مستمسك العروة الوثقى - ج ١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦١١

______________________________________________________

والارتفاع ، وحينئذ يجري الاستصحاب الجاري في القسم الثاني من أقسام الاستصحاب الكلي. لكن في كون الأثر للكلي إشكالا ، لأن التنزيل يقتضي كون الأثر لخصوص ذي المنزلة ولخصوص المنزل منزلته ، إذ لا معنى للتنزيل فيما إذا كان الأثر للجامع بين ذي المنزلة والمنزل منزلته ، فيكون المقام من استصحاب الفرد المردد بين فردين أحدهما معلوم الزوال ، والآخر معلوم البقاء أو محتمله ، وقد تحقق في محله عدم جريانه.

هذا ولو قيل : بأن الأحكام الظاهرية مجعولة في قبال الأحكام الواقعية على تقدير المخالفة والمصادفة. امتنع جريان الاستصحاب ، لأن استصحاب الحكم الواقعي ممتنع ، لعدم اليقين بالثبوت ، واستصحاب الحكم الظاهري ممتنع ، للعلم بالارتفاع ، لما عرفت من أن المجعول الظاهري موافق لمفاد الحجة والمفروض أن الحجة ـ أعني البينة ـ إنما تضمنت الثبوت سابقاً لا أكثر ، فالمجعول ظاهراً هو الثبوت سابقاً لا أكثر ، ففي الحال لا جعل فلا مجعول فالحكم الظاهري معلوم الارتفاع ، فإجراء الاستصحاب يكون من قبيل إجرائه في القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي ، المحقق في محله عدم جريانه. مضافاً الى الإشكال المتقدم في كون الأثر للكلي.

والمتحصل مما ذكر : أن جريان الاستصحاب فيما لو قامت البينة على الحدوث سابقاً يتوقف إما على القول بكون دليل حجية البينة يدل على كونها بمنزلة العلم ، أو على القول بكون مفاد دليل الاستصحاب محض الملازمة بين الحدوث والبقاء وإن لم يعلم الحدوث. أو على جريان الاستصحاب في الفرد المردد. أو على جريان الاستصحاب في القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي ، بناء على أن الأثر في المقام للكلي ، على اختلاف المباني في ثبوت الأحكام الظاهرية وكيفية جعلها. هذا والمحقق في محله أن أدلة حجية الامارات تدل على كونها بمنزلة العلم. ويشهد به قول العسكري (ع)

٤٦١

[ مسألة ٩ ] : لو قال أحدهما : إنه نجس ، وقال الآخر : إنه كان نجساً والآن طاهر ، فالظاهر عدم الكفاية [١] ، وعدم الحكم بالنجاسة.

______________________________________________________

حينما سئل عن العمري وابنه [ قدهما ] : « ما أديا إليك عني فعني يؤديان ، وما قالا لك عني فعني يقولان » (١) ، فإنه ظاهر في تنزيل نفس الأداء والقول ، زائداً على تنزيل المؤدى والمقول. مضافاً الى كونه الموافق للمرتكزات العقلائية المنزل عليها الخطاب ، فان الطرق عندهم بمنزلة العلم. فيتعين الوجه الأول في تصحيح جريان الاستصحاب ، والوجوه الأخر كلها محل نظر واشكال. والله سبحانه ولي التوفيق.

[١] لازم ما ذكره سابقاً هو الحكم بالنجاسة ، ومجرد إخبار أحدهما بالطهارة فعلا لا أثر له في الفرق ، لأنه ليس بحجة لأنه خبر واحد ، فيكون كما لو كان الشاهد جاهلا بحاله فعلا الذي تقدم منه [ قده ] الحكم بنجاسته. نعم يفترق الفرضان : بأن الجاهل يجري في حقه الاستصحاب ، والعالم لا يجري في حقه لانتفاء الشك. لكنه ليس بفارق ، لأن الاستصحاب جار في حق المشهود عنده في الفرضين ، وهو المدار في قبول الشهادة بالتقريب المتقدم في المسألة الماضية فالفرق بين المسألتين غير ظاهر. فاذا التحقيق ما عرفت ، من أنه إن كانا حاكيين عن واقعة واحدة ، وقد اختلفا في زمانها ، فأحدهما يقول : أمس وهو اليوم طاهر ، والآخر يقول : اليوم ، كانت شهادتهما حجة على ثبوت النجاسة في أحد الزمانين ، كما لو شهدا بأنه نجس إما اليوم أو أمس. وقد تقدم الاشكال فيه في المسألة السابقة. ولو كان مرجع شهادة الشاهد بنجاسته فعلا إلى الشهادة بنجاسته سابقاً وبقائها فعلا ، فهما معاً يشهدان بالنجاسة سابقاً ، ويختلفان في بقائها‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب صفات القاضي حديث : ٥.

٤٦٢

[ مسألة ١٠ ] : إذا أخبرت الزوجة أو الخادمة أو المملوكة بنجاسة ما في يدها من ثياب الزوج أو ظروف البيت كفى في الحكم بالنجاسة [١]. وكذا إذا أخبرت المربية للطفل أو المجنون بنجاسته أو نجاسة ثيابه. بل وكذا لو أخبر المولى بنجاسة بدن العبد أو الجارية أو ثوبهما مع كونهما عنده أو في بيته [٢].

