منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٥

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٢٧

فصل

لا فرق (١) في نتيجة دليل الانسداد بين الظن بالحكم من أمارة عليه وبين الظن به من أمارة متعلقة بألفاظ الآية أو الرواية ، كقول

______________________________________________________

الظن بألفاظ الآية أو الرواية

(١) أي : في عموم النتيجة ، والغرض من عقد هذا الفصل التنبيه على أن مقتضى إنتاج مقدمات الانسداد حجية الظن بمناط الأقربية إلى الواقع وقبح ترجيح المرجوح على الراجح هو حجية الظن مطلقا سواء تعلق بالحكم الشرعي بلا واسطة أم معها. توضيحه : أنك حيث عرفت بكون الظن بالحكم الحاصل من أمارة كالخبر الواحد أو الإجماع مثلا حجة بدليل الانسداد حاله ، لكونه أقرب إلى الواقع بعد تعذر إحرازه بالعلم ، فنقول : لا فرق في حجية هذا الظن بين تعلقه بالحكم الشرعي بلا واسطة كنقل الراوي عن الإمام عليه‌السلام وجوب صلاة الجمعة ، وبين تعلقه بالحكم مع الواسطة أي بأمارة أخرى عير الأمارة الدالة على نفس الحكم ، كما إذا ورد الأمر بالتيمم بالصعيد في قوله تعالى : «فتيمموا صعيدا طيبا» وشككنا في جوازه بمطلق وجه الأرض الشامل للحجر مثلا ، وفرضنا انسداد باب العلم والعلمي بجوازه ، فإذا قال اللغوي : «الصعيد هو مطلق وجه الأرض» وفرضنا إفادة كلامه للظن ، فانه حينئذ يحصل لنا الظن بالحكم الشرعي وهو جواز التيمم بمطلق وجه الأرض ، لكن بواسطة قول اللغوي ، ويمكننا

٨١

اللغوي فيما (١) يورث الظن بمراد الشارع من لفظه ، وهو واضح.

ولا يخفى أن اعتبار ما يورثه (٢)

______________________________________________________

أن نقول حينئذ هكذا : يجوز التيمم بالصعيد ، والصعيد مطلق وجه الأرض ، فيجوز التيمم بمطلق وجه الأرض ، وإذ ثبت جواز التيمم بمطلق وجه الأرض ثبت جوازه بالحجر أيضا ، لأنه من أفراد مطلق وجه الأرض.

وبالجملة : فيكون الظن الحاصل من قول اللغوي حجة بدليل الانسداد ، وكذا الكلام بالنسبة إلى الظن الحاصل من كلام الرجالي في تمييز المشتركات مثلا ، كما إذا قال : ان عمر بن يزيد الواقع في سند الرواية الكذائية هو الثقة بقرينة كون الراوي عنه ثقة ، فان توثيقه موجب للظن بالحكم الشرعي الّذي تضمنته الرواية.

والسر في عدم الفرق في ذلك كله وحدة المناط في حجية الظن ـ وهو الأقربية إلى الواقع ـ في الجميع كما تقدم ، وهذا المناط يوجب التلازم بينه وبين مؤدى الأمارة ، فيكون الجميع حجة. وقد تعرض شيخنا الأعظم لهذا البحث بقوله : «الأمر الثالث أنه لا فرق في نتيجة مقدمات دليل الانسداد بين الظن الحاصل أوّلا من الأمارة بالحكم الفرعي الكلي كالشهرة أو نقل الإجماع على حكم ، وبين الحاصل من أمارة متعلقة بألفاظ الدليل .... إلى أن قال : ان كل ظن تولد منه الظن بالحكم الفرعي الكلي فهو حجة من هذه الجهة ... إلخ».

(١) متعلق بـ «قول» وضمير «به» راجع إلى الحكم ، و «من أمارة» في الموضعين متعلق بـ «الحاصل» المحذوف من الكلام ، فالظرف مستقر.

(٢) الضمير المستتر راجع إلى الموصول المراد به الأمارة ، والضمير البارز راجع إلى الظن بالحكم ، واسم «كان» ضمير مستتر راجع إلى الموصول في «بما» المراد به الحكم ، وغرضه من هذا الكلام أن اعتبار الأمارة الموجبة للظن بالحكم مع الواسطة كقول اللغوي مختص بأحكام انسد فيها باب العلم

٨٢

يختص (١) [لا يختص ظاهرا] بما إذا كان مما ينسد فيه باب العلم ، فقول أهل اللغة حجة (٢) فيما يورث الظن بالحكم مع الانسداد ولو انفتح باب العلم باللغة في غير المورد.

نعم (٣) لا يكاد يترتب عليه

______________________________________________________

والعلمي ، فمع انفتاح باب العلم والعلمي بها لا يكون ذلك الظن الحاصل من تلك الأمارة حجة فيها ـ أي في الأحكام ـ وان انسد باب العلم والعلمي في اللغة ، فالمدار في حجية قول اللغوي على انسداد باب العلم والعلمي في الأحكام دون انسداد بابهما في اللغة مع فرض الانفتاح في أكثر الأحكام ، وقد تقدم ذلك في التكلم عن حجية قول اللغوي ، فراجع.

