسألة : ٤٣ من مباحث الاجتهاد والتقليد ، ومسألة : ١٠ من الفصل المتعرض فيه لأحكام ماء البئر.

٥٠٨

[ مسألة ١٣ ] : إذا تغير عنوان المسجد ، بأن غصب وجعل داراً أو صار خراباً ، بحيث لا يمكن تعميره ولا الصلاة فيه ، وقلنا بجواز جعله مكاناً للزرع [١] ، ففي جواز‌

______________________________________________________

[١] حكى شيخنا الأعظم [ ره ] في مكاسبه عن بعض الأساطين (١) : أنه مع اليأس من الانتفاع به يؤجره الحاكم ، ويصرف منفعته فيما يماثله من الأوقاف ، مقدما للأقرب والأحوج والأفضل احتياطا ... إلخ ، وذكر [ ره ] في كشف الغطاء : « أن جميع الأوقاف العامة ـ من مساجد ومدارس ومقابر وربط ـ إذا خربت وتعطلت جاز للحاكم إيجارها لوضع آخر ».

وفيه : أنه يتم في مثل المدارس ونحوها مما يكون الخراب فيه موجباً لبطلان الوقف ، فإنه إذا بطل بقي أصل التصدق بها على حاله ، فتكون تحت ولاية الولي العام ذاتاً ومنفعة ، وتكون منفعتها معنونة بعنوان الصدقة تبعاً لها ، فيصح للحاكم الشرعي إيجارها كما يصح له بيعها. أما مثل المساجد مما لا يكون الخراب موجباً لبطلان وقفها فيشكل : بأن منافعها قد أهملها الواقف ، ولم يجعلها معنونة بعنوان الصدقة تبعاً لها كي تكون تحت ولاية الحاكم. ولذا لا يصح له إجارتها في حال عمرانها ، إذا لم تكن الإجارة مزاحمة للوقف ، كأن يؤجرها في الليل أو في غيره من الأوقات التي لا ينتفع بها في الجهة المقصودة ، إذ لو كانت المنفعة مقصودة للواقف وجب على الحاكم الشرعي استيفاؤها ، والاحتفاظ بها ، كغيرها مما يكون تحت ولايته. ومن ذلك يظهر أنه لا تجوز إجارة مثل المدارس العامرة المشغولة بأهل العلم في الأوقات التي لا ينتفع بها ، مثل أيام التعطيل أو في أيام الاشتغال بنحو لا يزاحم الطلبة.

كما أن من ذلك يظهر أنه لو غصب المسجد أو بعض المدارس العامرة‌

__________________

(١) كاشف الغطاء قدس‌سره.

٥٠٩

تنجيسه وعدم وجوب تطهيره ـ كما قيل ـ إشكال [١] ، والأظهر عدم جواز الأول [٢] ، بل وجوب الثاني أيضاً [٣].

______________________________________________________

أو خانات الزوار غاصب لا يكون ضامناً ، لأن الضمان يتوقف على اعتبار مضمون له ، والمنافع المستوفاة للغاصب لم تكن ذات عنوان ، مثل كونها ملكا لمالك ، أو صدقة ، أو نحو ذلك ، كي يقوم البدل مقامها في ذلك ، ويصح اعتبار الضمان لها. وقد أشرنا في نهج الفقاهة إلى أقسام الوقف ، واختلافها في الاحكام من حيث إرث الوارث ، وجواز المعاوضة عليها ، وثبوت الضمان باستيفائها على غير وجهها وغير ذلك. فراجع.

هذا كله في إجارة الحاكم الشرعي. وأما جواز نفس التصرف فيه يجعله مزرعة أو نحو ذلك مما لا يعلم منافاته للمسجدية فالظاهر أنه لا بأس به لأصالة البراءة. اللهم إلا أن يبني على أصالة حرمة التصرف في الأموال إلا أن تعلم الاذن فيه ، كما تدل عليه بعض الروايات (١) الضعيفة السند غير المجبورة بعمل‌. بل لو لا ذلك لم يبعد القول بذلك في المساجد العامرة مع عدم المزاحمة للمترددين. فلاحظ.

[١] كأنه ينشأ من أن تعذر الصلاة فيه مانع من صدق المسجدية ، فإن المسجدية وإن كانت من الملكات ، إلا أن صدقها يتوقف على الاعداد وهو لا يكون مع تعذر الفعلية.

