مستمسك العروة الوثقى - ج ١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦١١

______________________________________________________

كانت عن الحسن بن محبوب ، والظاهر أنها عن كتابه. وعن ابن الغضائري : أنه لم يتوقف في روايته عن ابن أبي عمير والحسن بن محبوب ، لأنه قد سمع كتابهما جل أصحاب الحديث واعتمدوه فيهما. وأما رواية الحسن بن علي فإنما تصلح جابراً ـ كما قيل ـ لو كان هو ابن فضال كي تدخل في‌ قول العسكري (ع) : « خذوا ما رووا » (١). ولكنه بعيد ، بل قيل : « يكاد يقطع بخلافه » ، لأن ابن فضال أعلى طبقة من العبرتائي ، ولأنه لم تعرف رواية سعد عن ابن فضال بلا واسطة ، بل يروي عنه بواسطتين. على أن الظاهر من قوله (ع) : « خذوا ما رووا » صحة رواياتهم ، لا صحة رواية من يروون عنه.

ومثل ذلك الطعن في الدلالة ، لاحتمال كون المنع من جهة نجاسة بدن الجنب ، كما هو الغالب ، كما يظهر مما ورد في كيفية غسل الجنابة (٢) وغيره. إذ فيه : أن ذلك خلاف ظاهر العبارة المذكورة في الخبر. ولا سيما بملاحظة العطف على ما يغسل به الثوب. ومثله المناقشة باحتمال إرادة إزالة الوسخ من غسل الثوب لا النجاسة ، فيتعين حمل النهي على مطلق المرجوحية المجامعة للكراهة. إذ فيها : أنه إن بني على الجمود على ما تحت العبارة فالمراد مجرد غسل الثوب وان لم يكن عن وسخ ، وان أريد الغسل المشروع فليس الا الغسل لإزالة النجاسة.

وقد يستدل على المنع‌ بصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) : « سألته عن ماء الحمام ، فقال (ع) : ادخله بإزار ، ولا تغتسل من ماء آخر ، الا أن يكون فيه جنب أو يكثر أهله فلا يدرى فيهم جنب أم لا » (٣)

__________________

(١) الوسائل باب ١١ من أبواب صفات القاضي حديث : ١٤.

(٢) راجع الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة.

(٣) الوسائل باب : ٧ من أبواب الماء المطلق حديث : ٥.

٢٢١

______________________________________________________

وفيه : [ أولا ] : ما عرفت آنفا (١) من إجمال المورد ، للجهل بكيفية تمايز ماء الحمام عن الماء الآخر ، والجهل بما يكون وجها للمنع عن الاغتسال بماء الحمام عند ما يوجد الجنب فيه ، وأنه من جهة اختلاط ماء غسله بماء الحمام أو غير ذلك. ولا سيما بملاحظة كثرة وجود الجنب فيه ، وندرة حصول العلم بعدمه ، فلو منع من الاغتسال مع احتمال الجنب لزم الهرج. ولعله لذلك يتعين حملها على ماء الخزانة المتعارف في زماننا ، وحينئذ يتعين حملها على الكراهة ، لعدم الخلاف في الجواز في الكثير إلا من شاذ ، كما سيأتي [ وثانيا ] : أنها معارضة‌ بصحيحته الأخرى « قلت لأبي عبد الله (ع) : الحمام يغتسل فيه الجنب وغيره اغتسل من مائه؟ قال (ع) : نعم لا بأس أن يغتسل منه الجنب ، ولقد اغتسلت فيه وجئت فغسلت رجلي ، وما غسلتهما الا مما لزق بهما من التراب » (٢).

ومثله في الاشكال الاستدلال‌ بصحيح ابن مسكان : « حدثني صاحب لي ثقة أنه سأل أبا عبد الله (ع) عن الرجل ينتهي إلى الماء القليل في الطريق فيريد أن يغتسل ، وليس معه إناء ، والماء في وهدة ، فإن هو اغتسل رجع غسله في الماء كيف يصنع؟ قال (ع) : ينزح بكف بين يديه ، وكفا من خلفه ، وكفا عن يمينه ، وكفا عن شماله ، ثمَّ يغتسل » (٣) بناء على ظهوره في كون محذور رجوع الغسل في الماء عدم صحة الغسل به. ولكنه غير ظاهر. مع أن نضح الأكف لا يمنع من رجوع الماء ، فإطلاق الأمر بالغسل بعد النضح يدل على جواز الغسل بالماء وان رجع اليه ماء الغسل ، فيكون رادعا عما في ذهن السائل. فالرواية على الجواز أدل. ويؤيد ذلك‌

__________________

(١) في أول فصل ماء الحمام.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب الماء المطلق حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الماء المضاف حديث : ٢.

٢٢٢

______________________________________________________

أنه ورد مثل هذا النضح في الوضوء من الماء القليل ، لا من جهة منع رجوع الماء ، بل تعبدا. ولعله من آداب الوضوء والغسل من الماء القليل.

وأشكل من ذلك الاستدلال‌ بصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) : « وسئل عن الماء تبول فيه الدواب ، وتلغ فيه الكلاب ، ويغتسل فيه الجنب قال (ع) : إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء » (١). إذ ظاهرها نجاسة الماء باغتسال الجنب ، ولا يقول به الخصم ، فلتحمل على صورة تلوث بدنه بالمني.

فالعمدة في المنع الخبر الأول. ويؤيده ما ورد من النهي عن الاغتسال بغسالة الحمام (٢) ، معللا : بأن فيها غسالة الجنب ، وان كان قد يظهر من تلك الروايات أن المنع من جهة النجاسة لا من جهة الجنابة.

