مستمسك العروة الوثقى - ج ١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦١١

استحبابي ، وهو ما إذا كان مسبوقا أو ملحوقا بالفتوى ، وإما وجوبي ، وهو ما لم يكن معه فتوى ، ويسمى بالاحتياط المطلق وفيه يتخير المقلد بين العمل به والرجوع الى مجتهد آخر [١]. وأما القسم الأول ، فلا يجب العمل به ، ولا يجوز الرجوع الى الغير بل يتخير بين العمل بمقتضى الفتوى ، وبين العمل به.

[ مسألة ٦٥ ] : في صورة تساوي المجتهدين يتخير بين تقليد أيهما شاء كما يجوز له التبعيض حتى في أحكام العمل الواحد [٢] ، حتى أنه لو كان ـ مثلا ـ فتوى أحدهما وجوب جلسة الاستراحة واستحباب التثليث في التسبيحات الأربع ، وفتوى الأخر بالعكس ، يجوز أن يقلد الأول في استحباب التثليث ، والثاني في استحباب الجلسة.

______________________________________________________

[١] قد عرفت أنه لا يتم على إطلاقه ، بناء على عدم جواز الامتثال الإجمالي مع التمكن من الامتثال التفصيلي.

[٢] قد عرفت في المسألة الثالثة والثلاثين الإشكال في جواز التبعيض ولا سيما في العمل الواحد ، فقد يشكل بالخصوص بأن الصلاة الفاقدة لجلسة الاستراحة المقتصر فيها علي تسبيحة واحدة باطلة في نظر كل واحد منهما ، فالاقتصار عليها في مقام الامتثال مخالفة لهما معاً. وفيه : أنه ـ بعد البناء على جواز التبعيض في التقليد ـ لا تقدح مخالفة كل واحد من المجتهدين مستقلا ، لعدم تقليد كل واحد منهما كذلك ، بل لما كان التقليد لهما معا على نحو الانضمام فالقادح مخالفتهما كذلك وهي منتفية ، لأن الصلاة المذكورة موافقة لهما معا.

فان قلت : كما أنها موافقة لهما كذلك مخالفة لهما. [ قلت ] : هذا‌

١٠١

[ مسألة ٦٦ ] : لا يخفى أن تشخيص موارد الاحتياط عسر على العامي إذ لا بد فيه من الاطلاع التام. ومع ذلك قد يتعارض الاحتياطان ، فلا بد من الترجيح. وقد لا يلتفت الى إشكال المسألة حتى يحتاط. وقد يكون الاحتياط في ترك الاحتياط. مثلا الأحوط ترك الوضوء بالماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر ، لكن إذا فرض انحصار الماء فيه الأحوط التوضؤ به ، بل يجب ذلك بناء على كون احتياط الترك استحبابياً ، والأحوط الجمع بين التوضؤ به والتيمم. وأيضا الأحوط التثليث في التسبيحات الأربع ، لكن إذا كان في ضيق الوقت ويلزم من التثليث وقوع بعض الصلاة خارج الوقت ، فالأحوط ترك هذا الاحتياط ، أو يلزم تركه. وكذا التيمم بالجص خلاف الاحتياط ، لكن إذا لم يكن معه الا هذا فالأحوط التيمم به ، وان كان عنده الطين ـ مثلا ـ فالأحوط الجمع ، وهكذا.

______________________________________________________

مسلم ، لكن مخالفتهما في غير مورد التقليد لهما ، أما في مورد التقليد لهما فهي موافقة لهما لا غير ، كما يظهر من مقايسة المقام بالتبعيض في عملين كالصلاة والصيام.

فان قلت : المجتهد المفتي بعدم وجوب جلسة الاستراحة إنما يفتي بذلك في الصلاة المشتملة على التسبيحات الثلاث ، كما أن المفتي بالاقتصار على تسبيحة واحدة إنما يفتي بذلك فيما اشتمل على جلسة الاستراحة ، فترك جلسة الاستراحة والاقتصار على تسبيحة واحدة ليس عملا بفتوى المجتهدين ولو على نحو الانضمام [ قلت ] : الارتباط بين الاجزاء في الثبوت والسقوط لا يلازم الارتباط بينها في الفتوى ، فان مرجع الفتويين الى عدم جزئية الجلسة‌

١٠٢

[ مسألة ٦٧ ] : محل التقليد ومورده هو الأحكام الفرعية العملية ، فلا يجري في أصول الدين [١].

______________________________________________________

وعدم جزئية ما زاد على التسبيحة الواحدة ، وليس هو ارتباطياً. فالعمدة في الاشكال على جواز التقليد للمجتهدين في العمل الواحد هو إشكال التبعيض الذي تقدمت الإشارة إليه.

[١] إجماعا ادعاه جماعة ، بل ادعي إجماع المسلمين عليه. ويقتضيه في معرفة الله جل شأنه ، وفي معرفة نبيه الكريم (ص) : أن الوجه في وجوب المعرفة عقلا من مناط وجوب شكر المنعم ، وفي وجوبها فطرة من مناط وجوب دفع الضرر المحتمل لا يحصل بالتقليد ، لاحتمال الخطأ في الرأي فلا يحصل الأمن من الخطر ولا الأمن مما ينافي الشكر. وحجية الرأي تعبداً إنما توجب الأمن من ذلك على تقدير المعرفة ، فيمتنع أن تثبت بها ولو تعبداً. وأما باقي الأصول فعدم جواز التقليد فيها للإجماع المتقدم.