[٢] لما عرفت من أن المسجدية من الاعتبارات القائمة بالمكان ، التي يكفي فيها مجرد الصلاحية ، ولا تتوقف على الاعداد بوجه. فهي كالزوجية التي لا يتوقف اعتبارها على اعداد الاستمتاع.

[٣] لما عرفت من اتحاد الدليل على الحكمين ، فإطلاقه يقتضي ثبوتهما معاً. اللهم إلا أن يدعى الانصراف عن مثل المقام ، فيتعين الرجوع الى‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب الأنفال حديث : ٢.

٥١٠

[ مسألة ١٤ ] : إذا رأى الجنب نجاسة في المسجد ، فإن أمكنه إزالتها بدون المكث في حال المرور وجب المبادرة إليها [١] ، وإلا فالظاهر وجوب التأخير إلى ما بعد الغسل [٢].

______________________________________________________

الأصول ، ومقتضى الاستصحاب حرمة التنجيس. وأما وجوب التطهير فلما كان استصحابه من الاستصحاب التعليقي ، وحجيته محل إشكال ـ كما عرفت في مبحث حرمة العصير الزبيبي ـ فالمرجع فيه أصالة البراءة. لكنه لا يتم فيما لو كانت النجاسة موجودة فيه قبل طروء الخراب ، فان استصحاب وجوب التطهير منها تنجيزي. ولا فيما لو كان الخراب قبل البلوغ ، فان استصحاب عدم حرمة التنجيس فيه محكم ، والانصاف يقتضي تعين الرجوع الى الأصول ، إذ لا إطلاق واضح الشمول للمورد ، لاختصاص الآية الشريفة بالمسجد الحرام ، والعموم لغيره كان بالإجماع والمتيقن من معقده غير المقام.

[١] بلا إشكال فيه في غير المسجدين. أما فيهما فالحكم كما لو توقف التطهير على المكث في غيرهما.

[٢] فان المقام من باب تزاحم حرمة المكث ووجوب الإزالة ، والحكم في باب التزاحم لزوم العمل على الأهم لو كان ، والتخيير مع التساوي. والظاهر أهمية حرمة المكث بملاحظة أدلة حرمته ، لا أقل من احتمال الأهمية الذي هو كالعلم بالأهمية في لزوم الترجيح عقلا ، للدوران بين التعيين والتخيير الموجب للاحتياط عقلا ، فلا يجوز التطهير وهو جنب. بل تجب عقلا المبادرة إلى الغسل لغاية من غاياته. ثمَّ التطهير. ولا يجب شرعا ، لأن التطهير لا يتوقف على الغسل ، لإمكان تحقق التطهير من الجنب ، وإنما يجب الغسل عقلا من باب لزوم الجمع بين الغرضين. ونظيره وجوب استيجار الراحلة للمستطيع ، فان وجوبه ليس غيرياً ، لعدم كونه مقدمة للحج ، فان‌

٥١١

لكن يجب المبادرة إليه حفظا للفورية بقدر الإمكان. وان لم يمكن التطهير إلا بالمكث جنباً فلا يبعد جوازه ، بل وجوبه [١]. وكذا إذا استلزم التأخير الى أن يغتسل هتك حرمته.

[ مسألة ١٥ ] : في جواز تنجيس مساجد اليهود والنصارى اشكال [٢]

______________________________________________________

الحج يصح من قاطع المسافة ولو بنحو الغصب ، وانما يجب عقلا من باب لزوم الجمع بين غرضي الشارع الأقدس في تحريم الغصب ووجوب الحج. ولو فقد الماء وجبت المبادرة إلى التيمم لغاية يشرع لها ، ثمَّ التطهير.

هذا وربما يقال : إن الكون في المسجد لما كان مستحبا في كل آن فاذا لم يمكن الغسل في الآن الأول ، لاحتياج إيقاعه إلى زمان أكثر من زمان التيمم ، يشرع التيمم لغاية الكون في الآن الأول ، وإن كان واجدا للماء ، فاذا تيمم وجب عليه الدخول في المسجد وتطهيره ، فلا يتوقف جواز التطهير على الغسل بل يجب فيه التيمم إذا كان زمانه أقصر [ وفيه ] : أن مشروعية التيمم في مثل ذلك غير ثابتة ، بل معلومة الانتفاء ، وإلا لجاز التيمم للجنب ، ودخول المساجد مع وجود الماء في خارج المساجد والتمكن من استعماله.

[١] كأنه لأهمية إزالة النجاسة الباقية لو لم تزل بالنسبة إلى المكث. ومثله ما بعده.