والحاصل : أن المعيار في حجية الظن الحاصل من قول اللغوي هو انسداد باب العلم بالاحكام دون اللغات ، وقد أفاد هذا شيخنا الأعظم بعد عبارته المتقدمة كما أفاد نظيرها في حجية قول اللغوي من مباحث الظن ، فلاحظ.

(١) الظاهر أنه هو الصحيح كما عرفت توضيحه ، إذ هو في مقام بيان مورد حجية الظن الحاصل من اللغوي ، فما في بعض النسخ من «لا يختص» لعله سهو من النساخ.

(٢) يعني : إذا انسد باب العلم باللغة في مورد ـ كلفظ الصعيد في المثال المتقدم ـ كان قول اللغوي حجة فيه إذا أورث الظن بالحكم الشرعي مع انسداد باب العلم بالاحكام ولو فرض انفتاح باب العلم باللغة في غير ذلك المورد ، إذ المناط في حجية الظن بالحكم الشرعي الثابتة بدليل الانسداد في مورد كلفظ الصعيد تحقق الانسداد ولو في خصوص ذلك المورد.

(٣) استدراك على حجية الظن بالحكم الشرعي الحاصل ذلك الظن من كلام اللغوي بدليل الانسداد ، وحاصله : منع الملازمة في حجيته إذا تعلق بالحكم الشرعي مع حجيته في الموضوعات الخارجية ، وتوضيحه : أن حجية

٨٣

أثر آخر (١) من تعيين المراد في وصية أو إقرار أو غيرهما (٢) من الموضوعات الخارجية الا (٣)

______________________________________________________

قول اللغوي في الأحكام إذا أوجب الظن بها لا تستلزم حجيته في الموضوعات الخارجية كالوصية والإقرار وغيرهما من الموضوعات ذوات الآثار ، لاختصاص دليل الانسداد بالاحكام الكلية ، فلا يثبت حجية الظن في غيرها كلفظ «كثير» و «بعض» إذا وردا في وصية أو إقرار ، كما إذا أوصى زيد بأن يعطى كثير من أمواله لعمرو ، أو أقرّ بأنّ بعض عقاره لبكر ، فان الظن المتعلق بهما بواسطة قول اللغوي لا يكون حجة ، بل يتوقف حجيته في الموضوعات ذوات الآثار على قيام دليل غير دليل الانسداد على حجية الظن مطلقا في تلك الموضوعات سواء حصل من قول اللغوي أم غيره ، أو قيام دليل على حجية قول اللغوي في كل مورد حكما كان أو موضوعا ، فالظن الحاصل من قول اللغوي بمراد الموصي لا يصير حجة إلّا بأحد هذين النحوين. وهذا الاستدراك أفاده الشيخ أيضا بقوله : «وهل يعمل بذلك الظن في ساير الثمرات المترتبة على تعيين معنى اللفظ غير مقام تعيين الحكم الشرعي الكلي كالوصايا والأقارير والنذور فيه إشكال ، والأقوى العدم ... إلخ».

(١) يعني : غير تعيين مراد الشارع ، و «من تعيين» بيان له ، وضمير «عليه» راجع إلى اعتبار قول اللغوي في الأحكام.

(٢) كالوقف والنذر اللذين هما من الموضوعات الخارجية التي يترتب عليها أحكام شرعية جزئية.

(٣) استثناء من قوله : «لا يكاد يترتب» وقد عرفت توضيحه بقولنا : بل يتوقف حجيته في الموضوعات ... إلخ.

٨٤

فيما يثبت فيه حجية مطلق الظن بالخصوص (١) أو ذاك (٢) المخصوص. ومثله (٣) الظن الحاصل بحكم شرعي كلي من الظن بموضوع

______________________________________________________

(١) متعلق بـ «يثبت» وهو إشارة إلى النحو الأول المذكور بقولنا : «على قيام دليل غير دليل الانسداد ... إلخ» يعني : إلّا في الموضوع الّذي يثبت فيه بالخصوص جواز التعويل على مطلق الظن ، وذلك كالضرر والنسب وغيرهما ، فإذا حصل الظن ـ من أي سبب ـ بترتب الضرر على الفعل الكذائي كان حجة وترتب عليه الحكم الشرعي.

(٢) عطف على «الخصوص» وهو إشارة إلى النحو الثاني المذكور بقولنا : «أو قيام دليل على حجية قول اللغوي ... إلخ» يعني : لا يكون الظن في الموضوعات الخارجية حجة إلّا إذا حصل من سبب خاص كقول اللغوي ولم يكن اعتباره مختصا بالاحكام. والأولى سوق العبارة هكذا : «الا فيما يثبت فيه حجية مطلق الظن بدليل خاص ، أو يثبت ذلك الظن المخصوص كقول اللغوي مطلقا حتى في الموضوعات». وقد ذكر هذا الاستثناء شيخنا الأعظم بقوله : «نعم من جعل الظنون المتعلقة بالألفاظ من الظنون الخاصة مطلقا لزمه الاعتبار في الأحكام والموضوعات».

