منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٨

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٨

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: نمونه
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٥٢

ـ بعد الغض عن نهوضها (١) على مشروعية أصله (*) ـ لوضوح (٢) أنها (٣) إنّما تكون بصدد بيان أصل جواز الأخذ بقول العالم ، لا في كل حال (٤) ، من غير تعرض أصلا لصورة معارضته بقول الفاضل ، كما (٥) هو شأن الطرق

______________________________________________________

فيها ـ بعد الغضّ عن النّظر في دلالة كثير منها على حجية الفتوى ـ أنّ إطلاقها موهون بوجهين : أحدهما : عدم إفادتها إلّا لحجية قول المفتي في نفسه لو خلّي وطبعه كما هو الشأن في دليل حجية كل أمارة. وأمّا حكم صورة التعارض فلا بدّ فيه من الرجوع إلى العقل أو النقل ...» (١)

(١) أي : نهوض الإطلاقات على مشروعية أصل جواز التقليد. وهذا إشارة إلى المناقشة الأولى في التمسك بالإطلاقات اللفظية ، وقد تقدم بقولنا : «أحدهما أن هذه الأدلة اللّفظية ليست ... إلخ».

(٢) تعليل لقوله : «لا إطلاق» وإشارة إلى المناقشة الثانية في الاستدلال بإطلاق الأدلة اللفظية على تخيير العامي في الرجوع إلى الفاضل والمفضول ، وقد تقدم بقولنا : «ثانيهما : انه بعد تسليم دلالة الأدلّة اللفظية ... إلخ».

(٣) أي : أن أدلة التقليد إنما تكون في مقام جعل الحجية الاقتضائية لا الفعلية حتى يؤخذ بإطلاق الحجية الفعلية لكل من فتويي الفاضل والمفضول المتخالفين حسب الفرض ، فأدلة التقليد تدلّ على حجية فتوى المجتهد بنحو الإهمال بلا نظر إلى الطواري والخصوصيات من تخالف الفتاوى وتعارضها ، واختلاف الفقهاء في الفضيلة.

(٤) حتى حال تعارض الفتاوى واختلاف أربابها في الفضيلة.

(٥) يعني : كما أنّ عدم الإطلاق الأحوالي شأن سائر الأمارات ، حيث إنّ أدلّة اعتبارها تكون في مقام تشريع الحجية لها ، لا في مقام اعتبارها في كل حال حتى في حال

__________________

(*) إن كان مقصوده (قده) من منع نهوض الأدلّة اللفظية منع خصوص دلالة آيتي النفر والسؤال ـ دون الأخبار الدالة على حجية الفتوى ، كما سيأتي في الفصل الآتي «إن شاء الله تعالى» ، حيث أجاب عن الاستدلال بالآيات بوجه وعن الروايات بآخر ـ فما أفاده متين ، فيكون المناقشة في دلالة الآيتين

__________________

(١) رسالة الاجتهاد والتقليد ، ص ٧٨

٥٤١

والأمارات على ما لا يخفى

______________________________________________________

المعارضة ، فأدلّة اعتبار التقليد كأدلة سائر الأمارات ليس فيها إطلاق أحوالي حتى يتمسك به في حال التعارض ، فأدلة حجية الخبر الواحد مثلا ناظرة إلى اعتبار خبر الثقة أو العادل في الجملة بمعنى عدم تكفلها لحال المعارضة بخبر ثقة آخر ، ولذا تصل النوبة حال تعارض الخبرين إلى الأخبار العلاجية لتعيين الوظيفة ، وإلّا فالأصل الأوّلي في تعارض الطرق هو التساقط.

وعليه فإذا لم تكن الإطلاقات في مقام بيان حجية فتوى الفقيه في حال معارضتها بفتوى أخرى ، فلا بد من الرجوع إلى الأصل العملي ، وهو ما ذكرناه من أصالة التعيين عند

__________________

مقصورة على أجنبيتهما عن باب قبول فتوى المجتهد تعبدا.

وإن كان مقصوده منع دلالة الآيات والروايات معا ، فما أفاده لا يخلو من غموض ، لمنافاته مع تصريحه في الفصل السابق بدلالة الأخبار بطوائفها العديدة على جواز التقليد.

وأمّا توجيه هذا المنع بما أفاده المحقق الأصفهاني (قده) من «أنّ الإفتاء في الصدر الأوّل في مقام نشر الأحكام كان بنقل الروايات ، لا بإظهار الرّأي والنّظر ... فالإطلاقات غير متكفلة لحال الفتوى حتى يتمسك بإطلاقها ، وإليه يؤول الجواب الأوّل في المتن ... لكنه بالتقريب المزبور لا بما أفاده عند المناقشة في دلالتها على لزوم التقليد أو جوازه ...» (١) فلا يخلو من غموض ، فإنّه (قده) معترف بمخالفة استظهاره من تلك الروايات لما استظهره الماتن منها ، فإنّ المصنف اعتمد عليها في حجية الفتوى شرعا ، ومعه كيف يكون مبنى الإشكال في الاستدلال بها ما استفاده المحقق الأصفهانيّ منها.

مضافا إلى ما في قوله : «لا بما أفاده عند المناقشة فيها» فإنّ المصنف إنّما منع ـ في الاستدلال على جواز التقليد ـ من دلالة آيتي النفر والسؤال ، واعترف بدلالة الأخبار عليه ، فلم يتقدم مناقشة في دلالة الأخبار من المصنف حتى يكون قوله في المتن : «بعد الغض عن نهوضها» إشارة إلى مناقشة أخرى استظهرها المحقق الأصفهانيّ ، لا المناقشة المتقدمة من المصنّف. ولعلّ الأولى الاعتراف بعدم الوقوف على مقصوده ، والله أعلم بحقيقة الحال.

__________________

(١) نهاية الدراية ، ٣ ـ ٢١٣

٥٤٢

ودعوى (١) السيرة على الأخذ بفتوى أحد المخالفين في الفتوى من

______________________________________________________

دوران الحجية بين التعيين والتخيير.

هذا ما يتعلّق بالدليل اللفظي ، ويأتي الكلام في الدليل اللبي «إن شاء الله تعالى».

(١) مبتدأ خبره «ممنوعة» وهو معطوف على «لا إطلاق» وهذا إشارة إلى الدليل الثاني على حجية فتوى المفضول عند مخالفتها لفتوى الفاضل ، وحاصله : أنّ سيرة المتشرعة جارية على الرجوع إلى كل مجتهد من دون فحص عن أعلميّته ، مع وضوح اختلاف مراتب العلماء في العلم والفقاهة كاختلافهم في الآراء والفتاوى ، فلو كان تقليد الأعلم واجبا عندهم لزم الفحص عن وجوده ، لا العمل بفتوى كل من بلغ مرتبة الفقاهة. وهذه السيرة المتشرعية حجة ، لاتصالها بعصر أصحاب الأئمة عليهم‌السلام وإمضائها من قبلهم ، فإنّ رجوع الجاهلين إلى الفقهاء من أصحاب الأئمة مع اختلافهم في الفضيلة كان متداولا ومعمولا به ، ولم يصل إلينا ردع ومنع عن سيرتهم.

