منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٨

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٨

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: نمونه
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٥٢

الأحكام الفعلية (١) من أمارة

______________________________________________________

يكون عدلا للتقليد والاحتياط ، واللازم حينئذ تفسيره بمعناه المصدري الّذي هو كأخويه مؤمّن من المؤاخذة والعقوبة ، إذ المؤمّن هو إحراز الأحكام من أدلّة الفقه.

مضافا إلى : أنّ آثار الاجتهاد قد ترتّبت في النص على عنوان «العالم والفقيه والعارف بالحلال والحرام» ومن المعلوم عدم صدق هذه العناوين على واجد قوّة الاجتهاد مع عدم استنباط شيء من الأحكام.

والغرض من تفسير الاجتهاد بالملكة في هذا الفصل هو البحث عن بعض أحكامه ، كجواز تقليد صاحب الملكة لمجتهد آخر ، وأنّ رجوعه إليه هل هو من رجوع الجاهل إلى العالم ، فيشمله أدلّة جواز التقليد أم لا؟ واللازم حينئذ هو تفسير الاجتهاد بالملكة وقوّة الاستنباط ، إذ لو انحصر الاجتهاد في خصوص معناه المصدري لم يبق مجال لعقد هذه المسألة ، لفرض كون صاحب الملكة ـ المجرّدة عن الاستنباط الفعلي ـ غير مجتهد أي لم يستنبط شيئا من الأحكام.

ومن الواضح أنّ صاحب ملكة الاستنباط ليس كالعامي الصّرف ، فلا بد أن يكون المقسم في هذا الفصل هو قوة الاستنباط حتى تندرج جميع الأقسام فيه.

وعليه فلا منافاة بين تفسير الاجتهاد بتحصيل الحجة ، وبين تقسيم الاجتهاد ـ بلحاظ قوّة الملكة وضعفها ـ إلى إطلاق وتجزّ ، لصدقه على كلا المعنيين بلا مسامحة ، وأنّ إطلاقه على كل من المعنيين كان بملاحظة الأثر المهم المترتّب عليه.

(١) هذا قيد آخر للاجتهاد ، واحترز به عن القدرة على استنباط الأحكام الإنشائية وهي المترتبة الثانية من المراتب الأربع للحكم الشرعي ـ حسب مختاره ـ فإنّ الأحكام الإنشائية إمّا لا تسمّى أحكاما ، لعدم وجود بعث ولا زجر فيها ، وإمّا لا يكون استنباطها اجتهادا عرفا ، فإنّ الاجتهاد هو استخراج الأحكام التي يترتب عليها الأثر من التحريك والزجر ، وهذا يختص بالحكم الفعلي البالغ مرتبة البعث والزجر.

ولا بد أن يكون المراد بالفعلي ما هو أعم من المطلق والمشروط كي لا يرد عليه «أن استنباط الأحكام المشروطة قبل تحقق شرطها لا يصدق عليه الاجتهاد ، مع أنه اجتهاد قطعا». وعليه فيشمل الاجتهاد استنباط الأحكام المنشأة لموضوعاتها على نحو القضايا

٣٨١

معتبرة (١) ، أو أصل معتبر (٢) عقلا (٣) أو نقلا (٤) في (٥) الموارد التي لم يظفر فيها (٦) بها. والتجزّي هو ما يقتدر به على استنباط بعض الأحكام (٧).

ثم إنه (٨) لا إشكال في إمكان

______________________________________________________

الحقيقية مطلقة كانت أم مشروطة.

(١) وهي الحجة الكاشفة ـ ولو نوعا ـ عن الحكم الواقعي كخبر العدل.

(٢) وهو ما يقابل الحجة الكاشفة ، ويعبّر عنه بالأصل العملي كما يعبّر عن الأمارة بالدليل الاجتهادي.

(٣) كقاعدة قبح العقاب بلا بيان التي هي البراءة العقلية.

(٤) كالاستصحاب والبراءة الشرعية.

(٥) قيد لقوله : «أو أصل معتبر» يعني : أن الرجوع إلى الأصل إنّما يكون في صورة عدم الظفر بالدليل الاجتهادي.

(٦) أي : لم يظفر ـ في الموارد ـ بالأمارة المعتبرة.

(٧) سواء استنبط أم لم يستنبط بعد ، لإطلاق الاجتهاد حقيقة على كليهما.

أحكام الاجتهاد المطلق

١ ـ إمكانه وقوعا

(٨) بعد أن فرغ المصنف من تعريف قسمي الاجتهاد شرع في المقام الأوّل الباحث عما يتعلق بالاجتهاد المطلق ، وهذا أوّل تلك المباحث ، وحاصله : أنّه لا إشكال في إمكان حصول ملكة مطلقة عقلا ، بحيث تكون بمثابة من الشدة يمكن استنباط جميع أقسام الفقه الأربعة بها ، مثلا إذا أتقن المكلّف جميع مسائل علم الأصول ، وكذا استنبط القواعد الكلية المحتاج إليها في أبواب المعاملات وغيرها ، فلا محالة يصير قادرا على استنباط كافّة الأحكام الشرعية الواقعية والظاهرية. وتحقّق هذه الملكة ممكن عقلا ، وواقع خارجا ، ولا موجب لامتناعه العقلي ، فإنّ الممتنع استفراغ الوسع في تحصيل العلم بجميع الأحكام ، لاستحالته عادة أو عقلا. وأمّا تحصيل القوة النظرية الشديدة فهو بمكان من الإمكان.

٣٨٢

المطلق (١) ، وحصوله للأعلام. وعدم (٢) التمكّن من الترجيح في المسألة وتعيين حكمها ، والتردد (٣) منهم في بعض المسائل إنّما هو بالنسبة إلى

______________________________________________________

نعم ربما يتوهم منافاة وقوع الملكة المطلقة لما يشاهد من تردّد بعض الاعلام في الأحكام والتأمّل فيها ، فإنّ مقتضى الاقتدار على استنباط الأحكام هو استخراج الحكم في كل مسألة ، والتردّد في بعضها يكشف عن عدم تحقق الاجتهاد المطلق ، مثلا «المحقّق» المعدود أسطوانة الفقه قد تردّد في كثير من الفروع ، وقد حرّر بعض الأصحاب كتابا حول تردّداته ، ومن المعلوم أن مثل المحقق لو لم يكن مجتهدا مطلقا فعلى المجتهد المطلق السلام ، فكيف يدّعى إمكان الاجتهاد المطلق؟

لكن هذا توهم فاسد ، لأنّ المجتهد المطلق قادر على استنباط جميع الأحكام الشرعية ، غايته أعميّة الأحكام المستنبطة من الواقعية والظاهرية ، ومن المعلوم أنّ تردد مثل المحقق إنّما هو في الحكم الواقعي ، إمّا لأجل عدم الظفر بالدليل على الحكم الواقعي بعد الفحص عنه بالمقدار اللازم ، وإمّا لإجمال النص ، وإمّا لتعارضه وعدم وجود مرجّح في البين. وأمّا بالنسبة إلى الحكم الظاهري الفعلي فلا تردّد فيه ، ففي تعارض الخبرين يعمل بأحدهما بمقتضى التخيير الظاهري المجعول بأدلة التخيير بين المتعارضين ، وفي مورد فقد النص يحكم بالاحتياط أو البراءة. وإن كان المورد من الشك في المكلف به حكم بالاشتغال العقلي بالجمع بين الأطراف فعلا أو تركا. وعليه فلا وجه للمنع من وجود الملكة المطلقة خارجا.