(٣) أي : ومثل الظن الحاصل بالحكم من أمارة متعلقة بألفاظ الآية أو الرواية الظن الحاصل بحكم شرعي كلي من الظن بموضوع خارجي ، كالظن الحاصل من قول الرجالي في توثيق بعض الرّواة ، وكذا في تعيين المشتركين في اسم واحد كتعيين أن زرارة الواقع في سند كذا هو ابن أعين ـ على وزن أحمد ـ الثقة بقرينة من يروي عنه ، لا ابن لطيفة. ووجه اعتبار هذا الظن ما تقدم من أن مقتضى دليل الانسداد هو حجية الظن بالحكم الشرعي الكلي سواء تعلق بالظن بالواقع بلا واسطة أم معها. قال شيخنا الأعظم : «وكذا لا فرق بين

٨٥

خارجي كالظن بأن راوي الخبر هو زرارة بن أعين مثلا لا آخر (١).

فانقدح أن الظنون الرجالية مجدية في حال الانسداد ولو لم يقم دليل على اعتبار قول الرجالي لا من باب الشهادة (٢) (*) ولا من باب الرواية (٣).

______________________________________________________

الظن الحاصل بالحكم الفرعي الكلي من نفس الأمارة أو عن أمارة متعلقة بالألفاظ ، وبين الحاصل بالحكم الفرعي الكلي من الأمارة المتعلقة بالموضوع الخارجي ككون الراوي عادلا أو مؤمنا حال الرواية ، وكون زرارة هو ابن أعين لا ابن لطيفة ... إلخ».

(١) وهو زرارة بن لطيفة أو غيره من الستة الذين هم مجاهيل.

(٢) الشهادة هي الاخبار بشيء عن حس بشرط تعدد المخبر بأن يكون اثنين أو أربعة على اختلاف الموارد المعهودة في الشرع ، واندراج قول الرجالي في باب الشهادة انما هو لأجل تعلقه بموضوع خارجي كالعدالة والوثاقة والاستقامة في المذهب وغير ذلك.

(٣) الرواية هي اخبار واحد أو أزيد ، ففي الشهادة يعتبر التعدد ، وفي الرواية لا يعتبر ذلك ، واعتبار قول الرجالي في حال الانسداد يكون لأجل الانسداد ، إذ لا فرق في حجية الظن بنظر العقل بين الظنون المتعلقة بالاحكام الكلية وان حصلت من الظن بموضوع خارجي كالعدالة التي نشأ الظن بها من قول الرجالي. وحاصل كلام المصنف : أن الظن الحاصل من قول الرجالي حجة بدليل الانسداد من دون حاجة إلى تكلف إثبات حجيته من باب الشهادة أو من باب الرواية.

__________________

(*) وجه عدم حجية قول الرجالي من باب الشهادة هو ما قيل من انتهاء التعديلات طرّا إلى ابن عقدة الّذي هو زيدي جارودي ومات على ذلك ، والنجاشي ، فلو لم يكن الظن حجة لزم إهمال الأحكام المدلول عليها بالروايات. هذا في حال الانسداد. وأما في حال انفتاح باب العلمي كما هو المبنى

٨٦

تنبيه (١)

لا يبعد استقلال العقل بلزوم تقليل الاحتمالات المتطرقة إلى

______________________________________________________

نعم على الانفتاح لا بد لإثبات حجيته من الالتزام بكونه من باب الشهادة أو الرواية ، أو لأجل الوثوق والاطمئنان بقوله. قال الشيخ الأعظم : «ومن هذا تبين أن الظنون الرجالية معتبرة بقول مطلق عند من قال بمطلق الظن في الأحكام ، ولا يحتاج إلى تعيين أن اعتبار أقوال أهل الرّجال من جهة دخولها في الشهادة أو الرواية ... إلخ».

تقليل الاحتمالات المتطرقة في الرواية

(١) الغرض من هذا التنبيه : أنه إذا حصل الظن بالحكم الشرعي من أمارة قامت عليه ، وكان احتمال خلافه ناشئا عن أمور كثيرة مرتبطة بسند تلك الأمارة أو متنها أو دلالتها أو غير ذلك ، وتمكن المكلف من رفع تلك الأمور أو بعضها ليرتفع احتمال الخلاف ، وذلك بالفحص عن وجود حجة رافعة لها من علم أو علمي ، وجب تحصيل تلك الحجة ورفع الاحتمال مهما أمكن وان لم يحصل له بذلك العلم بالحكم ، وذلك لأن رفع احتمال الخلاف أو تقليله ربما أوجب قوة في الظن المذكور.

وببيان أوضح : أنه لا بد في التمسك بالخبر وفهم مراد الشارع منه من إحراز

__________________

الصحيح في هذه الأعصار ، لتمامية الدليل القائم على حجية خبر الثقة ، فيمكن اعتبار الحجية لقول الرجالي واللغوي من باب الرواية ، لدلالة قولهما بالالتزام على الحكم الشرعي بعد تعميم ما دل على حجية خبر الثقة في الأحكام للدلالة الالتزامية ، وعدم اختصاصه بالمطابقية ، فتأمل فيما أوردناه سابقا على إثبات حجية قول اللغوي بالدلالة الالتزامية. فينحصر وجه اعتبار قولهما بالوثوق والاطمئنان.

٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

أمور ثلاثة : أحدها أصل صدوره ، ثانيها دلالته على المراد وعدم إجماله ، ثالثها جهة صدوره ، أعني : إحراز أنه صدر لبيان الحكم الواقعي لا لتقية مثلا ، ومن المعلوم أن إحراز هذه الأمور ـ في ظرف الانفتاح ـ لا بد أن يكون بعلم أو علمي فقط ، ولا يكفي إحرازها بالظن المطلق ، فإذا ورد في سند رواية «عن ابن سنان» مثلا فلا بد من تحصيل الوثوق بأنه عبد الله بن سنان الثقة ، لا محمد بن سنان الضعيف. وهكذا الكلام بالنسبة إلى دلالة الخبر وجهة صدوره ، وهل في حال الانسداد ـ كما هو المفروض ـ يتنزل من العلم إلى مطلق الظن ولو بمرتبته الضعيفة أم اللازم تحصيل المرتبة القوية منه وهي الموجبة للاطمئنان مثلا ، وجعل الاحتمال الآخر المخالف للظن ضعيفا جدا؟ اختار المصنف وجوب تقليل الاحتمال والأخذ بخصوص الاطمئنان إذا أمكن ، وذلك لأنه بناء على كون نتيجة مقدمات دليل الانسداد حجية الظن حكومة لا يبعد استقلال العقل بالحكم بوجوب تضعيف احتمال خلاف الظن من تقليل الاحتمالات المتطرقة في السند أو غيره ، مثلا إذا ظن بأن زرارة الراوي هو ابن أعين ، وكان احتمال أنه ابن لطيفة مثلا ناشئا من أمور يمكن سدّ بعضها بالحجة من علم أو علمي حتى يصير الظن بأنه ابن أعين في أعلى مراتبه ، فمقتضى القاعدة وجوب السد ، لأن العقل الحاكم بكفاية الإطاعة الظنية انما يحكم بكفاية خصوص الظن الاطمئناني منها ، لأنه أقرب إلى الواقع من غيره ، فمع التمكن منه لا تصل النوبة إلى غيره من الظنون الضعيفة. فعلى هذا يجب تقليل الاحتمالات سواء كانت في السند أم الجهة أم الدلالة. وهذا خلافا لما حكي عن بعضهم من التفصيل في وجوب تقليل الاحتمالات بين الصدور وغيره ، وأنه لو فرض إمكان تحصيل العلم أو العلمي بالصدور في مسألة كان باب العلم بحكم تلك المسألة مفتوحا

٨٨

مثل السند أو الدلالة أو جهة الصدور مهما أمكن في الرواية (١) وعدم الاقتصار على الظن الحاصل منها بلا سدّ بابه (٢) فيه (٣)

______________________________________________________

وان كان بابه بالنسبة إلى الدلالة وجهة الصدور مسدودا ، وعليه فلا يجوز التنزل في تلك المسألة إلى الظن الانسدادي ، لعدم تحقق الانسداد ، بل يجب تحصيل العلم أو العلمي بالصدور ، وتحصيل الجهتين الأخريين إمّا بالعلم أو العلمي ان أمكن أيضا ، وإلّا فبالظن المطلق ، وان لم يمكن تحصيل العلم أو العلمي بالصدور بأن كان باب العلم به منسدا وجب التنزل فيه حينئذ إلى ما استقل به العقل أعني الظن المطلق وان أمكن تحصيل العلم أو العلمي بالنسبة إلى الجهتين الأخريين.

وبالجملة : فالمدار في جواز التنزل إلى ما استقل به العقل عند هذا المفصِّل هو انسداد باب العلم والعلمي بالنسبة إلى الصدور فقط ، وعند المصنف (قده) هو انسداده بالنسبة إلى أية واحدة من تلك الجهات ، لكن المعتبر هو التنزل إلى الظن القوي منه المعبر عنه بالاطمينان إذا أمكن.

والسّر في عدم الفرق واضح ، فان مجرد كون سند الرواية معلوم الصدور أو مظنونا بالظن الخاصّ لا يوجب العلم بالحكم الشرعي ما لم تكن ظاهرة في المقصود ، ولم يحرز أن صدورها لبيان الحكم الواقعي. وعليه فلا فرق بين السند وغيره أعني الجهتين فيما ذكر من عدم جواز التنزل ـ حال الانسداد ـ إلى الظن الضعيف مع التمكن من الظن القوي عقلا.

(١) التي هي سبب للظن بالحكم ، وضمير «منها» راجع إلى السند وأخويه.

(٢) أي : باب الاحتمال ، والأولى تأنيث الضمير ، لرجوعه إلى الاحتمالات والمراد بها الاحتمالات المقابلة للظنون أي الموهومات.

(٣) أي : في السند أو الدلالة أو الجهة ، والأولى تأنيثه أيضا.

٨٩

بالحجة (١) من علم أو علمي ، وذلك (٢) لعدم جواز التنزل في صورة الانسداد إلى الضعيف مع التمكن من القوي (٣) أو ما بحكمه (٤) عقلا (٥) ، فتأمل جيدا.

______________________________________________________

(١) متعلق بـ «سد» أي : سدّ باب الاحتمال يكون بالحجة من علم أو علمي.

(٢) علة لوجوب تقليل الاحتمالات ، وقد عرفت توضيحه.

(٣) كما إذا كانت الحجة الموجبة لقلة الاحتمالات علما.

(٤) أي : ما بحكم القوي ، كما إذا كان الموجب لقلتها علميا وهو الظن الخاصّ ، فانه بحكم الظن القوي ، لأنه موجب لقلة الاحتمالات حكما مع بقائها حقيقة.

(٥) قيد لقوله : «لعدم جواز التنزل» يعني : أن عدم جواز التنزل انما هو بحكم العقل.