وهذه السيرة وردت في كلمات شيخنا الأعظم تارة بعنوان التأييد كما في رسالته المعمولة في الاجتهاد والتقليد ، حيث قال بعد الاستدلال بإطلاقات الأدلة اللفظية : «إلى غير ذلك من الأخبار المؤيدة باستمرار سيرة العوام من زمن الأئمة عليهم‌السلام إلى زماننا هذه من الرجوع إلى كل مجتهد من دون تفحص عن مجتهد آخر أعلم منه» (١). وأخرى بعنوان الدليل كما في الموضعين من تقريرات بحثه الشريف ، فقال في الموضع الأوّل : «الثالث : دعوى استقرار سيرة أصحاب الأئمة على الأخذ بفتاوى أرباب النّظر والاجتهاد من دون فحص عن الأعلمية ...» فراجع.

وناقش المصنف وفاقا لشيخنا الأعظم في هذه السيرة المدعاة بمنعها وعدم تحقق صغرى لسيرة المتشرعة في المقام ، بل الأمر بالعكس ، لاستقرار سيرتهم على خلافها ، لبناء الجاهلين في مقام التقليد على الفحص عن الأعلم عند تضارب الآراء ، كما هو واضح بملاحظة سائر الموارد ، مثلا إذا راجع المريض طبيبا فعيّن له دواء لمرضه ، وخالفه طبيب آخر أبصر منه ، فإنّ المريض لا يعتمد على الدواء الّذي وصفه الطبيب الأوّل ، بل يرجع للعلاج إلى الطبيب الّذي يكون أكثر خبرة بعلم الطب من الأوّل. ومع الشك في

__________________

(١) رسالة الاجتهاد والتقليد ، ص ٧٨

٥٤٣

دون فحص عن [على] أعلميته (١) مع العلم (٢) بأعلمية أحدهما ممنوعة (٣).

ولا عسر (٤) في تقليد الأعلم ،

______________________________________________________

إطلاق هذه السيرة يؤخذ بالمتيقن منها وهو صورة عدم علم العامي بمخالفة فتوى المفضول لفتوى الفاضل.

قال شيخنا الأعظم «قده» بعد المناقشة في الإطلاقات : «ومما ذكرنا يعلم الجواب عن السيرة المدعاة ، فإنّها محمولة على صورة عدم العلم بالاختلاف ، بل اعتقاد الاتفاق ، ولذا لو منعت الناس عن الرجوع إلى غير الأعلم ـ بل عن الرجوع إلى غير المجتهد ـ اعتذروا بأنّ الشرع واحد ، وحكم الله لا يختلف ، ولذا يرجع العوام إلى غير المجتهدين معتذرين بأن حكم الله واحد» (١).

(١) أي : أعلمية أحد المخالفين ، وضمير «أحدهما» راجع إلى المخالفين في الفتوى.

(٢) كما هو مفروض البحث في هذه المسألة ، على ما نبّه عليه بقوله : «إذا علم المقلّد اختلاف الأحياء في الفتوى مع اختلافهم في العلم والفقاهة».

(٣) خبر «دعوى» وقد عرفت وجه المنع بقولنا : «وناقش المصنف وفاقا لشيخنا الأعظم في هذه السيرة ... إلخ».

(٤) معطوف على «لا إطلاق» وإشارة إلى ثالث الأدلة على تخيير العامي بين تقليد الفاضل والمفضول ، وقد جعله في الفصول في عداد الأدلة فقال : «مع ما في تعيين الأفضل من الضيق القريب من الحرج» وعدّه شيخنا الأعظم في موضعين من التقريرات من أدلتهم ، ولكنه في رسالة الاجتهاد والتقليد جعل هذا الوجه من المؤيّدات ، حيث قال بعد تأييد إطلاقات الأخبار بالسيرة ما لفظه : «وبلزوم الحرج في الاقتصار على تقليد الأعلم ، لتعسّر تشخيص الأعلم مفهوما ومصداقا ، وتعسر تحصيل فتاواه» (٢).

وكيف كان فمحصل هذا الدليل هو التمسك بقاعدة نفي العسر والحرج في الشريعة ، وبيانه : أنّه لو لم يتمّ الاستدلال بإطلاق الأدلة اللفظية ولا بسيرة المتشرعة على جواز الرجوع إلى المفضول ، وتعيّن الرجوع إلى الفاضل إمّا لأصالة التعيين في الحجية وإمّا للأدلة الآتية ، قلنا : انّه لا بد من رفع اليد عن وجوب تقليد الأعلم لدليل ثانوي ، وهو : أنّ

__________________

(١) رسالة الاجتهاد والتقليد ، ص ٧٩

(٢) رسالة الاجتهاد والتقليد ، ص ٧٩

٥٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

في وجوب الاقتصار على تقليد الأعلم حرجا عظيما ، وهو منفي في الشريعة المقدسة. ووجه العسر أمران :

أحدهما : أنّ جميع المكلفين ليسوا في بلد المجتهد الفاضل حتى يسهل لهم الرجوع إليه في كل مسألة ، فلا بد لهم من شدّ الرحال من البلاد البعيدة للوصول إلى الأعلم والسؤال عنه ، ومن المعلوم أنّ هذا يوجب العسر الشديد على المقلّدين ، بل على المجتهد نفسه أيضا ، لو لم يكن متعذرا.

ثانيهما : أن وجوب تقليد الأعلم متوقف على تشخيصه من بين المجتهدين المنتشرين في البلاد ، ومن المعلوم أنّ تشخيص الأعلم مفهوما ومصداقا من التكاليف العسرية ، خصوصا تمييز المصداق ، لتعارض البينات واختلاف أهل الخبرة مما يوجب تحيّر عوام المؤمنين في تكليفهم.

وحيث كان منشأ هذا الحرج إلزام الشارع بالرجوع إلى خصوص الأعلم كان مقتضى حكومة قاعدة نفي العسر والحرج على الأدلّة الأوليّة عدم وجوبه ، فيثبت حينئذ جواز تقليد المفضول ، وهو المطلوب.

وليعلم أن الوجه المزبور ـ وهو التمسك بقاعدة نفي العسر ـ لمّا كان متضمنا لبيان العسر من جهتين أمكن جعله دليلين ، أحدهما : العسر في أصل معرفة الأعلم من بين الفقهاء ، والثاني : تعسّر الوصول إلى فتاواه على المؤمنين الّذين ليسوا في بلده ، فضلا عن سكّان القرى والبوادي. ولكن لأجل كون الجامع بين هاتين الجهتين هو التمسّك بالدليل الثانوي أعني قاعدة نفي العسر أدرجنا كلتا الجهتين تحت عنوان واحد وهو لزوم العسر والحرج ، والأمر سهل بعد وضوح المطلب.

