منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٨

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٨

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: نمونه
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

وأما الوجه الثاني : فالظاهر عدم تأثيره في انقلاب النسبة بين مطلقات التخيير والتوقف ، إذ الغرض المهم للميرزا «قده» إثبات عدم العمل بأخبار التخيير في زمن الحضور ، وهذا لا يختلف الحال فيه بين سقوط أخبار التخيير في حال الحضور بمعارضتها بمقيدات أخبار الوقوف ، ثم دعوى إعراض الأصحاب عن العمل بأخبار التخيير في عصر الحضور ، وبين إسقاط مقيدات أخبار التخيير بالإعراض ، ثم تخصيص أخبار التخيير المطلقة بأخبار التوقف في زمان الحضور كي يتجه انقلاب النسبة بين مطلقات التخيير بعد التخصيص وبين مطلقات الوقوف.

وكيف كان فلا يخلو الجمع الّذي أفاده المحقق النائيني «قده» من تأمل.

أما أوّلا : فلأنّ خبر الحارث بن المغيرة الّذي جعله الميرزا «قده» دالّا على التخيير في زمان التمكن من الوصول إليهم عليهم‌السلام يكون أدلّ على جعل التخيير مطلقا ، كما استظهره المحقق العراقي من دلالته على جعل التخيير في زمان التمكن (١) ، فإنّ التحديد في قوله عليه‌السلام : «حتى ترى القائم» كناية عن مرور الأزمنة السابقة على زمان التمكن من الوصول إلى الحجة عليه‌السلام ، وهذا المضمون لو لم يختص بزمان الغيبة فلا أقل من شموله له ، لوضوح الفرق بين تحديد الحكم بمثل قوله عليه‌السلام : «حتى ترى إمامك» وبين تحديده برؤيته عليه‌السلام ، لظهور الأوّل في اختصاص الحكم بزمان الحضور والتمكن من لقاء الإمام عليه‌السلام ، وهذا بخلاف التحديد برؤية الحجة عليه‌السلام ، الظاهر في جعل الوظيفة في حال الغيبة ، ولا أقل من إطلاقه لزماني الحضور والغيبة ، إذ لا خصوصية لزمان الحضور ، وإنّما المدار على التمكن من الوصول إلى الإمام عليه‌السلام وعدم التمكن منه.

وأما ما دل على التوقف مطلقا فإما أن يراد به الإطلاقات الآمرة بالوقوف عند كل شبهة سواء أكان منشؤها تعارض الروايات أم غيرها ، وإمّا مكاتبة محمد بن علي بن عيسى. فإن أريد بها الإطلاقات فالجواب : أنها كما تقدم في بحث البراءة قاصرة عن إفادة الحكم المولوي ، لكونها إرشادا إلى موارد تنجيز التكليف بالعلم الإجمالي أو بالاحتمال ، ومن المعلوم أنها لا تصلح للمعارضة مع ما دلّ على التخيير.

ولو سلِّم دلالتها على الحكم المولوي كانت مخصّصة بأخبار التخيير أو محكومة بها. أمّا التخصيص فلأنه جمع عرفي بين ما دلّ على لزوم التوقف عند كل شبهة مهما كان منشؤها ، وبين ما دلّ على التخيير في الشبهة الناشئة من تعارض الخبرين.

وأمّا الحكومة فلأنّ التوقف منوط بتحقق موضوعه أعني الشبهة «وعدم وجود الدليل ، الزائل

__________________

(١) نهاية الأفكار ٤ ـ ٤٢٨

١٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

حكما أو حقيقة بأخبار التخيير الدالة على حجية أحد المتعارضين كأخبار الترجيح من غير فرق بينهما» (١)

وبعبارة أخرى : مورد الأمر بالتوقف هو صورة فقد الحجة وعدم الطريق إلى الواقع ، ومفاد أخبار التخيير إثبات الحجة ، فيرتفع به موضوع الأمر بالتوقف.

وإن أريد به المكاتبة ، فالجواب منع دلالتها على التوقف المطلق ، لظهور قوله عليه‌السلام : «وما لم تعلموا فردّوه إلينا» في الردّ إلى الإمام الموجود في زمان وصول الخبرين المتعارضين إلى السائل ، فيرجع إليه لرفع الشبهة. وهذا غير الرد إلى الله ورسوله الوارد في بعض الأخبار ، فإنّ المقصود منه التوقف عن ردّ الخبرين وطرحهما وإيكال البيان إلى الرسول والإمام عليهما‌السلام.

نعم يمكن تقريب دلالة المقبولة على وجوب التوقف حتى في عصر الغيبة بما سيأتي ، لكنه خلاف استظهار الميرزا «قده» من اختصاصها بزمان الحضور.

وحيث اتضح قصور الأخبار عن الدلالة على وجوب التوقف مطلقا فلا سبيل للجمع الّذي حققه «قدس‌سره».

وأما ثانيا : فلأنّه بناء على دلالة خبر الحارث بن المغيرة على التخيير في زمن الحضور خاصة يقع التعارض بالتباين بينه وبين مقبولة عمر بن حنظلة ، وبعد تساقطهما ينتهي الأمر إلى مطلقات الوقوف والتخيير ، لسلامتها عن المقيد ، فيقع بينهما التعارض بالتباين. ولازمه التساقط والرجوع إلى الأصل العملي.

وما أفاده في التقرير من «عدم أهمية حكم التعارض في عصر الحضور وعدم إحراز العمل بأخبار التخيير فيه» ممنوع ، فإنّه وإن لم يهمّنا تعيين وظيفة المكلّفين في عصر الحضور ، إلّا أن الكلام في مفاد المقبولة وخبر الحارث ، وهما متعارضان بالتباين في تعيين الوظيفة بالنسبة إلى المكلفين المعاصرين للأئمة عليهم‌السلام ، ولازم تعارضهما تساقطهما. وأمّا عدم إحراز العمل بأخبار التخيير في زمان الحضور فهو خلاف ظاهر بعض أخباره في أن السؤال عن حكم التعارض كان من جهة ابتلاء السائل بالتردد في الحكم الواقعي لأجل تعارض الخبرين كما يستفاد من خبر الحسن بن الجهم وغيره ، ولازمه اعتماد السائل على التوسعة في الأخذ بأيّ منهما.

مضافا إلى : أن عدم العمل بأخبار التخيير لا يشهد بالإعراض عنها ، إذ لعلّه كان من جهة تفاضل الخبرين في المزايا وعدم تكافئهما من جميع الجهات.

والحاصل : أنه بعد تعارض المقيّدين وتساقطهما لا يبقى إلّا إطلاق الوقوف والتخيير ، ولا مجال

__________________

(١) بحر الفوائد ، ٤ ـ ٣١

١٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

لانقلاب النسبة بينهما من العموم من وجه ـ أو التباين ـ إلى العموم المطلق حتى يكون نتيجة التقييد القول بالوقوف في عصر الحضور وبالتخيير في عصر الغيبة. مع أن مبنى الانقلاب لم يلتزم به الكل ـ كما سيأتي ـ حتى يتم به توجيه فتوى المشهور.

