مستمسك العروة الوثقى - ج ١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦١١

أو شهدت البينة بتطهيره ، ثمَّ تبين الخلاف. وكذا لو وقعت قطرة بول أو دم ـ مثلا ـ وشك في أنها وقعت على ثوبه أو على الأرض ، ثمَّ تبين أنها وقعت على ثوبه [١]. وكذا لو رأى في بدنه أو ثوبه دما ، وقطع بأنه دم البق أو دم القروح المعفو ، أو أنه أقل من الدرهم ، أو نحو ذلك ، ثمَّ تبين أنه مما لا يجوز الصلاة فيه. وكذا لو شك في شي‌ء من ذلك ثمَّ‌

______________________________________________________

من قبيل الفرض الأول. وكذا الكلام في البينة. نعم‌ في حسنة ميسر : « قلت لأبي عبد الله (ع) : آمر الجارية فتغسل ثوبي من المني فلا تبالغ في غسله ، فأصلي فيه فاذا هو يابس. قال (ع) : أعد صلاتك. أما انك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شي‌ء » (١). وموردها صورة العلم بوقوع الغسل ، وكون الحكم بالطهارة اعتمادا على أصالة الصحة ، فكأن الرواية واردة للردع عن العمل بها فلا تنافي شيئاً مما في المتن.

[١] العلم المأخوذ في النصوص وجودا وعدما موضوعا للإعادة وعدمها [ تارة ] : يراد به العلم التفصيلي [ واخرى ] : الأعم من الإجمالي مطلقاً [ وثالثة ] : بشرط كونه منجزاً. ولازم الأول صحة الصلاة مع العلم بنجاسة أحد الثياب التي عليه. ولازم الثاني البطلان إذا صلى في أحد أطراف الشبهة غير المحصورة أو كان بعض الأطراف خارجا عن محل الابتلاء. وذلك كله ـ مع أنه خلاف ظاهر النصوص ـ مما لا يظن إمكان الالتزام به. ولأجل ذلك يتعين المصير الى الثالث ، ولازمه التفصيل في الفرض المذكور بين كون الأرض مورداً لابتلاء المكلف وعدمه ، واختصاص الصحة بالثاني دون الأول. إلا أن يدعى انصراف النصوص إلى خصوص العلم بنجاسة الثوب أو البدن ولو إجمالا لا غير. ولكنه غير ظاهر.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ من أبواب النجاسات حديث : ١.

٥٤١

تبين أنه مما لا يجوز ، فجميع هذه من الجهل بالنجاسة [١] لا يجب فيها الإعادة أو القضاء.

[ مسألة ٣ ] : لو علم بنجاسة شي‌ء ، فنسي ولاقاه بالرطوبة ، وصلى ، ثمَّ تذكر أنه كان نجسا ، وأن يده تنجست بملاقاته ، فالظاهر أنه أيضاً من باب الجهل بالموضوع ، لا النسيان ، لأنه لم يعلم نجاسة يده سابقا ، والنسيان إنما هو في نجاسة شي‌ء آخر غير ما صلى فيه. نعم لو توضأ أو اغتسل قبل تطهير يده وصلى ، كانت باطلة من جهة بطلان وضوئه أو غسله [٢].

[ مسألة ٤ ] : إذا انحصر ثوبه في نجس فان لم يمكن نزعه حال الصلاة لبرد أو نحوه صلى فيه [٣] ،

______________________________________________________

[١] لأن موضوع النصوص النجاسة التي يجب إزالتها على تقدير العلم وهي مما لم تعلم في الأمثلة المذكورة. لكن قال في كشف الغطاء : « وفي إلحاق الجهل بموضوع العفو ـ لزعم القلة فيما يعفى عن قليله ، أو زعم أنه مما يعفى عن قليله ، أو مما يعفى عن أصله ، أو يعفى عن محله ، أو عن أهله ، كالمربية ، أو لزعم اضطراره ، أو لزعم أنه من بول الطفل مع الإتيان بالصب عليه ، أو في تغذيته كذلك ـ أو الجهل بالمحصورية ـ بزعم أنه من غير المحصور ، أو أنه من المشتبه الخارج بعد أحد الاستبراءين ـ إشكال. ويقوى الإفساد ، عملا بأصل بقاء شغل الذمة ». ويظهر ضعفه مما عرفت من عموم أدلة العفو ، فلا مجال لقاعدة الاشتغال.

[٢] بناء على اشتراط طهارة محال الوضوء والغسل في صحتهما ، وسيأتي إن شاء الله تعالى.

[٣] بلا خلاف ولا إشكال ، بل قولا واحداً ، كما في الجواهر.

٥٤٢

ولا يجب عليه الإعادة أو القضاء [١] ، وان تمكن من نزعه‌

______________________________________________________

لإطلاق جملة من النصوص الآتية. وخصوص ما‌ رواه محمد الحلبي : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه بول وليس معه ثوب غيره. قال (ع) : يصلي فيه إذا اضطر اليه » (١) ، بناء على حمل الضرورة فيه على ما نحن فيه.