وكيف كان فقد أجاب المصنف عن كلتا الجهتين ، أمّا عن تعسر الوصول إلى فتاوى الأعلم فبأنّه لا عسر في تعلّم فتاواه ، لسهولته بأخذ رسالته ، أو السؤال عمّن يحيط بفتاوى المجتهدين وينقلها للمقلّدين ، وهذا في عصرنا الحاضر في غاية السهولة ، ولا حرج فيه أصلا ، بل كان الأمر كذلك في الأعصار السابقة أيضا التي لم تكن فيها وسائل الإعلام والمواصلات على ما هو عليه في عصرنا الحاضر.

٥٤٥

لا عليه (١) ، لأخذ فتاواه من رسائله وكتبه ،

______________________________________________________

وهذا الجواب هو ما أفاده شيخنا الأعظم ، والأصل فيه كلام الفصول ، حيث قال : «وقد يخصّ المنع ـ أي المنع من تقليد المفضول ـ ببلد الأفضل. ووجهه غير ظاهر ، لإمكان الاطلاع على فتاوى غير الحاضر بالرجوع إلى النقلة عنه وإلى كتبه التي حرّرها لبيان فتاواه».

وأمّا تعسّر معرفة الأعلم وتشخيصه فبوجهين : الأوّل : أن تشخيص الأعلم ليس بأصعب من تشخيص أصل الاجتهاد ، فكما يرجع في تشخيص أصله إلى أهل الخبرة ، فكذلك يرجع إليهم في تشخيص الأعلم.

والحاصل : أنّ مئونة تشخيص الأعلم في الفقه لا تزيد على مئونة تشخيص الأعلم في سائر العلوم والصناعات ، فكما يرجع في تمييز الأعلم في الطب وغيره من العلوم إلى أهل الخبرة ، فكذلك في المقام ، بإضافة البيّنة لو لم تكن معارضة بمثلها.

الثاني : أنّ الاستدلال بنفي العسر أخصّ من المدعى ، وهو عدم وجوب تقليد الأعلم مطلقا سواء لزم منه العسر أم لا ، ووجه الأخصية : أنّ دليل نفي العسر لا ينفي التكليف إلّا في حال الحرج ، إذ لا حرج على جميع المكلفين ، فحينئذ يرتفع وجوب تقليد الأعلم عن خصوص من كان تقليده عليه حرجيا ، دون من لا يستلزم تقليد الأعلم حرجا عليه.

ثم إنّ هذين الوجهين مذكوران في كلمات الشيخ ، ففي الموضع الأوّل من التقريرات : «وأمّا لزوم الحرج ، فإن أريد لزومه في تشخيص موضوعه ففيه : أنّ تشخيص الأعلم ليس بأخفى من تشخيص نفس الاجتهاد ... وإن أريد لزومه من حيث الانحصار ، ففيه : أنّ الواجب حينئذ الرجوع إلى الأعلم فيما لا يلزم منه العسر ...».

(١) هذا تقريب عدم العسر وبطلان الاستدلال بقاعدة نفي الحرج ، أي : لا عسر في وجوب تقليد الأعلم ، لا على نفس الأعلم ، ولا على مقلّديه. أمّا عدم العسر على نفس الأعلم فلأنّه يجمع فتاواه في رسالته العملية وينشرها في البلاد حتى يتمكن كل واحد من المكلفين من معرفة آرائه. ولو كان الواجب على الأعلم الإجابة عن أسئلة آحاد المقلّدين فردا فردا كان ذلك متعسّرا ، بل متعذرا ، لكن لم يتوهّم أحد وجوبه على الأعلم ، بل يكفى ضبط فتاواه في رسالة ونشرها. وأمّا عدم العسر على المقلدين فلأنّهم يطّلعون على فتاوى

٥٤٦

ولا (١) لمقلّديه ، لذلك (٢) أيضا (٣). وليس (٤) تشخيص الأعلمية بأشكل (٥) من تشخيص أصل الاجتهاد. مع أنّ (٦) قضية نفي العسر الاقتصار على موضع

______________________________________________________

مرجعهم بالرجوع إلى ما في الرسالة. ولا يجب عليهم شدّ الرحال للحضور في بلد الأعلم لمجرّد الإحاطة بفتاواه بالسماع منه.

(١) معطوف على «عليه» والأولى تبديل لام الجارة بـ «على» بأن يقال : «ولا على مقلديه» ، وضمائر «فتاواه ، رسائله ، كتبه ، مقلديه» راجعة إلى الأعلم.

(٢) المشار إليه هو : أخذ فتاوى الأعلم من رسائله.

(٣) أي : كما لا عسر على نفس الأعلم كذلك لا عسر على المقلّدين ، لتمكنهم من الإحاطة بفتاوى الأعلم بالرجوع إلى رسالته ، والأولى تقديم «أيضا» على «لذلك».

(٤) هذا إشارة إلى ثاني موجبات العسر. وقد اعتمد عليه صاحب الفصول فيما سبق من كلامه ، وقد تقدم توضيحه بقولنا : «ثانيهما أن وجوب تقليد الأعلم يتوقف على تشخيصه ...» كما تقدم جوابه بقولنا : «وأمّا تعسر معرفة الأعلم وتشخيصه فيندفع بوجهين ، الأوّل : ان تشخيص الأعلم ليس بأصعب من تشخيص أصل الاجتهاد ... إلخ».

(٥) مقتضي الصناعة العربية تبديله بـ «أشد إشكالا» ونحوه ، لعدم صوغ «أفعل» التفضيل من غير الثلاثي. وكلمة «أشكل» هنا غير مأخوذة من الثلاثي المجرد من «شكل» لكونه بمعنى آخر غير الإيراد والإشكال ، بل هي مصوغة من الثلاثي المزيد فيه من باب «الأفعال» ، وقد قال ابن مالك في صيغة التعجب :

«وصغهما من ذي ثلاث صرّفا

قابل فضل تمّ غير ذي انتفا»

وقال في «أفعل التفضيل» :

«صغ من مصوغ منه للتعجب

أفعل للتفضيل وأب اللّذ أبي»

(٦) هذا إشارة إلى الجواب الثاني عن الجهة الثانية من الاستدلال بقاعدة نفي العسر على سقوط وجوب تقليد الأعلم ، وقد تقدم الجواب عنه بقولنا : «الثاني : أن الاستدلال بنفي العسر أخص من المدعى ...» فلا يسقط عن الجميع ، بل لا يسقط عن شخص واحد أيضا إذا كان العسر في الاطّلاع على بعض فتاوى الأعلم دون بعض ، لوجوب تقليده فيما لا عسر فيه ، فان الضرورات تتقدر بقدرها.

٥٤٧

العسر ، فيجب (١) فيما لا يلزم منه العسر ، فتأمل جيدا.

وقد استدلّ للمنع أيضا (٢) بوجوه (٣) :

أحدها : نقل الإجماع على تعين تقليد الأفضل (٤).

ثانيها : الأخبار (٥) الدالة

______________________________________________________

(١) هذه نتيجة الأخصية ، يعني : فيجب تقليد الأعلم إذا لم يستلزم الفحص عنه وعن فتاواه مشقة وحرجا.