(١) بمعنى الملكة المطلقة ، إذ هي المقصودة من الاجتهاد في هذا الفصل. والمراد من القدرة على استنباط جميع الأحكام هو الأعم من الاستغراق الحقيقي والعرفي ، فالقادر على استنباط أكثر الأحكام مجتهد مطلق وإن لم يتمكن من استنباط عدّة قليلة منها.

(٢) مبتدأ خبره قوله : «انما هو» وهذا إشارة إلى توهّم امتناع حصول الاجتهاد المطلق عادة في الخارج ، وقد تقدم تقريب التوهم ودفعه بقولنا : «نعم ربما يتوهّم منافاة وقوع الملكة المطلقة ... إلخ».

(٣) عطف تفسير لقوله : «عدم التمكن» ، وقوله : «تعيين» معطوف على «الترجيح» أي : عدم التمكن من تعيين حكم المسألة.

٣٨٣

حكمها الواقعي لأجل (١) عدم دليل مساعد في كل مسألة عليه ، أو (٢) عدم الظفر به بعد الفحص عنه (٣) بالمقدار اللازم (٤) ، لا (٥) لقلّة الاطّلاع أو قصور الباع (٦). وأمّا (٧) بالنسبة إلى حكمها الفعلي فلا تردّد لهم أصلا.

كما لا إشكال (٨) في

______________________________________________________

(١) قيد لـ «عدم التمكن أو للتردد» يعني : أنّ منشأ التردّد قد يكون فقد النص كمسألة اعتبار كون المضاربة بالنقدين وعدم صحتها بغيرهما ، فإنّ الدليل عليه هو الإجماع الّذي يشكل الاعتماد عليه ، لكونه إجماعا منقولا. وقد يكون إجمال النص أو تعارضه.

(٢) معطوف على «عدم دليل» والأوّل راجع إلى عدم الوجود ، والثاني إلى عدم الوجدان الّذي هو أعم من عدم الوجود.

(٣) هذا وضمير «به» راجعان إلى دليل ، وضمير «عليه» راجع إلى «حكمها الواقعي».

(٤) وهو الّذي يحصل به اليأس عن الظفر به ، فتطمئن النّفس بعدمه.

(٥) معطوف على «لأجل يعني : أن التردد في الحكم الواقعي ليس لأجل قلّة الاطّلاع على مدارك الأحكام وعدم المعرفة التامة بها ، بل إنّما هو لفقد دليل على الحكم ، لعدم كون المسألة معنونة في الأخبار وكلمات الأصحاب أصلا. كما هو الحال في كثير من المسائل المستحدثة في هذه الأعصار.

(٦) الّذي هو كناية عن عدم غزارة العلم.

(٧) معطوف على «انما هو بالنسبة» يعني : أنّ المجتهد المطلق يتردّد أحيانا في الحكم الواقعي ، ولا تردّد له في الحكم الظاهري ، بل هو معلوم له ، ففي مثل الخبرين المتعارضين المتكافئين يتردد المجتهد في الحكم الواقعي ، ولكن حكمه الظاهري معلوم ، وهو أخذ أحد الخبرين بمقتضى أخبار التخيير. فالمراد بالحكم الفعلي هو الظاهري المقابل للواقعي ، والأولى إضافة كلمة «فيه» بين «لهم» و «أصلا».

٢ ـ حجية آراء المجتهد المطلق لعمل نفسه

(٨) عدل قوله : «لا إشكال» وهذا شروع في الأمر الثاني من مباحث المقام الأوّل ،

٣٨٤

جواز (١) العمل بهذا الاجتهاد لمن اتّصف به (٢).

وأمّا لغيره (٣) فكذا لا إشكال

______________________________________________________

وهو وجوب عمل المجتهد المطلق بآراء نفسه التي استنبطها من الأدلة ، وعدم جواز تقليده للغير. وحاصله : أنّه لا إشكال في جواز عمل المجتهد المطلق باجتهاده ، لأنّه عالم بالأحكام عن أدلتها المعتبرة شرعا أو عقلا ، فيجوز له العمل بما يستنبطه ، أو الاحتياط بناء على كونه في عرض الاجتهاد والتقليد في مقام امتثال التكاليف الواقعية ، وإلّا فيتعين عليه العمل باجتهاده ، إذ لا يجوز تقليد غيره ، ضرورة أنّ فتوى الغير إن كانت مطابقة لفتواه فلا معنى للرجوع إلى ذلك الغير ، وإن كانت مخالفة لها فكذلك ، لأنّه يخطّئ الغير ، فالرجوع إليه حينئذ يكون بحسب اعتقاده من رجوع العالم إلى الجاهل. وعليه فالمجتهد المطلق يحرم عليه التقليد كما هو المرقوم في الإجازات.

(١) المراد به الجواز بالمعنى الأعم الصادق على الوجوب ، لا ما يرادف الإباحة ، إذ المقصود به إمّا الوجوب التعييني بناء على طولية مراتب الإطاعة ، وإمّا الوجوب التخييري بين الاجتهاد والتقليد والاحتياط بناء على عرضية مراتب الإطاعة.

(٢) أي : بالاجتهاد المطلق.

٣ ـ حجية آراء المجتهد المطلق الانفتاحي على المقلّد

(٣) أي : لغير من اتّصف بالاجتهاد المطلق ، والمقصود بالغير هو الّذي لم يبلغ مرتبة الاجتهاد وإن نال من العلم مرتبة سامية. وهذا هو البحث الثالث ممّا تعرّض له في المقام الأوّل ، فالمبحث الثاني كان في حجية آراء المجتهد المطلق في حق نفسه ، وهذا المبحث الثالث تعرض المصنف فيه لحجية آراء المجتهد المطلق على غير المجتهد ، وهذا في قبال بعض الأصحاب النافي للتقليد.

وقد فصّل المصنف في هذه المسألة بين كون المجتهد انفتاحيا وانسداديا ، فالكلام يقع في موضعين ، أحدهما : في المجتهد المطلق الانفتاحي ، وثانيهما : في المجتهد المطلق الانسدادي أي القائل بانسداد باب العلم والعلمي ، وسيأتي الكلام في الموضعين «إن شاء الله تعالى».