فالتحقيق أن يقال : بتقديم أخبار التخيير بعد تمامية دلالتها على التخيير مطلقا في عصر الحضور والغيبة ، ولا يعارضها شيء من أخبار الوقوف إلّا المقبولة ، وهي ـ كما تقدم ـ بقرينة مورد السؤال تكون كالنصّ في وجوب التوقف في موردها أعني تعارض الخبرين المتكافئين في المرجحات إذا كانت المسألة في باب الحكومة والقضاء.

وفي دلالتها على التوقف في عصر الغيبة أيضا حتى تعارض مطلقات التخيير تأمّل وإن ذهب المحقق الرشتي «قده» إلى التعميم بقوله : «أوّلا : بأنّ التحديد بلقاء الإمام عليه‌السلام أعم من صورة تمكن الوصول إليه وعدمها ، لأن كلمة ـ حتى ـ كما تدخل على الغاية الممكنة كذلك تدخل على الغاية الممتنعة كما في قوله تعالى : ـ حتى يلج الجمل في سمّ الخياط ـ فهذه الأخبار المحدودة بلقاء الإمام عليه‌السلام أيضا مطلقة من حيث إمكان الوصول وعدمه ، كما أن أخبار التخيير أيضا مطلقة من هذه الجهة ، فيكونان متباينين ، فيحتاج الجمع بينهما بحمل كل منهما على صورة معينة على شاهد. وثانيا : ان العبرة في مثل المقام بأعم العناوين لا بأخصّها ...» (١).

وكلا الوجهين لا يخلو من غموض ، أمّا الأوّل فلأن قياس «حتى تلقى إمامك» على الآية الشريفة غير ظاهر ، فإنّ مدخول «حتى» فيها وإن كان ممتنعا ، لكن ملاقاة الإمام عليه‌السلام ممكنة ، خصوصا بقرينة مورد السؤال ، إذ لا معنى لإيقاف الدعوى والمرافعة مدة مديدة ولو عشرات السنين حتى يتفق له الوصول إلى الإمام عليه‌السلام ، فإنّ هذا الإرجاء المديد غير مطلوب في باب القضاء ، كما أنّ التخيير في تعيين الحاكم غير مجعول.

إلّا أن يكون مورد المقبولة من باب التداعي كما رجحه المصنف في حاشية الرسائل كما سيأتي.

وعليه فنفس مورد سؤال عمر بن حنظلة قرينة على كون الأمر بالتوقف مخصوصا بزمان الحضور.

نعم لو كان الغاية كالتحديد في خبر الحارث من قوله عليه‌السلام «حتى ترى القائم» كانت كالنص في الأمر بالتوقف في عصر الغيبة بناء على اختصاص إطلاق هذا اللقب الشريف به عجل الله تعالى فرجه الشريف.

وأما الثاني : فقد عرفت حال الأدلة العامة على وجوب التوقف ، فلا نعيد.

__________________

(١) بدائع الأفكار ، ص ٤٢٢

١٢٣

ومنها (١) : ما دلّ على الترجيح بمزايا مخصوصة ومرجِّحات منصوصة

______________________________________________________

٤ ـ أخبار الترجيح

(١) أي : ومن طوائف الأخبار العلاجية ، وهذه هي الطائفة الرابعة الدالة على الترجيح بمزايا مخصوصة :

منها : مقبولة عمر بن حنظلة ، وقد رواها المشايخ الثلاثة «رضوان الله تعالى عليهم» على اختلاف يسير في بعض الفقرات ، والمتن المذكور هنا موافق لما في الكافي ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث ، فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة ، أيحلّ ذلك؟ قال عليه‌السلام : من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت ، وما يحكم له فإنما يأخذ سحتا وإن كان حقه ثابتا له ، لأنه أخذ بحكم الطاغوت ، وقد أمر الله أن يكفر به ، قال الله «تعالى» : يتحاكمون إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به.

قلت : فكيف يصنعان؟ قال : ينظران [إلى] من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما ، فإنّي قد جعلته عليكم حاكما ، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنّما استخف بحكم الله وعلينا ردّ ، والرادّ علينا الراد على الله ، وهو على حدّ الشرك بالله.

قلت : فإن كان كل رجل اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما واختلفا فيما حكما ، وكلاهما اختلفا في حديثكم ، قال : الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر.

قال : قلت : فإنّهما عدلان مرضيّان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على الآخر. قال فقال : ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الّذي حكما به المجمع عليه من أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الّذي ليس بمشهور عند أصحابك ، فإن المجمع عليه لا ريب فيه ، وإنّما الأمور ثلاثة : أمر بيِّن رشده فيتّبع ، وأمر بيِّن غيُّه فيجتنب ، وأمر مشكل يردُّ علمه إلى الله وإلى رسوله. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : حلال بيِّن وحرام بيِّن وشبهات بين ذلك ، فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم.

١٢٤

من مخالفة القوم ، وموافقة الكتاب والسنة ، والأعدلية ، والأصدقية ،

______________________________________________________

قال : قلت : فإن كان الخبران عنكما مشهورين قد رواهما الثقات عنكم. قال ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة وخالف العامّة فيؤخذ به ، ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة.

قلت : جعلت فداك ، أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة والآخر مخالفا لهم بأيِّ الخبرين يؤخذ؟ قال : ما خالف العامة ففيه الرشاد.

فقلت : جعلت فداك ، فإن وافقهم الخبران جميعا؟ قال : يُنظر إلى ما هم إليه أميل حكّامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر.

قلت : فإن وافق حكّامهم الخبرين جميعا؟ قال : إذا كان ذلك فأرجه حتى تلقى إمامك ، فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات» (١) ..

ومنها : ما ذكره ابن أبي جمهور الأحسائي في عوالي اللئالي بقوله : «وروى العلامة قُدِّست نفسه مرفوعا إلى زرارة : ، قال : سألت الباقر عليه‌السلام فقلت جعلت فداك : يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان فبأيِّهما آخذ؟ فقال عليه‌السلام : يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك ، ودع الشاذ النادر.

فقلت : يا سيّدي إنهما معا مشهوران مرويّان مأثوران عنكم ، فقال عليه‌السلام : خُذ بما يقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك.

فقلت : إنّهما معا عدلان مرضيّان موثقان ، فقال : انظر إلى ما وافق منهما مذهب العامة فاتركه ، وخُذ بما خالفهم ، فإنّ الحق فيما خالفهم.

فقلت : ربما كانا معا موافقين لهم أو مخالفين ، فكيف أصنع؟ فقال : إذن فخذ بما فيه الحائطة لدينك واترك ما خالف الاحتياط.

فقلت : إنّهما معا موافقين للاحتياط أو مخالفين له ، فكيف أصنع؟ فقال عليه‌السلام : إذن فتخيّر أحدهما فتأخذ به وتدع الآخر» (٢).

