منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٨

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٨

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: نمونه
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٥٢

يعمها (١) كما لا يخفى. ودعوى (٢) «أنّ المتيقن

______________________________________________________

هي نسبة الخاصّ إلى العام ، ولكنه عليه‌السلام حكم بالتخيير ، لا بالتخصيص الّذي هو جمع عرفي.

وكذا في مكاتبة عبد الله بن محمد إلى أبي الحسن عليه‌السلام في جواز الإتيان بنافلة الفجر في المحمل ، فانه ، عليه‌السلام حكم بالتخيير مع وجود الجمع الدلالي بينهما بالنصوصية والظهور ، لنصوصية الخبر الأوّل في جواز الإتيان بالنافلة في المحمل ، وظهور الثانية في حرمة الصلاة على غير وجه الأرض ، فيجمع بينهما بالحمل على الكراهة ولو بمعنى أنه ترك الأفضل (*).

وعليه فجميع العناوين المأخوذة في الأسئلة يعم موارد التوفيق العرفي.

فصارت النتيجة : أنه لو أشكل في صدق عنوان التعارض على موارد التوفيق العرفي لكفى في شمول الأخبار العلاجية لها ما اشتمل من تلك الأخبار على الأمر والنهي.

(١) أي : يعمّ موارد التوفيق العرفي.

(٢) هذا إشارة إلى الوجه الثاني من أدلة القول المشهور ، وهو عدم شمول الأخبار

__________________

(*) إلا أن يمنع هذا الاستظهار بما محصله : أما رواية سماعة فلا دلالة لها على كون الموارد من قبيل النص والظاهر ، بل ظاهرها أن مورد أحد الخبرين حقيقة الأمر ومورد الآخر حقيقة النهي ، وهما متباينان ، ولا قرينة على أن الأمر في أحدهما بصيغة «افعل» والنهي بصيغة «لا تفعل» ليكونا من النص والظاهر.

وعليه فمورد السؤال فيها مما ليس فيه جمع دلالي بين الخبرين ، وليس فيها إطلاق لصورة الجمع العرفي بينهما (١).

وأما المكاتبة فظاهر السؤال : «فاعلمني كيف تصنع أنت لأقتدي بك» هو طلب الواقع ، لا علاج التعبد بالظاهر ، وحيث كان الواقع موافقا للظاهر من حيث كون الصلاة مستحبة في نفسها من غير اشتراط استحبابها بإيقاعها على وجه الأرض ، فلذا أجاب عليه‌السلام بالتوسعة ، وهذه توسعة واقعية هي لازم كون المستحب ذا مراتب ، لا توسعة تعبدية بين الحجتين المتعارضتين ، وليس في الجواب عنوان التسليم للخبر كي يعيّنه في التخيير التعبدي (٢).

__________________

(١) نهاية الدراية ، ٣ ـ ١٧٦.

(٢) نهاية الدراية ، ٣ ـ ١٧٨.

٢٤١

منها (١) غيرها» مجازفة (٢)

______________________________________________________

العلاجية للتوفيقات العرفية ، ومحصله : أنّ الأخبار العلاجية لو لم تكن ظاهرة في غير موارد التوفيق العرفي ، فلا أقلّ من كونه المتيقن ، ومع هذا التيقُّن لا دليل على جريان أحكام التعارض في موارد الجمع العرفي ، لوضوح توقف إطلاق الأخبار العلاجية لموارد الجمع العرفي على عدم وجود القدر المتيقن ، والمفروض أنّ موارد التحيُّر الفاقدة للجمع الدلالي بين الخبرين تكون هي القدر المتيقن من أخبار العلاج ، فلا تتم مقدمات الحكمة في هذه الأخبار حتى ينعقد لها إطلاق شامل لموارد الجمع العرفي.

(١) أي : من الأسئلة ، وضمير «غيرها» راجع إلى موارد الجمع العرفي.

(٢) خبر «ودعوى» وجواب عنها ، ومرجعه إلى وجهين :

أحدهما : أنّه لا مورد هنا للأخذ بالمتيقن ، إذ مورده إجمال الدليل وعدم ظهوره في معنى ، والمفروض أن إطلاق الأخبار العلاجية ـ الشامل لموارد الجمع العرفي ـ باق على حاله.

ثانيهما : أنه ـ بعد تسليم عدم الإطلاق ـ لا مجال أيضا للأخذ بالمتيقن ، وذلك لأنّ المتيقّن المجدي في تقييد الإطلاق إنّما هو المتيقن في مقام التخاطب ، لا المتيقن بحسب الوجود الخارجي أو أنس الذهن ، كما إذا قال السيد لعبده : «اسقني ماء» وكان الغالب بحسب الوجود في مكانهما ماء الفرات مثلا ، فالمتيقن حينئذ وإن كان هو ماء الفقرات ، إلّا أنّه لمّا كان ذلك بحسب الخارج ـ لا بحسب التخاطب ـ فلا يصلح للتقييد الإطلاق.

والمقام من هذا القبيل ، إذ المتيقن في مقام التخاطب إنّما يتحقق في موردين :

الأوّل : وقوع الفرد المتيقن من أفراد المطلق مورد السؤال ، كالأمر بعتق الرقبة الواقع جوابا عن سؤال عتق الرقبة المؤمنة ، فإنّ «الرقبة المؤمنة» لورودها مورد السؤال يصير عتقها متيقنا.

الثاني : حكم العقل الارتكازي بتيقُّن بعض أفراد المطلق ، بحيث يصح للمتكلم الاعتماد عليه ، لكونه كالقرينة الحافّة بالكلام الموجبة لظهور اللفظ في ذلك الفرد ، كجواز تقليد المجتهد المنصرف عقلا إلى خصوص المجتهد الورع المخالف لهواه المطيع لأمر مولاه ، دون غيره.

٢٤٢

غايته أنّه (١) كان كذلك خارجا ، لا بحسب مقام التّخاطب (٢).

وبذلك (٣) ينقدح وجه القول الثاني (٤).

______________________________________________________

وليس المقام من قبيل هذين الموردين. وعليه فيكون تيقّن غير موارد الجمع العرفي من الأخبار العلاجية خارجيا وأجنبيّا عن مقام التخاطب ، فلا يوجب تقيُّد إطلاق أخبار العلاج بغير التوفيق العرفي.

(١) أي : غاية الأمر أنّ غير موارد الجمع العرفي كان كذلك أي متيقّنا خارجا لا في مقام التخاطب.

(٢) الّذي هو الصالح لتقييد المطلق ، لا المتيقّن مطلقا ولو كان خارجيا ، نظير ما مرّ آنفا.

(٣) أي : بالإشكال الّذي ذكره بقوله : «ويشكل بأن مساعدة العرف ... إلخ» ينقدح وجه القول الثاني وهو التعميم وإجراء الترجيح والتخيير مطلقا ولو في موارد الجمع العرفي.

