منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٥

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٢٧

الأمة حيث كان له تعالى وضعه (١) بما هو قضيته من إيجاب الاحتياط فرفعه (٢) ، فافهم (٣).

ثم لا يخفى عدم الحاجة إلى تقدير المؤاخذة ولا غيرها من الآثار الشرعية (٤) في «ما لا يعلمون» فان ما لا يعلم من التكليف مطلقا

______________________________________________________

(١) يعني : كان له تعالى وضع التكليف المجهول على العباد بوضع ما يقتضيه وهو إيجاب الاحتياط ، وذلك لأن الحكم الواقعي يقتضي ـ في ظرف الجهل به ـ إيجاب الاحتياط تحفظا عليه ، فإيجاب الاحتياط مقتضى الجهل بالحكم الواقعي ، فضمير «قضيته» راجع إلى التكليف المجهول ، و «من إيجاب» بيان للموصول في «بما».

(٢) أي : فرفع التكليف الواقعي المجهول برفع مقتضاه وهو إيجاب الاحتياط.

(٣) لعله إشارة إلى ما ذكرناه في بعض التعاليق السابقة من الإشكال في كون إيجاب الاحتياط من آثار التكليف المجهول ومقتضياته ، فراجع.

(٤) غرضه بيان المراد من الموصول في «ما لا يعلمون» والتعريض بما أفاده شيخنا الأعظم (قده) من لزوم التقدير في الحديث كما سيأتي في كلامه ، وتوضيح ما أفاده المصنف (قده) : أن المحتمل في الموصول في «ما لا يعلمون» وجوه ثلاثة :

الأول : أن يراد به خصوص الفعل غير المعلوم عنوانه كالفعل الّذي لا يعلم أنه شرب الخمر أو الخل ، ومن المعلوم اختصاص الحديث حينئذ بالشبهات الموضوعية.

الثاني : أن يراد به الحكم المجهول مطلقا يعني سواء كان منشأ الجهل بالحكم فقد النص أم إجماله ـ كما في الشبهات الحكمية ـ أم اشتباه الأمور

٢٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

الخارجية كما في الشبهات الموضوعية ، وعليه فيشمل الحديث كلّا من الشبهات الحكمية والموضوعية.

الثالث : أن يراد به ما يعم الاحتمال الأول والثاني ، يعني : يراد به الفعل والحكم ، وعلى كل من الاحتمالين الأخيرين يتم الاستدلال بالحديث على جريان البراءة في الشبهات الحكمية والموضوعية ، ولا حاجة إلى ما أفاده الشيخ الأعظم (قده) من لزوم التقدير في «ما لا يعلمون» استنادا إلى دلالة الاقتضاء ، وأن المقدر فيه اما خصوص المؤاخذة ، فالمعنى : رفع المؤاخذة على ما لا يعلمون ، أو جميع الآثار ، فالمعنى : أن جميع الآثار من المؤاخذة وغيرها مرفوعة عما لا يعلمون ، وأن ما لا يعلمون لا يترتب عليه أثر أصلا ، أو الأثر الظاهر المناسب لكل واحد من التسعة كالبينونة بالنسبة إلى الطلاق المضطر إليه مثلا ، فالمعنى رفع الأثر المناسب لما لا يعلمون ، قال قدس‌سره بعد ذكر حديث الرفع : «ويمكن أن يورد عليه بأن الظاهر من الموصول فيما لا يعلمون بقرينة أخواتها هو الموضوع أعني فعل المكلف غير المعلوم ... إلى أن قال : والحاصل أن المقدر في الرواية باعتبار دلالة الاقتضاء يحتمل أن يكون جميع الآثار في كل واحد من التسعة وهو الأقرب اعتبارا إلى المعنى الحقيقي ، وأن يكون في كل منها ما هو الأثر الظاهر فيه ، وأن يقدر المؤاخذة في الكل (*) وهذا أقرب

__________________

(*) وهناك احتمالان آخران أفادهما أوثق الوسائل بقوله : «وهنا وجه رابع ، وهو إبقاؤه على ظاهره من نفي حقيقة الأمور التسعة كما أسلفناه عن الشهيد (ره) في ذيل ما علقناه على ما أورده المصنف على الاستدلال بالخبر وأسلفنا تزييفه هناك ، فراجع. وخامس ، وهو الحكم بالإجمال ، لعدم تعين المراد بعد تعذر إرادة الحقيقة لدورانه حينئذ بين نفي جميع الآثار وخصوص المؤاخذة فيعود الخبر مجملا».

