منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٨

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٨

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: نمونه
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٥٢

حال سائر أخباره (١) (*).

مع (٢) أنّ في كون أخبار موافقة الكتاب أو مخالفة القوم من أخبار

______________________________________________________

ومخالفة العامة ، والخبر الرابع على الترجيح بمخالفة العامة خاصة. ومن المعلوم أن النسبة بين الخبر الأوّل والثاني والرابع هو العموم من وجه ، فتعارض في المجمع وهو الخبر المشهور المخالف للكتاب والموافق للعامة ، فمقتضى الخبر الأوّل الأخذ به. ومقتضى سائر الأخبار تقديم غيره عليه. والنسبة بين الخبر الثاني والرابع مع الثالث العموم المطلق.

والحاصل : أنّ أخبار الترجيح لمّا كانت متعارضة فمقتضى القاعدة سقوطها وعدم تقييد أخبار التخيير بها.

(١) أي : أخبار الترجيح.

(٢) هذا سابع إشكالات وجوب الترجيح ، ومرجعه إلى أجنبية بعض ما عدّ من مرجحات الخبرين المتعارضين ـ ومن مقيِّدات إطلاقات التخيير ـ عن باب ترجيح أحد المتعارضين على الآخر. توضيحه : أنّ مورد أخبار الترجيح هو الخبران الجامعان لشرائط الحجية بحيث لو لم يكن بينهما تعارض لكان كل منهما حجة فعلا ، فالمقتضي للحجية في كل منهما موجود ، والتعارض مانع ، فالمرجِّح يوجب فعلية حجية ذيه ، والأخبار العلاجية متكفِّلة لمرجِّح الحجة الفعلية. فلو كان المرجِّح مميِّزا للحجة عن اللاحجة ـ بمعنى كون المقتضي للحجية في أحدهما موجودا دون الآخر ـ كان هذا خارجا عن ترجيح الحجة على الحجة كما هو مورد البحث. والمفروض أن الخبر المخالف للكتاب ليس فيه مقتضي الحجية ، لأنّ مخالفته للكتاب تشهد بعدم صدوره ، ومن المعلوم أنّ إحراز صدوره ـ ولو تعبُّدا ـ مما يتوقف عليه حجية الخبر ، فالخبر غير الصادر ليس فيه اقتضاء الحجية حتى يرجّح على غيره ـ أو غيره عليه ـ في الحجية الفعلية.

وعليه فعدُّ الطائفة الآمرة بطرح الخبر المخالف للكتاب ـ والدالة على «أنه باطل

__________________

(*) الظاهر الاستغناء عن قوله : «ومنه» إلى قوله : «أخباره» بقوله : «من الأخبار» لورود أكثر إشكالات المقبولة والمرفوعة على ما عداهما من الأخبار. فالأولى أن يقال : «ويشهد به الاختلاف الكثير بين سائر ما دلّ على الترجيح من الأخبار. مضافا إلى ما فيها من أكثر الإشكالات المتقدمة».

١٤١

الباب (١) نظرا (٢) ، وجهه قوّة احتمال أن يكون الخبر المخالف للكتاب في نفسه (٣) غير حجة ، بشهادة (٤) ما ورد في أنه (٥) زخرف (٦) وباطل (٧)

______________________________________________________

وزخرف» ونحو ذلك من التعبيرات ـ من الأخبار العلاجية الدالة على الترجيح في تعارض الخبرين لا يخلو من النّظر.

فمرجع هذا الإشكال إلى عدم كون موافقة الكتاب ومخالفته من المرجحات ، وأجنبيتهما عن باب الترجيح في الخبرين المتعارضين ، وأنهما مميِّزتان للحجة عن اللاحجة ، ولا تصل النوبة حينئذ إلى البحث عن وجوب الترجيح واستحبابه وتقييد إطلاقات التخيير ، لما عرفت من أن عدم المخالفة للكتاب شرط حجية مطلق الأخبار الآحاد سواء كانت متعارضة أم لا ، وليست من مرجحات باب التعارض.

(١) أي : باب تعارض الخبرين اللذين فيهما اقتضاء الحجية.

(٢) اسم «أنّ» وحاصل وجه النّظر ما تقدّم من عدم حجية الخبر المخالف للكتاب في نفسه وإن لم يكن له معارض ، فيخرج عن باب تعارض الخبرين.

(٣) يعني : حتى مع عدم ابتلائه بالمعارض.

(٤) هذا شاهد على قوّة الاحتمال المذكور ، فإن التعبير بـ «الزخرف والباطل وأنه لم نقله» يكشف عن عدم المقتضي للحجية فيه ، لأنّه يدل على نفي الصدور الّذي لا محيص عن إثباته ولو تعبُّدا في حجية الخبر ، إذ لا معنى لحجيته مع نفي صدوره ، فهذه التعبيرات الكاشفة عن عدم الصدور مميِّزة للحجة عن اللاحجة ، وأجنبية عن ترجيح إحدى الحجتين على الأخرى الّذي هو المقصود في تعارض الخبرين.

(٥) هذا الضمير وضمائر «نفسه ، لم نقله ، بطرحه» راجعة إلى «الخبر المخالف».

(٦) كما في معتبرة أيوب بن راشد عن أبي عبد الله عليه‌السلام. قال : «ما لا يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف» (١).

(٧) كما في خبر الحسن بن الجهم عن العبد الصالح عليه‌السلام قال : «إذا جاءك الحديثان المختلفان فقسهما على كتاب الله وأحاديثنا ، فإن أشبهها فهو حق ، وإن لم يشبهها فهو باطل» (٢).

__________________

(١) الوسائل : ج ١٨ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث : ١٢ ، ص ٧٨

(٢) المصدر ، الحديث : ٤٨ ، ص ٨٩

١٤٢

وليس بشيء (١) ، أو أنه (٢) لم نقله (٣) أو أمر (٤) بطرحه على الجدار (٥). وكذا الخبر الموافق للقوم (٦) ،

______________________________________________________

(١) لم أظفر على رواية بمضمون «ما خالف كتاب الله فليس بشيء» أو ما يقرب منه. نعم في رواية الحسن بن الجهم عن الرضا عليه‌السلام : «فليس منّا» وفي خبر آخر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : «وأمّا ما خالف كتاب الله فليس من حديثي» (١). ولا بدّ من مزيد التتبع.

(٢) معطوف على «أنه» في قوله : «أنه زخرف» والضمير إما للشأن وإما راجع إلى «الخبر المخالف».

(٣) كما في خبر هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «خطب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بمنى ، فقال : أيّها الناس ما جاءكم عنّي يوافق كتاب الله فأنا قلته ، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله» (٢).

(٤) معطوف على «ورد» والمراد بـ «ما» الموصول الأخبار الواردة في حكم الخبر المخالف للكتاب ، فكأنه قيل : بشهادة الأخبار التي وردت في أن الخبر المخالف للكتاب زخرف ... أو أمرت بطرحه على الجدار.

(٥) لم نعثر على الرواية المشتملة على هذه الكلمة في جوامع الأخبار ، لكن ظاهر تعبير بعض الأجلة كأمين الإسلام في مقدمة تفسيره والشيخ في مقدمة التبيان وفي العدة وجود خبر بهذا المضمون ، فقال الشيخ : «وروي عنه عليه‌السلام أنه قال : إذا جاءكم عنّي حديث فاعرضوه على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فاقبلوه ، وما خالفه فاضربوا به عرض الحائط» (٣).

