منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٨

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٨

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: نمونه
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٥٢

المقال ، فراجع هناك (١).

______________________________________________________

اجتهادي ، ولا إلى قطع بالحكم الواقعي كما كان ذلك في الصور الثلاث المتقدمة.

وحاصل ما أفاده : أنّ الاجتهاد السابق إن كان مستندا إلى الاستصحاب أو البراءة النقليّة ، وقد ظهر خطاؤه في الاجتهاد الثاني ـ لظفره بدليل على الخلاف ـ فمقتضى القاعدة صحة الأعمال السابقة ، لكونها مطابقة لوظيفته في تلك الحال ، والمفروض إجزاء الحكم الظاهري كما تقدم في بحث الإجزاء. وعليه فالصورة الرابعة كالصورة الثالثة في صحة الأعمال السابقة وعدم وجوب إعادتها.

(١) لا يخفى ـ على المراجع إلى بحث الإجزاء ـ أنّ بين كلاميه في المقامين نحو اختلاف ربما يشكل الجمع بينهما. توضيحه : أنّه في الصورة الثالثة والرابعة من مسألة اضمحلال الرّأي حكم بالإجزاء والمضي على الأعمال السابقة وعدم نقضها ، ولكنه في مسألة إجزاء الإتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري فصّل بين الأوامر الظاهرية المتعلقة بموضوعات الأحكام بعد الفراغ عن ثبوت أصل التكليف ، وبين الأوامر الظاهرية الجارية في نفس الأحكام الشرعية ، وحكم (قده) في القسم الأوّل بإجزاء الأوامر الظاهرية في موردين :

أحدهما : ما يثبت بالأصول الشرعية كالاستصحاب وقاعدتي الحل والطهارة.

وثانيهما : ما يثبت بالأمارات بناء على السببية بشرط الوفاء بتمام الغرض أو بمعظمه مع عدم إمكان استيفاء ما يبقى من المصلحة ، أو عدم وجوب استيفائه مع إمكانه. وحكم بعدم الإجزاء بناء على حجية الأمارات على الطريقية.

وحكم (قده) في القسم الثاني بعدم الإجزاء مطلقا إلّا في صورة واحدة ، قال : «فلا وجه لإجزائها مطلقا ، غاية الأمر أن تصير صلاة الجمعة فيها أيضا ذات مصلحة لذلك. ولا ينافي هذا بقاء الظهر على ما هي عليه من المصلحة كما لا يخفى ، إلّا أن يقوم دليل بالخصوص على عدم وجوب صلاتين في يوم واحد» هذا ما أفاده في مسألة الاجزاء.

وقد ظهر وجه منافاة تحقيقه في بحث الإجزاء لما في المقام ، فإنّ فتوى المجتهد إن كانت طريقا لإثبات أصل الحكم كان حكمه هنا بالإجزاء في الصورتين الأخيرتين منافيا

٤٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

لما أفاده في عبارته المتقدمة من عدم الإجزاء مطلقا عند انكشاف الخلاف. وإن كان شاملا لموارد الإفتاء بقاعدة الطهارة ونحوها مما يجري في متعلق الحكم كان منافيا لما أفاده في القسم الأوّل بالإطلاق والتقييد ، إذ حكمه بالإجزاء في الأمارات على الموضوعية كان مشروطا بأحد أمور ثلاثة ، إمّا كون الفاقد للجزء أو الشرط وافيا بتمام الغرض القائم بالواجد ، وإمّا عدم إمكان استيفاء ما يبقى من المصلحة على تقدير عدم الوفاء بتمامها ، وإمّا عدم وجوب استيفائه مع إمكانه.

ولكن الظاهر أنّ فتوى المجتهد ترتبط بإثبات نفس الحكم الشرعي غالبا ، ويبقى توجيه الجمع بين ما أفاده هنا وما أحاله على بحث الإجزاء ، وهو أعلم بما قال. ولو لا هذه الحوالة لاحتمل عدوله عمّا سبق في بحث الإجزاء.

٤٨٢

فصل (١)

في التقليد (٢) ، وهو

______________________________________________________

أحكام التقليد

(١) قد تقدم في أوّل بحث الاجتهاد والتقليد أنّ البحث عن أحكام الاجتهاد كخاتمة لعلم الأصول لا يخلو من مناسبة ، ولكن البحث هنا عن شئون التقليد استطرادي ، ومحلّها الفقه الشريف ، ولذا اقتصر المصنف على التعرض الأمور ثلاثة ولم يستقص مباحثه ومسائله.

أوّلها : أدلة وجوب التقليد على العامي.

ثانيها : وجوب تقليد الأعلم.

ثالثها : تقليد الميت.

وهذا الفصل معقود لبيان معنى التقليد والأدلة على جوازه.

(٢) وهو في اللغة بمعنى تعليق القلادة في العنق ، قال ابن منظور : «... ومنه التقليد في الدين ، وتقليد الولاة الأعمال ، وتقليد البدن : أن يجعل في عنقها شعار يعلم به أنها هدي ... وتقليد الأمر : احتمله ، وكذلك تقلّد السيف ...» (١).

وعن المصباح : «قلّدت المرأة تقليدا جعلت القلادة في عنقها» وقال العلامة الطريحي : «وقلّدته قلادة : جعلتها في عنقه ، وفي حديث الخلافة : فقلّدها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا عليه‌السلام ، أي ألزمه بها ، أي : جعلها في رقبته ، وولّاه أمرها ...

__________________

(١) لسان العرب ، ٣ ـ ٣٦٦ ، ٣٦٧

٤٨٣

أخذ (١) قول الغير

______________________________________________________

والتقليد في اصطلاح أهل العلم : قبول قول الغير من غير دليل ، سمّي بذلك لأنّ المقلّد يجعل ما يعتقده من قول الغير من حق وباطل قلادة في عنق من قلّده» (١).

وعلى هذا فلفظ التقليد يتعدّى إلى مفعولين أحدهما القلادة أو ما هو بمنزلتها من الأمور الحقيقة أو الاعتبارية ، والآخر ذو القلادة ، ومنه تقليد السيف أي جعل السيف قلادة ، وقوله عليه‌السلام في الخطبة الشقشقية : «تقلّدها فلان وهو يعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى ينحدر عنّي السيل ولا يرقى إليّ الطير» فجاعل السيف في العنق مقلّد ـ بالكسر ـ ومن يعلق السيف في عنقه ـ مقلّد ـ بالفتح ، وما به التقليد هو السيف ، فالمفعول الأوّل هو المقلّد بالفتح ، والمفعول الثاني هو القلادة كالسيف.

هذا بحسب اللغة وقريب منه معناه العرفي ، فمعنى «قلّد زيد عمرا» هو محاكاته في فعله وقوله ، وأن يأتي به بالكيفية الخاصة التي يأتي بها زيد. ويعبّر عن هذا التقليد في الفارسية بـ «ادا در آوردن». وعرف في اصطلاح الفقهاء بأمور سيأتي بيانها.