[ مسألة ١١ ] : إذا كان الشي‌ء بيد شخصين كالشريكين‌

______________________________________________________

فعلا وارتفاعها ، فالحكم فيه النجاسة ، كما لو شهدا بها سابقاً وجهلا معاً ببقائها ، كما تقدم أيضاً في المسألة السابقة ، والاختلاف في البقاء والارتفاع لا أثر له في الفرق لعدم الحجية فيما به الاختلاف. ولو كانا حاكيين عن واقعتين فقد عرفت أنه لا ينبغي التأمل في عدم الكفاية ، وعدم الحجية على النجاسة.

[١] لما عرفت في مبحث المياه من الدليل على حجية إخبار ذي اليد بما في يده. ومنه تعرف الحكم في ما بعده الذي نص عليه في الجواهر. والظاهر أنه لا فرق بين المربية وغيرها من أمه وأبيه وسائر من في البيت الذي هو فيه.

[٢] لا يخلو من إشكال ، إذ مجرد الملكية لا يكفي في صدق اليد التي هي موضوع حجية الخبر ، لاعتبار التابعية والمتبوعية ، وهو غير حاصل في مثل العبد والجارية العاقلين ، ولو كانا في بيته ، فهما نظير زوجته وسائر عياله. نعم لا يبعد ذلك بالنسبة إلى ثوبهما ونحوه إذا كان في بيته ، كثوب زوجته وسائر عياله ، فان الظاهر أنه في يده ، كما أنه أيضاً في يد غيره من ذوي الأيدي في البيت ، من غير فرق بين ما أعده للبسه وغيره. نعم لو كان الثوب ملبوساً فهو في يد لابسه لا غير ، لاستقلال يده عليه حين لبسه إياه ، كما تقدم في الطفل.

٤٦٣

يسمع قول كل منهما في نجاسته [١]. نعم لو قال أحدهما : إنه طاهر. وقال الآخر : إنه نجس ، تساقطا [٢]. كما أن البينة تسقط مع التعارض ، ومع معارضتها بقول صاحب اليد تقدم عليه [٣].

[ مسألة ١٢ ] : لا فرق في اعتبار قول ذي اليد بالنجاسة بين أن يكون فاسقاً أو عادلا ، بل مسلما أو كافراً [٤].

[ مسألة ١٣ ] : في اعتبار قول صاحب اليد إذا كان صبياً‌

______________________________________________________

[١] لأن اليد المأخوذة موضوعا لحجية خبر صاحبها أعم من الضمنية والاستقلالية ، ومع الاشتراك تكون اليد لكل من الشريكين ضمنية ، بمعنى أن مجموع المال يكون تحت مجموع اليدين اللتين هما بمنزلة اليد الواحدة.

[٢] لأصالة التساقط في المتعارضين ، التي عرفت الإشارة إلى وجهها آنفاً.

[٣] كما تقدم في مبحث المياه ، وتقدم فيه لزوم التفصيل بين الصور فراجع‌

[٤] لعموم دليل الاعتبار. نعم قد يشكل ذلك في الكافر ، لما في بعض نصوص البختج من اعتبار الإسلام. وكأنه لذلك جعل في الجواهر حجية قول الكافر أحد الوجهين. وإن كان يشهد له‌ خبر إسماعيل : « عليكم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك » ، بناء على ظهوره في قبول خبر البائع تعبداً وقد تقدم ما يعارضه ، بما دل على عدم قبول خبر الكافر بالتذكية في السمك. كما قد يشكل الحكم أيضاً فيما لو كان الخبر محفوفا بما يوجب اتهام المخبر ، وقد تقدم الكلام في ذلك كله في مبحث المياه (١) فراجع ما تقدم هناك.

__________________

(١) تقدم في مسألة : ٤ من الفصل المتعرض فيه لأحكام ماء البئر.

٤٦٤

صبيا اشكال [١] ، وان كان لا يبعد إذا كان مراهقا.

[ مسألة ١٤ ] : لا يعتبر في قبول قول صاحب اليد أن يكون قبل الاستعمال كما قد يقال [٢] ـ فلو توضأ شخص بماء مثلا ، وبعده أخبر ذو اليد بنجاسته يحكم ببطلان وضوئه. وكذا لا يعتبر أن يكون ذلك حين كونه في يده [٣] فلو أخبر‌

______________________________________________________

[١] لا يبعد القبول إذا كان مميزا كاملا ، لعموم السيرة التي بها يخرج عن أصالة عدم الحجية.

[٢] نسبه في الجواهر إلى التذكرة ، ومال اليه ، وفي وسائل المقدس البغدادي إلى جماعة. وكأنه لخروجه بالاستعمال عن اليد. أو لأنه خارج عن المتيقن من مورد السيرة. أو لصحيحة العيص : « سئل الصادق (ع) عن رجل صلى في ثوب رجل أياما ، ثمَّ إن صاحب الثوب أخبره أنه لا يصلي فيه. فقال (ع) : لا يعيد شيئاً من صلاته » (١) لكن الأول ـ مع أنه يختص بمثل الماء ونحوه مما تذهب عينه بالاستعمال ، ولا يشمل مثل الثوب ونحوه ـ يشكل : بأن المراد من ذي اليد ذو اليد حال النسبة المحكية ، لا حال الحكاية. والثاني غير ظاهر ، لعدم الفرق في السيرة بينه وبين غيره وأما الصحيحة فنفي الإعادة فيها أعم من عدم الحجية ، لاحتمال كون عدم الإعادة لسقوط الشرطية في حال الجهل. مع أنها معارضة بموثقة ابن بكير الآمرة بالإعادة في فرض السؤال‌ ، وقد تقدم الإشكال في الاستدلال بها على الحجية في مبحث المياه (٢). فراجع.