وقال في العدّة في مسألة تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد : «بل قد ورد عنهم (عليهم‌السلام) ما لا خلاف فيه من قولهم : إذا جاءكم عنّا حديث فاعرضوه على كتاب الله ، فإن وافق كتاب الله فخذوه ، وإن خالفه فردّوه ، أو : فاضربوا به عرض الحائط ، على حسب اختلاف الألفاظ فيه ...» (٤).

(٦) غرضه : أن وزان الخبر الموافق للعامة وزان الخبر المخالف للكتاب في الخروج عن باب مرجّحات أحد الخبرين المتعارضين والاندراج في مميِّزات الحجة عن اللاحجة.

__________________

(١) المصدر ، الحديث : ١٥ ، ص ٧٩

(٢) بحار الأنوار ، ٢ ـ ٢٢٧ ، الحديث : ٥

(٣) تفسير التبيان ، ١ ـ ٥ ، مجمع البيان : ١ ـ ١٣

(٤) عدّة الأصول ، ١ ـ ١٣٨

١٤٣

ضرورة (١) أن أصالة عدم صدوره تقية بملاحظة الخبر المخالف لهم مع الوثوق بصدوره لو لا القطع به (٢) غير (٣) جارية ، للوثوق حينئذ (٤) بصدوره كذلك (٥). وكذا الصدور (٦) أو الظهور في الخبر المخالف للكتاب

______________________________________________________

توضيحه : أنّ حجية الخبر كما تتوقف على أصل الصدور كذلك تتوقف على جهة الصدور ، وهي كونه صادرا لبيان الحكم الواقعي ، لا لبيان غيره من تقية أو غيرها ، ولا يحصل الاطمئنان من الخبر الموافق لهم بصدوره لبيان الحكم الواقعي إن لم يحصل الاطمئنان بخلافه ، فبناء العقلاء الّذي هو دليل جهة الصدور ـ التي هي شرط حجية الخبر ـ لا يشمل الخبر الموافق ، فيخرجان عن باب تعارض الخبرين ويدخلان في تعارض الحجة واللاحجة ، لمغايرة ما هو شرط الحجية لما هو مرجح الحجية.

(١) تعليل لقوله : «وكذا الخبر الموافق للقوم» وحاصله : أنّ أصالة جهة الصدور التي هي من الأصول العقلائية المحرزة لجهة الصدور ـ التي هي إحدى الجهات التي تتوقف عليها حجية الخبر ـ لا تجري في الخبر الموافق لهم ، للوثوق بصدوره تقية بملاحظة الخبر المخالف لهم ، لما دلّ على كون مخالفتهم رشدا وموافقتهم ضلالة ، ومع هذا الوثوق باختلال جهة الصدور كيف يجري الأصل العقلائي في الخبر الموافق حتى تحرز به هذه الجهة؟ وأنّه صدر لبيان الحكم الواقعي.

(٢) أي : بصدوره ، وضميرا «صدوره ، وبصدوره» راجعان إلى «الخبر الموافق».

(٣) خبر «أن» و «للوثوق» متعلق بـ «جارية» وتعليل لعدم الجريان ، وقد مرّ توضيحه بقولنا : «ان أصالة الجهة ... لا تجري في الخبر الموافق لهم ... إلخ».

(٤) أي : حين القطع أو الوثوق بصدور الخبر المخالف للقوم.

(٥) أي : بصدور الموافق تقيّة ، حاصله : أن الوثوق أو القطع بصدور المخالف ـ الناشئ من مخالفته لهم ـ يوجب الوثوق بصدور الخبر الموافق تقية ، لا لبيان الحكم الواقعي ، ومع هذا الوثوق لا تجري فيه أصالة جهة الصدور ، لعدم بناء العقلاء عليها مع الوثوق بخلافها.

(٦) غرضه : أن الخبر المخالف للكتاب كالموافق للقوم فاقد لشرط الحجية سندا وظهورا ، لأنّ التعبير عنه في الروايات بالزخرف والباطل يكشف عن عدم اقتضاء الحجية فيه ، لا أنّه فاقد لما هو مرجِّح الحجية ، ومن المعلوم أن ما لا يصلح للحجية لا يشمله دليل

١٤٤

يكون موهونا بحيث لا يعمّه أدلة اعتبار السند ، ولا الظهور (١) كما لا يخفى ، فتكون (٢) هذه الأخبار (٣) في مقام تمييز الحجة عن اللاحجة ، لا (٤) ترجيح الحجة على الحجة ، فافهم (٥).

______________________________________________________

صدوره من الروايات وبناء العقلاء ، ولا دليل ظهوره وهو بناء العقلاء أيضا ، فلا يكون الخبر المخالف للكتاب في نفسه ـ مع الغض عن ابتلائه بالمعارض ـ حجة حتى يندرج هو ومعارضه ـ أعني الخبر الموافق للكتاب ـ في تعارض الحجتين ، وتكون موافقة الكتاب مرجِّحة للخبر الموافق له ، بل هما مندرجان في تعارض الحجة مع اللاحجة ، وموافقة الكتاب من مميِّزات الحجة عن غيرها ، لا من مرجحات الحجة.

(١) يعني : فيكون الخبر المخالف فاقدا لشرائط الحجية ، لا لمرجحات الحجة كما هو المطلوب.

(٢) هذه نتيجة ما أفاده من الإشكال في كون أخبار موافقة الكتاب أو مخالفة القوم من أخبار الباب ، وقد مرّ آنفا توضيح الإشكال الّذي مرجعه إلى عدم حجية الخبر المخالف للكتاب والموافق للقوم في نفسه مع الغض عن المعارضة.

(٣) أي : أخبار موافقة الكتاب ومخالفة القوم.

(٤) معطوف على «تمييز» يعني : لا في مقام ترجيح الحجة على الحجة كما هو مورد البحث ، فتكون تلك الأخبار أجنبية عما نحن فيه ، فالتمسك بها لوجوب الترجيح في غير محله.

(٥) لعله إشارة إلى ما احتمله بعض من : أنّ إطلاقات التخيير مقيّدة لا محالة بأخبار موافقة الكتاب ومخالفة العامة وإن حملتا على تمييز الحجة عن اللاحجة ، لا ترجيح الحجة على الحجة ، ضرورة أنه لا تخيير بين الحجة واللاحجة ، فإطلاقات التخيير مقيّدة على كل حال.

لكن فيه ما لا يخفى ، حيث إن مورد أخبار التخيير الخبران الجامعان لشرائط الحجية بحيث لو لم يكن بينهما تعارض لكان كلاهما حجة فعلية ، لا مطلق الخبرين وإن لم يكن أحدهما حجة ذاتا. وعليه فلا يصلح ما دلّ على الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة لتقييد إطلاقات التخيير ، لمغايرة موردها لمورد الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة

١٤٥

وإن أبيت عن ذلك (١) فلا محيص عن حملها توفيقا بينها وبين الإطلاقات ، إمّا على ذلك (٢) ،

______________________________________________________

كما عرفت.

ويمكن أن يكون إشارة إلى : ما أفاده الماتن في آخر فصول هذا المقصد من كون موافقة الكتاب من مرجحات الحجة على الحجة ، لا من مميِّزات الحجة عن اللاحجة ـ كما بيَّنّا ـ بتقريب : أن موافقة الكتاب ومخالفته المذكورتين في الأخبار العلاجية كالمقبولة لا يراد بهما ما يراد بهما في الأخبار المتضمنة لكون مخالفة الكتاب زخرفا وباطلا ونحوهما ، إذ المراد بالمخالف فيها هو المخالفة التباينية ، لأنّها هي المساوقة للبطلان ، دون المخالفة بالعموم والخصوص المطلق ، لوضوح جواز تخصيص العام الكتابي وكذا تقييد مطلقه بالخبر الواحد ، فإذا كان هناك خبران متعارضان يكون أحدهما موافقا لعام الكتاب والآخر خاصا مخالفا له أمكن ترجيح الخبر الموافق لعامّه على المخالف له مخالفة بالخصوص المطلق.