وعلى كلّ فلما لم يكن في العمل بفتوى المجتهد قلادة خارجية ولا مقلّد بالكسر وبالفتح فلا بد أن يكون استعماله في المقام ونحوه من باب الاستعارة ، والمناسب لهذا المعنى اللغوي هنا أحد أمرين :

الأوّل : جعل فتوى العالم للجاهل بمنزلة القلادة في عنقه ، فالجاهل مقلّد بالكسر وبالفتح باعتبارين ، فمن حيث جعل فتوى العالم في عنق نفسه مقلّد بالكسر ، ومن حيث صيرورة الفتوى قلادة في عنقه مقلّد بالفتح.

الثاني : أن يجعل الجاهل دينه قلادة في عنق العالم في الفرعيات ، ويحمّله مسئولية أعماله عبادة كانت أو معاملة أو غيرهما. فالجاهل مقلّد بالكسر ، لكونه جاعلا للقلادة ـ وهي الدين ـ والمجتهد مقلّد بالفتح ، لصيرورته ذا قلادة بجعل الجاهل.

(١) اعلم : أنّ تعريف التقليد بالأخذ أو بالعمل أو بالقبول أو بغيرها يكون تارة بلحاظ تعيين مدلول هذا اللفظ الوارد في التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام «فللعوام أن يقلدوه» (٢) إذ بناء على صدوره لا بد من البحث في مدلوله ، وكذا في خبر أبي

__________________

(١) مجمع البحرين ، ٣ ـ ١٣٢

(٢) الوسائل ، ج ١٨ ، الباب ١٠ من أبواب صفات القاضي ، الحديث : ٢٠ ، ص ٩٤

٤٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

بصير في حكاية قول أم خالد العبدية لأبي عبد الله عليه‌السلام في حرمة شرب قطرة من النبيذ للعلاج : «قد قلّدتك ديني» (١). وأخرى بلحاظ ما يقتضيه أدلة جواز التقليد من الفطرة والكتاب والسنة ، وأنّها تدل على مشروعية التقليد بمعنى العمل أو بمعنى الأخذ أو بمعنى آخر.

إذا عرفت هذا فاعلم : أنّهم اختلفوا في تعريف التقليد وعرّفوه بعناوين عديدة :

أوّلها : أخذ قول الغير ورأيه ... تعبّدا بدون مطالبة دليل على رأيه ، كما في المتن وفاقا لجمع.

ثانيها : قبول قول الغير بلا حجة كما عن الغزالي وغيره.

ثالثها : الالتزام بالعمل بقول مجتهد معين وإن لم يعمل بعد ، كما في العروة الوثقى واختاره جمع.

رابعها : العمل المستند إلى فتوى مجتهد ، أو «تطبيق العمل على فتواه» أو نحوهما.

خامسها : تبعية الغير ، حكي عن رسالة الشيخ الأعظم (قده) في الاجتهاد والتقليد. وعن الشيخ الحائري اليزدي (قده) في تعليقته على العروة : «أنه متابعة المجتهد في العمل بأن يكون معتمدا على رأيه في العمل».

واقتصر المصنف (قده) على التعرض للمعنى الأوّل والرابع ، فاختار تعريفه بالأخذ ، وناقش في تفسيره بالعمل كما سيأتي.

والمراد بالأخذ هو القبول لا العمل كما هو المراد بقوله تعالى : «ويأخذ الصدقات» على ما في التفسير. ويؤيّده بل يشهد به تصريح بعضهم في تفسير التقليد بقبول قول الغير ، وهذا احتراز عمّا إذا تعلّم قول الغير لإطاعة عليه أو لغيره من الجهات لا من جهة قبوله له.

وعليه فالمراد بالأخذ والقبول هو ما يكون مقدمة للعمل ، ولذا يكون أخص من الالتزام ، لإمكانه قبل أخذ فتوى المجتهد ، فان الالتزام هو الفعل النفسانيّ ، بمعنى عقد القلب على العمل بفتاوى مجتهد وإن لم ينته إلى العمل ، كما إذا مات المجتهد أو سقط عن أهلية المرجعية لهرم أو كثرة نسيان مثلا. وليس المراد بالأخذ عند الماتن هو العمل ، لأنّه (قده) جعله مقابلا للعمل ، فما في مستمسك سيّدنا الأستاذ (قده) «من أن الأخذ في هذه

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٧ ، الباب ٢٠ من أبواب الأشربة المحرّمة ، الحديث : ٢ ، ص ٢٧٥

٤٨٥

ورأيه (١) للعمل به في (٢) الفرعيات ، أو للالتزام (٣) به في الاعتقاديات (٤) تعبدا بلا مطالبة (٥) دليل

______________________________________________________

التعريفات بمعنى الفعل» لم يظهر له وجه.

(١) معطوف على «قول الغير» ومفسّر له ، وهذا إشارة إلى دفع ما قد يتوهّم من أنّ القول هو اللفظ الصادر من المجتهد ، ولا يشمل رأيه إذا لم يخبر به لفظا.

وحاصل الدفع : أن المراد من القول هو الرّأي ، سواء أخبر به لفظا أم كتبا أم غيرهما. وإطلاق القول على هذا المعنى شائع في المحاورات كما يقال : «وجوب صلاة الجمعة أو وجوب جلسة الاستراحة أو وجوب السورة مثلا قول فلان» كما يقال : «رأيه» ، قال في الفصول : «وينبغي أن يراد بقوله فتواه في الحكم الشرعي ، فلو أبدله به لكان أولى».

ثم إن رأي المجتهد وإن كان مستندا إلى الأدلّة المعهودة ، إلّا أنه ـ لما فيه من إعمال حدس ونظر ـ يختلف عن موارد الإخبار عن الأمور الحسيّة ، ولذلك يخرج بقوله : «رأي الغير» الأخذ بقول الراوي والشاهد ، وحكم الحاكم في بعض الموضوعات ، وأخذ الأعمي بقول الغير في موضوع الحكم الشرعي كمعرفة الوقت والقبلة ، فإنّ شيئا من ذلك لا يسمى تقليدا اصطلاحا وإن أطلق على الأخير في ألسنة الفقهاء.

(٢) متعلّق بـ «العمل» وهو متعلق بـ «أخذ» يعني : أنّ التقليد هو أخذ فتوى الفقيه لأجل العمل بها في الفرعيات التي تتعلق بأعمال الجوارح ، كما أنّ أخذ رأي الغير للالتزام به ـ في الأمور الاعتقادية ـ يكون تقليدا لذلك الغير.

(٣) معطوف على «العمل» وضمير «به» راجع إلى قول الغير.

(٤) المراد بها الأمور الاعتقادية التي لا يكون المطلوب فيها المعرفة ، وإلّا فلا سبيل للتقليد فيما يجب معرفته كالتوحيد والنبوة والإمامة والمعاد.