[٢] ينشأ من كونها مساجد حقيقية وان سميت عندهم باسم آخر. ومن عدم إطلاق لدليل الحكم ، كي يتمسك به لتعميم الحكم لها ، لاختصاص الآية الشريفة بالمسجد الحرام ، والإجماع على التعدي منه غير ثابت فيما نحن فيه. اللهم إلا أن يقال : إن المسجد الحرام ، والمسجد الأقصى ، ومسجد الكوفة ، ليست من المساجد الحادثة في زمان شريعتنا المقدسة ، بل هي قديمة ، ولا مجال للتفكيك بينها وبين غيرها من المساجد القديمة المستحدثة‌

٥١٢

وأما مساجد المسلمين فلا فرق فيها بين فرقهم [١].

[ مسألة ١٦ ] : إذا علم عدم جعل الواقف صحن المسجد أو سقفه أو جدرانه جزءاً من المسجد لا يلحقه الحكم ، من وجوب التطهير ، وحرمة التنجيس [٢]. بل وكذا لو شك‌

______________________________________________________

في شريعة موسى وعيسى عليهما‌السلام فيلزم تعميم الحكم للجميع [ وفيه ] : أنه لا يراد التفكيك بين الافراد ، وانما يراد التفكيك بين الأحوال ، يعني حال كونها مساجد وكونها بيعاً أو كنائس أو نحو ذلك ، فإنه لا إطلاق في الدليل يشمل الحالين ، فالرجوع في الثانية إلى الأصل النافي متعين وأوضح في ذلك المساجد المستحدثة لليهود في زمان شريعة عيسى عليه‌السلام وللنصارى في أيام شريعتنا ، لإمكان كون وقفها باطلا ، لأنها موقوفة على العبادة الباطلة. لكن عرفت أن وقف مثل ذلك ليس على العبادة بل لمجرد حفظ عنوان خاص ، وملاحظة العبادة ـ صحيحة كانت أو باطلة ـ أمر خارج عنه.

اللهم إلا أن يقال إثبات هذا المعنى في وقف البيع والكنائس كلية غير واضح ، لإمكان كونها من قبيل وقف الحسينيات في هذا العصر ، أو وقف المصلى. ولو كانت موقوفة بقصد المسجدية لكان اللازم على المسلمين ترتيب أحكام المساجد عليها في جميع البلاد المفتوحة. والظاهر خلاف ذلك إلا في موارد خاصة معدودة لا غيرها.

[١] بلا إشكال.

[٢] لعدم المقتضي ، وعدم الدليل ، بل الظاهر أنه إجماع. والفرق بين المقام وفراش المسجد : أن تنجيس الفراش إدخال للنجاسة الى المسجد لأن الفضاء الذي يشغله الفراش جزء من المسجد ، وليس كذلك المقام ، لأن خرجها عن المسجدية بمعنى خروج الفضاء الذي تشغله عن المسجدية.

٥١٣

في ذلك [١] ، وان كان الأحوط اللحوق.

[ مسألة ١٧ ] : إذا علم إجمالا بنجاسة أحد المسجدين ، أو أحد المكانين من مسجد ، وجب تطهيرهما [٢].

[ مسألة ١٨ ] : لا فرق بين كون المسجد عاما أو خاصاً. وأما المكان الذي أعده للصلاة في داره فلا يلحقه الحكم [٣].

[ مسألة ١٩ ] : هل يجب اعلام الغير إذا لم يتمكن من الإزالة؟ الظاهر العدم [٤] إذا كان مما لا يوجب الهتك ، وإلا فهو الأحوط.

______________________________________________________

[١] للأصل. إلا إذا علم أو احتمل منع المالك عن التنجيس على تقدير كونه ملكا. لكن يبقى وجوب التطهير بلا مقتض ، إذ الأصل البراءة. هذا إذا لم تكن أمارة على المسجدية ، وإلا تعين العمل عليها.

[٢] لقاعدة الاحتياط اللازم ، من جهة العلم الإجمالي بالتكليف.

[٣] لعدم كونه مسجداً ، ولا خارجاً عن الملكية. وفي خبر علي ابن جعفر (ع) عن أخيه (ع) : « عن رجل كان له مسجد في بعض بيوته أو داره هل يصلح له أن يجعله كنيفاً؟ قال (ع) : لا بأس » (١) ، ونحوه صحيح البزنطي (٢) المروي في مستطرفات السرائر‌

. [٤] كأنه للأصل. لكن مقتضى إطلاق النهي في الآية الشريفة وجوب الإزالة ولو بنحو التسبيب ، فاذا علم بترتب الإزالة على الاعلام وجب مقدمة لها ، وقد سبق منه [ قده ] وجوب بذل المال إذا توقف عليه تطهير المسجد ، ولو كان من قبيل الأجرة على التطهير ، فكيف لا يجب الاعلام إذا علم بالإزالة على تقدير الاعلام؟ [ وبالجملة ] : بعد ما كان تطهير‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب أحكام المساجد حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب أحكام المساجد حديث : ٤.

