مستمسك العروة الوثقى - ج ١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦١١

النجاسة [١] إلا إذا أسلم بعد البلوغ ، أو قبله مع فرض كونه‌

______________________________________________________

[١] على المشهور ـ كما عن الكفاية ـ بل لم يعرف مخالف صريح فيه. نعم قد يشعر قول العلامة [ ره ] في النهاية : « الأقرب تبعية أولاد الكفار لهم » بوجود الخلاف فيه ، أو بعدم انعقاد الإجماع عليه. لكن عن جملة من الكتب دعواه صريحاً على تبعية الولد المسبي مع أبويه لهما في الكفر والنجاسة ، وفي الجواهر في كتاب الجهاد : « وحكم الطفل ذكرا وأنثى تابع لأبويه في الإسلام والكفر ، وما يتبعهما من الأحكام. كالطهارة والنجاسة وغيرهما ، بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه » ، وفي وسائل المحقق الكاظمي [ ره ] : « لا كلام في جريان أحكام آبائهم في الدنيا من نجاسة وغيرها عليهم ، وهو إجماع ».

وقد يستدل لذلك [ تارة ] : باستصحاب نجاسة الولد الثابتة قبل ولوج الروح فيه ، بناء على كونه جزءا من الأم [ واخرى ] : بتنقيح المناط عند المتشرعة ، فإنهم يتعدون من نجاسة الأبوين إلى نجاسة الولد ، نظير ما تقدم في المتولد بين الكلب والخنزير. وقد تقدم الاشكال فيهما [ وثالثة ] : بصحيحة ابن سنان : « سألت أبا عبد الله (ع) : عن أولاد المشركين يموتون قبل أن يبلغوا الحنث. قال (ع) : كفار. والله أعلم بما كانوا عاملين. يدخلون مداخل آبائهم » (١) ، ونحوه غيره. لكن الظاهر منها حكمهم في الآخرة ، ومضمونها مخالف لقواعد العدلية ، فلا بد من حملها على بعض المحامل الموافقة للقواعد.

ويمكن الاستدلال له‌ بخبر حفص بن غياث « سألت أبا عبد الله (ع) : عن الرجل من أهل الحرب إذا أسلم في دار الحرب فظهر عليه المسلمون بعد ذلك. فقال (ع) : إسلامه إسلام لنفسه ولولده الصغار ، وهم أحرار‌

__________________

(١) الفقيه باب : ١٥١ جزء : ٣ صفحة ٣١٧ الطبعة الحديثة.

٣٨١

عاقلا مميزاً ، وكان إسلامه عن بصيرة ، على الأقوى [١].

______________________________________________________

وولده ومتاعه ورقيقه له. فاما الولد الكبار فهم في‌ء للمسلمين ، إلا أن يكونوا أسلموا قبل ذلك (١) ». مضافا الى أن تقابل الكفر والإسلام تقابل العدم والملكة ، فعدم الإسلام يكفي في صدق الكفر. لكن هذا الوجه يختص بالولد المميز الذي لم يسلم ، لأن غير المميز لا شأنية فيه للإسلام ، فلا يصدق عليه الكافر ولا المسلم ، فالتبعية للوالد فيه تحتاج إلى دليل بالخصوص وكفى بالإجماع المحقق والخبر دليلا عليها. مضافا إلى السيرة القطعية على معاملتهم معاملة آبائهم. وبذلك كله يخرج عن أصالة الطهارة ، المقتضية للحكم بطهارة الولد مطلقاً ولو لم يكن مميزا.

[١] لإطلاق الأدلة الشارحة لمفهوم الإسلام ، الشامل للبالغ والصبي بنحو واحد. ومقتضاه ثبوت أحكام الإسلام لإسلام الصبي ـ كثبوتها لإسلام البالغ ـ وان لم يكن عن بصيرة. بل قيل بوجوبه عليه كوجوبه على البالغ. وحديث رفع القلم‌ (٢) لا مجال له ، لأن وجوب الإسلام عقلي أو فطري بمناط وجوب دفع الضرر المحتمل ، ومثله لا يرتفع بحديث رفع القلم ، لاختصاصه بما يكون رفعه ووضعه بيد الشارع. [ وفيه ] : أن احتمال الضرر الذي هو موضوع الحكم العقلي أو الفطري يرتفع بالحديث المذكور. وكذا الحال في بقية المعارف الدينية ، سواء أكان وجوبه عقليا أم شرعيا ، فإنه يمكن رفع وجوبه بحديث رفع القلم. إلا أن الرفع بحديث رفع القلم لا يمنع من صحة وقوعه من الصبي ، لأنه يرفع الإلزام لا الصحة كما لا يخفى.

ومن ذلك يظهر لك أنه لا حاجة في إثبات نجاسة ولد الكافر ـ إذا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب جهاد العدو حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ١١.

٣٨٢

ولا فرق في نجاسته بين كونه من حلال أو من الزنا [١] ، ولو في مذهبه. ولو كان أحد الأبوين مسلماً فالولد تابع له [٢]

______________________________________________________

كان متدينا بدين والده ـ إلى دليل على النجاسة بالخصوص. بل تكفي فيها الأدلة العامة لنجاسة الكافر ، التي لا فرق فيها بين الصبي والبالغ. وحديث رفع القلم عن الصبي‌ لا يرفع النجاسة ، لوضوح اختصاصه برفع المؤاخذة. وليس هو مثل حديث رفع التسعة‌ (١) ، كي يتوهم عمومه لرفع النجاسة حتى ادعى بعضهم عمومه لرفع التكليف والوضع. وذلك لاختلاف لساني الحديثين ، فان حديث رفع القلم إنما رفع فيه القلم ، والمراد قلم السيئات ، بخلاف حديث رفع التسعة ، فإن المرفوع فيه نفس الفعل ، ويمكن توهم رفع جميع أحكامه ، كما لا يخفى بأقل تأمل.