(٥) هذا و «تعبدا» بمعنى واحد ، وكل منهما قيد لـ «أخذ قول الغير» وأحدهما مغن عن الآخر ، وقوله : «بلا مطالبة» ظرف مستقر ، وهو منصوب على الحالية ، يعني : أن التقليد هو الأخذ حال كونه حاصلا بغير مطالبة دليل على الرّأي ، بأن يقبل فتوى الغير من دون مطالبة دليل على تلك الفتوى ، بحيث لو سأله أحد عن وجه هذا الالتزام علّله بأنّه قول المجتهد ،

٤٨٦

على رأيه (١).

ولا يخفى أنّه (٢) لا وجه لتفسيره بنفس العمل ،

______________________________________________________

من دون أن يستند إلى حجة على خصوص هذا الرّأي وإن استند إلى دليل يدلّ على اعتبار قول المفتي في حق العامي ، وأنّه حكم الله في حقه ولو ظاهرا ، فالمقلد لا حجة له على القول وله الحجة على الأخذ بالقول ، وهي أدلة جواز التقليد.

وعليه فيخرج بهذا القيد الأخير الأخذ بقول المعصوم عليه‌السلام ، لأنّ برهان العصمة حجة على صحة قوله ومطابقة إخباره لما في اللوح المحفوظ ، وكذا أخذ الفقيه المتأخر برأي الفقيه المتقدم عصره عليه إنّما هو لمساعدة دليله لا للتعبد.

(١) وبناء على هذا ـ أي كون التقليد هو الالتزام النفسانيّ ـ تكون المناسبة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي واضحة ، حيث إنّ العامي يجعل فتوى المجتهد كالقلادة في عنقه ، وهذا هو الوجه الأوّل من الوجهين المتقدمين لبيان المناسبة والاستعارة.

(٢) الضمير للشأن ، وهذا شروع في إبطال تعريف التقليد بالعمل بفتوى مجتهد ، وقد عرّفه بذلك جمع منهم صاحب المعالم ، حيث قال : «والتقليد هو العمل بقول الغير من غير حجة ...» (١) ومنهم الآمدي في أحكام الأحكام (٢) من أنه : «عبارة عن العمل بقول الغير من غير حجة ملزمة».

بل في القوانين : «أن مراد الجميع العمل ، حيث نسب تعريفه بالعمل بقول الغير إلى العضدي وغيره ، مع أنّ العضدي عرّفه بالأخذ».

وعن العلامة في النهاية أيضا : «أن التقليد هو العمل بقول الغير من غير حجة معلومة».

والوجه في اختيار هذا المعنى شدة مناسبته مع معناه اللغوي وملائمته له ، لأنّ قلادة دين الجاهل لا تجعل على عنق المجتهد إلّا بالعمل برأيه ، إذ مسئوليته لأعمال العامي تتوقف على العمل برأيه ، وسيأتي التفصيل في التعليقة (إن شاء الله تعالى).

ولكن المصنف وفاقا لصاحب الفصول وغيره جعله بمعنى الأخذ والالتزام ، لما يرد على تفسيره بالعمل من وجهين أشار إلى أحدهما في المتن وهو سبق التقليد على العمل ،

__________________

(١) معالم الأصول ، ص ٢٣٦

(٢) بنقل أصول الفقه المقارن للعلامة السيّد محمّد تقي الحكيم ، ص ٦٣٩

٤٨٧

ضرورة (١) سبقه عليه ،

______________________________________________________

وحاصله : أنّ التقليد إن كان عبارة عن نفس العمل المستند إلى فتوى المجتهد ـ دون الأخذ ـ لزم صدور أوّل الأعمال بلا تقليد ، مع أنّ اللازم وقوع العمل عن تقليد ، وهذا يتوقف على تقدم التقليد رتبة على العمل ، فإنّه يقابل الاجتهاد ، فكما أنّ الاجتهاد سابق على العمل ، إذ المجتهد يستنبط الحكم المتعلق بعمل نفسه ثم يعمل به ، فكذا التقليد لا بد أن يتقدّم على العمل ، فالاجتهاد هو أخذ الحكم عن مدركه ، والتقليد أخذ الحكم عن الغير ، لا عن مدركه ، وحينئذ يقال : إن العمل الكذائي وقع عن تقليد أو عن اجتهاد ، فلا مناص من تقدّمهما على العمل.

ولو كان تحقّق التقليد خارجا متوقفا على العمل برأي المجتهد لزم صدور أوّل الأعمال من غير تقليد ، إذ المفروض عدم كونه مسبوقا بالتقليد الّذي هو العمل ، مع أنّ صحة العمل منوطة بصدوره عن تقليد ، كالعمل الصادر عن اجتهاد متقدّم على العمل ، فلا بد للعامي أوّلا من التقليد أي الأخذ ثم العمل ، ليكون عمله عن حجة ، وعليه فبطل تفسيره بالعمل (*).

(١) أي : ضرورة سبق التقليد على العمل ، وهذا تعليل لقوله : «لا وجه» وقد عرفت

__________________

(*) ويترتب على كون التقليد العمل المستند إلى فتوى مجتهد أمران :

الأوّل : عدم صدق التقليد فيما لم يتفق له العمل ، بناء على عدم جواز الرجوع عن مجتهد إلى مساويه بعد التقليد ، فيجوز الرجوع إلى الثاني ، لعدم تحقق العمل المستند إلى فتوى الأوّل حتى يحرم العدول عنه.

الثاني : عدم صدق البقاء على تقليد الميت فيما لم يتفق له العمل في حياة مجتهده ، فلا يجوز له العمل بفتواه بعد موته ، بناء على جواز تقليد الميت بقاء ، إذ المفروض عدم العمل به في حال حياته حتى يصدق عليه التقليد البقائي ، ويصير موضوعا لجواز البقاء. بخلاف ما إذا كان التقليد الالتزام ، فإنّه لا يجوز العدول إلى المساوي ، ويجوز البقاء على تقليد الميت ، لتحقق التقليد في الصورتين.

وأنت خبير بأن مفهوم التقليد واحد في جميع الموارد ، ولا داعي إلى التفكيك بين الموارد وجعل التقليد في بعضها العمل ، وفي بعضها الآخر الالتزام كمسألتي البقاء والعدول من الحي إلى الحي كما مرّ.

٤٨٨

وإلّا (١) كان بلا تقليد (*) فافهم (٢).

______________________________________________________

توضيحه.

(١) أي : وإن لم يتقدم التقليد على العمل ـ وكان التقليد بمعنى العمل لا الأخذ ـ كان العمل الأوّل واقعا بلا تقليد ، ومثله غير محكوم عليه بالصحّة. قال في الفصول : «وأعلم أنّه لا يعتبر في ثبوت التقليد وقوع العمل بمقتضاه ، لأنّ العمل مسبوق بالعلم ، فلا يكون سابقا عليه» (**).

(٢) لعله إشارة إلى : أنّه لا دليل على اعتبار أزيد من تطبيق العمل على فتوى المجتهد في تحقق التقليد ، فإنّ أدلته لا تدلّ على أزيد من ذلك ، لأنّه يحصل بهذا النحو الأمن من تبعة التكليف المنجز. نعم لا بد في التقليد بهذا المعنى من تعلم الفتوى قبل الشروع في العمل ليتحقق العمل بمطابقة العمل للرأي ، فالقول بكون التقليد نفس العمل قريب جدا.