٥١٤

[ مسألة ٢٠ ] : المشاهد المشرفة كالمساجد في حرمة التنجيس [١] ، بل وجوب الإزالة إذا كان تركها هتكا ، بل مطلقاً على الأحوط. لكن الأقوى عدم وجوبها مع عدمه [٢].

______________________________________________________

المسجد لا تجب فيه المباشرة ، وأنه يجب فيه الاستنابة ، لا مجال للتشكيك في وجوب الاعلام إذا علم بترتب الإزالة عليه. وكذا الحكم لو احتمل ذلك لأن الشك في القدرة على الامتثال موجب للاحتياط عقلا. نعم لو علم بعدم ازالة غيره للنجاسة على تقدير اعلامه ، فلا موجب للاعلام ، للأصل. وكذا الحكم فيما يوجب الهتك.

[١] كذا ذكر جماعة ، بل لعله لا خلاف فيه ظاهراً ، لوجوب تعظيمها وعدم وجوب جمع افراد التعظيم لا ينافي ذلك ، إذ التنجيس مناف للتعظيم بجميع أفراده. إلا أن يمنع وجوب التعظيم ـ ولو في الجملة ـ لعدم وضوح دليل عليه. بل السيرة القطعية على خلافه في الجملة فالعمدة إذاً ما دل على حرمة المهانة لها ، كما تقتضيه مرتكزات المتشرعة التي هي نظير السيرة العملية لهم ، يصح الاعتماد عليها في إثبات الحكم الشرعي. لكن عليه يدور الحكم في حرمة التنجيس ، ووجوب التطهير مدار صدق المهانة وعدمها ، ومن ذلك يشكل الفرق بين حرمة التنجيس ووجوب التطهير ، لأن ما يكون إحداثه مهانة يكون بقاؤه كذلك ، لعدم الفارق بين الحدوث والبقاء. إلا أن يكون التشكيك في حرمة مهانتها ومبغوضيتها مطلقاً ، والمتيقن خصوص الاحداث دون البقاء ، فإنه الذي يساعده مرتكزات المتشرعة ، وهذا هو الأقرب. ثمَّ إن حصول المهانة في النجاسة اليسيرة لا يخلو من اشكال ، فعموم الحكم حينئذ مشكل.

[٢] أما معه فلا اشكال ، للعلم بمبغوضيته ، ولزوم صيانتها عنه ، من غير فرق بين الحدوث والبقاء.

٥١٥

ولا فرق فيها بين الضرائح وما عليها من الثياب ، وسائر مواضعها [١] ، إلا في التأكد وعدمه [٢].

[ مسألة ٢١ ] : تجب الإزالة عن ورق المصحف الشريف ، وخطه بل عن جلده وغلافه ، مع الهتك [٣]. كما أنه معه يحرم مس خطه أو ورقه بالعضو المتنجس ، وان كان‌

______________________________________________________

[١] لاطراد الدليل في الجميع على نهج واحد.

[٢] فان الحكم فيما هو أقرب آكد منه في الأبعد.

[٣] بلا إشكال ، إذ من المعلوم ضرورة لدى المتشرعة وجوب صيانته عن ذلك ، وفي خبر إسحاق بن غالب في القرآن « فيقول الجبار عز وجل : وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني ، لأكرمن اليوم من أكرمك ، ولأهينن من أهانك » (١) وفي رواية أبي الجارود : « قال رسول الله (ص) : أنا أول وافد على العزيز الجبار يوم القيامة ، وكتابه ، وأهل بيتي ثمَّ أمتي ثمَّ أسألهم ما فعلتم بكتاب الله تعالى وأهل بيتي » (٢). فتأمل.