ومحصل وجه هذا القول هو : شمول إطلاق أخبار العلاج لمورد الجمع العرفي ، وعدم صلاحية الانصراف إلى غير موارد الجمع العرفي لتقييد إطلاقها ، لكون التيقّن خارجيا غير مستند إلى التخاطب والانفهام من اللفظ كما مرّ آنفا.

(٤) وهو التعميم والحكم بجريان التخيير والترجيح في موارد التوفيق العرفي ، وهو منسوب إلى جماعة ، منهم الشيخ الطوسي في العدّة والاستبصار ، والمحقق القمي. وبعض المحدِّثين.

قال الشيخ في مقدمة الاستبصار : «وإن كان هناك ما يعارضه ، فينبغي أن ينظر في المتعارضين ، فيعمل على أعدل الرّواة في الطريقين. وإن كانا سواء في العدالة عمل على أكثر الرّواة عددا. وإن كانا متساويين في العدالة والعدد ـ وهما عاريان من جميع القرائن التي ذكرناها ـ نظر ، فإن كان متى عمل بأحد الخبرين أمكن العمل بالآخر على بعض الوجوه وضرب من التأويل كان العمل به أولى من العمل بالآخر الّذي يحتاج مع العمل به إلى طرح الخبر الآخر ، لأنّه يكون العامل به عاملا بالخبرين معا ...» (١).

وقال في العدة : «وأما الأخبار إذا تعارضت وتقابلت ، فإنّه يحتاج في العمل ببعضها إلى ترجيح ، والترجيح يكون بأشياء ، منها : أن يكون أحد الخبرين موافقا للكتاب أو السنة

__________________

(١) الاستبصار ، ١ ـ ٤.

٢٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

المقطوع بها ، والآخر مخالفا لهما ، فإنه يجب العمل بما وافقهما وترك العمل بما يخالفهما ، وكذلك إن وافق أحدهما إجماع الفرقة المحقة ، والآخر يخالفه وجب العمل بما يوافقه وترك ما يخالفهم» ثم رجح بصفات الراوي ... إلى أن قال : «وإن كان الخبران موافقين للعامة أو مخالفين لهم نظر في حالهما ، فإن كان متى عمل بأحد الخبرين أمكن العمل بالآخر على وجه من الوجوه وضرب من التأويل ، وإذا عمل بالخبر الآخر لا يمكن العمل بهذا الخبر وجب العمل بالخبر الآخر الّذي يمكن مع العمل به العمل بالخبر الآخر ، لأن الخبرين جميعا منقولان مجمع على نقلهما ...» (١).

واستظهر شيخنا الأعظم من عبارة العُدّة شمولَ الحكم بالترجيح ثم التأويل فيهما أو في أحدهما للعام والخاصّ ، مع أنّ ظاهر الشيخ في مسألة بناء العام على الخاصّ : أن الرجوع إلى التخيير والترجيح إنّما هو في تعارض العامّين دون العام والخاصّ «لأنّ العمل بالخاص ليس طرحا للعام ، بل حمل له على ما يريده الحكيم ، وأنّ العمل بالترجيح والتخيير فرع التعارض الّذي لا يجري فيه الجمع» (٢). وهو معارض صريح لما ذكره هنا من أن الجمع من جهة عدم ما يرجح أحدهما على الآخر.

وكيف كان فظاهر العبارتين المنقولتين عن الاستبصار والعدة تقديم الترجيح على التصرف في أحد الدليلين أو كليهما ، وإن اختلفتا في ترتيب المرجحات ، ففي الاستبصار قدّم الترجيح بصفات الراوي ، وفي العدة قدّم الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة.

وقد تصدّى بعض شرّاح الرسائل لبيان وجوه الفرق بين كلمات شيخ الطائفة «وأن مقصوده بيان بعض الصغريات ، وأن الترتيب ملغى عنده غير مقصود ، ولعله لذا عبّر المصنف بقوله : نعم قد يظهر» (٣).

ونُسب هذا القول إلى المحقق القمي في مسألة بناء العام على الخاصّ ، حيث بيّن لتعارضهما أقساما أربعة ، وقال : «القسم الأوّل وهو ما علم اقترانهما. والحقّ فيه بناء العام على الخاصّ من دون نقل خلاف إلّا عن بعض الحنفية. لنا ما مرّ مرارا من الفهم العرفي والرجحان النّفس الأمري والشيوع والغلبة ... وقد يستشكل بأن الأخبار وردت في تقديم ما هو مخالف العامة أو موافق الكتاب ونحو ذلك ، وهو يقتضي تقديم العام لو كان هو الموافق

__________________

(١) عُدّة الأصول ، ١ ـ ٥٥ و ٥٦ ، طبعة بمبئي.

(٢) عُدة الأصول ، ١ ـ ١٥٣ وما بعده.

(٣) هو العلامة السيد محمد التنكابني ، راجع حاشيته على الرسائل ، ٢ ـ ١٠١٢.

٢٤٤

اللهم إلّا أن يقال (١) : إنّ التوفيق في مثل الخاصّ والعام والمقيّد

______________________________________________________

للكتاب أو المخالف للعامة أو نحو ذلك. وفيه : أن المبحث منعقد لملاحظة العام والخاصّ من حيث العموم والخصوص ، لا بالنظر إلى المرجحات الخارجيّة ، إذ قد يصير التجوز في الخاصّ أولى من التخصيص في العام من جهة مرجح خارجي ، وهو خارج عن المتنازع» (١).

ومحل الاستشهاد هو الجملة الأخيرة ، حيث إنه لم يتخلّص عن إشكال سلطان العلماء بأن بناء العام على الخاصّ توفيق عرفي يخرج الخبران به عن التعارض موضوعا ، بل التزم بتقديم العام على الخاصّ لمرجح خارجي أحيانا.

وقال صاحب الحدائق : «قد اشتهر بين كثير من أصحابنا رضوان الله عليهم سيّما أكثر المتأخرين عدُّ الاستحباب والكراهة من وجوه الجمع بين الأخبار ، بل الاقتصار عليه في الجمع ، دون تلك القواعد المنصوصة والضوابط المخصوصة ، كما لا يخفى على من لاحظ كتب المتأخرين ومتأخريهم ، كما نقله عنه بعض مشايخنا المعاصرين ، فقال : إذا أمكن التوفيق بين الأخبار بحمل بعضها على المجاز كحمل النهي على الكراهة والأمر على الاستحباب وغير ذلك من ضروب التأويلات فهو أولى من حمل بعضها على التقية وان اتفق المخالفون على موافقته. انتهى. ولعمري أنّه محض اجتهاد ـ بل عناد ـ في مقابل نصوص سادات العباد ، وجرأة على ردِّ كلامهم الصريح في المراد ...» (٢).