[٣] الكلام فيه هو الكلام في ما قبله. غير أن قيام السيرة العملية على الحجية فيه غير واضح ، لندرة الابتلاء بمثل ذلك. نعم السيرة الارتكازية‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب النجاسات حديث : ٦.

(٢) تقدم في مسألة : ٦ من الفصل المتعرض فيه لأحكام ماء البئر.

٤٦٥

بعد خروجه عن يده بنجاسته حين كان في يده ، يحكم عليه بالنجاسة في ذلك الزمان ، ومع الشك في زوالها تستصحب [١].

فصل في كيفية تنجس المتنجسات‌

يشترط في تنجس المتنجسات يشترط في تنجس الملاقي للنجس أو المتنجس أن يكون فيهما ، أو في أحدهما ، رطوبة مسرية. فاذا كان جافين لم ينجس [٢] ،

______________________________________________________

غير بعيدة ، ولا سيما في اليد القريبة ، كما لو دفع المبيع إلى المشتري ثمَّ أخبره بنجاسته ، ونحوه.

[١] الاستصحاب هنا كاستصحاب ما قامت عليه البينة في الزمان السابق الذي عرفت وجهه في المسألة الثامنة.

فصل في كيفية تنجس المتنجسات‌

[٢] إجماعا محكياً عن المختلف ، وكشف اللثام ، والذخيرة ، والدلائل وفي الجواهر. بل قد يدعى تحصيله. ويشهد به جملة من النصوص ، كموثق عبد الله بن بكير : « قلت لأبي عبد الله (ع) : الرجل يبول ولا يكون عنده الماء فيمسح ذكره بالحائط. قال (ع) : كل شي‌ء يابس ذكي » (١) وصحيح البقباق « قال أبو عبد الله (ع) : إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله ، وان مسه جافا فاصبب عليه الماء ». ومصحح ابن مسلم : « إن أبا جعفر (ع) وطئ على عذرة يابسة فأصاب ثوبه ، فلما أخبره قال (ع) :

__________________

(١) الوسائل باب : ٣١ من أبواب أحكام الخلوة حديث : ٥.

٤٦٦

وإن كان ملاقياً للميتة [١]. لكن الأحوط غسل ملاقي ميت الإنسان قبل الغسل وإن كانا جافين. وكذا لا ينجس إذا كان فيهما أو في أحدهما رطوبة غير مسرية [٢]. ثمَّ إن كان الملاقي‌

______________________________________________________

أليس هي يابسة؟ قال : بلى. فقال : لا بأس » ، ونحوها غيرها مما ورد في الخنزير‌ ، والكلب‌ ، والعذرة‌ ، والمني‌ والبول‌. فلاحظ الباب المعقود له في الوسائل (١). مضافا الى الارتكاز العرفي المنزل عليه الخطابات والإطلاقات المقامية.

[١] كما تقدم الكلام فيه في نجاسة الميتة (٢). فراجع.

[٢] قال في الجواهر : « والمراد باليابس في المتن وغيره ما يشمل الندي الذي لا تنتقل منه رطوبة بملاقاته ، لعدم حصول وصف التنجيس به ـ كما صرح به العلامة الطباطبائي [ ره ] في منظومته ـ للأصل ، وصدق الجاف عليه ـ يعني المذكور في بعض النصوص ـ ومفهوم صحيح البقباق السابق » والعمدة : أن الارتكاز العرفي قرينة على ذلك ، فلا يمكن الأخذ بإطلاق اليابس والرطب. ومن ذلك يظهر أن الرطوبة قسمان مسرية وسارية [ فالأولى ] : هي التي يحصل بها التنجيس بالملاقاة ، وهي التي يكون لها وجود ممتاز ينتقل من أحد المتلاقيين إلى الآخر بمجرد الملاقاة. ويقابلها الجفاف [ والثانية ] : ما لا تكون كذلك وان انتقلت من أحد المتلاقيين إلى الآخر ، كالرطوبة التي تكون في الأرض الندية التي تنتقل الى الفراش الموضوع عليه ، ولا يكون لها وجود ممتاز يظهر للعيان بل تكون منبثة في الجسم ، فمثل هذه لا تكون منجسة. ومن ذلك يظهر أن جدران المساجد التي تكون مجاورة لمثل الكنيف‌

__________________

(١) وهي باب : ٢٦ من أبواب النجاسات وصحيح البقباق هو الحديث الثاني ، ومصحح ابن مسلم هو الحديث الرابع عشر ، من الباب المذكور.

(١) تقدم الكلام فيه في المسألة : ١٠ من فصل النجاسات.

٤٦٧

للنجس أو المتنجس مائعاً تنجس كله [١] ، كالماء القليل المطلق والمضاف مطلقاً [٢] ، والدهن المائع ، ونحوه من المائعات. نعم لا ينجس العالي بملاقاة السافل إذا كان جاريا من العالي [٣] ، بل لا ينجس السافل بملاقاة العالي إذا كان جاريا من السافل ،

______________________________________________________

والبالوعة ليست نجسة وان سرت رطوبة الكنيف إليها ، وكذا الحال في أمثال ذلك. ويقابل هذه الرطوبة اليبوسة. فلاحظ.

[١] بلا خلاف ولا إشكال. للنصوص الواردة في الماء القليل الملاقي للنجاسة‌ (١) ، وفي المرق الذي وقعت فيه قطرة خمر أو نبيذ مسكر‌ (٢). وصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت فيه ، فان كان جامداً فألقها وما يليها ، وكل ما بقي ، وإن كان ذائباً فلا تأكله ، واستصبح به. والزيت مثل ذلك » (٣) ، ونحوه صحيح الحلبي‌ (٤) وموثق سماعة‌ (٥) ، وغيرهما ، الموافق ذلك للارتكاز العرفي.

