منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٨

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٨

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: نمونه
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٥٢

الخصوصات مطلقا ولو كان (١) بعضها مقدّما أو قطعيا (٢) ما لم يلزم منه (٣) محذور انتهائه إلى ما لا يجوز الانتهاء إليه عرفا (٤) ولو لم يكن (٥) مستوعبة

______________________________________________________

(١) بيان للإطلاق ، ومحصله : أنّه لا فرق في لزوم تخصيص العام بكل واحد من الخصوصات بين تقدّم بعضها زمانا على الآخر وعدمه ، وبين كون بعضها قطعيا وبعضها ظنيّا ، فإنّه بعد اجتماع شرائط الحجية فيها يلزم تخصيص العام بكل واحد منها في عرض الآخر ، لا أن يخصّص أوّلا ببعضها ثم بالآخر حتى تنقلب النسبة بين العام المخصص أوّلا بذلك البعض وبين سائر الخصوصات ويصير المدار على النسبة الحادثة.

(٢) موجبا للقطع بعدم استعمال العام في العموم ، وعدم إرادة المتكلم له واقعا.

(٣) أي : من التخصيص ، وقوله : «ما لم يلزم» راجع إلى قوله : «لا بد من تخصيص العام» وشرط له ، يعني : لا بد من تخصيص العام بكل واحد من الخصوصات بشرط أن لا يلزم من تخصيصه بكل واحد منها محذور تخصيص الأكثر بحيث لا يبقى بعده عموم عرفا ، لاستهجان هذا التخصيص وقبحه في المحاورات وإن لم يكن مستوعبا لأفراد العام فضلا عما إذا كان مستوعبا لها ، فإذا ورد «أكرم الأمراء ولا تكرم فساقهم ولا تكرم شعراءهم» وفرضنا عدم لزوم محذور تخصيص الأكثر من تخصيصه بالخاص الثاني ـ ولزومه من تخصيصه بالخاص الأوّل ، لقلة عدولهم ـ لزم حينئذ تخصيص العام بأحد الخاصّين على ما سيأتي تفصيله قريبا «إن شاء الله تعالى»

(٤) وهو تخصيص الأكثر المستهجن وإن لم يكن مستوعبا لأفراد العام ، وضمير «إليه» راجع إلى الموصول في «ما لا يجوز» ، وضمير «لأفراده» راجع إلى «العام».

(٥) الأولى «ولو لم تكن» أو «مستوعبا» بدل «مستوعبة». وكيف كان فهذه الكلمة لا تخلو من تعريض بعبارة شيخنا الأعظم ، فإنه «قده» اشترط في تخصيص العام بالخصوصات عدم لزوم المحذور ، وظاهره إرادة عدم بقاء مورد للعام أصلا بقرينة تمثيله بقوله : «وان لزم المحذور ، مثل قوله : يجب إكرام العلماء ، ويحرم إكرام فساق العلماء ، وورد يكره إكرام عدول العلماء ، فإنّ اللازم من تخصيص العام بهما بقاؤه بلا مورد ، فحكم ذلك كالمتباينين».

٢٨١

لأفراده فضلا عما إذا كانت مستوعبة لها ، فلا بد حينئذ (١) من معاملة التباين بينه (٢) وبين مجموعها ، ومن (٣) ملاحظة الترجيح بينهما وعدمه (٤) ، فلو (٥) رجّح جانبها أو اختير ـ فيما لم يكن هناك ترجيح ـ فلا مجال

______________________________________________________

واعترض المصنف عليه في الحاشية (١) ـ كما في المتن ـ بعدم انحصار المحذور في خلوّ العام عن المورد ، بل إذا بقيت أفراد قليلة تحت العام بحيث بلغ التخصيص إلى حد الاستهجان امتنع تخصيص العام بمجموع الخصوصات ، وجرت أحكام التعارض على العام وتلك المخصّصات.

(١) أي : فلا بد حين لزوم المحذور المذكور من معاملة التباين ، لا معاملة الأعم والأخص بأن يخصّص العام بتلك الخصوصات. وحق العبارة أن تكون هكذا : «وإن لزم فلا بد حينئذ ... إلخ».

(٢) أي : بين العام ، وضمير «مجموعها» راجع إلى «الخصوصات».

(٣) معطوف على «من معاملة التباين» ومفسّر له ، إذ معاملة التباين عبارة عن ملاحظة الترجيح وعدمه بين المتعارضين المتباينين ، فلو رجحت الخصوصات مع الترجيح ـ أو اختيرت بدون الترجيح ـ فلا مجال للعمل بالعامّ أصلا ، لعدم إمكان العمل بالعامّ مع استيعاب الخصوصات لأفراده ، فحينئذ تكون الخصوصات بأجمعها كدليل واحد ينافى مدلول العام ، نظير منافاة «لا تكرم فساق الأمراء ويستحب إكرام عدولهم» مع «أكرم الأمراء» فإنّ من الواضح امتناع معاملة الأعم والأخص معها ، وتخصيص «أكرم الأمراء» بهما ، لعدم بقاء مورد له بعد تخصيصه بهما ، لأنّه بمنزلة «لا تكرم الأمراء» ومن المعلوم تعارضهما تباينيّا ، فلا محيص عن معاملة التعارض التبايني معهما كسائر المتعارضات المتباينة.

(٤) معطوف على «الترجيح» وضميره راجع إلى «الترجيح» وضمير «بينهما» راجع إلى العام والخصوصات.

(٥) أي : فلو رجّح جانب الخصوصات ، وهذا بيان كيفية معاملة التعارض التبايني مع

__________________

(١) حاشية الرسائل ، ص ٢٧٧

٢٨٢

للعمل به أصلا. بخلاف ما لو رجّح طرفه أو قدّم تخييرا ، فلا يطرح منها (١) إلّا خصوص ما لا يلزم مع طرحه المحذور (٢) من (٣) التخصيص بغيره ، فإنّ (٤)

______________________________________________________

العام والخصوصات ، وحاصله : أنّه لو رجح جانب الخصوصات لرجحانها أو اختيرت بدون الرجحان من باب التخيير ، فيسقط العام عن الاعتبار ، لعدم بقاء مورد له حتى يمكن العمل به. ولو أخذ بالعامّ ترجيحا أو تخييرا فلا تسقط به الخصوصات إلّا خصوص الخاصّ الّذي يلزم من تخصيص العام به محذور تخصيص الأكثر ، كتخصيص «أكرم الأمراء» في المثال المذكور بـ «لا تكرم فساقهم» لكثرة الفساق ، بخلاف تخصيصه بالخاص الآخر وهو «يستحب إكرام الأمراء العدول» فيخصص العام به ويطرح «لا تكرم فساقهم» ولا يخصص به «أكرم الأمراء» فإنّ مقتضى لزوم تقدير الضرورات بقدرها ـ وحجية كل واحد من الخصوصات بنفسه لشمول دليل الحجية له ـ لزوم التخصيص ببعضها الّذي لا يلزم المحذور المزبور من التخصيص به ، وطرح غيره ممّا يلزم هذا المحذور منه.

(١) أي : من الخصوصات ، وضميرا «به ، طرفه» راجعان إلى «العام» وضمير «طرحه» راجع إلى الموصول في «ما لا يلزم».