(١) يعني : وإن أبيت عن تسليم ظهور أخبار الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة في تمييز الحجة عن اللاحجة والتزمت بكونها ظاهرة في ترجيح إحدى الحجتين على الأخرى ، فلا تصلح مع ذلك لتقييد إطلاقات التخيير ، لتوقف تقييدها على أظهرية مقيِّدها. وقد تقدّم فيما يتعلق بالمقبولة والمرفوعة أظهرية إطلاقات التخيير ، وعدم صلاحيتهما لتقييدها.

وحيث تعذّر الجمع الموضوعي ـ المقدّم رتبة على الجمع الحكمي ـ فلا بدّ حينئذ من الجمع بين إطلاقات التخيير وبين أخبار الترجيح بحمل هذه إمّا على الاستحباب ، وإمّا على كونها في مقام تمييز الحجة عن اللاحجة ، فإطلاقات التخيير لا تنثلم.

ولا يخفى أن قوله : «وإن أبيت» يعدّ وجها آخر لعدم تقييد إطلاقات التخيير في قبال الوجوه السابقة ، لكنه راجع إلى الأظهرية المانعة عن التقييد ، أو إلى استلزام التقييد حمل المطلق على الفرد النادر ، لقلة موارد تكافؤ الخبرين المتعارضين من جميع الجهات. وكلاهما من الإشكالات المتقدّمة الواردة على تقييد إطلاقات التخيير.

(٢) أي على تمييز الحجة عن اللاحجة.

١٤٦

أو على الاستحباب كما أشرنا إليه آنفا (١) ، هذا.

ثم إنه لو لا التوفيق بذلك (٢) للزم التقييد أيضا في أخبار المرجحات ، وهي (٣) آبية عنه ، كيف يمكن تقييد مثل «ما خالف قول ربّنا لم أقله» أو «زخرف» أو «باطل» كما لا يخفى (*)؟

______________________________________________________

(١) حيث قال فيما يتعلق بالمقبولة : «بحيث لو لم يكن ظهور المقبولة في ذلك الاختصاص لوجب حملها عليه ، أو على ما لا ينافيها من الحمل على الاستحباب».

(٢) أي : لو لا التوفيق بحمل أخبار الترجيح على تمييز الحجة عن اللاحجة للزم التقييد في نفس أخبار الترجيح كلزومه في إطلاقات التخيير. وغرضه إيراد إشكال آخر على تقييد إطلاقات التخيير بأخبار الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة كما عن المشهور.

تقريب الإشكال : أن التقييد المزبور مستلزم لتقييد نفس أخبار الترجيح أيضا ، حيث إن إطلاق مرجحية مخالفة العامة مقيّد بما إذا لم يكن الخبر الموافق لهم موافقا للكتاب ، أو لم يكن الخبران معا مخالفين لهم ، مع خلوِّ أخبار الترجيح بمخالفة العامة عن هذا القيد. وكذا مرجحية موافقة الكتاب ، فإنّه لا بدّ من تقييدها بما إذا لم يكن الخبر الموافق له موافقا للعامة. وكذا مرجحية الشهرة ، فلا بدّ من تقييدها بما إذا لم يكن المشهور مخالفا للكتاب أو موافقا للعامة.

وبالجملة : فلا بدّ من تقييد إطلاقات نفس أخبار المرجحات ورفع الاختلاف بينها أوّلا حتى تصلح لتقييد إطلاقات التخيير ثانيا ، والمفروض إباء أخبار المرجحات عن التقييد كما سيأتي.

(٣) الجملة حالية ، يعني : والحال أنّ أخبار المرجحات آبية عن التقييد ، كيف يمكن تقييد إطلاق مثل «ما خالف قول ربنا لم نقله ، أو زخرف أو باطل»؟

وجه عدم إمكان التقييد : أنّ عنوان «الباطل» ونحوه يكون من العناوين التي هي علّة تامة للقبح كالمعصية ، فكيف يمكن أن يقال : «إن ما خالف قول ربنا باطل إلّا إذا كان مخالفا للعامة ، أو كان موافقا للمشهور»؟ وحيث امتنع تقييد إطلاق مثل «زخرف وباطل» تعيّن حمله على تمييز الحجة عن اللاحجة.

__________________

(*) لا يظن من أحد أن يجعل الروايات المشتملة على هذه العناوين من أخبار الترجيح حتى

١٤٧

فتلخّص ممّا ذكرنا (١) : أنّ إطلاقات التخيير محكّمة ، وليس في الأخبار (٢) ما يصلح لتقييدها (٣) (*).

______________________________________________________

(١) من الإشكالات المتقدمة التي أوردها على تقييد إطلاقات التخيير من أظهرية الإطلاقات من التقييد ، ومن استلزام حمَل التقييد حمل المطلقات على الفرد النادر ، وغيرهما.

(٢) أي : أخبار الترجيح التي ادّعي تقييدها لإطلاقات التخيير.

(٣) أي : لتقييد إطلاقات التخيير.

__________________

يقال : بإبائها عن التقييد ، إذ المراد بهذه المخالفة الموجبة لكون الخبر المخالف للكتاب زخرفا وباطلا هي المخالفة التباينية ، لما تقدّم في أول مبحث التعادل والترجيح من أنّ المخالفة بالأعم والأخص المطلق ليست مخالفة عرفا ، لوجود الجمع العرفي بين العام والخاصّ والمطلق والمقيد.

وعليه فالأخبار المشتملة على كون الخبر «باطلا وزخرفا» ونحو ذلك أجنبية عن أخبار المرجحات حتى تحتاج إلى التقييد ، ويستشكل فيه بإبائها عن التقييد ، بل هذه الأخبار في مقام تمييز الحجة عن اللاحجة كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

(*) قد عرفت في توضيح المتن أن المرجحات المنصوص عليها في الأخبار العلاجية كثيرة :

فمنها : الترجيح بصفات الراوي كما في المقبولة والمرفوعة مع اختلافهما في بعض الصفات.

ومنها : الترجيح بالشهرة كما في الخبرين مع اختلافهما في تقديمه على الترجيح بالصفات وتأخيره عنه.

ومنها : الترجيح بموافقة الكتاب والسنة كما في المقبولة وغيرها.

ومنها : الترجيح بمخالفة العامة كما فيها أيضا وفي غيرها.

ومنها : الترجيح بالأحدثية كما استظهره الصدوق «قده» من بعض الأخبار.

فينبغي النّظر في مفاد هذه الطوائف المختلفة ، وتحقيق ما أفاده المصنف «قده» من حمل جملة منها على تمييز الحجة عن غيرها ، أو حملها على الاستحباب ، فالمهم الكلام في المقبولة التي هي أجمع أخبار العلاج للمرجحات ، ثم في بعض أخبار الترجيح ، فنقول وبه نستعين :

ان جهات البحث في المقبولة أربع ، وهي السند ، وفقه الحديث ، والإشكالات الواردة على الاستدلال بها ، والمرجِّحات المنصوصة فيها وفي سائر الأخبار.