نعم يظهر الجواز من صحيح ابن جعفر عن أخيه (ع) الوارد في الرجل يصيب الماء في ساقية أو مستنقع أيغتسل منه للجنابة أو يتوضأ منه للصلاة؟ قال (ع) ـ في ذيله ـ : « وان كان في مكان واحد ، وهو قليل لا يكفيه لغسله ، فلا عليه أن يغتسل ويرجع الماء فيه ، فان ذلك يجزؤه » (٣) وهو في بدو النظر وان كان مختصاً بصورة عدم وجدان غيره ، لكن الظاهر منه بعد التأمل عموم الحكم ، لأن الماء الذي يغسل فيه بعض الأعضاء ويرجع الى الساقية أو المستنقع ، مما يكفي في تحصيل مسمى الغسل لجميع البدن ، بأن يؤخذ قليلا قليلا ، ويمسح به البدن بنحو يتحقق مسمى الغسل. ويؤيد ذلك قوله (ع) ـ في صدره ـ : « فإن خشي أن لا يكفيه غسل رأسه ثلاث مرات » فالمراد من عدم كفايته عدم كفايته إذا اغتسل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب الماء المطلق حديث : ١.

(٢) راجع الوسائل باب : ١١ من أبواب الماء المضاف.

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الماء المضاف حديث : ١.

٢٢٣

وان كان الأحوط مع وجود غيره [١] التجنب عنه. وأما المستعمل في الاستنجاء ، ولو من البول [٢] ، فمع الشروط‌

______________________________________________________

به على نحو الصب على الأعضاء على ما هو المتعارف. وعلى هذا يكون قرينة على ارادة جواز الاغتسال به ، ولو بعد رجوعه الى الموضع في صحيح ابن مسكان السابق‌ ، كما عرفت. وبهما يرفع اليد عن ظاهر خبر ابن سنان المتقدم‌ ، فيحمل على إرادة صورة نجاسة بدن الجنب ، كما هو الغالب. ويشير اليه ما ورد في كيفية غسل الجنابة‌ (١) ، وما ورد في اعتصام الكر‌ (٢) وغير ذلك. وهذا الجمع أقرب من الجمع بالحمل على الكراهة ، أو على المنع عن اغتسال غير المغتسل لا عن اغتسال نفسه ثانيا ، أو عن غير ذلك الغسل ، أو إذا لم يقصد ذلك حين الاغتسال به أولا. فإن هذه الخصوصيات وان اشتمل عليها صحيحا الرخصة ، لكنها عرفا ملغية فلا يخص بها الدليل ويتعين في الجمع العرفي ما عرفت. ولذا يكون ما في المتن هو الأقوى.

[١] لأن فرض عدم وجود غيره متيقن من صحيح ابن جعفر (ع) وان كان هذا المقدار لا ينافي الاحتياط أيضاً فيه ، خروجا عن شبهة خلاف القائلين بالمنع مطلقا. نعم الاحتياط فيه بالجمع بين استعماله والتيمم.

[٢] كما صرح به جماعة ، بل لا يعرف فيه خلاف ، وفي جامع المقاصد نسبته إلى الأصحاب ، وفي المدارك وعن الذخيرة : أنه مقتضى النص وكلام الأصحاب ، ولعل هذا المقدار كاف في الحجية عليه. وأما إطلاق النص فلا يخلو من تأمل ، لأن الاستنجاء في الأصل غسل موضع النجو ، وهو الغائط ، كما قيل. اللهم إلا أن يكون تعميمهم الحكم شهادة بعموم معناه ، ويساعده العرف اليوم. أو لأن الدليل لما كان واردا في جواب السؤال عن‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة.

(٢) راجع الوسائل باب : ٩ من أبواب الماء المطلق.

٢٢٤

الآتية طاهر [١] ، ويرفع الخبث أيضاً لكن لا يجوز استعماله في‌

______________________________________________________

القضية الخارجية ، وكان لا ينفك ماء الاستنجاء من الغائط عن ماء الاستنجاء من البول إلا نادرا جدا ، فالدليل يكون ظاهرا في طهارتهما معا ، كما لا يخفى.

[١] كما نص عليه جماعة كثيرة ، وفي بعض العبارات : أنه لا بأس به ، وفي آخر : أنه لا ينجس الثوب ، وفي ثالث : أنه معفو عنه. ولعل مراد الجميع الطهارة ، كما قد يشهد به نقل الإجماع على كل واحد من التعبيرات الثلاثة الأول ، فيكون الوجه في اختلاف التعبير اختلاف عبارات النصوص. وان كان الظاهر من النصوص المفاد الأول والثاني لا غير. فالمشتمل على المفاد الأول‌ رواية العلل عن يونس عن رجل عن العنزار عن الأحول أنه قال لأبي عبد الله (ع) في حديث : « الرجل يستنجي فيقع ثوبه في الماء الذي استنجى به. فقال (ع) : لا بأس. أوتدري لم صار لا بأس به؟ قال : قلت : لا والله. فقال (ع) : إن الماء أكثر من القذر » (١). فان الظاهر من التعليل طهارة الماء. والمشتمل على المفاد الثاني بقية النصوص مثل‌ صحيح عبد الكريم بن عتبة الهاشمي : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يقع ثوبه على الماء الذي استنجى به أينجس ذلك ثوبه؟ فقال (ع) : لا » (٢) ومصححة الأحول : « قلت لأبي عبد الله (ع) : أخرج من الخلاء فاستنجى بالماء ، فيقع ثوبي في ذلك الماء الذي استنجيت به ، فقال (ع) : لا بأس به » (٣) ونحوه مصححته الأخرى (٤) ، فإن الظاهر رجوع الضمير الى الثوب لا إلى الماء.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الماء المضاف حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الماء المضاف حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الماء المضاف حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الماء المضاف حديث : ٤.