[١] على المشهور شهرة عظيمة. وعن الشيخ وابن الجنيد وجوب الإعادة وربما حكي عن جمع. لموثق عمار عن أبي عبد الله (ع) : « أنه سئل عن رجل ليس عليه إلا ثوب ، ولا تحل الصلاة فيه ، وليس يجد ماء يغسله ، كيف يصنع؟ قال (ع) : يتيمم ويصلي ، فإذا أصاب ماء غسله وأعاد الصلاة » (٢). وخلو النصوص الآمرة بالصلاة فيه‌ (٣) عن الأمر بالإعادة لا يصلح قرينة على حمله على الاستحباب. كما أن إعراض المشهور عنه لا يوجب سقوطه عن الحجية ، لإمكان كونه لبنائهم على تعارض النصوص في الباب ، ووجوب ترجيح غيره عليه. نعم لا يظهر منه كون الإعادة لأجل الصلاة في النجاسة ، أو لأجل التيمم الذي قد أمر في جملة من النصوص‌ (٤) بالإعادة من أجله ، المحمولة على الاستحباب ، حسب ما يأتي في محله ، فلعل ذلك موجب لحمله على الاستحباب لذلك ، بقرينة خلو النصوص عن الأمر بالإعادة. فتأمل.

ثمَّ إن عدم وجوب الإعادة مبني على مشروعية البدار لذوي الأعذار كما يقتضيه إطلاق دليل البدلية ، لصدق عدم القدرة على الطبيعة المطلقة مع‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب النجاسات حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب النجاسات حديث : ٨.

(٣) راجع الوسائل باب : ٤٥ من أبواب النجاسات.

(٤) راجع الوسائل باب : ١٤ من أبواب التيمم.

٥٤٣

ففي وجوب الصلاة فيه ، أو عاريا ، أو التخيير وجوه الأقوى الأول [١] ، والأحوط تكرار الصلاة.

______________________________________________________

عدم القدرة عليها في أول الوقت ، وان علم بالقدرة على بعض الافراد في أثناء الوقت أو آخره ، إذ القدرة في الأثناء لا تنافي العجز أول الوقت. نعم في ثبوت الإطلاق لنصوص المقام تأمل ، لظهور كونها مسوقة مساق جعل البدل في ظرف عدم القدرة في قبال سقوطه ، لا في مقام جعل البدلية بلحاظ جميع الأزمنة ، وحينئذ يجوز البدار منوطاً بعدم القدرة في تمام الوقت واقعاً فاذا انكشف ثبوت القدرة في أثناء الوقت انكشف فساد البدل من أول الأمر. ولعله يأتي توضيح ذلك إن شاء الله.

[١] كما عن البيان والمدارك ترجيحه ، وعن المعالم وكشف اللثام تقويته للأخبار الآمرة بذلك ، كصحيح الحلبي : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل أجنب في ثوبه وليس معه ثوب غيره. قال (ع) : يصلي فيه ، فاذا وجد الماء غسله » (١) ، ونحوه صحيحه الآخر في الثوب الواحد الذي فيه البول‌ (٢) ، وصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله في الثوب الذي يجنب فيه‌ (٣). وفي صحيح ابن جعفر (ع) : « عن رجل عريان وحضرت الصلاة ، فأصاب ثوباً نصفه دم أو كله دم يصلي فيه أو يصلي عريانا؟ قال (ع) : إن وجد ماء غسله ، وان لم يجد ماء صلى فيه ، ولم يصل عريانا » (٤). التي يجب ترجيحها على معارضها ـ كرواية محمد الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل أصابته جنابة ، وهو في الفلاة ، وليس‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب النجاسات حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب النجاسات حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب النجاسات حديث : ٥.

٥٤٤

______________________________________________________

عليه إلا ثوب واحد وأصاب ثوبه مني. قال (ع) : يتيمم ويطرح ثوبه ، فيجلس مجتمعاً فيصلي ، ويومئ إيماء » (١) ، ونحوها موثق سماعة‌ ، وموثقه الآخر‌ (٢) ، لكن فيه أنه يصلي عريانا قائماً يومئ إيماء ـ لأنها أصح سنداً ، وأكثر عدداً. مع أن تفويت شرط الساتر أولى من تفويت نفسه. ولا سيما ويلزم من الصلاة عاريا الإخلال بالأركان ، لابدال الركوع والسجود فيها بالإيماء.

ولكنه يشكل ذلك : بأن الترجيح يتوقف على عدم إمكان الجمع بحمل الأول على صورة الاضطرار والأخيرة على غيرها ، بشهادة رواية الحلبي المتقدمة في المسألة السابقة. وحمل‌ « إذا اضطر » فيها على معنى عدم التمكن من ثوب آخر طاهر ، خلاف الظاهر ، لأن ذلك مفروض في السؤال ، فذكره في الجواب يكون تأكيداً لا تأسيساً ، وهو خلاف الأصل. مع أن النجاسة مانعة عن الصلاة ولو كانت في غير الساتر أو في البدن ، فالدوران يكون بين شرطية الساتر ومانعية النجاسة ، والانتقال الى البدل لا بأس به إذا دل على بدليته الدليل.

ولأجل ذلك حكي عن المشهور وجوب الصلاة عارياً في مفروض المسألة ، أعني : صورة عدم الاضطرار إلى لبس الثوب [ ودعوى ] : إباء النصوص عنه ولا سيما صحيح ابن جعفر (ع) ، لأن قول السائل فيه : « أو يصلي عريانا؟ » ظاهر في إمكان الصلاة عريانا [ ممنوعة ] إذ المراد من الاضطرار هو العرفي ، الذي لا ينافي الإمكان العقلي. بل قيل : ربما يومئ إلى التفصيل المذكور كون مورد النصوص الثانية الفلاة التي لا تكون من موارد الاضطرار إلى لبس الثوب.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب النجاسات حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب النجاسات حديث : ١.