[٢] يعني : ولو كان كثيراً. وقد تقدم التأمل في عموم الحكم للكثير البالغ في الكثرة حداً يمنع من تحقق الاستقذار ، مثل البحيرات النفطية التي تكون تحت الأرض. لقصور الأدلة اللفظية عن شمولها. وفي عموم الإجماع على الانفعال لمثله تأمل.

[٣] كما تقدم وجهه في المياه.

__________________

(١) تقدم التعرض لها في شرح أوائل فصل الماء الراكد.

(٢) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب النجاسات حديث : ٨.

(٣) الوسائل باب : ٥ من أبواب المضاف والمستعمل حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ٣.

(٥) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ٥ وقد اشتملت الباب المذكورة على أحاديث أخر.

٤٦٨

كالفوارة ، من غير فرق في ذلك بين الماء وغيره من المائعات. وان كان الملاقي جامداً اختصت النجاسة بموضع الملاقاة [١] سواء كان يابسا ، كالثوب اليابس إذا لاقت النجاسة جزءا منه ، أو رطبا كما في الثوب المرطوب ، أو الأرض المرطوبة فإنه إذا وصلت النجاسة إلى جزء من الأرض أو الثوب لا يتنجس ما يتصل به [٢] ، وان كان فيه رطوبة مسرية ، بل النجاسة مختصة بموضع الملاقاة. ومن هذا القبيل الدهن والدبس الجامدان. نعم لو انفصل ذلك الجزء المجاور ثمَّ اتصل تنجس موضع الملاقاة منه [٣] ، فالاتصال قبل الملاقاة‌

______________________________________________________

[١] بلا إشكال كما تقدم في صحيح زرارة‌ وغيره.

[٢] لعدم ملاقاته للنجاسة. والرطوبة ـ لضعفها ـ لا تصلح في نظر العرف لسراية النجاسة. والأدلة اللفظية في نفسها قاصرة عن إثباتها. ولم يقم دليل عقلي على السراية في المائعات ، كي يعتمد عليه في المقام ، إذ لا طريق عقلي إلى سراية النجاسة من السطح الملاقي إلى السطح الآخر غير الملاقي. وبالجملة : لا مخرج عن أصالة الطهارة من عقل أو شرع أو عرف ، فالعمل بها متعين مضافا الى أنه لو بني على سراية النجاسة الى جميع أجزاء الجسم بتوسط الرطوبة لزم نجاسة جميع الأرض المبتلة بنزول المطر بمجرد ملاقاة جزء منها للنجس ، فتنجس أرض جزيرة العرب ـ مثلا ـ بمجرد وقوع قطرة من البول في موضع منها. وهو كما ترى. مضافا الى النصوص الواردة في السمن والزيت والعسل إذا كانت جامدة ، الدالة على اختصاص النجاسة بموضع الملاقاة منها لا غير.

[٣] يعني : بتوسط تلاقي الرطوبتين ، فإن الرطوبة التي على الجزء‌

٤٦٩

لا يؤثر في النجاسة والسراية بخلاف الاتصال بعد الملاقاة. وعلى ما ذكر فالبطيخ والخيار ونحوهما مما فيه رطوبة مسرية ، إذا لاقت النجاسة جزءا منها ، لا تتنجس البقية ، بل يكفي غسل موضع الملاقاة ، إلا إذا انفصل بعد الملاقاة ثمَّ اتصل.

[ مسألة ١ ] : إذا شك في رطوبة أحد المتلاقيين ، أو علم وجودها وشك في سرايتها ، لم يحكم بالنجاسة. وأما إذا علم سبق وجود المسرية وشك في بقائها فالأحوط الاجتناب [١] ،

______________________________________________________

الطاهر الطاهرة قبل الاتصال تنجس بملاقاة الرطوبة التي على الجزء النجس فينجس محلها من الجسم ، وليس ذلك بتوسط تلاقي الجسمين ، إذ السطح الطاهر لم يلاق السطح النجس أصلا ، إذ التلاقي إنما كان بين السطحين الحادثين بالانفصال ، وهما معاً طاهران. والوجه في هذه النجاسة عموم ما دل على نجاسة الجزء الملاقي للنجس.

ومما ذكرنا يندفع الإشكال في الفرق بين الاتصال بين الرطوبتين قبل ملاقاة النجاسة ، وبينه بعد ملاقاة النجاسة ، في عدم اقتضاء الأول سراية النجاسة واقتضاء الثاني سرايتها. وحاصل وجه الفرق : أن سراية النجاسة من الرطوبة النجسة إلى الطاهرة لا دليل عليها في الأول ، بل الدليل على خلافها ـ كما عرفت ـ بخلاف السراية في الثاني ، إذ يدل عليها ما دل على النجاسة بملاقاة النجس ، والعمدة اختلاف نظر العرف في الصورتين. لكن قد يشكل الحكم فيما لو كانت الرطوبة التي على الجسم قليلة ، فان صدق التلاقي عرفا بينها وبين رطوبة الجزء الموصول بعد الانفصال غير ظاهر ، لكونها في نظر العرف بمنزلة العرض.

[١] لاستصحاب بقاء الرطوبة التي هي شرط التنجيس ، كاستصحاب‌

٤٧٠

وان كان الحكم بعدم النجاسة لا يخلو عن وجه [١].