٢٢٥

______________________________________________________

نعم قد يشكل الاعتماد على المرسل وان كان المرسل يونس الذي هو من أصحاب الإجماع ، لعدم تحقق الإجماع على قبول روايتهم ولو مع الإرسال ولذا كان الخلاف في قبول مراسيل ابن أبي عمير معروفا ، مع أنه ممن لا يرسل إلا عن ثقة ـ كما قيل ـ فكيف بمراسيل يونس؟!. مع أن العنزار مجهول. مضافا الى أن البناء على عدم التعدي عن مورد التعليل يستوجب البناء على إجماله ، وعدم ارادة ظاهره. وأما بقية النصوص فدلالتها على طهارة الماء أو نفي البأس به غير ظاهرة ، لعدم الملازمة ، فعموم انفعال القليل ـ كعموم ما دل على تعدي نجاسة كل متنجس ـ المقتضي لنجاسة الماء محكم. اللهم إلا أن تستفاد الطهارة بالملازمة العرفية بين طهارة ملاقي الشي‌ء وطهارته ، كالملازمة بين نجاسة الملاقي ونجاسته. ولذا بني على نجاسة بعض الأعيان لدلالة الدليل على نجاسة ملاقية ، وعلى طهارة بعض الأعيان لدلالة الدليل على طهارة ملاقيه. ولهذه الدلالة الالتزامية اللفظية يخصص ما دل على انفعال القليل ، كما يخصص ما دل على تنجيس النجس.

ومن ذلك تعرف الإشكال في كلام شيخنا الأعظم [ ره ] حيث ذكر أولا : أن البناء على نجاسة الماء يقتضي تخصيص قاعدة نجاسة ملاقي المتنجس والبناء على طهارته يقتضي تخصيص عموم انفعال الماء القليل ، ولأجل أن الثاني أولى تعين البناء على الطهارة. ثمَّ استشكل فيه : بأن قاعدة نجاسة ملاقي المتنجس ساقطة على كل حال ، للعلم الإجمالي بتخصيصها إما بالنسبة إلى ملاقي الماء ـ بناء على نجاسته ـ أو بالنسبة إلى نفس الماء الملاقي البول أو الغائط ، وبعد سقوطها عن الحجية ، للعلم الإجمالي المذكور ، يبقى عموم انفعال الماء القليل بلا معارض ، فيتعين الحكم بنجاسة الماء.

ووجه الاشكال فيه [ أولا ] : ما أشرنا إليه ، من أن تخصيص عموم الانفعال ليس لتقديم قاعدة نجاسة ملاقي النجس عليه ، بل للدلالة الالتزامية‌

٢٢٦

______________________________________________________

العرفية. [ وثانيا ] : أن عموم انفعال الماء القليل في رتبة قاعدة نجاسة ملاقي النجس ، فاذا فرض معارضة أصالة العموم في القاعدة بالنسبة إلى ملاقي ماء الاستنجاء مع أصالة العموم فيها بالنسبة إلى ماء الاستنجاء ، فهذه المعارضة بعينها حاصلة بين أصالة العموم في القاعدة في الأول ، وأصالة العموم في عموم انفعال الماء القليل في الثاني ، فالعلم الإجمالي يوجب سقوط العمومين معاً عن الحجية. [ وثالثا ] : أن المعارضة بين أصالة العموم في القاعدة بالنسبة إلى الفردين غير ظاهرة ، لسقوط أصالة العموم في القاعدة بالنسبة إلى ملاقي ماء الاستنجاء جزما ، للعلم الإجمالي بالتخصيص أو التخصيص فتبقى أصالة العموم في القاعدة بالنسبة إلى ماء الاستنجاء الملاقي للبول والغائط بلا معارض. وكذا عموم انفعال الماء القليل. بل لو فرض ملاقاة ماء الاستنجاء لماء آخر فلا معارضة في عموم انفعال الماء القليل بالنسبة إلى تطبيقه لأن تطبيقه بالنسبة إلى الماء الثاني معلوم البطلان ، أما للتخصيص أو للتخصص ، على نحو ما عرفت في عموم نجاسة ملاقي النجس.

ومثله في الاشكال ما ذكره الفقيه المقدس الهمداني [ قده ] في مصباحه من أن البناء على طهارة ماء الاستنجاء ، وتخصيص عموم انفعال الماء القليل أهون من البناء على نجاسته ، وتخصيص ما دل على عدم جواز استعمال الماء النجس في المأكول والمشروب والوضوء والصلاة وغيرها. انتهى. وجه الاشكال : أن العموم الثاني ساقط عن الحجية ، إما بالتخصيص أو التخصص ، فيبقى العموم الأول بحاله بلا معارض.

ومن هنا يظهر أن المتعين إما القول بالطهارة ، وإما القول بالنجاسة مع طهارة الملاقي. فإن أريد من العفو في كلام بعض هذا المعنى فله وجه ، ولو أريد منه كونه نجساً بحكم الطاهر مطلقا ، أو في خصوص عدم وجوب الاجتناب عنه ، مع ترتب بقية أحكام النجس عليه فغير ظاهر الوجه.

٢٢٧

رفع الحدث ولا في الوضوء والغسل المندوبين [١]. وأما المستعمل في رفع الخبث غير الاستنجاء فلا يجوز استعماله في الوضوء والغسل [٢]. وفي طهارته ونجاسته خلاف [٣].

______________________________________________________

ثمَّ إنه حيث كان الأظهر الطهارة فمقتضى الإطلاقات جواز رفع الحدث والخبث به. لكن يجب الخروج عنها بالإجماع المحكي عن المعتبر والمنتهى على عدم جواز رفع الحدث بما تزال به النجاسة مطلقا. وفي مفتاح الكرامة : « اعترف بهذا الإجماع جماعة كصاحب المدارك والمعالم والذخيرة وغيرهم » بل عن المعالم دعواه في خصوص المقام. ويقتضيه خبر ابن سنان المتقدم‌ في المستعمل في رفع الحدث الأكبر ، بناء على جواز التعدي من مورده الى المقام ، ولو بناء على نجاسة ماء الغسالة. فيبقى رفع الخبث به على مقتضى الإطلاقات السليمة عن المعارض.