وكذلك نسب المحقق الرشتي (٣) العمل بالمرجحات في مورد الجمع الدلالي إلى السيد الطباطبائي ، في مسألة بطلان الصلاة بزيادة ركوع فيها أو سجدتين ، من حمل أخبار بطلان الصلاة بزيادة الركعة على التقية ، وعدم تقييد إطلاقها بالأخبار المفصِّلة بين الجلوس قبل الركعة وعدمه ، فراجع (٤)

(١) هذا إشارة إلى دفع الاحتمال الثالث ـ أعني كون السؤال عن حكم مطلق التعارض ، لاحتمال الردع شرعا ـ وهو الّذي يكون من وجوه القول بشمول أخبار العلاج لموارد الجمع العرفي ، وإشارة إلى إثبات القول المشهور ، وهو عدم شمول أخبار العلاج لموارد التوفيق العرفي.

__________________

(١) القوانين ، الجزء الأول ، آخر مباحث العموم والخصوص.

(٢) الدرر النجفية ، ص ٦٠.

(٣) بدائع الأفكار ، ص ٤١٤.

(٤) رياض المسائل ، ١ ـ ٢١٢.

٢٤٥

والمطلق كان عليه السيرة القطعية من لدن زمان الأئمة عليهم‌السلام ، وهي (١) كاشفة (*) إجمالا عمّا يوجب تخصيص أخبار العلاج بغير موارد التوفيق العرفي ، لو لا (٢) دعوى اختصاصها به (٣) ، وأنّها (٤) سؤالا وجوابا

______________________________________________________

توضيح ذلك : ان أخبار العلاج وإن كانت عامّة لموارد الجمع العرفي بين المتعارضين ، لكنها مخصِّصة بالمخصص القطعي الّذي يكشف عنه السيرة القطعية الثابتة ـ من زمان الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين» ـ على الجمع العرفي في العام والخاصّ والمطلق والمقيد ، وعدم مراعاة الترجيح والتخيير بينها ، فاحتمال الردع عن هذه الطريقة الّذي جعل داعيا إلى السؤال عن حكم مطلق التعارض حتى موارد التوفيق العرفي مع هذه السيرة في غير محله ، فلا يصلح لأن يكون وجها للسؤال عن مطلق التعارض حتى يشمل التوفيقات العرفية كما هو مقتضى القول غير المشهور.

(١) يعني : والسيرة القطعية كاشفةٌ عن مخصِّص يخصِّص أخبار العلاج ، فيثبت حينئذ قول المشهور أعني عدم شمول أخبار العلاج للتوفيق العرفي.

(٢) هذا إشارة إلى وجه القول المشهور الّذي أفاده بقوله : «وقصارى ما يقال في وجهه : انّ الظاهر من الأخبار العلاجية ... إلخ» وحاصله : أن تخصيص الأخبار العلاجية إنّما يصح فيما إذا كان لها عموم يشمل موارد التوفيق العرفي ، وأمّا إذا لم يكن لها عموم بأن يكون موضوع تلك الأخبار خصوص موارد التحيُّر ـ دون غيرها كموارد الجمع العرفي التي لا يتحير العرف في استفادة المراد منها ـ كان خروج موارد التوفيق العرفي بالتخصُّص الّذي هو خروج موضوعي ، لا بالتخصيص. لكن المصنف «قده» منع هذا الوجه بقوله : «ويشكل بأن مساعدة العرف على الجمع والتوفيق وارتكازه ... إلخ».

(٣) أي : اختصاص أخبار العلاج. وضمير «به» راجع إلى «بغير».

(٤) معطوف على «اختصاصها» وضميره راجع إلى «أخبار العلاج».

__________________

(*) يرد عليه : أنّه مع كثرة الاهتمام والابتلاء بالمقام تقتضي العادة عدم خفاء القرينة التي تخصص عموم أخبار العلاج ، فالقرينة اللفظية لا كاشف عنها لا من السيرة ولا غيرها ، وكذا القرينة الحالية ، إذ مع اختلاف المعنى من وجودها وعدمها لا بد من إظهارها حتى لا يقع المتأخرون عن

٢٤٦

بصدد الاستعلاج والعلاج (١) في موارد التحيُّر والاحتياج. أو دعوى (٢) الإجمال وتساوي (٣) احتمال العموم مع احتمال الاختصاص. ولا ينافيها (٤) [ولا ينافيهما] مجرّد صحة السؤال لما (٥) لا ينافى

______________________________________________________

(١) الأوّل راجع إلى السؤال ، والثاني إلى الجواب ، و «في موارد» متعلق بـ «الاستعلاج».

(٢) معطوف على «دعوى اختصاصها» وحاصله : أن دعوى التخصيص منوطة بعدم اختصاص ظهور أخبار العلاج بغير موارد الجمع العرفي ، أو بعدم إجمالها الناشئ عن تساوي احتمالي العموم والاختصاص ، إذ مع صحة إحدى هاتين الدعويين لا مجال لدعوى التخصيص كما هو واضح. لكن المصنف «قده» منع هذه الدعوى بقوله : «ودعوى ان المتيقّن منها غيرها ... إلخ».

(٣) عطف تفسيري لـ «الإجمال».

(٤) أي : ولا ينافي دعوى الإجمال. وهذا إشارة إلى توهم ودفعه. أمّا التوهم فهو : أنّ صحة السؤال عن مطلق التعارض الشامل للتوفيق العرفي تكشف عن العموم ، وهو صالح للرادعية ، فدعوى السيرة تنافي هذا العموم.

وأمّا الدفع فمحصله : أن المنافاة منوطة بظهور اللفظ في العموم حتى يصلح للرّادعية ، ومجرد السؤال عن مطلق التعارض لا يثبت العموم ، لأنّ صحته أعم من احتمال العموم ، لكفاية احتماله في صحة السؤال ، واحتماله لا ينافي السيرة ولا يردعها.

هذا بناء على ما في أكثر النسخ حتى المطبوعة أخيرا المصحّحة على النسخة الأصلية المخطوطة بقلم المصنف. ولكن في نسخة العلامة الرشتي «قده» : «ولا ينافيهما» بتثنية الضمير الراجع إلى كلتا الدعويين ـ أي دعوى الاختصاص ودعوى الإجمال ـ ولا بأس به.

(٥) متعلق بـ «السؤال» والأولى تبديله بـ «عمّا».

__________________

ذلك الزمان في خلاف الواقع. فدعوى السيرة القطعية الكاشفة إجمالا عن المخصِّص على كلا التقديرين غير ثابتة ، نعم لا بأس بدعوى قرينيّة هذه السيرة على اختصاص الأسئلة بما يتحير العرف في فهم المراد منه ، وهو باب التعارض ، دون موارد التوفيق العرفي ، إذ لا يتحير العرف في فهم المراد منها ، فإلحاق موارد الجمع العرفي بباب التعارض محتاج إلى الدليل.

٢٤٧

العموم (*) ما لم يكن (١) هناك ظهور (٢) أنّه لذلك ، فلم يثبت (٣) بأخبار العلاج ردعٌ عمّا هو (٤) عليه بناء العقلاء وسيرة العلماء من (٥) التوفيق ، وحمل (٦) الظاهر على الأظهر ، والتصرف فيما يكون صدورهما قرينة عليه (٧) ، فتأمل (٨).