وأما ما دل على وجوب العلم والمعرفة من الآيات ، والروايات ، فلا يقتضي ذلك ، لأن دليل حجية الرأي ـ لو تمَّ ـ يوجب حصول المعرفة بها تعبداً تنزيلا. ولا يتوجه الاشكال المتقدم هنا ، لأن المعرفة فيما عدا الأصلين الأولين ليست شرطا في الحجية ، وانما الشرط المعرفة بهما لا غير والمفروض حصولها ، فإذاً العمدة في عدم جواز التقليد هو الإجماع.

فإن قلت : تكفي في عدم جواز التقليد أصالة عدم الحجية. [ قلت ] : لا مجال للأصل المذكور مع الدليل ، وهو ما دل على حجية الرأي في الفروع كبناء العقلاء ، وقوله تعالى ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ) (١) وقوله تعالى : ( فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ ) (٢) ونحوهما من أدلة التقليد في‌

__________________

(١) النحل : ٤٣.

(٢) التوبة : ١٢٢.

١٠٣

وفي مسائل أصول الفقه [١] ، ولا في مبادي الاستنباط من النحو والصرف ونحوهما [٢].

______________________________________________________

الفروع ، فإنها ـ لو تمت دلالتها على جوازه في الفروع ـ دلت على جوازه في الأصول بنحو واحد ، فليس الموجب للخروج عن عموم الأدلة إلا الإجماع المستفيض النقل. وتمام الكلام في هذا المقام موكول الى محله ، كالكلام في وجوب كون المعرفة عن النظر والدليل ـ كما هو المنسوب الى جمع ـ وعدم وجوبه ـ كما نسب الى آخرين ـ وحرمته ـ كما نسب الى غيرهم ـ وان كان الأظهر الأول مع خوف الضلال بدون النظر ، والأخير مع خوف الضلال به ، والثاني مع الأمن من الضلال على تقدير كل من النظر وعدمه فراجع وتأمل.

[١] لخروجها عن محل الابتلاء للعوام المقلدين ، فلو فرض كونها محلا للابتلاء ـ ولو بتوسط النذر ونحوه ـ لم يكن مانع من عموم أدلة التقليد لها. ولذا جزم المصنف ـ رحمه‌الله ـ في صدر المسألة السادسة والأربعين : بأنه يجب على العامي أن يقلد الأعلم في مسألة وجوب تقليد الأعلم وفي المسألة الخامسة عشرة بوجوب رجوع العامي إلى الحي الأعلم في جواز البقاء وعدمه ، ويظهر منه ـ قدس‌سره ـ ومن غيره كونهما من المسائل الأصولية ، وان كان التحقيق أنهما من المسائل الفرعية ، لا من الأصولية ، لعدم وقوعهما في طريق استنباط الاحكام كما أشرنا الى ذلك آنفا.

[٢] هذا يتم في ما يقع في طريق استنباط الحكم الكلي ، أما ما يقع في طريق تطبيق الحكم الكلي وتشخيص موضوع الامتثال ـ مثل كثير من مسائل النحو والصرف المحتاج إليها في تصحيح القراءة والذكر ، والأذان ، والإقامة وصيغ العقود ، والإيقاعات ، مثل مسائل الإدغام ، والمد والوقف على الساكن والتحريك في الدرج ، وغير ذلك من المسائل الموقوفة على نظر‌

١٠٤

ولا في الموضوعات المستنبطة العرفية أو اللغوية [١] ، ولا في الموضوعات الصرفة. فلو شك المقلد في مائع أنه خمر أو خل ـ مثلا ـ وقال المجتهد إنه خمر لا يجوز له تقليده. نعم من حيث أنه مخبر عادل يقبل قوله كما في اخبار العامي العادل ، وهكذا. وأما الموضوعات المستنبطة الشرعية ـ كالصلاة والصوم ونحوهما ـ فيجري التقليد فيها كالأحكام العملية.

______________________________________________________

لا يتمكن منه العامي مما سيتعرض له المصنف [ ره ] في مباحث القراءة ـ فلا بد فيها من التقليد لعموم أدلته. نعم المسائل التي لا يحتاج إليها إلا في مقام استنباط الحكم الكلي لا مجال للتقليد فيها ، لخروجها عن محل الابتلاء بالنسبة إلى العامي.

[١] موضوعات الأحكام الشرعية قسمان : [ الأول ] : ما يكون مفهومه شرعياً مخترعا للشارع الأقدس ، سواء قلنا بالحقيقة الشرعية أم لا كالصلاة والصيام ونحوهما. [ الثاني ] : ما لا يكون كذلك بأن كان عرفياً أو لغويا. وكل منهما إما أن يكون المفهوم بذاته وحدوده واضحاً لا يحتاج إلى نظر واجتهاد ، وإما أن يكون محتاجا إلى ذلك. فالأول من كل منهما لا يحتاج الى تقليد لوضوحه لدى العامي كالمجتهد ، فلا معنى لحجية رأي المجتهد فيه ، والثاني من كل منهما محتاج إلى التقليد ، لعموم أدلته ، كالصلاة والصيام ، والصعيد ، والغناء والإناء ، والجذع والثني ، ونحوها. والبناء على عدم جواز التقليد فيها يقتضي البناء على وجوب الاجتهاد أو الاحتياط فيها ولا يظن الالتزام به من أحد ، فضلا عن المصنف [ ره ] فقد أدرج ـ كغيره ـ بيان مفهوم مثل هذه الموضوعات في هذه الرسالة وغيرها من رسائله المعدة للفتوى والعمل بها. فلاحظ.