[ مسألة ٢ ] : الذباب الواقع على النجس الرطب إذا وقع على ثوب أو بدن شخص ، وان كان فيهما رطوبة مسرية لا يحكم بنجاسته إذا لم يعلم مصاحبته لعين النجس [٢]. ومجرد وقوعه لا يستلزم نجاسة رجله ، لاحتمال كونها مما لا تقبلها ، وعلى فرضه فزوال العين يكفي في طهارة الحيوانات [٣].

______________________________________________________

طهارة الماء التي هي شرط التطهير به ، فكما أن أثر الثاني طهارة المغسول به تعبداً ، كذلك أثر الأول نجاسة الملاقي له تعبداً.

[١] مبني على أن الشرط ليس وجود الرطوبة ، بل سرايتها من أحد المتلاقيين الى الآخر ، واستصحاب بقاء الرطوبة لا يصلح لإثبات سرايتها إلى الملاقي إلا بناء على الأصل المثبت. وقد يحتمل التفصيل بين كون المشكوك الرطوبة في النجس فالثاني ، لما ذكر ، والرطوبة في الطاهر الملاقي له فالأول ، لعدم اعتبار سرايتها من الطاهر الى النجس في تنجيس الطاهر به ، لعدم الدليل على ذلك. نعم لا بد فيها أن تكون قابلة للانتقال إلى الملاقي بمجرد الملاقاة ، ولا يعتبر الانتقال الفعلي ، فإذا شك في بقاء الرطوبة القابلة للانتقال يبنى على بقائها بالاستصحاب ، ويترتب عليه أثره وهو الانفعال. [ وفيه ] : أنه خلاف ما دل على اعتبار الرطوبة المسرية ـ بمعنى المنتقلة ـ بمجرد الملاقاة. ولذا لا نقول بالنجاسة إذا كانت عين النجاسة لا تقبل التلوث بالرطوبة التي على العين الطاهرة.

[٢] للاستصحاب.

[٣] لما سيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ في المطهر العاشر من المطهرات نعم لو شك في زوال عين النجاسة فقد شك في طهارة عضو الحيوان ،

٤٧١

[ مسألة ٣ ] : إذا وقع بعر الفأر في الدهن أو الدبس الجامدين يكفي إلقاؤه وإلقاء ما حوله [١] ، ولا يجب الاجتناب عن البقية. وكذا إذا مشى الكلب على الطين ، فإنه لا يحكم بنجاسة غير موضع رجله ، إلا إذا كان وحلا والمناط في الجمود والميعان أنه لو أخذ منه شي‌ء فان بقي مكانه خالياً حين الأخذ. وان امتلأ بعد ذلك ـ فهو جامد ، وان لم يبق خاليا أصلا فهو مائع [٢].

______________________________________________________

واستصحابها لإثبات نجاسته ، ليترتب عليها نجاسة ملاقية ، محكم. إلا أن يقال : لا أثر لنجاسة عضو الحيوان في الفرض ، لاستناد نجاسة الملاقي له إلى ملاقاة عين النجاسة التي عليه ، لأنها أسبق زماناً من الملاقاة لنفس العضو ، ومع تعدد العلل واختلافها في الزمان يكون الأثر للسابق مستقلا ، فلا أثر لنجاسة العضو نفسه كي يجري الاستصحاب لإثباتها.

[١] كما عرفت.

[٢] قد ذكر الجمود والذوبان موضوعين لسراية النجاسة الى جميع أجزاء الجسم في صحيح زرارة المتقدم‌ (١). ولكن‌ في صحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (ع) : « قلت : جرذ مات في زيت أو سمن أو عسل فقال : أما السمن والعسل فيؤخذ الجرذ وما حوله ، والزيت يستصبح به » ونحوه صحيح سعيد الأعرج‌ ، وموثق سماعة‌. وفي صحيح الحلبي في الفأرة والدابة تموت في الطعام والشراب. قال (ع) : « إن كان سمناً أو عسلا أو زيتاً ـ فإنه ربما يكون بعض هذا ـ فان كان الشتاء فانزع ما حوله وكله ، وإن كان الصيف فارفعه حتى تسرج به. وإن كان برداً فاطرح الذي‌

__________________

(١) تقدم في أوائل هذا الفصل.

٤٧٢

[ مسألة ٤ ] : إذا لاقت النجاسة جزءاً من البدن المتعرق لا يسري الى سائر إجزائه ، إلا مع جريان العرق [١].

[ مسألة ٥ ] : إذا وضع إبريق مملوء ماء على الأرض النجسة ، وكان في أسفله ثقب يخرج منه الماء ، فان كان لا يقف تحته ، بل ينفذ في الأرض أو يجري عليها فلا يتنجس ما في الإبريق من الماء [٢] ، وان وقف الماء بحيث يصدق‌

______________________________________________________

كان عليه ولا تترك طعامك من أجل دابة ماتت عليه » (١). ويمكن إرجاع الأخير إلى الأول ، لغلبة الجمود في أيام الشتاء والذوبان في أيام الصيف. كما لعل الوجه في مثل صحيح معاوية : أن السمن والعسل يغلب فيهما الغلظة والثخانة ، بخلاف الزيت. فان الغالب فيه الرقة. وعلى هذا يكون هو المعيار في السراية وعدمها لا الجمود والذوبان. والظاهر أن ذلك هو المرتكز العرفي في سراية القذارة وعدمها ، وحينئذ يتعين حمل الأول عليه. ويشير اليه ما في صحيح الحلبي من ذكر الشتاء والبرد ، فإنهما لا يوجبان مطلقاً الجمود في العسل ، بل ولا في السمن ، وإنما يوجبان الغلظة والكثافة [ وبالجملة ] : اختلاف النصوص يستوجب حملها ـ بقرينة الارتكاز العرفي ـ على كون المعيار مرتبة خاصة من الغلظة والكثافة ، فإن حصلت انتفت السراية وان انتفت حصلت السراية.