٥٤٥

[ مسألة ٥ ] : إذا كان عنده ثوبان يعلم بنجاسة أحدهما يكرر الصلاة [١] وان لم يتمكن إلا من صلاة واحدة ،

______________________________________________________

ومن هذا كله يظهر لك ضعف القول بالتخيير ـ كما هو المحكي عن المعتبر ، والمنتهى ، والمختلف ، والدروس ، والذكرى ، وجامع المقاصد ، وغيرها ـ جمعاً بين النصوص بالحمل عليه. فإنه بلا شاهد ، ولا مما يساعده العرف في مثلها مما ظاهره السؤال عن كيفية الصلاة في ظرف المفروغية عن وجوبها ، إذ ـ على هذا ـ لا معنى للوجوب التخييري ، لامتناعه بين الضدين اللذين لا ثالث لهما. نعم لو كان السؤال عن أصل وجوب الصلاة أمكن الوجوب التخييري لوجود الواسطة وهي ترك الصلاة. لكنه خلاف ظاهر النصوص ، ولا سيما مثل صحيح ابن جعفر (ع) ، فان الجواب كالصريح في نفي الوجوب التخييري. مع أن ارتكابه فرع عدم إمكان الجمع بالتفصيل المتقدم ، وقد عرفت إمكانه وقيام الشاهد عليه.

هذا ولكن يشكل التفصيل : بأن الاضطرار في رواية الحلبي‌ غير ظاهر في كونه من جهة البرد ونحوه ، بل من الجائز أن يكون من جهة الصلاة ، ومع إجماله من هذه الجهة لا يصلح للشهادة على الجمع. ولا سيما وأن نصوص الصلاة فيه لو كان موردها الاضطرار بالمعنى المذكور كان المتعين ذكره في السؤال ، فإنه مما له مزيد دخل في الحكم ، فإهماله يدل على خلاف ذلك. ولا سيما مثل صحيح ابن جعفر ، فان قول السائل : « أو يصلي عريانا » كالصريح في عدم الاضطرار إلى ذلك ، لا عرفاً ولا شرعاً. وأيضاً فإن أحد موثقي سماعة المتضمن للإيماء قاعداً لا بد أن يكون مورده عدم الأمن من الناظر ، وهو من موارد الاضطرار ، فكيف يمكن حملها على غير الاضطرار؟!. فالأقوى إذاً ما في المتن ، ترجيحاً لنصوصه على معارضها ، كما سبق.

[١] كما هو المشهور. وهو الذي تقتضيه قاعدة الاحتياط فيما علم‌

٥٤٦

يصلي في أحدهما [١] لا عاريا. والأحوط القضاء خارج الوقت في الآخر أيضاً إن أمكن ، والا عاريا.

______________________________________________________

التكليف به إجمالا. ويدل عليه صحيح صفوان : « أنه كتب إلى أبي الحسن (ع) يسأله عن الرجل معه ثوبان ، فأصاب أحدهما بول ولم يدر أيهما هو ، وحضرت الصلاة وخاف فوتها ، وليس عنده ماء ، كيف يصنع؟ قال (ع) : يصلي فيهما جميعاً » (١). وعن ابني إدريس وسعيد : وجوب الصلاة عارياً ، لأن اعتبار الساتر الطاهر يوجب تعذر الجزم بالنية المعتبر في الإطاعة الواجبة في العبادات ، فيجب إما رفع اليد عن اعتبار الطهارة فيكتفى بالصلاة في واحد منهما ، أو رفع اليد عن اعتبار الساتر مع البناء على اعتبار الطهارة ، والثاني هو المتعين ، لأن مانعية النجاسة أهم من شرطية الساتر ، بشهادة وجوب الصلاة عاريا لو دار الأمر بينهما وبين الصلاة في النجس. ولمرسلة المبسوط « روي أنه يتركهما ويصلي عارياً‌ » (٢). وفيه : أنه لا دليل على اعتبار الجزم بالنية عند عدم التمكن منه ، بل مطلقاً. مع أنه اجتهاد في مقابلة النص الصحيح. ومرسلة المبسوط ضعيفة ومهجورة.

[١] أما بناء على وجوب الصلاة في النجس لو انحصر الساتر فيه ـ كما تقدم من المصنف ـ فالحكم المذكور واضح ، لأنه إذا بني على تقديم الموافقة القطعية لوجوب التستر وان لزم المخالفة القطعية لمانعية النجاسة ، فأولى أن يبنى على تقديمها إذا لزم المخالفة الاحتمالية. وأما بناء على وجوب الصلاة عارياً مع الانحصار فمشكل ، لاحتمال أهمية مانعية النجاسة على نحو تحريم المخالفة الاحتمالية لها وان حصلت الموافقة القطعية لشرطية التستر ، كما يحتمل أهمية حرمة المخالفة القطعية لشرطية التستر وان حصلت الموافقة القطعية لمانعية‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٤ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٢) ذكر ذلك في آخر فصل تطهير الثياب والأبدان من النجاسات ، آخر صفحة : ١٢.

٥٤٧

______________________________________________________

النجاسة ، ومع احتمال الأهمية من الطرفين يتخير بينهما عقلا.