[١] كما قواه في كشف الغطاء. ويقتضيه إطلاق معاقد الإجماعات. وفي الجواهر : « قد يمنع الإجماع فيه ، وان كان لا يخلو من إشكال ». وكأن وجه الاشكال : عدم تعرضهم لاستثناء ولد الزنا. واحتمال الاجتزاء بما ذكروه في محل آخر ، من نفي ولد الزنا. بعيد ، ولا سيما مع عدم وضوح دليل على نفي ولديته مطلقاً ، والثابت إنما هو في موارد خاصة ، كالتوارث وغيره ، والمرجع في غيرها إطلاق أدلة حكم الولد ، وان كان هذا المقدار غير كاف في وضوح الإجماع على الإلحاق في المقام. وعليه يشكل الحكم بالنجاسة. إلا أن يتمسك لها بالسيرة والخبر المتقدم. هذا لو لم يكن مميزاً ، أما المميز غير المتدين بالإسلام ، فلا إشكال في نجاسته كما عرفت.

[٢] كما هو المعروف. لأصالة الطهارة بعد عدم دليل على النجاسة من إجماع أو غيره ، لو لم يكن إجماع على الطهارة ، كما قد يظهر من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٦ من أبواب جهاد النفس حديث : ١.

٣٨٣

إذا لم يكن عن زنا ، بل مطلقاً على وجه مطابق لأصل الطهارة [١].

______________________________________________________

نسبته إلى الأصحاب في محكي شرح المفاتيح. مع أنه مقتضى خبر حفص المتقدم في خصوص إسلام الأب‌. لكن الخروج في غير مورد الخبر عن عموم ما دل على نجاسة الكافر ، الصادق على الولد المميز ، غير ظاهر.

[١] لكن جزم في كشف الغطاء وغيره بالكفر لو كان الزنا من طرف المسلم والحل من طرف الكافر ، لإلحاقه بالكافر دون المسلم ، لنفي ولديته له. لكن عرفت الإشكال في ذلك ، لا أقل من عدم ثبوت الإجماع على النجاسة في غير مورد الكفر من الطرفين ، والأصل الطهارة. نعم يتم ما ذكره في الولد المميز لما عرفت من العموم.

هذا ولو بلغ ولد الكافر مجنوناً كان مقتضى الاستصحاب النجاسة ، وكذا لو بلغ عاقلا ، وكان في فسحة النظر. [ والاشكال ] فيه بتعدد الموضوع ، لتبدل الصبا بالبلوغ ، والتبعية بالاستقلال [ مندفع ] : بعدم قدح مثل ذلك في وحدة الموضوع عرفا. مع أن الظاهر صدق الكافر عليه حقيقة ، فتشمله معاقد الإجماعات على النجاسة ، فلو جن بعد ذلك بقي على النجاسة ، للاستصحاب.

ولو سبي ولد الكافر ، فان كان مع أبويه أو أحدهما فهو على النجاسة إجماعا محكيا عن جملة من كتب الأصحاب. ويقتضيها الأصل المتقدم. ولو سبي منفردا فالمعروف الطهارة ، بل عن المعالم وشرح المفاتيح : أنها ظاهر الأصحاب. نعم قد يظهر من الشهيد في محكي الذكرى وجود الخلاف ، بل عن التلخيص وشرح الروضة : الجزم ببقاء التبعية لأبويه ، ومال إليه في المسالك. لعدم الدليل القاطع ، للأصل الحاكم على أصالة الطهارة ، وقد عرفت أن الاشكال في الأصل بتعدد الموضوع في غير محله ، وان صدر عن جماعة من الأعيان.

٣٨٤

[ مسألة ١ ] : الأقوى طهارة ولد الزنا من المسلمين [١] سواء كان من طرف أو طرفين. بل وان كان أحد الأبوين مسلماً ، كما مر.

______________________________________________________

نعم تمسك للطهارة شيخنا الأعظم [ ره ] ـ تبعا لكاشف الغطاء ـ بالسيرة القطعية على معاملتهم معاملة المسلمين من حيث الطهارة. لكن في ثبوتها ـ بنحو يعتمد عليها ـ إشكالا. والتمسك بأدلة الحرج (١) أشكل وسيأتي ـ إن شاء الله ـ في مبحث الطهارة بالتبعية بعض الكلام في المقام.

[١] كما هو المشهور شهرة عظيمة ، بل لم يعرف الخلاف فيها إلا من الصدوق والسيد والحلي ـ بناء منهم على كفره ـ بل عن الأخير نفي الخلاف فيه. وكأنه للنصوص المتضمنة للنهي عن الاغتسال من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمام‌ (٢). معللا : بأنه يسيل منها ما يغتسل به الجنب ، وولد الزنا ، والناصب لنا أهل البيت ، وهو شرهم. وفي بعضها : أنه لا يطهر إلى سبعة آباء‌ (٣). ولمرسلة الوشاء : « أنه (ع) : كره سؤر ولد الزنا ، واليهودي ، والنصراني ، والمشرك ، وكل من خالف الإسلام » (٤) ولما تضمن : أنه رجس (٥) ، وأنه شر (٦) وأنه لا خير فيه ، ولا في بشره ، ولا في شعره ، ولا في لحمه ، ولا في دمه‌ (٧) ، وأن لبن اليهودية والنصرانية والمجوسية أحب الي من لبن الزنا‌ (٨). لكن الجميع قاصر‌

__________________

(١) تقدمت الإشارة إليها في تعاليق المسألة : ١٠ من الفصل المتعرض فيه لأحكام ماء البئر.

(٢) راجع الوسائل باب : ١١ من أبواب الماء المضاف والمستعمل.

(٣) الوسائل باب : ١١ من أبواب الماء المضاف والمستعمل حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب الأسئار حديث : ٢.

(٥) البحار. جزء : ٥ صفحة : ٢٨٥ الطبع الجديد.

(٦) البحار. جزء : ٥ صفحة : ٢٨٥ الطبع الجديد.

(٧) الوسائل باب : ١٤ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٧.