______________________________________________________

(١) هذا إشارة إلى دفع التوهم المذكور بقولنا : «وأما الدفع فمحصله ... إلخ».

(٢) بالرفع مضافا إلى كلمة «أنه» وضمير «انه» راجع إلى «السؤال». و «لذلك» أي للعموم ، يعني : ما لم يكن هناك ظهور كون السؤال للعموم ، وهذا الظهور غير ثابت ، لكون السؤال أعم من الظهور في العموم واحتماله.

(٣) هذه نتيجة قوله : «اللهم إلّا أن يقال» ومحصلها : أن أخبار العلاج إمّا ظاهرة في خصوص التعارض الموجب للتحيُّر عرفا ، أو مجملة ، والمتيقن منها غير موارد الجمع العرفي ، أو عامّة لموارد الجمع العرفي أيضا. وعلى جميع التقادير تكون موارد التوفيق العرفي خارجة عن حريم تلك الأخبار إمّا تخصّصا كما في الأوّل ، وإمّا تيقُّنا كما في الثاني ، وإمّا تخصيصا كما في الثالث ، لكشف السيرة القطعية عن المخصّص.

(٤) هذه الكلمة زائدة ، فيكفي أن يقال : «ردعٌ عما عليه بناء العقلاء».

(٥) بيان لـ «ما» الموصول ، وقوله : «سيرة» معطوف على «بناء».

(٦) هذا وقوله : «والتصرف» معطوفان على «التوفيق» ومفسِّران له.

(٧) أي : على التصرف ، كما إذا قال : «لا تصم يوم عاشوراء» ثم قال : «صم يوم عاشوراء» حيث انه يحمل الأوّل على الكراهة والثاني على الرخصة.

(٨) لعله إشارة إلى أنّه ـ بناء على عموم أخبار العلاج ـ لا بد من الالتزام برادعيّته للسيرة القطعية التي عليها أبناء المحاورة في التوفيقات العرفية ، كسائر السّير القطعية المردوع عنها بعموم أو إطلاق ، وقطعيتها لا تمنع عن ردع أخبار العلاج لها. فالأولى في دفع الإشكال منع العموم ، ودعوى ظهور أخبار العلاج في خصوص التعارض الحقيقي ، وعدم الدليل على الردع ـ عن هذه السيرة القطعية ـ الّذي هو كاف في إمضائها.

__________________

(*) الأولى سوق العبارة هكذا : «مجرد صحة السؤال عن مطلق التعارض حتى إذا كان هناك جمع عرفي ما لم يكن ...».

٢٤٨

فصل (١)

قد عرفت (٢) حكم تعارض الظاهر والأظهر ، وحمل (٣) الأوّل على الآخر ، فلا إشكال (٤) فيما إذا ظهر أنّ أيّهما ظاهر وأيّهما أظهر ، وقد ذكر فيما اشتبه

______________________________________________________

المرجحات النوعية الدلالية

(١) الغرض من عقده هو التعرض لما قيل في تمييز الظاهر عن الأظهر ـ في الموارد التي اشتبه فيها الحال ـ وتزييفه ، فالمعقود في هذا الفصل بحث صغروي ، وهو : إثبات الأظهر وتمييزه عن الظاهر ، كما أن ما أفاده في أوائل التعادل والترجيح من تقدم الأظهر على الظاهر وسائر التوفيقات العرفية بحث كبروي. وقد تعرض له الشيخ الأعظم «قده» في المقام الرابع من مقامات الترجيح المعقود لبيان المرجحات النوعيّة الدلاليّة لأحد المتعارضين بقوله : «ولنشر إلى جملة من هذه المرجحات النوعية لظاهر أحد المتعارضين في مسائل ... ومنها : تعارض الإطلاق والعموم ، فيتعارض تقييد المطلق وتخصيص العام ، ولا إشكال في ترجيح التقييد ... إلخ».

(٢) يعني : في أوائل التعادل والترجيح ، حيث قال : «ولا تعارض أيضا إذا كان أحدهما قرينة على التصرف في الآخر ، كما في الظاهر مع النصِّ أو الأظهر ...».

(٣) معطوف على «حكم» ومفسِّر له ، فإنّ حكم تعارضهما هو حمل الظاهر على الأظهر.

(٤) هذا متفرع على ما ظهر ـ بحسب الكبرى ـ من حكم الظاهر والأظهر ، وأنّه لا إشكال

٢٤٩

الحال لتمييز ذلك (١) ما لا عبرة به أصلا ، فلا بأس بالإشارة إلى جملة منها (٢) وبيان (٣) ضعفها.

منها (٤) : ما قيل في ترجيح ظهور العموم على الإطلاق ، وتقديم التقييد

______________________________________________________

في تقديم الأظهر فيما إذا تميّز عن الظاهر ، وأما في موارد الاشتباه وعدم إحراز الأظهر فقد ذكروا لتمييزه وجوها ضعيفة سيأتي بيانها.

(١) أي : الأظهر ، وضمير «به» راجع إلى «ما» الموصول المراد به الوجوه الضعيفة ، وتذكيره باعتبار لفظ «ما» لا معناه.

(٢) أي : من الوجوه التي لا عبرة بها.

(٣) بالجرِّ معطوف على «الإشارة» ، وضمير «ضعفها» راجع إلى «الوجوه».

ترجيح العموم على الإطلاق

(٤) أي : من تلك الوجوه الضعيفة ما أفاده الشيخ الأعظم «قده» في الرسائل من أنّه إذا دار الأمر بين التقييد والتخصيص قُدِّم الأوّل على الثاني ، لوجهين :

الأوّل : أظهرية العام في العموم من المطلق في الإطلاق ، لكون ظهور الأوّل تنجيزيّا ، حيث إنّه مستند إلى الوضع ، والثاني تعليقيّا ، لكونه معلّقا على مقدمات الحكمة التي منها عدم البيان ، والعام صالح للبيانية ، فعدم الأخذ بالإطلاق حينئذ إنّما هو لعدم تمامية مُقتضيه ، بخلاف العكس ، إذ تمام المقتضي للعموم ـ وهو الوضع ـ موجود ، فلا وجه لرفع اليد عنه ، للزوم الدور الّذي سيجيء تقريبه إن شاء الله تعالى.