(٢) بالرفع فاعل «يلزم» واللام فيه للعهد الذكري أي : محذور تخصيص الأكثر ، ولعلّ الأولى بسلاسة العبارة أن يقال : «فلا يطرح منها إلّا خصوص ما يلزم المحذور من التخصيص به».

(٣) ظرف لغو متعلق بـ «يلزم» وضمير «بغيره» رجع إلى «ما» الموصول المراد به المطروح.

(٤) تعليل لقوله : «فلا يطرح منها الا ... إلخ» ومحصله : أن وجه طرح الخاصّ ـ الّذي يلزم من تخصيص العام به محذور تخصيص الأكثر ـ هو : أنّ التباين إنّما كان بين العام وبين مجموع الخصوصات من حيث المجموع ، لأنّه المعارض للعام ، لا بينه وبين كل واحد منها حتى يجب طرح الجميع ، فاللازم حينئذ طرح المجموع ، وتخصيص العام بخاصّ لا يلزم من تخصيصه به المحذور المذكور ، وطرح الخاصّ الّذي يلزم من التخصيص به ذلك المحذور.

٢٨٣

التباين إنّما كان بينه (١) وبين مجموعها لا جميعها (٢) ، وحينئذ (٣) فربّما يقع

______________________________________________________

(١) أي : بين العام وبين مجموع الخصوصات ، لا بين العام وجميع الخصوصات.

(٢) قد عرفت آنفا الفرق بين المجموع والجميع ، وهو : أن أحد طرفي المعارضة العام والطرف الآخر مجموع الخصوصات أي لحاظها مخصصا واحدا ، وليس المعارض للعام كل واحد من الخصوصات حتى يلزم طرحها أجمع على تقدير تقديم العمل بالعامّ ، بل المعارض هو المجموع الّذي يتحقق طرحه بترك العمل ببعض الخصوصات. فلو عمل بالعامّ وخصّصه ببعض الخصوصات صدق عليه طرح المجموع وإن لم يصدق عليه طرح الجميع ، لأن الجميع عنوان مشير إلى آحاد الخصوصات ، بخلاف المجموع الّذي هو عنوان لعدة أمور يكون لهيئتها الاجتماعية دخل في الحكم.

(٣) يعني : وحين عدم طرح جميع الخصوصات ـ ولزوم الأخذ ببعضها وتخصيص العام به ـ ربما يقع التعارض بالعرض بين الخصوصات ، كما إذا ورد «أكرم الأمراء ، لا تكرم فسّاق الأمراء ، يستحب إكرام العدول منهم» فإنّ تخصيص العام بهما مستلزم لعدم بقاء مورد للعام ، فيقع التعارض التبايني بين العام ومجموع الخاصّين ، ولا بدّ من العلاج.

فإن طرحنا العام وعملنا بالخاصّين فهو. وإن قدّمنا العام لم يجز طرح الخاصّين معا ، كما لا يجوز العمل بهما. أمّا عدم جواز طرحهما معا فلأنّهما حجتان ، وما يكون مزاحما للعام واحد منهما لا كلاهما ، لأنّ منشأ عدم بقاء مورد للعام هو العمل بهما معا ، وحينئذ فالعام حجة بمقتضى أدلّة العلاج ، وأحد الخاصّين حجة أيضا بمقتضى الأدلّة ، فيقع التعارض بالعرض بين نفس الخاصّين من جهة تعذّر العمل بهما معا ، ومعنى التعارض بالعرض هو العلم الإجمالي بعدم شمول أدلة الاعتبار لكلا الخاصّين ، وأنّ الحجة منهما أحدهما لا كلاهما.

وفي مثله تصل النوبة إلى رعاية قانون التعارض ، فان كان أحدهما أقوى دلالة قدّم على الآخر كما في «يستحب إكرام الأمراء» فإنّه أظهر في الاستحباب من ظهور «لا تكرم الأمراء» في الحرمة. وإن لم يكن لأحدهما مزيّة بقوة الدلالة فالحكم هو وجوب الترجيح بالمرجحات إن قلنا بوجوبه ، أو التخيير في تخصيص العام بأحد الخاصّين إن لم نقل بوجوب الترجيح كما هو مختار الماتن «قده».

٢٨٤

التعارض بين الخصوصات ، فيخصّص ببعضها ترجيحا أو تخييرا (١) ، فلا تغفل. هذا (٢) فيما كانت النسبة بين المتعارضات متحدة (٣).

وقد ظهر منه (٤) حالها فيما كانت النسبة بينها (٥) متعددة ، كما (٦) إذا ورد

______________________________________________________

وهذا هو مقصود المصنف من قوله : «فربما يقع التعارض بين الخصوصات» ويشهد لما ذكرناه في توضيحه ما أفاده بقلمه الشريف في الحاشية بقوله : «ثم إن أخذ بالمعارضات له ـ أي للعام ـ فلا مزاحمة بينها ، بخلاف ما إذا أخذ به ـ أي بالعامّ ـ فيقع التعارض ، حيث لا يجوز الأخذ بها بجميعها حسب الفرض ، ولا يجوز طرحها كذلك ، حيث لا موجب له ، إذ ليس المعارض إلّا المجموع الحاصل طرحه بطرح أحدها ، لا الجميع ، ولا يجوز طرح غيره ، فلأجل ذا يقع بينها التنافي وإن لم يكن بينها بأنفسها ، وقد أشرنا في أوّل المسألة أنّ التنافي الّذي هو موضوع التعارض أعم من الذاتي ، فحينئذ لا بد أن يعمل بينها بقاعدة الجمع لو كان أحدها أقوى دلالة ، وإلّا فبالعلاج ...» (١).

(١) الترجيح فيما كان له مرجّح ، والتخيير فيما لم يكن له مرجّح ، أو قلنا بالتخيير مطلقا حتى مع وجود المرجّح ، لكون الترجيح مستحبا لا واجبا.

(٢) أي : ما ذكرناه من ملاحظة النسبة بين الظهورات يكون فيما إذا كانت النسبة بين الأدلّة المتعارضة متحدة ، كما إذا كانت النسبة بينها أخص مطلقا كقوله : «أكرم الأمراء ، ولا تكرم الكوفيّين منهم ، ولا تكرم البصريّين منهم» فإنّ النسبة بين كل واحد منهما مع «أكرم الأمراء» أخص مطلقا.

(٣) كالأمثلة المتقدمة ، فإنّ النسبة بينها متحدة وهي الأخص المطلق.

(٤) أي : قد ظهر مما ذكرناه في المتعارضات المتحدة النسبة ـ من ملاحظة النسبة بينها قبل العلاج ـ حال المتعارضات المتعددة النسبة في أنّ النسبة ملحوظة بينها قبل العلاج ، ولا تنقلب النسبة بينها بعد العلاج.

(٥) هذا الضمير وضمير «حالها» راجعان إلى «المتعارضات».