٩٠

فصل

انما الثابت (١) بمقدمات دليل الانسداد في الأحكام هو حجية

______________________________________________________

(الظن بالاشتغال والامتثال)

(١) الغرض من عقد هذا الفصل بيان عدم اعتبار الظن الانسدادي في مقام الامتثال ، توضيح ذلك : أن للعمل بالحجج ـ ومنها الظن الانسدادي ـ مرحلتين : الأولى : إثبات التكليف وإشغال الذّمّة بها من علم أو علمي ، كقيام الدليل على وجوب صلاة الجمعة.

الثانية : امتثال التكليف وتفريغ الذّمّة عنه ، ومن المعلوم أنه لا ملازمة بين المرحلتين في حجية شيء ، يعني إذا صار شيء حجة في مرحلة إثبات التكليف وإشغال الذّمّة به ، فلا يستلزم ذلك أن يكون في مرحلة امتثاله والفراغ عنه حجة أيضا بتوهم أن أصل الحكم لمّا كان ثبوته ظنيا ـ حسب الفرض ـ كان امتثاله ظنيا أيضا وان حصل العلم بالإتيان بمتعلقه وانطباقه على المأتي به. والوجه في ذلك واضح ، فان العقل انما يستقل بحجية الظن وتقرير الجاهل في خصوص ما انسد عليه باب العلم فيه وهو نفس الحكم ، أما فيما يمكنه فيه تحصيل العلم كالموضوعات الخارجية ومنها امتثال الحكم وتفريغ الذّمّة عنه فلا يستقل بحجية الظن فيه ولا يعذر الجاهل.

٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

ففي المقام إذا ظن بالانسداد أن صلاة الظهر مثلا واجبة كان هذا الظن في مرحلة ثبوت التكليف بها حجة قطعا ، ووجبت عليه صلاة الظهر ، فإذا ظن بالظن الانسدادي أيضا أنه أتى بصلاة الظهر ، أو علم أنه أتى بصلاة قطعا ، وظن بالانسدادي أن ما أتى به مطابق للمأمور به مع احتمال عدم الإتيان بها ، أو عدم مطابقته له لاختلال بعض الاجزاء أو الشرائط ، لم يكن هذا الظن حجة ، بل لا بد له في مقام الفراغ عما اشتغلت ذمته به من الرجوع إلى غير الظن من علم أو علمي أو أصل كقاعدتي الفراغ والتجاوز. وهذا أعني عدم حجية الظن الانسدادي في مقام الامتثال ما اختاره المصنف تبعا لشيخنا الأعظم قدس‌سرهما.

وتوضيح ما أفاده في وجهه ـ مضافا إلى ما تقدم ـ أن نتيجة مقدمات الانسداد الجارية في الأحكام الكلية هي حجية الظن عقلا في مقام إثبات نفس الأحكام ، وأنه بعد فرض انسداد باب العلم والعلمي فيها ينحصر المنجز لها في الظن ، لقبح ترجيح المرجوح على الراجح ، فلا ربط للظن ـ في مقام التفريغ عن الواقع المنجز ـ بالظن بالانسداد الجاري في نفس الأحكام ، فحجية الظن في مرحلة الامتثال منوطة بعناية أخرى غير الانسداد الّذي يكون مصب مقدماته نفس الأحكام. وعليه فالظن بإتيان الواقع المنجز لا يكفي في فراغ الذّمّة والأمن من العقوبة ، بل يحسن المؤاخذة في صورة الخطأ وعدم الإصابة.

ومثل الظن بأصل الإتيان ـ في عدم الحجية ـ الظن بانطباق عنوان الواقع المنجز على المأتي به ، كما إذا علم بأنه أتى في أول الزوال بصلاة ، وبعد مضي زمان صلاة الجمعة حصل له الظن بأنه أتى بها بعنوان صلاة الجمعة لا صلاة الظهر ، فلا يكتفي بها ، بل عليه تحصيل اليقين بإتيان الواقع المنجز ، وكذا إذا حصل له الظن بأن قبلة أهل العراق ما بين المشرق والمغرب ، لكنه لم يتيقن بوقوع الصلاة إليها بل ظن به ، فانه ظن في التطبيق. ولا يندرج في الظن المعتبر

٩٢

الظن فيها (١) ، لا حجيته في تطبيق (٢) المأتي به في الخارج معها ، فيتبع (٣) مثلا في وجوب صلاة الجمعة يومها لا في إتيانها (*) بل لا بد من علم أو علمي بإتيانها كما لا يخفى.

______________________________________________________

بدليل الانسداد.

وبالجملة : فالامتثال وان كان ظنيا على كل حال ، لأنه حتى بعد العلم بإتيان صلاة الجمعة في المثال الأول لا يحصل له إلّا الظن بالفراغ كما هو واضح ، إلّا أن اعتبار الظن بدليل الانسداد انما هو في نفس الأحكام لا في امتثالها.

قال شيخنا الأعظم : «الأمر الرابع : أن الثابت بمقدمات دليل الانسداد هو الاكتفاء بالظن في الخروج عن عهدة الأحكام المنسد فيها باب العلم بمعنى أن المظنون إذا خالف حكم الله الواقعي لم يعاقب عليه ، بل يثاب عليه ، فالظن بالامتثال انما يكفي في مقام تعيين الحكم الشرعي الممتثل ، وأما في مقام تطبيق العمل الخارجي على ذلك المعين فلا دليل على الاكتفاء فيه بالظن ... إلخ».