١٠٥

[ مسألة ٦٨ ] : لا يعتبر الأعلمية في ما أمره راجع الى المجتهد [١] إلا في التقليد. وأما الولاية على الأيتام والمجانين والأوقاف التي لا متولي لها والوصايا التي لا وصي لها ونحو ذلك ، فلا يعتبر فيها الأعلمية. نعم الأحوط في القاضي أن‌

______________________________________________________

[١] الظاهر أن هذا مما لا إشكال فيه ، لإطلاق مثل‌ التوقيع الشريف : « وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواه حديثنا » (١). وما دل على أن العلماء ورثة الأنبياء‌ (٢) ، وأنهم كأنبياء بني إسرائيل‌ (٣) ، وانهم خلفاء النبي (ص) (٤) ، ونحو ذلك. لكن قد تعرضنا في [ نهج الفقاهة ] (٥) للمناقشة في تمامية ما ذكر لإثبات الولاية للفقيه ، لقصور سند بعضها ، ودلالة الآخر. وذكرنا هناك أن العمدة في إثبات الولاية ما دل على كون المجتهد قاضيا وحاكماً الظاهر في ثبوت جميع ما هو من مناصب القضاة والحكام له. فحينئذ يشكل الحكم فيما لم يثبت كونه من مناصب القضاة والحكام ، فان ثبوت ولاية المجتهد فيه إنما يكون من جهة العلم بإذن الشارع في التصرف ، أو عدم رضاه بتركه وإهمال الواقعة. لكن الدليل المذكور لما كان لبيا تعين الاقتصار فيه على القدر المتيقن ، وهو ولاية الأعلم عند التمكن منه ، كالاقتصار على المتيقن وهو ولاية المجتهد عند التمكن منه. فالعمدة إذاً في عدم اعتبار الأعلمية ظهور الإجماع عليه.

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب صفات القاضي حديث : ١٠.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب صفات القاضي حديث : ٢.

(٣) مستدرك الوسائل باب : ١١ من أبواب صفات القاضي حديث : ٣٠.

(٤) الوسائل باب : ١١ من صفات القاضي حديث : ٨.

(٥) راجع الصفحة : ٢٩٩.

١٠٦

يكون أعلم [١] من في ذلك البلد أو في غيره مما لا حرج في الترافع إليه.

[ مسألة ٦٩ ] : إذا تبدل رأي المجتهد هل يجب عليه اعلام المقلدين أم لا؟ فيه تفصيل [٢] ، فان كانت الفتوى السابقة موافقة للاحتياط ، فالظاهر عدم الوجوب ، وان كانت مخالفة فالأحوط الأعلام ، بل لا يخلو عن قوة.

[ مسألة ٧٠ ] : لا يجوز للمقلد إجراء [٣] أصالة البراءة ، أو الطهارة أو الاستصحاب في الشبهات الحكمية. وأما في الشبهات الموضوعية فيجوز بعد أن قلد مجتهده في حجيتها. مثلا إذا شك في أن عرق الجنب من الحرام نجس أم لا ليس له إجراء أصل الطهارة ، لكن في أن هذا الماء أو غيره لاقته النجاسة أم لا ، يجوز له إجراؤها بعد أن قلد المجتهد في جواز الإجراء.

[ مسألة ٧١ ] : المجتهد غير العادل ، أو مجهول الحال لا يجوز تقليده [٤] وان كان موثوقا به في فتواه. ولكن فتاواه معتبرة لعمل نفسه. وكذا لا ينفذ حكمه ولا تصرفاته في الأمور‌

______________________________________________________

[١] تقدم الكلام في هذا في المسألة السادسة والخمسين.

[٢] تقدم الكلام في هذا في المسألة الثامنة والأربعين وغيرها.

[٣] لأن إجراءها مشروط بالفحص ، وهو عاجز عنه ، فاجراؤها بدونه مخالفة لدليل الشرطية. وهذا بخلاف الشبهات الموضوعية ، فان إجراءها ليس مشروطا بالفحص ، ولو فرض اشتراطه به فليس هو بعاجز عنه ، فلا مانع من رجوعه إليها عند اجتماع الشرائط كالمجتهد.

[٤] يعني : لا يجوز تقليده واقعاً في الأول ، لفقد الشرط ، وظاهراً في الثاني ، لعدم ثبوت حجية رأيه. وكذا الحال في باقي الاحكام.

١٠٧

العامة ، ولا ولاية له في الأوقات والوصايا وأموال القصر والغيب.