(٨) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب أحكام الأولاد من كتاب النكاح حديث : ٢.

٣٨٥

[ مسألة ٢ ] : لا إشكال في نجاسة الغلاة [١] ،

______________________________________________________

عن إثبات النجاسة ، فضلا عن الكفر. فان نصوص النهي غير ظاهرة فيها بقرينة اشتمالها على الجنب ، وعلى التعبير بقوله (ع) : « وهو شرهم » ، وأنه لا يطهر إلى سبعة آباء ، فان الشريعة تناسب الخباثة النفسية ، وكذلك عدم طهر أبنائه ، للإجماع على عدم تعدي نجاسته ـ على تقدير ثبوتها ـ إليهم ، فيتعين حملها على نفي الطهارة النفسية. والكراهة أعم من الحرمة. والسياق غير كاف في إثبات الحرمة ، لجواز ثبوت الخباثة النفسية في الجميع ويكون السياق بلحاظها. وقصور الباقي ظاهر. فأصالة الإسلام والطهارة محكمة.

[١] بلا كلام ـ كما عن جامع المقاصد ـ وعن ظاهر جماعة ، وصريح روض الجنان والدلائل ، الإجماع عليه. وهو واضح جداً لو أريد منهم من يعتقد الربوبية لأمير المؤمنين (ع) أو أحد الأئمة (ع) ـ كما في كشف الغطاء ـ لأنه إنكار لله تعالى ، وإثبات لغيره ، فيكون كفرا بالذات ، فيلحقه حكمه من النجاسة.

أما لو أريد منهم من يعتقد حلوله تعالى فيهم ، أو في أحدهم ـ كما هو الأظهر عند شيخنا الأعظم [ ره ] ـ فالنجاسة مبنية على أن إنكار الضروري كفر تعبدي ، فان لم يثبت أشكل الحكم بها. ودعوى الإجماع لعلها مبنية على ذلك المبنى ، فيشكل الاعتماد عليها.

وكذا الحال لو أريد من الغلو تجاوز الحد في صفات الأنبياء والأئمة (ع) مثل اعتقاد أنهم خالقون ، أو رازقون أو لا يغفلون ، أو لا يشغلهم شأن عن شأن ، أو نحو ذلك من الصفات. ولذا حكي عن ابن الوليد أن نفي السهو عن النبي (ص) أول درجة الغلو. فالنجاسة في مثل ذلك أيضاً مبنية على الكفر بإنكار الضروري. ودعوى القطع بعدم الكفر بمثل ذلك غير واضحة. وكأن وجهها إنكار كون مثل ذلك إنكارا للضروري. ولكنها‌

٣٨٦

والخوارج [١] ، والنواصب [٢]. وأما المجسمة ، والمجبرة ،

______________________________________________________

كما ترى ، لوضوح كون اختصاص الصفات المذكورة به جل شأنه ضروريا في الدين. نعم ما لم يبلغ اختصاصه حد الضرورة فالدعوى المذكورة فيه في محلها.

وقد يستدل للنجاسة في الغلاة بما ورد في فارس بن حاتم (١) الغالي عن الهادي (ع) : من الأمر بتوقي مساورته. لكن فيه ـ مع إجمال غلوه لعنه الله ـ : أن النسخة الصحيحة : « مشاورته » بالشين المعجمة ، لا بالسين المهملة ، فلا يكون مما نحن فيه.

[١] بلا كلام ـ كما عن جامع المقاصد ـ وعن ظاهر جماعة ، وصريح روض الجنان ، والدلائل : الإجماع عليه. والمراد بهم من يعتقد ما تعتقده الطائفة الملعونة التي خرجت على أمير المؤمنين (ع) في صفين ، فاعتقدت كفره واستحلت قتاله. واستدل له‌ برواية الفضيل : « دخلت على أبي جعفر (ع) وعنده رجل فلما قعدت قام الرجل فخرج. فقال (ع) لي يا فضيل ما هذا عندك. قلت : كافر قال (ع) : أي والله مشرك » (٢) ‌لإطلاق التنزيل الشامل للنجاسة. ولأنهم من النواصب ، فيدل على نجاستهم ما دل على نجاستهم.

[٢] بلا كلام ـ كما عن جامع المقاصد والدلائل ـ ولا خلاف ـ على الظاهر ـ فيه ، كما عن شرح المفاتيح. وعن الحدائق والأنوار للجزائري : الإجماع صريحا عليه. ويشهد له ما‌ رواه الفضيل عن الباقر (ع) : « عن المرأة العارفة هل أزوجها الناصب؟ قال (ع) : لا ، لأن الناصب كافر » (٣)

__________________

(١) تراجع ترجمته في تنقيح المقال جزء : ٢ صفحة : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب حد المرتد حديث : ٥٥.

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب ما يحرم من النكاح بالكفر حديث : ١٥.

٣٨٧

والقائلون بوحدة الوجود من الصوفية إذا التزموا بأحكام الإسلام ، فالأقوى عدم نجاستهم [١]

______________________________________________________

وما‌ في رواية ابن أبي يعفور « إن الله تعالى لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب وان الناصب لنا ـ أهل البيت ـ لأنجس منه » (١). والخدشة في الدلالة : وأن النجاسة القابلة للزيادة والنقيصة هي الباطنية. مندفعة : بمنع ذلك ضرورة كالخدشة بأنه مسوق مساق ولد الزنا والجنب ممن كانت الخباثة فيه باطنية وجه الاندفاع : أنه لا مانع من كون النجاسة الخارجية العينية أيضاً موجبة للخباثة المعنوية ، فيكون الجميع بنحو واحد وان اختلفت الموارد ، فالسياق المذكور لا يوجب رفع اليد عن ظاهر الفقرة في النجاسة العينية الخارجية. فتأمل. هذا وسيجي‌ء الكلام في المراد من الناصب. فانتظر.