(١) هذا الضمير وضمير «معها» راجعان إلى الأحكام ، و «معها» متعلق بالتطبيق ، والأولى تبديله بـ «عليها».

(٢) الأولى سوق العبارة هكذا «لا حجيته في انطباق الواقع على المأتي به في الخارج» وذلك لأن الكلي هو الّذي ينطبق على الفرد المتشخص الموجود في الخارج دون العكس.

(٣) يعني : الظن ، و «في وجوب» متعلق بـ «يتبع» وضمير «يومها» راجع إلى الجمعة ، وضميرا «في إتيانها ، بإتيانها» راجعان إلى صلاة الجمعة.

__________________

(*) الأولى تبديله بـ «انطباقها» لأن ظاهره التفريع على عدم حجية الظن بالانطباق الّذي هو من أوصاف المأتي به ، بخلاف الظن بالإتيان الّذي هو

٩٣

نعم (١) ربما يجري نظير مقدمات الانسداد في الأحكام في

______________________________________________________

(١) استدراك على عدم حجية الظن في غير إثبات الأحكام الكلية من الموضوعات الخارجية كالإتيان والانطباق ، و «في الأحكام» متعلق بـ «الانسداد» و «في بعض» متعلق بـ «يجري» وغرضه : إثبات حجية الظن في بعض الموضوعات بدليل يحتوي على مقدمات تشبه مقدمات الانسداد الجارية في الأحكام بعد وضوح عدم وفاء دليل الانسداد المعروف بحجية الظن في الموضوعات ، وذلك يتحقق في موضوع ثبت له أحكام شرعية كالضرر الّذي أنيط به بعض الأحكام كجواز التيمم والإفطار ، فيقال : ان باب العلم والعلمي إلى الضرر منسد غالبا ، ولا يجوز مخالفته لاهتمام الشارع به ، وترجيح المرجوح على الراجح قبيح ، والاحتياط فيه غير واجب شرعا أو غير ممكن عقلا ، وعليه فإذا دار حكم الوضوء مثلا بين الوجوب ان لم يكن ضرريا والحرمة ان كان ضرريا ولم يثبت بعلم ولا علمي كونه ضرريا ، فلا محيص حينئذ عن اعتبار الظن في تشخيص الضرر

__________________

ظن بأصل وجود متعلق الحكم في الخارج ، فانه لم يسبق له ذكرنا في العبارة حتى يفرع عليه عدم حجية الظن بالإتيان. على أن الأولى كما ذكرنا في التوضيح التعبير بالانطباق ، لأنه من أوصاف المأتي به دون التطبيق ، فانه فعل المكلف. مضافا إلى : أن ظاهر العبارة حصر عدم حجية الظن الانسدادي بالظن بالانطباق ، مع أنه ليس كذلك ، إذ المفروض عدم حجية الظن بأصل الوجود وصحة الموجود معا كما يظهر من عبارة شيخنا الأعظم.

إلّا أن يقال : ان مراد المصنف عدم حجيته في كل من الظن بالإتيان والظن بالانطباق معا ، لكنه لتلخيص العبارة غير ما بعد التفريع عما قبله ، إلّا أنه خلاف ظاهر التفريع ، للزوم المناسبة بين المفرع والمفرع عليه كما لا يخفى.

٩٤

بعض الموضوعات الخارجية من (١) انسداد باب العلم به غالبا واهتمام (٢) الشارع به بحيث علم بعدم الرضاء بمخالفة [بمخالفته] الواقع بإجراء (٣) الأصول فيه مهما [فيما] أمكن ، وعدم (٤) [اهتمام

______________________________________________________

إذ ليس شيء أقرب إليه من الظن. قال شيخنا الأعظم : «نعم قد يوجد في الأمور الخارجية ما لا يبعد إجراء نظير دليل الانسداد فيه كما في موضوع الضرر الّذي أنيط به أحكام كثيرة من جواز التيمم والإفطار وغيرهما ... إلى أن قال فتعين إناطة الحكم فيه بالظن.»

(١) بيان لقوله : «نظير» فما ذكره بقوله : «من انسداد باب العلم إلى قوله : أو عدم إمكانه عقلا» مقدمات تجري في بعض الموضوعات الخارجية ، وهي نظير مقدمات الانسداد الجارية في الأحكام الكلية. وضمير «به» في الموضعين راجع إلى بعض الموضوعات.

(٢) معطوف على «انسداد» ثم ان هذه المقدمة مما لا بد منها لإجراء مقدمات الانسداد في مثل الضرر ، ولم يذكرها شيخنا الأعظم في عبارته المتقدمة ، مع الاحتياج إليها ، إذ مجرد انسداد باب العلم بالضرر واستلزام إجراء الأصل للوقوع في مخالفة الواقع كثيرا لا يوجب حجية الظن فيه ما لم ينضم إليهما علمنا باهتمام الشارع وعدم رضاه بمخالفة الواقع ، فان مجرد الوقوع في الخلاف ليس محذورا حتى يستكشف منه حجية الظن ، ولذا لا محذور في اتباع أصالة الطهارة في باب النجاسات مع العلم بالمخالفة في بعض الموارد واقعا فضلا عن الظن.