[ مسألة ٧٢ ] : الظن بكون فتوى المجتهد كذا لا يكفي في جواز العمل ، الا إذا كان حاصلا من ظاهر لفظه شفاهاً ، أو لفظ الناقل ، أو من ألفاظه في رسالته. والحاصل : أن الظن ليس حجة [١] إلا إذا كان حاصلا من ظواهر الألفاظ منه أو من الناقل.

______________________________________________________

في الثاني ، لعدم ثبوت حجية رأيه. وكذا الحال في باقي الاحكام.

[١] لما دل على نفي حجيته من الأدلة الشرعية والعقلية ، من دون ثبوت مخصص.

والله سبحانه ولي التوفيق ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ، والحمد لله رب العالمين

١٠٨

فصل في المياه

فصل في المياه الماء إما مطلق [١] أو مضاف ، كالمعتصر من الأجسام أو الممتزج بغيره مما يخرجه عن صدق اسم الماء. والمطلق أقسام [٢] :

______________________________________________________

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

كتاب الطهارة

الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وآله الغر الميامين. واللعنة على أعدائهم أجمعين.

[١] وعرف بما يصح إطلاق لفظ الماء عليه من غير إضافة. يعني : يصح بلا تجوز ولا عناية. وهذا بخلاف الماء المضاف كماء الرمان ، وماء الورد ، فإن إطلاق لفظ الماء ـ مفرداً بلا إضافة ـ عليه مجاز ، والذي يكون إطلاقه عليه حقيقة ، ماء الرمان ، أو ماء الورد ، كما أن إطلاق ماء الورد على ماء الرمان مجاز ، وكذا إطلاق ماء الرمان على ماء الورد. ومن هنا ظهر أن تقسيم الماء إلى المطلق والمضاف بلحاظ المسمى. كما ظهر أن مفهوم الماء جامع حقيقي بين أفراده ، ومفهوم الماء المضاف جامع انتزاعي بين أفراده ، فإنها حقائق متباينة.

[٢] الموجود في كلام جماعة تقسيمه إلى جار ، ومحقون ، وماء بئر وتقسيم المحقون إلى كثير وقليل. وكأن موضوع القسمة ماء الأرض ، ولذا‌

١٠٩

الجاري ، والنابع غير الجاري والبئر ، والمطر ، والكر ، والقليل وكل واحد منها مع عدم ملاقاة النجاسة طاهر مطهر من الحدث والخبث [١].

______________________________________________________

لم يذكر في أقسامه ماء المطر. وعدم ذكر النابع في الأقسام إما لدخوله في الجاري ـ كما صرح به بعض ، حيث عرفه بالنابع غير البئر ـ أو في البئر ـ كما هو ظاهر آخرين ـ بل عن المحقق البهبهاني : « أن النابع الراكد عند الفقهاء في حكم البئر » والأمر سهل.

[١] إجماعا مستفيض النقل ، بل وضوحه أغنى عن الاستدلال عليه بالآيات الشريفة مثل قوله تعالى ( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً ) (١) بناء على أن المراد من لفظ الطهور فيها إما المطهر بناء على أنه أحد معانيه ـ كما عن بعض ـ فيدل على طهارته في نفسه بالالتزام ، أو الطاهر المطهر ـ كما عن جمع أنه أحد معانيه ـ أو ما يتطهر به كالسحور والفطور ـ كما هو أحد معانيه قطعا ـ فيدل أيضاً بالالتزام على طهارته في نفسه. هذا ولكن من المحتمل إرادة المبالغة منه ، فان [ فعول ] أيضاً من صيغ المبالغة كالصبور والحسود ، فإن الطهارة ذات مراتب متفاوتة ، ولذا صح التفضيل فيها بلفظ : [ أطهر ] ومع هذا الاحتمال يشكل الاستدلال. وأشكل منه الاستدلال به على المطهرية لغيره ـ حتى بناء على حمل الهيئة على المبالغة ـ بدعوى : أن المبالغة لا معنى لها إلا بلحاظ المطهرية لغيره. إذ فيه ـ ـ مضافاً إلى ما عرفت ـ : أن هذا المعنى من المبالغة مجاز لا يجوز ارتكابه في الاستدلال. وإن كان الأقرب الحمل على المعنى الثالث ، لعدم ثبوت المعنيين الأولين ، ولكونه أقرب من الحمل على المبالغة ، لخفاء وجهها.

وأما قوله تعالى ( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ) (٢)

__________________

(١) الفرقان : ٤٨.

(٢) الأنفال : ١١.

١١٠

[ مسألة ١ ] : الماء المضاف مع عدم ملاقاة النجاسة طاهر [١] ، لكنه غير مطهر ، لا من الحدث [٢].

______________________________________________________

فدلالته على المطلوب سالمة عن الاشكال المتقدم ، وإن كانت لا عموم فيها لوروده في واقعة خاصة ، إلا أن يتمسك بالإجماع على عدم الفرق ، كالإجماع على عدم الفرق بين ماء السماء وغيره.