[١] لعدم الدليل عليها ، فيرجع فيها إلى أصالة الطهارة ، وإن حكي القول بالنجاسة مطلقا عن المبسوط ، والمنتهى ، والدروس ، وظاهر القواعد وغيرها. بل عن جامع المقاصد : لا كلام فيها. أو في خصوص المجسمة بالحقيقة ، كما عن البيان والمسالك وغيرهما ، وعن روض الجنان : لا ريب في نجاستهم. إذ المستند إن كان هو الإجماع فهو ممنوع جدا ، فقد حكي عن ظاهر المعتبر ، والتذكرة وصريح النهاية ، والذكرى : الطهارة. وان كان إنكارهم للضروري ، ففيه ـ مع أنه مختص بالمجسمة بالحقيقة ، ومبني على الاكتفاء في تحقق إنكار اللازم بإنكار الملزوم ، إذ عدم التجسيم ليس ضروريا من الدين ، لإبهام كثير من الآيات والاخبار له ، وإنما الضروري القدم وعدم الحاجة ، اللذان يكون إنكارهما لازما لاعتقاد الجسمية ـ : أنك قد عرفت عدم ثبوت الإجماع على كون الإنكار سبباً مطلقا ، ولو مع عدم العلم بكون المنكر من الدين.

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب الماء المضاف والمستعمل حديث : ٥.

٣٨٨

______________________________________________________

نعم استدل على نجاستهم‌ بخبر ياسر الخادم عن الرضا (ع) : « من شبه الله بخلقه فهو مشرك ، ومن نسب اليه ما نهى عنه فهو كافر » (١) وخبر الحسين بن خالد عنه (ع) : « من قال بالتشبيه والجبر فهو كافر مشرك » (٢) وخبر داود بن القاسم عنه (ع) : « من شبه الله بخلقه فهو مشرك ، ومن وصفه بالمكان فهو كافر ، ومن نسب اليه ما نهى عنه فهو كاذب » (٣) وخبر محمد بن أبي عمير عن غير واحد عن الصادق (ع) : « من شبه الله بخلقه فهو مشرك ، ومن أنكر قدرته فهو كافر » (٤) ، بناء على أن التجسيم نوع من التشبيه. لكن دلالتها لا تخلو من خدش ، لأن الظاهر من التنزيل فيها ـ بقرينة التفصيل بين المشرك والكافر ـ كونه بلحاظ الأحكام الخاصة ، لا المشتركة ، كما لعله ظاهر. نعم‌ في رواية الهروي عن الرضا (ع) : « من وصف الله بوجه كالوجوه فقد كفر » (٥) دلالة على ذلك ، لإطلاق التنزيل. لكن التجسيم غير التشبيه ، إذ بينهما عموم من وجه.

وأما المجبرة فالنجاسة فيهم محكية عن المبسوط ، وكاشف اللثام ، واختاره في كشف الغطاء وإذ لا إجماع مدعى هنا ، ولا إنكار لضروري ـ إلا بناء على تحقق إنكار اللازم بإنكار الملزوم ، فيكون إنكار الاختيار إنكارا للثواب والعقاب ، وهو ممنوع ـ فالبناء على النجاسة ضعيف. نعم استدل عليها ببعض النصوص المتقدمة في المجسمة ، ومثلها‌ خبر يزيد بن عمر الشامي عن الرضا (ع) : « والقائل بالجبر كافر ، والقائل بالتفويض مشرك » (٦)

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب حد المرتد حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب حد المرتد حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب حد المرتد حديث : ١٦.

(٤) الوسائل باب : ١٠ من أبواب حد المرتد حديث : ١٧.

(٥) الوسائل باب : ١٠ من أبواب حد المرتد حديث : ٣.

(٦) الوسائل باب : ١٠ من أبواب حد المرتد حديث : ٤.

٣٨٩

______________________________________________________

وقد عرفت الإشكال في دلالتها على النجاسة. نعم‌ في رواية حريز عن أبي عبد الله (ع) : « الناس في القدر على ثلاثة أوجه : رجل زعم أن الله أجبر الناس على المعاصي فهذا قد ظلم الله تعالى في حكمه ، فهو كافر. ورجل يزعم أن الأمر مفوض إليهم ، فهذا قد وهن الله تعالى في سلطانه ، فهو كافر » (١). ودلالتها على النجاسة بإطلاق التنزيل ظاهرة ، فالبناء على النجاسة في المشبهة ، والمجبرة ، قوي. وكذا في المفوضة ـ كما في كشف الغطاء ـ للرواية المذكورة.

نعم قد يشكل ذلك بما عن شرح المفاتيح ، من أن ظاهر الفقهاء طهارتهم ، فتكون الرواية مخالفة للمشهور. لكنه لم يثبت بنحو تسقط به الرواية عن الحجية. ولا سيما بناء على اندفاع المناقشة في نصوص التفصيل لكثرة الروايات الدالة على نجاسة المفوضة‌ (٢) حينئذ. [ ودعوى ] : أن ذلك خلاف سيرة الأئمة (ع) : وأصحابهم من معاشرة المخالفين ، وأكثرهم في جملة من العصور مجبرة أو مفوضة [ يدفعها ] ـ مع ورود ذلك في النواصب في زمان الأمويين المعلنين بسب أمير المؤمنين (ع) : على منابرهم في جميع الآفاق الإسلامية ـ : أن وضوح بطلان الجبر والتفويض مما يوجب بناء العامة على خلافهما ، إذ من البعيد اعتقاد متعارف الناس عدم الاختيار في العبد ، ضرورة ثبوت القدرة له ، كضرورة ثبوت الإرادة ، ولا نعني من الاختيار إلا هذا المقدار ، فالاختيار في العبد ضروري ، وكذا بطلان التفويض ، بمعنى استقلال العبد في القدرة في قبال قدرته سبحانه ، فان كل شي‌ء تحت قدرته تعالى ، ومنه قدرة العبد ، وإذا كان الأمر بين الأمرين ضروريا وجدانيا يبعد بناء عامة الناس على خلافه ، إلا على نحو التقليد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب حد المرتد حديث : ١٠‌

(٢) تراجع الوسائل باب : ١٠ من أبواب حد المرتد.