هذا تمام الكلام في أدلة التخيير بين تقليد المفضول والفاضل ، وقد عرفت عدم تماميتها.

أدلة وجوب تقليد الأعلم

(٢) أي : كما استدل بأصالة التعيين عند دوران الحجة بين التعيين والتخيير ، وهذا شروع في الاستدلال على وجوب تقليد الأعلم بوجوه اعتمد عليها الأصحاب ، وهي لا تخلو من المناقشة بنظر المصنف.

(٣) أخرى ثلاثة غير أصالة عدم حجية قول المفضول ، واستدلّ بهذه الوجوه الثلاثة جمع منهم شيخنا الأعظم كما يظهر من رسالته في الاجتهاد والتقليد ومن تقريرات بحثه ، وسيمرّ عليك بعض عباراته.

(٤) قال شيخنا الأعظم : «وقد اعترف الشهيد الثاني «قده» في منية المريد بأنّه لا يعلم في ذلك خلافا. ونحوه غيره. بل صرّح المحقق الثاني «قده» في مسألة تقليد الميّت بالإجماع على تعيّن تقليد الأعلم. ومثله المعتضد بالشهرة المحققة ينبغي أن يكون هو الحجة بعد الأصل ...» (١)

(٥) قال شيخنا الأعظم «قده» : «ويدل عليه ـ أي على وجوب تقليد الأعلم ـ مقبولة عمر بن حنظلة ورواية داود بن الحصين ورواية موسى بن أكيل» (٢). وكذا ورد في موضعين من تقريرات بحثه الشريف.

__________________

(١) رسالة الاجتهاد والتقليد ، ص ٧١

(٢) رسالة الاجتهاد والتقليد ، ص ٧١

٥٤٨

على ترجيحه (١) مع المعارضة (٢) كما في المقبولة (٣)

______________________________________________________

(١) أي : ترجيح تقليد الأفضل ومتابعة رأيه عند معارضته برأي المفضول.

(٢) فإذا لم تكن معارضة بينهما جاز تقليد أيّهما شاء.

(٣) مورد الاستدلال بها قوله عليه‌السلام ـ في جواب سؤال عمر بن حنظلة : فان كان كل رجل يختار رجلا من أصحابنا ، فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما فاختلفا فيما حكما ، وكلاهما اختلفا في حديثكم؟ ـ : «الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ، ولا يلتفت إلى ما حكم به الآخر».

وأمّا صدر المقبولة فاستدل به على جواز تقليد المفضول وهو قوله عليه‌السلام : «انظروا إلى رجل روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا».

وتقريب دلالة المقبولة على حجية قول الأعلم خاصة يتضح ببيان أمرين :

أحدهما : أنّ مورد سؤال عمر بن حنظلة شبهة حكمية ، بقرينة اختلاف الحاكمين لأجل اختلاف أحاديثهم عليهم‌السلام في حكم المسألة ، ولذا أرشد عليه‌السلام السائل إلى ترجيح أحد الحاكمين على الآخر بالأفقهية والأصدقية ، ثم إلى الترجيح بمرجحات الخبرين المتعارضين. وحينئذ يتقيّد إطلاق قوله عليه‌السلام : «رجل روى حديثنا» ـ الشامل للفاضل والمفضول سواء اتفقا في الحكم أم اختلفا فيه ـ بقوله عليه‌السلام بعده : «الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث ...» ويتعيّن الرجوع إلى أعلم القضاة لفصل الخصومة.

ثانيهما : أنّ بابي الفتوى والحكومة متحدان حكما ، للإجماع المركب ، فإذا وجب الترافع إلى الأعلم لفصل الخصومة وجب الرجوع إلى الأعلم لأخذ الفتوى أيضا.

وبتمامية الأمرين يتجه الاستدلال بالمقبولة وما بمضمونها على وجوب تقليد الأعلم ، فإنّ الإمام عليه‌السلام قدّم قول الأفقه على غيره عند العلم بالمعارضة والمخالفة. هذا توضيح المتن.

ولا يخفى أن تقريب الاستدلال بهذه الأخبار في كلمات شيخنا الأعظم يكون بوجهين : أحدهما تلازم بابي القضاء والفتوى للإجماع المركب. وثانيهما : شمول نفس كلمة «الحكم» في المقبولة للفتوى وعدم اختصاصه بالحكم المصطلح عندنا وهو

٥٤٩

وغيرها (١) ، أو على (٢) اختياره للحكم بين الناس ، كما دلّ عليه (٣) المنقول عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : «اختر للحكم بين الناس أفضل رعيّتك» (٤).

______________________________________________________

الإنشاء لفصل الخصومة ، وهذا لم يتعرض له المصنف في المتن ، وسيأتي في التعليقة.

(١) أي : غير المقبولة مما يدلّ على لزوم تنفيذ حكم الأفقه عند معارضته لحكم الفقيه ، وذلك كخبر داود بن حصين عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «في رجلين اتفقا على عدلين جعلاهما بينهما في حكم وقع بينهما فيه خلاف ، فرضيا بالعدلين ، فاختلف العدلان بينهما ، عن قول أيّهما نمضي الحكم؟ قال عليه‌السلام : ينظر إلى أفقههما وأعلمهما بأحاديثنا وأورعهما ، فينفذ حكمه ولا يلتفت إلى الآخر».

وخبر موسى بن أكيل عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «سئل عن رجل يكون بينه وبين أخ له منازعة في حق فيتفقان على رجلين يكونان بينهما ، فحكما فاختلفا فيما حكما ، قال : وكيف يختلفان؟ قال : حكم كل واحد منهما للذي اختاره الخصمان ، فقال : ينظر إلى أعدلهما وأفقههما في دين الله فيمضى حكمه». ودلالتهما على المطلوب واضحة كما مر في المقبولة.

(٢) معطوف على «على ترجيحه» ومقصوده : أن الأخبار التي استدلّ بها القائلون بوجوب تقليد الأعلم يكون بعضها ناظرا إلى فرض مخالفة فتوى المفضول لفتوى الفاضل ، وهي المقبولة وخبرا داود وموسى بناء على وحدة بابي الفتوى والقضاء في هذه الجهة. ويكون بعضها ناظرا إلى لزوم المراجعة إلى الأفضل في باب القضاء وفصل الخصومة سواء أكان الآخر مخالفا له أم لا وهو ظاهر المروي عن مولانا أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلّين في عهده إلى مالك الأشتر.

(٣) أي : على اختياره للحكم ، بمعنى لزوم اختيار الأعلم لفصل الخصومة.

ولا يخفى أن الشيخ الأعظم «قده» لم يذكر هذا في رسالة الاجتهاد والتقليد في عداد الأخبار الدالة على وجوب تقليد الأعلم. ولكن تلميذه عدّه من هذه الأخبار ، ثم قال : «نعم لو كان ولا بد من المناقشة فليناقش في الرواية المنقولة في نهج البلاغة ، فان الظاهر من مساقها الاستحباب».