ولزوم كون العمل عن تقليد لا يدل على اعتبار سبق التقليد على العمل ، بل يدل على اعتبار التقليد في صحة العمل عقلا أي الاكتفاء به في نظره ، وأمّا كونه قبل العمل فلا ، ألا ترى أنه يصح أن يقال : «أنّ المأمور به هو الصلاة عن ستر واستقبال وطمأنينة وغيرها من شرائط الصحة» مع أنّها مقارنة للصلاة ومعتبرة فيها حين تحقق الأجزاء كما لا يخفى.

مضافا إلى «أن العمل عن تقليد» لم يرد في آية ولا رواية حتى يلزم الأخذ بظاهره بعد تسليم الظهور.

__________________

(*) ظاهر العبارة كما أوضحناها أو محذور تفسير التقليد بالعمل هو وقوع أوّل الأعمال بلا تقليد ، وهو مما لا يلتزم به. وقد يجعل المانع من تفسيره بالعمل محذور الدور «ضرورة سبق كل متوقف عليه على ما يتوقف عليه ، فلو توقفت صحّة العمل على التقليد لم يعقل أن يكون هو بنفسه محقّقا لعنوان التقليد ، وإلّا لزم توقف الشيء على ما ينتزع عنه المتأخر عنه ، وهو محال» (١). وهذا وإن كان وجها للقائل بالالتزام ، إلّا أن الظاهر من تعليل الماتن بقوله : «وإلّا لكان بلا تقليد» النّظر إلى محذور خلوّ العمل الأوّل عن تقليد ، لا هذا ، وإلّا كان عليه أن ينبه عليه بقوله : «وإلّا لدار» أو ما يقرب منه. فتأمل في الكلام حقه.

(**) والوجه الثاني ما أفاده بقوله : «ولئلا يلزم الدور في العبادات ، من حيث إن وقوعها يتوقّف

__________________

(١) منتهى الوصول ، ص ٣٨٤

٤٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

على قصد القربة ، وهو يتوقف على العلم بكونها عبادة ، فلو توقف العلم بكونها عبادة على وقوعها كان دورا»

والوجهان المزبوران أوجبا اقتراحه مبنى الالتزام ، فإنّه (قده) وإن عرّفه بالأخذ ، لكنه في حكم التقليد في أصول الدين قال : «ومعنى الأخذ بقوله هنا الالتزام به» ولعلّ هذا منشأ تفسير الماتن له بالأخذ في الفرعيات ، وبالالتزام في الاعتقاديات.

إلّا أنّ الظاهر إرادة صاحب الفصول معنى جامعا للأخذ وهو الالتزام سواء في الفروع والأصول ، إذ لا يراد بالأخذ العمل ، للزوم محذورين من جعل التقليد بمعنى العمل ، فالمراد به هو القبول وذلك أمر نفساني.

وكيف كان ففي كلا الوجهين ما لا يخفى.

أمّا الأوّل فبما تقدم في توضيح المتن من أنّه لا دليل على اعتبار تقدم التقليد على العمل حتى يقع عن تقليد.

وببيان آخر : ان التقليد ـ بناء على كونه العمل المستند إلى فتوى الفقيه كما سيأتي بيانه ـ يتوقف على الاستناد إلى فتوى المفتي ، كتوقف صحة عمل المجتهد على الاستناد إلى رأيه ، فتعلّم الفتوى مما يتوقف عليه التقليد قطعا ، إلّا أنّ هذا العلم له دخل مقدّمي في العلم بتحقق التقليد ، لا في نفسه ، إذ هو العمل المستند إلى رأي الغير ، أو تطبيق العمل على رأيه ، وحينئذ فلا موجب لانبعاث العمل عن عنوان التقليد ، حتى يلزمه السبق ، بل التقليد وصف مقارن للعمل ولون له.

والاستناد في لزوم تقدم التقليد زمانا على نفس العمل إلى تقابله مع الاجتهاد ، لتقدم الاستنباط على العمل على طبقه ، فليكن التقليد كذلك ، فيه : «أنّه لا تقابل بينهما تقابل العدم والملكة ، ولا السلب والإيجاب ، فإنّ الاجتهاد تحصيل الحكم من مدركه ، وليس عدمه المقابل له تقليدا ، لأنّ من لم يحصّل الحكم من مدركه ليس مقلّدا مع عدم العمل أو عدم الأخذ للعمل».

وكذا لا تقابل بينهما بتقابل التضاد «نظرا إلى أنّ الاجتهاد هو أخذ الحكم عن مدركه ، والتقليد أخذ الحكم عن الغير لا عن مدركه. إذ فيه : أن الأخذ بمعنى الالتزام والعمل ـ الّذي هو مورد النزاع في التقليد ـ أجنبي عن حقيقة الاجتهاد ، إذ ليس معنى الاجتهاد التزام المجتهد بالحكم ولا عمله به. والأخذ بمعنى التعلم الراجع إلى تحصيل العلم بالحكم وإن كان مشتركا بين المجتهد والمقلّد ،

٤٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

والأخذ عن مدرك وعن الغير متقابلان ، إلّا أنه لا دليل على أن الاجتهاد والتقليد متقابلان حتى يتعين كون التقليد بمعنى التعلم تحقيقا للتقابل ، بل التقليد في قبال كل من الاجتهاد والاحتياط ، مع أن الاحتياط عنوان للعمل ، فالتقابل حقيقة يكون بين العمل استنادا إلى المدرك أو إلى رأي الغير أو بنحو يوافق الواقع» (١).

وأمّا الثاني ـ وهو شبهة الدور في العبادات ـ فيردّه : أنّ التقليد وإن كان متوقفا على العمل ، لكن العلم بكونها عبادة لا يتوقف على وقوعها ، بل على قيام الدليل على عباديتها ولو كان فتوى المجتهد. وعليه فليس العلم بعبادية الفعل متوقفا على وقوعها خارجا حتى يلزم الدور ، بل يتوقف على الحجة على العبادية ، وهي مثل فتوى الفقيه الجامع للشرائط ، ولا يترتب محذور على كون التقليد هو العمل المستند إلى فتوى المجتهد حتى نلتجئ إلى تفسيره بالالتزام أو الأخذ.

هذا ما يتعلّق بما أفاده صاحب الفصول من وجهين على كون التقليد بمعنى الالتزام والأخذ مطلقا.

وقد يقال : بامتناع كونه بمعنى العمل عند اختلاف المجتهدين في الفتوى ، كاختلافهم في غسل الجمعة على الوجوب والاستحباب ، فلو كان التقليد هو العمل امتنع أن يقع على صفة الوجوب أو الندب ، لأنّ وقوعه على صفة الوجوب متوقف على التقليد ، فلو كان التقليد هو نفس العمل توقف وقوع العمل على وقوع العمل ، وهو محال.

