مستمسك العروة الوثقى - ج ١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦١١

« ودباغها ولبسها » السؤال عن مطهرية الدبغ ، فالمراد من لبسها اللبس على أنها طاهرة ، فقول الامام (ع) : « لا » ظاهر في عدم مطهرية الدبغ ، لا النهي عن اللبس.

وأما ما‌ في صحيح الكاهلي في قطع أليات الغنم : « قال أبو عبد الله (ع) ، إن في كتاب علي (ع) : أن ما قطع منها ميت لا ينتفع به » (١) ، وما‌ في رواية علي بن المغيرة : « قلت لأبي عبد الله (ع) الميتة ينتفع منها بشي‌ء فقال : لا » (٢) ، ونحوهما ما في غيرهما. فالظاهر أن المقصود منها الإرشاد إلى النجاسة ، كالأمر بإراقة الماء ، أو المرق ، عند ملاقاة النجاسة ، وليس المقصود منه بيان حكمه من عدم الانتفاع مطلقاً ، والمصحح للكناية بمثل هذا التعبير عنها ـ ولو مع جواز الانتفاع بالنجس في الجملة ـ أن النجس مما يرغب عن الانتفاع به حتى الانتفاع الجائز ، لما يترتب على الانتفاع به من الابتلاء بالنجاسة. وليراجع الإنسان نفسه إذا أهدي إليه لباس نجس أو فراش ، أو غطاء ، أو سرج دابة ، أو نحو ذلك ، فإنه لا يرى من نفسه الاقدام على اللبس أو الافتراش أو التغطي أو الركوب ، كما تقدم في رواية الوشاء‌. ولو سلم ثبوت عمومه لمطلق الانتفاع تعين حمله على نوع خاص جمعا بين النصوص. ورواية تحف العقول‌ قد تقدم في مبحث الانتفاع بالعذرة محملها فراجع.

نعم قد يشكل ما ذكر : بأن النصوص المتقدمة الدالة على جواز الانتفاع بالميتة ـ مع عدم صحة أسانيدها ـ مهجورة عند قدماء الأصحاب. بل قد حكى الإجماع على عدم جواز الانتفاع بالميتة جماعة ، حتى أن الحلي ـ بعد ما روى في مستطرفات السرائر رواية البزنطي المتقدمة‌ ـ ذكر : « أنها من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الذبائح حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٦١ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

٣٤١

______________________________________________________

نوادر الاخبار والإجماع منعقد على تحريم الميتة والتصرف فيها على كل حال إلا أكلها للمضطر ، مضافا إلى مخالفتها لقاعدة عدم جواز الانتفاع بالأعيان النجسة المستدل عليها بالآيات والروايات والإجماع ، فكيف يصح لأجلها التصرف في غيرها؟! بناء على ظهوره في المنع عن مطلق الانتفاع.

ويمكن أن يدفع : بأن النصوص المذكورة لا يخلو بعضها من الاعتبار وان لم تكن صحيحة. وأما الهجر فلم يثبت على نحو يقدح في جواز العمل بها ، لجواز أن يكون لبنائهم على قاعدة عدم جواز الانتفاع بالأعيان النجسة التي استفادوها من ظاهر بعض الآيات مثل قوله تعالى ( وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ) (١) وقوله تعالى ( رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ ) (٢) وقوله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ) (٣) وبعض الروايات مثل ما في رواية تحف العقول‌ ، من تعليل حرمة بيع وجوه النجس ، بحرمة الأكل والشرب والإمساك وجميع التقلبات (٤). لكن دلالتها على ذلك لا تخلو من إشكال ـ كما أوضح ذلك شيخنا الأعظم [ ره ] في مكاسبه ـ فلم يثبت الهجر الموجب للخروج عن الحجية. وعليه لو سلمت الدلالة لأمكن الخروج عنها بالنصوص المذكورة ، إذ يجوز تخصيص العام ولو كان من الكتاب بالخاص ولو كان من السنة. وأما الإجماع المدعى على القاعدة فهو ـ وان حكي عن جماعة من الأكابر ـ لا مجال للاعتماد عليه ، بعد مخالفة جملة من أعيان المتأخرين فيها. مع تأتي المناقشة في كون مراد بعض الحاكين له ذلك. فراجع كلمات شيخنا الأعظم [ قده ].

__________________

(١) المدثر : ٥.

(٢) المائدة : ٩٠.

(٣) المائدة : ٣.

(٤) الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يكتسب به حديث : ١.

٣٤٢

الخامس : الدم من كل ما له نفس سائلة [١] ، إنساناً‌

______________________________________________________

وبالجملة : بعد عدم ثبوت قاعدة عدم جواز الانتفاع بالنجاسات ـ لقصور الأدلة المستدل بها عليها ـ ينحصر الاستدلال على عدم جواز الانتفاع بالميتة بالخصوص بمثل صحيح الكاهلي المتقدم ، وتقدم الإشكال في دلالته ، إذ من البعيد أن يكون المراد منه النهي عن كل انتفاع ، ولو كان مثل إطعام جوارح الطير ، أو تسميد الزرع ، ونحوهما مما لا يعتبر فيه الطهارة بوجه ، فان بيان هذا المعنى يحتاج إلى مزيد عناية ، ولا يكفي فيه مثل هذا الكلام. بل هذا المعنى مقطوع بخلافه في مثل رواية علي بن المغيرة ، فان السائل إنما عنى بقوله : « الميتة ينتفع بها » انها كما ينتفع بالمذكى ، وليس المراد ما يعم إطعام الجوارح. ولو سلم إطلاق في عدم الانتفاع ، فهو مقيد بالنصوص المتقدمة ، فيحمل على الانتفاع المؤدي إلى الوقوع في الحرام ، كما أشير إليه في رواية الوشاء المتقدمة‌ ، على ما عرفت.