ثمَّ إنه لا تخلو النصوص الشريفة من الدلالة على طهارته ومطهريته ، ففي رواية السكوني عن النبي (ص) : « الماء يطهر ولا يطهر » (١). وفي صحيح ابن فرقد عن أبي عبد الله (ع) : « كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض ، وقد وسع الله تعالى عليكم بأوسع ما بين السماء والأرض ، وجعل لكم الماء طهوراً » (٢) ‌، وفي غيرهما : أنه تعالى جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً (٣). ومورد الأخير الحدث ، كما أن مورد ما قبله الخبث ، بل هو ظاهر رواية السكوني‌ بقرينة المقابلة بالنفي. كما أنه لا عموم في الجميع بالإضافة إلى ما يتطهر به فلا بد من تتميم الدلالة بالإجماع المحقق في الجملة.

[١] يعني : مع طهارة أصله. ويكفي في ذلك الاستصحاب ، وأصالة الطهارة.

[٢] كما هو المشهور ، ويقتضيه الكتاب المجيد ، مثل قوله تعالى : ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (٤). والسنة التي هي بمضمونه وبغير مضمونه كما ستأتي في محلها إن شاء الله. وعن الصدوق : جواز‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب الماء المطلق حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب الماء المطلق حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب الماء المطلق حديث : ١.

(٤) النساء : ٤٣. والمائدة : ٦.

١١١

ولا من الخبث [١].

______________________________________________________

الوضوء وغسل الجنابة بماء الورد ، لخبر يونس عن أبي الحسن (ع) قال : « قلت له : الرجل يغتسل بماء الورد ويتوضأ به للصلاة. قال (ع) : لا بأس بذلك » (١). لكن عن الشيخ أنه خبر شاذ أجمعت العصابة على ترك العمل بظاهره. انتهى. وكفى بهذا موهنا له ومانعاً عن الاعتماد عليه. وعن الحسن جواز استعمال مطلق المضاف عند عدم الماء. ولم يظهر له مستند.

[١] كما هو المشهور أيضاً. ويقتضيه ظاهر كثير من النصوص الواردة في الموارد المتفرقة مثل‌ قوله (ع) : « لا يجزئ من البول إلا الماء » (٢) وقوله (ع) في تطهير الإناء من الولوغ : « اغسله بالتراب أول مرة ثمَّ بالماء » (٣) ونحوهما غيرهما وهو كثير. وقد تقدم صحيح ابن فرقد الظاهر ـ بقرينة الامتنان ـ في انحصار المطهر بالماء.

وعن المفيد والسيد ـ قدهما ـ جواز رفع الخبث به. وعن الأول الاستدلال عليه بالرواية. وعن الثاني الاستدلال عليه بالإجماع. لكن الرواية مرسلة والإجماع معلوم العدم. وأما إطلاق الأمر بالغسل والتطهير ، فمقيد بالنصوص المشار إليها. مع قرب دعوى انصراف الأول إلى الغسل بالماء لارتكاز مطهريته عرفا وشرعا دون غيره من المائعات. كما لا تبعد دعوى إجمال الثاني ، وحصوله بغير الماء يحتاج إلى دليل ، ولو بني على إطلاقه كان مقتضاه الاكتفاء بزوال العين. وأما‌ رواية غياث : « لا بأس أن يغسل الدم بالبصاق » (٤) فلعلها المشار إليها في كلام المفيد. لكنها مع أنها‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب الماء المضاف والمستعمل حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب أحكام الخلوة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب الأسئار حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٤ من أبواب الماء المضاف والمستعمل حديث : ٢.

١١٢

______________________________________________________

مهجورة ـ أخص من المدعى ـ لو كان البصاق من المضاف ـ وإلا كانت أجنبية عنه. مع أن ظاهر‌ رواية غياث الأخرى : « لا يغسل بالبصاق شي‌ء غير الدم! » (١) مناف له فلا مجال لتتميمها بعدم القول بالفصل ونحوه. ثمَّ إن المحكي عن السيد [ ره ] الاستدلال على ما ذكرنا : بأن الغرض ازالة عين النجاسة ، وهو يحصل بالغسل بالمضاف. ومقتضى هذا الاستدلال عدم وجوب تطهير المتنجس بما لا تبقى عينه ، وحصول الطهارة بمجرد زوال عين النجاسة بكل مزيل وان لم يكن مضافا ، ولكنه ـ كما ترى ـ خلاف النصوص المتقدمة الآمرة بالغسل والتطهير ، فضلا عن النصوص الظاهرة في تعيين الماء.

وعن الكاشاني [ ره ] التفصيل بين الموارد التي ورد فيها ذلك فلا بد من الماء وبين غيرها فيكفي زوال العين. وفيه : أن هذا خلاف استصحاب النجاسة من دون دليل عليه. مضافا إلى أنه خلاف ما ثبت إجماعا وارتكازاً من عدم الفرق بين الموارد. وإنكار سراية النجاسة إلى الجسم ـ ليسقط الاستصحاب ـ خلاف ظاهر النصوص ، الموافق للارتكاز العرفي من سراية أثر عين النجاسة إلى ملاقيها. فلاحظ ما ورد في المرق والعجين اللذين أصابهما قطرة من خمر أو نبيذ (٢) ، وقوله (ع) : « ما يبل الميل ينجس حباً من الماء » (٣). ويشير إلى ذلك ما‌ في رواية عمر بن شمر الواردة في طعام ماتت فيه الفارة ، قال (ع) : « إنما استخففت بدينك حيث أن الله تعالى حرم الميتة من كل شي‌ء » (٤) ‌، وما ورد في التطهير من البول‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب الماء المضاف والمستعمل حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب النجاسات حديث : ٨.