والجواب عنه ما أفاده سيدنا الأستاذ (قده) من أنه «إذا اختلف المجتهدون في الفتوى فلمّا امتنع أن يكون الجميع حجّة ، للتكاذب الموجب للتناقض ، ولا واحد معيّن ، لأنه بلا مرجح ، ولا التساقط والرجوع إلى غير الفتوى ، لأنّه خلاف الإجماع والسيرة ، تعيّن أن يكون الحجة هو ما يختاره ، فيجب عليه الاختيار مقدمة لتحصيل الحجة ، وليس الاختيار إلّا الالتزام بالعمل على طبق إحدى الفتويين أو الفتاوى بعينها ، وحينئذ يكون الالتزام مقدمة للتقليد لا أنّه عينه» (٢).

والمناقشة فيه «بأن الحجة التخييرية ـ بأيّ معنى فسّرت ـ لا معنى لها ، وأن الوظيفة عند تعارض الفتاوى الموجب لسقوطها هو الاحتياط ، إذا لا توقف للتقليد على الالتزام فضلا عن أن يكون نفس الالتزام» (٣) غير ظاهرة ، فإنّ الكلام في مقدمية الاختيار والالتزام للتقليد الّذي هو بمعنى العمل ،

__________________

(١) نهاية الدراية ، ٣ ـ ٢٠٧

(٢) مستمسك العروة الوثقى ، ١ ـ ١٣ و ١٤

(٣) التنقيح في شرح العروة الوثقى ، ١ ـ ٨١

٤٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

وهذا الالتزام مما لا بد منه بناء على كون الحجة في حق العامي عند تعدد المجتهدين هي صرف الوجود من الفتوى ، سواء اختلفوا في الرّأي أم اتّفقوا عليه.

وأمّا بناء على إنكار الحجية التخييرية وتعيّن الاحتياط على العامي في ظرف اختلاف المجتهدين ، فعدم وجوب الاختيار ليس لعدم توقف تقليد ـ بمعين العمل ـ عليه ، بل لأنّه من السالبة بانتفاء الموضوع ، لتصريح المعترض بانتقال الوظيفة إلى الاحتياط ، ولا تقليد لأحدهما حتى يبحث عن اعتبار الاختيار وعدمه فيه.

وإن شئت فقل : إنّ مقدمية الالتزام للتقليد تدور مدار صدق عنوان التقليد المتقوم بوجود رأي متصف بالحجية شرعا ، فلو كان الواجب هو الاحتياط دون التقليد ، كان عدم دخل الالتزام لأجل انتفاء موضوعه.

وعليه فالالتزام وإن كان متمّما للحجية ، إلّا أنّه أجنبي عن التقليد وخارج عن حريمه ، فهو حينئذ بمنزلة تعلم الفتوى في كونه من مبادئ التقليد ، لتوقف الاستناد في مقام العمل على إحراز رأي المجتهد.

وقد تحصل : أنّه لا داعي إلى جعل التقليد بمعنى الالتزام ، لشبهة الدور ، أو صدور أوّل الأعمال لا عن تقليد ، وكذا تعريفه بالأخذ إن كان المراد به الالتزام للعمل به ، أو قبوله كذلك ، بعد اعتراف صاحب الفصول بأنّ معناه اللغوي هو العمل ، حيث قال بعد تقرير شبهة الدور في العبادات : «وقول العلامة في النهاية : ـ بأن التقليد هو العمل بقول الغير من غير حجة معلومة ـ بيان لمعناه اللغوي كما يظهر من ذيل كلامه ، وإطلاقه على هذا شائع في العرف العام» فهو معترف بعدم كون الأخذ والالتزام معنى لغويا ولا عرفيا للتقليد.

والمناسب له جعل المعنى الاصطلاحي نفس العمل بقول الغير ، لأن قلادة دين الجاهل لا تجعل على عنق المجتهد إلّا بالعمل برأيه ، إذ تحمّله لمسئولية أعمال العامي تتوقف على العمل ، فالتقليد في الأحكام كالتقليد في الموضوعات منوط بالعمل ، فكما أنّ الأعمي ـ العامل بإخبار البصير بالوقت والقبلة ـ لا ينطبق عليه عنوان المقلّد إلّا إذا طبّق عمله على قوله ، لا بمجرد الالتزام به وإن لم ينته إلى العمل ، فكذلك الحال في التقليد في الأحكام.

ولا داعي إلى رفع اليد عن المعنى اللغوي مع كمال ملائمته لما نحن فيه لو لم يكن المقام من

٤٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

مصاديقه. ولو شك في النقل عن اللغوي والعرفي العامي إلى الالتزام ونحوه فأصالة عدم النقل تقضي بالعدم. وعليه فلا بد من الأخذ بمعناه اللغوي الّذي هو أيضا معنى عرفي ، لشهادة موارد استعماله في الأخبار بكون التقليد هو العمل.

فمنها : معتبرة عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : «كان أبو عبد الله عليه‌السلام قاعدا في حلقة ربيعة الرّأي ، فجاء أعرابي فسأل ربيعة الرّأي من مسألة فأجابه ، فلما سكت قال له الأعرابي : أهو في عنقك؟ فسكت عنه ربيعة ، ولم يردّ عليه شيئا ، فأعاد المسألة عليه ، فأجابه بمثل ذلك ، فقال له الأعرابي : أهو في عنقك؟ فسكت ربيعة ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : هو في عنقه ، قال أو لم يقل ، وكل مفت ضامن» (١).

ومنها : ما دلّ على أنّ من أفتى بغير علم فعليه وزر من عمل به ، كمعتبرة أبي عبيدة ، قال : «قال أبو جعفر عليه‌السلام : من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، ولحقه وزر من عمل بفتياه» (٢).

ومنها : ما ورد في الحج من أنّ كفارة تقليم الأظافر على من أفتى به ، لا على المباشر ، مثل رواية إسحاق الصيرفي ، قال : «قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام : إنّ رجلا أحرم فقلّم أظفاره وكانت له إصبع عليلة ، فترك ظفرها لم يقصّه ، فأفتاه رجل بعد ما أحرم ، فقصّه فأدماه ، فقال : على الّذي أفتى شاة» (٣).

ودلالة هذه الأخبار على كون المناط في تحمل مسئولية الغير هو العمل بفتياه ـ لا مجرد أخذها مقدمة للعمل أو التزامه بها ـ واضحة.

وعلى هذا المعنى جرى الاصطلاح في العرفيات مثل قوله : «قلدتك الدعاء والزيارة» أي : جعلت عليك الدعاء لي والزيارة عنّي.

والمتحصل : أنّه لا داعي إلى العدول عن معنى التقليد لغة وعرفا إلى الالتزام بالعمل ، بل هو نفس العمل ، لكونه أنسب بمعناه اللغوي ، فيكون التقليد صبغة ولونا للعمل ، لا تعلّما للفتوى ، ولا التزاما بها ، ولا مجرد موافقة العمل لها قهرا وصدفة ، لفقدان معنى مصدر باب التفعيل فيه ، فالتقليد بمعناه المصدري هو تطبيق العمل على رأي الغير ، لا مطلق المطابقة له ولو تصادفا.