[١] إجماعا ، صريحاً وظاهراً ، محكياً عن جماعة كثيرة ، وان اختلفت عباراتهم في معقده. ففي بعضها : مطلق دم ذي النفس. وفي بعضها : دم ذي العرق وهو راجع إلى الأول ، وفي بعضها : الدم المسفوح ، والمسفوح هو المصبوب ، وعليه يكون بين هذا العنوان وما قبله عموم من وجه ، لعمومه لمثل دم السمك وعدم شموله للمتخلف في اللحم ونحوه من أجزاء الحيوان. ويجب تفسيره ـ كما في كلام بعضهم ـ بما ينصب من العرق ، فيكون أخص مطلقا من الأول ، ولا يشمل مثل دم السمك. وفي المنتهى : « الدم المسفوح من كل حيوان ذي نفس سائلة يكون خارجا بدفع من عرق نجس. وهو مذهب علماء الإسلام » ، ونحوه كلام غيره من الأعاظم.

لكن ادعى غير واحد من الأجلاء أن المراد مطلق دم ذي النفس ، بقرينة تعرضهم لطهارة دم غير ذي النفس ، والمتخلف في الذبيحة ، دون‌

٣٤٣

______________________________________________________

ما عداهما من دم ذي النفس غير المسفوح ، ولورود النصوص الكثيرة الظاهرة في نجاسة غير المسفوح من دم ذي النفس ، كدم الرعاف‌ (١) ، أو ما يوجد في الأنف‌ (٢) ، وعند قطع الثالول ، ونتف لحم الجرح‌ (٣) ، وحك الجلد‌ (٤) ، وقلع السن‌ (٥) ودم الجروح ، والقروح‌ (٦) ، والحيض ، والنفاس ، والاستحاضة (٧). وغير ذلك ، مع عدم تعرضهم لرد هذه النصوص ، وبيان الوجه فيه ، من ضعف دلالة أو سند أو غير ذلك ، بل لا ريب في بنائهم على قبولها ، فان ذلك كله شاهد بإرادة العموم ، كما ادعاه جماعة.

لكنه لا يخلو من اشكال ، لإباء كلماتهم عن الحمل على ذلك. ولا سيما بملاحظة تعليلهم طهارة المتخلف : بأنه ليس بمسفوح ، وان طهارته لعدم المقتضي للنجاسة ، والبناء على نجاسة الدم في الموارد المذكورة المنصوصة يمكن أن يكون لبنائهم على أنه من المسفوح ، لخروجه من العروق الدقاق أو لكون المراد منه مطلق الخارج من البدن ، أو غير ذلك.

وبالجملة : ثبوت كلية نجاسة دم ذي النفس بالإجماع غير واضح ، وإن كان يساعدها ارتكاز المتشرعة من غير فرق بين الإنسان الذي هو

__________________

(١) الوسائل باب : ٨٢ من أبواب النجاسات حديث : ١ ويوجد أيضاً من كثير من أبواب النجاسات والماء المطلق.

(٢) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٦٣ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب النجاسات حديث : ٥.

(٥) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ١.

(٦) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب النجاسات حديث : ٣.

(٧) راجع الوسائل في أبواب أغسال الحيض والنفاس والاستحاضة والنجاسات والماء.

٣٤٤

______________________________________________________

مورد النصوص المتقدمة وغيره. لكن الرجوع الى هذا الارتكاز في موارد الخلاف والاشكال محل تأمل ونظر.

وأما النصوص فدلالتها على عموم النجاسة لا تخلو من اشكال ، لورودها في موارد خاصة ، وإلغاء خصوصية موردها عرفا ـ لو تمَّ ـ معارض بمثله بالإضافة إلى ما تضمن نفي البأس عن دم البق والبراغيث والسمك. بل الإلغاء على نحو الكلية غير واضح. نعم قد ذكر لفظ الدم في بعض النصوص غير مقيد. لكن ذلك غير كاف في إطلاقه ، لعدم كونه وارداً لبيان نجاسة الدم ، وانما ورد في مقام بيان حكم آخر بعد الفراغ عن نجاسته‌

كموثق عمار : « كل شي‌ء من الطير يتوضأ مما يشرب منه إلا أن ترى في منقاره دما ، فإن رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ ولا تشرب منه » (١) فإنه وارد في مقام جعل الحكم الظاهري عند الشك في وجود الدم المفروغ عن نجاسته ، لا في مقام تشريع نجاسة الدم.

ومثله في الاشكال الروايات الواردة في نزح البئر ، لوقوع الدم فيها ، كصحيح ابن بزيع : « عن البئر تكون في المنزل للوضوء فيقطر فيها قطرات من بول أو دم ... » (٢). فإن الأمر بالنزح فيه وفي أمثاله وان دل على النجاسة ـ كما تقدم في مبحث نجاسة الميتة ـ لكن الظاهر من السؤال في جميع هذه النصوص علم السائل بالنجاسة ، والسؤال إنما كان عن تأثيرها في البئر ، فترك الاستفصال فيه لا يقتضي العموم. وكذا الاشكال فيما لو ورد الأمر بالنزح ابتداء من المعصوم فإنه أيضاً وارد في مقام بيان حكم آخر.

وأما‌ النبوي المروي في الذكرى وغيرها من كتب الفروع : « إنما‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب الأسئار حديث : ٢ ، وباب : ٨٢ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الماء المطلق حديث : ٢١.