مثلا إذا ورد «أكرم الشاعر ولا تكرم الفساق» وكان هناك شاعر فاسق ، دار الأمر بين إخراجه عن وجوب إكرام الشاعر بالتقييد بغير الفاسق ، وبين إخراجه عن عموم حرمة إكرام الفساق بالتخصيص ، والحكم بوجوب إكرامه ، فيقال : إنّ التقييد أولى من التخصيص ، حيث إن ظهور «الفسّاق» في العموم بالوضع ، وظهور «الشاعر» في الإطلاق بمقدمات الحكمة التي هي غير تامة ، لما عرفت من صلاحية العام للبيانيّة ، لأنّ دلالة العام تنجزية لا تتوقف على غير الوضع ، بخلاف دلالة الإطلاق ـ الموضوع لنفس الطبيعة ـ على

٢٥٠

على التخصيص فيما دار الأمر بينهما : «من (١) كون ظهور العام في العموم تنجيزيّا (٢) ، بخلاف ظهور المطلق في الإطلاق ، فإنّه (٣) معلّق على عدم البيان ، والعامّ يصلح (٤) بيانا ، فتقديم العام حينئذ (٥) لعدم تمامية مقتضي الإطلاق معه. بخلاف العكس (٦) ،

______________________________________________________

الشمول ، فإنّها معلّقة على عدم البيان ، لكون المولى بصدد بيان مراده ، فعدم تقييده إكرام الشاعر بالعدالة كاشف عن موضوعية نفس الشاعر لوجوب الإكرام ولو كان فاسقا ، ومن المعلوم انتفاء هذه المقدمة بورود البيان وهو العام المفروض صلاحيته للبيانية على ما يراد من المطلق.

(١) بيان لـ «ما» الموصول في «ما قيل» وهذا بيان حاصل كلام الشيخ «قده».

(٢) لاستناده إلى الوضع الّذي لم يعلّق على شيء ، لكونه المقتضي التامّ للظهور.

(٣) أي : ظهور المطلق في الإطلاق معلّق على عدم البيان الّذي هو جزء المقتضي للإطلاق ، فظهور العام لتمامية مقتضية ـ وهو الوضع ـ منجّز غير معلّق على شيء ، بخلاف إطلاق المطلق ، فإنّه معلّق على تمامية مقتضية المنوطة بعدم البيان.

(٤) لكونه تنجيزيّا باعتبار تمامية مقتضية وهو الوضع كما مرّ مرارا.

(٥) أي : حين تنجيزيته وصلاحيته للبيانية ، و «لعدم» خبر قوله : «فتقديم» وضمير «معه» راجع إلى «العام» و «مقتضي الإطلاق» بصيغة اسم الفاعل ، والمراد به مقدمات الحكمة. فالنتيجة : أنّ ظهور العام تنجيزي والمطلق تعليقي.

(٦) وهو تقديم المطلق على العام المستلزم لتخصيص العام ـ كالفساق في المثال ـ بالمطلق وهو الشاعر ، وإخراج الشاعر الفاسق عن حرمة إكرام الفسّاق ، فان هذا التقديم لا وجه له ، ضرورة أن هذا التخصيص منوط بتمامية المقدمات المقتضية للإطلاق ، وقد عرفت عدم تماميتها.

وبعبارة أخرى : يدور الأمر بين تقديم العام على المطلق وبين تخصيص العام ، وتقديم العام يلزمه تقيّد المطلق لا تقييده ، لفرض عدم جريان المقدمات فيه حتى يستفاد الشيوع من المطلق ، فلا يراد من المطلق حينئذ إلّا الطبيعة المهملة. وأما تقديم المطلق وتخصيص

٢٥١

فإنّه (١) موجب لتخصيصه بلا وجه إلّا (٢) على نحو دائر.

ومن (٣) أن التقييد أغلب من التخصيص».

______________________________________________________

العام به فهو إمّا بلا ميزان وضابط ، وإما دوري ، وكلاهما باطل ، فيتعين تقديم العام على المطلق.

(١) أي : فإنّ العكس ـ وهو تقديم المطلق على العام ـ موجِب لتخصيص العام بلا وجه ، وهذا تعليل لعدم تقديم المطلق على العام ، ومحصله : أن هذا التقديم بلا وجه أي اقتراح محض وليس بميزان ، لما مرّ من عدم تمامية المطلق حتى يصح تخصيص العام به ، لتوقف تماميته على عدم البيان.

(٢) استثناءٌ من «بلا وجه» يعني : أنّ هذا التخصيص يكون بلا وجه إلّا بنحو محال ، وهو الدور ، إذ العمل بالتعليقي ـ وهو المطلق ـ موقوف على طرح التنجيزي وهو العام ، إذ مع وجوده لا يتحقق المطلق ، وطرح التنجيزي موقوف على العمل بالمطلق أي تخصيص العام به ، فالعمل بالتعليقي منوط بطرح التنجيزي ، وطرح التنجيزي منوط بالعمل بالتعليقي ، وهذا دور.

(٣) معطوف على «من كون» وإشارة إلى الوجه الثاني من وجهي تقديم التقييد على التخصيص عند الدوران بينهما ، ومحصله : أن التقييد في المحاورات أكثر من التخصيص ، وهذه الأكثريّة ربما توجب أظهرية العام في العموم من ظهور المطلق في الإطلاق ، فتدبر.

قال شيخنا الأعظم «قده» : «ومنها : تعارض الإطلاق والعموم ، فيعارض تقييد المطلق وتخصيص العام. ولا إشكال في ترجيح التقييد ـ على ما حقّقه سلطان العلماء من كونه حقيقة ـ لأن الحكم بإطلاق من حيث عدم البيان ، والعام بيان ، فعدم البيان للتقييد جزء مقتضي الإطلاق. والبيان للتخصيص مانع عن اقتضاء العام للعموم ، فإذا دفعنا المانع عن العموم بالأصل والمفروض وجود المقتضي له ثبت بيان التقييد ...» إلى أن قال : «وأمّا على القول بكونه مجازا فالمعروف في وجه تقديم التقييد كونه أغلب من التخصيص. وفيه تأمل ...».

والمقصود من نقل عبارة الشيخ «قده» هو : أن الوجهين اللذين ذكرهما الماتن لتقديم التقييد على التخصيص ـ بحيث يكون كل منهما وجها على حدة ـ ليسا في كلام الشيخ

٢٥٢

وفيه : أنّ عدم البيان الّذي هو جزء المقتضي (٢) في مقدمات الحكمة إنّما هو البيان في مقام التخاطب ، لا إلى الأبد (٣).

______________________________________________________

وجهين مستقلّين ، بل هو «قده» اعتمد على الوجه الأوّل بناء على مقالة سلطان العلماء ، وعلى الثاني بناء على مقالة المشهور ، فتفطن.

(١) هذا إشكال على الوجه الأوّل وهو كون ظهور العام تنجيزيّا وظهور المطلق تعليقيّا. ومبنى الإشكال هو النزاع في أنّ البيان المأخوذ عدمه في انعقاد الإطلاق هل هو البيان حال إلقاء الكلام ، فإذا كان المولى في مقام البيان ولم يأتِ بالمقيِّد المتصل انعقد الإطلاق في كلامه؟ أم أنّ البيان المأخوذ عدمه في مقدمات الحكمة هو البيان إلى الأبد ، لا خصوص عدمه في حال التخاطب. ظاهر كلام الشيخ هو الثاني ، ومختار المصنف هو الأوّل ، وقد ناقش «قده» كلامَ الشيخ هنا وفي بحث المطلق والمقيد وفي الفوائد (١).