والظاهر أن مقصود جمع ممن فسّروه بالأخذ تارة والقبول أخرى هو العمل أيضا ، لشيوع

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٨ ، الباب ٧ من أبواب آداب القاضي ، الحديث ٣ ، ص ١٦١

(٢) الوسائل ، ج ١٨ ، الباب ٧ من أبواب آداب القاضي ، الحديث ١ ، ص ١٦١

(٣) الوسائل ، ج ٩ ، الباب ١٣ من أبواب بقية كفارات الإحرام ، الحديث : ١ ، ص ٢٩٤

٤٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

إطلاقهما عليه ، كما في الأخذ بأحد الخبرين المتعارضين في قوله عليه‌السلام : «بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك» و «الأخذ بما اشتهر بين أصحابك وبقول الأفقه والأصدق والأوثق من الحاكمين» كما في المقبولة ، وما ورد في الرجوع إلى بعض أجلة الأصحاب.

وكذا الحال في لفظ القبول كقوله عليه‌السلام في المقبولة : «فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه ...» فان القبول هو العمل بالحكم في مقابل الردّ الّذي هو ترك العمل به وفرضه كالعدم ، مثلا إذا حكم الحاكم بكون يوم الجمعة أوّل شوال ولم يفطر الناس فيه اعتمادا عليه ، فقد نقضوا حكمه ، فقبول الحكم هو الإفطار استناد إليه ، لا إلى السفر ونحوه ، فالإفطار المستند إلى السفر أجنبي عن الحكم ونقض له ، ولذا يشكل قصر الصلاة فيه ، لكون هذا السفر مصداقا للسفر المحرم.

وعليه فلا ينبغي إنكار ظهور القبول ـ كالأخذ ـ في العمل. ولو سلّمنا عدم ظهورهما فيه وكونهما أعم من الالتزام والعمل فاللازم إرادة خصوص العمل منهما حملا للظاهر على النص أو الأظهر ، وهو العمل الّذي فسّر به التقليد ، أو حملا للمطلق على المقيد بعد التنافي المتحقق لأجل قبوله للزيادة والنقيصة.

هذا كله ما يتعلق بمفهوم التقليد مع الغض عن الأدلة على جوازه أو وجوبه. وإن كان مثل سيرة العقلاء على رجوع الجاهل إلى العالم مقتضيا لكونه بمعنى العمل ، إذ ليس بناؤهم على الالتزام القلبي بقول أهل الخبرة ، ولعله سيأتي التعرض له.

ومما ذكرنا ظهر الغموض في بعض الكلمات.

فمنها : تفسير التقليد بالالتزام كما في العروة والوسيلة. مع أن سيّدنا الفقيه الأصفهاني (قده) قد أجاب عن شبهة الدور ، وصرّح مقرر بحثه الشريف بأن التقليد هو العمل المستند ونحوه (١) فلاحظ ، فالتقرير لا يخلو من تهافت مع الفتوى ، فتدبر.

ومنها : تفصيل شيخنا المحقق العراقي (قده) من جعل حقيقة التقليد عرفا الالتزام بقول المجتهد. إلّا أن متعلق الوجوب في حق العامي هو العمل بقوله ، فالالتزام لأجل صدق التقليد على غير المستطيع بمجرّد التزامه بالعمل بفتاوى مجتهده إذا استطاع ، والعمل لأجل أن المطلوب هنا كما في باب الخبر وجوب المعاملة مع الفتوى معاملة الواقع عملا.

__________________

(١) منتهى الوصول ، ص ٣٨٥

٤٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

وهو لا يخلو من شيء بعد ما عرفت من موارد الاستعمالات لغة وعرفا ورواية من كونه بمعنى العمل ، وليس متعلق الأمر معنى آخر من التزام ونحوه.

ومنها : ما أفاده شيخنا الأعظم (قده) من أن التقليد بمعنى الأخذ للعمل أوفق بمفهومه اللغوي (١). وقد عرفت أن التقليد بمعنى العمل أوفق بمعناه اللغوي من الأخذ للعمل.

ومنها : ما في بعض الحواشي من توجيه تفسيره بالالتزام بأن المقلّد وهو العامي يجعل فتاوى مجتهده في عنق نفسه ويلتزم بها ، ويصح حينئذ إطلاق التقليد عليه كما يصح في «قلدت السيف» فالمقلّد ـ بالكسر وبالفتح ـ شخص واحد باعتبارين ، والسيف ما به التقليد ، والمقلّد ـ بالفتح ـ هو العنق ومعناه «التزمت السيف أي جعلته لازما لي».

ويندفع هذا بما تقدم من جريان الاصطلاح على تسمية المجتهد مقلّدا ـ بالفتح ـ وهذا يناسب العمل بفتواه حتى يحتمل مسئوليتها ، وقد اعتبروا فيه أمورا كالعدالة والرجولية ونحوهما ، وهذا لا يلتئم مع التزام العامي بفتاوى المجتهد ، ففرق بين تقليد السيف والدين ، وحيث إنه يصح في الأوّل اتحاد المقلّد بالفتح والكسر ، بخلاف الثاني ، لاعتبار التعدد فيه.

وفي ختام البحث لا بأس بالتنبيه على أمر ، وهو : أن التقليد ـ كالإيقاع ـ يتحقق بفعل العامي فقط من دون حاجة إلى قبول المجتهد ، بل ومع عدم رضاه بذلك ، فهو كالائتمام يتحقق ببناء المأموم ولو مع عدم رضى المؤتم به بذلك. والوجه في ذلك إطلاق أدلة رجوع الجاهل إلى العالم. وعليه فليس التقليد من باب البيعة المتقومة برضاء الطرفين.

ودعوى «توقف التقليد على قبول المجتهد ، لأنّ ثقل تكليف المقلّد وتبعاته على ذمته ، فله قبول هذا الثقل وردّه ، فيكون التقليد كالعقد في توقفه على إيجاب وقبول ، فكأنّ المقلّد ـ بالكسر ـ موجب ، لأنّه جاعل قلادة دينه على رقبة المجتهد ، وهو يقبل هذا الجعل» غير مسموعة ، إذ لم يثبت ثقل على المجتهد غير ما عليه من بذل الوسع والطاقة في استنباط الحكم ، ومسئوليته إنّما هي من تقصيره في مقدمات الاستنباط ، وإلّا فبعد بذل الجهد واستقرار رأيه على أمر لا تتوجه إليه مسئولية أخرى ، سواء عمل العامي بفتواه أم لا ، بل كثرة العمل بفتواه توجب مزيد الأجر والثواب كما في الروايات.