(٤) ونظيره في الدلالة على حجية قول الأعلم خاصة ـ كما قيل ـ ما ورد من الذَّم على

٥٥٠

ثالثها (١) : أن قول الأفضل أقرب من غيره جزما ، فيجب الأخذ به (٢) عند المعارضة عقلا (٣).

______________________________________________________

من يدعو الناس إلى نفسه وفي المصر من هو أفضل منه ، كالمروي عن أبي عبد الله «عليه‌السلام» : «فقال : يا عمرو اتّق الله ، وأنتم أيّها الرهط فاتقوا الله فإنّ أبي حدثني وكان خير أهل الأرض وأعلمهم بكتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من ضرب الناس بسيفه ودعاهم إلى نفسه وفي المسلمين من هو أعلم منه فهو ختّال متكلّف».

(١) أي : ثالث الوجوه المستدل بها على تعين تقليد الأعلم هو الدليل الاعتباري المؤلّف من صغرى وكبرى. أمّا الصغرى فهي : أنّ فتوى الفقيه إنما اعتبرت لكونها طريقا إلى الأحكام الواقعية ، وفتوى الأعلم أقرب إلى الواقع ، لسعة إحاطته ووفور اطلاعه على ما لا يطلع عليه غيره من المزايا والخصوصيات الدخيلة في جودة استنباطه.

وأمّا الكبرى فهي : استقلال العقل بتقديم أقرب الطرق إلى الواقع عند المعارضة ، فإنّ المفروض حجية الأمارات ـ التي منها الفتوى ـ على الطريقية ، ولا نقول بالسببيّة.

ونتيجة المقدمتين : أنه يمتنع الحكم باشتراك فتوى الفاضل والمفضول في ملاك الحجية وهو الطريقية حتى يشتركا في جواز التقليد ، فإنّ اشتراكهما فيه مساوق للتسوية بين رأي الجاهل بالخصوصية ـ الموجودة في الأعلم ـ ورأي العالم بها ، وهو كما ترى.

ثم إنّ هذا الوجه ـ كسابقيه ـ استدلّ به الشيخ الأعظم في الرسالة والتقريرات ، وأطال الكلام في التقريرات في الذّب عنه خصوصا في الموضع الثاني منها ، وسيأتي التعرض له في التعليقة. وأصل الاستدلال موجود في كلمات الأصحاب قدمائهم ومتأخّريهم.

قال في التقريرات : «وأمّا الدليل الاعتباري العقلي فهو : أنّ الظن الحاصل من قول الأعلم أقوى من قول غيره ، فيجب العمل به عينا ، لأنّ العدول من أقوى الأمارتين إلى أضعفهما غير جائز. أمّا الصغرى فوجدانية ، لأنّ لزيادة العلم تأثيرا آخر في إصابة الواقع. وأمّا الكبرى فمع إمكان دعوى الاتفاق عليها ـ كما يظهر من تتبع أقوال العلماء في تعارض الأخبار ـ يشهد بها بداهة العقل».

(٢) هذا الضمير وضمير «غيره» راجعان إلى «قول الأفضل».

(٣) قيد لـ «يجب» وهذا إشارة إلى كبرى القياس ، وإن كان بلسان النتيجة ، فكأنّ

٥٥١

ولا يخفى ضعفها (١). أمّا الأوّل (٢) فلقوّة احتمال أن يكون وجه القول بالتعيين للكلّ أو الجلّ هو الأصل (٣) ، فلا مجال (٤) لتحصيل الإجماع (٥) مع الظفر بالاتفاق (٦) ،

______________________________________________________

الكبرى مطويّة فيه.

(١) أي : الوجوه الثلاثة المتقدمة.

(٢) وهو الإجماع ، وناقش المصنف فيه بما تقدم في نظائره من وجهين :

أحدهما : أنّ الظاهر اعتماد أكثر المجمعين ـ بل كلهم ـ على أصالة التعيين في دوران الحجية بين التعيين والتخيير ، ومعه يكون الإجماع مدركيّا أو محتمل المدركية ، ومن المعلوم أنّ قول المعصوم عليه‌السلام ـ الّذي هو مناط حجية الإجماع ـ لا يستكشف بهذا الاتفاق.

ثانيهما : أنّ هذا الإجماع الّذي ادّعاه جمع ليس محصّلا بالنسبة إلينا ، بل هو إجماع منقول بغير التواتر ، فلا يكون حجة ، لما تقدم في بحث الإجماع المنقول بخبر الواحد من عدم الدليل على حجيته.

(٣) أي : أصالة التعيينية في الحجج.

(٤) متفرع على احتمال مدركيّة الإجماع على فرض اتّفاق جميع الأصحاب.

(٥) أي : للإجماع التعبدي الكاشف عن رأي المعصوم ، وإلّا فنفس اتفاق العلماء لا بد أن يكون مفروض التحقق حتى تصح دعوى الإجماع.

(٦) وأمّا مع عدم الظفر بالإجماع أو الظفر بالقائلين بجواز تقليد المفضول فلا موضوع للبحث عن حجية الإجماع هنا ، قال في الفصول : «ويشكل بمنع الإجماع لا سيّما بعد تصريح جماعة بالجواز». وقد عرفت في كلام السيد في الذريعة أنّ المسألة خلافية ، فلا وجه لنسبة دعوى الإجماع إلى السيد كما عزاه إليه في التقريرات ظهورا تارة وصراحة أخرى ، قال المقرر في الموضع الثاني : «وادعى على ذلك الإجماع صريحا المحقق الثاني في محكي حاشية الشرائع ، وكذا علم الهدى في محكي الذريعة ، بناء على أن ـ عندنا ـ صريح من مثله في دعوى الإجماع».

٥٥٢

فيكون (١) نقله موهونا ، مع عدم حجية نقله (٢) ولو مع عدم وهنه (٣).

وأمّا الثاني (٤) فلأنّ الترجيح مع المعارضة في مقام الحكومة لأجل رفع

______________________________________________________

وفي المستمسك : «وعن ظاهر السيد من الذريعة كونه من المسلّمات عند الشيعة» ولم يظهر منشأ هذه الصراحة أو الظهور بعد صراحة قول السيد : «فقد اختلفوا» في نفى الإجماع. ولو أراد به ما يعم العامة لم يكن له ظهور في اتفاق الخاصة على تقليد الأعلم.

وممّا يوهن الإجماع أيضا عدم تعرض الشيخ وأبي المكارم ابن زهرة لشرط الأفضلية في عداد شرائط المفتي ، فراجع العدّة والغنية.

(١) متفرّع على قوله : «فلا مجال» يعني : إذا لم يكن تحصيل الإجماع التعبدي ممكنا فلا عبرة بالمنقول منه ، فإنّ حجية المنقول متفرعة على إمكان تحقق الإجماع المحصّل الكاشف عن رأي المعصوم عليه‌السلام.

(٢) لكن في تقريرات شيخنا الأعظم «قده» : «ولا وجه للوسوسة بعدم حجية الإجماع المنقول في المقام كما عرفت. والتعليل الفاسد في كلام المجمعين ليس بضائر ، بعد الاتفاق الكاشف ، مع ما تعرف من صحة التعليل أيضا».