ومن ذلك يظهر أن القائل بوجوب الصلاة في النجس مع الانحصار يتعين عليه القول بوجوب الصلاة فيه هنا ، والقائل بوجوب الصلاة عاريا هناك يتعين عليه القول هنا بالتخيير بين الصلاة فيه والصلاة عاريا. وكون لازم القول بوجوب الصلاة عاريا أهمية مانعية النجاسة من شرطية التستر ، لا يجدي في تعين الصلاة عاريا ، لما عرفت من أنه مع الانحصار فيه تكون الصلاة فيه مخالفة قطعية لمانعية النجاسة ، وموافقة قطعية لشرطية التستر ، ومن الجائز أن تكون أهمية المانعية من الشرطية إنما تقتضي رعايتها في ظرف لزوم المخالفة القطعية لها ، لا في ظرف لزوم المخالفة الاحتمالية لها ـ كما في الفرض ـ إذ يحتمل أن لا يكون لها من شدة الاهتمام ما يستوجب رعايتها في ظرف الاحتمال ، بل تكون الأهمية لشرطية التستر ، ومع احتمال الأهمية لكل من الطرفين يتخير في نظر العقل. فالقائل بوجوب الصلاة عاريا مع الانحصار ، يلزمه القول بالتخيير هنا بين ذلك وبين الصلاة فيه.

هذا كله بالنظر إلى وظيفة المكلف في الوقت ، وأما بالنظر الى الاجزاء وعدم وجوب الإعادة ، فمقتضى القاعدة عدم الاجزاء ، لعدم الدليل عليه وقيام الدليل على الاجزاء في صورة الانحصار لو صلى فيه أو عاريا ، لا يقتضي البناء على الاجزاء هنا ، للفرق بينهما بالعجز عن امتثال الواجب الأولي هناك ، ولا كذلك هنا ، لوجود الثوب الطاهر عنده ، فالعجز إنما هو عن العلم بالامتثال لا غير.

٥٤٨

______________________________________________________

تنبيه

إجراء قواعد التزاحم في المقام ـ من الترجيح بالأهمية ، أو احتمال الأهمية ، والتخيير مع التساوي في الاهتمام ، أو لكون احتمال الأهمية موجوداً في الطرفين ـ إنما يتم مع تعذر الجمع بين الأمرين ، لضيق الوقت أو نحوه أما مع إمكان الجمع فاجراؤه كلية غير ظاهر ، لاختصاص ذلك بما إذا كانت الملاكات موجودة في الطرفين ، بأن كان هناك واجبان تعذر الجمع بينهما ، مثل أن يدور الأمر بين إنقاذ الغريق ، وتطهير المسجد ، أو فعل الصلاة ، أو ترك التصرف في المغصوب ، أو نحو ذلك من موارد الدوران فإنه لا قصور في وجود الملاك في إنقاذ الغريق ، كما لا قصور في وجوده أيضاً في فعل الصلاة ، وفي تطهير المسجد وفي ترك التصرف في المغصوب ، ولما لم يمكن العمل بهما معا ، يرجع الى القواعد العقلية الموجبة للتخيير أو الترجيح في الموافقة والمخالفة. أما إذا علم كون التكليف واحداً وكون الملاك موجوداً في أحد الطرفين لا غير ، وكان الشك في موضوعه ، فاللازم الجمع بين المحتملين ، عملا بالعلم الإجمالي.

نعم العلم بأهمية أحد الأمرين يكون موجباً للعلم بوجود الملاك فيه لا غير فلا يجب الآخر. كما أنه مع التساوي في الاهتمام يعلم بوجود الملاك في كل منهما تخييرا ، فيجب أحدهما على التخيير دون الآخر. كما أنه مع احتمال الأهمية في أحد الطرفين بعينه يعلم بوجود الملاك في محتمل الأهمية ، إما تعييناً أو تخييرا بينه وبين الآخر ، فيجب بعينه عقلا دون الآخر.

أما إذا كان احتمال الأهمية موجودا في كل من الطرفين فلم يحرز وجود الملاك في كل منهما تخييرا ، فلا طريق للحكم بوجوب أحدهما تخييرا مع إمكان‌

٥٤٩

[ مسألة ٦ ] : إذا كان عنده مع الثوبين المشتبهين ثوب طاهر ، لا يجوز أن يصلي فيهما بالتكرار [١] ، بل يصلي فيه. نعم لو كان له غرض عقلائي في عدم الصلاة فيه لا بأس بها فيهما مكررا.

[ مسألة ٧ ] : إذا كان أطراف الشبهة ثلاثة يكفي تكرار الصلاة في اثنين ، سواء علم بنجاسة واحد وبطهارة الاثنين ، أو علم بنجاسة واحد وشك في نجاسة الآخرين ، أو في نجاسة أحدهما ، لأن الزائد على المعلوم محكوم بالطهارة وان‌

______________________________________________________

الجمع ، بل يجب الجمع بينهما عقلا ، للعلم الإجمالي بوجوب أحدهما المردد بينهما.

وما ذكرناه مطرد في جميع موارد الدوران بين ترك شرط وشرط آخر ، وبين ترك جزء وجزء آخر ، وبين ترك شرط وترك جزء ، مع العلم بوجوب الواجب وعدم سقوط وجوبه بتعذر جزئه أو شرطه. مثل أن يدور الأمر بين ترك الطمأنينة في الصلاة وترك القيام ، وبين ترك القيام في الصلاة وترك الركوع ، وبين ترك القيام وترك الاستقبال ... الى غير ذلك من موارد الدوران. والحكم فيه ما ذكرناه ، من أنه إن علم بتساوي الأمرين في نظر الشارع فقد علم بوجود ذلك الملاك في كل منهما تخييراً ، فيتخير المكلف بينهما ، وان علم بأهمية أحدهما بعينه فقد علم بوجود الملاك فيه لا غير ، وإن علم بأهمية أحدهما بعينه أو مساواته للآخر فقد علم بوجود الملاك في محتمل الأهمية وشك في وجوده في الآخر ، وان احتمل الأهمية في كل من الطرفين فلا طريق إلى إحراز الملاك في أحدهما تعييناً ، ومع تردده بينهما يجب الاحتياط بالجمع مع إمكانه ومع عدم إمكانه يتخير بينهما. لكن في الحكم بالاجزاء وسقوط القضاء إشكال ، لعدم الدليل عليه.