٣٨٥

فيه (١) إذا كان المجتهد ممن كان باب العلم أو العلمي بالأحكام مفتوحا له ، على (٢) ما يأتي من الأدلة على جواز التقليد. بخلاف ما إذا انسدّ عليه بابهما (٣) ، فجواز تقليد الغير عنه في غاية الإشكال ،

______________________________________________________

(١) أي : في جواز العمل بهذا الاجتهاد إن كان هذا المجتهد المطلق انفتاحيّا ، وهذا إشارة إلى الموضع الأوّل ، وحاصله : أنه لا إشكال في جواز عمل الغير برأي المجتهد المطلق الانفتاحي ـ مع اجتماع سائر الشرائط ـ لما سيأتي في مباحث التقليد من الدليل على جواز تقليد الجاهل للعالم ، كآية النفر والأخبار الإرجاعية كالمحكي عن التفسير : «فللعوام أن يقلدوه» وغير ذلك ، ومن الواضح أن المجتهد الانفتاحي عالم بالأحكام عن أدلتها المعهودة.

(٢) متعلق بـ «لا إشكال فيه» وهو كالتعليل له ، يعني : أنّ عدم الإشكال في جواز تقليد المجتهد الانفتاحي إنّما هو بعد الفراغ عن مشروعية أصل التقليد ، وعدم التشكيك في جوازه كما حكي عن علماء حلب من إيجاب الاجتهاد عينيّا.

حكم تقليد الجاهل المجتهد الانسدادي على الحكومة

(٣) أي : انسدّ على المجتهد المطلق باب العلم والعلمي كما يظهر من المحقق الميرزا القمي «قده» حيث أوجب العمل بالظن. وهذا شروع في الموضع الثاني ، ومحصله : عدم جواز عمل العامي بفتوى المجتهد الانسدادي مطلقا سواء أكان ذلك المجتهد قائلا بحجية الظن حكومة أم كشفا. وقد استدل عليه بوجهين يختص أوّلهما بالقول بحجية الظن على الحكومة ، وثانيهما يشترك بين القول بالحكومة والكشف.

أمّا الوجه الأوّل فتوضيحه : أنّ المجتهد الانسدادي ـ بناء على الحكومة ـ ليس عالما بالأحكام ، لأنّ معنى الحكومة هو حجية الظن في مقام إطاعة التكاليف المعلومة إجمالا ، لا كون الظن طريقا إلى الأحكام الواقعية ومثبتا لها كما هو شأن الظنون الخاصة القائمة على الأحكام ، فمعنى الحكومة هو جواز الاقتصار على الإطاعة الظنية ، لا وجود طريق ظني إلى الأحكام الواقعية. وعليه فلا تشمله أدلة التقليد ، لخروجه عن عنوان «العالم»

٣٨٦

فإنّ (١) رجوعه (٢) إليه ليس من رجوع الجاهل إلى العالم (٣) ، بل (٤) إلى

______________________________________________________

الّذي هو موضوع تلك الأدلة ، ولا أقلّ من الشك في حجية رأيه على الغير ، والمرجع فيه أصالة عدم الحجية.

وأمّا الوجه الثاني فحاصله : أنه ـ بعد الغض عن عدم صدق «العالم» على المجتهد الانسدادي ـ يرد عليه إشكال آخر ، وهو : أنّ مقتضى مقدمات الانسداد حجية الظن على نفس المجتهد دون غيره ، لأنّه الموضوع لها ، حيث إنّ كل حكم تابع لموضوعه ولا يسري إلى موضوع آخر ، ومن المعلوم أنّ موضوع حجية الظن الانسدادي هو المجتهد فقط الّذي انسدّ عليه باب العلم ، لتمامية مقدمات الانسداد بالنسبة إليه دون غيره ، إذ من مقدماته بطلان التقليد والاحتياط ، وبطلانهما بالنسبة إلى المجتهد الانسدادي وإن كان ثابتا ، إذ لو لا إثبات بطلانهما لما صار انسداديا ، إلّا أنّ بطلانهما بالنسبة إلى الجاهل غير ثابت ، لإمكان تقليد مجتهد يرى انفتاح باب العلم أو العلمي.

ولو فرض انحصار المجتهد في المجتهد الانسدادي فعلى الجاهل العمل بالاحتياط إن لم يستلزم اختلال المعاش ، وإلّا فعليه التبعيض في الاحتياط بحيث لا يلزم منه الاختلال وإن لزم منه العسر.

نعم إذا تمكّن الجاهل من إبطال الاحتياط العسري ـ بإثبات ـ حكومة أدلّة العسر على هذا الاحتياط الناشئ من الجهل بالأحكام ، كحكومتها على نفس الأحكام الملقية في العسر ـ كان الظن حينئذ حجة على هذا الجاهل كحجيته في حق نفس المجتهد الانسدادي. لكن دون إثباته للجاهل خرط القتاد.

(١) تعليل لقوله : «في غاية الإشكال» وهذا إشارة إلى أوّل الوجهين على عدم جواز الرجوع إلى المجتهد الانسدادي القائل بالحكومة ، وقد تقدم توضيحه بقولنا : «أمّا الوجه الأوّل فتوضيحه : أنّ المجتهد الانسدادي ... إلخ».

(٢) أي : رجوع الغير ـ وهو الجاهل ـ إلى المجتهد المطلق الانسدادي.

(٣) حتى يكون هذا الرجوع جائزا بمقتضى أدلة جواز التقليد.

(٤) أي : بل يكون هذا الرجوع من رجوع الجاهل إلى الجاهل ، فإنّ الانسدادي يعترف بعدم علمه بالأحكام ، إذ لا طريق له إليها من العلم والعلمي.

٣٨٧

الجاهل ، وأدلة (١) جواز التقليد إنما دلّت على جواز رجوع غير العالم إلى العالم ، كما لا يخفى. وقضيّة (٢) مقدمات الانسداد ليست إلّا حجية الظن عليه ، لا على غيره ، فلا بد في حجية اجتهاد مثله على غيره (٣) من التماس دليل آخر غير (٤) دليل التقليد (٥) وغير دليل الانسداد الجاري في حق

______________________________________________________

(١) أي : والحال أنّ أدلة جواز التقليد إنّما دلّت على جواز رجوع الجاهل إلى العالم ، ولم تدل على جواز رجوع المتحير في وظيفته إلى غير المتحير حتى يقال بجواز الرجوع إلى المجتهد الانسدادي ، لكونه غير متحير في وظيفته.

(٢) أي : أن مقتضى مقدمات الانسداد ... إلخ ، وهذا معطوف على «فان رجوعه» وإشارة إلى ثاني الوجهين على عدم جواز الرجوع إلى المجتهد الانسدادي القائل بالحكومة ، وقد تقدم تقريبه بقولنا : «وأمّا الوجه الثاني فحاصله : أنّه بعد الغض ... إلخ».

(٣) هذا الضمير وضمائر «عليه ، غيره ، مثله» راجعة إلى المجتهد الّذي انسدّ عليه باب العلم والعلمي ، والمراد بالغير هو الجاهل ، وقوله : «على غيره» متعلق بـ «حجية الظن».

(٤) بيان لـ «دليل آخر» وذلك الدليل الآخر منحصر في دليلين مفقودين في المقام ، أحدهما : الإجماع على جواز رجوع الجاهل إلى المجتهد مطلقا انفتاحيا كان أم انسداديا.