(٣) لعدم حجية الإجماع المنقول بالخبر الواحد في شيء من الموارد ، ولو مع عدم وهنه بالاحتمال المزبور في الإجماع المحصّل ، وهو احتمال استناد الجلّ أو الكل إلى الأصل المزبور أي أصالة التعيينية. وضميرا «نقله ، وهنه» راجعان إلى الإجماع.

(٤) معطوف على «أمّا الأوّل» وهذا جواب عن الاحتجاج بالأخبار كالمقبولة على لزوم تقليد الأعلم من باب الملازمة بين بابي القضاء والفتوى. وحاصله : منع الملازمة بين القضاء والإفتاء في ترجيح الأفضل عند المعارضة ، لوضوح الفرق بينهما ، وبيانه : أنّ مورد الترجيح في المقبولة بالأفقهية وغيرها من الصفات هو الحاكمان اللذان اختلفا في الحكم ، ومن المعلوم أن فصل الخصومات مما لا بد منه ، لأنّه الغرض من تشريع القضاء ، ولا يلائمه الحكم بالتخيير ، لعدم كونه قاطعا للدعوى ، بل موجبا لاستمرارها وبقاء الترافع بحاله ، لأنّ كل واحد من المترافعين يرجع إلى الحاكم الّذي يوافق ميله ويخالف ميل الآخر ، وهذا موجب لبقاء النزاع والتشاجر لا لارتفاعه.

٥٥٣

الخصومة ـ التي لا تكاد ترتفع إلّا به (١) ـ لا يستلزم (٢) الترجيح في مقام الفتوى كما لا يخفى.

وأمّا الثالث (٣) فممنوع صغرى وكبرى.

______________________________________________________

وعليه ففي مورد الحكومة لا بد من الرجوع إلى أحدهما المعيّن ، وهو إمّا الفاضل وإمّا المفضول ، ولا ريب أنّ الأوّل أولى.

وهذا بخلاف المقام ، فإنّه لا مانع من كون العامي مخيّرا في العمل بين الفتويين المتعارضتين.

وبعد اختلاف مناط بابي القضاء والإفتاء لا وجه لتسرية حكم القضاء إلى الفتوى.

وعليه فالاستدلال بالمقبولة وما بمضمونها على وجوب تقليد الأعلم شرعا في غير محله ، لتوقفه على التعدي عن القضاء إلى الفتوى ، وهو بلا وجه.

(١) أي : إلّا بترجيح أحد الحاكمين على الآخر بالأفقهية ونحوها من الصفات.

(٢) خبر «أنّ الترجيح» وقد عرفت وجه عدم الاستلزام. قال في الفصول : «والرواية المذكورة بعد تسليم سندها واردة في صورة التعارض في الحكم ، فلا تدلّ على عدم الاعتداد بحكم المفضول عند عدم المعارضة ، فضلا عن دلالته على عدم الاعتداد بفتواه مطلقا ، فإنّ الحكم المذكور في الرواية غير الفتوى كما يشهد به سياقها».

وناقش شيخنا الأعظم فيه بما سيأتي بيانه في التعليقة «إن شاء الله تعالى».

هذا ما يتعلق بالمقبولة ونحوها مما ورد في اعتبار الأفقهية في باب القضاء.

وأمّا ما ورد في عهد مولانا أمير المؤمنين «عليه أفضل صلوات المصلين» فهو غير ناظر إلى اعتبار الأفقهية ، بل المراد بالأفضل معنى آخر بيّنه عليه‌السلام بعد هذه الجملة ، فلاحظ خطابه عليه‌السلام لما لك «رضي‌الله‌عنه» : «اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور ، ولا تحكمه الخصوم ، ولا يتمادى في الزلّة ، ولا يحصر من الفيء إلى الحق إذا عرفه ، ولا تشرف نفسه على الطمع ، ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه ، وأوقفهم في الشبهات وآخذهم بالحجج ، وأقلّهم تبرّما بمراجعة الخصم ، وأصبرهم على تكشّف الأمور ، وأصرمهم عند اتّضاح الحكم ، ممن لا يزدهيه إطراء ولا يستميله إغراء».

(٣) معطوف على «أمّا الأوّل» والمراد بالثالث هو قوله : «ثالثها : أنّ قول الأفضل

٥٥٤

أمّا الصغرى (١) فلأجل أن فتوى غير الأفضل ربما يكون أقرب من فتواه (٢) ، لموافقتها لفتوى من هو أفضل منه ممّن (٣) مات. ولا يصغى (٤) إلى أنّ فتوى

______________________________________________________

أقرب من غيره جزما ، فيجب الأخذ به عند المعارضة عقلا».

(١) وهي أقربيّة فتوى الأفضل من المفضول إلى الواقع ، وحاصله : منع هذه الأقربيّة بقول مطلق. وقد صدر هذا المنع الصغروي عن جماعة من المحققين كالنراقي والقمي وصاحبي المفاتيح والفصول ، وقد سبقهم على ذلك الشهيد الثاني كما في تقريرات الشيخ ، فعن المسالك : «لمنع كون الظن بقول الأعلم مطلقا أقوى». وفي الفصول : «مع أنّها ـ أي قوة الظن ـ في فتوى الأفضل ممنوعة ، فان المقلد قد يقف على مدارك الفريقين فيترجّح في نظره فتوى المفضول».

ووجهه : أنه ربما تكون فتوى المفضول موافقة لرأي الميّت الّذي هو أفضل من أفضل الأحياء ، كما إذا فرضنا أنّ الأعلم الحي أفتى بكفاية التسبيحات الأربع مرّة واحدة ، وقال المفضول باعتبار تثليثها ، وكان هذا فتوى الميّت الأعلم من الأحياء والأموات أيضا ، فإنّ هذه الموافقة توجب أقربية فتوى المفضول إلى الواقع من فتوى الفاضل الحي.

وعليه فليس قول الأفضل أقرب إلى الواقع من قول المفضول على الإطلاق ، فهذا الوجه أخصّ من المدّعى الّذي هو وجوب تقليد الأعلم مطلقا من دون تفاوت بين كون قول المفضول موافقا لمن هو أفضل من الجميع أحياء وأمواتا حتى هذا الأعلم الحي ، وبين كونه موافقا لقول المشهور ، مع مخالفة فتوى الأعلم له.

(٢) أي : من فتوى الأفضل ، وضمير «لموافقتها» راجع إلى فتوى غير الأفضل.

(٣) بيان لـ «من هو أفضل» وضمير «منه» راجع إلى الأفضل.