٣٩٠

إلا مع العلم بالتزامهم بلوازم مذاهبهم من المفاسد [١].

[ مسألة ٣ ] : غير الاثنا عشرية من فرق الشيعة ، إذا لم يكونوا ناصبين ومعادين لسائر الأئمة ، ولا سابين لهم ، طاهرون [٢].

______________________________________________________

الأعمى ، والانتساب إلى مثل هذه المذاهب الفاسدة بمجرد اللسان لا بالجنان وإن كان الظاهر أن النصوص واردة بالإضافة إليهم ، فيشكل دفع الدعوى المذكورة. وكذا الإشكال في النواصب والخوارج.

أما القائلون بوحدة الوجود من الصوفية فقد ذكرهم جماعة ، ومنهم السبزواري في تعليقته على الاسفار ، قال : « والقائل بالتوحيد إما أن يقول بكثرة الوجود والموجود جميعاً مع التكلم بكلمة التوحيد لساناً ، واعتقاداً بها إجمالا ، وأكثر الناس في هذا المقام. وإما أن يقول بوحدة الوجود والموجود جميعا ، وهو مذهب بعض الصوفية. وإما أن يقول بوحدة الوجود وكثرة الموجود ، وهو المنسوب إلى أذواق المتألهين. وعكسه باطل. وإما أن يقول بوحدة الوجود والموجود في عين كثرتهما ، وهو مذهب المصنف والعرفاء الشامخين. والأول : توحيد عامي ، والثالث : توحيد خاصي ، والثاني : توحيد خاص الخاص ، والرابع : توحيد أخص الخواص ».

أقول : حسن الظن بهؤلاء القائلين بالتوحيد الخاص والحمل على الصحة المأمور به شرعا ، يوجبان حمل هذه الأقوال على خلاف ظاهرها ، وإلا فكيف يصح على هذه الأقوال وجود الخالق والمخلوق ، والآمر والمأمور والراحم والمرحوم؟! وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه أنيت.

[١] مطلقا ، أو مع العلم بكون خلافها من الدين ، على ما تقدم من القولين من كون إنكار الضروري مكفرا تعبداً ، أو لرجوعه إلى إنكار الرسالة فلاحظ.

[٢] أما الفرق المخالفة للشيعة فالمشهور طهارتهم. ويحكى عن السيد‌

٣٩١

______________________________________________________

القول بنجاستهم ، وعليه بعض متأخري المتأخرين ، كصاحب الحدائق ، وحكاه عن المشهور في كلمات أصحابنا المتقدمين. وستشهد لذلك بما في كتاب فص الياقوت للشيخ الجليل ابن نوبخت [ ره ] من قوله : « دافعوا النص كفرة عند جمهور أصحابنا ، ومن أصحابنا من يفسقهم ». وبما في المقنعة من أنه لا يجوز تغسيل المخالف للحق في الولاية ، ولا الصلاة عليه ، ونحوه ما عن ابن البراج. وبما في التهذيب ـ بعد نقل ما في المقنعة ـ : « الوجه فيه أن المخالف لأهل الحق كافر فيجب أن يكون حكمه حكم الكفار ، إلا ما خرج بالدليل ». وبما في السرائر من الاستدلال على ذلك : بأن المخالف لأهل الحق كافر بلا خلاف بيننا. انتهى. ثمَّ حكى عن الصالح المازندراني [ ره ] في شرح أصول الكافي التصريح بكفرهم. وكذا عن الشريف القاضي في إحقاق الحق وأبي الحسن الشريف في شرح الكفاية. لكن جميع العبارات المذكورة إنما تضمنت التصريح بكفرهم ، من دون تعرض فيها لنجاستهم. فلاحظ. نعم في بعضها الاستدلال على ذلك بإنكار الضروري الموجب للكفر والنجاسة.

وكيف كان فالاستدلال على النجاسة [ تارة ] : بالإجماع المحكي عن الحلي على كفرهم ، المؤيد بنسبته الى جمهور أصحابنا في كتاب فص الياقوت للشيخ الجليل ابن نوبخت ـ كما عرفت ـ والى أكثر أصحابنا في شرحه للعلامة [ ره ] وبإرساله في التهذيب إرسال المسلمات ، كما تقدم. [ وأخرى ] بالنصوص المتجاوزة حد الاستفاضة ، بل قيل : إنها متواترة ، المتضمنة كفرهم ، كرواية أبي حمزة : « سمعت أبا جعفر (ع) يقول : إن عليا (ع) باب فتحه الله تعالى من دخله كان مؤمنا ، ومن خرج عنه كان كافرا » ، ونحوها روايات مروان بن مسلم‌ ، وسدير‌ ويحيى بن القاسم‌ ، وأبي خالد‌

٣٩٢

______________________________________________________

الكابلي‌ ، وأبي سلمة‌. والفضيل بن يسار‌ ، وغيرها فلاحظ حدود الوسائل (١) [ وثالثة ] : بأنهم ممن أنكر ضروري الدين كما في محكي المنتهى في مسألة اعتبار الايمان في مستحق الزكاة ، وفي شرح كتاب فص الياقوت وغيرهما ، فيعمهم ما دل على كفر منكر الضروري [ ورابعة ] : بما دل على نجاسة الناصب من الإجماع المتقدم وغيره ، بضميمة ما دل على أنهم نواصب ، كخبر معلى بن خنيس : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت ، لأنك لا تجد أحداً يقول : إني أبغض آل محمد (ص). ولكن الناصب من نصب لكم وهو يعلم أنكم تتولوننا ، وتبرؤون من أعدائنا » (١) ، ونحوه خبر عبد الله بن سنان‌ (٢) مع تفاوت يسير. ومكاتبة محمد بن علي بن عيسى إلى الهادي (ع) يسأله عن الناصب هل يحتاج في امتحانه الى أكثر من تقديمه الجبت والطاغوت واعتقاد إمامتهما؟ فرجع الجواب : « من كان على هذا فهو ناصب » (٣) وهذه الروايات مذكورة في الوسائل في كتابي الخمس والحدود. وخبر عبد الله بن المغيرة المحكي عن الروضة ـ كما في طهارة شيخنا الأعظم [ ره ]ـ « قلت لأبي الحسن (ع) : إني ابتليت برجلين ، أحدهما ناصب ، والآخر زيدي ولا بد لي من معاشرتهما ، فمن أعاشر؟ فقال (ع) : هما سيان‌ ... [ الى أن قال ] : هذا نصب لك ، وهذا الزيدي نصب لنا » (٤).