٣٤٥

أو غيره كبيراً أو صغيراً ، قليلا كان الدم ، أو كثيراً [١].

______________________________________________________

يغسل الثوب من البول والدم والمني » (١) فالحصر فيه ـ على اشكاله ـ يحتمل قريباً وروده لبيان عقد النفي ، لا مع عقد الإثبات ، فلا إطلاق له. مضافا الى ضعف الخبر ، وعدم ثبوت الجابر له ، لعدم ثبوت الاعتماد عليه. وكذا‌ خبر زكريا بن آدم : « سألت أبا الحسن (ع) عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر‌ ... [ الى أن قال ] : قلت : فان قطر فيه الدم؟ قال (ع) : الدم تأكله النار. قلت : فخمر أو نبيذ قطر في عجين أو دم قال (ع) : فسد ... » (٢). فان الظاهر وروده في مقام السؤال عن التأثير في القدر التي فيها اللحم الكثير ، والمرق الكثير ، ولذا سأل ثانيا عن وقوع الدم في العجين ، فالسؤال فيه ليس عن النجاسة بل عن حال الملاقي.

هذا ويمكن أن يقرب عموم النجاسة : بأن الذي يظهر من النصوص الواردة في دم الإنسان وفي دم الحيوان ـ على اختلاف مواردها ـ المفروغية عن نجاسته على وجه العموم. ولذا ورد نفي البأس عن دم البق والبراغيث والسمك ، الظاهر كونه من قبيل الاستثناء من عموم النجاسة. لكن هذا المقدار من الاشعار لم يبلغ حد الحجية ، الرافع لأصالة الطهارة مع الشك.

[١] فيه إشارة إلى احتمال خلاف الشيخ [ ره ] فيما لا يدركه الطرف من الدم ، حسب ما تقدم في مبحث المياه مع دليله (٣). والى خلاف الصدوق [ ره ] فيما دون الحمصة الذي يشهد له‌ خبر المثنى بن عبد السلام عن الصادق (ع) : « إني حككت جلدي فخرج منه دم. فقال (ع) :

__________________

(١) ذكره في الذكرى في الثالث والرابع من النجاسات صفحة : ١٣ سطر : ١٣.

(٢) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب النجاسات حديث : ٨.

(٣) في أوائل فصل الراكد بلا مادة.

٣٤٦

وأما دم ما لا نفس له فطاهر [١] كبيراً كان أو صغيراً كالسمك‌

______________________________________________________

إذا اجتمع قدر حمصة فاغسله وإلا فلا » (١). والى خلاف ابن الجنيد فيما دون سعة الدرهم من الدم وغيره من النجاسات. وكأنه اعتمد في الدم على ما سيأتي من النصوص المتضمنة للعفو عما دون الدرهم ، وفي غيره على القياس عليه. ويحتمل أن يكون مرادهما مجرد العفو كظاهر دليل الثاني ، ومحمل دليل الأول ، فلا يكون خلاف في المسألة.

[١] إجماعا محكياً في كلام السيدين ، والحلي ، والمحقق ، والعلامة ، في جملة من كتبه ، والشهيدين ، والسيد في المدارك ـ على ما حكي عنهم ـ وكفى به دليلا على الطهارة. مع أنك عرفت أنها مقتضى الأصل ، لفقد العموم الدال على نجاسة الدم الشامل لما نحن فيه.

أما‌ خبر السكوني عن أبي عبد الله (ع) : « إن علياً (ع) كان لا يرى بأسا بدم ما لم يذك يكون في الثوب فيصلي فيه الرجل. يعني دم السمك » (٢) ومكاتبة محمد بن ريان : « قال كتبت الى الرجل : هل يجري دم البق مجرى دم البراغيث؟ وهل يجوز لأحد أن يقيس بدم البق على البراغيث فيصلي فيه؟ وأن يقيس على نحو هذا فيعمل به؟ فوقع (ع) يجوز الصلاة والطهر منه أفضل » (٣). فالمستفاد منهما مجرد العفو في الصلاة. نعم ظاهر‌ خبر غياث عن جعفر (ع) عن أبيه : ـ « لا بأس بدم البراغيث والبق وبول الخشاشيف » (٤) ـ الطهارة. لكن لا عموم فيه. ومثله صحيح ابن أبي يعفور في دم البراغيث‌ (٥).

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب النجاسات حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب النجاسات حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب النجاسات حديث : ٥.

(٥) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب النجاسات حديث : ١.

٣٤٧

والبق ، والبرغوث ، وكذا ما كان من غير الحيوان [١] كالموجود تحت الأحجار عند قتل سيد الشهداء [٢] ، أرواحنا فداه. ويستثنى من دم الحيوان المتخلف في الذبيحة بعد خروج المتعارف [٣] سواء كان في العروق ، أو في اللحم ، أو في القلب ، أو الكبد ، فإنه طاهر [٤]. نعم إذا رجع دم المذبح إلى الجوف ، لرد‌

______________________________________________________

هذا وقد يوهم المحكي في مفتاح الكرامة من عبارات الجمل والمبسوط والمراسم نجاسة الدم المذكور والعفو عنه. ولعله محمول على الطهارة ، ولا سيما ما في الأولين بقرينة ما في الخلاف من النص على طهارة دم السمك فلاحظ.

[١] كما نص عليه في الجواهر وغيرها. ويقتضيه أصالة الطهارة بعد ما عرفت من عدم عموم يقتضي نجاسة الدم.