(٤) الغرض من هذه الدعوى ردّ ما أفاده المصنف في منع الصغرى ، وإثبات أقربيّة قول الأفضل حتى في صورة موافقة فتوى الأفضل الميت لفتوى المفضول الحي ، بأن يقال : إنّ المراد بأقربية فتوى الأعلم إلى الواقع ليس هو الأقربيّة الفعلية حتى يقال : إنّ فتوى المفضول ـ الموافقة للاحتياط أو للمشهور أو للأعلم من الأموات ـ تكون أقرب فعلا إلى الواقع بالإضافة إلى فتوى الأعلم المخالفة للاحتياط أو للمشهور. بل المراد هو الأقربيّة

٥٥٥

الأفضل أقرب في نفسه (١) ، فانه (٢) لو سلّم (٣) أنّه

______________________________________________________

من حيث نفسه أي الأقربية الاقتضائية ، بمعنى أنّ شأن الأعلم أن تكون فتواه أقرب نوعا إلى الواقع من فتوى غيره ، حتّى إذا لم تكن في بعض الموارد أقرب إلى الواقع لمخالفتها للاحتياط أو للمشهور ، ففتوى المفضول إنّما تصير أقرب إلى الواقع من فتوى الأفضل لأجل قرينة خارجية ، وهي موافقتها للمشهور أو للاحتياط أو لفتوى الأعلم الميت ، وليست أقرب إلى الواقع في نفسها.

فالمتحصل : أنّ موافقة قول المفضول للمشهور أو للأفضل الميت لا توجب أقربيّته من قول الأفضل الحي. وعليه فقول الأفضل مقدّم على قول المفضول وإن كان موافقا للمشهور ونحوه مما مرّ آنفا.

والمصنف دفع هذه الدعوى بوجهين : أحدهما : أنه لا دليل على تقييد الأقربية بما ذكر ـ من كون قول الأعلم أقرب نوعا إلى الواقع ، دون فتوى المفضول التي قد تكون أقرب بمعونة قرينة خارجية وهي موافقة المشهور ونحوها ـ لأنّ حجية الفتوى كسائر الأمارات تكون من باب الطريقية لا الموضوعية ، سواء كانت الأقربية باقتضاء ذاته أم بقرينة خارجية كموافقة المشهور أو فتوى الأعلم الميّت أو نحوهما.

ثانيهما : أنّه بعد تسليم التقييد المزبور نقول : إنّه لا يجدي المستدل ، لأنّ الأقربية ـ المقيّدة بحصولها من موافقة الطريق لأمارة أخرى ـ ليست بصغرى للكبرى المدّعاة من حكم العقل بلزوم تقديم الأقرب على غيره ، ضرورة أنّ العقل لا يرى تفاوتا في تقديم الأقرب على غيره بين كون الأقربية ناشئة من خصوصية في ذات الأمارة ، وبين كونها ناشئة من الخارج كقول المفضول الّذي يصير أقرب من قول الفاضل لأجل موافقة المشهور له مثلا. هذا ما يتعلق بمنع الصغرى وأمّا منع الكبرى فسيأتي «إن شاء الله تعالى».

(١) أي : أقرب نوعا وبحسب اقتضائه ، لأنّ الأفضل أجود استنباطا ، وله زيادة بصيرة بمدرك المسألة تؤثّر في إصابة الواقع كما اعترف به المولى الأردبيلي «قده» على ما في التقريرات.

(٢) الضمير للشأن ، وهو تعليل لقوله : «ولا يصغى».

(٣) إشارة إلى الوجه الأوّل المتقدم بقولنا : «أحدهما أنه لا دليل على تقييد ...» وضمير

٥٥٦

كذلك (١) ، إلّا (٢) أنّه (٣) ليس بصغرى لما ادّعي عقلا من الكبرى ، بداهة (٤) أنّ العقل لا يرى تفاوتا بين أن يكون الأقربية في الأمارة لنفسها أو لأجل موافقتها لأمارة أخرى كما لا يخفى.

وأما الكبرى (٥) فلأنّ ملاك حجية قول الغير تعبدا ولو على نحو الطريقية (٦) لم يعلم أنّه القرب

______________________________________________________

«أنه» راجع إلى فتوى الأفضل ، فالأولى تأنيثه.

(١) أي : أقرب في نفسه وباقتضاء ذاته ، أي بقرينة داخلية.

(٢) متعلق بقوله : «لو سلم واستدراك عليه ، وإشارة إلى الوجه الثاني لردّ الدعوى ، وقد عرفته بقولنا : «ثانيهما انه بعد تسليم التقييد المزبور نقول ... إلخ».

(٣) أي : إلّا أنّ كونه أقرب باقتضاء نفسه ليس بصغرى للكبرى المتقدمة.

(٤) تعليل لقوله : «ليس بصغرى» وبيان له.

(٥) معطوف على «أمّا الصغرى» وإشارة إلى منع كبرى الدليل الثالث ، وحاصله : أنّ كبرى «ترجيح العقل ما هو أقرب إلى الواقع» ممنوعة كما كانت الصغرى ممنوعة ، وذلك لعدم إحراز كون تمام الملاك في حجية قول الغير ـ حتى على الطريقية ـ هو القرب إلى الواقع ، فلعلّ قول الفاضل والمفضول سيّان في الملاك وهو الفقاهة وعرفان الأحكام ونحوهما من العناوين المأخوذة في الأدلة اللفظية. وليس لقول الفاضل مزية على قول المفضول ، فهما كالخبرين المتعارضين المتكافئين في المرجحات المنصوصة مع كون أحدهما أقرب إلى الواقع ، من جهة اشتماله على بعض المرجحات غير المنصوصة ، فإنّ إطلاقات التخيير هي المرجع هناك ، كما أنّ الحجة في باب الفتويين المتعارضتين ـ على ما قيل ـ هي الإجماع على التخيير وعدم التساقط.

(٦) إذ على الموضوعية يكون تمام المناط في حجية فتوى المجتهد حدوث مصلحة في المؤدّى أجنبية عن مصلحة الواقع ، ولذا لا تأثير للقرب إلى الواقع في المصلحة الحادثة ، وإنّما ينطبق عليه قانون باب التزاحم.

٥٥٧

من الواقع (١) ، فلعلّه يكون ما (٢) هو في الأفضل وغيره سيّان ، ولم يكن لزيادة القرب في أحدهما دخل أصلا.

نعم (٣) لو كان تمام الملاك هو القرب ـ كما إذا كان حجة بنظر العقل ـ لتعيّن الأقرب (٤) قطعا (٥) ،

______________________________________________________

(١) فربما كان الملاك في حجية الفتوى على الطريقية هو الإيصال الغالبي إلى الواقع ، وهذا الملاك موجود في فتوى المفضول أيضا ، بل يمكن رجحان قول المفضول وكونه أزيد إيصالا كما عرفت.

والحاصل : أنّه بناء على كون الأدلة الشرعية في مقام تشريع الحجية للفتوى تكون هي والروايات المتعارضة والبيّنتان المتعارضتان من باب واحد ، فكما لا تكون الأقربية مرجّحة لإحدى الروايتين ولذا قد تتعارض الصحيحة مع الموثقة ، ولا لإحدى البينتين كما إذا كانت إحداهما أوثق من الأخرى مع كون حجية الأمارات من باب الطريقية إلى الواقع المقتضية لكون الأصل الأوّلي فيهما هو التساقط ، كذلك لا تكون الأقربية مرجحة لإحدى الفتويين المتعارضتين على الأخرى بعد صدق عنوان الفقيه والعالم على كل من الفاضل والمفضول على نسق واحد.