ومما ذكرنا يظهر ضعف ما في الحدائق ، من جواز رفع الحدث به لعدم حجية الإجماع المنقول على المنع. فإن الإجماع الذي يحكيه الفاضلان ويتلقاه الأعاظم بعدهما بالقبول ، ليس من الإجماع المنقول. نعم ذكر في المدارك ـ في مبحث الغسالة ـ وجود القائل بكون ماء الغسالة باقيا على ما هو عليه من الطهورية. لكن هذا القائل غير معروف ، كما في مفتاح الكرامة. نعم في الحدائق حكى ذلك عن المحقق الأردبيلي [ قده ] فليلحظ كلامه.

[١] للإجماع والخبر إذا كانا رافعين للحدث ، وللخبر وحده إذا لم يكونا كذلك. فإن إطلاق الخبر شامل للواجب والمندوب. فتأمل.

[٢] لما تقدم من الإجماع والخبر أيضاً. فتأمل.

[٣] هذا الخلاف بعد البناء على نجاسة القليل بملاقاة النجاسة. أما بناء على الطهارة فلا مجال للقول بالنجاسة هنا. ومنه يظهر أن نسبة القول‌

٢٢٨

والأقوى أن ماء الغسلة المزيلة للعين نجس [١] ، وفي الغسلة غير المزيلة الأحوط الاجتناب.

______________________________________________________

بالطهارة في المقام الى مثل العماني في غير محلها. وكذا نسبته الى مثل السيد والحلي [ قدهما ] ، فإنهما قائلان بطهارة الوارد ولو على النجاسة العينية اللهم إلا أن يكون مفاد دليلهما الطهارة في المقام بالخصوص ، كما تقدم.

[١] كما هو المنسوب الى المشهور بين المتأخرين ، وأشهر الأقوال ولا سيما بين المتأخرين ، بل لعله إجماع في خصوص المورد. لإطلاق ما دل على انفعال القليل بملاقاة النجاسة ، مثل‌ قولهم (ع) : « إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء » (١). والمناقشة فيه : بأنه من تعليق العموم ـ لو سلمت ـ لم تقدح في الاستدلال به على المقام ، لأن الكلام فيه بعد الفراغ عن انفعال الماء بتلك النجاسة. ويكفي في إثبات الانفعال حينئذ الإطلاق الاحوالي. على أنك عرفت في مبحث انفعال القليل ضعف المناقشة المذكورة ، لوجود القرائن في نصوص المفهوم المذكور على ثبوت العموم الأفرادي له.

أما ما ذكره شيخنا الأعظم [ ره ] في طهارته ، من تقريب العموم : بأن السلب الكلي لما كان منحلا الى السلب عن كل واحد من الافراد ، فإذا كان مفاد الشرطية كون الشرط علة منحصرة ، رجع ذلك الى علية الشرط بالإضافة الى كل واحد من الافراد ، ولازمه انتفاء الحكم عن كل واحد منها عند انتفاء الشرط. نعم لو استفيد من المنطوق كون الشرط علة للحكم العام بوصف العموم. وبعبارة أخرى : علة لعموم الحكم ـ كان المنفي في المفهوم هو ذلك الحكم بوصف العموم ، فيكفي ثبوته لبعض الافراد. لكن العموم في السالبة الكلية ليس من قيود السلب ولا من قيود المسلوب‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٩ من أبواب الماء المطلق.

٢٢٩

______________________________________________________

انتهى. [ فيشكل ] : بأن ذلك خلاف ما ذكروه في محله ، من أن نقيض السالبة الكلية موجبة جزئية ، وأن مفهوم القضية الشرطية قضية شرطية شرطها نقيض الشرط وجزاؤها نقيض الجزاء. إذ ـ على هذا ـ يكون مفهوم قولنا : « إذا بلغ الماء كراً لم ينجسه شي‌ء » إذا لم يبلغ كراً ينجسه بعض الشي‌ء. وما ذكره [ قده ] يبتني على تحليل القضية إلى قضايا شرطية متعددة بتعدد أفراد الشي‌ء ، وهو غير واضح.

ومثله في الاشكال ما ذكره ـ ثانيا ـ بعد تسليم عدم دلالة المفهوم بمقتضى نفس التركيب على العموم ، وحاصله : أن المراد من الشي‌ء في الجزاء ليس كل شي‌ء بل خصوص ما كان مقتضيا للتنجيس ، فاذ فرض أن الشي‌ء مقتضيا للتنجيس وأن الكرية مانعة ، لزم عند انتفاء الكرية المانعة ثبوت الحكم المنفي لكل فرد من الشي‌ء باقتضائه السليم من منع المانع. [ وجه الاشكال ] : أنه إذا سلمنا كون الجزاء سالبة كلية ، فمفاد القضية الشرطية ليس إلا انحصار علية السلب الكلي بالكريه فإذا انتفت انتفى ، وقد عرفت أنه لا ملازمة بين انتفاء السلب الكلي والإيجاب الكلي ، بل اللازم له هو الإيجاب الجزئي لا غير. فإذاً العمدة في إثبات العموم الأفرادي القرائن الخاصة التي اشتملت عليها النصوص كما أشرنا إليه آنفا (١). وقد عرفت أن استفادة نجاسة ماء الغسالة لا يتوقف عليه ، بل على العموم الاحوالي ، ولما لم يتعرض الشارع لكيفية التنجيس فلا بد أن يكون ذلك اتكالا منه على ما عند العرف ، ولا ريب أنهم لا يفرقون في تنجيس النجاسات بين الوارد والمورود ، وبين ما يكون مستعملا في مقام التطهير وبشرائطه وبين غيره ، فيكون مقتضى الإطلاق ذلك أيضا.