[٢] ومثله ما خلق آية لموسى بن عمران (ع).

[٣] إجماعا ، كما عن المختلف ، وآيات الجواد ، وكنز العرفان ، والحدائق ، وبلا خلاف ، كما عن البحار ، والذخيرة ، والكفاية ، وغيرها. وقد يستدل عليه بما دل على نفي الحرج (١). وبالسيرة ، وبما دل على حل الذبيحة وبعدم المقتضي للنجاسة ، لأنه ليس من المسفوح ، وغير ذلك مما لا يخلو بعضه من المناقشة.

[٤] المذكور في بعض معاقد الإجماع على طهارة المتخلف خصوص العروق ، وفي بعض آخر : خصوص اللحم ، وفي ثالث : هما معاً. وكأن ذكر ذلك من باب المثال ، إذ لا ينبغي التأمل في عموم الحكم لجميع ما في المتن وغيره من الشحم والعظم ، والمخ. وعن شرح الدروس : إجماع الأصحاب ظاهراً على طهارة ذلك كله.

وما عن أطعمة المدارك من قوله [ ره ] : « وفي إلحاق ما يتخلف في‌

__________________

(١) تقدم التعرض له في المسألة العاشرة من فصل ماء البئر.

٣٤٨

النفس ، أو لكون رأس الذبيحة في علو ، كان نجساً [١]. ويشترط في طهارة المتخلف أن يكون مما يؤكل لحمه على‌

______________________________________________________

القلب والكبد وجهان » مما ظاهره التردد ، في غير محله. ولذا جزم في الروضة بطهارته فيهما. ويشهد بذلك ـ مضافا الى ظهور الإجماع عليه ، لعدم تعرضهم للخلاف فيه والى اطراد الوجوه المذكورة آنفا فيه من السيرة ودليل نفي الحرج وغيرهما ـ : أنه مقتضى أصالة الطهارة بعد عدم وضوح دخوله في معقد الإجماع على النجاسة.

[١] كما نص عليه جماعة ، منهم المحقق والشهيد الثانيان ، والمقداد ، والصيمري على ما حكي عنهم.

والوجه فيه : أما في صورة الرجوع من الخارج بالنفس ونحوه ـ كما هو ظاهر المفروض في المتن ـ فلأن الدم الخارج نجس قطعاً ، فاذا رجع إلى الجوف بقي على نجاسته ، بل ينجس به كل ما يلاقيه من دم وغيره. وحينئذ فإن علم المتخلف بعينه ، ولم تعلم ملاقاته للخارج الداخل اليه فهو طاهر ، ولو علم بملاقاته له فهو نجس. ولو لم يعلم بعينه ـ فتردد بين كونه من المتخلف وكونه من الداخل إليه ـ فإن كان طرفا لعلم إجمالي جرى عليه حكم الشبهة المحصورة ، وإلا جرى عليه حكم الشبهة البدوية الآتي في المسألة السابعة.

وأما في صورة الرجوع من الداخل فالمظنون أنه لا كلام في نجاسة الراجع. نعم عن شرح الدروس : أنه قد يقال : إنه إذا خرج منه دم يحكم بنجاسته ، وإذا لم يخرج ولم يظهر فهو طاهر وإن كان في اللحم. انتهى. ولكنه بعيد جداً ، وان كان مقتضى ما عرفت من الإشكال في ثبوت عموم نجاسة الدم الرجوع فيه إلى أصالة الطهارة. نعم‌ في صحيح

٣٤٩

الأحوط. فالمتخلف من غير المأكول نجس ، على الأحوط [١].

[ مسألة ١ ] : العلقة المستحيلة من المني نجسة [٢] ، من‌

______________________________________________________

الشحام : « إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس به » (١). ومقتضى ظهوره في خروج الدم على النحو المتعارف حرمة الذبيحة في الفرض ، وكونها ميتة.

[١] بل عن الذخيرة ، والكفاية ، والبحار ، وشرح المفاتيح : الظاهر اتفاق الأصحاب على النجاسة. وكأن وجه ذلك ما في محكي المعالم من إطلاقهم نجاسة الدم سوى المتخلف في الذبيحة ، وان المتبادر من الذبيحة خصوص المأكولة. لكن التبادر غير ظاهر ، إلا أن يكون من جهة استدلال بعضهم على طهارة المتخلف بالسيرة ، وأدلة نفي الحرج وحل الذبيحة. لعدم اطراد الوجوه المذكورة في غير المأكول ، بل عدم اطرادها في الجزء غير المأكول كالطحال من الذبيحة المأكولة. لكنه معارض باستدلال بعضهم على طهارته بعدم كونه مسفوحا ، لعدم الفرق في ذلك بين المأكول وغيره مطلقاً. ولذا نسب شيخنا الأعظم [ ره ] الطهارة في الجزء غير المأكول إلى ظاهر الأصحاب ، فلا يبعد الحكم بالطهارة في المقام ، كما عن كشف اللثام ، والعلامة الطباطبائي [ ره ] في منظومته ، بل فيها نسبة الطهارة فيه الى المعظم. لما عرفت من عدم ثبوت عموم نجاسة الدم ، والأصل الطهارة ، المعتضد بخلو النصوص من التعرض للنجاسة مع أنها مما يغفل عنها ، لكون المرتكز عرفا أن تذكيه غير المأكول بحكم تذكية المأكول في طهارة المتخلف ، وأنهما سواء في ذلك.

[٢] إجماعا محكيا عن الخلاف ، وتبعه عليه كثير ممن تأخر عنه ، بل في الجواهر : « لم يعرف من جزم بالطهارة إلا صاحب الحدائق ».