وأما إذا لم يحصل الهتك ففي وجوب ذلك إشكال. إلا أن يستفاد من قوله تعالى ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (٣) فإنه وان كان مورده الطهارة من الحدث ـ بقرينة نسبتها الى الماس ، لا العضو الممسوس به ـ إلا أنه يمكن استفادة المقام بالأولوية [ وتوهم ] : اختصاص الآية بفعل الإنسان نفسه ، ولا تقتضي المنع من تحقق المس من غيره ، فلا تدل على وجوب الإزالة لو تحققت النجاسة [ مندفع ] : بأن الظاهر من إطلاق الآية عموم المنع ، لعدم تقييد موضوع الخطاب بفعل المخاطب نفسه. لكن ذلك‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب قراءة القرآن حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب قراءة القرآن حديث : ٢.

(٣) الواقعة : ٧٩.

٥١٦

متطهراً من الحدث. وأما إذا كان أحد هذه بقصد الإهانة فلا إشكال في حرمته [١].

[ مسألة ٢٢ ] : يحرم كتابة القرآن بالمركب النجس [٢] ، ولو كتب جهلا أو عمداً وجب محوه. كما أنه إذا تنجس خطه ، ولم يمكن تطهيره ، يجب محوه.

[ مسألة ٢٣ ] : لا يجوز إعطاؤه بيد الكافر [٣] ، وإن كان في يده يجب أخذه منه.

[ مسألة ٢٤ ] : يحرم وضع القرآن على العين النجسة [٤] ،

______________________________________________________

يجري بالنسبة إلى خطه. ومنه يظهر الوجه في حرمة مس خطه بالعضو المتنجس. وأما مس ورقه فغير ظاهر ، إذ لا يستفاد من الآية ، ولا فيه هتك ولا فيه مهانة.

هذا ولكن في ثبوت الأولوية بالنسبة إلى الخبث إشكال ، ومقتضى الأصل العدم. والحال في الورق أوضح.

[١] بل قد يؤدي الى الارتداد إذا كان عن استهانة بالدين. أما إذا كان بقصد الإهانة لخصوص الشخص المعين من القرآن لا غير ، فليس إلا الحرمة.

[٢] لما تقدم من إمكان استفادته من الآية الشريفة ، فإنه وان لم يكن فيه ماس وممسوس ، لكن المناط موجود فيه بنحو آكد ، وان كان لا يخلو من إشكال ، كما عرفت. وكذا الحكم في الفرع الآتي.

[٣] لا يخلو من اشكال إذا لم يستلزم هتكا ، ولا مهانة. وكذا وجوب أخذه منه. نعم إذا كان وضع يده عليه يقتضي مس خطه بعضو منه ، كان تحريم إعطائه ووجوب أخذه مبنيا على ما عرفت من حرمة مماسة النجس له.

[٤] الكلام فيه هو الكلام في المسألة السابقة.

٥١٧

كما أنه يجب رفعها عنه إذا وضعت عليه وإن كانت يابسة.

[ مسألة ٢٥ ] : يجب إزالة النجاسة عن التربة الحسينية [١] ، بل عن تربة الرسول وسائر الأئمة ـ صلوات الله عليهم ـ المأخوذة من قبورهم ، ويحرم تنجيسها. ولا فرق في التربة الحسينية بين المأخوذة من القبر الشريف أو من الخارج إذا وضعت عليه بقصد التبرك ، والاستشفاء [٢]. وكذا السبحة والتربة المأخوذة بقصد التبرك لأجل الصلاة.

[ مسألة ٢٦ ] : إذا وقع ورق القرآن أو غيره من المحترمات في بيت الخلاء أو بالوعته وجب إخراجه ولو بأجرة [٣].

وان لم يمكن فالأحوط والاولى سد بابه. وترك التخلي فيه‌

______________________________________________________

[١] لما عن التنقيح من أنه ورد متواتراً وجوب تعظيمها وترك الإزالة مناف للتعظيم. هذا ولكن الذي عثرنا عليه من النصوص (١) مما تضمن الأمر بتعظيمها والنهي عن الاستخفاف بها‌ ، ظاهر ـ بقرينة السياق والمقام ـ في اعتبار ذلك في الانتفاع بها في الاستشفاء وغيره ، من فوائدها الجليلة ، وليس فيها دلالة على أن ذلك من أحكامها مطلقاً. نعم لا مجال للإشكال في حرمة إهانتها ومبغوضية هتكها ، فيكون حكمها حكم المشاهد الشريفة ، لا المصحف.

[٢] لاطراد الدليل في الجميع. نعم يختص ذلك بما أخذ على وجه التبرك. أما ما أخذ على وجه آخر ـ مثل أن يصنع آجراً ، أو خزفاً ، أو نحوهما ـ فليس مورداً للكلام ، ولا تجري عليه تلك الاحكام.