ومنها : ما يدل على التوقف فيما لم يكن أحدهما موافقا لكتاب الله ولا للسنة ، كما هو

__________________

(١) الكافي ، الأصول ، ج ١ ص ٦٧

(٢) عوالي اللئالي ج ٤ ص ١٣٣

١٢٥

والأفقهية ، والأورعية ، والأوثقية ، والشهرة ، على اختلافها (١) في الاقتصار على بعضها ، وفي الترتيب بينها (٢). ولأجل اختلاف الأخبار (٣) اختلفت

______________________________________________________

ظاهر رواية العيون عن الميثمي عن الرضا عليه‌السلام حيث قال في آخره : «وما لم تجدوه في شيء من هذه الوجوه فردّوا إلينا علمه فنحن أولى بذلك ، ولا تقولوا فيه بآرائكم ، وعليكم بالكف والتثبّت والوقوف وأنتم طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا» (١).

ومنها : ما يدل على عرضهما على كتاب الله والأخذ بما وافقه ، وإلّا فيعرضان على أخبار العامة فيؤخذ بما خالفهم (٢) ، كما في رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله التي رواها الراوندي في رسالته.

ومنها : غير ذلك مما ذكره شيخنا الأعظم «قده» في الرسائل.

(١) متعلق بـ «ما دلّ على الترجيح» والضمير راجع إلى «الأخبار» وقوله : «في الاقتصار» متعلق بـ «اختلافها» وغرضه : أن المرجحات التي تضمنتها الروايات مختلفة كمّا وكيفا. أما الكم فلاختلافها عددا ، حيث إن الترجيح بالاحتياط لم يذكر في الرواية المرويّة عن العيون ، وقد ذكر في المقبولة والمرفوعة ، وكذا اقتصر في جملة من الروايات على الترجيح بمخالفة العامة كخبر الحسن بن الجهم وغيره ، كما اقتصر في بعضها على الترجيح بموافقة الكتاب والسنة ومخالفة العامة.

والحاصل : أن اختلاف الأخبار العلاجية في مقدار المرجحات وعددها مما لا ريب فيه.

وأمّا الكيف فلاختلاف الأخبار في ترتيب الترجيح بتلك المزايا ، ففي بعضها كالمقبولة قدّم الترجيح بالشهرة على الترجيح بمخالفة العامة ، وفي المرفوعة قدّم الترجيح بمخالفة العامة على الترجيح بالشهرة. وكذا الترجيح بصفات الراوي مقدّم في المقبولة على الترجيح بالشهرة ، وفي المرفوعة بالعكس.

(٢) هذا الضمير وضمير «بعضها» راجعان إلى «مزايا مخصوصة» والمراد بالاقتصار والترتيب هو الكم والكيف اللذان ذكرناهما آنفا.

(٣) أي : اختلافها من حيث عدد المرجحات وترتيبها ـ كما عرفت ـ أوجب اختلاف

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٨ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث : ٢١ ، ص ٨١

(٢) الوسائل ، ١٨ ـ ٨٤ ، الحديث : ٢٩

١٢٦

الأنظار ، فمنهم من أوجب الترجيح بها (١) مقيّدين بأخباره (٢) إطلاقات التخيير ، وهم بين من اقتصر على الترجيح بها (٣) ، ومن (٤) تعدّى منها إلى سائر المزايا الموجبة لأقوائية ذي المزيّة وأقربيته (٥) كما صار إليه شيخنا العلامة أعلى الله مقامه (٦) ،

______________________________________________________

الأنظار وتشتت الأقوال.

أحدها : وجوب الترجيح بخصوص المزايا المنصوصة.

ثانيها : وجوب الترجيح بمطلق المزايا ـ وإن لم تكن منصوصة ـ الموجبة لقرب أحد الخبرين إلى الصدور أو الواقع.

ثالثها : وجوب الترجيح بكل مزية وإن لم توجب ظنا ولا قربا بأحدهما.

رابعها : التخيير مطلقا سواء كانا متكافئين في المزايا أم متفاضلين فيها.

(١) أي : بالأخبار الدالة على الترجيح بمرجحات مخصوصة.

(٢) أي : بأخبار الترجيح ، و «إطلاقات» مفعول «مقيّدين».

(٣) أي : بالمرجحات المنصوصة ، وهذا إشارة إلى القول الأوّل وهو وجوب الترجيح بالمزايا المنصوصة ، وحاصل استدلالهم على ذلك هو تقييد إطلاق ما دلّ على التخيير بين المتعارضين ـ الّذي هو جمع عرفي ـ بما دلّ على وجوب الترجيح بالمرجحات المخصوصة.

(٤) معطوف على «من اقتصر» وهذا إشارة إلى القول الثاني ، وهو الترجيح بكل مزية موجبة للأقربية إلى الصدور وإن لم تكن من المزايا المنصوصة ولم تكن أيضا موجبة للظن بالواقع ، فالأقوائية ، تكون بحسب الحجية والاعتبار ، لا بحسب الكشف عن الواقع والمطابقة له.

(٥) أي : وأقربيّة ذي المزية ، وضمير «منها» راجع إلى «المزايا».

(٦) وصاحبا القوانين والفصول ، قال في أواخر كتاب الفصول : «فصل : إذا تعارض الخبران المعتبران بحيث لا يمكن الجمع بينهما بوجه يساعد عليه أهل العرف عند عرضهما عليهم ، فإن كان لأحدهما رجحان على الآخر بأحد الوجوه المذكورة في الأخبار أو غيرها تعيّن الأخذ به وترك المرجوح».

١٢٧

أو المفيدة (١) للظن كما ربما يظهر من غيره (٢).

فالتحقيق (٣) أن يقال : إنّ أجمع خبر للمزايا المنصوصة في الأخبار هو

______________________________________________________

(١) معطوف على «الموجبة» يعني : أو المزايا المفيدة للظن بالواقع وإن لم تكن موجبة للأقوائية من حيث الحجية ، لعدم الملازمة بين الأقوائية من حيث الاعتبار والظن بمطابقة المضمون للواقع ، فاتضح الفرق بين الصورتين. وهذا إشارة إلى القول بالترجيح بالمزايا الموجبة للظن بالواقع.

(٢) كصاحب القوانين وغيره.

(٣) غرضه من هذا التحقيق إنكار دلالة أخبار الترجيح على وجوبه ، وإثبات عدم صلاحيتها لتقييد إطلاق أدلة التخيير. وتوضيحه منوط بالتكلم في مقامين ، أحدهما : ما يرجع إلى المقبولة والمرفوعة ، لأنهما أجمع ما في الباب من الروايات المتضمنة للمرجحات. ثانيهما : ما يرجع إلى سائر الروايات المشتملة على أحكام المتعارضين.

أمّا المقام الأوّل فمحصله : عدم صلاحية المقبولة والمرفوعة لتقييد إطلاقات التخيير ، لوجوه

الأوّل : اختلافهما البيّن في ترتيب المرجحات ، حيث إن الترجيح بصفات الراوي في المقبولة مقدّم على الترجيح بغيرها ، وفي المرفوعة بالعكس. وعليه فإذا كان أحد الخبرين مشهورا عند أرباب الحديث وكان الآخر شاذّا ، لكن مع أصدقية راويه وأورعيته من راوي الحديث المشهور اقتضت المقبولة تقديم الخبر الشاذ على المشهور ، واقتضت المرفوعة عكس ذلك ، وهذا الاختلاف الموجب للتعارض يوهن اعتبارهما ويسقط كليهما عن الحجية.