(٦) هذا بيان للمتعارضات المتعددة النسبة ، نظير «أكرم الأمراء ، ولا تكرم فسّاقهم ، ويستحب إكرام العدول» فإنّ النسبة بين الأوّلين أخص مطلقا ، فيخصّص الأوّل بالثاني ،

__________________

(١) حاشية الرسائل ، ص ٢٧٨

٢٨٥

هناك عامّان من وجه (١) مع ما هو أخص مطلقا من أحدهما (٢) ، وأنّه (٣) لا بد من تقديم الخاصّ على العام (٤) ومعاملة (٥) العموم من وجه بين العامّين (٦) من (٧) الترجيح والتخيير بينهما وإن (٨) انقلبت النسبة بينهما إلى العموم

______________________________________________________

ونتيجة هذا التخصيص «وجوب إكرام الأمراء العدول» والنسبة بين الأوّل والثالث عموم من وجه ، فيعامل معهما معاملة هذه النسبة في مورد الاجتماع ـ وهو الأمير العادل ـ من تقديم أحدهما على الآخر تعيينا أو تخييرا.

ولا تنقلب نسبة العموم من وجه إلى الأخصّ المطلق ، بأن يخصّص «أكرم الأمراء» بـ «لا تكرم فساقهم» لتكون النتيجة بعد هذا التخصيص «وجوب إكرام الأمراء العدول» ، ثم تلاحظ نسبته وهي الأخصيّة المطلقة إلى «استحباب إكرام العدول» حتى يجب إكرام الأمير العادل ويستحب إكرام العادل غير الأمير. بل تلاحظ النسبة التي كانت بينهما قبل تخصيص «أكرم الأمراء» بـ «لا تكرم فساقهم» من العموم من وجه.

والحاصل : أنّ النسبة بين المتعارضات قبل العلاج لا تنقلب إلى نسبة أخرى بعد العلاج ، خلافا لما سيأتي من شيخنا الأعظم من الالتزام بانقلاب النسبة في بعض موارد تعدد نسبة المتعارضات.

(١) نظير «أكرم الأمراء ويستحب إكرام العدول» كما مرّ آنفا.

(٢) مثل «لا تكرم الأمراء الفسّاق» فإنّه أخص مطلقا من «أكرم الأمراء» كما تقدم آنفا.

(٣) معطوف على «حالها» يعني : وقد ظهور أنه لا بد من تقديم الخاصّ ... إلخ.

(٤) كتقديم «لا تكرم فساق الأمراء» على «أكرم الأمراء» تخصيصا.

(٥) معطوف على «تقديم الخاصّ».

(٦) كـ «أكرم الأمراء ويستحب إكرام العدول» في المثال المتقدم قريبا.

(٧) بيان لمعاملة العموم من وجه ، وضمير «بينهما» راجع إلى «العامين».

(٨) وصلية ، يعني : أن نسبة العموم من وجه بين العامين وإن انقلبت إلى نسبة العموم المطلق بعد تخصيص أحد العامّين بخاصّه ، لكن لا عبرة بهذا الانقلاب ، والمدار في الترجيح والتخيير هو النسبة السابقة بين العامين من وجه ، فلا بد في مورد الاجتماع من

٢٨٦

المطلق بعد تخصيص أحدهما (١) ، لما (٢) عرفت من أنّه لا وجه إلّا لملاحظة النسبة قبل العلاج.

نعم (٣) لو لم يكن الباقي

______________________________________________________

إعمال الترجيح أو التخيير. وفي مثل هذه الصورة خالف المصنف شيخنا الأعظم في التزامه بانقلاب النسبة ، قال : «وإن كانت النسبة بين المتعارضات مختلفة ، فإن كان فيها ما يقدّم على بعض آخر منها إمّا لأجل الدلالة كما في النص والظاهر ، أو الظاهر والأظهر ، وإمّا لأجل مرجح آخر قدّم ما حقّه التقديم ، ثم لوحظ النسبة مع باقي المتعارضات ، فقد تنقلب النسبة وقد يحدث الترجيح ...».

(١) كما عرفت في مثال «أكرم الأمراء» فإنّه بعد تخصيصه بـ «لا تكرم فسّاقهم» تنقلب نسبته إلى «يستحب إكرام العدول» من العموم من وجه إلى العموم المطلق ، ضرورة أن نسبته إلى «يستحب إكرام العدول» من العموم من وجه إلى العموم المطلق ، ضرورة أن نسبة «وجوب إكرام الأمراء العدول» إلى «استحباب إكرام العدول» أخصّ مطلقا. لكن لا تلاحظ هذه النسبة الحادثة ، بل المدار على النسبة السابقة ، وإجراء حكم التعارض في مورد الاجتماع ـ وهو الأمير العادل ـ بتقديم دليل الوجوب ، أو الاستحباب إن كان فيه مزية ، وإلّا فالتخيير.

(٢) تعليل لما أفاده من ملاحظة النسبة قبل العلاج ومعاملة العموم من وجه بين العامين وإن انقلبت النسبة بينهما إلى العموم المطلق بعد تخصيص أحدهما ، كما عرفت تفصيله في المتعارضات المتحدة النسبة.

(٣) استدراك على قوله : «وأنّه لا بد من تقديم الخاصّ ومعاملة العموم من وجه بين العامّين من الترجيح» وهذا تعريض بشيخنا الأعظم «قده» حيث إنّه قدّم العام كقوله : «أكرم الأمراء» بعد تخصيصه بـ «لا تكرم فسّاقهم» على معارضه وهو «يستحب إكرام العدول» لانقلاب نسبة العموم من وجه بين «أكرم الأمراء» وبين «يستحب إكرام العدول» بعد تخصيص «أكرم الأمراء» بـ «لا تكرم فسّاقهم» إلى الأخص المطلق ، لصيرورة «وجوب إكرام الأمراء العدول» أخصّ مطلقا من «يستحب إكرام العدول» فيخصّصه ، وتصير النتيجة بعد التخصيص : استحباب إكرام العدول ، إلّا الأمراء العدول ، فإنّ إكرامهم واجب.

٢٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

والسّر في الالتزام بانقلاب النسبة هنا هو : أنّه لولاه لزم إلغاء النصّ أو طرح الظاهر المنافي له رأسا ، وكلاهما باطل. وبيانه : ان «أكرم الأمراء» عامّ عارضه دليلان ، أحدهما بالعموم المطلق ، والآخر بالعموم من وجه. ولو خصّصنا «أكرم الأمراء» بـ «يستحب إكرام العدول» بأن تخرج مادة الاجتماع ـ وهي الأمير العادل ـ عن حيّز العام وتبقى تحت حكم العام الآخر ، فإمّا أن يخصّص العام المخصّص ـ وهو الأمير الفاسق ـ بالخاص الآخر وهو «لا تكرم فسّاقهم» ويلزم لغويّة العام رأسا ، لعدم بقاء فرد لـ «أكرم الأمراء» حينئذ. وإمّا أن لا يخصّص به ، فيلزم طرح الخاصّ أعني «لا تكرم فسّاقهم». ومن المعلوم بطلان كلا اللازمين ، فيتعيّن تخصيص العام أوّلا بخاصّه ، ثم ملاحظة النسبة مع العام الآخر.