أما الجهة الأولى فالظاهر اعتبار سند المقبولة إلّا من ناحية عمر بن حنظلة ، فقد رواها ثقة

١٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الإسلام «قده» عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن عيسى عن صفوان بن يحيى عن داود بن الحصين عن عمر بن حنظلة ، ولا غمز في هذا السند كما هو غير خفي على من له دراية بالرجال. وإنما الكلام في جهالة عمر بن حنظلة ، لعدم توثيقه في الأصول الرجالية.

والوجوه المعتمد عليها لإثبات وثاقته عند جمع ـ من الأخبار المادحة له المدرجة للرجل في الثقات أو الحسان ، ومن رواية أصحاب الإجماع كصفوان بن يحيى عنه ، ومن توثيق الشهيد الثاني إيّاه في الدراية والعلامة المجلسي في محكي الوجيزة ، وقال في المرآة : «موثق تلقّاه الأصحاب بالقبول» (١) ونحوها ـ غير ظاهرة.

أما الأخبار المادحة فلأنها غير نقية سندا ، إما لعدم ثبوت وثاقة الراوي كما في رواية يزيد بن خليفة ، وإما لكون راويها عمر نفسه.

وأمّا توثيق الشهيد الثاني والعلامة المجلسي وغيرهما من المتأخرين «قدس‌سرهم» فلا يجدي أيضا ، إذ المطلوب في الجرح والتعديل كسائر موارد الشهادات هو الإخبار عن الحسّ لا الحدس ، ومن المعلوم عدم احتمال كون هذا التوثيق شهادة حسِّية ، لبعد العهد. مع أن المحكي عن الشهيد استناده إلى رواية يزيد بن خليفة عن الصادق عليه‌السلام : «إذن لا يكذب علينا» وهي قاصرة سندا. ولو قيل بأنّ يزيد ممن روى عنه ابن أبي عمير بسند صحيح ، فيشمله عموم توثيق رجال أصحاب الإجماع ، ويثبت به كلام الإمام عليه‌السلام في شأن عمر بن حنظلة ، قلنا لو تمّ ذلك لما كانت حاجة إلى رواية يزيد بن خليفة لكونه تبعيدا للمسافة ، إذ المفروض رواية صفوان بسند معتبر عن عمر ، فيحكم بوثاقته بهذا الطريق لا برواية يزيد.

وأمّا رواية صفوان عن عمر بن حنظلة ـ مع كون صفوان بن يحيى من أصحاب الإجماع ـ فهي كسائر الوجوه قاصرة عن إثبات وثاقة الرّجل. ولتوضيح الحال لا بأس بالتعرض لشطر من الكلام فيه ، للانتفاع به في غير المقام أيضا ، فنقول وبه نستعين :

الأصل في هذا الإجماع ما في رجال الكشي في عنوان تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا عليهما‌السلام : «أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم وأقرّوا لهم بالفقه والعلم ، وهم ستة نفر أخر دون الستة نفر الّذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبد الله (عليه‌السلام) ، منهم يونس بن عبد الرحمن ، وصفوان بن يحيى بيّاع السابري ، ومحمّد بن أبي عمير ، وعبد

__________________

(١) مرآة العقول ، ١ ـ ٢٢١

١٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الله بن المغيرة ، والحسن بن محبوب ، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر ، وقال بعضهم مكان الحسن بن محبوب الحسن بن علي بن فضّال وفضالة بن أيّوب ، وقال بعضهم مكان فضالة بن أيّوب عثمان بن عيسى. وأفقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيى» (١).

وينبغي النّظر في تحقق هذا الإجماع ، ثم في مفاد كلام الكشّي ، ثم في حجيته ، فهنا مباحث :

المبحث الأوّل : في ثبوت الإجماع المزبور وعدمه ، والظاهر تحققه ـ مع الغضّ عن اختلاف الأصحاب في مفاده ـ لما عرفت من نقل الكشي له ، واعتراف من تأخر عنه به كالشيخ وابن شهرآشوب والعلامة وابن داود وغيرهم (قدس‌سرهم). فالمستفاد من كلام الشيخ تقريره له في موضعين :

أحدهما : ما حكاه السيد الأجل علي بن طاوس (قده) ـ في كتابه فرج الهموم ـ لما أملاه الشيخ في المشهد الغروي على مشرّفه أفضل الصلاة والسّلام بقوله : «فإن هذه الأخبار اختصرتها من كتاب الرّجال لأبي عمرو محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشِّي ، واخترنا ما فيها» (٢) فان ظاهره ـ بل صريحه ـ كون كل ما في رجال الكشِّي الموجود بأيدينا مرضيّا للشيخ ومختارا له ، فيكون الإجماع المدّعى مقبولا عنده أيضا.

ثانيهما : ما أفاده في بحث الخبر الواحد من العُدّة بقوله : «فأمّا الأخبار إذا تعارضت وتقابلت فانه يحتاج في العمل ببعضها إلى الترجيح ، والترجيح يكون بأشياء ... إلى أن قال : وإذا كان أحد الراويين مسندا والآخر مرسلا نظر في حال المرسل ، فان كان ممن يعلم أنه لا يرسل إلّا عن ثقة موثوق به فلا ترجيح لخبر غيره على خبره ، ولأجل ذلك سوّت الطائفة بين ما يرويه محمّد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمّد بن أبي نصر وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّا ممّن يوثق به ، وبين ما أسنده غيرهم ، ولذلك عملوا بمرسلهم إذا انفرد عن رواية غيرهم ... إلى أن قال : فأمّا إذا انفردت المراسيل فيجوز العمل بها على الشرط الّذي ذكرناه. ودليلنا على ذلك الأدلة التي قدمناها على جواز العمل بأخبار الآحاد ، فإنّ الطائفة عملت بالمسانيد كما عملت بالمراسيل» (٣).

والظاهر أو المتيقن من قوله : «من الثقات الّذين عرفوا ...» هو أصحاب الإجماع المعهودون ، ضرورة أنّ جميع ثقات الرواية ليسوا كذلك ، لما نشاهده من أن كثيرا منهم يروون عن غير الثقة كما

__________________

(١) رجال الكشي ، ص ٤٦٦ طبع النجف الأشرف

(٢) مستدرك الوسائل ، ج ٣ ، الفائدة السابعة من الخاتمة ، ص ٧٥٧

(٣) عدّة الأصول ، ١ ـ ٥٨ ، طبعة بمبئي

١٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

يروون عن الثقة ، فالمتصف من ثقات الرّواة بهذه الصفة جمع خاص يمتازون عن غيرهم من الأجلاء بهذا الوصف أي بالاقتصار على الرواية والأخذ من خصوص الثقة.

ولو لا إرادة هذا المعنى كان مفاد كلامي الشيخ والكشي مختلفا ، لظهور الموصول في «ما يصح» في الرواية ، فمعقد إجماع الكشي هو الحكم بصحة روايات هذه العدّة بلا نظر إلى خصوصية اقتصارهم على الرواية عن الثقات خاصة ، إذ المنسوب إلى القدماء أعمية الخبر الصحيح مما كان رواته إماميين عدولا ضابطين ـ وهو الصحيح باصطلاح المتأخرين ـ ومن الثقات غير الإماميين ، ومن الضعفاء الذين اعتضدت رواياتهم بقرائن الصدق. وهذا بخلاف كلام الشيخ ، لصراحته في أن منشأ إجماع العصابة على العمل برواية هؤلاء الثقات هو اقتصارهم على الرواية عن الثقة سواء في مسانيدهم ومراسيلهم.