[١] قد تقدم في صدر مسائل التقليد تقريب المنع عن الامتثال الإجمالي‌

٥٥٠

لم يكن مميزا [١] ، وإن علم في الفرض بنجاسة الاثنين يجب التكرار بإتيان الثلاث ، وان علم بنجاسة الاثنين في أربع يكفي الثلاث. والمعيار ـ كما تقدم سابقاً ـ التكرار الى حد يعلم وقوع أحدها في الطاهر.

[ مسألة ٨ ] : إذا كان كل من بدنه وثوبه نجسا ، ولم يكن له من الماء إلا ما يكفي أحدهما فلا يبعد التخيير. والأحوط تطهير البدن [٢]. وان كانت نجاسة أحدهما أكثر أو أشد‌

______________________________________________________

مع التمكن من الامتثال التفصيلي ، وتقدم الاشكال عليه. فراجع.

[١] قد يشكل : بأن غير المميز لا يجري فيه الأصل ، كما أشرنا إليه في بعض المباحث السابقة ، وحقق في محله ، من عدم جريان الأصل في الفرد المردد [ وفيه ] : أن الفرد المردد الذي لا يجري فيه الأصل ليس مطلق غير المتميز ، بل خصوص المردد بين المعلوم ثبوت الحكم له والمعلوم انتفاؤه عنه. أما المردد بين فردين إذا كان حاكياً عن فرد معين في الواقع ، وهو مشكوك ، مثل الثوب الذي لم يلاق النجاسة المعلومة ـ كما في الفرض ـ فلا مانع من جريان الأصل فيه.

[٢] إن قلنا بوجوب الصلاة عاريا مع الانحصار ، فلا ينبغي الإشكال في وجوب تطهير البدن ـ عملا بمانعية النجاسة ـ لأنه إذا طهر بدنه وصلى عاريا لم يصل في النجاسة ، بخلاف ما لو طهر الثوب وصلى فيه لأنه صلى وبدنه نجس قطعاً. أما بناء على وجوب الصلاة في الثوب رعاية لشرطية التستر وان لزمت المخالفة لمانعية النجاسة ، فلأجل أن النجاسة المأخوذة موضوعا للمانعية ملحوظة بنحو الطبيعة السارية ، فكما أن نجاسة البدن مانعة كذلك نجاسة الثوب ، فيجب عليه رفع إحداهما مع الإمكان ، فيتخير بينهما.

إلا أن يقال : نجاسة البدن مما يحتمل أولويتها في المانعية ، فيدور‌

٥٥١

لا يبعد ترجيحه [١].

[ مسألة ٩ ] : إذا تنجس موضعان من بدنه أو لباسه ، ولم يمكن إزالتهما فلا يسقط الوجوب [٢] ، ويتخير إلا مع الدوران بين الأقل والأكثر أو بين الأخف والأشد ، أو بين متحد العنوان ومتعددة ، فيتعين الثاني في الجميع [٣]. بل إذا كان موضع النجس واحداً وأمكن تطهير بعضه لا يسقط الميسور. بل إذا لم يمكن التطهير ، لكن أمكن إزالة العين‌

______________________________________________________

الأمر بين التعيين والتخيير ، والأصل يقتضي التعيين هنا ، وان قلنا بالتخيير إذا دار الواجب بين التعيين والتخيير ، لأن الشك في المقام في السقوط ، للعلم بمانعية نجاسة البدن ، والشك في كون العجز المفروض مسقطاً ، بخلاف ذلك المقام ، فان الشك فيه في الثبوت. ومن هذا يظهر وجوب تطهير البدن على كل من القولين.

[١] إذا كان الأكثر أو الأشد في البدن فلا إشكال. أما إذا كان في الثوب فالأكثرية أو الأشدية ، وان كانت توجب الأهمية ، أو احتمال الأهمية ، لكن عرفت أن كون النجاسة في البدن أيضاً من المرجحات ، فيكون احتمال الأهمية في كل من الطرفين ، ومقتضاه التخيير. اللهم إلا أن يكون احتمال الأهمية فيها أقرب فيتعين عقلا.

ثمَّ إن المصنف [ ره ] لم يتعرض لاحتمال وجوب القضاء هنا ، لأنه على تقدير صرف الماء في التطهير يتحقق العجز ، الموجب للاجزاء جزماً.

[٢] لأن الظاهر من دليل مانعية النجاسة كونها ملحوظة بنحو الطبيعة السارية ، فكل ما يفرض من وجود النجاسة مانع مستقل ، فإذا أمكن رفع البعض تعين.

[٣] للأهمية في غير الأخير واحتمالها فيه.

٥٥٢

وجبت [١]. بل إذا كانت محتاجة إلى تعدد الغسل ، وتمكن من غسلة واحدة ، فالأحوط عدم تركها ، لأنها توجب خفة النجاسة [٢] ، إلا أن يستلزم خلاف الاحتياط من جهة أخرى ، بأن استلزم وصول الغسالة إلى المحل الطاهر [٣].