(٣) متعلق بـ «مخالفته» وضمير «مخالفته» راجع إلى المكلف ، والمراد من الأصول الأصول النافية للتكليف ، وضمير «فيه» راجع إلى بعض الموضوعات.

و «مهما أمكن» قيد لـ «عدم الرضا».

(٤) بالجر معطوف على «انسداد» وبناء على وجود جملة «اهتمام الشارع

٩٥

الشارع به بحيث علم] وجوب الاحتياط شرعا أو عدم إمكانه عقلا كما (١) في موارد الضرر المردد أمره بين الوجوب والحرمة مثلا ، فلا محيص (٢) عن اتباع الظن حينئذ (٣) أيضا ، فافهم (٤).

______________________________________________________

به بحيث علم» كما في بعض النسخ يكون قوله : «بحيث علم» قيدا لـ «اهتمام» ولا يخفى ما فيه من التكلف ، فالأولى إسقاط هذه الجملة.

(١) مثال لعدم إمكان الاحتياط عقلا ، لدورانه بين المحذورين ، كما أن المراد من «شرعا» قيام الدليل النقلي على عدم وجوب الاحتياط أو عدم جوازه.

(٢) هذه نتيجة جريان مقدمات الانسداد في بعض الموضوعات.

(٣) يعني : حين جريان مقدمات الانسداد في بعض الموضوعات الخارجية ، وقوله : «أيضا» يعني : كما لا محيص عن اتباع الظن في الأحكام حال الانسداد.

(٤) لعله إشارة إلى عدم الحاجة إلى اعتبار الظن في مثل الضرر ونحوه بإجراء نظير مقدمات الانسداد ، كما نبه عليه شيخنا الأعظم بقوله : «وأما إذا أنيط ـ أي الضرر ـ بموضوع الخوف فلا حاجة إلى ذلك ، بل يشمل حينئذ الشك أيضا» وذلك لأن إجراءها فيه منوط بعدم أخذ الخوف موضوعا في الأدلة الشرعية كما في الإفطار والتيمم وغيرهما ، فان الخوف فيهما موضوع ، أو طريق إلى الموضوع ، ومن المعلوم أن الخوف يحصل بالاحتمال العقلائي ولا يحتاج إلى الظن ، فلا مانع من ترتيب أحكام الضرر بمجرد الاحتمال الموجب للخوف.

٩٦

خاتمة يذكر فيها أمران استطرادا

الأول (١) : هل الظن كما يتبع عند الانسداد

______________________________________________________

الظن في الأمور الاعتقادية

(١) الغرض من عقد هذا الأمر بيان أن الظن الانسدادي كما يكون حجة في الفروع هل يكون حجة في الأصول الاعتقادية حال انسداد باب العلم بها أم لا؟ وأن الحق عدم حجيته فيها ، توضيح ذلك : أن الأمور الاعتقادية على قسمين :

أحدهما : ما يكون متعلق الوجوب فيه نفس عقد القلب والالتزام بما هو في الواقع ونفس الأمر من دون أن يتعلق تكليف بلزوم تحصيل المعرفة به ثم عقد القلب عليه.

ثانيهما : ما يكون متعلق الوجوب فيه معرفته والعلم به ليكون الاعتقاد به عن علم.

أما القسم الأول ، فملخص الكلام فيه : أنه لا مجال لاعتبار الظن فيه ، ضرورة أنه لا يعتبر فيها العلم حتى يقوم الظن مقامه مع انسداده ، فان المطلوب فيه

٩٧

عقلا (١) (*) في الفروع

______________________________________________________

ـ وهو الاعتقاد والتسليم ـ يحصل بدون العلم والظن ، ضرورة حصول الانقياد بمجرد عقد القلب على الأمر الاعتقادي على ما هو عليه في الواقع ، فيحصل المطلوب في الأمور الاعتقادية بمجرد الاعتقاد بما اعتقد به مولانا الإمام الصادق عليه أفضل الصلاة والسلام من دون حاجة إلى تحصيل العلم بها. وهذا بخلاف الفروع ، فان المطلوب فيها تطبيق متعلقات الأحكام على أعمال الجوارح ، وهو موقوف على العلم بالاحكام أو الاحتياط ، والمفروض انسداد باب الأول وعدم وجوب الثاني أو بطلانه ، فلا بد من اعتبار الظن في الفروع ، إذ ليس شيء أقرب منه إليها. هذا في القسم الأول ، وسيأتي الكلام في القسم الثاني من الأمور الاعتقادية. وقد تعرض شيخنا الأعظم لهذا البحث بقوله : «الأمر الخامس في اعتبار الظن في أصول الدين ، والأقوال المستفادة من تتبع كلمات العلماء في هذه المسألة من حيث وجوب مطلق المعرفة أو الحاصلة عن خصوص النّظر وكفاية الظن مطلقا أو في الجملة ستة ... إلى أن قال : ان مسائل أصول الدين وهي التي لا يطلب فيها أوّلا وبالذات إلّا الاعتقاد باطنا والتدين ظاهرا وان ترتب على وجوب ذلك بعض الآثار العملية على قسمين : أحدهما ما وجب على المكلف الاعتقاد والتدين غير مشروط بحصول العلم كالمعارف ، فيكون تحصيل العلم من مقدمات الواجب المطلق ، فيجب. الثاني : ما يجب الاعتقاد والتدين به إذا اتفق حصول العلم به كبعض تفاصيل المعارف».