ومما يدل على النجاسة‌ رواية العيص بن القاسم المروية في الخلاف والمعتبر والمنتهى والذكرى : « سألته عن رجل أصابته قطرة من طشت‌

__________________

(١) في أوائل فصل الماء الراكد.

٢٣٠

______________________________________________________

فيه وضوء. فقال (ع) : إن كان من بول أو قذر فيغسل ما أصابه ، وان كان من وضوء الصلاة فلا بأس » (١). وحملها على الطشت الذي يكون فيه عين البول والقذر خلاف الإطلاق. كما أن الطعن في السند من جهة عدم كونها مروية في كتب الحديث ، وانما رويت في كتب الفقهاء المذكورة مرسلة عن العيص من دون ذكر طريقهم اليه ، بل قيل : « من المقطوع به أن رواية المنتهى إنما كانت تبعا للخلاف » مع أن الرواية مضمرة. مندفع : بأن الظاهر من نسبة الرواية إلى العيص وجدانها في كتابه ـ كما ذكره شيخنا الأعظم [ ره ] وغيره ـ وطريق الشيخ اليه حسن ، كما يظهر من الفهرست. وأما الإضمار فغير قادح ، فإنه ناشئ من تقطيع الاخبار وتبويبها ، وإلا فليس من شأن العيص أن يودع في كتابه الموضوع للرواية عن المعصوم (ع) رواية عن غيره ، ولا من شأن الشيخ [ ره ] ذلك أيضاً. نعم ظهور رواية الشيخ وغيره في وجدانها في كتابه ليس على نحو يحصل الوثوق به ، لتدخل الرواية في موضوع الحجية. وكأنه لذلك رماها في المعتبر بالضعف ، وفي الذكرى بالقطع ، لاحتمال أن يكون الشيخ رواها من غير كتابه.

وقد يستدل أيضاً بموثق عمار (٢) الوارد في الكوز والإناء يكون قذراً كيف يغسل؟ وكم مرة يغسل؟ وأنه يغسل ثلاث مرات في كل مرة يصب فيه الماء ، فيحرك فيه ، ثمَّ يفرغ منه‌. ويشكل : بأن من الجائز أن يكون إفراغه لاعتبار انفصال ماء الغسالة في التطهير في جميع الغسلات لا لأجل النجاسة. ومن الغريب استدلال المحقق في المعتبر على النجاسة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب الماء المضاف حديث : ١٤. ولم يذكرها بتمامها ، وكذا في المعتبر والذكرى. نعم رواها بتمامها في الخلاف مع اختلاف في الألفاظ في مسألة : ١٣٥.

(٢) الوسائل باب : ٥٣ من أبواب النجاسات حديث : ١.

٢٣١

______________________________________________________

بخبر ابن سنان المتقدم في المستعمل في رفع الأكبر‌ ، فإن عدم جواز الوضوء به لا يدل على النجاسة بوجه. ومما ذكرنا تعرف أن العمدة في القول بالنجاسة الإطلاق الاحوالي لعموم انفعال الماء القليل.

والظاهر أنه لا إشكال في وجوب العمل به في الغسلة المزيلة ، بل في السرائر والمنتهى دعوى الإجماع عليه ، ولعله ظاهر المعتبر أيضاً. أما في غيرها من الغسلات فقد يشكل العمل به فيها ، بدعوى انصرافه الى النجاسات العينية ، كما تقدم في مبحث انفعال القليل. وما تقدم من النصوص الدالة على تنجسه بالمتنجس فإنما هو في موارد خاصة ليس منها المقام. فيكون المتعين الرجوع الى الأصل المقتضي للطهارة. وكأنه لاحتمال هذا الانصراف قال المصنف [ ره ] : « وفي الغسلة غير المزيلة الأحوط الاجتناب ».

بل قد يستدل على الطهارة فيها : بأن البناء على النجاسة يستلزم تخصيص ما دل على عدم مطهرية النجس ، وليس هو أولى من تخصيص ما دل على انفعال القليل ، وحيث لا مرجح يسقطان معا ويرجع الى استصحاب الطهارة. وقد يرد بمنع هذه القاعدة ، والمتيقن منها عدم مطهرية النجس قبل الاستعمال ، لا ما صار نجساً به ، لأن النجاسة بالاستعمال من اللوازم التي يكون اشتراط عدمها موجبا لتعذر التطهير بالقليل. بل يمكن منع كون المتيقن ذلك ، لأن الماء يرد على بعض الموضع النجس ثمَّ يسري منه الى الباقي منه ، فيكون تطهيره للباقي بعد انفعاله بملاقاة الأول ، فيلزم مطهرية النجس قبل الاستعمال. بل يمكن أن يقال : إنه يلزم من القول بالنجاسة تخصيص ما دل على تنجيس المتنجس ، فان الماء يسري من المحل النجس الى المحل الطاهر المتصل به ، فاما أن ينجسه فيلزم سراية النجاسة إلى تمام الجسم المتنجس بعضه ، أو لا فيلزم لمحذور من تخصيص قاعدة تنجيس المتنجس.