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب الذبائح حديث : ٣.

٣٥٠

______________________________________________________

نعم تأمل فيه جماعة ، كالشهيد في الذكرى ، والأردبيلي ، وكاشف اللثام. وفي المعتبر استدل على النجاسة بأنها ـ يعني : العلقة ـ دم حيوان له نفس ورده جماعة : بأن تكونه في الحيوان لا يستلزم كونه جزءاً منه ، بل في كشف اللثام : « منع بعضهم الدخول في اسم الدم عرفا ، خصوصا التي في البيضة ». لكنه ـ كما ترى ـ خلاف النظر العرفي ، غاية الأمر أنها عندهم دم غليظ وأما ما ذكره الجماعة فمبني على كون المراد من دم الحيوان ذي النفس ما يكون جزأه ، فالإضافة من قبيل اضافة الجزء الى الكل. أما لو أريد ما يعم المتكون فيه فلا تتجه والمعنى الأول وان كان أظهر من العبارة المذكورة ، لكن إجماع الخلاف على النجاسة ، وقبول من تأخر عنه له ، يدل على أن المراد منه المعنى الثاني. ويشهد لذلك ما عن الخلاف من الاستدلال على النجاسة ـ مضافا الى إجماع الفرقة ـ : بأن ما دل على نجاسة الدم دل على نجاسة العلقة. فإنه لو لا أن يكون المراد ما ذكرنا من المعنى لم يكن الاستدلال متجهاً ، كما لا يخفى.

لكن يشكل الحكم بالنجاسة بعدم ثبوت عموم النجاسة لدم ذي النفس فضلا عن الدم المتكون فيه ، وإجماع الخلاف لا يبعد أن يكون مستنده دعوى عموم النجاسة له ، كما يظهر من استدلاله عليه به.

وأشكل من ذلك ما في المعتبر ، والتذكرة ، والقواعد وعن النافع ، والجامع ، وكشف الرموز ، وغيرها ، من الحكم بنجاسة علقة البيضة. فإنه يتوقف على عموم النجاسة لما يكون مبدأ نش‌ء حيوان ذي نفس وان لم يكن جزءاً منه ، ولا متكوناً فيه ، فان علقة البيضة تتكون فيها غالباً بعد خروج البيضة من الحيوان ، فان ثبوت مثل هذا العموم كما ترى ، وان كان ظاهر استدلال المعتبر على النجاسة فيها بأنها من الدم النجس ظاهر في ذلك. ولكنه غير واضح.

٣٥١

إنسان كان أو من غيره ، حتى العلقة في البيض. والأحوط الاجتناب عن النقطة من الدم الذي يوجد في البيض [١]. لكن إذا كانت في الصفار وعليه جلدة رقيقة لا ينجس معه البياض إلا إذا تمزقت الجلدة [٢].

______________________________________________________

وبالجملة : الظاهر من دم الحيوان ذي النفس الذي هو موضوع النجاسة ـ بناء عليه ـ هو ما يعد جزءاً منه ، والبناء على نجاسة العلقة المستحيلة من المني يتوقف على ارادة مطلق ما يتكون في الحيوان ، والبناء على نجاسة علقة البيضة أيضاً يتوقف على إرادة الأعم منه ومما يكون مبدأ نش‌ء الحيوان وفتوى الشيخ بحل علقة البيضة الملزومة للقول بالطهارة فيها تنافي المعنى الأخير ، وفتوى الجماعة بنجاستها تقتضي ارادته ، فالقرائن على كل من المعنيين متدافعة ، وأدلة النجاسة في نفسها قاصرة عن شمول ذلك كله ، كما عرفت آنفاً. وعليه يشكل التمسك بها في كل من العلقتين.

وأما إجماع الخلاف فيشكل الاعتماد عليه ، لما عرفت من الظن بمستنده الذي لم يثبت. وعلى هذا فالبناء على النجاسة في كل من العلقتين غير ظاهر وان كان هو الموافق لمذاق المتشرعة.

[١] فإنه وان لم يتضح دليل على النجاسة من إجماع أو غيره ، لقصور أدلة النجاسة عن شمولها ، فان دم الحيوان ذي النفس ـ على أي معنى من المعاني الثلاثة المتقدمة حمل ـ لا يشملها ، ولو أريد منه ما يكون منسوبا الى الحيوان ولو بلحاظ كون أصله متكوناً في جوف الحيوان ولو لم يكن جزءا منه ـ كان شاملا لها ، إلا أنه مما لا يمكن الالتزام به. غير أن الطهارة خلاف ذوق المتشرعة وإلا فاصل الطهارة محكم بلا شبهة.

[٢] فينجس البياض من ملاقاة الصفار المتنجس بملاقاة الدم. لكن في المستند : استشكل في تنجس الصفار. وكأنه لأن الغلظ والكثافة الموجودين‌

٣٥٢

[ مسألة ٢ ] : المتخلف في الذبيحة وان كان طاهراً ، لكنه حرام [١]

______________________________________________________

فيه يمنعان من سراية النجاسة إلى تمام أجزائه. وسيأتي تحقيق ذلك في شرائط التنجيس. نعم من المحتمل أن يكون على النقطة غشاء يمنع من سراية نجاستها إلى الصفار فيتعين الرجوع الى أصالة الطهارة.