(٢) المراد بالموصول هو الملاك ، وضمير «أنه» راجع إلى الملاك ، وضمير «فلعله» للشأن.

(٣) استدراك على قوله : «لم يعلم أنه القرب من الواقع» وغرضه : تسليم أقربية فتوى الأعلم نوعا إلى الواقع من فتوى المفضول إذا كان طريقية فتوى المجتهد في حق العامي بحكم العقل من جهة انسداد باب العلم بالأحكام الشرعية عليه ، فإنّه بناء عليه يتعيّن الرجوع إلى الأعلم ، لكون المناط حينئذ هو القرب إلى الواقع ، ولا يكفي الاقتصار على مطلق الفقاهة في الدين عند المعارضة.

(٤) وهو فتوى الأعلم.

(٥) كما في حجية الظن بناء على الانسداد ، فإنّ الاعتماد عليه ـ دون الشك والوهم ـ إنّما هو بمناط أقربيته إلى الواقع.

٥٥٨

فافهم (١) (*).

______________________________________________________

(١) لعله إشارة إلى عدم إحراز كون تمام الملاك في حجية الفتوى هو القرب إلى الواقع حتى يتعين العمل بفتوى الأعلم ، لاحتمال كون الملاك في الحجية هو غلبة الإيصال المشتركة بين الفاضل والمفضول ، كما يحتمل كونه الأقربية ، ومع عدم الجزم بدوران الحجية مدار الأقربيّة لا وجه لتعين الرجوع إلى الأعلم وترك قول المفضول رأسا. فالتعيين يتوقف على دليل آخر غير الأقربية.

أو إشارة إلى ما أفاده المحقق الأصفهاني «قده» بقوله : «إن أريد أن القرب إلى الواقع لا دخل له أصلا فهو خلاف الطريقية الملحوظة فيها الأقربية إلى الواقع في أمارة خاصة من بين سائر الأمارات. وإن أريد أن القرب إلى الواقع بعض الملاك ، وأنّ هناك خصوصية أخرى تعبدية فهو غير ضائر بالمقصود ، لأنّ فتوى الأفضل وإن كانت مساوية لفتوى غيره في تلك الخصوصية التعبدية ، إلّا أنّها أقوى من غيرها من حيث القرب الّذي هو بعض الملاك ، فإنّ الأرجح لا يجب أن يكون أقوى من غيره من جميع الجهات ، بل إذا كان أرجح من جهة فهو بقول مطلق أرجح من غيره» (١).

__________________

(*) لا يخفى أنّ في مسألة تقليد الأعلم مباحث مهمّة لا يسعنا التعرض لها في هذا الوجيزة ، وقد تعرّضنا لها في شرح تقليد العروة الوثقى ، ونذكر بعضها هنا بنحو الاختصار ، فتقول وبه نستعين : أنّه ينبغي قبل ذكر أدلة المجوّزين والمانعين تأسيس الأصل في المسألة حتى يرجع إليه على تقدير عدم تمامية أدلّة الطرفين.

تأسيس الأصل

لا إشكال في أنّ كلّا من التقليد وأخويه طريق إلى امتثال الأحكام الفعلية الإلزامية المنجزة بالعلم الإجمالي وسقوطها ، ومؤمّن من العقوبة كالقواعد الجارية في وادي الفراغ كقاعدتي التجاوز والفراغ ، ومن المعلوم أنّ المؤمن العقلي ـ بناء على عدم ثبوت مؤمّنية فتوى المفضول لا ارتكازا ولا شرعا ولا عقلا ـ منحصر في العمل بفتوى الأفضل أو الاحتياط ، لكون كلّ منهما مؤمّنا عقلا من

__________________

(١) نهاية الدراية ، ٣ ـ ٢١٥

٥٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

العقوبة ، فإنّ الاحتياط محرز عملي للواقع ، وفتوى الأعلم حجة عليه قطعا بعد البناء على جواز أصل التقليد ، فإنّ فتوى الأعلم حينئذ معلومة الحجية إمّا تعيينا بناء على وجوب تقليد الأعلم ، وإمّا تخييرا بناء على عدم وجوبه تعيينا ، فأصالة التعيينية محكّمة ، ومقتضاها وجوب تقليد الأعلم ، وعدم الاكتفاء في سقوط التكليف الإلزاميّ بالعمل بقول المفضول ، لكونه إطاعة احتمالية لم ينهض على جواز الاكتفاء بها دليل.

وهذا الأصل ـ أي أصالة التعيينية ـ مرجع مطلقا أي سواء أكان الشاك في اعتبار قول المفضول نفس المجتهد أم العامي ، لأنّ مرجع الشك في الفراغ وبراءة الذّمّة هو قاعدة الاشتغال المقتضية للزوم العمل بفتوى الأفضل.

والإشكال في أصالة التعيينية تارة بما عن المحقق القمي (قده) في القوانين من قوله : «لا يقال إنّ الأصل حرمة العمل بالظنّ ، خرج الأقوى بالإجماع ، ولا دليل على العمل بالأضعف ، لأنّا نقول : قد بيّنا سابقا أنّه لا أصل لهذا الأصل ، فلا نعيد. واشتغال الذّمّة أيضا لم يثبت إلّا بالقدر المشترك المتحقق في ضمن الأدون ، والأصل عدم لزوم الزيادة».

وأخرى : بمعارضة هذا الأصل بالاحتياط في المسألة الفرعية ، كما إذا أفتى المفضول بما يوافق الاحتياط كوجوب جلسة الاستراحة على خلاف فتوى الأفضل بعدم وجوبها.

مندفع ، إذ في الإشكال الأوّل : أنّ إنكار حرمة العمل بالظن إن كان لأجل عدم الدليل على حرمة العمل به ، ففيه منع واضح ، لدلالة الآيات والروايات الناهية عن العمل بالظن بوضوح على ذلك ، وإن كان لأجل الأصل الثانوي المستنتج من دليل الانسداد القاضي باعتبار الظن وجواز العمل به ففيه : أنّ دليل الانسداد يجري في حق من تمّت له مقدماته ، وليس العامي ممن تمت له مقدمات الانسداد ، فلا يجري في حقه ، إذ من مقدماته انسداد باب العلمي أي الظن الخاصّ ، وذلك غير منسدّ على العامي ، لوجوب رجوع الجاهل إلى العالم ، فلا إشكال في حرمة العمل بالظنّ إلّا ما خرج ، ومن المعلوم أنّ الخارج قطعا هو فتوى الأفضل. وخروج فتوى المفضول مشكوك فيه ، فيبقى تحت أصالة حرمة العمل بالظن.

لا يقال : إنّ مقتضى إطلاق دليل التخصيص ـ وهو ما دلّ على جواز التقليد ـ خروج فتوى الفقيه مطلقا سواء أكان فاضلا أم مفضولا عن عموم حرمة العمل بالظن ، ومقتضى هذا الإطلاق جواز العمل

٥٦٠