هذا وتفسير الميعان والجمود بما ذكر المصنف لا يخلو من إشكال ، بل الظاهر من المائع لغة وعرفا ما اقتضى بطبعه استواء سطحه ، وان لم يحصل إلا بعد حين ، والجامد بخلافه. فلاحظ.

[١] يعني : العرق المتنجس ، فينجس ما جرى عليه العرق لا غير.

[٢] لأن التدافع الحاصل من الجريان من العلو الى السفل مانع من‌

__________________

(١) تراجع هذه الأحاديث في باب : ٤٣ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ١ ، ٤ ، ٣ من الوسائل.

٤٧٣

اتحاده مع ما في الإبريق بسبب الثقب تنجس [١] ، وهكذا الكوز والكأس والحب ونحوها.

[ مسألة ٦ ] : إذا خرج من أنفه نخاعة غليظة ، وكان عليها نقطة من الدم لم يحكم بنجاسة ما عدا محله من سائر أجزائها [٢]. فاذا شك في ملاقاة تلك النقطة لظاهر الأنف‌

______________________________________________________

سراية النجاسة ، كما تقدم في المياه. وهذا مما لا ينبغي الإشكال فيه هنا ، إذا كان سمك الإبريق ضخماً بحيث يكون الماء المتدافع في فضاء نفس الثقب حائلا بين الأرض النجسة ، وبين الماء الواقف الواقع في فضاء الإبريق. أما إذا كان السمك رقيقا بنحو يكون الماء الواقف في فضاء الإبريق متصلا بالأرض النجسة ، وان كان الخارج منه متدافعا في عمق الأرض أو جاريا عليها ، فيشكل الحكم بالطهارة ، لاتصال الماء الواقف بالأرض النجسة فتنجسه ، ومجرد كون الجزء المتصل بالأرض متدافعاً غير كاف ـ عرفا ـ في عدم سراية النجاسة. ولكنه يندفع : بأن الأجزاء المتصلة بالأرض هي الأجزاء الخارجة من الثقب ، فاذا كانت متدافعة لم تسر نجاستها إلى ما في الإبريق ، وان كانت متصلة به.

[١] لا يخلو من اشكال إذا كان الخروج بقوة بواسطة الضغط الدافع ، فإنه مانع من سراية النجاسة الى ما في الإبريق ، نظير ما في الفوارة المندفع على النجاسة. نعم لو تقارب سطح ما في الإبريق مع سطح الواقف يضعف الاندفاع ، فحينئذ تسري النجاسة مع صدق الاتصال بين الماءين عرفا لسعة الثقب ، أما مع ضيقه المانع من صدق الاتصال عرفا ، وإن كان حاصلا عقلا فلا سراية. وليس المدار على اتحاد الماءين وتعددهما ، بل على ما ذكرنا. فلاحظ.

[٢] لما عرفت.

٤٧٤

لا يجب غسله. وكذا الحال في البلغم الخارج من الحلق.

[ مسألة ٧ ] : الثوب أو الفراش الملطخ بالتراب النجس يكفيه نفضة [١] ولا يجب غسله ، ولا يضر احتمال بقاء شي‌ء منه [٢]. بعد العلم بزوال القدر المتيقن.

[ مسألة ٨ ] : لا يكفي مجرد الميعان في التنجس ، بل يعتبر أن يكون مما يقبل التأثر. وبعبارة أخرى : يعتبر وجود الرطوبة في أحد المتلاقيين [٣]. فالزيبق إذا وضع في ظرف نجس لا رطوبة له لا ينجس ، وان كان مائعاً. وكذا إذا‌

______________________________________________________

[١] يعني : في معاملته معاملة الطاهر. ويدل عليه ـ مضافا الى ما دل على عدم سراية النجاسة مع الجفاف‌ (١) ـ ما‌ رواه علي بن جعفر (ع) : في كتابه عن أخيه (ع) : « عن الرجل يمر بالمكان فيه العذرة ، فتهب الريح فتسفي عليه من العذرة ، فيصيب ثوبه ورأسه ، أيصلي قبل أن يغسله؟ قال (ع) : نعم ينفضه ويصلي فلا بأس » (٢).

[٢] هذا إذا كان ما علم وجوده في الثوب قد علم زواله بالنفض ، والزائد عليه مشكوك الوجود ، فيرجع الى أصالة عدمه. وأما إذا شك في زوال ما علم وجوده في الثوب ، بأن رأى في الثوب أجزاء النجاسة. وشك في زوالها بالنفض فالمرجع استصحاب وجودها.

[٣] والمراد بها مطلق ما ينتقل من أحد المتلاقيين الى الآخر ، بحيث يتلوث به ، كما في مثل السمن ، والعسل ، والزيت ، والنفط ، ونحوها من المائعات والجامدات. وقد عرفت أن الوجه في اعتبار ذلك الارتكاز العرفي المنزل عليه الخطابات الشرعية.

__________________

(١) تقدم التعرض لذلك في أوائل هذا الفصل.

(٢) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب النجاسات حديث : ١٢.

٤٧٥

أذيب الذهب أو غيره من الفلزات في بوتقة نجسة ، أو صب بعد الذوب في ظرف نجس ، لا ينجس ، إلا مع رطوبة الظرف ، أو وصول رطوبة نجسة إليه من الخارج [١].