فإن قلت : التعارض بين المقبولة والمرفوعة ـ في تقديم الترجيح بالشهرة الروائيّة على الترجيح بالصفات في المرفوعة وتأخيره عنه في المقبولة ـ لا يقتضي سقوط كلتيهما عن الحجية ، بل يتعين العمل بالمقبولة. قال شيخنا الأعظم في علاج هذا التعارض : «إلّا أن يقال : إن المرفوعة تدل على تقديم المشهور رواية على غيره ، وهي هنا المقبولة».

وبيانه : أن المرفوعة آمرة بتقديم الخبر المشهور على غيره ـ عند التعارض ـ بنحو الكبرى الكليّة ، ومن المعلوم أن المشهور من هاتين الروايتين ـ وهما المقبولة والمرفوعة ـ

١٢٨

المقبولة والمرفوعة ، مع اختلافهما (١) ،

______________________________________________________

هو المقبولة ، لرواية المحمدين الثلاثة لها في جوامعهم الروائيّة ، والمرفوعة شاذة لم يروها إلّا ابن أبي جمهور في العوالي عن العلامة مرفوعا إلى زرارة. ويتعين العمل بالمقبولة حينئذ من جهة الأمر الوارد في المرفوعة بالأخذ بالمشهور من الخبرين ، وترك الخبر غير المشهور ، والمقبولة مصداق الخبر المشهور ، والمرفوعة مصداق الخبر غير المشهور.

وعليه فلا موجب لتساقط المقبولة والمرفوعة بالتعارض كما هو ظاهر المتن ، بل اللازم الأخذ بالمقبولة فقط.

قلت : الحق أن تعارضهما يقتضي سقوطهما معا لا تقديم المقبولة ، وذلك لوجهين : الأوّل : أن الاستناد إلى المرفوعة ـ في تقديم المقبولة عليها ـ أخذ بها ، ومن المعلوم أن الاعتماد على المرفوعة بهذا المقدار يتوقف على حجية المرفوعة في نفسها وتمامية المقتضي للعمل بها حتى يكون تقديم المقبولة مستندا إلى حجة شرعية وهي المرفوعة. وحيث إنّ المرفوعة معارضة للمقبولة ـ حسب الفرض ـ فهي وإن كانت حجة ذاتا وشأنا ، لكن المناط في العمل بالخبر حجيته الفعلية ، إمّا بعدم المعارض ، وإمّا بدلالة أخبار العلاج على حجية أحد الخبرين فعلا تعيينا أو تخييرا ، والمفروض عدم دلالة أخبار العلاج بعد على حجية المرفوعة حتى يستند إليها في تقديم المقبولة ، إذ المفروض تعارض نفس الأخبار العلاجية.

الثاني : أن الأخذ بما في المرفوعة ـ من تقديم الخبر المشهور على غيره حتى يؤخذ بالمقبولة ـ محال ، لأنّ معنى العمل بالمرفوعة الآمرة بالأخذ بـ «ما اشتهر بين أصحابك» هو طرحها ، وعدم العمل بها رأسا ، ومن المعلوم أن حجية الخبر المستلزمة لطرحه غير معقولة ، إذ ما يلزم من وجوده عدمه محال.

وعليه فالحق ما أفاده المصنف من اقتضاء تعارض المقبولة والمرفوعة في وجوه الترجيح ـ كمّا وكيفا ـ سقوطهما معا ، وما أفاده شيخنا الأعظم لا يخلو من خفاء.

هذا توضيح أوّل إشكالات الماتن على وجوب الترجيح ، وسيأتي بيان سائر الوجوه عند تعرض المصنف لها.

(١) أي : اختلاف المقبولة والمرفوعة في ترتيب المرجحات كما عرفت ، وهذا إشارة

١٢٩

وضعف (١) (*) سند المرفوعة جدّاً (**) ، والاحتجاج بهما (***) على

______________________________________________________

إلى الوجه الأوّل من الإشكالات ، وهذا الإشكال مشترك بين المقبولة والمرفوعة ، وقد مرّ توضيحه بقولنا : «الأوّل : اختلافهما البيِّن ... إلخ».

(١) معطوف على «اختلافهما» وإشارة إلى الوجه الثاني من الإشكالات الواردة على الاستدلال بالمقبولة والمرفوعة على وجوب الترجيح ، وهذا الوجه مختص بالمرفوعة ، ومحصله : ضعفها سندا ، إذ لم يروها إلّا ابن أبي جمهور في عوالي اللئالي عن العلامة مرفوعا إلى زرارة ، وقيل : إنّها لم توجد في كتب العلامة. مضافا إلى ما اشتهر من قدح بعض فيه.

__________________

(*) لا يخفى أنه بناء على ضعف سند المرفوعة وعدم اعتبارها لا يقدح الوجه الأوّل ـ وهو الاختلاف في ترتيب المرجحات ـ في اعتبار المقبولة ، إلّا إذا ثبت إعراض الأصحاب عما فيها من ترتيب المرجحات.

(**) ودعوى انجبار ضعفه بعمل الأصحاب وتحقق الشهرة على العمل بمضمونها فاسدة ، لما في تقريرات سيدنا الفقيه الأعظم الأصفهاني «قده» من «مخالفة مضمونها مع فتوى المشهور ، لكونها متضمنة للترجيح بالاحتياط ، مع أن المشهور غير قائلين به أوّلا ، وعدم العلم باستنادهم إليها ، واحتمال كونهم مستندين إلى غيرها من أخبار الترجيح ثانيا (١).

مضافا إلى : أن تقديم المشهور الرواية المشهورة على رواية أخرى تكون أرجح من حيث صفات الراوي لا يشهد بعملهم بالمرفوعة ، فلعلهم أخذوا بالمقبولة ، لأن التقديم بشهرة الرواية في المقبولة هو أوّل مرجحات الرواية بعد تساويهما في صفات الراوي ، فليست المقبولة مخالفة للمرفوعة في أن أوّل مرجحات الرواية هو الشهرة الخبرية. وأما عدم تعرض الترجيح بالصفات في المقبولة بعد الترجيح بالشهرة فإنّما هو لأجل تساويهما في صفات الحاكمين اللّذين هما راويان للحديثين المختلفين. وعليه فما أفاده الشيخ الأعظم «قده» من «أن المرفوعة موافقة لسيرة العلماء ، فينجبر ضعفها» غير ظاهر ، لقوة احتمال استنادهم إلى المقبولة.

(***) كذا في النسخ التي عثرنا عليها حتى النسخة المطبوعة على النسخة الأصلية المخطوطة بقلم المصنف «قده» ، لكن المطلب الّذي أفاده يقتضي إفراد الضمير كإفراده في قوله : «اختصاص الترجيح بها بمورد الحكومة» كما أنه يقتضي اختصاص الإشكال الّذي ذكره بقوله «ره».