٢٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

عرفا من الأول وأظهر من الثاني أيضا ، لأن الظاهر أن نسبة الرفع إلى مجموع التسعة على نسق واحد ، فإذا أريد من الخطاء والنسيان وما أكرهوا عليه وما اضطروا المؤاخذة على أنفسها كان الظاهر فيما لا يعلمون ذلك أيضا». وحاصله : أن الرفع ـ بقرينة اسناده في غير «ما لا يعلمون» من سائر الجمل المذكورة في الحديث الشريف إلى نفس تلك العناوين من النسيان والاضطرار وغيرهما ـ يراد به في «ما لا يعلمون» رفع الفعل أيضا مما لا يعلم عنوانه كما إذا شرب مائعا مرددا بين الخمر والخل مثلا ، فان عنوان هذا الفعل مجهول ، إذ لا يعلم أنه شرب الخمر أو الخل ، فإذا أسند الرفع بقرينة وحدة السياق إلى نفس الفعل كسائر العناوين المذكورة في الخبر ، فلا محيص عن التقدير ، لعدم صحة اسناد الرفع التشريعي إلى الفعل التكويني ، بل لا بد من تقدير شيء ليصح اسناد الرفع إليه ، هذا.

وتوضيح تعريض المصنف به : أنه لا حاجة إلى التقدير في «ما لا يعلمون» بعد إمكان إرادة نفس الحكم الشرعي من الموصول ، لأن الحكم بنفسه قابل للوضع والرفع تشريعا سواء كان منشأ الجهل به فقد النص أم إجماله ، أم الاشتباه في الأمور الخارجية ، فيشمل الشبهة الحكمية والموضوعية ، فيكون حديث الرفع بهذا التقريب دليلا على أصل البراءة في الشبهات الحكمية والموضوعية معا بلا تكلف. نعم دلالة الاقتضاء في غير «ما لا يعلمون» توجب اما تقدير جميع الآثار أو الأثر الظاهر أو المؤاخذة ، واما الالتزام بالمجاز في الإسناد بلا تقدير شيء ، يعني أسند الرفع إلى نفس المضطر إليه ، ولكن المقصود رفع أمر آخر من المؤاخذة ونحوها ، لاستلزام رفع نفس تلك العناوين للكذب ، لتحققها خارجا قطعا ، فلا بد اما من التقدير أو المجاز في الإسناد حفظا لكلام الحكيم

٢٠٣

كان (١) في الشبهة الحكمية أو الموضوعية بنفسه (٢) قابل للرفع والوضع شرعا (*) وان كان في غيره لا بد من تقدير الآثار أو المجاز في اسناد الرفع إليه (٣) ، فانه ليس (٤) ما اضطروا وما استكرهوا ... إلى آخر التسعة بمرفوع حقيقة.

______________________________________________________

عن الكذب.

(١) بيان لـ «مطلقا» وقوله : «فان» تعليل لـ «لا حاجة» وقد عرفت توضيحه بقولنا : وتوضيح تعريض المصنف به : أنه لا حاجة إلى التقدير ... إلخ.

(٢) أي : لا بآثاره كما في غير ما لا يعلمون من سائر الفقرات ، حيث انها بنفسها غير قابلة للرفع ، وانما تقبل الرفع باعتبار آثارها ، فقوله : «بنفسه» تأكيد للموصول في «ما لا يعلم» و «قابل» خبر «فان».

(٣) أي : إلى غير ما لا يعلمون ، وضمير «غيره» راجع إلى «ما لا يعلمون» أيضا ، وقد عرفت أن وجه اللابدية هو دلالة الاقتضاء.

(٤) الضمير للشأن ، وهو تعليل لقوله : «لا بد من تقدير» و «بمرفوع» خبر «ليس ما اضطروا» ووجهه واضح ، فان الاضطرار والإكراه والخطأ موجودة تكوينا ، فلا معنى لرفعها تشريعا ، فلا بد من تقدير أمر آخر يكون هو المرفوع حقيقة.