[ مسألة ٩ ] : المتنجس لا يتنجس ثانياً ولو بنجاسة أخرى [٢] ، لكن إذا اختلف حكمهما يرتب كلاهما ، فلو‌

______________________________________________________

[١] وحينئذ يتنجس السطح الملاقي للرطوبة لا غير.

[٢] يعني : ولو بنجاسة أخرى من غير نوع النجاسة الأولى. وهذا الحكم على خلاف أصالة عدم التداخل المعول عليها عند أكثر المحققين ، إذ مقتضاها أن تكون ملاقاة كل فرد من النجاسة موجبة لتنجس الملاقي بنجاسة غير ما تقتضيها ملاقاة الفرد الآخر. كما أن مقتضاها أيضاً وجوب تعدد المطهر في حصول الطهارة له من جميعها. وليس الوجه فيه امتناع اجتماع نجاستين لمحل واحد ، فان ذلك في النجاستين المحدودتين بحدين ، لا في المرتبتين المحدودتين بحد واحد ، على نحو تتأكد إحداهما بالأخرى ، وتكون فرداً واحدا شديداً اكيداً. بل العمدة فيه ظهور الاتفاق عليه ، ففي المدارك : أنه قطع به الأصحاب ، ولا أعلم في ذلك مخالفاً. وفي الذخيرة : « لا أعلم مصرحا بخلافه » ، وعن اللوامع : « الظاهر أنه وفاقي » وظاهر كلام شيخنا في الجواهر في أحكام البئر ، وفي مبحث الولوغ ، وشيخنا الأعظم [ ره ] في أحكام البئر : المفروغية عنه ، بل في المستند : أنه إجماع. نعم معقد الإجماعات المذكورة هو التداخل في الأثر المشترك ، لا في الخصوصية الممتاز بها بعض النجاسات عن بعض. قال في المنتهى ـ في الفرع الحادي عشر من مبحث الولوغ ـ : « وبالجملة : إذا تعددت النجاسة فإن تساوت في الحكم تداخلت ، وان اختلفت فالحكم لأغلظها » ونحوه محكي كلام غيره. وظاهر عبارة المتن عدم ترتب النجاسة التي هي‌

٤٧٦

كان لملاقي البول حكم ، ولملاقي العذرة حكم آخر ، يجب ترتيبهما معاً. ولذا لو لاقى الثوب دم ، ثمَّ لاقاه البول ، يجب غسله مرتين ، وان لم يتنجس بالبول بعد تنجسه بالدم ، وقلنا بكفاية المرة في الدم. وكذا إذا كان في إناء ماء نجس ، ثمَّ ولغ فيه الكلب ، يجب تعفيره وان لم يتنجس بالولوغ. ويحتمل أن يكون للنجاسة مراتب في الشدة والضعف [١]. وعليه فيكون كل منهما مؤثراً ولا إشكال [٢].

______________________________________________________

أشد ، وحينئذ فترتب حكمها غير ظاهر ، لأنه يكون بلا موضوع.

[١] كلمات الأصحاب في المقام مختلفة المفاد. فظاهر بعضها ـ كالمدارك والذخيرة وغيرهما ـ أن التداخل في الحكم ، لاستدلالهم عليه بصدق الامتثال وأصالة البراءة. وظاهر الجواهر ـ في مبحث الولوغ ـ وغيرها أن التداخل في نفس النجاسة ، فلا تأكد ولا اشتداد ، لاستدلالهم عليه بظهور الدليل في الجنسية ، بلا تفاوت بين القليل والكثير. وعلى هذا ينبغي البناء على التداخل في خصوص الحكم ، لأن البناء على التداخل في كل من النجاسة والحكم ، وان كان خلاف الأصل ، لكن حيث يتردد الأمر بينهما يتعين البناء على الثاني ، للعلم بسقوط القاعدة فيه ، إما للتخصيص أو للتخصص ، فتبقى أصالة عدم التداخل في النجاسة بلا معارض ، كما هو الحكم في أمثاله من موارد الدوران بين التخصيص في الموضوع ، والتخصيص في الحكم. ولازم ذلك أنه لو اضطر الى ارتكاب النجس ودار الأمر بين ارتكاب ما هو مورد السبب الواحد وما هو مورد السببين تعين ـ بحكم العقل ـ ارتكاب الأول لأنه أقل المحذورين.

[٢] بل الإشكال بحاله ، فإن التداخل في النجاسة ليس بأشكل من‌

٤٧٧

[ مسألة ١٠ ] : إذا تنجس الثوب مثلا بالدم مما يكفي فيه غسله مرة ، وشك في ملاقاته للبول أيضاً مما يحتاج الى التعدد ، يكتفى فيه بالمرة ، ويبنى على عدم ملاقاته للبول [١]. وكذا إذا علم نجاسة إناء وشك في أنه ولغ فيه الكلب أيضا أم لا ، لا يجب فيه التعفير ، ويبنى على عدم تحقق الولوغ. نعم لو علم تنجسه إما بالبول أو الدم ، أو إما بالولوغ أو بغيره‌

______________________________________________________

التداخل في المطهر ، بل هما سواء في مخالفة أصالة عدم التداخل الجارية في المقامين. ولعل مراده نفي الاشكال اللازم مما ذكره سابقاً ، وهو ما أشرنا إليه من ثبوت الحكم بلا موضوع ، فإنه على هذا الاحتمال يثبت حكم الأشد بتبع ثبوت الأشد ، وان كان يدخل حكم أحدهما في حكم الآخر إذا اختلفا بالشدة والضعف.