__________________

(١) منتهى الوصول ، ص ـ ٢٨٥

١٣٠

وجوب الترجيح في مقام الفتوى لا يخلو (١) عن إشكال ،

______________________________________________________

(١) خبر «والاحتجاج» ودفع للاستدلال بالمقبولة والمرفوعة ، وهذا إشارة إلى الوجه الثالث الّذي جعله مشتركا بين الروايتين ، توضيحه : أن الاستدلال بهاتين الروايتين على وجوب الترجيح في مقام الفتوى مشكل ، لاحتمال اختصاص الترجيح بتلك المزايا بمورد المقبولة وهو باب الخصومة والحكومة ، والتعدي عن موردها إلى مقام الفتوى منوط إمّا بالإلقاء خصوصية المورد ، وإمّا بتنقيح المناط وهو كون كل من الفتوى والحكم مجعولا شرعيا ، فالمرجِّح لأحدهما مرجِّح للآخر.

إلّا أن كليهما ممنوع. أمّا إلغاء خصوصية المورد فلتوقفه على إطلاق الأمر بالأخذ بذي المزية ، وعدم العبرة بخصوصية المورد وهي الخصومة ، ومن المعلوم توقف هذا الإطلاق العقلي على عدم القدر المتيقن في مقام التخاطب ، والمفروض وجوده وهو مورد المقبولة أعني الخصومة.

وأما تنقيح المناط فلعدم حصول العلم به مع الالتفات إلى قضية أبان في دية قطع أصابع المرأة ، وإلى عدم إحاطتنا بملاكات التشريع ، والظن به لا يغني من الحق شيئا.

فإن قلت : إنّ الحكم في القضايا الجزئية ، والفتوى في الأحكام الكلية كانا في عصر الحضور ـ غالبا ـ بنقل الرواية ، ولازمه اتحاد باب القضاء والإفتاء والرواية حكما ، فإذا رجّح الشارع حكم أعدل الحاكمين وأفقههما كان لازمه ترجيح رواية أعدل الراويين ، من جهة عدم مغايرة الحكم للرواية في الصدر الأول ، فمرجحات باب الحكومة هي مرجِّحات باب الرواية أيضا.

قلت : فصل الخصومة في الصدر الأوّل وإن كان بنقل الرواية عن المعصوم عليه‌السلام لا بالاستناد إلى الرواية ـ كما قيل ـ إلّا أن هذا لا يقتضي وحدة البابين حكما ، لوضوح أن حيثية الحكومة وفصل الخصومة غير حيثية الرواية ونقل ألفاظ الإمام عليه‌السلام إلى الغير ، فإن منصب الحكومة منوط بالجعل ، بخلاف الرواية ، فإنه يكفي فيها أمانة الراوي في

__________________

«والاحتجاج» بالمقبولة ، لا اشتراكه بينها وبين المرفوعة كما هو ظاهر المتن الّذي تقتضيه تثنية الضمير.

١٣١

لقوة (١) احتمال اختصاص الترجيح بها بمورد الحكومة لرفع المنازعة وفصل الخصومة كما هو (٢) موردها (٣). ولا وجه معه (٤) للتعدي منه إلى غيره كما لا يخفى (٥). ولا وجه (٦) لدعوى تنقيح المناط ، مع (٧) ملاحظة أن

______________________________________________________

النقل وصدق حديثه. وحينئذ فاعتبار صفة في الناقل للرواية بما هو حاكم وفاصل للنزاع لا يقتضي اعتبارها فيه في مقام نقل الرواية إلى الغير وكونه محدِّثا.

وعليه فالحق ما أفاده المصنف من اختصاص الترجيح بالصفات بباب الحكومة.

(١) تعليل لعدم خلوِّ الاحتجاج بالمقبولة والمرفوعة ـ على وجوب الترجيح بالمرجحات في مقام الفتوى ـ عن الإشكال ، وقد مرّ آنفا توضيح التعليل بقولنا : «لاحتمال اختصاص الترجيح بتلك المزايا ... إلخ» وضمير «بها» راجع إلى «المزايا المنصوصة».

(٢) يعني : كما أنّ مورد الحكومة هو مورد المقبولة والمرفوعة. هذا في المقبولة مما لا إشكال فيه ، وأما في المرفوعة فلم يثبت ورودها في الحكومة وفصل الخصومة ، لأن صدرها «يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان».

(٣) والصواب على ما ذكرناه في الحاشية السابقة إفراد الضمير المؤنث في قوله : «موردهما» ليرجع إلى المقبولة.

(٤) أي : مع احتمال اختصاص الترجيح بالمزايا بباب الحكومة لا وجه للتعدي عنه إلى غيره ، أعني مقام الفتوى كما هو المقصود هنا.

(٥) الظاهر أنه إشارة إلى ضعف الوجه الأوّل للتعدي وهو كون المستند في التعدي إلقاء خصوصية المورد ، بدعوى : إطلاق الأمر بالأخذ بالمزية من غير فرق في ذلك بين الحكم والفتوى.

وحاصل وجه الضعف ـ كما تقدم آنفا ـ : توقف الإطلاق على عدم القدر المتيقن في مقام التخاطب ، والمفروض وجوده وهو مسألة الحكومة ، والإطلاق المترتب على مقدمات الحكمة لا يتحقق إلّا بتمامية تلك المقدمات.

(٦) هذا إشارة إلى ضعف الوجه الثاني للتعدي عن الحكومة إلى مقام الفتوى ، وهو تنقيح المناط الموجب للتعدي عن باب الحكومة إلى منطقة الفتوى.

(٧) هذا وجه منع تنقيح المناط ، ومحصله : وجود الفرق بين المقامين المانع عن حصول

١٣٢

رفع الخصومة بالحكومة في صورة تعارض الحكمين وتعارض ما استندا (*) إليه من (١) الروايتين لا يكاد (٢) يكون إلّا بالترجيح ، ولذا (٣) أمر عليه‌السلام بإرجاء الواقعة إلى لقائه عليه‌السلام في صورة

______________________________________________________

العلم بالمناط ، حيث إن رفع الخصومة في صورة تعارض الحكمين منوط بترجيح أحد الحكمين على الآخر ، إذ لا تنقطع الخصومة بالتخيير ، لإمكان أن يختار كل من المتخاصمين غير ما يختاره الآخر ، وذلك يوجب بقاء المنازعة لا ارتفاعها.

وبالجملة : فالحاسم لمادة الخصومة هو الترجيح دون التخيير. وهذا بخلاف الفتوى ، فإنّها لا تتوقف على الترجيح ، إذ لا مانع من الإفتاء بأحد الخبرين تخييرا ، كأن يفتى بوجوب إحدى الصلاتين الظهر والجمعة تخييرا في عصر الغيبة.

والحاصل : أن هذا الفرق بين الحكم والفتوى مانع عن حصول العلم بوحدة المناط بينهما حتى يتّحدا في لزوم الترجيح بالمرجحات.