[ مسألة ١٠ ] : إذا كان عنده مقدار من الماء لا يكفي إلا لرفع الحدث أو لرفع الخبث من الثوب أو البدن ، تعين رفع الخبث [٤]. ويتيمم بدلا عن الوضوء أو الغسل. والاولى أن يستعمل في إزالة الخبث أولا ثمَّ التيمم ليتحقق عدم الوجدان حينه.

[ مسألة ١١ ] : إذا صلى مع النجاسة اضطرارا لا يجب عليه الإعادة بعد التمكن من التطهير [٥]. نعم لو حصل‌

______________________________________________________

[١] كما يستفاد مما ورد من الأمر بنفض الثوب إذا هبت الريح فسفت عليه العذرة‌ (١) مع أن احتمال الأهمية كاف في الوجوب.

[٢] إن كان الأمر كذلك تعين الغسل مرة. لكن يحتمل أن تكون الغسلة الأولى من قبيل شرط تأثير الغسلة الثانية في الرفع.

[٣] إن كان وصول ماء الغسالة إلى المحل الطاهر بنحو ينجسه ، وإلا ـ بأن كان يمر عليه ويتساقط عنه ـ فلا يضر ، ولا يلزم خلاف الاحتياط ، لأن ماء الغسالة لا ينجس ملاقيه الا بعد الانفصال.

[٤] هذا مما لا إشكال فيه عندهم ، والعمدة فيه أنه يستفاد من الأدلة الدالة على بدلية التيمم عن الوضوء أو الغسل مشروعية البدلية في كل مورد يلزم محذور من الطهارة المائية ، وسيأتي ان الله شاء في مبحث التيمم توضيح ذلك.

[٥] قد عرفت أن هذا يتوقف على جواز البدار لذوي الأعذار.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب النجاسات حديث : ١٢.

٥٥٣

التمكن في أثناء الصلاة استأنف في سعة الوقت. والأحوط الإتمام والإعادة.

[ مسألة ١٢ ] : إذا اضطر الى السجود على محل نجس لا يجب اعادتها بعد التمكن من الطاهر [١].

[ مسألة ١٣ ] : إذا سجد على الموضع النجس جهلا أو نسياناً لا يجب عليه الإعادة [٢] ، وان كانت أحوط.

______________________________________________________

ولكنه خلاف التحقيق. فراجع ما تقدم في المسألة الرابعة. ولا فرق بين ارتفاع العذر في الأثناء وبعد الفراغ.

[١] لأن العمدة في دليل اعتبار طهارة المسجد الإجماع ، والمتيقن منه حال الاختيار ، فالمرجع في حال الاضطرار أصل البراءة. وعليه فلا مانع من جواز البدار.

[٢] لما تقدم في المسألة السابقة من عدم إطلاق لدليل الشرطية ، والمرجع أصل البراءة. نعم لو بني على ثبوت الإطلاق أشكل وجه الصحة لأن الطهارة إذا كانت من شرائط السجود لزم من فواتها فواته ، وحينئذ تكون الصلاة المفروضة فاقدة للركن ، فتبطل. نعم لو قيل إن الطهارة ليست شرطاً في السجود بل هي واجب صلاتي في حال السجود ، أمكنت دعوى الصحة ، لعموم‌ حديث « لا تعاد الصلاة ... » بناء على كون المراد من الطهور في المستثنى الطهارة من الحدث ، لا ما يعم الطهارة من الخبث حتى طهارة المسجد. ولازم ذلك أن لو سجد على النجس والتفت بعد رفع رأسه من السجدة لا يجب عليه تدارك السجدة لفوات المحل الموجب للمضي‌ بحديث : « لا تعاد الصلاة ... » وتحقيق ذلك في مباحث الخلل.

٥٥٤

فيما يعفى عنه في الصلاة

وهو أمور :

[ الأول ] : دم الجروح والقروح ، ما لم تبرأ [١] ، في الثوب أو البدن قليلا كان أو كثيرا [٢] ، أمكن الإزالة أو التبديل بلا مشقة أم لا [٣].

______________________________________________________

فصل فيما يعفى عنه في الصلاة‌

[١] كما‌ في مصححة أبي بصير : « دخلت على أبي جعفر (ع) : وهو يصلي فقال لي قائدي : إن في ثوبه دما ، فلما انصرف (ع) قلت له : إن قائدي أخبرني أن بثوبك دما. فقال (ع) : إن بي دماميل ، ولست أغسل ثوبي حتى تبرأ » (١). ومرسل سماعة عن أبي عبد الله (ع) : « إذا كان بالرجل جرح سائل ، فأصاب ثوبه من دمه ، فلا يغسله حتى يبرأ وينقطع الدم » (٢). ومن الأخير يظهر أن المراد بالبرء انقطاع الدم انقطاع برء.

[٢] لإطلاق بعض النصوص ، وصريح بعضها ، كصحيح ليث‌ (٣) وغيره ، كما يأتي.

[٣] المذكور في عبارات جماعة تقييد القروح والجروح بالدامية ، أو‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب النجاسات حديث : ١. رواه في الوسائل عن ابن أبي عمير عن سماعة عن أبي عبد الله ( ع ).

(٢) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب النجاسات حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب النجاسات حديث : ٥. وسيأتي في أواخر هذا البحث من كلام الشارح قدس‌سره.

٥٥٥

______________________________________________________

التي لا ترقأ ، أو اللازمة ، أو السائلة ، أو نحو ذلك ، وتقييد الحكم بالعفو بمشقة الإزالة ، بل المنسوب إلى الأكثر أو المشهور اعتبار قيدين في العفو [ أحدهما ] : استمرار الدم بنحو لا تكون له فترة تسع الصلاة [ وثانيهما ] : المشقة في التطهير.