وحاصل تعريض المصنف بما أفاده الشيخ هو : أن التعارض بين الدليلين ـ كما تقدم في ردّ مقالة الفاضل النراقي ـ يلاحظ دائما بالنظر إلى ظهور الدليلين قبل علاج التعارض بين أحدهما ومعارضه الآخر ، فإنّ العلاج من قبيل رفع المانع ، لا إحراز المقتضي وهو الظهور. ولا تفاوت في هذا المناط بين تساوي نسبة المتعارضات وتخالفها.

وعليه فتقديم العام ـ بعد تخصيصه ـ على معارضه لا يصحّ مطلقا كما يظهر من الشيخ ، بل يتجه في صورة واحدة ، وهي : ما إذا لم يبق تحت العام المخصّص إلّا أفراد نادرة ، بحيث لا يجوز تخصيصها ثانيا في مورد الاجتماع ، إمّا لعدم بقاء فرد للعام المخصّص ، وإمّا لقلّة أفراده بحيث يستهجن التخصيص إلى ذلك الحد ، مثلا : إذا لم يبق تحت «أكرم الأمراء العدول» الّذي هو نتيجة تخصيص «أكرم الأمراء بلا تكرم فساقهم» إلّا أفراد ثلاثة ، والمفروض أنهم مادة اجتماع «أكرم الأمراء العدول ويستحب إكرام العدول» كان إخراج هذه الأفراد الثلاثة عن حيّز «أكرم الأمراء العدول» موجبا للاستهجان العرفي ، بل فوقه ، فلا محيص عن إبقاء هذه الأفراد تحت «أكرم الأمراء العدول» ووجوب إكرامهم ، وعدم إدراجهم في «يستحب إكرام العدول».

ووجه تقدم العام المخصص حينئذ على العام الآخر هو كون العام المخصّص كالنص في الباقي ، فتقدمه على معارضه لا يكون لانقلاب النسبة بينه وبين «يستحب إكرام العدول» حتى يستند تقدّمه إلى الترجيح أو التخيير اللذين هما من أحكام المتعارضين ،

٢٨٨

تحته (١) بعد تخصيصه إلّا إلى ما لا يجوز أن يجوز عنه التخصيص ، أو كان (٢) بعيدا جدّاً لقدّم (٣) على العام الآخر ،

______________________________________________________

بل لأقوائية الدلالة ، حيث إنّ لفظ «الأمراء» بعد تخصيصه بـ «لا تكرم فساقهم» يصير كالنص في «الأمراء العدول» المفروض كونهم ثلاثة ، فيقدم لأجلها على «يستحب إكرام العدول» ويحكم بوجوب إكرامهم لا باستحبابه.

وبالجملة : فالعام المخصص ـ لقلة أفراده ـ صار كالنص في مورد الاجتماع ، وهو في المثال «أكرم الأمراء العدول» ، بخلاف العام الآخر ـ وهو يستحب إكرام العدول ـ فإنّه بمقتضى عمومه ظاهر في مورد الاجتماع.

وقد تحصّل ممّا ذكرناه : أنّ المصنف وافق شيخنا الأعظم «قدهما» في المثال المتقدم على أصل تقديم «أكرم الأمراء» في مادة الاجتماع على «يستحب إكرام العدول» لكن مناط التقديم عند كل منهما غير ما هو عند الآخر ، فهو بنظر الشيخ مستند إلى التخصيص الناشئ من انقلاب النسبة. وبنظر المصنف مستند إلى تقديم المباين على المباين بمناط قوّة الدلالة ـ لا التخصيص ـ لأن «أكرم الأمراء» صار نصّا في منتهى مراتب التخصيص أعني «الأمير العادل» ، ويكون شمول «يستحب إكرام العدول» للأمير العادل بالظهور المستند إلى العموم ، ومن المعلوم عدم رعاية قاعدة التعارض ـ من الترجيح والتخيير ـ بين النص والظاهر ، بل يقدّم النص على غيره حتى في المتباينين والمتعارضين بالعموم من وجه ، ولا تنقلب النسبة ، لما تقدم في رد مقالة الفاضل النراقي من أن مدار التعارض على ظهور الدليل ، وهو لا يتغير بورود المخصص المنفصل ، فإنّه يزاحم حجية الظهور لا أصله.

(١) أي : تحت العام بعد تخصيصه إلّا إلى حدّ لا يجوز أن يتعدّى عنه التخصيص وهو البلوغ إلى درجة يجوز التخصيص إليها ، لكن لا يجوز تجاوز التخصيص عنها ، للزوم محذور تخصيص الأكثر أو استيعاب جميع أفراد العام ، كما إذا كان الباقي تحت العام بعد التخصيص ثلاثة أشخاص مثلا ، فإنّه لا يجوز تخصيصهم ثانيا.

(٢) معطوف على «لا يجوز» يعني : أو كان التعدي عنه بعيدا عن المحاورات ، كما إذا كان التخصيص مستلزما لتخصيص الأكثر وغير واصل إلى حد الاستيعاب.

(٣) جواب «لو لم يكن» والمراد بالعامّ الآخر في المثال «يستحب إكرام العدول».

٢٨٩

لا لانقلاب (١) النسبة بينهما (٢) ، لكونه (٣) كالنص فيه ، فيقدّم (٤) على الآخر (٥) الظاهر فيه بعمومه كما لا يخفى (*).

______________________________________________________

(١) يعني : لقدّم العام المخصص على العام الآخر لا لأجل انقلاب النسبة بينه وبين العام الآخر كما يقول به الشيخ «قده» ، بل لكون العام المخصّص كالنص في الباقي بعد التخصيص ، ومن المعلوم تقدّم النص أو الأظهر على الظاهر.

(٢) أي : بين العام المخصّص والعام الآخر.

(٣) أي : لكون العام بعد التخصيص ، وضمير «فيه» راجع إلى «الباقي».

(٤) يعني : فيقدّم العام المخصص على العام الآخر الظاهر في الباقي ، فإنّ دلالة «أكرم الأمراء» بعد تخصيصه بـ «لا تكرم فساقهم» على مادة الاجتماع تكون كالنص ، لقلّته ، بخلاف «يستحب إكرام العدول» فإنّ دلالته على الباقي تكون بالظهور المستند إلى أصالة العموم. والأوّل أقوى دلالة من الثاني ، فيقدم عليه من جهة أقوائية الدلالة ، لا من جهة التعيين أو التخيير اللذين هما من أحكام المتعارضين اللذين يكون العامان من وجه من صغرياتهما.

(٥) يعني : على العام الآخر الظاهر في الباقي بسبب عمومه مثل «يستحب إكرام العدول» في المثال المتقدم.

__________________

(*) هذا ما اختاره المصنف «قده» هنا وفي الحاشية ، ووافقه في أصل إنكار الانقلاب تلميذاه المحققان العراقي والأصفهانيّ ، خلافا للمحقق الميرزا النائيني وجمع من أجلة تلامذته كسيدنا الأستاذ «قدس‌سرهم» على ما حررته عنه في مجلس الدرس ، حيث التزموا بانقلاب نسبة المتعارضات ، بل في تقرير بحثه الشريف كفاية أدنى تأمل للتصديق به.