(٣) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب النجاسات حديث : ٦.

(٤) الوسائل باب : ٥ من أبواب الماء المضاف والمستعمل حديث : ٢.

١١٣

ولو في حال الاضطرار [١] ، وان لاقى نجسا تنجس [٢] وان كان كثيراً بل وان كان مقدار ألف كر [٣] فإنه ينجس بمجرد‌

______________________________________________________

من أن الغسلة الثانية لازالة الأثر‌ (١) ، وغير ذلك. فلاحظ.

[١] لعدم الفرق بين الحالين فيما ذكرنا. وعن ابن أبي عقيل مطهرية المضاف حينئذ. ودليله غير ظاهر ، كما تقدم في رفع الحدث.

[٢] إجماعا محكيا عن كتب الفاضلين والشهيدين ، وغيرها ، وعن السرائر : نفي الخلاف فيه. وقد تدل عليه الاخبار الواردة في نجاسة الزيت والسمن والمرق ونحوها بملاقاة النجاسة (٢) ، لأنها وإن لم تكن من المضاف ، إلا أنها مثله في الميعان ، الموجب لسراية النجاسة حسب الارتكاز العرفي ، فالتعدي عنها إلى المضاف نظير التعدي منها إلى المائعات التي ليست من المضاف. بل قد عرفت أنه يظهر من رواية عمر بن شمر المتقدمة‌

أن ذلك من أحكام النجاسة.

[٣] كما يقتضيه إطلاق معاقد الإجماعات والكلمات. لكنه لا يخلو من تأمل ، لعدم السراية عرفا في مثله ، نظير ما يأتي من عدم السراية إلى العالي الجاري إلى السافل. والنصوص الواردة في السمن والمرق ونحوهما غير شاملة لمثله. وثبوت الإجماع على السراية في الكثرة المفرطة غير ظاهر ومن هنا يسهل الأمر في عيون النفط المستخرج في عصرنا ، المعلوم غالباً مباشرة الكافر له بالرطوبة المسرية.

__________________

(١) لم نعثر على ما تضمن ذلك في كتب الحديث. نعم روى في المعتبر صفحة : ١٢١ من الحسين بن أبي العلاء عن الصادق ( ع ) قال : « سألته ... عن الثوب يصيبه البول قال : اغسله مرتين الأول للإزالة والثاني للإنقاء » ورواه مرسلا في الذكرى صفحة : ١٥.

(٢) راجع الوسائل باب : ٥ من أبواب الماء المضاف والمستعمل. وباب : ٣٨ من أبواب النجاسات حديث : ٨.

١١٤

ملاقاة النجاسة ولو بمقدار رأس ابرة في أحد أطرافه فينجس كله. نعم إذا كان جاريا من العالي الى السافل ولاقى سافله النجاسة لا ينجس العالي منه [١] ، كما إذا صب الجلاب من إبريق على يد كافر ، فلا ينجس ما في الإبريق وان كان متصلا بما في يده.

[ مسألة ٢ ] : الماء المطلق لا يخرج بالتصعيد عن إطلاقه [٢]. نعم لو مزج معه غيره وصعد ـ كماء الورد ـ يصير مضافا.

[ مسألة ٣ ] : المضاف المصعد مضاف [٣].

[ مسألة ٤ ] : المطلق أو المضاف النجس يطهر بالتصعيد ، لاستحالته بخاراً [٤] ثمَّ ماء.

______________________________________________________

[١] كما هو المشهور ، بل قيل : الظاهر أنه مذهب الكل عدا السيد في المناهل. لعدم ثبوت سراية النجاسة كلية في المائعات ، وانما الثابت منها في غير مثل ذلك. والرجوع إلى العرف ـ الذي هو مقتضى الإطلاقات المقامية ـ يقتضي البناء على عدم السراية للنجاسة من السافل إلى العالي ، فإنه المطابق لمرتكزاتهم. ومثله الكلام في سراية النجاسة من العالي إلى السافل مع تدافع السافل عليه كما في الفوارة. أما مع عدم التدافع من أحدهما إلى الآخر فلا إشكال في السراية من كل منهما إلى الآخر.

[٢] لصدق الماء عليه عرفا ، الذي هو المعيار في الإطلاق.

[٣] لما تقدم من الصدق العرفي. لكن في اطراده في جميع الموارد تأملا.

[٤] الموجبة لمغايرته له عرفا ، على نحو لا يجري معه استصحاب الحكم لتعدد الموضوع. وهذا هو المدار في مطهرية الاستحالة ، لجريان أصالة‌

١١٥

[ مسألة ٥ ] : إذا شك في مائع أنه مضاف أو مطلق فان علم حالته السابقة أخذ بها [١]. وإلا فلا يحكم عليه بالإطلاق ، ولا بالإضافة [٢]. لكن لا يرفع الحدث والخبث [٣] وينجس ، بملاقاة النجاسة إن كان قليلا ، وإن كان بقدر الكر لا ينجس ، لاحتمال كونه مطلقاً ، والأصل الطهارة [٤].