[١] في الحدائق : انه طاهر حلال من غير خلاف يعرف ، واستدل له ـ مضافا إلى اتفاق الأصحاب من غير خلاف ينقل ـ بما دل على حصر المحرمات في الآيات المستلزم للطهارة. لأنه متى كان حلالا كان طاهراً. وبالروايات الدالة على عد محرمات الذبيحة‌ (١) ولم تذكره منها ، وان كانت الدلالة لا تخلو من ضعف مع اعتضاد ذلك بأصالة الطهارة انتهى.

أقول : المراد من آية الحصر قوله تعالى ( قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً ... ) (٢). فان مقتضى الحصر حلية غير المسفوح ، ومنه المتخلف. وفيه : أنه لو تمَّ ذلك لحل كل دم غير مسفوح ، ولا يختص بالمتخلف ، وهو مما لم يقل به أحد. والوجه فيه عموم تحريم الدم في الآيات (٣) والروايات‌ (٤) ، والحصر المذكور لا بد من توجيهه ضرورة كثرة المحرمات المطعومة من الحيوانات فضلا عن غيرها ، فلو بني على عمومه لزم التخصيص المستهجن. فاما أن يحمل على الإضافي ، أو على زمان نزول الآية ـ كما قيل ـ أو غير ذلك من وجوه الجمع.

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٣١ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٢) الانعام : ١٤٥.

(٣) البقرة : ١٧٣ ، والمائدة : ٣ ، والنحل : ١١٥.

(٤) راجع الوسائل باب : ١ ، ٤٨ ، ٤٩ ، ٥٩ من أبواب الأطعمة المحرمة.

٣٥٣

إلا ما كان في اللحم مما يعد جزءاً منه [١].

[ مسألة ٣ ] : الدم الأبيض إذا فرض العلم بكونه دما نجس [٢] ، كما في خبر فصد العسكري [٣] صلوات الله عليه وكذا إذا صب عليه دواء غير لونه إلى البياض.

______________________________________________________

ومن ذلك يظهر الإشكال في التمسك بمفهوم الوصف. مع أن التحقيق عدم حجية مفهوم الوصف. ولعل النكتة في التقييد بالمسفوح كثرة الابتلاء به في الجاهلية. مضافا إلى النصوص الكثيرة المتضمنة لذكر محرمات الذبيحة وقد عد فيها الدم ، وعقد لها في الوسائل بابا طويلا. فراجع. وحمل الدم فيها على ما يخرج بالذبح خلاف إطلاقها. وأشكل من ذلك ما ذكره في الفرع الأول من فروع المسألة من حلية العلقة حتى التي في البيضة ، لعدم كونها من المسفوح.

[١] بأن يكون مستهلكا عرفا في اللحم. والأظهر حلية ما جرت السيرة على أكله مع اللحم تبعا ، مما يحتاج في تخليصه من اللحم إلى عمل وعناية ، من غسل وعصر ونحوهما ، وإن لم يكن مستهلكا في اللحم.

[٢] كأنه لإطلاق بعض النصوص الواردة في بعض الموارد الخاصة ، وترك الاستفصال في بعض آخر ، وبضميمة عدم القول بالفصل تثبت النجاسة على وجه العموم. مضافا الى إطلاق معاقد الإجماع على نجاسة الدم الشامل للأبيض والأصفر وغيرهما.

[٣] روى في الوسائل (١) حديثاً في ذلك عن الكافي ، وفي البحار (٢) حديثا آخر عن الخرائج والجرائح ، روى في الوسائل (٣) بعضه ، وفي‌

__________________

(١) باب : ١٠ من أبواب ما يكتسب به حديث : ١.

(٢) المجلد الثاني عشر في باب معجزات العسكري ( ع ).

(٣) باب : ١٠ من أبواب ما يكتسب به حديث : ٢.

٣٥٤

[ مسألة ٤ ] : الدم الذي قد يوجد في اللبن عند الحلب نجس [١] ومنجس للبن.

[ مسألة ٥ ] : الجنين الذي يخرج من بطن المذبوح ويكون ذكاته بذكاة أمه تمام دمه طاهر [٢]. ولكنه لا يخلو عن إشكال.

[ مسألة ٦ ] : الصيد الذي ذكاته بآلة الصيد في طهارة ما تخلف فيه بعد خروج روحه إشكال ، وان كان لا يخلو عن وجه [٣]. وأما ما خرج منه فلا إشكال في نجاسته.

______________________________________________________

الأول : « خرج دم أبيض كأنه الملح » وفي الثاني : « مثل اللبن الحليب » فراجع.

[١] لأنه دم مسفوح من حيوان ذي نفس ، غاية الأمر أنه لضعف آلة الافراز يحصل الاختلاط. وعليه ينجس اللبن بملاقاته له في الخارج.

[٢] كما لم يستبعده في الجواهر ، وجزم به في كشف الغطاء. ولكنه غير ظاهر ـ كما قيل ـ فان دم الجنين لا يدخل في المتخلف في الذبيحة المستثنى من الدم النجس. وكون المراد من الذبيحة مطلق المذكى ، ولذا يشمل المذكى بالنحر مسلم ، ولا يجدي في المقام ، لأن طهارة المتخلف موضوعها المتخلف بعد خروج الدم من المذكى ، وهو مفقود في الجنين إلا بعد ذبحه وخروج دمه. ولذا قال المصنف [ ره ]. « ولكنه لا يخلو عن إشكال ». إلا أن يدفع بفقد العموم الدال على نجاسته. والإجماع عليها غير ثابت بنحو يشمل المقام ، الذي نص بعضهم على طهارته. والأصل يقتضي الطهارة. ولأنه لو بني على نجاسة دمه المتخلف بطل الانتفاع به غالبا ، وهو خلاف ظاهر الأدلة ، بل خلاف المقطوع به منها.