__________________

(*) هذا أحد وجوه تعميم «ما لا يعلمون» للشبهة الحكمية والموضوعية ، وقد تعرض له في حاشية الرسائل في مقام تصحيح اسناد الرفع إلى كل من الشبهتين. لكنه ناقش فيه باستلزامه لاختلاف السياق ، قال (قده) : «اللهم إلّا أن يراد من الموصول هو الحكم ليس إلّا ، لكنه أعم من أن يكون منشأ الجهل به هو فقدان النص أو إجماله أو اشتباه الأمور الخارجية ، وعدم تميز عنوان الموضوع ، وعليه يكون اسناد الرفع في الشبهة الموضوعية أيضا إلى الحرمة

٢٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

ابتداء من دون حاجة إلى تقدير. لكنه يوجب اختلاف ما لا يعلمون مع إخوته في النسق ... إلخ» وحديث السياق قد تقدم الكلام فيه.

ومنها : إرادة الفعل من الموصول ، لكنه بما هو واجب أو حرام ، لأن الامتنان يقتضي أن يكون المرفوع ثقيلا ، سواء كان منشأ الشك فقد الدليل كشرب التتن مثلا ، أم الأمور الخارجية كشرب هذا المائع المردد بين خمريته وخليته.

وفيه : أن حمل الفعل على أنه واجب أو حرام خلاف ظاهر سائر الفقرات ، فان الإكراه وغيره انما هو على نفس الفعل ، فالمراد بما لا يعلمون نفس الفعل غير المعلوم عنوانه كشرب مائع لا يعلم أنه خمر أو خل ، لا بعنوان أنه واجب أو حرام ، فيختص حينئذ بالشبهة الموضوعية.

ومنها : إرادة الفعل من الموصول مع تعميم الجهل من حيث الجهل بنفسه أو بوصفه وهو حكمه ، فالفعل المجهول بنفسه كشرب المائع المردد بين الخمر والخل والمجهول بحكمه كشرب التتن المشكوك حكمه مرفوع.

وفيه : أن ظاهر «ما لا يعلمون» هو قيام الجهل بذات الشيء بحيث يحمل المجهول عليه بالحمل الشائع كما في الشبهات الموضوعية ، بخلاف الشبهات الحكمية ، فان الجهل فيها قائم بالمتعلق ، ضرورة أن شرب التتن معلوم عنوانا ومجهول حكما ، فلا يصح حمل المجهول على نفسه بالحمل الشائع ، بل يحمل على حكمه ، فيكون من قبيل الوصف بحال المتعلق. وعلى هذا فلا يشمل «ما لا يعلمون» الشبهات الحكمية.

ومنها : إرادة كل من الموضوع والحكم بأن يراد بالموصول الشيء الجامع

٢٠٥

نعم (١) لو كان المراد من الموصول في «ما لا يعلمون» ما اشتبه حاله ولم يعلم عنوانه لكان أحد الأمرين (٢) مما لا بد منه أيضا (٣).

ثم لا وجه (٤) لتقدير خصوص المؤاخذة بعد وضوح أن المقدر

______________________________________________________

(١) استدراك على قوله : «عدم الحاجة إلى تقدير المؤاخذة» وغرضه : أنه ان أريد بالموصول ما استظهره شيخنا الأعظم (قده) من الموضوع الخارجي المشتبه عنوانه كالمائع المردد بين الخمر والخل ، فلا بد من تقدير أحد الأمور الثلاثة التي ذكرها الشيخ ، صونا لكلام الحكيم عن الكذب واللغو ، لعدم كون الأمور المجهولة عناوينها مرفوعة حقيقة.

(٢) أي : تقدير أحد الأمور الثلاثة ، أو ارتكاب المجاز في اسناد الرفع.

(٣) أي : كسائر الفقرات التي لا بد من التقدير فيها.

(٤) هذا تعريض آخر بشيخنا الأعظم (قده) فانه جعل دلالة الاقتضاء قرينة على تقدير أحد الأمور الثلاثة كما عرفت ذلك في عبارته المتقدمة ، ثم استظهر أن يكون المقدر هو المؤاخذة استنادا إلى وحدة السياق ، فأورد المصنف

__________________

بينهما فكل ما لا يعلم من الحكم والموضوع مرفوع.