والمستفاد من كلامه ابتناء القول بالانقلاب على أمور مسلّمة :

الأوّل : أن لكل لفظ دلالات ثلاثا :

الأولى : الدلالة التصورية ، وهي كون اللفظ بمقتضى قالبيته للمعنى موجبا لانتقال الذهن إليه بمجرد الاستماع ، وهذه الدلالة لا تتوقف على إرادة المتكلم ، بل تتحقق حتى مع العلم بعدم إرادته له.

الثانية : الدلالة التصديقية الاستعمالية ، بمعنى ظهور الكلام فيما قاله المتكلم ، وأنّه أراد تفهيم

٢٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

هذا المعنى المتحصل من الهيئة التركيبية ، واستعمل اللفظ فيه ، وهذه الدلالة تتوقف على إحراز كون المتكلم بصدد بيان مراده ، وعدم احتفاف كلامه بقرينة على خلاف ظاهر الألفاظ. ولا ينافي هذا الظهور الاستعمالي وجود قرينة منفصلة على خلاف ما استقر للفظ من الظهور فيه.

الثالثة : الدلالة التصديقية فيما أراد بالإرادة الجدية ، وهي موضوع الحجية ببناء العقلاء ، وهذه الدلالة تتوقف على عدم نصب قرينة على إرادة خلاف هذا الظاهر ولو كانت منفصلة ، فإنّ القرينة المنفصلة وإن لم تهدم الظهور الاستعمالي ، إلّا أنها مزاحمة لأصالة التطابق بين الإرادتين الاستعمالية والجدية.

الثاني : أن التعارض لا بد أن يلاحظ بين الحجتين ، لأنه التنافي في مقام الجعل والتشريع ، فلا بد أن يكون كل منهما حجة لو لا التعارض ، إذ لا معنى لمعارضة الحجة مع اللاحجة ، والمفروض إناطة الحجية بالكاشفية عن المرادات النّفس الأمرية ، لا بمجرد الظهور الاستعمالي حتى لو بان عدم إرادته جدّاً.

الثالث : أن وجه تقديم الخاصّ على العام هو حكومة أصالة الظهور في الخاصّ على أصالة الظهور في العام ، وهذا يقتضي قرينية كل حجة أخص كاشفة عن المراد الجدي على الحجة الأعم وتخصيصها لها.

ونتيجة هذه المقدمات الالتزام بانقلاب النسبة فيما إذا ورد عامّان متعارضان بالتباين مثلا ، وورد مخصص على أحدهما ، فإنّه يقدم على عامّه ، وبعد التخصيص تنقلب النسبة من التباين إلى العموم والخصوص المطلق.

والوجه في الانقلاب واضح. أمّا أصل تخصيص العام بالخاص المنافي له فلقرينية كل خاص على المراد النّفس الأمري من العام ، وعدم كون مجمع العنوانين محكوما بحكم العام.

وأمّا انقلاب نسبة التباين ـ في مثل أخبار إرث الزوجة من العقار ممّا دل بعضها على حرمانها مطلقا من العقار ، ودلّ بعضها على إرثها منها كذلك ، ودلّ بعضها على أنها ترث من العقار إن كانت ذات ولد ـ فلأنّ الظهور الاستعمالي في عموم دليل الحرمان وإن لم ينثلم بورود المخصص المنفصل عليه ، لأجل الانفصال ، إلّا أنّ ظهور الكاشف عن إرادة العموم جدّاً قد ارتفع قطعا بعد كون المراد من العام ما عدا مقدار الخاصّ.

وحيث كان موضوع أصالة الظهور في الدلالة التصديقية الثانية دائرا مدار ما أراده المتكلم لا

٢٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

مجرّد ما قاله ـ كما تقدم في الأمر الأول ـ وكان التعارض ملحوظا بين حجتين لا بين الحجة واللاحجة كما تقرر في الأمر الثاني ، وكان تقديم كل خاص على عامّه بمناط القرينية العرفية والجمع الدلالي كما أشير إليه في الأمر الثالث ، فلا بد من الالتزام بانقلاب النسبة بين المتعارضين بالتباين في المثال إلى نسبة العموم والخصوص المطلق ، هذا (١).

أقول : أمّا المقدمة الأولى فلا ريب في تماميتها. وأما الثانية فإن أريد بتوقف التعارض على حجية كل منهما ـ لو لا التعارض ـ الكشف النوعيّ عن المراد فالمفروض تحققه في العام المخصص بالمنفصل ، لعدم انثلام كشفه النوعيّ العمومي بالتخصيص. وإن أريد كشفه الشخصي الفعلي ، فالعام المخصّص وإن لم يكن له ظهور بهذا النحو ، إلّا أنه لا سبيل للالتزام باعتبار هذا السنخ من الظهور ، وذلك لصيرورة العام مجملا بمجرد ورود مخصص منفصل عليه بحيث لا يمكن حكايته عن المراد الجدّي بأصالة العموم كما تقدم في كلام الماتن.

وأما المقدمة الثالثة فاللازم البحث فيها من جهتين ، الأولى : في أنّ الجمع الدلالي بين العام والخاصّ يستند إلى قرينية الخاصّ على المراد الجدّي من العام.

الثانية : في اطّراد هذا الملاك في جميع موارد التخصيص سواء كان أحد الدليلين أخصّ من الآخر ذاتا أم عرصا بسبب العلاج.

والّذي صرّح به المحقق النائيني «قده» أن تقديم الخاصّ على العام يكون لقرينيته عليه ، كما أن مقتضى حكمه بانقلاب النسبة ـ لتقدم كل خاص على عامه ـ هو التسوية في القرينية بين الخاصّ الذاتي والعلاجي.

لكن يمكن منع كلتا الجهتين : أمّا الأولى فدعوى القرينية كما في «رأيت أسدا يرمي» ونحوه من القرائن المكتنفة بالكلام في محلها ، ولذا لا تلاحظ أقوائية ظهور القرينة من ظهور ذيها ، بل يقدّم الظهور الإطلاقي على الوضعي ، إذ لا يستقر ظهور لـ «أسد» في الحيوان المفترس إلّا بعد فراغ المتكلم من كلامه وعدم إلحاق قرينة صارفة به.

وهذا بخلاف المخصص المنفصل ، إذ العبرة في تقديمه على العام في مجمع تصادق العنوانين هو قوة دلالة الخاصّ عليه بالقياس إلى العام ، فمناط التخصيص هو أخصيّة الخاصّ المستندة إلى

__________________

(١) فوائد الأصول ، ٤ ـ ٢٧٨ ، أجود التقريرات ، ٢ ـ ٥١٨

٢٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

ذات المدلول ، لا إلى حجيته.

وبعبارة أخرى : لا ريب في أن لسان التخصيص لسان المعارضة مع العام لا الملاءمة معه ـ كما هو الحال في الحكومة ـ واللازم ملاحظة بناء العقلاء في تحكيم الخاصّ على العام مع فرض كشف كل منهما عن الواقع ، وأماريّته عليه. والظاهر أن منشأ هذا التقديم أظهرية الخاصّ نوعا من العام ، لا قرينيّته ـ مطلقا ـ على ما يراد جدّاً من العام كي يلزم تقديم الخاصّ حتى فيما كان أضعف ظهورا من العام.