[٣] لعدم الفرق في صيانته عن الهتك بين التوقف عن الأجرة وعدمه‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٧٢ من أبواب المزار ، وباب : ٥٩ من أبواب الأطعمة المحرمة.

٥١٨

الى أن يضمحل [١].

[ مسألة ٢٧ ] : تنجيس مصحف الغير موجب لضمان نقصه الحاصل بتطهيره [٢].

[ مسألة ٢٨ ] : وجوب تطهير المصحف كفائي ، لا يختص بمن نجسه [٣] ولو استلزم صرف المال وجب ، ولا يضمنه من نجسة إذا لم يكن لغيره [٤] وان صار هو السبب‌

______________________________________________________

[١] بل الأقوى ، لوجوب دفع الإهانة الزائدة على المقدار الحاصل أولا.

[٢] لم يظهر الفرق بينه وبين ما مضى ويأتي في كون النقص إنما يكون بفعل المباشر بداعي امتثال التكليف ، والإتلاف إنما ينسب اليه لا إلى السبب. نعم بينهما فرق من جهة أخرى. وهي أن تنجيس المصحف يوجب نقصان ماليته غالباً ، بلحاظ وجوب تطهيره ، فالمضمون ينبغي أن يكون ذلك المقدار من المالية ، وان لم يحصل التطهير ، والضمان يكون على المسبب. هذا وقد عرفت في المسألة السابعة أن التطهير وان كان موجباً لنقص المسجد ، لا يكون مضموناً على المطهر وإن كان هو المباشر ، لأنه كان لمصلحة المسجد ، وكذا في المقام. فالضمان الذي يكون على المنجس ضمان التفاوت بين قيمته طاهراً وقيمته نجساً يجب تطهيره ، بلا ضمان النقص الحاصل به ، لا ما بين قيمته طاهراً وقيمته نجساً يجب تطهيره على نحو يضمن النقص الحاصل به. فلاحظ.

[٣] لإطلاق النهي في الآية ، ولأن وجوب صيانته عن الهتك لا يختص بمكلف دون آخر ، وقد عرفت أن مقتضاهما لا يختص بصورة عدم الحاجة الى المال.

[٤] يعني : إذا لم يكن المصحف لغير من نجسه ، بل كان له. لكن‌

٥١٩

للتكليف بصرف المال [١]. وكذا لو ألقاه في البالوعة فان مئونة الإخراج الواجب على كل أحد ليس عليه ، لأن الضرر إنما جاء من قبل التكليف الشرعي [٢]. ويحتمل ضمان المسبب ، كما قيل ، بل قيل باختصاص الوجوب به ، ويجبره الحاكم عليه لو امتنع ، أو يستأجر آخر ولكن يأخذ الأجرة منه.

[ مسألة ٢٩ ] : إذا كان المصحف للغير ففي جواز تطهيره بغير إذنه إشكال [٣] ،

______________________________________________________

التخصيص بهذه الصورة غير ظاهر ، فان المصحف لو كان لغير من نجسه أمكن أيضاً أن يكون ضامناً للمال المبذول من غيره ، مقدمة للتطهير ، بناء على الضمان بالتسبيب. وكذا الاشكال لو كان أصل العبارة : « إذا كان لغيره » فإنه ـ بناء على الضمان بالتسبيب ـ يكون المنجس ضامناً للمال المذكور وان كان المصحف لنفس المنجس. اللهم إلا أن يكون الضمير في « كان » راجعاً الى المال لا المصحف.

[١] لأن ذلك لا يوجب صحة نسبة الإتلاف إليه.

[٢] قد يقال : إن الضرر وإن جاء من قبل التكليف ، لكن التكليف إنما جاء من قبل المسبب ، فيكون الضرر ناشئاً منه بالواسطة. فالعمدة في عدم الضمان : أن موجب الضمان صحة نسبة الإتلاف ، وهو غير حاصل بالنسبة إلى المسبب بعد كون الباذل باذلا باختياره ، الموجب لصحة نسبة الإتلاف إليه عرفاً ، لا الى المسبب ، كما عرفت.

[٣] ينشأ من الإشكال في أهمية وجوب التطهير من حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه. بل مقتضى كثرة الاهتمام في بيان الحرمة المستفادة من كثرة الأدلة عليها أنها أهم ، فلا يجوز التطهير حينئذ بلا إذن. اللهم إلا أن يقال : إذا كان الاذن واجباً على المالك مقدمة للتطهير ، لا دليل‌

٥٢٠