كما أن بين العبارتين فرقا آخر ، وهو : أن كلام الكشي غير ناظر إلى حال انفراد تلك العدة برواية عن المعصوم عليه‌السلام مسندة ومرسلة ، وحال تعارض روايتهم برواية أخرى ، وأنّه على فرض المعارضة هل يقدم روايتهم على رواية غيرهم مطلقا؟ أو بالتفصيل بين المسند والمرسل ، أو يحكم بالتخيير مثلا ، أو غير ذلك ، فهذا من قبيل الأدلة الأولية على حجية أخبار هذه الجماعة بلا تكفل لحكم تعارضها مع أخبار غيرهم. ولكن عبارة الشيخ صريحة في حكم الحالتين أي حال التعارض وحال عدم وجود المعارض لأخبارهم. ولعلّه (قده) استفاد اندراج حكم القسمين في إطلاق إجماع الكشي.

وعلى كلِّ فكلام الشيخ أدلّ على المقصود ـ من الحكم باعتبار جميع روايات أصحاب الإجماع سواء المسانيد والمراسيل ـ من عبارة الكشي.

هذا بعض ما يدلّ على تقرير الإجماع ، وتلقّي الأصحاب له بالقبول ، وإن شئت الوقوف على كلمات ابن شهرآشوب والعلامة وابن داود وغيرهم فراجع المستدرك ، فان المحدث النوري (قده) نقل جملة من عباراتهم (١).

وبالجملة : فالمتتبع في كلماتهم يحصل له الاطمئنان بثبوت هذا الإجماع عندهم ، فانهم نقلوا ذلك ، وظاهر نقلهم من غير نكير هو تلقيهم له بالقبول.

المبحث الثاني : في مفاد قوله : «تصحيح ما يصحّ عنه» ولهم في ذلك أقوال أربعة :

__________________

(١) مستدرك الوسائل ، ٣ ـ ٧٥٨ و ٧٥٩

١٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الأوّل : ما نسب إلى المشهور من أن المراد توصيف متن الحديث بالصحّة إن صح سنده إلى أحد أصحاب الإجماع ، قال المحقق الداماد (قده) في محكي الرّواشح : «قد أورد أبو عمرو الكشي في كتابه ـ الّذي هو أحد أصول إليها استناد الأصحاب وعليها تعويلهم في رجال الحديث ـ جماعة أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم والإقرار لهم بالفقه والفضل والضبط والثقة وإن كانت روايتهم بإرسال ، أو رفع ، أو عمّن يسمّونه وهو ليس بمعروف الحال ، ولمّة منهم في أنفسهم فاسدو العقيدة غير مستقيمي المذهب ، ولكنهم من السفط والجلالة في مرتبة قصيا ، ... إلى أن قال : وبالجملة : هؤلاء ـ على اعتبار الأقوال المختلفة في تعيينهم أحد وعشرون ، بل اثنان وعشرون رجلا ـ [و] مراسيلهم ومرافيعهم ومقاطيعهم ومسانيدهم إلى من يسمّونه من غير المعروفين معدودة عند الأصحاب رضوان الله تعالى عليهم من الصّحاح ، من غير اكتراث منهم لعدم صدق حدِّ الصحيح ـ على ما قد علمته ـ عليها» (١).

وظاهر قوله : «معدودة عند الأصحاب» هو إجماع الأصحاب على هذا الاستظهار. ونسب هذا إلى المشهور تارة وإلى الأكثر أخرى في عبارتي شارح الاستبصار ومؤلف رسالة أبان ، فراجع المستدرك للوقوف عليهما (٢).

والحاصل : أن المراد بالموصول هو متن الحديث ـ أي المروي ـ الّذي هو المعنى المفعولي للرواية ، لا الإخبار الّذي هو المعنى المصدري لها.

الثاني : ما اختاره جمع منهم المحقق الكاشاني وصاحب الرياض (قدهما) من أن المراد هو الإجماع على صدق هؤلاء وعدم كذبهم في نقلهم ، فالتصحيح يتعلّق بالرواية بمعناها المصدري ، قال في الوافي ـ بعد نسبة المعنى الأوّل الّذي اختاره المشهور إلى المتأخرين ـ ما لفظه : «وأنت خبير بأنّ العبارة ليست صريحة في ذلك ولا ظاهرة ، فإنّ ما يصحّ عنهم هو الرواية لا المروي ، بل كما يحتمل ذلك يحتمل كونها كناية عن الإجماع على عدالتهم وصدقهم ، بخلاف غيرهم ممّن لم ينقل الإجماع على عدالته» (٣).

ونقل أبو علي ـ في محكي رجاله ـ عن أستاذه السيد الأجل صاحب الرياض بعد إنكار المذهب

__________________

(١) مستدرك الوسائل ، ٣ ـ ٧٦٠

(٢) مستدرك الوسائل ، ٣ ـ ٧٦٠

(٣) الوافي ، ج ١ ، المقدمة الثانية ، ص ١٢

١٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

المشهور : «بل المراد دعوى الإجماع على صدق الجماعة ، وصحّة ما ترويه إذا لم يكن في السند من يتوقف فيه ، فإذا قال أحد الجماعة : حدّثني فلان ، يكون الإجماع منعقدا على صدق دعواه ، وإذا كان فلان ضعيفا أو غير معروف لا يجديه ذلك نفعا».

وقال أبو علي في المقدمة الخامسة من رجاله : «وادعى السيد الأستاذ دام ظله ـ السيد علي صاحب الرياض ـ أنه لم يعثر في الكتب الفقهية ـ من أوّل كتاب الطهارة إلى آخر كتاب الدّيات ـ على عمل فقيه من فقهائنا بخبر ضعيف محتجا بأن في سنده أحد الجماعة وهو إليه صحيح» وسيأتي أن ما أفاده (قده) متين في الجملة.

وعلى كلّ فهذا القول يقابل ما ذهب إليه المشهور بتمام المقابلة ، إذ عليه لا يكون رواية أصحاب الإجماع عن رجل ضعيف أو مجهول موجبا لاتصاف خبره بالصحّة سواء أريد بها ما نسب إلى القدماء من مساوقة الصحة للاعتبار والصدق ، أم ما عليه المتأخرون من كون الخبر الصحيح هو الّذي يرويه عدل إمامي ضابط.

الثالث : ما حكي عن الفاضل السبزواري في لبِّ اللّباب مدّعيا عليه الإجماع من أن المراد هو الإجماع على كون هؤلاء. ثقات وعن المحقق الشيخ محمّد في شرح الإستبصار بعد نقل القول المشهور : «وتوقف في هذا بعض قائلا : إنّا لا نفهم منه إلّا كونه ثقة».

الرابع : ما يظهر من جمع من أن المراد الإجماع على توثيق الجماعة الذين قيل في حقّهم ذلك ومن يكون قبلهم من رجال السند ، فتدل العبارة على توثيق طائفتين ، إحداهما : نفس هؤلاء الّذين هم أصحاب الإجماع ، والثانية : الرّجال الّذين هم قبل هؤلاء إلى المعصوم عليه‌السلام.

وهذا الوجه هو صريح كلام الشيخ في العدّة : «ممّن عرفوا بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة». وقال به جمع من الأعيان ، كالشهيد في مسألة بيع الثمرة من كتابه غاية المراد ، قال ـ بعد ذكر حديث في سنده الحسن بن محبوب عن خالد بن جرير عن أبي الربيع الشامي ـ ما لفظه : «وقد قال الكشي : أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن الحسن بن محبوب. قلت : في هذا توثيق [ما] لأبي الربيع الشامي» (١).