__________________

(١) رسالة الاجتهاد والتقليد ، ص ٤٧

٤٩٥

ثم إنّه لا يذهب عليك (١)

______________________________________________________

أدلة جواز التقليد

(١) هذا شروع في المقصود الأصلي من عقد هذا الفصل أعني به إثبات جواز رجوع العامي إلى المجتهد في إحراز الأحكام الشرعية وامتثالها ، وينبغي قبل توضيح المتن التنبيه على أمر يثبت به لزوم البحث عن جواز التقليد ، ومحصله : أنّ كل مكلف التفت إلى وجود الشريعة يذعن بتنجز أحكام إلزامية فيها يجب الخروج عن عهدتها وعدم إهمالها. ولا ريب في انحصار طرق إطاعتها في الاجتهاد والتقليد والاحتياط ، لا الظن ، الّذي لا يحصل بالعمل به الأمن من العقاب المحتمل. أمّا الاجتهاد فلاقتضائه العلم بأداء الوظيفة ، يوجب الأمن من خطر العقاب. وأمّا الاحتياط فكذلك ، لأنه محرز للواقع عملا.

وحيث إنّ مفروض الكلام هو المكلف الجاهل الّذي لا معنى لإيجاب الاجتهاد عليه ، لعدم كون وجوبه عينيا تعيينيا ، ولا الاحتياط ، لعدم إحراز جوازه ولا كيفيته بعد ، فيتعين عليه التقليد أي قبول قول الغير تعبدا. لكن لا بد من إقامة الدليل عليه بنحو يقطع بحجية فتوى المجتهد في حقه ، إذ لو لم يقطع بجواز التقليد كان تحت خطر العقوبة المحتملة ، فإنّ الأصل الأوّلي يقتضي عدم حجية رأي شخص على آخر ، فالخروج عنه منوط بدليل قطعي ، والمقصود فعلا بيان هذا الدليل.

__________________

وعليه فلا معنى لاعتبار رضى المجتهد في جواز التقليد ، إذ الواجب عليه ليس إلّا استنباط الحكم الشرعي على النحو المألوف بين الأعلام والإخبار به ، وليس وجوب التقليد أو جوازه مشروطا برضاه ، ولو شك في شرطيته فإطلاق أدلة التقليد يدفعه.

والحاصل : أن وظيفة المجتهد استنباط الحكم ، ووظيفة العامي العمل به مقتضى أدلة التقليد ، من دون اشتراطه برضاء المجتهد ، فلو نهى عن التقليد كان نهيا عن المعروف ، وهو حرام. والمراد بضمان المفتي في بعض الروايات هو ضمانه لصحة الاستنباط ورعاية موازينه المقرّرة عند أهله ، ولم يثبت لضمانه معنى آخر.

٤٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

إذا عرفت هذا فنقول : إنّ البحث في مسألة جواز التقليد يكون في مقامين :

أحدهما : في الحجة التي يمكن للعامي ـ الّذي لا حظّ له من العلم ـ الاعتماد عليها.

وثانيهما : في الحجة التي يستدلّ بها المجتهد على أنّ العامي يجوز له التقليد ، ولا يتعيّن عليه الاجتهاد أو الاحتياط.

أمّا المقام الأوّل فقد أفاد المصنف فيه : إن جواز رجوع الجاهل إلى العالم أمر بديهي جبلي فطري ، ومن المعلوم أنّ حكم الفطرة كاف لحمل العامي على العمل بفتوى المجتهد ومتابعته له. بل سيأتي تصريحه (قده) بأنّ هذا الوجه هو العمدة من الوجوه التي استدلّ بها الأصحاب (قدس‌سرهم) على جواز عمل العامي بفتوى المجتهد ، في قبال من قال ببطلان التقليد ، وعدم جواز الاقتصار عليه في مقام الامتثال كما سيأتي نقل بعض كلماتهم وتوضيح ما أفاده من أنّ العامي يقطع بجواز رجوعه إلى الفقيه هو : أنّ فطرة العامي تدرك جواز متابعة المجتهد في الأحكام الشرعية ، إذ لو لم يستقل عقل كل عاقل به فإمّا أن يعتمد العامي في مسألة جواز التقليد على الأدلة الآتية التي يستدل بها المجتهد على جوازه ، وإمّا أن يعتمد على فتوى الفقيه : «بأنّ العامي يجوز له التقليد في عباداته ومعاملاته».

وكلاهما باطل. أمّا الأوّل فلمحذور الخلف ، وأمّا الثاني فللدور أو التسلسل. أمّا محذور الخلف ، فلأنّ مفروض الكلام في هذه المسألة هو مطلق الجاهل حتى الأمّي الّذي لا حظّ له من العلم ، ومثله عاجز عن الاستدلال والنّظر ، وعليه ففرض اقتدار العامي على إقامة الدليل الشرعي على جواز التقليد يكون خلاف الفرض. نعم لا بأس به في بعض المقلّدين القادر على إحراز حكم المسألة بالدليل الشرعي.

وأمّا محذور الدور أو التسلسل فلانحصار طريق العمل بجواز التقليد ـ للعامي العاجز عن الاستدلال عليه ـ في الرجوع إلى المجتهد ، وهو ممنوع أيضا ، لأنّ فتاوى المجتهد ما لم يحرز حجيتها ـ تكون مشكوكة الاعتبار ، ومن هذه الفتاوى المشكوكة فتواه «بجواز تقليد العامي من المجتهد» وحينئذ فإن ثبت جواز الرجوع إلى الفقيه في جميع الأحكام بنفس فتواه «بجواز رجوع الجاهل إلى الفقيه» لزم تقدم الشيء على نفسه ، فإنّ على

٤٩٧

أنّ جواز (١) التقليد ورجوع (٢) الجاهل إلى العالم في الجملة (٣) يكون بديهيّا

______________________________________________________

العامي إحراز جواز التقليد أوّلا ، ثم الرجوع إلى فتاوى المجتهد من أوّل الفقه إلى آخره ، فلو توقف علم العامي بجواز تقليد الفقيه على تقليده له في مسألة جواز التقليد كان دورا باطلا.

وإن ثبت جواز الرجوع إلى مجتهد معيّن بفتوى فقيه آخر بجواز رجوع العامي إلى المجتهد ، فتقليد المجتهد الأوّل وإن لم يكن دوريا ، إلّا أنّ فيه محذور التسلسل ، لأنّ جواز الرجوع إلى المجتهد الثاني لا بد أن يكون بحجة معتبرة ، فإن كانت هي فتوى نفسه بجواز التقليد عاد محذور الدور ، وإن كانت فتوى مجتهد ثالث بجواز التقليد لزم التسلسل ، لأنّ جواز الرجوع إلى المجتهد الثالث يتوقّف على تقليد مجتهد رابع في مسألة جواز التقليد ، وهكذا.

وحيث تعذر استدلال العامي على جواز الرجوع إلى الفقيه ـ لمحذور الخلف على تقدير ، والدور على تقدير آخر ، والتسلسل على تقدير ثالث ـ فلا مناص من الالتزام بأحد أمرين ، إمّا إنكار علم العامي بجواز رجوعه إلى المجتهد ، وهو مساوق لإنكار البديهي ، وإمّا تسليم أنّ جواز التقليد في الجملة يكون من المستقلات العقلية والضرورات الفطرية ، وهو المطلوب.