(١) بيان لـ «ما» الموصول ، إذ المفروض كون منشأ تعارض الحكمين تعارض الرّوايتين.

(٢) خبر «ان» في قوله : «ان رفع الخصومة» وقوله : «إلّا بالترجيح» في قبال التخيير ، فإنه يؤدِّي إلى بقاء النزاع.

(٣) يعني : ولأجل توقف فصل الخصومة على ترجيح أحد الخبرين ـ اللذين هما مستندا حكمي الحاكمين ـ لم يأمر الإمام عليه‌السلام بالتخيير ، كما أمر به في المرفوعة بقوله : «إذن فتخير أحدهما» بل أمر عليه‌السلام بإرجاء الواقعة إلى لقائه عليه‌السلام في صورة تساوي الخبرين ، فلو لم يكن فرق بين الحكم والفتوى لم يأمر بالتوقف وتأخير الواقعة إلى زمان اللقاء.

__________________

(*) بلفظ التثنية كما في النسخة المطبوعة عن نسخة الأصل ، وهو الصحيح ، دون ما في سائر النسخ من الإفراد ، وذلك لرجوعه إلى «الحكمين» لأنّه بمنزلة أن يقال : «وتعارض ما استند الحكمان إليه» ولا فرق في لزوم تثنية «استندا» بين كون «الحكمين» بفتح الحاء والكاف وبضم الحاء وسكون الكاف ، غاية الأمر أن «استندا» يكون على الأوّل معلوما وعلى الثاني مجهولا كما هو واضح.

١٣٣

تساويهما (١) فيما ذكر من المزايا ، بخلاف مقام الفتوى (٢) (*) ومجرد (٣)

______________________________________________________

وعليه فلزوم الترجيح في المقبولة ثم التوقف عند تكافؤ المرجحات لا يعارض إطلاقات التخيير المتقدمة ، فإنّ مورد المقبولة هو القضاء وفصل الخصومة الّذي يتعين فيه الترجيح ، أو التوقف المحدود إلى زمان ملاقاة الإمام عليه‌السلام.

(١) أي : تساوي الروايتين في المزايا.

(٢) يعني : بخلاف مقام الفتوى ، فإنه لا يتوقف على الترجيح كتوقف الحكومة عليه ، لإمكان الأمر بالتخيير في مقام الفتوى دون الحكومة.

(٣) غرضه من هذه العبارة إبداء وجه آخر لإثبات وجوب الترجيح بالمرجحات في مقام الفتوى كالحكومة ، ومحصله : أن الترجيح يناسب مقام الفتوى أيضا ، لتوقفها على المسألة الأصولية وهي حجية أحد الخبرين المتعارضين ، إذ من المعلوم ترتب حجيته الفعلية على الترجيح بتلك المزايا ، فهذه المناسبة توجب اشتراك الحكومة والفتوى في الترجيح.

__________________

(*) أورد عليه بأن الترجيح إنما يكون في قبال التخيير ، والتخيير إنما هو في المسألة الأصولية بمعنى أخذ أحدهما حجة وطريقا إلى الواقع ، والترجيح في المسألة الأصولية هو أخذ الراجح حجة شرعية ومحرزا للواقع. وعليه لا يمكن الفرق بين باب الحكومة والفتوى ، بل نفوذ حكم من وافق حكمه الراجح إنما هو لأجل موافقة فتواه له. مضافا إلى أن صدر الرواية سؤالا وجوابا وإن كان في مورد الحكومة ، إلّا أن الظاهر من قوله عليه‌السلام : ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا ... هو أن الإمام عليه‌السلام صار بصدد بيان الوظيفة الكلية عند تعارض مطلق الأخبار (١).

لكن يمكن أن يقال : ان الترجيح والتخيير وإن كانا في المسألة الأصولية ، والمخاطب بالتخيير بين المتعارضين هو المخاطب بالترجيح بين المتفاضلين ، إلّا أن المدّعى اختصاص هذا الترجيح ـ بناء على لزوم الترجيح بالمزايا ـ بباب الحكومة ، وعدم جريانه في مطلق الأخبار المتعارضة ، بشهادة قوله عليه‌السلام بعد فرض تكافئهما في الصفات : «ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الّذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به ..» فإنه عليه‌السلام رجّح مستند الحاكم بكونه مشهورا ، ولم يقل عليه‌السلام : «ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا المجمع عليه بين أصحابك» حتى يستفاد منه

__________________

(١) فوائد الأصول ، ٤ ـ ٢٨٧

١٣٤

مناسبة الترجيح لمقامها أيضا (١) لا يوجب (٢) ظهور الرواية (٣) في وجوبه مطلقا (٤) ولو في غير مورد الحكومة كما لا يخفى.

______________________________________________________

(١) يعني : كمناسبة الترجيح لمقام الحكومة ، وضمير «لمقامها» راجع إلى الفتوى.

(٢) خبر «ومجرد» ودفع للوجه المزبور ، ومحصله : أن المدار في اعتبار الاستفادة من الخطابات هو الظهور العرفي ، دون المناسبات الخارجية التي لا دخل لها في الظهورات ، فإنّها لا عبرة بها في الاستظهار من الخطابات. وفي المقام لا توجب المناسبة المزبورة ظهور الرواية في وجوب الترجيح في المقامين ، وبدون الظهور لا وجه للقول بالترجيح في مقام الفتوى (*).

(٣) وهي المقبولة ، وضمير «وجوبه» راجع إلى «الترجيح».

(٤) بيان للإطلاق ، والمراد بغير مورد الحكومة هو مقام الفتوى.

__________________

حجية الشهرة ولزوم الترجيح بها في مطلق تعارض الأخبار.

ولا قرينة على إسقاط قوله عليه‌السلام : «في ذلك الّذي حكما به» عن الموضوعية ، ولا أقل من احتمال خصوصية باب القضاء ودخلها في الترجيح بالشهرة. وعليه فلو قيل بتقييد إطلاقات التخيير فاللازم الاقتصار على ترجيح الأخبار المتعارضة في موارد الترافع والحكومة ، ولا موجب للتعدي إلى غيرها من أبواب العبادات ونحوها.

نعم يشكل الاقتصار على باب الحكومة من جهة التعليلات الواردة في المقبولة ، كتعليل الأخذ بالمشهور «بأن المجمع عليه لا ريب فيه» وبقوله عليه‌السلام : «وإنما الأمور ثلاثة أمر بيِّن رشده فيتّبع ...» والأخذ بمخالف العامة «بأن الرشد في خلافهم» ، وتعليل الأخذ بما وافق الكتاب في رواية السكوني «بأن على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نورا» لظهور هذه التعليلات ـ بل صراحتها ـ في عدم اختصاص الترجيح بموارد الترافع والحكومة ، فالخبر غير المشهور في باب الصلاة والصوم ونحوهما يندرج في الأمر المشتبه أو في البيِّن غيُّه ، وكذا الخبر المخالف للكتاب ليس صوابا ، والموافق للعامة ليس فيه الرشاد. ومن المعلوم إباء هذا السنخ من التعبير عن التقييد بباب دون باب.