وبعد الإشارة إلى مبنى الإشكال نقول في توضيحه : أنّ عدم البيان الّذي هو من مقدمات الحكمة ـ التي يتوقّف عليها الإطلاق ـ إنّما هو عدم البيان في خصوص مقام التخاطب ، لا مطلقا حتى في دليل منفصل. وعليه فظهور المطلق في الإطلاق معلّق على عدم البيان في مقام التخاطب ، فلا دخل لعدم البيان المنفصل في انعقاد الظهور في الإطلاق ، فبعدم البيان في مقام التخاطب يصير الظهور في الإطلاق تنجيزيّا كتنجيزية ظهور العام ، فيقع التعارض بين الظهورين التنجيزيين ، لا بين التنجيزي والتعليقي كما أفاده الشيخ «قده».

نعم اتصال العامّ بالمطلق يمنع انعقاد الظهور في الإطلاق ، لكون العام بيانا في مقام التخاطب ، لكنه خارج عن مفروض البحث ، وهو انعقاد الظهور في كلّ منهما ، والخلاف في تعيين الأظهر منهما.

(٢) بصيغة اسم الفاعل ، والمراد به مقدمات الحكمة ، فالأولى إسقاط أحدهما ، لإغناء كل منهما عن الآخر.

(٣) يعني : حتى لو ورد البيان منفصلا عن المطلق بمدة مديدة ، والمفروض هنا ورود العام منفصلا عنه ، وبعد استقرار الظهور في كل من العام والمطلق يتعارضان ، ولا وجه

__________________

(١) حاشية الرسائل ، ص ٣٢٩.

٢٥٣

وأغلبية (١) التقييد مع كثرة التخصيص (٢) بمثابة قد قيل : «ما من عام إلّا وقد خُصّ» غير مفيد (٣) ، فلا بد (٤) في كل قضيّة من ملاحظة خصوصياتها (٥) الموجبة لأظهرية أحدهما من الآخر ، فتدبّر (٦).

______________________________________________________

لتقديم العام.

(١) هذا إشارة إلى الإشكال على الوجه الثاني ، وهو كون التقييد أغلب من التخصيص ، ومحصل الإشكال وجهان :

أحدهما : منع أغلبية التقييد من التخصيص ، لبلوغ التخصيص في الكثرة بمثابة قيل فيه : ما من عام إلّا وقد خُصّ.

ثانيهما : أنّ هذه الأغلبية ـ بعد تسليمها ـ غير مفيدة ، لعدم كونها موجبة للظن في مورد الشك أوّلا ، وعدم حجيته على فرض حصوله ثانيا.

(٢) هذا إشارة إلى الوجه الأوّل ، وهو منع أغلبية التقييد من التخصيص.

(٣) خبر «وأغلبيّة» وهذا إشارة إلى ثاني وجهي الإشكال ، والأولى أن يقال : «غير مفيدة» بالتاء.

(٤) هذا متفرع على عدم تمامية الوجهين المتقدمين اللذين أقيما على ترجيح ظهور العام على ظهور المطلق ، وغرضه : أنه بعد عدم ثبوت ترجيح ظهور العام على ظهور المطلق بالوجهين المذكورين ـ وصلاحية كل منهما للتصرف في الآخر ، وعدم لزوم محذور الدور والتخصيص بلا وجه ـ لا بد في إثبات الأظهرية في كل قضيّة من ملاحظة خصوصياتها من القرائن المقالية والمقامية الموجبة لأظهرية العام أو المطلق أو تكافئهما في الظهور.

(٥) أي : خصوصيات القضية ، وضمير «أحدهما» راجع إلى العام والمطلق.

(٦) يمكن أن يكون إشارة إلى : أن عدم البيان في مقام التخاطب يتوقف عليه أصل ظهور المطلق في الإطلاق ، وأمّا حجيته بحيث يصح التمسك به فهي مشروطة بعدم البيان إلى الأبد كالمخصص المنفصل ، فإنّ العام ظاهر في العموم ، ولكن حجيته في العموم منوطة بعدم ورود مخصص منفصل ، فالعمل بالمطلق أو العام قبل ورود المقيد

٢٥٤

ومنها (١) : ما قيل فيما إذا دار بين التخصيص والنسخ ، كما إذا ورد عام (٢) بعد (٣) حضور وقت العمل بالخاص ، حيث يدور بين أن يكون الخاصّ مخصّصا أو يكون العام ناسخا ، أو ورد (٤) الخاصّ بعد حضور وقت العمل

______________________________________________________

والمخصص كالعمل بالأصل قبل ورود الدليل ، فكما أنّه لا مورد للعمل بالأصل بعد الظفر بالدليل ، فكذلك العمل بالمطلق أو العام بعد الظفر بالمقيّد أو المخصص. ولعل مراد الشيخ من عدم البيان هو عدم البيان في مقام التخاطب في انعقاد أصل الظهور ، وعدم البيان أبدا في حجيته بقاء ، لا توقف أصل الظهور عليه ، فإنّه مما لا يظن من أحد احتماله.

دوران الأمر بين التخصيص والنسخ

(١) معطوف على «منها ما قيل في ترجيح ظهور العموم ... إلخ» وضمير «منها» راجع إلى ما يستفاد من قوله : «ما لا عبرة به أصلا» من الوجوه الضعيفة التي ذكرت لتمييز الأظهر عن الظاهر ، والضمير المستتر في «دار» راجع إلى «أمر الخاصّ» أي : دار أمر الخاصّ بين كونه مخصّصا للعام أو منسوخا به. ومحصل هذا الوجه في دوران الأمر بين التخصيص والنسخ هو : غلبة التخصيص الموجبة لتقديمه على النسخ ، وقد ذكر المصنف لهذا الدوران موردين.

(٢) هذا إشارة إلى المورد الأوّل ، وحاصله : أنه إذا ورد عام بعد حضور وقت العمل بالخاص ، كما إذا قال : «أكرم زيدا الأمير» وبعد حضور زمان العمل به قال : «لا تكرم الأمراء» فإنّه يدور الأمر بين مخصصية الخاصّ للعام وناسخية العام للخاص.

(٣) تقييد ورود العام بكونه بعد حضور وقت العمل بالخاص يكون لأجل تقوّم النسخ بحضور وقت العمل ، إذ لو ورد العام قبل حضور وقت العمل بالخاص تعيّن التخصيص ولا يدور الأمر بينه وبين النسخ.