[٣] الكلام فيه هو الكلام في دم الجنين.

٣٥٥

[ مسألة ٧ ] : الدم المشكوك في كونه من الحيوان أو لا محكوم بالطهارة [١] كما أن الشي‌ء الأحمر الذي يشك في أنه دم أم لا كذلك. وكذا إذا علم أنه من الحيوان الفلاني ، ولكن لا يعلم أنه مما له نفس أم لا ، كدم الحية والتمساح ، وكذا إذا لم يعلم أنه دم شاة أو سمك. فإذا رأى في ثوبه دما لا يدري أنه منه أو من البق أو البرغوث يحكم بالطهارة. وأما الدم‌

______________________________________________________

[١] قد عرفت أنه لا عموم لفظي يدل على عموم نجاسة الدم ، وأن العمدة فيه الإجماعات المدعاة على عموم نجاسة دم الحيوان من ذي النفس السائلة في الجملة ، فإذا شك في الدم أنه دم حيوان أو غيره ، أو علم أنه دم حيوان وشك في أنه دم ذي نفس سائلة أو غيره ، فلما لم يحرز عنوان العام الذي هو شرط في التمسك به ـ إجماعا ـ كان المرجع فيه أصالة الطهارة. وأولى منه بذلك ما شك في كونه دما أو صبغاً. وقد يدعى كون الأصل النجاسة فيما أحرز أنه دم وان لم يعلم أنه من حيوان أو من ذي النفس ، لما‌ في موثقة عمار المتقدمة من قوله (ع) : « فإن رأيت في منقاره دما فلا تشرب ولا تتوضأ » (١).

لكن عرفت في أول المبحث أن الرواية في مقام جعل الحكم الظاهري للسؤر عند الشك في نجاسته وطهارته للشك في وجود الدم على منقار الطائر وعدمه ، بعد المفروغية عن نجاسة الدم. كما يشهد به كون السؤال فيها عن سؤر السباع من الطير التي تأكل الميتة ، وليست في مقام جعل الحكم الظاهري بنجاسة الدم الذي يكون على منقار الطير مع الشك في كونه من الدم الطاهر أو النجس.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب الأسئار حديث : ٢ وقد تقدمت في أول مبحث نجاسة الدم.

٣٥٦

المتخلف في الذبيحة إذا شك في أنه من القسم الطاهر أو النجس فالظاهر الحكم بنجاسته ، عملا بالاستصحاب [١] ، وإن كان لا يخلو عن إشكال [٢]. ويحتمل التفصيل بين ما إذا كان‌

______________________________________________________

هذا مضافا إلى معارضتها بذيلها المروي في الاستبصار ، بل وفي الفقيه ـ كما قيل ـ في ماء شربت منه دجاجة : « إن كان في منقارها قذر لم يتوضأ منه ولم يشرب ، وان لم يعلم أن في منقارها قذراً توضأ منه واشرب » وكما يمكن تخصيص الثانية بغير الدم ، يمكن تقييد الأولى بصورة العلم بنجاسة الدم ، وحيث لا مرجح يكون الصدر بمنزلة المجمل ، والمرجع عموم قاعدة الطهارة. بل لعل تقييد إطلاق الصدر لكونه أحوالياً أولى من تقييد إطلاق الذيل ، لكونه افراديا.

[١] كأنه يريد استصحاب النجاسة الثابتة قبل التذكية ، إذ الشك يكون في ارتفاع النجاسة بصيرورة الدم من المتخلف.

[٢] لعدم وضوح الدليل على نجاسة الدم الموجود في الجسد قبل التذكية ، وكذا نجاسة بقية الأعيان من البول والمني والغائط ، كما أشرنا إلى ذلك في المسألة الأولى من مبحث نجاسة البول. نعم قد يظهر من كلماتهم الإجماع عليها. ولكن الاعتماد عليه مشكل ، لاحتمال كون مستنده عدم الفرق في مرتكز العرف بين الخارج والداخل ، فيتعدى من مورد الأدلة ـ وهو الخارج ـ إلى الآخر. لكنه غير ظاهر ، ولا سيما في مثل الدم الذي هو ما دام في الباطن له نحو من الحياة ، وبه قوام الحياة البشرية ، وأنه غذاء الجنين في بطن أمه ، ولأن البناء على ذلك يستلزم البناء على مطهرية التخلف ، وهو مما لا يوافق الارتكاز العرفي ، وكذا لا يوافق الارتكاز بناؤهم على عدم نجاسة ما يلاقيه من الداخل ، فالارتكاز متدافع ، فلا مجال للعمل به. بل ما في كشف الغطاء : ـ من قوله [ ره ] : « والأقوى‌

٣٥٧

الشك من جهة احتمال رد النفس ، فيحكم بالطهارة ، لأصالة عدم الرد [١] وبين ما كان لأجل احتمال كون رأسه على علو فيحكم بالنجاسة ، عملا بأصالة عدم خروج المقدار المتعارف‌.

[ مسألة ٨ ] : إذا خرج من الجرح أو الدمل شي‌ء‌

______________________________________________________

أن المني ، والدم ، والبول ، والغائط ، محكوم بنجاستها مع استمرارها في الباطن انتقلت عن محالها أولا ، لكنها لا تؤثر تنجيساً في الباطن ... » ـ يشعر بوجود الخلاف في نجاستها في الداخل. اللهم إلا أن يكون نظره في قوله : « الأقوى » إلى الحكم الأخير.