وقد أورد عليه المصنف (قده) في تعليقته على الرسائل بعدم إمكانه ، لأن اسناد الرفع إلى الحكم اسناد إلى ما هو له وإلى الموضوع اسناد إلى غير ما هو له ، ولا جامع بينهما.

ويمكن دفعه بأن يقال : ان الرفع لما كان تشريعيا كان اسناده إلى كليهما إسنادا إلى ما هو له ، لأن معناه حينئذ : أن كل مجهول موضوعا كان أو حكما مرفوع في صفحة التشريع ، فكما أن الإلزام المجهول مرفوع شرعا ، فكذلك الموضوع المجهول مرفوع أي لم يجعل في عالم التشريع موضوعا لحكم ، فتدبر.

٢٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه بأن الحاجة إلى التقدير في غير «ما لا يعلمون» من العناوين التي أسند الرفع إليها كالخطإ والنسيان وغيرهما وان كانت شديدة ، لما عرفت من عدم صحة اسناد الرفع التشريعي إلى الفعل الخارجي التكويني ، إلّا أنه لا وجه لتقدير خصوص المؤاخذة فيها ، إذ المقدر في بعضها ـ وهو الإكراه وعدم الطاقة والخطأ بقرينة رواية المحاسن (١) التي أشار إليها في المتن ـ هو الحكم الوضعي من طلاق الزوجة وانعتاق العبد وصيرورة الأموال ملكا للفقراء ، فلا وجه حينئذ لاختصاص المقدر بالمؤاخذة ، فالمقدر اما جميع الآثار أو الأثر الظاهر لكل من التسعة وان كان ورود الحديث في مقام الامتنان مقتضيا لرفع جميع الآثار. نعم في خصوص «ما لا يعلمون» يتجه تقدير المؤاخذة ، لكونها الأثر الظاهر لرفع الحكم الواقعي المجهول ، لكن لا يتعين ذلك سواء أريد من الموصول خصوص فعل المكلف كما استظهره شيخنا الأعظم أم أريد به الحكم المجهول كما التزم به المصنف (قده).

ولا يخفى أن ما أورده المصنف على الشيخ ـ من ظهور رواية المحاسن في رفع جميع الآثار أو الأثر الظاهر دون خصوص المؤاخذة ـ قد استدركه الشيخ الأعظم بنفسه بقوله : «نعم يظهر (*) من بعض الاخبار الصحيحة عدم اختصاص الموضوع عن الأمة بخصوص المؤاخذة ، فعن المحاسن عن أبيه

__________________

(*) أورد المصنف في حاشية الرسائل على هذا الاستظهار بقوله : «ما يظهر من الخبر لا ينافي تقدير خصوص المؤاخذة مع تعميمها إلى ما كانت مترتبة عليها بالواسطة كما في الطلاق والصدقة والعتاق ، فانها مستتبعة إياها بواسطة ما يلزمها من حرمة الوطء في المطلقة ومطلق التصرف في الصدقة والعتاق.

__________________

(١) المحاسن ج ٢ ص ٣٣٩ الحديث ١٢٤ والوسائل ج ١٦ ص ١٤٤ الحديث ٦.

٢٠٧

في غير واحد (١) غيرها (٢) ، فلا محيص عن أن يكون المقدر هو الأثر الظاهر في كل منها أو تمام آثارها (٣) التي تقتضي المنّة رفعها ، كما أن

______________________________________________________

عن صفوان بن يحيى والبزنطي جميعا عن أبي الحسن عليه‌السلام في الرّجل يستحلف على اليمين ، فحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك ، أيلزمه ذلك؟ فقال عليه‌السلام : لا ، قال رسول الله : رفع عن أمتي ما أكرهوا عليه وما لم يطيقوا وما أخطئوا ، الخبر ، فان الحلف بالطلاق والعتق والصدقة وان كان باطلا عندنا مع الاختيار أيضا ، إلّا أن استشهاد الإمام عليه‌السلام على عدم لزومها مع الإكراه على الحلف بها بحديث الرفع شاهد على عدم اختصاصه برفع المؤاخذة» لكنه رجع عنه بقوله : «لكن النبوي المحكي في كلام الإمام عليه‌السلام مختص بثلاثة من التسعة ، فلعل نفي جميع الآثار مختص بها ، فتأمل».