هذا توضيح المقام الأوّل. وأمّا المقام الثاني فسيأتي.

(١) بمعناه الأعم الشامل للوجوب في قبال القول بحرمة التقليد ، والقائل بالحرمة طائفتان : إحداهما : بعض قدماء الأصحاب وفقهاء حلب ، على ما أفاده الشهيد (قدس‌سره) ، وثانيتهما : جمع من أصحابنا المحدثين. وسيأتي نقل بعض عبائرهم في (ص ٥٢٦).

(٢) معطوف على «التقليد» ومفسّر له.

(٣) قيد لأصل كون رجوع الجاهل إلى العالم بديهيّا غنيّا عن الطلب والكسب بالمقدمات ، والمقصود بقوله : «في الجملة» إثبات فطريّة جواز رجوع الجاهل إلى العالم في ظرف اجتماع الشرائط في المجتهد ، فلا يكون الرجوع إلى الفاسق أو المتجزي أو

٤٩٨

جبلّيّا فطريّا لا يحتاج إلى دليل ، وإلّا (١) لزم سدّ باب العلم به (٢) على العامي مطلقا (٣) غالبا (٤) ، لعجزه (٥) عن معرفة ما دلّ عليه كتابا وسنة ، ولا يجوز التقليد فيه أيضا (٦) ،

______________________________________________________

الصبي فطريا بديهيا.

ولا يخفى أن اعتبار بعض الشرائط في مرجع التقليد كطهارة المولد والذكورة ونحوهما أجنبي عن مقتضى الفطرة ، بل اعتبار هذه الخصوصيّات والمزايا فيه تعبّدي. ولا منافاة بين كون أصل جواز التقليد فطريا وبين كون اعتبار هذه الشرائط فيه تعبديا.

(١) أي : وإن لم يكن جواز التقليد بديهيا جبليا فطريا ـ بل كان نظريا منوطا بالاستدلال ـ لزم أن ينسدّ على العامي باب العلم بجواز التقليد ، لعجزه عن استفادة جوازه من الكتاب والسنة حسب الفرض ، وإنكار علم العامي بجواز التقليد إنكار للبديهي.

(٢) أي : بجواز التقليد.

(٣) يعني : سواء أكان العامي أمّيّا لا حظّ له من العلم أصلا ، أم كان له نصيب من العلم لكن لم يكن له ملكة الاستنباط ، أو كانت له ولكن في غير مسألة جواز التقليد ، أو كان ذا ملكة في خصوص مسألة جواز التقليد لكن لم يكن اجتهاده فيها موجبا للقطع بجوازه ، لإمكان أن يكون له ملكة استنباط جواز التقليد بنحو لا يوجب القطع به ، فلو حصل له القطع بجواز التقليد لم يلزم انسداد باب العلم بجواز التقليد على غير المجتهد ، ولذا قيّده بقوله : «غالبا».

(٤) قيد لقوله : «انسداد باب العلم» يعني : أن محذور انسداد باب العلم بجواز التقليد على العامي ـ لو لم يكن بديهيّا ضروريا ـ إنّما هو بالنسبة إلى غالب أفراد الجاهلين ، فلا ينافيه حصول العلم بجواز الرجوع إلى العالم لبعض الأفراد وهو من له ملكة استنباط حكم جواز التقليد مع أداء اجتهاده إلى القطع بجوازه لا إلى الظن به.

(٥) أي : لعجز العامي غالبا ، وهذا تعليل لقوله : «لزم انسداد باب العلم به» وبيان له ، وقد عرفت توضيحه ، وضميرا «عليه ، فيه» راجعان إلى جواز التقليد.

(٦) يعني : لا يجوز التقليد والتعبد بجوازه في مسألة جواز التقليد كما تعذّر على العامي

٤٩٩

وإلّا (١) لدار أو تسلسل (*).

______________________________________________________

تحصيل المعرفة التفصيلية من الكتاب والسنة بجواز التقليد. والوجه في التعذر محذور الدور أو التسلسل.

(١) يعني : وإن جاز التقليد في نفس التقليد لزم الدور أو التسلسل ، لأنّ مسألة جواز رجوع العامي إلى المجتهد مسألة من المسائل ، ولو لم تكن ضرورية فطريّة فلا بدّ من أن يثبت جواز الرجوع إلى المجتهد في جميع المسائل من أوّل الفقه إلى آخره ـ ومن جملتها مسألة جواز التقليد ـ بفتواه بجواز التقليد ، أو بفتوى غيره به ، فإن ثبت الجواز بفتوى المجتهد الأوّل لزم تقدم الشيء على نفسه ، وهو الدور ، وإن ثبت الجواز بفتوى مجتهد آخر بجواز التقليد نقلنا الكلام إلى جواز تقليده في خصوص مسألة جواز التقليد ، فإن كان بفتوى نفسه لزم الدور ، وإن كان بفتوى مجتهد ثالث لزم الدور أو التسلسل.

فالمتحصل : أنّه بعد استحالة كون جواز التقليد تقليديا ، ومن تعذر معرفة أغلب المكلفين بجواز التقليد بالأدلة من الكتاب والسنة يتعيّن القول بأنّ أصل مسألة جواز التقليد ثابت بالضرورة والبداهة والفطرة ، ولو لا ذلك لزم انسداد باب العلم بجواز التقليد على العامي ، مع أنه غير منسدّ عليه قطعا ، لأنّه مجبول على الرجوع إلى المجتهد.

__________________

(*) ينبغي بيان أمرين ، أحدهما : في مستند العامي الحامل له على التقليد والعمل برأي المفتي.

ثانيهما : في تمامية ما أفاده الماتن من كون جواز التقليد بديهيا جبليا فطريا.

أمّا الأمر الأوّل فيحتمل فيه أحد أمور ثلاثة ، فإمّا أن يكون مستند العامي في هذا الأمر الارتكازي دليل انسداد يجريه في حق نفسه ، وإما أن يكون مستنده إلقاء احتمال الخلاف في قول أهل الخبرة ، وإمّا أن يكون الفطرة والجبلة التي أودعها فيها بارئهم جلّ وعلا هو الموجب لجريهم عليه طبعا وإذعانهم بالحكم بلا التفات منهم إلى وجه عملهم.

ذهب جمع منهم المحقق القمي وسيدنا الفقيه الأصفهانيّ صاحب الوسيلة وغيرهما إلى أنّ مناط استقلال العقل بجواز الرجوع إلى المجتهد هو الانسداد ، فتعرّض الميرزا القمي في القوانين ـ بعد دعوى الإجماع والضرورة الرجوع على حجية ظن المجتهد ـ لإشكال بعض الأصحاب ، ثم أجاب عنه إلى أن قال في توجيه دعوى الضرورة : «وأمّا ثانيا ، فبإمكان إرادة بديهة العقل بعد ملاحظة الوسائط

٥٠٠