ويحتمل أن يكون وجه الإشكال في المتن احتمال تبدل الموضوع المانع من جريان الاستصحاب. ويحتمل أن يكون وجه الاشكال لزوم الرجوع إلى الأصول الموضوعية ، كما سيذكره [ ره ]. وهذا الاحتمال هو الأظهر في العبارة.

[١] لا يخفى أن اشتراط خروج الدم في طهارة الدم المتخلف ليس على حد اشتراط عدم رد النفس. فإن الأول إذا انتفى انتفت طهارة المتخلف بالمرة ، بخلاف الثاني ، فإنه لو انتفى بقي المتخلف على طهارته ، ويكون النجس الدم الراجع لا غير. وعليه إذا شك في نجاسة الدم للشك في تحقق الخروج فالشبهة بدوية ، للشك في تحقق شرط الطهارة ، فأصالة عدم الخروج محكمة ، لأنها أصل سببي موضوعي فيقدم على قاعدة الطهارة ، أو استصحاب النجاسة المتقدم ، لأنه أصل حكمي مسببي. وإذا شك في نجاسة الدم للشك في تحقق الرد ، فقد علم بوجود الدم الطاهر ، واحتمل وجود الدم النجس ، فالشك في نجاسة دم معين ناشئ من الشك في أنه الدم الطاهر المعلوم ، أو النجس المشكوك ، وأصالة عدم الرد لا تصلح لتعيين حال الدم المعين إلا بناء على الأصل المثبت ، فيتعين الرجوع الى‌

٣٥٨

أصفر يشك في أنه دم أم لا محكوم بالطهارة [١]. وكذا إذا شك من جهة الظلمة أنه دم أم قيح ولا يجب عليه الاستعلام [٢].

[ مسألة ٩ ] : إذا حك جسده فخرجت رطوبة يشك في أنها دم أو ماء أصفر يحكم عليها بالطهارة [٣].

[ مسألة ١٠ ] : الماء الأصفر الذي ينجمد على الجرح عند البرء طاهر إلا إذا علم كونه دما ، أو مخلوطا به [٤] ، فإنه نجس إلا إذا استحال جلداً.

______________________________________________________

الأصل الحكمي ، وهو إما استصحاب النجاسة المتقدم ، أو أصالة الطهارة.

ثمَّ إنه قد يشكل جريان أصالة عدم الخروج في الفرض الأول : بأن الخروج لم يذكر في القضية الشرعية شرطا للطهارة ، كي يكون مجرى للأصل الشرعي. بل القدر الثابت من الإجماع والسيرة ، وغيرهما ، طهارة المتخلف بعد خروج الدم على النحو المتعارف ، أما كون الخروج شرطا شرعيا ، أو أنه ملازم للشرط فغير معلوم. ومن ذلك يظهر أنه إن تمَّ استصحاب النجاسة ، فهو المرجع في الفرضين ، ويتعين البناء على النجاسة فيهما ، وان أشكل بما سبق ، فالمتعين البناء على الطهارة ، لقاعدة الطهارة.

[١] لقاعدة الطهارة ، كما تقدم.

[٢] كما في سائر الشبهات الموضوعية ، لإطلاق أدلة الأصول الجارية فيها. نعم قيل بوجوبه في موارد خاصة ، لقيام دليل عليه بالخصوص.

[٣] لما سبق.

[٤] يعني : بنحو يكون ماء ودما ، لا بنحو يكون الدم مستهلكا عرفا فيصدق عليه أنه ماء أصفر ، وان كان حدوث الصفرة فيه لملاقاته للدم ، فان الملاقاة في الداخل لا توجب النجاسة ، وفي الخارج لا ملاقاة للدم‌

٣٥٩

[ مسألة ١١ ] : الدم المراق في الامراق حال غليانها نجس ، منجس [١] وان كان قليلا مستهلكا ، والقول بطهارته [٢] بالنار ـ لرواية ضعيفة ـ [٣] ضعيف.

______________________________________________________

ـ عرفا ـ كما هو المفروض ومجرد تغير المائع بلون الدم لا دليل على أنه يوجب النجاسة في أمثال المقام مما كانت الملاقاة في الباطن. وكذا تغيره بريحه أو طعمه أو بغيره من النجاسات الداخلية مع كون الملاقاة في الداخل.

[١] لقاعدة سراية النجاسة إلى الملاقي للنجس. مع شهادة بعض النصوص‌ (١) بها في خصوص الدم في الجملة.

[٢] كما عن المفيد ، والشيخ في النهاية ، والقاضي ، والديلمي.

مع التقييد بالقليل في كلام النهاية ، والقاضي.

[٣] رواها الشيخ [ ره ] عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن يعقوب بن يزيد عن الحسن بن المبارك ، عن زكريا بن آدم قال : « سألت أبا الحسن (ع) : عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير ومرق كثير. قال (ع) : يهراق المرق أو يطعمه أهل الذمة ، أو الكلب ، واللحم اغسله وكله. قلت : فان قطر فيه الدم؟ قال (ع) : الدم تأكله النار إن شاء الله » (٢) ورواها الكليني عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن موسى ، عن الحسين بن المبارك ، عن زكريا بن آدم (٣). وضعف الطريقين كان بابن المبارك سواء أكان الحسن ـ كما في بعض نسخ التهذيب ـ أم الحسين ـ كما في بعض آخر وفي الكافي ـ فإن الأول مهمل ، والثاني لم يتعرض له بمدح أو قدح ، غير أن له كتابا رواه البرقي عن‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٨٢ من أبواب النجاسات.

(٢) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب النجاسات حديث : ٨.

(٣) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الأشربة المحرمة حديث : ١.

٣٦٠