ثانيهما : جريان مقدمات دليل انسداد آخر في حق المقلد ـ غير ما تجري في حق نفس المجتهد الانسدادي ـ بأن يقال : العلم الإجمالي بثبوت تكاليف فعلية موجود ، وباب العلم والعلمي بها مسند ، وإهمالها غير جائز ، والاحتياط باطل أو غير لازم ، ولا يجوز إجراء الأصول النافية للتكليف ، وترجيح المرجوح على الراجح قبيح ، فتنتج اعتبار الظن الحاصل بالأحكام من رأي المجتهد الانسدادي. وكلا الوجهين ممنوع ، لما سيأتي.

(٥) أمّا دليل التقليد فلدلالته على رجوع الجاهل إلى العالم خاصة ، والانسدادي غير عالم. وأمّا دليل الانسداد الجاري في حق المجتهد فلاقتضائه حجية الظن لخصوص المجتهد لا كل أحد.

٣٨٨

المجتهد من (١) إجماع ، أو جريان مقدمات دليل الانسداد في حقّه ، بحيث تكون منتجة لحجية [بحجية] الظن الثابت حجيته بمقدماته له (٢) أيضا.

ولا مجال (٣) لدعوى الإجماع. ومقدماته (٤) كذلك غير جارية في حقه (٥) ،

______________________________________________________

(١) بيان لقوله : «دليل آخر» يعني : أنّ ذلك الدليل الآخر لا بد أن يكون هو الإجماع أو مقدمات انسداد آخر غير ما يجري في حق المجتهد. وقد تقدم تقريب الوجهين.

(٢) أي : للغير ، يعني : كما أنّ مقتضى دليل الانسداد ـ الّذي يتمسك به المجتهد ـ هو حجية الظن في عمل نفسه ، كذلك يقتضي دليل الانسداد ـ الّذي يتمسك به المقلّد ـ حجية ظن المجتهد للغير.

(٣) هذا شروع في ردّ الوجهين اللذين قد يتمسّك بهما لإثبات حجية ظن المجتهد الانسدادي القائل بالحكومة على الجاهل. أمّا الوجه الأوّل وهو الإجماع فيندفع بعدم تحققه ، لكون مسألة الانسداد من المسائل المستحدثة ، فدعوى الإجماع فيها غير مسموعة.

وأمّا الثّاني ـ وهو دليل الانسداد ـ فيندفع بعدم تمامية المقدمات في حق الجاهل ، لأنّ المقدمة الرابعة من مقدماته هي بطلان كل من التقليد والاحتياط ، ومن المعلوم عدم بطلان التقليد في حق الجاهل إن كان هناك مجتهد انفتاحي ، فلا تصل النوبة إلى حجية الظن في حقه. ولو فرض انحصار المجتهد في الانسدادي لم يتعيّن على العامي تقليد المجتهد الانسدادي ، فإنّ التقليد وإن كان باطلا لعدم إمكانه حسب الفرض ، إلّا أنّ بطلان الاحتياط غير معلوم ، فعلى هذا الجاهل أن يحتاط إن لم يلزم منه اختلال النظام وإن لزم منه العسر ، ولو نفي وجوب الاحتياط العسري بحكومة دليل نفي الحرج على دليل الانسداد المقتضي للاحتياط اقتصر على الاحتياط غير المستلزم للعسر.

(٤) هذا ردّ للوجه الثاني وهو تمسّك العامي في جواز تقليده للانسدادي بدليل الانسداد ، يعني : ومقدمات الانسداد ـ بحيث تنتج حجية الظن للجاهل كحجيته للمجتهد ـ غير جارية.

(٥) أي : في حق الغير وهو الجاهل.

٣٨٩

لعدم (١) انحصار المجتهد به (٢) ، أو (٣) عدم لزوم محذور عقلي من عمله بالاحتياط وإن (٤) لزم منه العسر إذا لم يكن له سبيل إلى إثبات عدم وجوبه مع عسرة (٥).

نعم (٦) لو جرت المقدمات

______________________________________________________

(١) تعليل لقوله : «غير جارية» والوجه في عدم جريانها ما عرفته من أنّ المقدمة الرابعة من دليل الانسداد هي : «بطلان العمل بالاحتياط وتقليد العالم ، والرجوع إلى الأصل العملي في كل مسألة» وهذه المقدمة غير ثابتة هنا ، أمّا بطلان التقليد فيندفع بإمكانه ، لعدم انحصار المجتهد بالانسدادي. وأمّا بطلان الاحتياط فيندفع بجوازه ما لم يلزم الاختلال أو العسر.

(٢) أي : بالمجتهد الانسدادي.

(٣) معطوف على «عدم انحصار» وهذا ردّ للشق الآخر وهو بطلان الاحتياط الّذي لا بد من إثباته في المقدمة الرابعة ، وقد عرفت توضيحه ، وأنّ الاحتياط لازم على هذا الجاهل ما لم يترتّب عليه محذور عقلي وهو اختلال المعاش ، أو محذور شرعي وهو العسر بناء على حكومة قاعدة نفي الحرج على الاحتياط المستلزم للعسر.

(٤) وصلية ، يعني : يجب على الجاهل الاحتياط حتى إذا استلزم العسر ، إلّا أن يريح نفسه من الاحتياط العسري بنفيه بقاعدة الحرج.

(٥) هذا الضمير وضميرا «منه ، وجوبه» راجعة إلى الاحتياط ، وضميرا «عمله ، له» راجعان إلى غير المجتهد ، وهو الجاهل.

(٦) استدراك على قوله في الوجه الثاني على بطلان تقليد الانسدادي : «غير جارية في حقه» وهذا بيان لصورة أخرى وليس تقييدا في كلامه المتقدم من عدم جريان مقدمات الانسداد. وحاصل ما أفاده : أنّه إذا انحصر المجتهد بالانسدادي وكان الاحتياط مخلا بالمعاش ، أو كان مستلزما للعسر مع فرض إقامة الدليل على نفي الاحتياط العسري ، أمكن القول بجريان مقدمات الانسداد في حق الجاهل وإثبات جواز رجوعه إلى المجتهد الانسدادي ، فإنّه وإن لم يكن عالما بالأحكام ، لكنه عالم بكيفية العمل بها. إلّا

٣٩٠

كذلك (١) بأن (٢) انحصر المجتهد ، ولزم من الاحتياط المحذور (٣) ، أو لزم منه العسر مع التمكن من إبطال وجوبه (٤) حينئذ (٥) كانت (٦) منتجة لحجيته في حقه أيضا ، لكن دونه (٧) خرط القتاد. هذا (٨) على تقدير الحكومة.

وأما على تقدير الكشف وصحته ، فجواز الرجوع إليه في غاية الإشكال ، لعدم (٩) مساعدة أدلّة التقليد على جواز الرجوع إلى من اختصّ

______________________________________________________

أنّ هذا الفرض في نفسه بعيد ، لعدم انحصار المجتهد في عصر بالانسدادي حتى يبطل التقليد ، بل ومع بطلانه لا بد من الاحتياط المستلزم للعسر إلّا مع نفي وجوبه شرعا.

(١) أي : بحيث تنتج حجيّة الظن.