(*) هذا كله مضافا إلى عدم اقتضاء المناسبة المزبورة لوجوب الترجيح في المسألة الأصولية ، لإمكان حجية أحد المتعارضين تخييرا كما يدعيه القائلون باستحباب الترجيح ، وعدم توقف حجيته على الترجيح.

١٣٥

وإن أبيت (١) إلا عن ظهورهما في الترجيح في كلا المقامين ، فلا (٢) مجال لتقييد إطلاقات التخيير في مثل زماننا مما لا يتمكن من لقاء الإمام عليه‌السلام بهما (٣) ، لقصور (٤) المرفوعة سندا ، وقصور المقبولة دلالة ، لاختصاصها (٥) بزمان التمكن من لقائه عليه‌السلام ،

______________________________________________________

(١) هذا إشارة إلى الوجه الرابع من الإشكالات المتعلقة بوجوب الترجيح ، وحاصله : أن المقبولة والمرفوعة ـ بعد تسليم ظهورهما في وجوب الترجيح في مقام الفتوى ، أمّا في المرفوعة فلكون موردها ذلك. وأمّا في المقبولة فلترتب الترجيحات فيها على الحكمين المستندين إلى الحديثين ، فمنشأ الترجيح هو استنادهما إلى الحديثين ، فلا يمكن التفكيك حينئذ بين الحكمين ومستنديهما في الترجيح ـ لا تصلحان أيضا لتقييد إطلاقات التخيير في زمان الغيبة. أما المرفوعة ـ التي موردها الترجيح في نفس الخبرين ـ فلما مرّ سابقا من ضعف سندها.

وأما المقبولة فلقصور دلالتها عن شمولها لزمان عدم التمكن من لقاء الإمام عليه‌السلام والسؤال عنه ، لاختصاصها بزمان التمكن من لقائه عليه‌السلام ، فالترجيح مختص بزمان الحضور ، ومع التساوي في المرجحات يجب التوقف وتأخير الواقعة إلى زمان اللقاء. وأمّا عصر الغيبة كزماننا فلم ينهض دليل على وجوب الترجيح فيه وتقييد إطلاقات التخيير ، فلا محيص عن الرجوع إليها كالرجوع إليها في الشك في أصل التقييد ، لمرجعية الإطلاق في الشك في أصل التقييد وزيادته.

(٢) جواب «وإن أبيت» ودفع لتوهم تقييد إطلاقات التخيير بالمقبولة والمرفوعة ، وقد تقدّم توضيحه بقولنا : «لا تصلحان أيضا لتقييد إطلاقات التخيير ... إلخ».

(٣) أي : بالمقبولة والمرفوعة ، وهو متعلق بـ «لتقييد».

(٤) تعليل لـ «فلا مجال» وقد تقدم منه هذا الإشكال أيضا في أوائل «التحقيق» فهذا التعليل مستدرك.

(٥) تعليل لقصور المقبولة دلالة ، وضميرها راجع إلى «المقبولة». وتقريب دلالتها على الاختصاص هو : أنّ قوله عليه‌السلام : «فأرجه حتى تلقى إمامك» كالصريح في

١٣٦

ولذا (١) ما أرجع إلى التخيير بعد فقد الترجيح.

مع (٢) أن تقييد الإطلاقات الواردة في مقام الجواب عن سؤال حكم المتعارضين بلا استفصال عن كونهما متعادلين أو متفاضلين ـ مع ندرة

______________________________________________________

التمكن من لقاء الإمام عليه‌السلام ، فتدل المقبولة على الترجيح ، وفي صورة التكافؤ على التوقف وتأخير الواقعة إلى زمان التمكن من السؤال ، لأنّ المأمور بالترجيح هو المأمور بالتوقف أيضا وهو المتمكن من لقائه عليه‌السلام. ولا تدل المقبولة على الترجيح في زمان الغيبة حتى تقيّد بها إطلاقات التخيير. وعليه فيكون المتبع في زمان الغيبة إطلاقات التخيير مطلقا سواء أكان المتعارضان متكافئين أم متفاضلين.

(١) يعني : ولأجل اختصاص المقبولة ـ التي هي دليل الترجيح بالمرجحات في الحديثين المتعارضين ـ بزمان التمكن من لقائه عليه‌السلام وأخذ الحكم منه لم يحكم الإمام عليه‌السلام بالتخيير بعد تساوي الروايتين وفقد الترجيح ، فالأمر بالتوقف وإرجاء الواقعة إلى زمان التمكن من تعلّم الحكم ، وعدم حكمه عليه‌السلام بالتخيير يشهد باختصاص المقبولة ـ وما فيها من الترجيح ـ بزمان الحضور ، فلا تقيد المقبولة إطلاق أدلة التخيير إلّا بزمان الحضور ، فيبقى زمان الغيبة تحت إطلاقات التخيير وإن كان المتعارضان متفاضلين.

(٢) هذا خامس الإشكالات الواردة على وجوب الترجيح ، وحاصله : دعوى أظهرية إطلاقات التخيير من المقبولة في وجوب الترجيح بالمرجحات. وجه الأظهرية : أن الأخذ بالمقبولة يوجب حمل أخبار التخيير على الفرد النادر ، إذ يصير مورد أخبار التخيير بعد تقييدها بالمقبولة منحصرا في الخبرين المتعارضين المتكافئين من جميع الجهات ، وهو نادر جدا ، إذ الغالب تفاضلهما ولو من جهة واحدة. وحمل المطلق على الفرد النادر ركيك جزما ، وخلاف ديدن أبناء المحاورة في محاوراتهم قطعا.

وعليه فإطلاقات التخيير آبية عن التقييد ، فلا بد من العمل بها ، وحمل المقبولة على زمان التمكن من السؤال والتعلم من الإمام عليه‌السلام إن لم تكن ظاهرة في الاختصاص بذلك الزمان. أو حمل الأمر بالترجيح فيها على الاستحباب ، أو جعل موردها خصوص الخصومة.

١٣٧

كونهما متساويين جدّاً (١) ـ بعيد (٢) قطعا بحيث (٣) لو لم يكن ظهور المقبولة في ذاك الاختصاص (٤) لوجب (٥) حملها (٦) عليه أو على ما لا ينافيها من (٧) الحمل على الاستحباب (*) كما فعله

______________________________________________________

(١) قيد لـ «ندرة».

(٢) خبر «ان» وجه البعد : أنّه عليه‌السلام في مقام بيان الوظيفة ، لسبق السؤال أوّلا ، وتأيّده بترك الاستفصال مع غلبة تفاضلهما وندرة تساويهما ثانيا ، فيحصل الاطمئنان ـ بل العلم ـ بإرادة الإطلاق من أخبار التخيير.

(٣) يعني : يكون بعد تقييد المقبولة لإطلاق التخيير بمثابة يسقطها عن صلاحية التقييد ، ويوجب قوّة إطلاق التخيير التصرف في المقبولة بحملها على زمان الحضور لو لم تكن بنفسها ظاهرة فيه.