(٤) معطوف على «ورود» وإشارة إلى المورد الثاني ـ وهو عكس السابق ـ كما إذا ورد خاص بعد حضور وقت العمل بالعامّ كقوله عليه‌السلام في ما رواه معاوية بن عمار : «العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج على من استطاع» وبعد العمل بهذا العام ورد «أنّ

٢٥٥

بالعامّ ، حيث يدور بين أن يكون الخاصّ مخصّصا للعام أو ناسخا له ورافعا (١) لاستمراره ودوامه ـ في وجه (٢) تقديم التخصيص على النسخ من (٣) : غلبة التخصيص وندرة النسخ.

______________________________________________________

النائي لا يجب عليه العمرة المفردة ، والواجب عليه هو عمرة التمتع» فيدور أمر هذا الخاصّ بين المخصصية والناسخية ، فتقديم الخاصّ وإن كان مسلّما ، لكن الكلام في أنه للتخصيص أو للنسخ.

(١) معطوف على «ناسخا» ومفسّر له ، وضمائر «له ، لاستمراره ، دوامه» راجعة إلى «العام» وقيل : إنّ في بعض النسخ «أو رافعا» ولو كان كذلك فـ «أو» بمعنى الواو.

(٢) متعلق بـ «قيل» يعني : ما قيل في وجه تقديم التخصيص على النسخ.

(٣) بيان لـ «ما» الموصول في قوله : «ما قيل» وحاصل البحث : إن الوجه في تقديم التخصيص على النسخ ـ عند الدوران بينهما ـ هو غلبة التخصيص وندرة النسخ.

ثم إنّ الفرق بين النسخ والتخصيص ـ بعد وضوح وجوب العمل بالخاص المتأخر عن زمان العمل بالعامّ مطلقا سواء أكان ناسخا أم مخصّصا ـ هو : أنه بناء على التخصيص يكون الخاصّ كاشفا عن كون الحكم الواقعي هو مؤدى الخاصّ ، وأن العام لم يكن مرادا جدّيا من أوّل الأمر ، فإن لم يعمل بالعامّ لم يكن عاصيا ، بل متجرّيا ، لعدم عمله بما كان حجة عليه ظاهرا وهو العام. وبناء على النسخ يكون العام حكما واقعيا ، فإن لم يعمل به كان عاصيا ، حيث إن النسخ عبارة عن رفع دوام الحكم وقطع استمراره ، فالعام مراد جدّي للشارع ما لم يرد ناسخ له ، ومع ورود الناسخ يرتفع استمرار حكم العام ، نظير الأحكام الموقّتة المرتفعة بخروج أوقاتها ، بل الحكم المنسوخ منها حقيقة. فمع فرض كون العام من الموقّتات التي يجب قضاؤها بعد خروج أوقاتها يجب قضاؤها بناء على النسخ ، لأنّ الواجب الواقعي فات عنه في وقته فوجب عليه قضاؤه. ولا يجب قضاؤها بناء على التخصيص ، لعدم الوجوب واقعا للعام.

والحاصل : أنّ غلبة التخصيص على النسخ في المحاورات تلحق المشكوك بالغالب وهو التخصيص. قال شيخنا الأعظم : «لا إشكال في تقديم ظهور الحكم الملقى من الشارع ـ في مقام التشريع في استمراره باستمرار الشريعة ـ على ظهور العام في العموم الأفرادي ،

٢٥٦

ولا يخفى (١) أن دلالة الخاصّ (٢)

______________________________________________________

ويعبّر عن ذلك بأنّ التخصيص أولى من النسخ ، من غير فرق بين أن يكون احتمال المنسوخية في العام أو في الخاصّ. والمعروف تعليل ذلك بشيوع التخصيص وندرة النسخ».

(١) هذا إشكال على الوجه المزبور ، وهو غلبة التخصيص على النسخ ، الّذي جعله الشيخ وغيره وجها لترجيح التخصيص على النسخ في الصورتين المذكورتين في المتن.

ومحصل الإشكال هو : أنّه بناء على الوجه الّذي ذكر في تقديم التقييد على التخصيص ـ من كون ظهور العام في العموم تنجيزيا وظهور المطلق في الإطلاق تعليقيّا ـ يلزم تقديم النسخ في المقام على التخصيص ، لأنّ دلالة كل دليل على الاستمرار تكون بالإطلاق ، فالدلالة على الاستمرار تعليقية ، لكونها بالمقدمات ، لا تنجيزية ، لعدم كونها بالوضع ، فإذا دل دليل بالوضع على قطع ذلك الاستمرار قدّم ذلك الدليل عليه ، لكونه بالوضع قاطعا للاستمرار ومانعا عن تحقق الإطلاق المنوط بعدم البيان ، لكون الدليل القاطع للاستمرار بيانا. فإذا ورد «أكرم زيدا الشاعر» وبعد حضور وقت العمل به ورد «لا تكرم الشعراء» فإنّ دلالة الخاصّ على استمرار وجوب إكرام زيد الشاعر تكون بالإطلاق لا بالوضع ، ودلالة حرمة إكرام كل شاعر من زيد وغيره من الأفراد تكون بالوضع بناء على وضع الجمع المحلّى باللام للعموم ، وحيث إنّ الظهور الوضعي تنجيزي والإطلاقي تعليقي يقدّم العامّ ويصير ناسخا أي رافعا لاستمرار حكم الخاصّ.

وكذا الحال في عكس المثال ، وهو ما إذا ورد الخاصّ بعد حضور وقت العمل بالعامّ ، فإنّ مقتضى تقدم الظهور التنجيزي على التعليقي كما عرفت هو كون الخاصّ ناسخا لا مخصّصا.

فالمتحصل : أنّ هذا الوجه ـ أي تنجيزية الظهور وتعليقيّته ـ يقتضي كون العام ناسخا في المثال الأوّل ، وكون الخاصّ ناسخا للعام في المثال الثاني. وعليه فلا بد من الالتزام بالنسخ في الموردين ، دون التخصيص كما ذهب إليه الشيخ وغيره كما عرفت في عبارته المنقولة.

(٢) هذا في المورد الأوّل أعني به : ورود العام بعد حضور وقت العمل بالخاص.

٢٥٧

أو العام (١) على الاستمرار والدّوام إنّما هو بالإطلاق لا بالوضع ، فعلى الوجه العقلي (٢) في تقديم التقييد على التخصيص كان (٣) اللازم في هذا الدوران (٤) تقديم النسخ على التخصيص أيضا (٥) ، وأنّ (٦) غلبة التخصيص إنّما توجب أقوائية ظهور الكلام في الاستمرار والدّوام من ظهور العام في العموم إذا كانت مرتكزة في أذهان أهل المحاورة بمثابة (٧) تعدّ من القرائن المكتنفة

______________________________________________________

(١) هذا في المورد الثاني ، وهو ورود الخاصّ بعد حضور وقت العمل بالعامّ.

(٢) وهو كون ظهور العام في العموم تنجيزيّا وظهور المطلق في الإطلاق تعليقيا ، وهذا الوجه العقلي هو الّذي ذكره مرجّحا لتقديم التقييد على التخصيص بقوله : «من كون ظهور العام في العموم تنجيزيّا ، بخلاف ظهور المطلق في الإطلاق ... إلخ».