(٢) بيان لكون المقدمات منتجة لحجية الظن ، وانحصار المجتهد بالانسدادي ، وإشارة إلى بطلان التقليد.

(٣) وهو اختلال النظام ، فيبطل الاحتياط حينئذ.

(٤) هذا الضمير وضمير «منه» راجعان إلى الاحتياط.

(٥) أي : حين لزوم العسر.

(٦) جواب «لو جرت» أي : كانت المقدمات منتجة لحجية الظن في حق غير المجتهد كحجيته في حق المجتهد.

(٧) أي : لكن دون جريان المقدمات في هذا الفرض الأخير ـ المتقدم بقوله : «نعم ...» ـ خرط القتاد ، لعدم انحصار المجتهد بالانسدادي في شيء من الأعصار.

(٨) أي : ما تقدم من الوجهين على عدم جواز تقليد المجتهد الانسدادي إنّما هو بالنسبة إلى القائل بالحكومة. وأمّا القائل بالكشف فسيأتي الكلام فيه.

حكم تقليد المجتهد الانسدادي القائل بالكشف

(٩) منع المصنف من رجوع الجاهل إلى المجتهد الانسدادي القائل بالكشف بوجهين :

أحدهما : منع أصل القول بالكشف ، وأنّه لو تمّت المقدمات كانت مقتضية للقول بالحكومة ، وقد أفاد هذا الوجه بقوله بعد أسطر : «ولو سلم أن قضيتها» وكان الأنسب

٣٩١

حجية ظنه به (١). وقضية (٢) مقدمات الانسداد اختصاص حجية الظن بمن جرت في حقه دون غيره ، ولو (٣) سلّم أن قضيتها كون [يكون] الظن المطلق معتبرا شرعا كالظنون الخاصة (٤) التي دل الدليل على اعتبارها

______________________________________________________

تقديمه على الوجه الآخر.

ثانيهما : منع حجية الظن الحاصل للمجتهد الكشفي على الجاهل ، وهذا الوجه هو الوجه الثاني المتقدم في القول بالحكومة بقوله : «وقضية مقدمات الانسداد» وقد أشار إليه في المتن بقوله : «لعدم مساعدة» وحاصله : اختصاص حجية الظن ـ الثابت اعتباره بمقدمات الانسداد ـ بمن جرت في حقه وهو المجتهد ، لأنّه الموضوع لحجية هذا الظن ، فلا يمكن التعدي عنه إلى غيره. وعليه فلا يشمله دليل التقليد ، لاختصاص حجية هذا الظن بالمجتهد بمقتضى دليل الانسداد ، لأنّه الّذي انسدّ عليه باب العلم والعلمي ، وجرت في حقه المقدّمات ، وصار الظن بالأحكام حجة عليه ، ومن المعلوم أنّ هذا الدليل قاصر عن إثبات حجية الظن لغير المجتهد ، ودليل جواز التقليد أو وجوبه لا يجبر هذا القصور ، لأنّ الدليل يثبت الحكم دون الموضوع ، ضرورة أنّ الكبرى لا تصلح لإثبات الصغرى كما لا يخفى.

(١) الضمير راجع إلى «من الموصول» المراد به المجتهد ، وضمير «ظنه» راجع إلى الانسداد ، أي : اختصّ حجية الظن الانسدادي بالمجتهد الانسدادي.

(٢) الأولى أن يقال : «كما هو قضية مقدمات الانسداد» لأنّ هذه الجملة تكون في مقام إثبات الاختصاص الّذي هو علّة لعدم مساعدة أدلّة التقليد. إلّا أن يجعل الواو حالية ، فتشعر بالعلية حينئذ. وضميرا «حقه ، غيره» راجعان إلى المجتهد.

(٣) كلمة «لو» وصلية ، وهذا إشارة إلى ضعف القول بالكشف ، وقد سبق في مباحث الانسداد أنّه لو فرض تمامية مقدمات الانسداد كان مقتضاها حجية الظن حكومة بمعنى التبعيض في الاحتياط دون الكشف.

(٤) في كونها طرقا قائمة على الأحكام الواقعية ومحرزة لها ، غاية الأمر أنّ الظنون الخاصة ـ كخبر الثقة والإجماع المنقول ـ صارت حجة بعناوينها ، والظن الانسدادي صار

٣٩٢

بالخصوص ، فتأمّل (١).

إن قلت (٢) : حجية الشيء شرعا مطلقا (٣) لا توجب القطع

______________________________________________________

حجة لا بعنوان خاص ، بل بعنوان عام منطبق على جميع الأمارات الظنية.

(١) لعله إشارة إلى : أنّه بعد البناء على الكشف يكون الظن المطلق كالظن الخاصّ محرزا للواقع ، ولا يختص حينئذ اعتبار كشفه بالمجتهد ، بل بمقتضى أدلّة التقليد يصير حجة في حق غيره أيضا.

لكن فيه منع ، ضرورة وضوح الفرق بين الظن الخاصّ وبين الظن المطلق ، حيث إنّ دليل اعتبار الظن الخاصّ مطلق كآية النبأ ، فإنّها على تقدير دلالتها على حجية خبر العادل لا تدل على تقيد حجيته بقيد وبشخص دون شخص ، وهذا بخلاف الظن المطلق ، فإنّ حجيته منوطة بالانسداد المتوقف على مقدمات ، فمن تمت عنده هذه المقدمات يثبت له اعتبار الظن ، دون من لم تتم له كالعامي ، لما عرفت من عدم تمامية مقدمات الانسداد عنده ، فتدبر.

(٢) غرض هذا المستشكل الإشكال على جواز الرجوع إلى المجتهد الانفتاحي أيضا بناء على مختار المصنف في حجية الأمارات غير العلمية من التنجيز والتعذير ، كعدم جواز الرجوع إلى الانسدادي ، وحاصل الإشكال : أنّ حجية الظنون الخاصة لا تقتضي العلم بالواقع حتى يصدق على المجتهد الانفتاحي «العارف بالأحكام» كي يكون موضوعا لدليل جواز التقليد ، كما لا تقتضي العلم بالحكم الظاهري ، لأنّ التحقيق عند المصنف وغيره هو عدم جعل الحكم الظاهري في موارد الأمارات ، غاية الأمر أنّ العقل يحكم بتنجز الواقع عند الإصابة والعذر عند عدمها ، فليس في البين حكم ظاهري حتى يكون المجتهد عالما بالحكم الظاهري الفعلي.

وعليه فالمجتهد الانفتاحي كالانسدادي غير عالم بالأحكام ، فالرجوع إليه يكون من رجوع الجاهل إلى الجاهل ، ولازمه انسداد باب التقليد رأسا ، فلا وجه للتفصيل في جواز الرجوع إلى المجتهد بين الانفتاحي والانسدادي ، إذ لا يجوز الرجوع إليه مطلقا بناء على مختار المصنف في حجية الأمارات.

(٣) يعني : سواء كان في حال الانفتاح أم الانسداد ، وهذا قيد لـ «حجية الشيء».