______________________________________________________

الطهارة حينئذ بلا معارض ، كما سيأتي في محله إن شاء الله. فاذا انقلب البخار ماء كان المرجع في حكمه أصالة الطهارة أيضاً ، لا استصحابها ، لتعدد الموضوع عرفا ، كما في البخار.

[١] للاستصحاب. هذا إذا كان الشك بنحو الشبهة الموضوعية ، أما لو كان بنحو الشبهة المفهومية ـ للشك في حدود المفهوم وقيوده ، على نحو يستوجب الشك في صدقه على المورد ـ أشكل جريان الاستصحاب ، لأنه من الاستصحاب الجاري في المفهوم المردد ، كالجاري في الفرد المردد وأما استصحاب الحكم السابق فلا مانع منه ، مثل استصحاب كونه مطهراً من الحدث والخبث ، إذا علم انه كان مطلقاً ، أو استصحاب انفعاله بالملاقاة إذا علم كونه مضافا كثيراً. لكنه من الاستصحاب التعليقي المعارض بالاستصحاب التنجيزي غالباً. فلو لم يكن معارضا أو بنينا على حكومة الاستصحاب التعليقي على الاستصحاب التنجيزي ، أو كان الحكم السابق تنجيزياً ، فلا بأس بجريانه.

[٢] إذ لا موجب للحكم بذلك من دليل أو أصل.

[٣] لاستصحاب بقائهما.

[٤] يعني : استصحابها. نعم ربما يكون بعض الوجوه الموجبة للنجاسة في فرض الملاقاة مع الشك في الكرية مقتضياً للحكم بالنجاسة في المقام فانتظر.

١١٦

[ مسألة ٦ ] : المضاف النجس يطهر بالتصعيد كما مر ـ وبالاستهلاك في الكر أو الجاري [١].

______________________________________________________

[١] بتفرق أجزائه فيه على نحو لا يبقى له وجود محفوظ في نظر العرف يجري فيه الاستصحاب. نظير الاستحالة في الأعيان النجسة المطهرة للمستحيل بالمناط المذكور. وأما المطلق المستهلك فيه فالمرجع فيه دليل اعتصامه كراً كان أو جاريا ، أو ماء بئر ، بناء على اعتصامه. ويعضده بعض النصوص الواردة في طهارة الماء الذي وقع فيه بول أو دم أو خمر أو نحوها‌ (١) بعد حملها على المعتصم.

ولو انقلب المضاف مطلقا. بقي على نجاسته ، للاستصحاب ، إذ لا دليل على مطهرية الانقلاب كلية. وحينئذ يطهر بكل ما يطهر القليل النجس الآتي بيانه (٢) إن شاء الله.

وعن العلامة ـ رحمه‌الله ـ القول بطهر المضاف بمجرد الاتصال بالكثير لكن لا دليل عليه. وقول علي (ع) : « الماء يطهر ولا يطهر » (٣) لا عموم له لكل متنجس ، كما أشرنا إليه آنفاً. مع أن العموم غير كاف في ذلك ، إذ لا إطلاق له في كيفية التطهير ، وليس بناء العرف على كفاية مجرد الاتصال في مثل ذلك.

وأما ما عن الشيخ [ ره ] من اعتبار عدم تغير المطلق المستهلك فيه المضاف بصفات المضاف ، ومع التغير يتنجس المطلق. فغير ظاهر ، إلا بناء على نجاسة المطلق المتغير بصفات المتنجس الملاقي له ، وسيأتي الكلام فيه.

__________________

(١) راجع المسألة : ٢ وما بعدها من مسائل الفصل المتعرض فيه لماء البئر.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب الماء المطلق حديث : ٣ ، ٧ وباب : ٥ حديث : ٦ ، وباب : ٩ حديث : ١٤.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب الماء المطلق حديث : ٧.

١١٧

[ مسألة ٧ ] : إذا القي المضاف النجس في الكر ، فخرج عن الإطلاق إلى الإضافة ، تنجس إن صار مضافا قبل الاستهلاك. وان حصل الاستهلاك والإضافة دفعة لا يخلو الحكم بعدم تنجسه عن وجه [١] لكنه مشكل.

[ مسألة ٨ ] : إذا انحصر الماء في مضاف مخلوط بالطين ، ففي سعة الوقت يجب عليه أن يصبر حتى يصفو ويصير الطين إلى الأسفل ، ثمَّ يتوضأ على الأحوط [٢]. وفي ضيق الوقت يتيمم ، لصدق الوجدان مع السعة دون الضيق.

______________________________________________________

[١] إذ في حال وجود المضاف كان المطلق الملاقي له معتصما ، وبعد انقلاب المطلق مضافاً لا مضاف نجس كي ينجس بملاقاته. نعم قد تشكل صحة الفرض : بأن الاستهلاك يلازم صدق المطلق على الجميع ، فكيف يكون الماء حينئذ مضافاً ، والإضافة والإطلاق ضدان يمتنع اجتماعهما في محل واحد؟! وفيه : ما عرفت من أن الاستهلاك عبارة أخرى عن ذهاب الموضوع بنحو يمتنع أن يجري استصحاب نجاسته ، ولا ملازمة عقلا بين ذلك وبين صدق الماء المطلق على المستهلك فيه كي يلزم اجتماع الضدين. نعم في الغالب يكون انقلاب المطلق إلى المضاف ناشئاً من غلبة المضاف النجس عليه بنحو يمتنع صدق استهلاكه مع غلبته على المطلق. ولكن هذا المقدار لا يوجب امتناع الفرض.