بل يلزم من القول بالنجاسة في الغسلة الأخيرة تخصيص قاعدة ثالثة ،

٢٣٢

______________________________________________________

وهي [ إما ] اختلاف حكم الماء الواحد لو كان المتخلف طاهراً قبل انفصال ما ينفصل ، لأن الماء الوارد على المحل واحد بعضه نجس وهو المنفصل ، وبعضه طاهر وهو المتخلف. [ وإما ] طهارة الماء بدون مطهر لو كان المتخلف يطهر بعد انفصال المنفصل. [ ودعوى ] : أنه يطهر بالتبعية [ فيها ] ـ مع أن التبعية ليست من المطهرات ـ أنها ممنوعة ، لأن المحل يطهر بمجرد انفصال الماء عنه. والمتخلف يطهر بعد انفصال الماء عن العضو وان تأخر عن الانفصال عن المحل. مثلا إذا تنجس أعلى الكف فصب عليه الماء ، وجرى عليه حتى انفصل من أطراف الأصابع ، فهذا الانفصال من أعلى الكف متقدم على الانفصال من أطراف الأصابع ، وطهارة المحل مقارنة للأول وطهارة المتخلف مقارنة للثاني.

وعلى هذا نقول : يلزم في المقام إما تخصيص قاعدة انفعال القليل ، أو تخصيص هذه القواعد الثلاث كلها ، ولا ريب أن تخصيص واحدة أولى من تخصيص جملة. ولا سيما مع ورود التخصيص على الواحدة بمثل ماء الاستنجاء ، وماء المطر ، وذي المادة ، ولم يثبت تخصيص غيرها. لا أقل من التساقط والرجوع الى استصحاب الطهارة.

ولكن قد عرفت الإشكال في هذه المعارضة ، من جهة أن القواعد المذكورة ـ غير قاعدة انفعال القليل ـ مما يعلم إجمالا بسقوطها عن الحجية ، إما للتخصيص أو للتخصص ، بخلاف قاعدة انفعال القليل ، فإنها يشك في تخصيصها فيرجع فيها إلى أصالة عدم التخصيص بلا معارض. واستبعاد تخصيص هذه القواعد غير ظاهر ، إذ هو الموافق للمرتكزات العرفية في القذارات العرفية ، فإن بناءهم على استقذار الماء وان لزم فيه المحاذير المذكورة. ثمَّ إن هذه المعارضة على تقدير تماميتها ، فإنما تقتضي الطهارة في غير الغسلة المزيلة ، أما هي فيمكن الالتزام بالعمل بجميع القواعد فيها بلا تخصيص.

٢٣٣

______________________________________________________

هذا وربما يستدل للطهارة بالتعليل المتقدم في ماء الاستنجاء‌ (١). وفيه ـ مع ما عرفت من ضعف سند الرواية ـ : أن الأخذ بظاهر التعليل يستوجب البناء على عدم انفعال الماء القليل. والكلام في المقام بعد البناء على انفعاله اللازم للبناء على إجمال التعليل ، والاقتصار به على مورده.

وقد يستدل أيضاً‌ بخبر عمر بن يزيد : « قلت لأبي عبد الله (ع) : أغتسل في مغتسل يبال فيه ويغتسل من الجنابة ، فيقع في الإناء ما ينزو من الأرض ، فقال (ع) : لا بأس به » (١). وفيه ـ مع ضعف السند ، واحتمال كون السؤال من جهة احتمال إصابة القطرة الموضع الذي أصابه البول ، لا صورة العلم بذلك. وظهور السؤال في نجاسة ماء الغسل من الجنابة ، وحمله على ما يستعمل في تطهير القبل من المني يستوجب البناء على نجاسة ماء الغسالة ـ : أنه مختص بالقطرة غير المستقرة مع النجاسة ، وكونها مما نحن فيه غير معلوم. مع أن التعدي إلى غيرها غير ظاهر.

وقد يستدل بما ورد من تطهير النبي (ص) المسجد من بول الأعرابي بإلقاء ذنوب من الماء‌ (٢). وفيه : أنها رواية أبي هريرة لا يعول عليها. مع أنها في واقعة مجملة.

وبما ورد في صحيح ابن مسلم‌ (٣) من غسل الثوب في المركن مرتين. وفيه : أنه لا تعرض فيه للطهارة. نعم بناء على نجاسة الغسالة لا بد من الالتزام بعدم نجاسة الثوب بالماء المغسول به ، وقد عرفت أنه لا ضير في الالتزام به.

__________________

(١) تقدم في رواية العلل هناك ، وهو التعليل بأن الماء أكثر من القذر.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب الماء المضاف حديث : ٧.

(٣) مستدرك الوسائل باب : ٥٢ من أبواب النجاسات حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٢ من أبواب النجاسات حديث : ١.

٢٣٤

______________________________________________________

وبما ورد‌ في صحيح الأحول : « قلت له : أستنجي ثمَّ يقع ثوبي فيه وأنا جنب. فقال (ع) : لا بأس به » (١) ‌بناء على ظهوره في الاستنجاء من المني ، أو أنه محتمل لذلك ، فيكون ترك الاستفصال دليلا على العموم. وفيه : أن ظاهر الرواية الاستنجاء من البول والغائط في حال الحدث ، ومن المحتمل أن يكون السائل توهم دخل خصوصية الحدث الخاص في اختلاف حكم الاستنجاء. مع أنه لو سلم ما ذكر فغاية ما تدل عليه إلحاق الاستنجاء من المني بالاستنجاء من البول ، لا طهارة ماء الغسالة كلية.

وبمنع شمول الإطلاق الاحوالي للغسلة المطهرة ، لأن الماء فيها مزيل للنجاسة وغالب عليها ، فلا يكون مغلوبا. وفيه : أن ذلك خلاف الارتكاز العرفي ، فإن المرتكز عند العرف أن الماء المزيل للقذارة كأنه يحمل القذارة وينقلها الى نفسه فلاحظ.

ومما ذكرنا تعرف الإشكال في استدلال السيد [ ره ] على عدم انفعال الماء الوارد : بأن البناء على نجاسته يؤدي الى انحصار التطهير بالكر ، الراجع الى اعتبار طهارة ماء التطهير حتى بعد التطهير. إذ فيه : أنه لا دليل على ذلك عقلا ولا عرفا ، وعموم انفعال الماء القليل قاض بخلافه.