٣٩٣

بما أدّى (١) إليه من الحكم ولو ظاهرا كما مرّ تحقيقه (٢) ، وأنّه (٣) ليس أثره إلّا تنجز الواقع مع الإصابة والعذر (٤) مع عدمها ، فيكون رجوعه (٥) إليه مع انفتاح باب العلمي عليه أيضا (٦) رجوعا إلى الجاهل فضلا عمّا إذا انسدّ عليه (٧).

قلت (٨) :

______________________________________________________

(١) فاعله ضمير راجع إلى «الشيء» وضمير «إليه» راجع إلى الموصول ، والمعنى : أنّ حجية الأمارة لا توجب القطع بالمؤدّى وهو الحكم الشرعي لا واقعا ولا ظاهرا ، لما عرفت.

(٢) متعلق بقوله : «لا توجب» وقد تقدم في أوائل بحث الأمارات التصريح به حيث قال : «لأن التعبد بطريق غير علمي إنّما هو بجعل حجيته ، والحجية المجعولة غير مستتبعة لإنشاء أحكام تكليفية بحسب ما أدّى إليه الطريق ، بل إنما تكون موجبة لتنجز التكليف به إذا أصاب ، وصحة الاعتذار به إذا أخطأ ...» وهو عدول عما تقدم منه في مباحث القطع من دعوى التنزيل وجعل الحكم الظاهري.

(٣) معطوف على «تحقيقه» وضمير «انه» للشأن ، وضمير «أثره» راجع إلى «حجية الشيء» فالأولى تأنيث الضمير. وكيف كان فهذا معنى الحجية الذاتيّة وهي العلم ، وهذه الجملة مبيّنة لقوله : كما مرّ تحقيقه.

(٤) معطوف على «تنجز الواقع» وضمير «عدمها» راجع إلى «الإصابة».

(٥) يعني : فيكون رجوع غير المجتهد إلى المجتهد الانفتاحي كرجوعه إلى المجتهد الانسدادي في كونه من رجوع الجاهل إلى الجاهل.

(٦) يعني : كما إذا انسدّ عليه باب العلم والعلمي.

(٧) في أنّه جاهل بالواقع قطعا ، لاعترافه بانسداد باب العلم والعلمي عليه ، والظاهر أنّه لا حاجة إلى هذه الجملة ، إذ تمام المقصود اشتراك الانفتاحي والانسدادي في الجهل بالحكم واقعا وظاهرا.

(٨) هذا دفع الإشكال ، وحاصله : أن مقتضى الحجية وإن كان هو التنجيز والتعذير

٣٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

لا جعل الحكم المماثل ، إلّا أنّه فرق بين الانسدادي والانفتاحي. أمّا بناء على تقرير المقدّمات على الحكومة فحيث إنّ الظن ليس حجة من قبل الشارع ، وإنما هي حكم العقل بكفاية الإطاعة الظنيّة ، فليس هذا الانسدادي عالما بحكم حتى يكون رجوع الجاهل إليه رجوعا إلى العالم.

وأمّا بناء على تقرير المقدمات على نحو الكشف ، فالظن المطلق بالحكم وإن كان حجة شرعا ، ومقتضى هذه الحجية جعل الحكم المماثل على طبق المظنون ، فالمجتهد الانسدادي على الكشف عالم بالوظيفة الفعلية ، لأنّ حجية الظن في حقه قطعيّة ، ولازمه جواز رجوع الجاهل إليه ، لكونه عالما بالوظيفة الفعلية ، إلّا أنّ المانع من جواز تقليده هو اختصاص حجية الظن المطلق بالحكم الشرعي بمن حصل له الظن وهو المجتهد فقط ، إذ المفروض أنّ مقدمات الانسداد تمّت في حقه ، فهو المخاطب بلزوم متابعة الظن ، لا المقلّد ، لعدم التفاته إلى المقدمات وعدم تماميتها عنده.

وهذا بخلاف المجتهد الانفتاحي ، فإنّه يستنبط الأحكام من الأمارات المعتبرة بأدلّتها الخاصة كخبر الثقة وظواهر الألفاظ ، ومن المعلوم أنّ مثل الخبر لا يختص حجيته بالمجتهد ، فإن عمدة الدليل على اعتباره بناء العقلاء الممضى شرعا ، وهذا البناء لم يقيد بالمجتهد ، فخبر الثقة حجة في حق المجتهد والمقلد على السواء ، وإنّما يكون للمجتهد خصوصية الظفر بما هو حجة عليه وعلى مقلده ، فلا قصور من هذه الحيثية في أدلة التقليد عن شمولها لمثله. بخلاف الظن الانسدادي على الكشف ، فإنّه حجة على من حصل له الظن وهو المجتهد فقط.

والمتحصل : أن كون الحجية عند المصنف بمعنى المنجزية والمعذرية ـ لا جعل الحكم المماثل ـ لا ينافي جواز الرجوع إلى المجتهد الانفتاحي ، فإنّه عالم بحجية الأمارات ، والحجية حكم أصولي عام لا يختص بالمجتهد ، والمقلد إنّما يرجع إليه لتمييز موارد قيام الحجة عن موارد عدم قيامها. وهذا بخلاف الظن الانسدادي على الكشف ، فإنّ الظن وإن كان حجة شرعا ، وهو عالم بالحكم الظاهري ، إلّا أنه مع ذلك لا يجوز تقليده (*).

__________________

(*) هذا ما أفاده المحقق الأصفهاني في تحقيق مراد المصنف «قدهما» بتوضيح منّا.

٣٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

وقد أوضح المحقق المشكيني «قده» كلام الماتن بقوله : «وحاصله : منع كون موضوع الأدلّة العالم بالحكم الفرعي ، بل مطلق العالم بالحكم فرعيّا أو أصوليّا ، وفي الفرض يكون الثاني محقّقا ...» (١).

والظاهر عدم وفاء هذا البيان بما رامه المصنف «قده» لوجهين :

أحدهما : أنّ مجرّد علم المجتهد بالحكم الأصولي ـ أي الحجية ـ لا يوجب أهليّته لرجوع العامي إليه ما لم تكن حجية الأمارات شاملة له أيضا ، إذ بدون هذه الضميمة لا ينفع العلم بالحكم الأصولي إلّا لصحّة عمل المجتهد ، ولا كلام فيه ، والإشكال كلّه في جواز رجوع العامي إليه ، وهو لا يندفع إلّا بما أفاده المحقق الأصفهاني «قده» من عدم اختصاص أدلة حجية الأمارات بالمجتهد ، بل تعمّ المقلّد أيضا وإن لم يكن المقلّد أهلا للاستفادة منها.

ثانيهما : أنّ مقصود المصنف من قوله : «قلت : نعم ...» إبداء الفرق بين المجتهد الانفتاحي والانسدادي الكشفي ، ولو كان مقصوده كفاية علم المجتهد بالحكم الأصولي في صحة رجوع العامي إليه لا تنقض بأنّ الانسدادي ـ على الكشف ـ له الحجة الشرعية على الحكم ، ومقتضاها علمه بالحكم الظاهري ، وحينئذ فهو أولى بالرجوع إليه من المجتهد الانفتاحي الّذي لا علم له بالحكم لا واقعا ولا ظاهرا. ولا يندفع هذا الإشكال إلّا بما تقدّم من أنّ علم الانسدادي بالحكم الظاهري مختص به ، بخلاف علم الانفتاحي بحجية الحجج ، فإنّه يعمّ المقلّد أيضا.