ويشهد لما ذكرناه ما تقدم في أخبار الترجيح ـ لا أخبار طرح المخالف للكتاب والسنة ـ من الأمر بأخذ الخبر الموافق للكتاب دون المخالف له ، مع وضوح صدق المخالفة هناك على ما يغاير عموم الكتاب أو إطلاقه ، ومن المعلوم أن إطلاق «المخالف» على المخصص المنفصل كاشف عن عدم صدق القرينية العرفية هنا ، فإن شأن القرينة الشرح والتعرض لما يراد من ذي القرينة لا المعارضة والمخالفة.

والمتحصل : أن التخصيص بالمنفصل يستند إلى الأظهرية النوعية ، ولذا تأمل شيخنا الأعظم «قده» في تحكيم الخاصّ على العام عند استوائهما في الدلالة كما سبق بيانه في الفصل الأول من هذا المقصد.

وحيث كان المدار في التخصيص على ملاحظة قوة دلالة الخاصّ ذاتا وأظهريته من العام ، فلا وجه للحكم «بتقديم الخاصّ أينما وجد على العام ولو كان ظهوره مساويا له أو أضعف منه» وذلك لأن العام المخصّص ـ في المتعارضين بالعموم من وجه مع ورود مخصّص على أحد العامين ـ وإن كان بلحاظ حجيته أضيق دائرة في الكشف عن المراد الجدّي ، إلّا أن قصر حجيته ببعض مدلوله غير موجب لقلب دلالته النوعية على العموم ، ولا لأقوائية دلالته في مقدار حجيته ، لأنّ ظهوره ودلالته في مقدار حجيته إنّما هو بعين ظهوره ودلالته على تمام مدلوله قوّة وضعفا ، لا بظهور آخر غيره ، لوضوح كون قوة الدلالة وضعفها ناشئا من قالبيّة اللفظ للمعنى وكونه وجها له ، فتلك المرتبة من الدلالة الحاصلة باستعمال العام ـ في أفراده ـ مجردا عن القرائن المكتنفة بالكلام لا تصير أشد وأقوى في الأفراد الباقية بعد ورود الدليل المخصص ، لاستحالة انقلاب الشيء عما وقع عليه.

وعليه ففرق بين الخاصّ الحقيقي الّذي يقدّم بقوة ظهوره على العام وبين الخاصّ العلاجي

٢٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الناشئة خصوصيته من طروء حدّ اعتباري على بعض مدلول العام لأجل قصر الحجية عليه ، فإنّ الصالح للتخصيص بمناط الأظهرية أو تقديم أقوى المقتضيين المتزاحمين هو الأوّل دون الثاني.

وبعبارة أخرى : القرينة المنفصلة غير كاسرة لظهور العام في العموم ، بل هي حجة على قصر كاشفيته المعتبرة على ما عدا مدلول الخاصّ ، لكن هذا المقدار لا يقتضي التصرف في المتعارضين ما لم يكن من شئون دلالة اللفظ. ولذا كان التعارض بين مثل «ثمن العذرة سحت ، ولا بأس ببيع العذرة» مستقرّا ، مع أنّ القدر المتيقن من الأول عذرة ما لا يؤكل لحمه ، ومن الثاني عذرة ما يؤكل لحمه. إلّا أنّ هذا التيقّن لا يجعل كل واحد من الدليلين نصّا فيه وظاهرا فيما عداه كي يجمع بينهما بالأخذ بنصّ كل منهما والتصرف به في ظاهريهما. نعم لو كان القدر المتيقن في مقام التخاطب كان مانعا عن انعقاد الظهور الإطلاقي للكلام على ما تقرر في محله. وأمّا القدر المتيقن الخارجي فلا يوجب الانصراف ولا تقييد المطلق.

هذا ما أفاده شيخنا المحقق العراقي (١) بتوضيح منّا. وهو كاف لمنع مبنى انقلاب النسبة. وتقديم الخاصّ على العام بالأظهرية أو بالقرينية وإن كان مبنائيّا ، إلّا أنّ الظاهر عدم خلوّ دعوى القرينية عن الغموض ، ومعه فاللازم ملاحظة ظهور الأدلة المتعارضة وتقديم الأقوى دلالة على غيره.

ثم إنه ينبغي تتميم البحث في مسألة انقلاب النسبة بالإشارة إلى ما فرّعوه عليه من بيان النسبة بين أدلة ضمان العارية من جهة اختلافها في كون المضمون مطلق المتخذ من الذهب والفضة ـ سواء أكان مسكوكا أم مصوغا أم سبيكة ـ أو هو خصوص المسكوك منهما ، ومنشأ الاختلاف كيفية الجمع الدلالي بين النصوص كما سيظهر إن شاء الله تعالى.

وكيف كان فالمشهور ـ بل المدعى عليه الإجماع ـ ضمان عارية الجنسين مطلقا ، خلافا لجمع آخرين منهم فخر المحققين (٢) والفاضل السبزواري (٣). والعلامة الطباطبائي صاحب الرياض (٤) ، حيث خصّصوا الضمان بعارية الدرهم والدينار.

قال في الجواهر ـ بعد قول المحقق بضمان عارية الذهب والفضة وإن لم يشترطه المعير ـ ما لفظه : «بلا خلاف أجده فيه في الدراهم والدنانير منهما ، بل الإجماع بقسميه عليه ، والنصوص. إنّما

__________________

(١) نهاية الأفكار ، ٤ ـ ٤١١ إلى ٤١٣ ، وكذا في حاشيته على فوائد الأصول المطبوعة أخيرا باهتمام مركز النشر الجماعة المدرسين بحوزة قم المقدسة ، ٤ ـ ٧٤١

(٢) إيضاح الفوائد ، ٢ ـ ١٣٠.

(٣) كفاية الأحكام ، ص ١٣٥

(٤) رياض المسائل ، ١ ـ ٦٢٥.

٢٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الكلام في غيرهما المصوغ وغيره الّذي هو كذلك في صريح اللمعة والمهذب وجامع المقاصد والمسالك والروضة ومجمع البرهان على ما حكي عن بعضها ، وفي ظاهر المتن والنافع وغيرهما ممّن عبّر كعبارته ، كما عن المقنع والنهاية والمبسوط وفقه الراوندي والتحرير والإرشاد والمختلف وقواعد الشهيد ، بل لعل ظاهر الوسيلة والتبصرة المعبّر فيهما بالثمن المراد منه مطلق الذهب والفضة ...» (١).

والأولى الاقتصار على ذكر الأخبار بمضامينها المتعددة ، واستكشاف الحكم منها ، لا من الإجماع المدّعى ، لبعد كونه إجماعا تعبديا كاشفا عن السنة مع تظافر النصوص ، وهي ـ كما قيل ـ على طوائف :

فمنها : ما دلّ نفي ضمان المستعير ، لكون يده أمانيّة ، وإطلاقه أو عمومه يشمل ما إذا كان المستعار ذهبا أو فضّة أو غيرهما ، كصحيح الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : «ليس على مستعير عارية ضمان ، وصاحب العارية والوديعة مؤتمن» (٢) والظاهر أن نفي الضمان في العقدين ناظر إلى اقتضائهما ذلك أوّلا ، فلا ينافيه ما سيأتي من ضمانهما بالشرط الضمني.