والمحصل : من جميع ما ذكرنا : أن الأدلة المستدل بها على النجاسة مخدوشة ، عدا عموم انفعال القليل. والأدلة المستدل بها على الطهارة التي يخرج بها عن عموم الانفعال أيضاً غير سالمة عن الاشكال. والمناقشة في العموم الأفرادي قد عرفت ضعفها ، كالمناقشة في العموم الاحوالي. نعم احتمال انصراف الشي‌ء في روايات الكر إلى نجس العين قريب. لكنه خلاف إطلاق الشي‌ء. فالعمل على الإطلاق متعين. ومن هنا يظهر أن القول بالنجاسة في جميع الغسلات أقرب إلى ظاهر الأدلة الشرعية والأذواق‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الماء المضاف حديث : ٤.

٢٣٥

[ مسألة ١ ] : لا إشكال في القطرات التي تقع في الإناء عند الغسل [١] ولو قلنا بعدم جواز استعمال غسالة الحدث الأكبر.

______________________________________________________

العرفية. وهو سبحانه ولي التوفيق.

[١] كما نص عليه جماعة. وعن ظاهر المنتهى جريان الخلاف فيها.

ولكنه غير واضح ، للنصوص للكثيرة النافية للبأس فيه ، مثل‌ صحيح الفضيل عن أبي عبد الله (ع) : « في الرجل الجنب يغتسل فينتضح من الماء في الإناء. فقال (ع) : لا بأس ، ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) » (١) ونحوه غيره‌ (٢) والظاهر منه السؤال عن جواز الاغتسال مما في الإناء لا خصوص الطهارة. ولا سيما مع وضوح طهارة ماء الغسل ، ومع عدم التنبيه على عدم جواز الاغتسال به مع كون الغالب في التقاطر كونه في أول الأمر. ومن ذلك يظهر ضعف المناقشة في دلالة النصوص ، من جهة احتمال كون الجهة المسؤول عنها الطهارة. نعم لا يبعد هذا الاحتمال في بعض نصوص الباب ، كرواية عمر بن يزيد المتقدمة في ماء الغسالة‌.

ثمَّ إن مقتضى الجمود على مورد النصوص عدم التعدي الى غير القطرات من إجزاء ماء الغسل. اللهم إلا أن يدعى قصور الإطلاق المانع عن شموله فإن الأجزاء اليسيرة المنبثة في الماء لا يصدق الوضوء بها ، كما ذكره شيخنا الأعظم [ ره ]. بل احتمل [ قده ] الجواز مع تساويهما في المقدار. بدعوى ظهور دليل المنع في انحصار الغسل به. ولكنه يشكل بمنع ذلك ، كما يظهر من ملاحظة نظائره من الأحكام ، فإنها شاملة لصورة الامتزاج جزما ، بل لا فرق فيها بين اليسير والكثير ، إذ لا اضمحلال للجزء اليسير ، ولا استهلاك مع وحدة الجنس فكيف لا يشمله الإطلاق؟!. ولا سيما بملاحظة ما في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب الماء المضاف والمستعمل حديث : ٥.

(٢) راجع الوسائل باب : ٩ من أبواب الماء المضاف والمستعمل.

٢٣٦

[ مسألة ٢ ] : يشترط في طهارة ماء الاستنجاء أمور :

الأول : عدم تغيره في أحد الأوصاف الثلاثة [١].

الثاني : عدم وصول نجاسة إليه من خارج [٢].

الثالث : عدم التعدي الفاحش على وجه لا يصدق معه الاستنجاء [٣].

الرابع : أن لا يخرج مع البول أو الغائط نجاسة أخرى مثل الدم [٤]. نعم الدم الذي يعد جزءاً من البول أو الغائط لا بأس به [٥].

______________________________________________________

الصحيح السابق من تمسك الامام (ع) بآية نفي الحرج ، الظاهر في وجود مقتضي المنع في القطرات كغيرها.

[١] بلا خلاف ظاهر ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه ، ومنهم شيخنا الأعظم. ويقتضيه ما دل على نجاسة المتغير ، ولا تصلح لمعارضته نصوص المقام ، لقرب انصرافها إلى حيثية الملاقاة لا مطلقاً. ولو سلم إطلاقها فلا أقل من كون التصرف فيها بالحمل على ذلك أسهل من التصرف في عموم نجاسة المتغير. بل التعليل كالتصريح في الاختصاص بغير المتغير. لكن عرفت الإشكال في سنده.

[٢] لإهمال نصوص الطهارة بالإضافة الى ذلك ، فيتعين الرجوع الى عموم الانفعال.

[٣] فلا يدخل في نصوص الباب ، بل في عموم الانفعال.

[٤] كدم البواسير. لما سبق من إهمال نصوص الباب بالإضافة الى هذه الجهة ، فيتعين الرجوع الى عموم الانفعال.

[٥] في خارجية الفرض إشكال ، إذ البول والغائط مغايران مفهوما‌

٢٣٧

الخامس : أن لا يكون فيه الاجزاء من الغائط بحيث يتميز [١]. أما إذا كان معه دود أو جزء غير منهضم من الغذاء ، أو شي‌ء آخر لا يصدق عليه الغائط فلا بأس به [٢].

[ مسألة ٣ ] : لا يشترط في طهارة ماء الاستنجاء سبق الماء على اليد [٣] وان كان أحوط.

[ مسألة ٤ ] : إذا سبق بيده بقصد الاستنجاء ، ثمَّ أعرض ، ثمَّ عاد لا بأس ، إلا إذا عاد بعد مدة ينتفي معها‌

______________________________________________________

للدم ، فاذا خرج مع أحدهما ، فإن كان مستهلكا فلا موضوع له ، وان لم يكن مستهلكا امتنع أن يكون جزءاً ، بل يكون ممازجا لأحدهما ، وملاقاته موجبة لنجاسة ماء الاستنجاء ، على ما عرفت.