(٣) هذا ما يتعلق به قوله : «فعلى الوجه» يعني : فعلى الوجه العقلي كان اللازم ... إلخ.

(٤) أي : في الدوران بين النسخ والتخصيص ، وقد عرفت وجه اللزوم ، وهو كون دلالة الدليل على الاستمرار بالإطلاق ، ودلالة العام على العموم ـ الّذي هو بيان لقطع استمرار الدليل المقابل له ـ بالوضع ، فلا بد حينئذ من تقديم النسخ على التخصيص.

(٥) يعني : كتقديم التقييد على التخصيص كما تقديم في دوران الأمر بين التخصيص والتقييد.

(٦) معطوف على «أن دلالة الخاصّ» وهذا متمّم للجواب عن تقديم التخصيص على النسخ لأجل الغلبة. توضيحه : أن غلبة التخصيص لا تجدي في رفع اليد عن الظهور الوضعي للعام بالظهور الإطلاقي ، إلّا إذا أوجبت أقوائية الظهور الإطلاقي في الاستمرار من الظهور الوضعي للعام في العموم ، ولا توجب الغلبة ذلك إلّا إذا كانت مرتكزة في أذهان العرف بحيث تعدّ عندهم من القرائن المكتنفة بالكلام الموجبة للظهور. وليست الغلبة كذلك ، فلا يعتد بها وإن كانت مفيدة للظن بالتخصيص ، لكن مجرد الظن بالتخصيص لا يوجب وهنا في ظهور الكلام في العموم ، ولا أقوائية ظهوره في الدوام.

(٧) متعلق بقوله : «مرتكزة».

٢٥٨

بالكلام (١) ، وإلّا (٢) فهي وإن أنت مفيدة للظن بالتخصيص ، إلّا أنّها غير موجبة لها (٣) كما لا يخفى (*).

ثم (٤) إنّه بناء على اعتبار عدم حضور وقت العمل (٥) في التخصيص ـ لئلا (٦) يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ـ يشكل (٧) الأمر في تخصيص

______________________________________________________

(١) بحيث توجب أظهرية الكلام في الاستمرار من الظهور الوضعي للعام في العموم.

(٢) أي : وإن لم تكن الغلبة مرتكزة في أذهان أبناء المحاورة فالغلبة وإن كانت حينئذ مفيدة للظن بالتخصيص ، لكنها لا توجب أقوائية الظهور التي هي مناط تقديم التخصيص على النسخ.

(٣) أي : لأقوائية ظهور الكلام ، وضميرا «فهي ، أنها» راجعان إلى الغلبة.

(٤) غرضه تحقيق حال الخصوصات الواردة عن أهل البيت المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين» بعد العمل بالعمومات الواردة في الكتاب والسنة ، ومحصل الإشكال فيها : أنّه بناء على اشتراط التخصيص بورود الخاصّ قبل زمان العمل بالعامّ ـ حتى لا يلزم القبح وهو تفويت الغرض بتأخير البيان عن وقت الحاجة ـ يشكل الأمر في تلك الخصوصات ، إذ لو كان ورودها بعد العمل بالعامّ يلزم هذا القبح ، فلا يمكن الالتزام بمخصّصيّة تلك الخصوصات لعمومات الكتاب والسنة ، كما أنه لا يمكن الالتزام بناسخيتها أيضا لتلك العمومات ، لاستلزامه كثرة النسخ في الشريعة الواحدة مع قلّته وكثرة التخصيص.

وببيان آخر : الخاصّ مخصّص إن كان قبل زمان الحاجة أي قبل العمل بالعامّ ، وإن كان بعده فهو ناسخ وليس بمخصّص ، فلا دوران بين المخصصية والناسخية.

(٥) أي : وقت العمل بالعامّ ، فإنّ تخصيصه منوط بورود الخاصّ قبل حضور وقت العمل بالعامّ.

(٦) هذا تعليل لاعتبار كون التخصيص قبل زمان العمل بالعامّ ، وقد مرّ آنفا توضيحه.

(٧) خبر «انه» يعني : ثم إنّه يشكل الأمر في تخصيص الكتاب ... إلخ.

__________________

(*) لكن المصنف «قده» في العام والخاصّ قبيل البحث في معنى النسخ قدّم التخصيص على النسخ ، حيث قال : «إلّا أنّ الأظهر كونه مخصصا مع ذلك ... إلخ» فلاحظ.

٢٥٩

الكتاب أو السنة (١) بالخصوصات الصادرة عن الأئمة عليهم‌السلام ، فإنّها (٢) صادرة بعد حضور وقت العمل بعموماتهما [بعموماتها] والتزام نسخهما [نسخها] بها (٣)

______________________________________________________

(١) المراد بالسّنة هنا هي السنة النبوية ، بقرينة صدور الخصوصات من الأئمة «عليهم‌السلام» لا بمعنى ما يقطع بكونه من الدين كما هو المقصود من أخبار العرض على الكتاب والسنة.

(٢) يعني : فإنّ الخصوصات صادرة ... إلخ ، وهذا تقريب الإشكال المزبور. يعني : والمفروض أنّها صادرة بعد العمل بالعامّ ، فلا يمكن أن تكون مخصّصة لعمومات الكتاب والسنة.

والحاصل : أنّه يمكن تقريب الإشكال بوجهين :

أحدهما : عدم معقولية دوران الخاصّ المتأخّر عن العام بين النسخ والتخصيص ، إذ مع وروده قبل العمل بالعامّ يتعيّن التخصيص ، وبعد العمل بالعامّ يتعين النسخ ، فلا دوران بينهما.

ثانيهما : أن أمر تلك الخصوصات دائر بين أمرين يبعد الالتزام بهما.

الأوّل : حملها على النسخ بعد انقضاء الوحي ، بأن يقال : إنّ الناسخ مما أنشأه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله وأخفاه لمصلحة عن الناس وأودعه عند الوصي صلوات الله عليه» ليظهره عليهم عند وجود المصلحة في إظهاره.

ووجه بعده ما قيل : من ندرته خصوصا فيما كان إظهاره عنهم عليهم‌السلام لا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فتأمل.

الثاني : حملها على التخصيص ، مع الالتزام باحتفاف العام الكتابي بما يخصّصه ، وعمل السابقين بالخاص لعلهم به ، لكنه اختفى فأظهره الإمام عليه‌السلام لأهل عصره.

ووجه بعده : أنّ عموم البلوى بتلك الخصوصات الموجب لتوفّر الدواعي إلى نقلها وضبطها ـ حتى لا تقع الطبقات المتأخرة في خلاف الواقع ـ يوجب الاطمئنان بعدم علم أهل العصر السابق بتلك الخصوصات والقرائن الدالة عليها.

(٣) أي : بالخصوصات ، وضميرا «بعموماتهما ، نسخهما» راجعان إلى «الكتاب أو

٢٦٠