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١٠ من أبواب حد المرتد ، لكن بعض ما أشير إليه مشتمل على البغض ، فيكون أخص.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يجب فيه الخمس ملحق الحديث الثالث.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٣.

(٤) الوافي باب : ٢٣ من أبواب وجوب الحجة حديث : ٤.

(٥) الوافي باب : ٢٣ من أبواب وجوب الحجة حديث : ٣.

٣٩٣

______________________________________________________

وفي الجميع خدش ظاهر ، إذ الكفر المدعى عليه الإجماع في كلام الحلي وغيره ، إن كان المراد منه ما يقابل الإسلام ، فهو معلوم الانتفاء ، فان المعروف بين أصحابنا إسلام المخالفين ، وان كان المراد به ما يقابل الايمان ـ كما هو الظاهر ، بقرينة نسبة القول بفسق المخالفين إلى بعض أصحابنا في كتاب فص الياقوت في قبال نسبة الكفر الى جمهورهم ـ لم يجد في إثبات النجاسة ، لأن الكافر الذي انعقد الإجماع ، ودلت الأدلة على نجاسته ما كان بالمعنى الأول ، كما تشهد به الفتوى بالطهارة هنا من كثير من نقلة الإجماع على نجاسة الكافر.

وأما النصوص فالذي يظهر منها أنها في مقام إثبات الكفر للمخالفين بالمعنى المقابل للايمان ، كما يظهر من المقابلة فيها بين الكافر والمؤمن. فراجعها. وقد ذكر في الحدائق كثيراً منها. ويشهد لذلك النصوص الكثيرة الشارحة لحقيقة الإسلام ، كموثق سماعة : « قلت لأبي عبد الله (ع) : أخبرني عن الإسلام والايمان أهما مختلفان؟ فقال (ع) : إن الايمان يشارك الإسلام ، والإسلام لا يشارك الايمان. فقلت : فصفهما لي. فقال (ع) : الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله والتصديق برسول الله (ص) ، به حقنت الدماء ، وعليه جرت المناكح والمواريث وعلى ظاهره جماعة الناس. والايمان الهدى ، وما يثبت في القلوب من صفة الإسلام وما ظهر من العمل به » (١). وصحيح حمران عن أبي جعفر (ع) : « سمعته يقول : الايمان ما استقر في القلب ، وأفضي به إلى الله تعالى ، وصدقه العمل بالطاعة والتسليم لأمره ، والإسلام ما ظهر من قول أو فعل ، وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها ، وبه حقنت الدماء وعليه جرت المواريث وجاز النكاح ... » (٢).

__________________

(١) الوافي باب : ١ من أبواب تفسير الايمان والكفر من الفصل الثاني من كتاب الايمان والكفر.

(٢) الوافي باب : ١ من أبواب تفسير الايمان والكفر من الفصل الثاني من كتاب الايمان والكفر.

٣٩٤

______________________________________________________

وخبر سفيان بن السمط : « سأل رجل أبا عبد الله (ع) عن الإسلام والايمان ما الفرق بينهما؟ ... [ الى أن قال ] : فقال (ع) : الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس ، شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصيام شهر رمضان ، فهذا الإسلام وقال (ع) : الإيمان معرفة هذا الأمر مع هذا ، فإن أقر بها ولم يعرف هذا الأمر كان مسلماً ، وكان ضالا » (١).

ويشهد لذلك أيضاً النصوص الكثيرة الواردة في طهارة ما يؤخذ من أيديهم من المائعات والجامدات التي يعلم مباشرتهم لها كالأدهان ، والألبان ، والعصير الذي قد ذهب ثلثاه ، والجبن ، والجلود ، واللحوم وغير ذلك مما يتجاوز حد التواتر [ وبالجملة ] : فالقرائن الداخلية والخارجية قاضية بكون المراد من الكفر في النصوص السابقة ما لا يكون موضوعا للنجاسة. والظاهر أنه هو المراد من الكفر في كلمات أصحابنا [ رض ]. وحينئذ لا وجه لنسبة القول بالنجاسة إليها.

نعم يأبى ذلك التعليل بإنكار الضروري في كلام بعضهم ، كالعلامة في شرح فص الياقوت والمنتهى ، وغيره. لكن لا بد من توجيه ذلك ، إذ من البعيد جدا بناء مثل العلامة [ ره ] على النجاسة. ولا سيما مع وضوح منعه. نعم هو من إنكار ضروري المذهب. لكن إنكار مثل ذلك لا يقتضي النجاسة. ومن ذلك يظهر لك الإشكال في الاستدلال به على النجاسة ، ولا سيما بناء على ما عرفت من عدم كون إنكار الضروري مكفرا مطلقاً.

وأما النصوص الدالة على نصبهم ـ فمع عدم صحة أسانيدها ، ومخالفتها للمشهور بين الأصحاب. وتعارضها فيما بينها ، لدلالة المكاتبة على كون النصب مجرد الاعتقاد بامامة الجبت والطاغوت ، ودلالة غيرها على كونه‌

__________________

(١) الوافي باب : ١ من أبواب تفسير الايمان والكفر من الفصل الثاني من كتاب الايمان والكفر.