وكالعلامة الطباطبائي في رجاله في ترجمة زيد النرسي ـ الّذي رواه عنه ابن أبي عمير ـ قال : «وحكى الكشي في رجاله إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه والإقرار له بالفقه والعلم ،

__________________

(٤) مستدرك الوسائل ، ٣ ـ ٧٥٩

١٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

ومقتضى ذلك صحة الأصل المذكور ، لكونه ممّا قد صحّ عنه ، بل توثيق رواية أيضا ، لكونه العلّة في التصحيح غالبا ، والاستناد إلى القرائن وإن كان ممكنا ، إلّا أنه بعيد في جميع روايات الأصل» (١).

وكالمحدث النوري ، حيث قال بعد تتبع في الأقوال : «فتحصل من جميع ما ذكرناه : قوّة القول بدلالة الإجماع المذكور على وثاقة الجماعة ومن بعدهم إلى المعصوم ، مطابقة بناء على ما حققنا في المقام الأوّل ، أو التزاما على مسلك المشهور» (٢).

وهذه الاستفادة في محلها ـ على تقدير تمامية الإجماع ـ خصوصا بقرينة كلمة التصحيح قبل قول الكشي : «ما يصح عنه» إذ المراد به وثاقة رواة الأحاديث فيما بيننا وبين أصحاب الإجماع ، فيقتضي السياق عدم التفكيك في معنى الصحة بين ما قبل الموصول وما بعده.

وعليه فما عن فوائد الوحيد (قده) «من نسبة هذا المعنى الرابع إلى توهم بعض» لم يظهر له وجه.

أما المعنى الأوّل فهو قريب جدّاً ، لظهور كلام الكشّي فيه ، فعلى تقدير تمامية أصل الإجماع يتعيّن المصير إلى التعبد باعتبار روايات هذه الجماعة كما أفاده المحقق الداماد وغيره.

وأما المعنى الثاني فيردّه ما أفيد من : أنه لو كان مرادهم ذلك لكان التعبير بالتصديق كافيا في إفادة وثاقة الجماعة في نقلهم وأمانتهم في إخبارهم ، ولم تكن حاجة إلى قول الكشي : «على تصحيح ما يصحّ عنهم» لأن التصحيح ظاهر في اتصاف المتن بالصحّة ، لأنه المتصف بها وبالضعف والحسن وغيرها من الأوصاف الطارئة على الخبر باعتبار حالات رجال السند.

وأما المعنى الثالث فيرده أيضا ما عن المحقق الشيخ محمّد ـ وهو سبط الشهيد كما قيل ـ في شرح الاستبصار من قوله : «أنّ كون الرّجل ثقة أمر مشترك ، فلا وجه لاختصاص الإجماع بهؤلاء المذكورين ، وحينئذ لا بد من بيان الوجه».

وناقش فيه المحدث النوري بما محصله : أنّ مراد القائل إن كان بيان معنى العبارة بحيث سيقت العبارة لحكايته ، فيبعد أن يراد بها أن الجماعة ثقات ، لوضوح المغايرة بين «الثقات» وبين مدلول قولهم : «أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن جماعة» وإن كان دالّا على الوثاقة بالتزام ، لأن التصحيح من لوازم الوثوق ، لكن التعبير عن الوثاقة بهذه الجملة أشبه شيء بالأكل من القفا ، مع كون لفظ «الثقة» من الألفاظ الشائعة الواضحة المعاني.

__________________

(١) مستدرك الوسائل ، ٣ ـ ٧٦٣

(٢) مستدرك الوسائل ، ٣ ـ ٧٦٨

١٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

وإن كان مراده إفادة العبارة وجود الوثاقة في الجماعة بالدلالة الالتزامية مع كون العبارة مسوقة لبيان معنى آخر ، فلا بأس به. ولا يرد عليه حينئذ إيراد شارح الإستبصار ، لأن العبارة بناء على هذا سيقت لبيان وقوع الإجماع على تصحيح رواياتهم الّذي يلزمه وجود الوثاقة فيهم ، وهذا المعنى مختص بهم لا يشاركهم أحد فيه ، إذ لم يقع الإجماع على نفس الوثاقة حتى يسأل عن وجه الاختصاص مع وجود شركاء لهم في الوثاقة (١).

لكن الإنصاف ورود إشكال شارح الإستبصار ، لأن كلام القائل ظاهر في كون العبارة مسوقة لبيان أنّهم ثقات ، ولا تدل على غير ذلك. ومن المعلوم توجه إيراده عليه ، لأنّ معنى العبارة مغاير لمعنى قوله : «ثقات» وجعل هذه الجملة حاكية عن معنى لفظ مفرد خارج عن طريقة أبناء المحاورة.

وأمّا المعنى الرابع ـ وهو الحكم بوثاقة الجماعة مع الوسائط ـ فهو صريح كلام الشيخ في العدة وظاهر إجماع الكشي أيضا ، وقد التزام به الشهيد والسيد بحر العلوم (قده) في رجاله ، وهذا هو المتعين من بين المحتملات ـ على تقدير صحة أصل الإجماع ـ لا سائر الاحتمالات حتى الأوّل الّذي نسبه السيد الداماد إلى الأصحاب ، لابتنائه على قبول روايات هذه العدة تعبدا ، لكن الظاهر عدم تعبّد في قبولها ، وإنّما التعبد في الاعتماد على شهادة العصابة بانحصار روايات أصحاب الإجماع في الصحاح ، وأنّ من يروي عنه هؤلاء هم من الثقات.

فان قلت : ان دعوى الكشي إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عن عدة مخصوصة لا تكشف عن أنّهم لا يروون إلّا عن ثقة موثوق به ، لأن الصحة عند القدماء بمعنى الثبوت والاعتبار سواء أكان منشؤه وثاقة رواة الخبر أم اعتضاده بقرائن الصدق ولو كان راويه ضعيفا. وعليه لا تنفع هذه الشهادة العامة بالنسبة إلى أمثال زماننا حيث اختفيت تلك القرائن ، ولو كانت معلومة لم تنفع أيضا بعد اختلاف الأنظار في مسألة حجية الخبر ، وعدم قرينيّة بعض القرائن المعدودة عند القدماء على صحة الأخبار.

قلت : هذا الإشكال مبني على ما هو المشهور من أعمية الخبر الصحيح باصطلاح القدماء منه باصطلاح المتأخرين ، إذ عليه لا تجدي صحة الخبر عند أولئك لإثبات صحته عند المتأخرين الذين يعتبرون الوثوق المخبري في العمل بخبر الواحد.

__________________

(١) مستدرك الوسائل ، ٣ ـ ٧٦٠

١٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

قال شيخنا البهائي في محكي مشرق الشمسين بعد تقسيم الحديث إلى الأقسام الأربعة المشهورة في اصطلاح المتأخرين ـ وهي الصحيح والموثق والحسن والضعيف ـ ما لفظه : «وهذا الاصطلاح لم يكن معروفا بين قدمائنا ، كما هو ظاهر لمن مارس كلامهم ، بل المتعارف بينهم إطلاق الصحيح على ما اعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه ، أو اقترن بما يوجب الوثوق به والركون إليه ، وذلك بأمور منها : وجوده في كثير من الأصول الأربعمائة ... ومنها تكرره في أصل أو أصلين منها فصاعدا بطرق مختلفة وأسانيد معتبرة. ومنها : وجوده في أصل معروف الانتساب إلى أحد الجماعة الّذين أجمعوا على تصديقهم ... ومنها : اندراجه في إحدى الكتب التي عرضت على الأئمة صلوات الله عليهم ، فأثنوا على مصنفيها ... إلخ» (١). ونحوه كلام صاحب المعالم في مقدمة منتقى الجمان.