وكيف كان فقد أورد المحقق الأصفهاني على الماتن بالنقض والحل ، قال : «والجواب ـ بعد النقض بالاستصحاب المتقوّم باليقين والشك القائمين بالمجتهد مع انه لم يستشكل فيه ـ هو : أنّ المقدمات تقتضي حجية الظن المتعلّق بالحكم ، فإذا تعلّق الظنّ بحكم الغير وكان على طبقه حكم مماثل مجعول ، فلا مانع من شمول أدلة التقليد له ، ومع تماميّة المقدمات بالإضافة إلى هذا الظن لا موجب لعدم حجيّته ، والاقتصار على الظن المتعلّق بحكم نفسه ملاحظة قيام الظن به ، فإنّ قيامه به لا يقتضي عدم كونه حجة على حكم الله تعالى في حق الغير» (٢).

أقول : يبتني هذا الإشكال على دخل مقدمات الانسداد في حجية الظن كشفا بنحو الحيثية التعليليّة ، إذ عليه يمكن تسريتها إلى المقلّد بمعونة أدلة التقليد ، وأمّا إذا كانت دخيلة فيه بنحو الحيثية التقييدية فاللازم الاقتصار في حجية الظن كشفا على من تمت المقدمات عنده ، ولا تجدي أدلة

__________________

(١) كفاية الأصول المحشّاة بحاشية المحقق المشكيني ، ٢ ـ ٤٢٥

(٢) نهاية الدراية ، ٣ ـ ١٩٣

٣٩٦

نعم (١) ، إلّا أنّه (٢) عالم بموارد قيام الحجة الشرعية على الأحكام (٣) (*) ،

______________________________________________________

(١) يعني : أنّ مقتضى حجية الأمارات غير العلمية عند المجتهد الانفتاحي وإن لم يكن هو العلم بالحكم ولو ظاهرا ، إذ الحجية فيها كحجية القطع بمعنى التنجيز والتعذير ، لا بمعنى جعل المماثل ، إلّا أنّه يوجد فرق بين الانفتاحي والانسدادي ، وهو علم الانفتاحي بموارد قيام الحجية على الأحكام ، ويصدق «العارف بالأحكام» على العالم بنفس الأحكام ، وعلى العالم بموارد قيام الحجة على الأحكام ، والمفروض أنّ الانسدادي يختص ظنه بالحكم الشرعي بنفسه ، لاستناده إلى المقدمات الجارية في حقه فقط.

(٢) أي : أن المجتهد الّذي يرى انفتاح باب العلم أو العلمي عالم بالحكم الأصولي ، وهو حجية الحجج الشرعية على الأحكام ، ويكون رجوع الجاهل إلى المجتهد الانفتاحي من رجوع الجاهل إلى العالم ، للتوسعة في «العالم والعارف» بإرادة الأعم من العارف بنفس الحكم الفرعي كوجوب جلسة الاستراحة ، ومن العارف بحجية خبر الثقة وظواهر الألفاظ الدالة على الحكم الشرعي.

(٣) والمفروض أن الحجة الشرعية على الأحكام لا تختص حجيتها بنفس المجتهد ، بل تعم المقلد. ولا بد من هذه التتمة حتى يصح مقابلته بالانسدادي الكشفي الّذي يختص حجية ظنه به ، ولو لا هذه الضميمة المستفادة من مبنى المصنّف في مسألة حجية الخبر لا يكون الجواب وافيا بدفع الإشكال.

__________________

التقليد في تسرية حجية ظنون المجتهد إلى المقلّد. وظاهر قول المصنف قبل أسطر : «لعدم مساعدة أدلة التقليد على جواز الرجوع إلى من اختصّ حجية ظنّه به ، وقضية مقدمات الانسداد اختصاص حجية الظن بمن جرت في حقه ، دون غيره» هو الثاني ، وعليه فيشكل تعميم حجية هذا الظن بأدلة التقليد ، لفرض دلالة المقدمات على قصر حجيته بمن قامت عنده خاصة.

نعم في كلام المصنف تأمّل آخر سيأتي التعرّض له «إن شاء الله تعالى».

(*) هذا متين ، إذ لا ريب في أن المجتهد الانفتاحي عالم بموارد قيام الحجة على الأحكام الشرعية ، إلّا أنه لا تصل النوبة إلى هذا التوجيه بعد إطلاق «معرفة الأحكام» على استفادة الحكم الشرعي من الطرق المتعارفة كخبر الثقة وظواهر الألفاظ ، فإنّ هذا الإطلاق يشهد بأنّ المعرفة

٣٩٧

فيكون من رجوع الجاهل إلى العالم.

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

المطلوبة من مثل مقبولة عمر بن حنظلة ليست إلّا إحراز الحكم من الأمارات المتداولة بأيدينا ، ففي رواية عبد الأعلى مولى آل سام قال عليه‌السلام : «يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله» مع وضوح عدم صراحة آية نفي الحرج في بدليّة المسح على المرارة عن مسح بشرة ظاهر القدم ، وإنما هو أخذ بظاهر الكتاب العزيز.

وفي رواية داود بن فرقد : «أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا» لعدم كون المقصود معرفة كلامهم المسموع منهم عليهم‌السلام بلا واسطة ، إذا لا خصوصية في حضور مجلس المخاطبة ، فالمراد الوصول إلى مغزى كلامهم عليهم‌السلام ، وهو منوط بوثاقة المخبر وظهور الهيئة التركيبية في المضمون الّذي أرادوا بيانه. فأطلق عليه‌السلام «معرفة الكلام» على مجرّد الاعتماد على خبر الثقة وظاهر اللفظ ، ومن المعلوم أنّه لا يكون في حجية الظاهر ـ بل وفي الخبر ـ بسيرة العقلاء إنشاء حكم مماثل حتى يكون الفقيه قاطعا بالحكم الفعلي المماثل لما أدّى إليه خبر الثقة ، وإنّما يكون عملهم بمثل خبر الثقة وظواهر الألفاظ لمجرّد الطريقية والكشف النوعيّ عن الواقع.

وعليه فحيث إنّ المجتهد الانفتاحي يعتمد في جلّ استنباطاته على أخبار الآحاد وظواهر الألفاظ فلا مانع من إطلاق «العارف بالاحكام» عليه حقيقة ، لا تخصيص المعرفة بموارد إحراز الواقع بالقطع ثم تعميمه لمن يعرف موارد الطرق على الأحكام.