(١) إشارة إلى ما اختاره من حجية الظن حال الانسداد على الحكومة دون الكشف.

__________________

(*) ظاهره اختصاص بحث حجية الظن في الأصول الاعتقادية بالظن الانسدادي ، لكن يظهر من القول الثالث وغيره المنقول في الرسائل عموم النزاع

٩٨

العملية المطلوب فيها أوّلا (١) العمل بالجوارح يتبع (٢) في الأصول الاعتقادية المطلوب فيها عمل الجوانح من الاعتقاد به وعقد (٣) القلب عليه

______________________________________________________

(١) إشارة إلى ما قيل في تعريف الحكم الفرعي من كونه مما يتعلق بالعمل بلا واسطة ، فالمطلوب أوّلا هو العمل بالجوارح ، والالتزام النفسانيّ لو كان مطلوبا في الفروع كان مطلوبا ثانيا.

(٢) خبر «هل الظن» و «من الاعتقاد» بيان لعمل الجوانح.

(٣) هذا وما بعده بيان للاعتقاد ، والضمائر الأربعة المجرورة راجعة إلى الأصل الاعتقادي المستفاد من «الأصول الاعتقادية» وتأنيثها أولى.

ثم ان العلم والاعتقاد ليسا متلازمين ، بل النسبة بينهما عموم من وجه ، لاجتماعهما في بعض الموارد كمن يعلم بأصول العقائد ويعقد قلبه عليها ، ويفترقان في عقد القلب على الواقع على ما هو عليه من دون علم به كاعتقاد أكثر المؤمنين بخصوصيات البرزخ والحشر مع عدم علمهم بها ، وفي علم بعض ببعض أصول العقائد مع

__________________

للظن غير الانسدادي ، قال الشيخ الأعظم : «الثالث : كفاية الظن مطلقا وهو المحكي عن جماعة ... إلخ» فراجع. ثم ان المقصود ان كان إثبات حجية الظن الانسدادي في الأمور الاعتقادية بنفس المقدمات الجارية في الأحكام الفرعية فهو واضح البطلان ، لاختصاص الدليل بمورده وهو الفروع ، إذ من جملة مقدماته العلم الإجمالي بالاحكام الفرعية وعدم وجوب الاحتياط فيها ، ومن المعلوم أنهما أجنبيان عن الأصول الاعتقادية. وان كان المقصود إجراء مقدمات نظير مقدمات الانسداد الجارية في الفروع في الأصول الاعتقادية ، ففيه أن المطلوب في القسم الأول منها ليس تحصيل العلم بها حتى يقوم الظن مقامه إذا تعذر ، إذ المفروض كفاية عقد القلب عليها وهو يتحقق بدون العلم بما يجب الاعتقاد به ، فلا تتم المقدمة الأولى منها.

٩٩

وتحمله والانقياد له أو لا؟ الظاهر لا ، فان (١) الأمر الاعتقادي وان انسد باب القطع به ، إلّا أن باب الاعتقاد إجمالا بما هو واقعه والانقياد له وتحمله غير (٢) منسد ، بخلاف العمل بالجوارح ، فانه لا يكاد يعلم

______________________________________________________

عدم عقد القلب عليه كالمنافقين ، حيث انهم يعلمون ببعض الأمور الاعتقادية ولا يعتقدون بها كما يشهد به قوله سبحانه وتعالى : «جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم». قال المحقق القمي في القوانين في بيان حقيقة الإيمان بالنسبة إلى القلب والجوارح ما هذا لفظه : «قيل انه فعل القلب فقط ، وقيل انه فعل الجوارح ، وقيل انه فعلهما معا ، وذهب إلى الأول المحقق الطوسي في بعض أقواله ، وجماعة من أصحابنا والأشاعرة ، والتحقيق أنه لا يكفي فيه مجرد حصول العلم ، بل لا بد من عقد القلب على مقتضاه وجعله دينا له ، وعازما على الإقرار به في غير حال الضرورة والخوف بشرط أن لا يظهر منه ما يدل على الكفر. والحاصل : أن محض العلم لا يكفى ، وإلّا لزم إيمان المعاندين من الكفار الذين كانوا يجحدون ما استيقنت به أنفسهم كما نطقت به الآيات».

(١) تعليل لعدم حجية الظن في الأصول الاعتقادية ، وحاصله : أن اعتبار الظن في الأصول الاعتقادية منوط بتمامية مقدمات الانسداد التي منها عدم إمكان الاحتياط المحرز عملا لمطابقة المأتي به للواقع ليدور الأمر بين الأخذ بالمظنون وطرفه ، ويقدم الأخذ بالمظنون نظرا إلى قبح ترجيح المرجوح على الراجح. وهذا بخلاف الأصول الاعتقادية ، فان باب الاعتقاد فيها ولو إجمالا مفتوح ، ومعه لا دوران حتى تصل النوبة إلى اعتبار الظن فيها.

(٢) خبر «أن باب» وقوله : «إجمالا» قيد للاعتقاد أي الاعتقاد الإجمالي ، و «بما» متعلق بـ «الاعتقاد» وضمير «واقعه» راجع إلى الأمر الاعتقادي ، وقوله : «والانقياد له وتحمله» عطف تفسيري للاعتقاد ، وضميرا «له ، تحمله» راجعان

١٠٠