لكن أصل هذه الدعوى لا تخلو من تأمل كما أفاده المحدث النوري في المقام ، فإنه (قده) أتعب نفسه الشريفة بالتتبع في كلمات ثقة الإسلام والشيخ الصدوق وشيخ الطائفة وغيرهم واستنتج بتتبعه أمرين :

أحدهما : أن ما اشتهر من كون الصحيح باصطلاح القدماء أعم منه باصطلاح المتأخرين غير وجيه.

وثانيهما : أن الصحيح القدمائي إن كان أعم من خبر الإمامي العدل فإنّما يطلق عندهم على خبر الثقة غير الإمامي أي : من كان عدلا في مذهبه ، ولا يطلق على الخبر الضعيف سندا لمجرد الاعتضاد بالقرائن.

وقال ـ بعد نقل عبارة المنتقى والإشارة إلى كلام الشيخ البهائي المتقدم بيانه ـ ما لفظه : «ونحن نسأل هذا الشيخ وهذا المحقق عن مأخذ هذه النسبة ومدرك هذا القول ، فإنّا لم نجد في كلمات القدماء ما يدلّ على ذلك ، بل هي على خلاف ما نسبه ـ أو من تبعهما ـ إليهم ، بل وجدناهم يطلقون الصحيح غالبا على رواية الثقة وإن كان غير الإمامي».

ثم استدل على الأمرين المشار إليهما ، وقال : «أما الأوّل فقال الشيخ في العدّة ـ وهو لسان القدماء ووجههم ـ : فصل في ذكر القرائن التي تدل على صحة أخبار الآحاد أو بطلانها أو ما يترجّح به الأخبار بعضها على بعض ، وحكم المراسيل : القرائن التي تدلّ على صحة متضمّن الأخبار التي لا توجب العلم أربعة أشياء ، وذكر العقل أي أصل الإباحة والحظر والكتاب خصوصه أو عمومه أو

__________________

(١) مستدرك الوسائل ، ٣ ـ ٥٣٥

١٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

دليله أو فحواه ، والسُّنة المقطوع بها من جهة التواتر ، قال ـ أي الشيخ ـ (ره) : فإن ما يتضمنه خبر الواحد إذا وافقه مقطوع على صحته أيضا وجب العمل به ، وإن لم يكن ذلك دليلا على صحة نفس الخبر ، لجواز أن يكون الخبر كذبا ، وإن وافق السُّنة المقطوع بها. ثم ذكر الإجماع ، وقال : فإنّه متى كان كذلك دلّ أيضا على صحة متضمّنه ، ولا يمكننا أيضا أن نجعل إجماعهم دليلا على نفس الخبر. فهذه القرائن كلها تدل على صحة متضمّن أخبار الآحاد ، ولا تدلّ على صحّتها أنفسها ، لما بيّنّا من جواز أن يكون الأخبار مصنوعة وإن وافقت هذه الأدلة» انتهى كلام الشيخ في العدة.

ثم قال المحدّث النوري : «انظر كيف صرّح في مواضع عديدة بأنّ موافقة هذه الأدلة لا توجب الصحة في نفس الخبر ، ولا يصير الخبر بها صحيحا. وعلى هذا كافّة الأصحاب ، ومع ذلك كيف يجوز نسبة ذلك إليهم من غير اكتراث؟ ثم ترتيب الآثار عليها».

ثم تعرض لكلام الفاضل الكاظمي ... إلى أن قال : «وأما الثاني ـ وهو إطلاقهم الصحيح على خبر الثقة ولو من غير الإمامي كثيرا وفي موارد لا يبعد بعد ملاحظتها دعوى الاطمئنان بانحصار مصطلحهم فيه ، فينحصر الأعمية في دخول الموثق في الصحيح عندهم ـ فله شواهد ... منها : ما في الفقيه : وأما خبر صلاة يوم غدير خمّ والثواب المذكور فيه ، فإنّ شيخنا محمّد بن الحسن رضي‌الله‌عنه كان لا يصحّحه ، ويقول : إنّه من طريق محمّد بن موسى الهمداني ، وكان غير ثقة ، وكلّما لم يصحّحه ذلك الشيخ قدّس الله روحه ولم يحكم بصحّته من الأخبار فهو عندنا متروك غير صحيح.

ولا يخفى على المتأمل : أن المراد من الصحيح في أوّل الكلام ما كان تمام رواته ثقات ، فيكون في آخره كذلك. مع أنّ غير الوثاقة ممّا عدّوه من أصحاب الصحة ـ كالوجود في الأصل ، والمعروض على الإمام عليه‌السلام ، والموافقة ـ من الأمور المحسوسة غير المحتاجة إلى تبعيّة الآخر ، والّذي لا ضير في التبعية فيها معرفة الرّجال ووثاقتهم وضبطهم وتثبُّتهم ، خصوصا لمثل الناقد الخبير محمّد بن الحسن بن الوليد الّذي من سلم من طعنة فكأنّه مرضيّ الكل».

إلى أن قال المحدث النوري (قده) : «ومنها ما في التهذيب في باب التيمم في بحث المحتلم الخائف على نفسه من الغسل لشدّة البرد ، بعد إيراد حديث بسندين أوّلهما محمّد بن أحمد بن يحيى عن محمّد بن الحسين عن جعفر بن بشير عمّن رواه عن أبي عبد الله عليه‌السلام. وثانيهما : سعد بن عبد الله عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب عن جعفر بن بشير عن عبد الله بن سنان أو غيره عنه عليه‌السلام ، قال : فأوّل ما فيه أنه خبر مرسل منقطع الإسناد ، لأن جعفر بن بشير في الرواية الأولى

١٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

قال : عمّن رواه ، وهذا مجهول يجب إطراحه ، وفي الرواية الثانية قال : عن عبد الله بن سنان أو غيره ، فأورده وهو شاكٌّ فيه ، وما يجري هذا المجرى لا يجب العمل به ، ولو صحّ الخبر على ما فيه لكان محمولا ... إلخ».

إلى أن قال : «ومنها ما في الفهرست في ترجمة يونس بن عبد الرحمن ـ بعد ذكر الطرق إلى كتبه ـ وقال محمّد بن علي بن الحسين : سمعت محمّد بن الحسن بن الوليد رحمه‌الله يقول : كتب يونس بن عبد الرحمن ـ التي هي بالروايات ـ كلها صحيحة معتمد عليها ، إلّا ما ينفرد به محمّد بن عيسى بن عبيد ، ولم يروه غيره. إلى ذلك من الموارد الصريحة في أن المناط في الصحة عندهم ـ أي القدماء ـ حالات نفس السند من غير ملاحظة اقترانه بأمر خارجي. ويوضحه ويدل عليه : أن الشيخ ذكر الحجة من الخبر الواحد في كتاب العدّة في مواضع ، وليس فيه ذكر للخبر الضعيف المنجبر ضعفه بالقرائن الخارجية ، فلو كان الضعيف المقترن بها داخلا في صحيحهم لكان حجة ، ومعه كان عليه أن يذكره ، مع أنه أهمله ...» هذا بعض ما استشهد به المحدث النوري من عبائرهم لإثبات مدّعاه ، فراجع المستدرك للوقوف على كلمات أخرى استفاد منها عدم إطلاق الصحيح عند القدماء على خبر غير الثقة (١).

وبما أفاده (قده) يتضح أن تعبير الشيخ في العدّة «ممن عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة» وإن كان مغايرا بحسب ظهوره البدوي لإجماع الكشي على تصحيح روايات أصحاب الإجماع ، إلا أن مفاديهما واحد في الحقيقة ، إذ أعمية الصحيح القدمائي من الصحيح عند المتأخرين إنما تكون لاندراج الخبر الموثق ـ باصطلاح المتأخرين ـ فيه.