وكأن الوجه في اعتبار القيد الأول ما في مرسل سماعة المتقدم من وصف الجرح بالسائل‌. وصحيح ابن مسلم عن أحدهما (ع) : « عن الرجل تخرج به القروح فلا تزال تدمي كيف يصلي؟ فقال (ع) : يصلي وان كانت الدماء تسيل » (١) ، ونحوه ما في مستطرفات السرائر ، عن نوادر البزنطي ، عن عبد الله بن عجلان ، عن أبي جعفر‌ (٢).

ويشكل : بأن الظاهر من التوصيف بالسيلان التوطئة ، لأن يترتب عليه إصابة الدم للثوب الذي هو موضوع الشرطية ، فالشرطية مسوقة لتحقيق الموضوع. مع أنه غير ظاهر في الاستمرار بحيث لا تكون له فترة تسع الصلاة ، لصدق كون الجرح سائلا ، ولو مع الفترة المذكورة ، وإلا لكان ظاهراً فيما لا فترة له أصلا ، إذ لا موجب للفرق في الظهور بين الفترة التي تسع والتي لا تسع. ويشير الى ما ذكرنا‌ قوله (ع) : « حتى تبرأ وينقطع الدم » ، فإنه لو كان المراد من السائل المستمر بلا فترة كان المناسب جعل الغاية الفترة. وأما صحيح ابن مسلم‌ ونحوه فالقيد فيه مذكور في كلام السائل ، وغاية ما يقتضيه قصور الرواية عن شمول صورة الفترة. نعم لو كان مذكورا في كلام الامام (ع) أمكن أن يكون له مفهوم يدل على انتفائه الحكم بانتفائه ، بناء على حجية مفهوم القيد. مع أنه خلاف التحقيق.

وأما وجه القيد الثاني ، فالظاهر أنه‌ موثق سماعة : « سألته عن الرجل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب النجاسات حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب النجاسات ملحق حديث : ٤.

٥٥٦

______________________________________________________

به القرح والجرح ولا يستطيع أن يربطه ولا يغسل دمه. قال (ع) : يصلي ولا يغسل ثوبه كل يوم إلا مرة ، فإنه لا يستطيع أن يغسل ثوبه كل ساعة » (١) ورواية ابن مسلم المروية عن مستطرفات السرائر : « إن صاحب القرحة التي لا يستطيع ربطها ، ولا حبس دمها ، يصلي ولا يغسل ثوبه في اليوم أكثر من مرة » (٢).

وفيه : أن الظاهر من قوله في الموثق : « ولا يغسل دمه » أنه معطوف على قوله : « يربطه » ويكون التقدير : « ولا يستطيع أن يغسل دمه ». ولكنه ينافيه الأمر بغسل الثوب في كل يوم مرة ، لامتناع التكليف بغير المستطاع ، فلا بد أن تحمل على ارادة نفي الاستطاعة على غسل الدم في تمام المدة ، على نحو العموم المجموعي ، فلا ينافي الاستطاعة على الغسل في كل يوم مرة. ويشهد به التعليل بقوله (ع) : « فإنه لا يستطيع ... » ، فتدل الرواية على العفو عن الدم إذا كان التطهير في مجموع المدة غير مستطاع ، وهذا أجنبي عن اعتبار المشقة في كلامهم ، حتى لو حمل نفي الاستطاعة على المشقة ، لأن المشقة في تمام المدة غير ما يظهر من المشقة في كلامهم ، التي هي المشقة في كل وقت من أوقات الابتلاء مع قطع النظر عن غيره.

وأما رواية ابن مسلم‌ فلا دلالة لها على اعتبار المشقة بوجه. نعم لو قيل بثبوت مفهوم الوصف دلت على اختصاص العفو بصورة عدم إمكان ربط الجرح وحبس دمه ، من دون فرق بين صورة المشقة في التطهير وغيرها ، وهذا شي‌ء لا يقول به أحد. وكأنه لذلك كان المحكي عن جامع المقاصد ، وحاشية الشرائع والمسالك والروضة والمدارك ، وغيرها : عدم اعتبار المشقة وعن غيرهم عدم اعتبار الاستمرار وانتفاء الفترة أيضاً. بل من المحتمل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

(٢) فيما استطرفه من نوادر البزنطي.

٥٥٧

نعم يعتبر أن يكون مما فيه مشقة نوعية [١] ، فان كان مما‌

______________________________________________________

قريباً أن يكون المراد من السيلان في كلام جماعة ما يقابل الانقطاع للبرء ، عملا بإطلاق غير واحد من النصوص ، كرواية أبي بصير المتقدمة‌ ، وصحيح ليث المرادي : « قلت لأبي عبد الله (ع) : الرجل تكون به الدماميل والقروح فجلده وثيابه مملوءة دما وقيحا ، وثيابه بمنزلة جلده. فقال (ع) : يصلي في ثيابه ولا يغسلها ولا شي‌ء عليه » (١). وصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله : « قلت لأبي عبد الله (ع) : الجرح يكون في مكان لا يقدر على ربطه فيسيل منه الدم والقيح فيصيب ثوبي. فقال (ع) : دعه فلا يضرك أن لا تغسله » (٢). وموثق عمار عن أبي عبد الله (ع) : « سألته عن الدمل يكون بالرجل فينفجر وهو في الصلاة. قال (ع) : يمسحه ويمسح يده بالحائط أو بالأرض ولا يقطع الصلاة » (٣).