[١] إذ لو كانت فيه فهي بمنزلة النجاسة الخارجية في إهمال النصوص بالإضافة إليها ، لكونها متعرضة لحكم الماء من حيث الملاقاة في المحل لا غير ، فلا تشمل الملاقاة في خارجه ، والمرجع حينئذ عموم الانفعال.

[٢] كما نص عليه بعض. وفي الجواهر قوى النجاسة بعد أن ذكر أن فيه وجهين ، وجزم بها شيخنا الأعظم ، لأن المتنجس كالنجس الأجنبي الذي عرفت نجاسة الماء به ، لقصور أدلة الطهارة عن شموله. لكنه يشكل : بأن غلبة وجود ذلك مع كونه مغفولا عنه ، لكون نجاسته بالتبع ، وعدم التنبيه على حكمه في النصوص ، يوجب ظهورها في عموم الحكم. نعم لو لاقاه بعد الانفصال عن المحل لم يبعد الحكم بالنجاسة ، لقصور النصوص عن شمول ذلك.

[٣] لجريان العادة بسبق كل منهما ، فترك الاستفصال يقتضي المساواة في الحكم.

٢٣٨

صدق التنجس بالاستنجاء [١] ، فينتفي حينئذ حكمه.

[ مسألة ٥ ] : لا فرق في ماء الاستنجاء بين الغسلة الاولى والثانية في البول الذي يعتبر فيه التعدد [٢].

[ مسألة ٦ ] : إذا خرج الغائط من غير المخرج الطبيعي فمع الاعتياد كالطبيعي ، ومع عدمه حكمه حكم سائر النجاسات [٣] في وجوب الاحتياط من غسالته [٤].

[ مسألة ٧ ] : إذا شك في ماء أنه غسالة الاستنجاء أو غسالة سائر النجاسات يحكم عليه بالطهارة [٥] ، وان كان الأحوط الاجتناب.

______________________________________________________

[١] فإنه موضوع نصوص الطهارة ، فإذا انتفى انتفى حكمة.

[٢] للإطلاق.

[٣] لانصراف الأدلة عنه ، فيرجع فيه الى عموم الانفعال. إلا أن يقال إن كان الموجب للانصراف الغلبة ، فمع أن المحقق في محله أن الانصراف للغلبة بدوي لا يعتد به ، أن لازمه النجاسة في غير الطبيعي ولو مع الاعتياد ، وإن كان مجرد عدم الاعتياد مع قطع النظر عن الغلبة فغير ظاهر. فالأولى أن يقال : إن الاستنجاء يختص بغسل الموضع المعد لخروج النجو كان الاعداد أصليا أو عرضيا ، فلو كان الموضع معدا لذلك كان غسله استنجاء سواء اكان متكرراً خروجه ليكون عاديا أم لا ، وإذا كان خروجه بلا اعداد بل بمحض الاتفاق ، لم يكن غسله استنجاء.

[٤] يعني : غير المزيلة.

[٥] لاستصحاب الطهارة. اللهم إلا أن يبنى على الرجوع الى العام في الشبهة المصداقية. فيرجع حينئذ إلى عموم الانفعال. لكنه خلاف‌

٢٣٩

[ مسألة ٨ ] : إذا اغتسل في الكر كخزانة الحمام ـ أو استنجى فيه لا يصدق عليه غسالة الحدث الأكبر [١].

______________________________________________________

التحقيق. أو على أن مقتضى الجمع بين العام والخاص كون موضوع حكم العام الفرد الذي ليس بخاص ، فيكون موضوع الانفعال في المقام الماء الملاقي للنجاسة وليس ماء الاستنجاء ، ولما كان مقتضى الأصل عدم كون الماء مستعملا في الاستنجاء مع العلم بملاقاته للنجاسة ، فقد أحرز موضوع الانفعال ، بعضه بالوجدان وبعضه بالأصل. وليس هذا الأصل من قبيل الأصل الجاري في العدم الأزلي ، لأن عدم الاستعمال في الاستنجاء عدم في حال وجود الماء ـ كما لا يخفى ـ فلا إشكال في صحة استصحابه. أو يبنى على أن إناطة الرخصة بالأمر الوجودي يقتضي البناء على عدمها عند الشك في ثبوته. لكن عرفت الإشكال في هذه القاعدة.

[١] قال في الحدائق : « يظهر الاختصاص بالقليل من كلمات جمع » وفي الجواهر : « الظاهر أن النزاع مخصوص في المستعمل إذا كان قليلا ، أما لو كان كثيراً فلا ». وفي طهارة شيخنا الأعظم [ ره ] : « لا ينبغي الإشكال في الجواز في الماء الكثير وان قلنا بالمنع في غيره ، لاختصاص دليل المنع بما يغتسل به لا فيه. قال في المعتبر : ولو منع هنا لمنع ولو اغتسل في البحر ».

أقول : الباء في قوله (ع) في رواية ابن سنان : « يغتسل به الرجل من الجنابة » (١) ‌باء الاستعانة ، وهي كما تصدق في القليل تصدق في الكثير ولو بني على انصرافها الى ما يصب على المحل لزم دخول الكثير إذا كان الاغتسال به بنحو الصب ، وخروج القليل الذي يرتمس فيه الجنب ، ولم يقل به أحد ، وان اختلفوا في صدق الاستعمال بمجرد النية مطلقاً ، أو يتوقف على الخروج من الماء كذلك ، أو يفصل بين نفسه وغيره على‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب الماء المضاف حديث : ١٣.

٢٤٠