وعليه فالحجة عند الجميع واحد وهو الخبر الّذي رواه الثقة عن مثله سواء كانوا إماميين أم من سائر الفرق مع تحرزهم عن الكذب في النقل.

وقد تحصّل مما ذكرناه في المبحث الثاني : أن عبارة الكشي ظاهرة بدوا في الاحتمال الأوّل أو الرابع ، أي لا بد من الحكم بصحة روايات هذه العدة إمّا تعبدا من جهة إجماع العصابة ، وإمّا لكشفه عن أنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة ، فيكون كلام الكشي والشيخ توثيقا عامّا لجميع الرّجال المجهولين الّذين روى عنهم بعض أصحاب الإجماع ، ولو تمّ هذا سلمت طائفة من الأخبار من الوهن في أسنادها.

__________________

(١) مستدرك الوسائل ، ٣ ـ ٧٦٣ و ٧٦٤

١٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

المبحث الثالث : في وجه حجية هذا الإجماع. لا يخفى أن المقرّر في الأصول حجية الإجماع من جمة كشفه عن قول المعصوم عليه‌السلام أو فعله أو تقريره ، وإلّا فلا عبرة بنفس اتفاق الفقهاء ، بل حتى إذا احتمل مدركيته. وأما في المقام فإمّا أن يكون الوجه في اعتباره ما في مختلف العلامة في بحث الكفارة من كتاب الصوم من قوله : «لا يقال : لا يصح التمسك بهذا الحديث من حيث السند ، فإنّ في طريقه أبان بن عثمان الأحمر ، وكان ناووسيّا. لأنّا نقول : إن أبان وإن كان ناووسيّا إلّا أنه ثقة ، وقال الكشي : انه ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ، والإجماع حجة قاطعة ، ونقله بخبر الواحد حجة» (١).

وإما أن يكون وجهه إفادته للظن ، حيث إنه يوجب الظن بصدور روايات هذه العدة ، والظن حجة في الرّجال ، لانسداد باب العلم فيه.

وفي كليهما ما لا يخفى أما الأوّل فلأن الإجماع ـ كما أفاده العلامة ـ منقول بخبر الواحد ، ولا عبرة بتضافر نقله بعد انتهاء السلسلة إلى الكشّي ، إلّا أنه قد تقرر عدم حجية المنقول منه بخبر الواحد. مضافا إلى أن مفروض الكلام في حجية الإجماع هو الاتفاق على حكم شرعي لا موضوع خارجي وهو وثاقة رجال السند ، وعليه فمناط الحجية فيه مفقود.

وأما الثاني فلأنّ الأصل فيه عدم الحجية ، إذ لا دليل على حجية الظن في علم الرّجال ، وإنّما يعوّل فيه على الوثوق والاطمئنان ، لا على مجرّد الظن ، فإن حصل الوثوق من أقوال علماء الرّجال كما يحصل ذلك من اتفاقهم على تعديل شخص أو جرحه فلا كلام ، وإلّا فلا نقول بحجية قولهم ، والروايات الموثوق بصدورها تغنينا عن القول بحجية الظن في الرّجال من باب الانسداد ، إذ لا حاجة إليه مع كفاية تلك الروايات.

إلا أن يدعى حصول الوثوق بالصدور من هذا الإجماع كما التزم به المحدث النوري (ره) (٢) فلا يقصر عن تزكية الرجاليين لشخصٍ ، ولا فرق في التعديل بين توثيق رجل واحد أو بيت معيّن كآل أبي شعبة مثلا وبين التوثيق العام لكل من روى عنه أصحاب الإجماع.

وعلى هذا يسلم هذا الإجماع عن الإشكال العام في حجية الإجماع المنقول من عدم شمول أدلة حجية الخبر للخبر الحدسي ، وذلك لأنّ الكشي يدّعي اتفاق العصابة على صحة أحاديث هذه العدّة ، وهذا إخبار حسّي ، كدعوى السيد ابن طاوس (قده) الإجماع على وثاقة إبراهيم بن هاشم ، فإن هذا

__________________

(١) مستدرك الوسائل ، ٣ ـ ٧٥٩

(٢) مستدرك الوسائل ، ٣ ـ ٧٥٩

١٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الإخبار لا يقل عن توثيق النجاشي والشيخ ، لأنه شهادة من السيد منضمّة إلى شهادة سائر الأصحاب.

والحاصل : أنّ إجماع الكشي في رجاله ، والشيخ في العدة سليم عن إشكال الإجماع المنقول ، لكونه كسائر موارد إخبار الثقات حسّا بالموضوعات الخارجية.

إلّا أن الموهن لهذا الإجماع ـ بحيث يمنع عن الأخذ بظاهره من الحكم بوثاقة كل من وقع في طريق أصحاب الإجماع إلى المعصومين عليهم‌السلام ـ هو عدم إحراز ما قيل في حق هذه العدة من أنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة ، بل أحرزت روايتهم عن أشخاص صرّح علماء الرّجال بضعفهم كمفضل بن صالح وعمرو بن شمر وأبي البختري وغيرهم ، كما رووا عن المجاهيل أيضا ، ومع هذا العلم بالخلاف لا يبقى وثوق بالحكم بوثاقة كل مجهول وقع في اسناد هذه الجماعة إلى المعصومين عليهم‌السلام ، بل لم نظفر في كتب الرّجال باعتماد مؤلفيها ـ كالنجاشي والشيخ ـ على هذا الإجماع بأن يحكموا بوثاقة شخص لمجرد كونه ممّن روى عنه أحدهم ، فهنا دعاو لا بد من إثباتها في طي مقامين.

الأوّل : ما يرجع إلى حكم مسانيد هذه العدة ، والثاني ما يتعلّق بحكم مراسيلهم.

أما المقام الأوّل فينبغي الإشارة أوّلا إلى بعض موارد رواية هذه العدة عن المجاهيل ممّن عنونهم الرجاليون بلا تزكية وتعديل ، ثم إلى موارد روايتهم عن الضعفاء.

أمّا صفوان بن يحيى فقد روى عن جمع لم يرد فيهم توثيق ـ حسب مراجعتنا لتراجمهم ـ كجعفر ابن محمّد بن يحيى ، والحسين بن أبي غندر ، والحسين بن خالد الصيرفي ، والحسين بن زرارة ، والحكم بن أيمن (سوى أنه من رجال كامل الزيارات) وخالد بن إسماعيل ، وخزيمة بن يقطين ، وخضر ، وزكريا بن إدريس القمي ، وزيد بن الجهم ، وصباح الأزرق ، وعبد الأعلى ، وعبد الحميد بن سعد ، وعبد الله بن الوليد الوصافي وغيرهم.

كما روى هو وابن أبي عمير عن كليب الأسدي ومحمّد بن أبي حمزة ، ومحمّد بن الحكم.

وأمّا أحمد بن محمّد بن أبي نصر فقد روى عن إبراهيم بن شيبة ، وأحمد بن المبارك وإدريس ابن يزيد ، وإسماعيل بن أبي حنيفة ، وإسماعيل بن عمر ، والحسن بن محمّد الهاشمي ، والحسين بن موسى الحناط ، والحسين بن خالد والحسين بن ميسر ، وحماد بن يحيى ، وخلاد بن عمارة ، وعيسى الفراء ، وفضيل سكرة ، وفلان المصري ، والقاسم مولى أبي أيوب ، ومثنّى بن الوليد. كما روى هو وابن أبي عمير عن الحكم بن مسكين.

١٦٠