[١] كأنه للتعليل المتقدم في موثق سماعة‌. لكن ظاهره كون المحذور الموجب للعفو تكرار الغسل في كل ساعة ، فإن أريد من المشقة النوعية هذا المعنى فهو ، ويكون المدار في العفو وعدمه لزوم التكرار وعدمه ، وإلا فلا دليل عليه.

ثمَّ إن وجه توقف المصنف [ ره ] عن الجزم باعتبار المشقة بالمعنى المذكور احتمال أن يكون التعليل المذكور من قبيل الحكمة. لكنه خلاف الظاهر. أو احتمال كونه تعليلا لخصوص الحكم في مورد السؤال ، فلا ينافي ثبوته في غيره لوجه آخر. وهذا غير بعيد في أمثاله مما كان ظاهرا في تطبيق الكبرى على المورد ، لا تعليل حكمه. وقد ذكرنا في مبحث قضاء المغمى عليه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب النجاسات حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب النجاسات حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب النجاسات حديث : ٨.

٥٥٨

لا مشقة في تطهيره أو تبديله على نوع الناس ، فالأحوط إزالته أو تبديل الثوب. وكذا يعتبر أن يكون الجرح مما يعتد به [١] وله ثبات واستقرار ، فالجروح الجزئية يجب تطهير دمها. ولا يجب فيما يعفى عنه منعه عن التنجيس [٢]. نعم يجب شده إذا كان في موضع يتعارف شده [٣]. ولا يختص العفو بما في محل الجرح ، فلو تعدى عن البدن الى اللباس أو الى أطراف المحل كان معفواً. لكن بالمقدار المتعارف في مثل‌

______________________________________________________

فرقا بين التعليل بمثل : « لأنه كذا » وبين قوله : « فإنه كذا » ، وان الأول ظاهر في انتفاء الحكم بانتفائه ، دون الثاني. فتأمل جيدا.

[١] لقصور الإطلاقات عن شمول غيره. لكن التعليل في الموثق لا قصور فيه فإجراء الحكم فيه في محله.

[٢] لإطلاق الأدلة.

[٣] كما عن بعض ، اقتصاراً على المتيقن من النصوص. وللانصراف إلى المتعارف. ولمفهوم رواية ابن مسلم المروية في المستطرفات. وللتعليل في موثق سماعة‌. ويشكل : بأن الأول إنما يجوز إذا لم يكن إطلاق يقتضي العموم ، وإلا تعين العمل عليه. والانصراف المعتد به ممنوع ، ولو بني عليه لوجب الاقتصار على المتعارف في الجرح ، وفي سببه ، وفي علاجه ، وفي منعه عن التنجيس ، وغير ذلك من الجهات المتعارفة ، ولم يلتزم به المصنف [ ره ] ولا غيره في بعضها. ومفهوم الوصف غير ثابت ، ولا سيما في مثل المقام مما أمكن أن يكون مسوقاً لتنقيح الموضوع. والتعليل لو دل فإنما يدل على انتفاء العفو إذا لم يلزم تكرار الغسل من عدم العفو في مورده ، وهو فرض الاضطرار إلى سراية الدم ، ولا يقتضي المنع عن السراية ، ولذا لم يجب المنع عن التنجيس ، فلو قال : « الخمر حرام لأنها مسكرة » ‌

٥٥٩

ذلك الجرح [١] ، ويختلف ذلك باختلافها من حيث الكبر والصغر ، ومن حيث المحل ، فقد يكون في محل لازمه بحسب المتعارف التعدي إلى الأطراف كثيراً ، أو في محل لا يمكن شده ، فالمناط المتعارف بحسب ذلك الجرح.

[ مسألة ١ ] : كما يعفى عن دم الجروح ، كذا يعفى عن القيح المتنجس الخارج معه [٢] ، والدواء المتنجس الموضوع عليه [٣] ، والعرق المتصل به في المتعارف. أما الرطوبة الخارجية إذا وصلت اليه وتعدت إلى الأطراف فالعفو عنها مشكل [٤] ، فيجب غسلها إذا لم يكن فيه حرج.

______________________________________________________

دل على حلية الخمر غير المسكرة ، لا حلية كل ما ليس بمسكر.

[١] قد عرفت أن التعارف لا يوجب الانصراف المعتد به في رفع اليد عن الإطلاق ، بل العموم ظاهر موثق عمار المتقدم‌.

[٢] كما هو صريح صحيحي ليث‌ وعبد الرحمن‌ المتقدمين ، وظاهر غيرهما.

[٣] لتعارف الابتلاء به. مع إهمال النصوص لبيان حكمه الدال على العفو. اللهم إلا أن يقال : يمكن أن يكون عدم التعرض لحكمه للاتكال على القواعد المانعة عنه. اللهم إلا أن يقال : لما لم تنفك عنه غالب الجروح التي لا ترقأ ويستمر سيلان الدم منها ـ كما هو مورد النصوص ـ فلو لم يعف عنه لزم أن يكون العفو عن الدم اقتضائيا ، أو محمولا على غير الغالب وكلاهما خلاف الظاهر. وكذا الكلام في الدواء الموضوع على القروح. وفي العرق الذي لا ينفك عنه المقروح والمجروح غالبا في كثير من البلاد الذي هو مورد النصوص. وحملها على الشتاء دون الصيف بعيد في الغاية.

[٤] بل مقتضى عموم المنع عن النجاسة عدم العفو.

٥٦٠