٣٩٥

______________________________________________________

معاداة الشيعة. ولإشكال مضامينها في نفسها ، فان قوله (ع) في الخبرين‌ « لأنك لا تجد ... » مخالف للواقع ، لكثرة المبغضين لهم والمستحلين لقتلهم وقتالهم ، ومخالف للنصوص المشتملة على حكم الناصب لهم أهل البيت. فلاحظ ما ورد في غسالة الحمام‌ (١) وغيرها ـ أن قوله (ع) : في رواية ابن المغيرة : « هذا نصب لك ... » غير ظاهر ، إذ لا فرق بين الزيدي وغيره ، فإن الزيدي قد ينصب لهم (ع) : لاعتقاده تقصيرهم (ع) في أداء ما يجب عليهم من الأمر بالمعروف ، وقد لا ينصب لهم لاعتقاده عذرهم وانما ينصب للشيعة لاعتقاده خطأهم في اعتقاد إمامتهم (ع) ، وكذلك الحال في المخالف ، فقد يكون ناصبا لهم (ع) : لادعائهم الإمامة الخاصة التي يعتقد بطلانها ، وقد لا يكون ناصباً لهم ، لاعتقاده عدم ادعائهم ذلك ، وإنما ينصب لشيعتهم لاعتقاده بطلان مذهبهم. [ وبالجملة ] : لا يظهر وجه الفرق بين الزيدي والناصب.

وأما المكاتبة فيحتمل قريباً فيها ـ لو لم يكن هو الظاهر ـ أنها واردة في مقام الشك في تحقق النصب وعدمه ، فهي في مقام جعل الحكم الظاهري لا في مقام بيان معنى للناصب غير ما هو المعروف. ثمَّ لو سلم ذلك كله فغاية مدلولها أن المخالف ناصب ، ولكن هذا المقدار لا يقتضي ثبوت النجاسة إذ لا دليل على نجاسة كل ناصب ، إذ الأدلة المتقدمة على نجاسة الناصب منحصرة بالإجماع والنص ، والموضوع فيهما لا يشمل المخالف ، ضرورة اختصاص النص المتضمن لنجاسة الناصب بالناصب لهم (ع) لا مطلق الناصب. فراجعه. ورواية الفضيل الدالة على أنه كافر‌ موردها التزويج ، ولا بد أن تحمل على غير المخالف للنصوص الدالة على جواز تزويج المخالف. وكلمات‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١١ من أبواب الماء المضاف والمستعمل. وقد تقدم بعضها في نجاسة النواصب.

٣٩٦

______________________________________________________

الأصحاب المدعين للإجماع وغيرهم في تفسير الناصب مختلفة ، ومع ذلك ليس فيها ما يشمل المخالف ، فان المنسوب الى أكثر الأصحاب : أنه من نصب العداوة لأهل البيت (ع) ، بل ظاهر الحدائق : أنه لا خلاف فيه. وعن المعتبر والمنتهى : أنه الذي يقدح في علي (ع) ، وعن القاموس : أنه المتدين ببغض علي (ع). وعن شرح المقداد : « الناصب يطلق على خمسة وجوه : [ الأول ] : القادح في علي (ع) [ الثاني ] : من ينسب إلى أحدهم (ع) ما يسقط العدالة. [ الثالث ] : من ينكر فضيلتهم لو سمعها [ الرابع ] : من يعتقد فضيلة غير علي (ع) [ الخامس ] : من أنكر النص على علي (ع) بعد سماعه ، أو وصوله اليه بوجه يصدقه » فلو بني في نجاسة الناصب على الاعتماد على الإجماع كان اللازم الاقتصار على المتيقن ، وهو المعادي لعلي (ع) متدينا به. ولو بني على الاعتماد على النص فالموضوع مطلق المعادي لهم (ع).

هذا ولأجل أن دلالة النص لا تخلو من شبهة واشكال ـ كما سبق ـ وأن العمدة الإجماع ، يسهل الخطب في حال كثير من المعادين لهم (ع) الذين علم بمساورة النبي (ص) لهم ، ومساورة من بعده من الأئمة (ع) وشيعتهم لهم. [ ودعوى ] : أن ذكر علي (ع) في كلام القاموس والمعتبر والمنتهى لأنه (ع) سيد الأئمة (ع) ، لا لخصوصية لبغضه في صدق مفهوم الناصب عرفا [ غير ظاهرة ].

اللهم إلا أن يقال : بعد البناء على نجاسة الناصب ـ ولو للإجماع ـ يكون الاختلاف في مفهومه من قبيل اختلاف اللغويين في مفهوم اللفظ ، ويتعين الرجوع فيه إلى الأوثق ، وهو ما عن المشهور ، من أنه المعادي لهم (ع) فيكون هو موضوع النجاسة ، ولا سيما وكونه الموافق لموثقة ابن أبي يعفور‌ ـ لو تمت دلالتها على النجاسة ـ ولروايتي ابن خنيس‌ وسنان‌ المتقدمتين بعد حملهما على ما عليه المشهور : بأن يراد منهما بيان الفرد الخفي للناصب‌

٣٩٧

وأما مع النصب ، أو السب للأئمة الذين لا يعتقدون بإمامتهم فهم مثل سائر النواصب [١].

[ مسألة ٤ ] : من شك في إسلامه وكفره طاهر [٢] ،

______________________________________________________

لهم (ع) وهو الناصب لشيعتهم (ع) من حيث كونهم شيعة لهم من باب : صديق العدو عدو. وهذا هو المتعين. فلاحظ وتأمل.