(١) وهو : ما استكرهوا عليه ، وما لا يطيقون ، والخطأ ، والطيرة ، والوسوسة.

(٢) أي : غير المؤاخذة ، ووجه كون المقدر غير المؤاخذة هو ظاهر رواية المحاسن.

(٣) أما كون المقدر هو الأثر الظاهر في كل منها فلتيقن إرادته على كل حال سواء كان للرفع إطلاق أم لا. وأما كونه تمام الآثار ، فلوجهين : الأول : أن الرفع في الحديث الشريف وقع في مقام الامتنان المناسب لارتفاع جميع الآثار ما لم يلزم منه محذور وهو منافاته للامتنان بالنسبة إلى بعض الأُمّة ، كما إذا استلزم رفع جميع الآثار ضررا على مسلم فان المرفوع حينئذ لا يكون تمام الآثار ، قال شيخنا الأعظم (قده) : «فإتلاف المال المحترم نسيانا أو خطأ لا يرتفع معه الضمان ، وكذلك الإضرار بمسلم لدفع الضرر عن نفسه لا يدخل

__________________

وبالجملة : لو كان المقدر هو المؤاخذة الناشئة من قبلها بلا واسطة أو معها لا ينافيه ظاهر الخبر ، فيوجب تقدير جميع الآثار ، فتدبر».

٢٠٨

ما يكون (١) بلحاظه الإسناد إليها مجازا هو هذا كما لا يخفى ، فالخبر (٢) دلّ على رفع كل أثر تكليفي أو وضعي كان في رفعه منة (٣) على الأمة كما استشهد الإمام عليه‌السلام بمثل (٤) هذا الخبر في رفع ما استكره عليه من الطلاق والصدقة والعتاق.

______________________________________________________

في عموم ما اضطروا إليه ، إذ لا امتنان في رفع الأثر عن الفاعل بإضرار الغير ، فليس الإضرار بالغير نظير سائر المحرمات الإلهيّة المسوغة لدفع الضرر».

الثاني : اقتضاء إطلاق الرفع لجميع الآثار.

(١) يعني : إذا التزمنا في حديث الرفع بالمجاز في الإسناد بأن يكون اسناد الرفع إلى كل واحد من تلك التسعة مجازا نظير اسناد الإنبات إلى الربيع في قولك : «أنبت الربيع البقل» كان هذا الإسناد المجازي في الحديث الشريف بلحاظ الأثر الظاهر أو جميع الآثار ، وليس الإسناد المجازي لحاظ رفع خصوص المؤاخذة فالمشار إليه بقوله : «هذا» هو قوله : «غيرها» الشامل لتمام الآثار أو للأثر الظاهر ، فكأنه قيل : كما أن ما يكون الإسناد إلى التسعة بلحاظه مجازا هو هذا.

(٢) أي : حديث الرفع ، وهذا متفرع على عدم تقدير خصوص المؤاخذة.

(٣) بخلاف ما إذا لم يكن في رفعه منة عليهم بأن كان رفعه بالنسبة إلى بعضهم مخالفا للامتنان على آخرين كما إذا استلزم جريان البراءة بالنسبة إلى شخص ضررا على الغير ، فان الحديث الشريف لا يرفع هذا الأثر الموجب رفعه ضررا على الغير ، لمنافاته للامتنان على الغير كما تقدم في عبارة الشيخ (قده).

(٤) وهو الحديث المتقدم المروي عن المحاسن ، فان شهادته بعدم اختصاص المرفوع بالمؤاخذة مما لا يقبل إنكاره ، ولا يقدح في ذلك اختصاص النبوي المحكي في كلام الإمام عليه‌السلام بثلاثة من التسعة بعد وحدة السياق. وكذا لا يقدح فيه اختلافها في بعض الكلمات ، فان المذكور في النبوي المعروف

٢٠٩

ثم لا يذهب عليك أن المرفوع (١) فيما اضطروا إليه وغيره مما

______________________________________________________

«ما استكرهوا عليه» وفي المحكي في كلام الإمام عليه‌السلام «ما أكرهوا» فان مثل هذا الاختلاف لا يضرّ بما نحن بصدده كما هو واضح.