[٢] بل الأقوى ، بناء على أن المصحح للتيمم والمسقط لوجوب الطهارة المائية عدم القدرة عليها ، لا مجرد عدم وجود الماء ، كما سيأتي (١) إن شاء الله.

__________________

(١) يأتي توضيح ان المراد عدم القدرة على المأمور به حتى في آخر الوقت ( منه قدس‌سره )

١١٨

[ مسألة ٩ ] : الماء المطلق بأقسامه ـ حتى الجاري منه ـ ينجس إذا تغير بالنجاسة في أحد أوصافه الثلاثة من الطعم ، والرائحة ، واللون [١]. بشرط أن يكون بملاقاة النجاسة ، فلا يتنجس إذا كان بالمجاورة [٢] ، كما إذا وقعت ميتة قريباً من الماء فصار جائفا. وأن يكون التغير بأوصاف النجاسة [٣]

______________________________________________________

[١] إجماعا محصلا ومنقولا كاد يكون متواتراً ، كما في الجواهر. ويدل عليه الاخبار الكثيرة منها النبوي المتفق على روايته ـ كما عن السرائر ـ المتواتر عن الصادق (ع) عن آبائه ـ كما عن ابن أبي عقيل ـ الذي عمل به الأمة وقبلوه ـ كما‌ عن الذخيرة ـ : « خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شي‌ء ، إلا ما غير لونه ، أو طعمه ، أو ريحه » (١) ونحوه غيره (٢). ولا يقدح عدم ذكر اللون في جملة منها ، فقد ذكر في بعضها الآخر ، كمعتبر شهاب ، وفيه : « قلت : وما التغير؟ قال : الصفرة » (٣) ومعتبر العلاء بن الفضيل : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الحياض يبال فيها. قال (ع) : لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول » (٤) وقريب منهما غيرهما.

[٢] لعله لا خلاف فيه بل مجمع عليه ، كذا في الجواهر. لأنه خارج عن مورد أكثر النصوص ومنصرف الباقي.

[٣] سيأتي بيان المراد منه في المسألة الحادية عشرة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب الماء المطلق ففيها جملة أحاديث ، ويوجد بعض الأحاديث في أبواب أخر متفرقة.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب الماء المطلق حديث : ٩.

(٣) الوسائل باب : ٩ من أبواب الماء المطلق حديث : ١١.

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب الماء المطلق حديث : ٧.

١١٩

دون أوصاف المتنجس [١]. فلو وقع فيه دبس نجس فصار أحمر ، أو أصفر لا ينجس إلا إذا صيره [٢] مضافا. نعم لا يعتبر أن يكون بوقوع عين النجس فيه [٣] ، بل لو وقع فيه متنجس حامل لأوصاف النجس فغيره بوصف النجس‌

______________________________________________________

[١] كما صرح به جماعة كثيرة ، بل في الجواهر : « يمكن استنباط الإجماع عند التأمل عليه ». إذ مورد أكثر النصوص نجس العين كالميتة ، والدم ، والبول. وأما النبوي‌ ونحوه فهو وان كان لفظه عاماً للمتنجس ، إلا أن منصرفه خصوص وصف نجس العين ، إذ هو الذي يساعده الارتكاز العرفي من اختصاص النفرة بذلك لا غير عندهم ، للفرق بين ظهور أثر النجس بالذات في الماء ، وبين ظهور أثر الطاهر بالذات فيه ، وان كان نجساً بالعرض ، فإن الأول يناسب البناء على نجاسة الماء دون الثاني ، لأن النفرة الذاتية في الأول تستوجب النفرة عن الأثر ، بخلاف الثاني ، لعدم النفرة الذاتية فيه ، والنفرة العرضية زائلة بزوال موضوعها ، لفرض الاستهلاك فتأمل جيداً.

[٢] يعنى : مع بقاء الدبس بنحو يصح استصحاب نجاسته. أما لو صيره مضافا بعد الاستهلاك أو مقارنا له فقد تقدم أن للطهارة وجها وجيها.

[٣] كما صرح بذلك جماعة. وقد يشكل : بأن المعيار في التنجس ان كان ظهور أثر النجاسة في الماء ـ ولو لم تكن ملاقاة لها ـ فاللازم الاكتفاء بذلك ولو مع المجاورة ، وان كان بشرط الملاقاة فالتغير بالمتنجس الحامل لصفات عين النجاسة لا يوجب النجاسة لعدم الملاقاة. نعم إذا كان المتنجس حاملا لاجزاء النجاسة ـ ولو كانت متفرقة فيه ـ كانت الملاقاة للنجاسة ، لكنه ليس من محل الكلام ، أو أنه ليس كذلك دائما.

فإن قلت : المتنجس إذا كان حاملا لأوصاف النجاسة فلا بد أن يكون حاملا لأجزائها لامتناع انتقال العرض من محل الى محل آخر ، وحينئذ فالملاقي‌

١٢٠