ومما ذكرنا يظهر حكم فرق الشيعة غير الاثنا عشرية كالكيسانية ، والزيدية والفطحية ، والإسماعيلية ، والواقفية وغيرهم ، وأن مقتضى الأصل طهارتهم ولا دليل يقتضي الخروج عنه ، إلا أن ينطبق عليه أحد العناوين النجسة المتقدمة ، وما عن الجواد (ع) ، من أن الزيدية والواقفة والنصاب بمنزلة واحدة (١). محمول على وحدة المنزلة في الآخرة ، ومثله ما‌ عن الكشي عن عمر بن يزيد من قول الصادق (ع) : « إن من شيعتنا بعدنا من هم شر من النصاب‌ ... [ إلى أن قال ] (ع) : إنهم قوم يفتنون بزيد ويفتنون بموسى (ع) » (٢). وما‌ في الخرائج عمن كتب إلى أبي محمد (ع) : يسأله عن الواقفة ، من قوله (ع) : « من جحد إماما من الله تعالى ، أو زاد إماما ليست إمامته من الله تعالى ، كان كمن قال : إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ ... » (٣).

[١] كما في كشف الغطاء. وكأنه لكون السب طريقا الى تحقق النصب ـ بناء على ما عرفت من عموم نجاسة الناصب للناصب لهم (ع) ـ وإلا فليس في الأدلة ما يدل على نجاسة الساب من حيث صدور السب منه.

[٢] لقاعدة الطهارة. ولا مجال لاستصحاب عدم الإسلام الثابت حال الصغر ، لأن ذلك العدم ليس كفراً ، سواء اكان الكفر وصفا وجوديا‌

__________________

(١) كتاب الكشي ج : ٦ في الواقفة صفحة : ٢٨٧.

(٢) كتاب الكشي ج : ٦ في الواقفة صفحة : ٢٨٦.

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب حد المرتد حديث : ٤٠.

٣٩٨

وإن لم يجر عليه سائر أحكام الإسلام [١].

التاسع : الخمر ، بل كل مسكر مائع بالأصالة [٢]

______________________________________________________

أم عدميا ، إذ على الثاني يكون من قبيل عدم الملكة ـ أعني : العدم عما من شأنه أن يكون مسلماً ـ وهذا المعنى من العدم ليس له حالة سابقة حال الصغر.

[١] للشك في موضوعها ، ولا طريق إلى إحرازه من أمارة أو أصل.

نعم تقدم في مبحث الجلد المشكوك الحكم بإسلام المشكوك إذا كان في بلد يكون الغالب عليها المسلمين. لكن التعدي عن مورده إلى غيره لا يخلو من اشكال.

[٢] على المشهور شهرة عظيمة ، بل عن جماعة الإجماع عليه صريحاً أو ظاهراً ، منهم السيدان ، والشيخ ، والمحقق. بل الظاهر أنه إجماع في جملة من الطبقات ، إذ لم ينقل الخلاف إلا عن جماعة من القدماء ، كالصدوق وأبيه في الرسالة ، والجعفي ، والعماني ، وجماعة من متأخري المتأخرين ، أولهم المقدس الأردبيلي ، وتبعه عليه جماعة ممن تأخر عنه. وعن الحبل المتين ، أنه قال : « أطبق علماء الخاصة والعامة على نجاسة الخمر ، إلا شرذمة منا ومنهم لم يعتد الفريقان بمخالفتهم ».

وتدل على النجاسة جملة وافرة من النصوص ، قيل : تقرب من عشرين حديثاً. منها‌ صحيح ابن سنان : « سأل أبي أبا عبد الله (ع) : ـ وأنا حاضر ـ إني أعير الذمي ثوبي ، وأنا أعلم أنه يشرب الخمر ، ويأكل لحم الخنزير ، فيرده علي فاغسله قبل أن أصلي فيه؟ فقال أبو عبد الله (ع) : صل فيه ولا تغسله من أجل ذلك ، فإنك أعرته إياه وهو طاهر ولم تستيقن أنه نجسه ، فلا بأس أن تصلي فيه حتى تستيقن أنه نجسه » (١). وصحيحه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٧٤ من أبواب النجاسات حديث : ١.

٣٩٩

______________________________________________________

الآخر : « سألت أبا عبد الله (ع) : عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل الجري أو يشرب الخمر فيرده ، أيصلي فيه قبل أن يغسله؟ قال (ع) : لا يصلي فيه حتى يغسله » (١). فإن الأمر فيه وان كان محمولا على الاستحباب ، لكنه يدل بالتقرير على نجاسة الخمر. وصحيح ابن حنظلة : « قلت لأبي عبد الله (ع) : ما ترى في قدح من مسكر يصب عليه الماء حتى تذهب عاديته ويذهب سكره؟ فقال (ع) : لا والله ولا قطرة قطرت في حب إلا أهريق ذلك الحب » (٢). وما ورد في نزح البئر من وقوعه فيها‌ (٣). وما ورد في النهي عن استعمال أواني الكافرين لو كانوا يشربون فيها الخمر‌ (٤). وما‌ في موثق عمار عن أبي عبد الله (ع) من قوله : « ولا تصل في ثوب قد أصابه خمر أو مسكر حتى يغسل » (٥). وموثقه الآخر عنه (ع) من الأمر بغسل القدح ، أو الإناء الذي يشرب فيه الخمر ثلاث مرات ، وأنه لا يجزؤه حتى يدلكه بيده‌ (٦). وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) في النبيذ : « ما يبل الميل ينجس حبا من ماء. يقولها ثلاثا » (٧). وخبر زكريا بن آدم : « سألت أبا الحسن (ع) عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير ومرق كثير. قال (ع) : يهراق المرق ، أو يطعمه أهل الذمة ، أو الكلب واللحم اغسله وكله » (٨) ...

__________________

(١) الوسائل باب : ٧٤ من أبواب النجاسات حديث : ١ ، وباب : ٣٨ منها حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٨ من أبواب الأشربة المحرمة حديث : ١.

(٣) راجع الوسائل باب : ١٥ من أبواب الماء المطلق.

(٤) راجع الوسائل باب : ٧٢ من أبواب النجاسات.

(٥) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب الأشربة المحرمة حديث : ٢.

(٦) الوسائل باب : ٥١ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٧) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب النجاسات حديث : ٦.

(٨) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب النجاسات حديث : ٨.

٤٠٠