وقد يقال : إنّ ظاهر الخبرين المتقدّمين وغيرهما صحة إطلاق المعرفة على مطلق الحجة القاطعة للعذر ، لأنّ حجية الظاهر ببناء العرف ليست بمعنى جعل الحكم المماثل حتى يتحقق هناك العلم الحقيقي بالحكم الفعلي الظاهري ، بل بمعنى تنجز الواقع به ، وصحة المؤاخذة على مخالفته. وهكذا الأمر في حجية الخبر ببناء العقلاء ، فإنّه ليس منهم إلّا صحة الاحتجاج به لا جعل الحكم المماثل. ومنه يتبيّن أنّ المعرفة في قوله عليه‌السلام : «وعرف أحكامنا» بعد قوله عليه‌السلام : «روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا» تكون باعتبار منجزية الخبر بسنده ودلالته للواقع ، فهو عارف بالأحكام ، لقيام الحجة سندا ودلالة عنده على الأحكام.

بل الظاهر من آية السؤال من أهل الذّكر هو الأمر بالسؤال للعلم بالجواب ، لا للعلم بالواقع ، وليس صدق العلم على الجواب إلّا باعتبار حجيته سندا ودلالة ، فالمعلوم بالجواب هو ما سأل عنه لا الحكم المماثل له ، ولذا تكون الآية دليل حجية الفتوى والرواية. وعليه فالمراد بالحكم ومعرفته قيام

٣٩٨

إن قلت (١) :

______________________________________________________

(١) هذا إشكال آخر على جواز تقليد المجتهد الانفتاحي ، ومحصله : عدم جواز

__________________

الحجة القاطعة للعذر عليه سواء كانت حجة من قبلهم عليهم‌السلام أو من العرف أو من العقلاء (١).

لكن يمكن أن يقال : إنّ إطلاق المعرفة على استفادة الحكم من الخبر والظاهر وإن كان صحيحا ، إلّا أنّه ليس بمناط قطع العذر حتى يتعدّى منهما إلى كل حجة عقلية أو شرعية منجّزة للواقع أو معذّرة عنه ، بل بمناط طريقيتها النوعية والكشف الغالبي عن الواقع ، فإنّ عمدة الدليل على اعتبار ظواهر الألفاظ والخبر هي السيرة الممضاة ، ومن المعلوم أنّ عمل العقلاء بظاهر الكلام إنّما هو لحكايته عن المراد الجدّي عند عدم نصب قرينة على خلافه ، فحيثية الكشف عن الواقع ملحوظة في عملهم بظاهر الكلام قطعا ، ولأجلها يصح الاحتجاج به تنجيزا وتعذيرا ، فصحة الاحتجاج به متفرعة على طريقيته للواقع ، وليست مجرّدة عنها حتى يتعدّى إلى كل حجة قاطعة للعذر.

وكذا الحال في بنائهم على العمل بخبر الثقة ، فإنّه بنظرهم طريق إلى الواقع وكاشف عنه. والأخبار الإرجاعية التي هي إمضاء لهذا البناء العقلائي وافية بهذا المعنى ، ففي سؤال عبد العزيز بن المهتدي عن الرضا عليه‌السلام : «أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه معالم ديني؟» يكون المقصود منه الوصول إلى نفس الأحكام الواقعية التي يخبر بها يونس عن الإمام المعصوم عليه‌السلام ، فإنّ معالم الدين لا تنطبق على إخبار يونس بشيء ليس من الدين بمجرد كونه معذّرا عنه ، للفرق بين السؤال عن معالم الدين وبين ما يكون معذرا عنه.

وعليه فلا سبيل للتعدي عن ظهور «عرف أحكامنا» إلى كل حجة قاطعة للعذر حتى الظن الانسدادي على الحكومة.

نعم لا بد من الأخذ بعموم «أحكامنا» بإرادة الأعم من الحكم الظاهري والواقعي ، فالإفتاء بأحد الخبرين المتعارضين اعتمادا على أدلة التخيير معرفة بالحكم الظاهري ، وكذا في موارد الأصول العملية.

والمتحصل : أنّه كما لا حاجة إلى تكلف إرادة العلم بموارد قيام الحجة على أحكامهم من العلم بها ، كذلك لا موجب لحمل المعرفة على مطلق الحجة القاطعة للعذر حتى إذا كان فاقدا لحيثية الكشف عن الواقع.

__________________

(١) نهاية الدراية ، ٣ ـ ١٩٢

٣٩٩

رجوعه (١) إليه في موارد فقد الأمارة المعتبرة عنده (٢) التي يكون المرجع فيها الأصول العقلية ليس إلّا الرجوع إلى الجاهل.

قلت (٣) :

______________________________________________________

الرجوع إلى المجتهد الانفتاحي في موارد فقد الحجج الشرعية من الأمارات والأصول ، إذ المرجع حينئذ هو الأصول العقلية ، فليس المجتهد حينئذ عالما بحكم شرعي لا فرعي ولا أصولي ، حتى يكون رجوع العامي إليه من رجوع الجاهل إلى العالم.

وعليه ففي مسألة رجوع العامي إلى المجتهد المطلق الانفتاحي لا بدّ من التفصيل بين الأحكام الشرعية التي يستند المجتهد فيها إلى دليل شرعي وبين ما يستند فيها إلى حكم عقلي ، بالجواز في الأوّل والمنع في الثاني ، لا الحكم بالجواز في مطلق ما يفتي به الانفتاحي. مثلا في موارد العلم الإجمالي لمّا كان الاحتياط ـ بالجمع بين الأطراف فعلا أو تركا ـ بحكم العقل بدفع الضرر المحتمل ، فلا مورد للتقليد فيها ، كالصلاة في الثوبين المشتبه طاهرهما بمتنجسهما ، وكالاجتناب عن الإناءين المعلوم نجاسة أحدهما ، ونحو ذلك.

(١) مبتدأ خبره «ليس إلّا» يعني : أن رجوع غير المجتهد ـ وهو الجاهل ـ إلى المجتهد الانفتاحي في موارد الأصول العقلية يكون من رجوع الجاهل إلى الجاهل ، فإنّ المجتهد الانفتاحي جاهل بالحكم الشرعي أيضا ، ولذا اعتمد على المنجّز والمعذّر العقلي.

(٢) أي : عند المجتهد الانفتاحي. واللازم إضافة «الأصل الشرعي» إلى «الأمارة المعتبرة» إذ لا تصل النوبة إلى الأصل العقلي بمجرد فقد الأمارة ، بل لا بد من فقد الأصل الشرعي أيضا من استصحاب وبراءة. وجملة «التي يكون ...» نعت لـ «موارد».

(٣) هذا دفع الإشكال ، وحاصله : أنّ رجوع الجاهل إلى المجتهد الانفتاحي في موارد فقد الأمارة والأصل الشرعي ليس إلّا من جهة علم المجتهد بموارد فقد الحجة الشرعية ، لعجز الجاهل عن تمييز موارد وجود الحجة عن موارد عدمها ، وبعد اطّلاع الجاهل على تلك الموارد ـ التي ليست فيها حجة شرعية ـ يعمل على طبق ما يستقل به عقله ، وإن كان على خلاف ما ذهب إليه مجتهده. مثلا إذا علم إجمالا بوجوب صلاة قبل صلاة العصر في يوم الجمعة مردّدة بين أربع ركعات ، وركعتين وخطبتين ، وفرض عدم استظهار وجوب

٤٠٠