(١) غرضه : أن المرفوع بحديث الرفع هو الأثر الشرعي المترتب على الفعل بعنوانه الأولي الّذي يقتضيه دليله ، وتوضيحه : أن المرفوع بالخطإ والنسيان وما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه يحتمل وجوها ثلاثة :

الأول : أن يكون المرفوع الآثار المترتبة على الفعل بما هو هو وبعنوانه الأوّلي ، فانها ترتفع عند طروّ الخطأ والنسيان والإكراه وغيرها ، فهذه العناوين رافعة لذلك الحكم.

الثاني : أن يكون المرفوع الآثار المترتبة على الأفعال بقيد الخطأ والنسيان والاضطرار والإكراه ، وذلك كوجوب الكفارة المترتبة على القتل الخطائي ووجوب الدية فيه على العاقلة ، ووجوب سجدتي السهو المترتب على نسيان بعض أجزاء الصلاة.

الثالث : أن يكون المرفوع الآثار المترتبة على الفعل المقيد بالعمد والذّكر والاختيار ، لا الخطأ والنسيان والإكراه ، مثل الكفارة المترتبة على الإفطار العمدي. والمصنف تبعا لشيخنا الأعظم (قدهما) اختار الوجه الأول ، لبطلان الأخيرين.

أما الوجه الثاني ، فلأنه لا يعقل ارتفاع الحكم الثابت للفعل المقيد بعروض النسيان مثلا عليه ، وإلّا لزم كون الحكم رافعا لموضوع نفسه ، وذلك لأن ظاهر حديث الرفع أن الخطأ والنسيان وغيرهما من العناوين الثانوية المذكورة فيه مقتض لرفع الحكم ، فلا بد أن يكون ذلك الحكم ثابتا للشيء بعنوانه الأولي أي المجرد عن النسيان ونحوه حتى يكون عروض العنوان الثانوي موجبا

٢١٠

أخذ بعنوانه الثانوي انما (١) هو الآثار المترتبة عليه بعنوانه الأولي (*)

______________________________________________________

لارتفاعه ، فإذا كان الحكم ثابتا للموضوع بعنوانه الثانوي وهو تقيده بالنسيان ونحوه مما ذكر في حديث الرفع لم يعقل ارتفاعه بحديث الرفع ، إذ المفروض أن عروض هذا العنوان الثانوي ـ أعني النسيان ونحوه ـ هو العلة لثبوت الحكم لموضوعه كوجوب سجدتي السهو المترتب على نسيان الجزء ، فكيف يكون نفس هذا النسيان علة لرفع وجوب سجدتي السهو ، وإلّا لزم التناقض وهو كون النسيان علة لوجوب سجدتي السهو وعلة لعدم وجوبهما ، وهو غير معقول.

وأما بطلان الوجه الثالث ، فلان موضوع الحكم إذا كان مقيدا بقيد العمد وانتفى هذا القيد بأن وقع لا عن عمد بل عن خطأ أو نسيان أو نحوهما انتفى الموضوع بانتفاء قيده ، فينتفي الحكم حينئذ قهرا ، لأن انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه قهري ، إذ الحكم كالمعلول بالنسبة إلى موضوعه ، فلا يحتاج في ارتفاع الحكم إلى التمسك بحديث الرفع. فيتعين الوجه الأول وهو كون المرفوع الآثار الثابتة لنفس الفعل بعنوانه الأوّلي مجردا عن العمد والخطأ والنسيان. قال شيخنا الأعظم (قده) : «فاعلم أنه إذا بنينا على عموم الآثار فليس المراد بها الآثار المترتبة على هذه العنوانات من حيث هي ، إذ لا يعقل رفع الآثار الشرعية المترتبة على الخطأ والسهو من حيث هذين العنوانين .... إلى أن قال : وليس المراد أيضا رفع الآثار المترتبة على الشيء بوصف عدم الخطأ ... بل المراد أن الآثار المترتبة على نفس الفعل لا بشرط الخطأ والعمد قد رفعها الشارع عن ذلك الفعل إذا صدر عن خطأ».

(١) خبر «أن المرفوع» وضمير «عليه» راجع إلى ما اضطروا إليه وغيره.