ومنها : ما دلّ على ضمان العارية باشتراط الضمان على المستعير أو بكون العين المستعارة من الذهب والفضة ، كرواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله أو أبي إبراهيم عليهما‌السلام قال : «العارية ليس على مستعيرها ضمان إلّا ما كان من ذهب أو فضة ، فإنّهما مضمونان اشترطا أو لم يشترطا» (٣). ونحوها صحيح زرارة : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : العارية مضمونة؟ فقال : جميع ما استعرته فتوى فلا يلزمك تواه إلّا الذهب والفضة ، فانهما يلزمان ، إلّا أن تشترط أنه متى توي لم يلزمك تواه ، وكذلك جميع ما استعرت فاشترط عليك ولزمك ، والذهب والفضة لازم لك وإن لم يشترطا» (٤).

ومنها : ما دلّ على ضمان العارية بالشرط أو بكون المستعار من الدنانير ، كصحيح عبد الله بن سنان أو ابن مسكان ، قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا تضمن العارية إلّا أن يكون قد اشترط فيها ضمان ، إلّا الدنانير ، فإنّها مضمونة وإن لم يشترط فيها ضمانا» (٥). ولهذا الخبر عقد إثباتي وسلبي ، فالأوّل يثبت الضمان في موردين : الاشتراط ، وكون المستعار من الدنانير. والثاني ـ أي العقد السلبي

__________________

(١) جواهر الكلام ، ٢٧ ـ ١٨٤

(٢) الوسائل ، ج ١٣ كتاب العارية ، الباب ١ ، الحديث : ٦ ، ص ٢٣٧.

(٣) المصدر ، الباب : ٢ ، الحديث : ٤ ، ص ٢٤٠.

(٤) المصدر ، الحديث : ٢ ، ص ٢٣٩.

(٥) المصدر ، الحديث : ١ ، ص ٢٣٩.

٢٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الناشئ من تحديد الضمان بالموردين ـ ينفي ضمان العارية عند عدم الاشتراط مهما كان المستعار. والمستثنى منه ليس خصوص الذهب والفضة ، لعدم القرينة عليه ، بل هو كل ما يصح إعارته للانتفاع به مع بقاء عينه.

ومنها : ما دلّ على ضمان العارية بالاشتراط أو بكون المستعار من الدراهم ، كخبر عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «ليس على صاحب العارية ضمان إلّا أن يشترط صاحبها ، إلّا الدراهم ، فإنّها مضمونة اشترط صاحبها أو لم يشترط» (١). وهذا الخبر كسابقه في انعقاد عقد سلبي له أيضا ، والفارق بينهما في العقد الإيجابي ، حيث إنّ موضوع الضمان فيه هو عارية الدراهم لا الدنانير.

وهذه المضامين الأربعة متوافقة في عدم ضمان العارية في غير الذهب والفضة ، ومتخالفة بدوا في جهات :

الأولى : أنّ ما عدا الطائفة الأولى متفقة على ضمان العارية بالاشتراط ، والطائفة الأولى بعمومها أو إطلاقها تنفي ضمان العارية.

الثانية : أن العقد السلبي في رواية الدنانير تعارض العقد الإيجابي في رواية الدراهم ، وبالعكس ، فمدلول الأولى : «لا ضمان في شيء من موارد العارية وإن كان من الدراهم ، إلّا في موردين أحدهما الاشتراط ، والآخر عارية الدنانير».

ومدلول خبر عارية الدراهم «لا ضمان في شيء من الأعيان المستعارة ولو كانت من الدنانير ، إلّا بالاشتراط أو كون المستعار من الدراهم».

الثالثة : أنّ العقد السلبي في خبري الدراهم والدنانير ينفي بإطلاقه أو عمومه ضمان الذهب والفضة غير المسكوكين كالحليّ والسبائك ، وهذا معارض للعقد الإيجابي في الخبر الدال على ضمان مطلق الجنسين وان لم يكونا مسكوكين.

أمّا تعارض الطائفة الأولى مع الطوائف الثلاث المثبتة للضمان مع الاشتراط فهو تعارض غير مستقر ، فيخصّص عموم صحيح الحلبي أو إطلاقه ، ويحكم بالضمان مع الاشتراط.

وأمّا تعارض إطلاق العقد السلبي أو عمومه في خبري الدراهم والدنانير مع العقد الإيجابي في

__________________

(١) المصدر ، الحديث : ٣ ، ص ٢٤٠.

٢٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الآخر فيرتفع أيضا ، إذ يخصّص أو يقيّد ذلك العقد السلبي بنصوصية عقد الإثبات ، وتصير الروايتان بمنزلة رواية واحدة دلّت على نفي الضمان في العارية إلّا مع الشرط أو كون المستعار من الدراهم أو الدنانير.

والكلام كله في حلّ تعارض عقد الإيجاب في ضمان الذهب والفضة مع عموم العقد السلبي أو إطلاقه في روايتي الدراهم والدينار ، فإنّ الظاهر كون النسبة بينهما هي العموم من وجه ، لدلالة العقد السلبي في الخبرين على نفي ضمان عارية مثل الكتب والفرش ، ودلالة العقد الإثباتي في رواية الذهب والفضة على ضمان عاريتهما ، وتعارضهما التبايني في مادة الاجتماع وهو عارية المصوغ من الجنسين كحليّ النساء والسبائك ، فإن أمكن علاج التعارض بما سيأتي بيانه فهو ، وإلّا فبعد تنافي المخصّصات بعضها مع بعض لا بد من الاقتصار في تخصيص عموم نفي الضمان بقدر ما قامت الحجة عليه وهو عارية الدراهم والدنانير خاصة.

وقد استدلّ للمشهور بوجهين :

أحدهما : مبني على ملاحظة كل واحد من الخصوصات مع عموم صحيح الحلبي ، وكون النسبة العموم والخصوص المطلق.

وثانيهما : مبني على كون النسبة بين المخصصات عموما من وجه ، لكن يتعين تقديم عقد الإيجاب في رواية الذهب والفضة لخصوصية في المقام.

أما الوجه الأول : فقد اعتمد عليه جمع من أساطين الفقه منهم صاحب الجواهر «قده» ، حيث قال بعد ذكر جملة من الأخبار ـ وأنّ الأقوى هو الضمان في عارية مطلق الذهب والفضة ـ ما لفظه : «بعد ظهور اتّحاد المستثنى منه في جميعها في كون المراد تعدد الإخراج من العام ، فهي مخصّصات متعددة من عام متحد لا يقدح أخصية بعضها من بعض ، إذ جميع المخصّصات متحدة في الحكم الإيجابي الّذي هو الضمان ، فلا يحمل بعضها على بعض بعد عدم التنافي بينها ... إلى أن قال : فهو بمنزلة أن يقول : أكرم الرّجال ، ثم يقول : لا تكرم زيدا منهم ، وأخرى : لا تكرم عمراً ، وثالثة : لا تكرم الجهّال ، وفي الواقع كان زيد وعمرو من أفراد الجهّال ، فإنّه لا يشك من له أدنى فهم بالخطابات العرفية إرادة إخراج الجهّال من الحكم الأوّل ، ولكن نصّ على زيد وعمرو للتأكيد ونحوه» (١).