[١] لأصالة عدمها. ولا مجال لاستصحاب النجاسة الثابتة قبل الغسل مرة ، لأنه من الاستصحاب الجاري في القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي ، للعلم بارتفاع النجاسة المعلومة الثبوت ـ وهي المستندة إلى ملاقاة الدم ـ والشك في مقارنة نجاسة أخرى لها ، والمحقق في محله عدم جريانه.

فان قلت : إذا غسل مرة لا يعلم بزوال النجاسة المستندة إلى ملاقاة الدم ، إذ مع احتمال طروء نجاسة البول يحتمل أن يكون الغسل مرة مزيلا للشدة الآتية من ملاقاة البول لا لنجاسة الدم ، وأصالة عدم ملاقاة البول لا تصلح لإثبات ذلك ، فيكون الاستصحاب من قبيل الجاري في القسم الأول من أقسام استصحاب الكلي [ قلت ] : بعد ما كان المستفاد من الأدلة أن نجاسة الدم تزول بالغسل مرة ، لا بد من البناء على زوالها في المقام بالغسل مرة ، فيكون الشك في ثبوت غيرها والأصل يقتضي عدمه.

٤٧٨

يجب إجراء حكم الأشد [١] من التعدد في البول ، والتعفير في الولوغ.

[ مسألة ١١ ] : الأقوى أن المتنجس منجس [٢]

______________________________________________________

[١] لاستصحاب بقاء النجاسة حتى يعلم بارتفاعها بإجراء حكم الأشد. نعم لو كان الأثر في المقام للفرد امتنع جريان الاستصحاب ، بناء على التحقيق من عدم جريانه في الفرد المردد بين فردين أحدهما معلوم الارتفاع والآخر معلوم البقاء. وسيأتي إن شاء الله تحقيق المبنى المذكور في أحكام النجاسة.

[٢] على المشهور شهرة عظيمة ، بل لا خلاف يعرف فيه إلا من الكاشاني وان كان قد يظهر أيضاً من محكي السرائر. بل عن جماعة نقل الإجماع عليه ، منهم القاضي في الجواهر ، والمحقق في المعتبر ، والفاضل الهندي في كشف اللثام والوحيد البهبهاني ، والعلامة بحر العلوم ، والسيد المقدس الكاظمي والمحدث البحراني ، والمحقق القمي ، والشيخ الأكبر ، ونجله الحسن في أنوار الفقاهة ، والشيخ محسن الأعسم في كشف الظلام ، وشيخنا المعظم في الجواهر والسيد المتبحر القزويني في البصائر ، وشيخنا الأعظم في طهارته ـ قدس الله تعالى أرواحهم ـ على ما حكي عن جملة منهم. بل صريح المحكي من كلام جماعة منهم دعوى الضرورة عليه كما سيأتي إن شاء الله.

ويشهد به ـ مضافاً الى استفادته مما دل على سراية نجاسة الأعيان النجسة إلى ملاقيها ، فان المرتكز في ذهن العرف أن السراية عرفاً من أحكام مطلق النجاسة لا النجاسة الذاتية خاصة ، وكما لا نحتاج الى دليل على السراية في كل واحدة من النجاسات بالخصوص ، بل يكتفى بما دل على السراية في بعضها ، إلغاء لخصوصية المورد عرفاً ، كذلك في المقام ـ جملة من النصوص.

منها : النصوص المتقدمة‌ (١) في رفع التفصيل في انفعال القليل بين‌

__________________

(١) تقدمت في أوائل فصل الماء الراكد.

٤٧٩

______________________________________________________

ملاقاة النجس والمتنجس ، الظاهرة في نجاسة الإناء إذا أدخل يده في الإناء وقد أصابها القذر. ومثلها الروايات المانعة من إدخال الجنب أو المحدث يده في الإناء إلا أن تكون نظيفة‌ (١). ومنها : رواية العيص المتقدمة في مبحث الغسالة المتضمنة للأمر بغسل ما أصابه قطرة من طشت فيه وضوء من بول أو غائط‌ (٢).

ومنها : موثقة عمار : « أنه سأل أبا عبد الله (ع) : عن رجل يجد في إنائه فأرة ، وقد توضأ من ذلك الماء مراراً أو اغتسل أو غسل ثيابه ، وقد كانت الفأرة متسلخة. فقال (ع) : إن كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه ثمَّ فعل ذلك بعد ما رآها في الإناء فعليه أن يغسل ثيابه ويغسل كل ما أصابه ذلك الماء ويعيد الوضوء والصلاة ... (٣). وموثقته الأخرى عنه (ع) : « في البارية يبل قصبها بماء قذر هل تجوز الصلاة عليها قال (ع) : إذا جفت فلا بأس بالصلاة عليها » (٤). ونحوها غيرها.

ومنها : رواية المعلى عنه (ع) : « في الخنزير يخرج من الماء فيمر على الطريق فيسيل منه الماء أمر عليه حافيا. قال (ع) : أليس وراءه شي‌ء جاف؟ قلت بلى. قال (ع) : لا بأس إن الأرض يطهر بعضها بعضاً » (٥).

ومنها : ما تضمن الأمر بتطهير الإناء الذي ولغ فيه كلب‌ (٦) ، فإنه يدل على سراية النجاسة من الماء المتنجس إلى الإناء. ولا سيما بملاحظة‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٨ من أبواب الماء المطلق ، وباب : ٢٧ من أبواب الوضوء.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب الماء المضاف والمستعمل حديث : ١٤.

(٣) الوسائل باب : ٤ من أبواب الماء المطلق حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب النجاسات حديث : ٥.

(٥) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب النجاسات حديث : ٣.

(٦) الوسائل باب : ١ من أبواب الأسئار حديث : ٤.

٤٨٠