(٤) أي : الاختصاص بزمان التمكن من لقاء الإمام عليه‌السلام.

(٥) جواب «لو» يعني : لو لم تكن المقبولة ظاهرة في زمان الحضور لوجب حملها على زمان الحضور أو على ما لا ينافي إطلاقات التخيير كالحمل على الاستحباب ، فالحكم هو التخيير ، غاية الأمر أن الترجيح أفضل.

(٦) أي : حمل المقبولة على الاختصاص ، وضمير «لا ينافيها» راجع إلى «الإطلاقات».

(٧) بيان لـ «ما» الموصول ، فإنّ الاستحباب لا ينافي الحكم بالتخيير الّذي هو مقتضى إطلاقات التخيير كما مر آنفا.

__________________

(*) قد يستشكل في الحمل على الاستحباب بأن المرجح إن كان دخيلا في حجية ذيه وجب الأخذ به ، إذ لا معنى لاستحباب الأخذ بالحجة. وإن لم يكن دخيلا فيها ، وكانت الحجة التخييرية أحدهما المخيّر فلا وجه لاستحبابه أيضا ، لتساوي الخبرين المتعارضين في المنجزية والمعذرية.

لكنه مندفع بأن الاستحباب ناش عن مصلحة زائدة على المصلحة المقتضية لنفس الحجية اقتضت أفضلية الأخذ بذي المزية من دون دخل المزية في حجيته ، بل الحجية نشأت من اجتماع شرائطها فيه.

وبالجملة : فهذا الإشكال على حمل المقبولة على استحباب الترجيح غير وارد.

١٣٨

بعض الأصحاب (١). ويشهد به (٢) الاختلاف الكثير بين ما دل على الترجيح من (٣) الأخبار.

ومنه (٤) قد انقدح

______________________________________________________

(١) كما عن العلامة المجلسي والسيد الصدر شارح الوافية ، قال الشيخ الأعظم «قده» في الرسائل : «ثم إنه يظهر من السيد الصدر الشارح للوافية الرجوع في المتعارضين من الأخبار إلى التخيير والتوقف والاحتياط ، وحمل أخبار الترجيح على الاستحباب ، حيث قال ... وإن الترجيح هو الفضل والأولى». لكن السيد حمل جميع أخبار الترجيح على الاستحباب لا خصوص المقبولة.

(٢) أي : بالحمل على الاستحباب. وهذا إشارة إلى سادس الإشكالات التي أوردوها على وجوب الترجيح ، ومرجع هذا الإشكال إلى أظهرية أخبار التخيير ، وضعف ما دل على وجوب الترجيح الموجب لعدم صلاحيته لتقييد إطلاقات التخيير ، وذلك لأنّ الترجيح بتلك المرجحات لو كان واجبا وسببا لتعيّن الحجية في واجدها كان هذا الاختلاف الكثير كمّا وكيفا قادحا ـ كما تقدّم سابقا ـ في إثبات حجية ذيها ، ضرورة أنه يقع التعارض بسبب هذا الاختلاف بين نفس أخبار الترجيح. ومع هذا التعارض الكاشف عن استحباب الترجيح لا تصلح لتقييد إطلاقات التخيير ، فأصالة الإطلاق فيها سالمة وجارية بلا مانع ، فالنتيجة هي التخيير.

(٣) بيان لـ «ما» الموصول ، والمراد بالأخبار عموم الروايات الدالة على الترجيح ، فهذا الإشكال لا يختص بالمقبولة والمرفوعة كما سيشير إليه.

هذا تمام الكلام في المقام الأوّل ، وأمّا المقام الثاني الآتي فهو ما يرجع إلى ما عدا المقبولة والمرفوعة من أخبار الترجيح.

(٤) هذا إشارة إلى المقام الثاني ، أي : ومما ذكرناه في المقبولة والمرفوعة من إشكالاتهما ـ وكذا بعض الإشكالات الآخر كلزوم التقييد بالفرد النادر ، وكون اختلاف المرجحات كما وكيفا موجبا لضعف الدلالة على وجوب الترجيح المانع عن تقييد إطلاقات التخيير ـ قد ظهر حال سائر أخبار الترجيح غير المقبولة والمرفوعة.

وتوضيح ما أفاده : أن الأخبار الواردة في المقام تشتمل على مضامين ستة ، اثنان منها

١٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أجنبيان عن علاج تعارض الخبرين ، وإنّما يدلّان على شرط حجية الخبر مطلقا سواء كان له معارض أم لا ، وسيأتي نقل بعضها ، وأربعة منها ترتبط بعلاج تعارض الحديثين.

فمنها : ما دلّ على الترجيح بالشهرة ، كمرسل الاحتجاج ، قال : «وروي عنهم عليهم‌السلام أنهم قالوا : إذا اختلف أحاديثنا عليكم فخذوا بما اجتمعت عليه شيعتنا ، فإنه لا ريب فيه» (١).

ومنها : ما دلّ على الترجيح بموافقة الكتاب والسنة كخبر العيون عن الرضا عليه‌السلام : «فما ورد عليكم من خبرين مختلفين فأعرضوهما على كتاب الله ، فما كان في كتاب الله موجودا حلالا أو حراما فاتّبعوا ما وافق الكتاب ، وما لم يكن في الكتاب فأعرضوه على سنن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢).

ومنها : ما دلّ على الترجيح بموافقة الكتاب ـ من دون التعرض لموافقة السنة ـ ومخالفة العامة ، كمصحّح عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : «قال الصادق عليه‌السلام : إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فأعرضوهما على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردّوه ، فإن لم تجدوهما في كتاب الله فأعرضوهما على أخبار العامة ، فما وافق أخبارهم فذروه ، وما خالف أخبارهم فخذوه» (٣).

ومنها : ما دلّ على الترجيح بمخالفة القوم خاصة كخبر الحسن بن الجهم ، قال : «قلت للعبد الصالح عليه‌السلام : هل يسعنا فيما ورد علينا منكم إلّا التسليم لكم؟ فقال : لا والله لا يسعكم إلّا التسليم لنا ، فقلت : فيروى عن أبي عبد الله عليه‌السلام شيء ويروى عنه خلافه فبأيّهما نأخذ؟ فقال : خذ بما خالف القوم ، وما وافق القوم فاجتنبه» (٤).

ومقصود المصنف «قده» من سائر أخبار الترجيح هذه الطوائف الأربع ، فإنّها غير متفقة على الترجيح بمزية معيّنة ، لدلالة الخبر الأوّل على الترجيح بالشهرة فقط ، والخبر الثاني على الترجيح بموافقة الكتاب والسنة ، والخبر الثالث على مرجحية موافقة الكتاب

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٨ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث : ٤٣ ، ص ٨٨

(٢) المصدر ، الحديث : ٢١ ، ص ٨١

(٣) المصدر ، الحديث : ٢٩ ، ص ٨٤

(٤) المصدر ، الحديث : ٣١ ، ص ٨٥

١٤٠