__________________

(١) جواهر الكلام ، ٢٧ ـ ١٨٤.

٢٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

لكنه غير ظاهر ، فإنّ مقتضى القاعدة وإن كان تخصيص العام بكلا الخاصّين اللذين يكون أحدهما أخص من الآخر ما لم يخرج عن الحد المتعارف ، فيخصّص العموم القاضي بعدم ضمان العارية بكل من الطوائف الثلاث الأخر ، فتكون النتيجة عدم ضمان العارية إلّا في الذهب والفضة سواء كانا مسكوكين أم مصوغين. إلّا أن في أدلة العارية خصوصية يقع بها التعارض بين عموم دليل النفي وبين الخصوصات المستثنية للذهب والفضة والدرهم والدينار ، وتلك الخصوصية اشتمال كل من أدلة التخصيص على عقدين إيجابي وسلبي ، وقد عرفت معارضة العقد السلبي في روايتي الدرهم والدينار مع العقد الإيجابي في رواية الذهب والفضة.

فما أفاده «قده» من تنظير أخبار الباب بمثل عموم «أكرم الرّجال» المخصّص بأمور بعضها أخص من بعض ، فيخصّص العام بجميعها في مرتبة واحدة لا يخلو من شيء ، لوضوح الفرق بين المثال وأدلة العارية بأنّ تلك الخصوصات لكل منها عقد إيجابي فحسب ، فتقتضي صناعة الجمع العرفي تحكيم الكل على العام ما لم ينته الأمر إلى التخصيص المستهجن ، ولكن الخصوصات في المقام متعارضة من جهة اشتمالها على العقد السلبي ، ولا ريب في أن تقديم الخاصّ على عامّه متفرّع على حجيته الفعلية ، فلا بد من علاج تعارض نفس الخصوصات أوّلا ثم تخصيص العام بالمقدار المعتبر منها.

نعم لو كان التخصيص بمثل «في عارية الدينار ضمان» كانت الروايات والمثال من باب واحد.

بل هنا جهة افتراق أخرى ، وهي : أنّ كلّا من الخصوصات قد صدّر بنفس العام ، لتكرر «لا تضمن العارية» وما بمضمونه في جميعها ، فالمقام أشبه بالتخصيص بالمتصل من التخصيص بالمنفصل ، مع أن محطّ الكلام في مسألة انقلاب النسبة ملاحظة الظهورات المستقلة بعضها عن بعض.

الثاني : ما أفاده بعض أعاظم العصر «مد ظله» من أنّ النسبة بين الخاصّين ـ وهما : عقد الإثبات في ضمان عارية الذهب والفضة ، وعقد السلب في روايتي ضمان النقدين ـ وإن كانت عموما من وجه على ما تقدم تقريبه ، ومقتضى القاعدة تساقطهما في عارية الحلّي المصوغة من الجنسين والرجوع إلى العام الفوق ، إلّا أن في المقام خصوصية تقتضي تقديم تخصيص عموم العقد السلبي في روايتي الدراهم والدنانير على تقييد إطلاق العقد الإيجابي في خبر ضمان الجنسين ، لأنّ حمل ما يدل على ثبوت الضمان في عارية الذهب والفضة على خصوص النقدين حمل للمطلق على الفرد

٢٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

النادر ، لندرة استعارة النقدين جدّاً ، حيث إنّ استيفاء المنفعة المقصودة منهما غالبا يتوقف على التصرف في عينهما ، والمعتبر في العارية إمكان الانتفاع به مع بقاء عينه ، كما هو الحال في الوقف. وعليه يؤخذ بإيجاب ما يدل على ثبوت الضمان في عارية مطلق الجنسين ويخصّص به العام الفوق (١).

لكن يمكن أن يقال ـ بعد تسليم ندرة الوجود في عارية الدرهم والدينار ـ : ان مجرد الغلبة الوجودية في عارية الحلّي المصوغة لا يوجب الانصراف الصالح للتقييد ، إن كان المقصود دعوى انصراف إطلاق عارية الذهب والفضة إلى عارية غير المسكوك منهما ، إذ المجدي من الانصراف القابل لتقييد المطلق هو الموجب للتشكيك في الصدق ، ولا ريب في أن صدق الذهب والفضة على المسكوك والحلّي المصوغة منهما على وزان واحد.

هذا ما استدلّ به للمشهور ، وقد عرفت عدم وفاء كلا الوجهين بإثبات الضمان في عارية مطلق الذهب والفضة.

وقد يقال : انتصارا للقول غير المشهور بأولويّة تقييد إطلاق العقد الإيجابي من تخصيص عموم العقد السلبي في روايتي الدرهم والدينار ، وعدم وصول النوبة إلى التساقط ، لما تقرر في محله من أنّه إذا دار الأمر بين تقييد المطلق الشمولي وتخصيص العام به كان الأوّل أولى ، وحيث إن شمول الذهب والفضة لحالاتهما من المسكوكية وغيرها بالإطلاق الشمولي ، وعموم العقد السلبي في روايتي الدرهم والدينار بالوضع ، لدلالة النكرة في سياق النفي عليه ، كان تقييد إطلاق الذهب والفضة بالمسكوك منهما أولى من تخصيص عموم العقد السلبي في روايتي الدرهم والدينار بغير المسكوك منهما ، ونتيجة هذا التقييد في دليل ضمان عارية الذهب والفضة هي الضمان في عارية الدرهم والدينار دون غيرهما من الحلي والسبائك.

وبه يتجه قول فخر المحققين ومن اقتصر في ضمان العارية على الدرهم والدينار ، ولا تصل النوبة إلى رعاية المرجّحات في المجمع كندرة أفراد أحد العامين بعد بيانيّة العموم لما يراد من الإطلاق ، ومانعيته عن تمامية مقدمات الحكمة فيه.

لكنه أيضا لا يخلو من تأمل ، لكون التعارض في المقام بين الإطلاقين ، لا بين العموم والإطلاق ، فإنّ النكرة في سياق النفي وإن أفادت العموم ، إلّا أنه قد تقرر في محله : أن شمول العام لحالات

__________________

(١) مصابح الأصول ، ٣ ـ ٣٩٨

٢٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الأفراد مستند إلى الإطلاق ، لا إلى لفظ العام ، ومن المعلوم أن «الذهب والفضة» من أفراد العام في العقد السلبي ، لكن حالاتهما الطارئة عليهما لا تستفاد من العموم بل من الإطلاق ، فيقع التعارض بين هذا الإطلاق الثابت لفرد العام وبين إطلاق الذهب والفضة في العقد الإيجابي من رواية ضمان الذهب والفضة ، فيتساقطان في حلّي النساء ، فيرجع إمّا إلى العام الفوق القاضي بعدم الضمان في العارية مطلقا ، وإمّا إلى أصالة البراءة عنه ، وإن كان الثاني أولى ، لتعنون العام بقيد عدمي وهو عدم كون العارية ـ التي لا ضمان فيها ـ من النقدين.

هذا مجمل الكلام في المسألة ، والتفصيل موكول إلى الفقه الشريف.

٣٠٠