__________________

(*) بل بعنوانه الثانوي أيضا ما لم يكن من العناوين الثانوية المذكورة في الحديث الشريف ، فلو فرض ثبوت الحرمة مثلا للفعل الضرري ثم طرأ عليه

٢١١

ضرورة (١) أن الظاهر أن هذه العناوين (٢) صارت موجبة للرفع ، والموضوع (٣) للأثر مستدع لوضعه (٤) ، فكيف يكون موجبا لرفعه؟

______________________________________________________

(١) تعليل لقوله : «ان المرفوع ... انما هو الآثار ...» وسيأتي توضيحه.

(٢) الثانوية من الخطأ والنسيان والاضطرار وغيرها.

(٣) مبتدأ خبره «مستدع» توضيحه : أن المرفوع بهذا الحديث هو الأثر المترتب على الفعل بعنوانه الأولي لا بعنوانه الثانوي ، لأن الظاهر أن العنوان الثانوي هو الّذي أوجب رفع الأثر المترتب عليه ، فلو فرض ترتب أثر على الفعل بعنوانه الثانوي كترتب وجوب الدية على العاقلة على القتل الخطئي ، ووجوب سجدتي السهو على نسيان بعض أجزاء الصلاة أو على التكلم فيها سهوا لم يكن هذا العنوان الثانوي موجبا لرفعه ، لأن هذا العنوان هو الّذي صار موضوعا للأثر ، والموضوع يستدعي وضع الأثر وثبوته ، فلا يكون رافعا له ، وإلّا لزم كون الشيء رافعا لما يقتضي وضعه ، وهو محال.

وبعبارة أخرى : ان حديث الرفع انما يرفع الآثار المترتبة على الموضوع بعد قبل طروّ هذه العناوين المذكورة فيه ، وأما الآثار المترتبة على الموضوع بعد طروّ هذه العناوين عليه فلا ترتفع بهذا الحديث ، لأن هذه العناوين حينئذ موضوعات لتلك الآثار ومقتضية لثبوتها فيستحيل أن تكون رافعة لها.

(٤) أي : لثبوته ، وضميره وكذا ضمير «لرفعه» راجع إلى الأثر ، واسم «يكون» ضمير مستتر راجع إلى الموضوع ، أي : فكيف يكون الموضوع ـ وهو أحد العناوين الثانوية ـ موجبا لرفع الحكم المترتب على ذلك الموضوع؟

__________________

الإكراه وصار الفعل مكرها عليه ارتفعت الحرمة بالإكراه.

وبالجملة : لم يظهر وجه لتخصيص المرفوع بما يترتب على الفعل بعنوانه الأولي. اللهم إلّا أن يكون المقصود العنوان الأولي بالنسبة إلى هذه العناوين الثانوية المذكورة في الحديث وان كان في نفسه عنوانا ثانويا.

٢١٢

لا يقال : كيف (١) وإيجاب الاحتياط فيما لا يعلم وإيجاب التحفظ في الخطأ والنسيان يكون أثرا لهذه العناوين بعينها وباقتضاء نفسها (٢).

فانه يقال (٣) : بل انما يكون [تكون] باقتضاء الواقع

______________________________________________________

(١) أي : كيف يكون المرفوع فيما أخذ بعنوانه الثانوي خصوص الآثار المترتبة عليه بعنوانه الأولي؟ والحال أن إيجاب الاحتياط ... ، وغرضه من هذه الإشكال : أن حديث الرفع يدل على رفع آثار نفس هذه العناوين الثانوية وهي الجهل والخطأ والنسيان ، لا رفع آثار ذوات المعنونات أعني الموضوعات بما هي هي يعني بعناوينها الأوّلية كما هو المدعى. توضيحه : أن إيجاب الاحتياط من آثار الجهل بالتكليف ولا يعقل تشريعه حال العلم به ، وكذا إيجاب التحفظ ، فانه من آثار الخطأ والنسيان دون التذكر ، ومقتضى ما ذكر ثبوت إيجاب الاحتياط والتحفظ لهذه العناوين ، مع أن حديث الرفع ينفي هذا الإيجاب الّذي هو من آثار الجهل والخطأ والنسيان ، وهذا خلاف المقصود.

(٢) أي : الثانوية ، لا أثرا لها بعناوينها الأولية ، وضميرا «بعينها ، نفسها» راجعان إلى العناوين.

(٣) توضيح الجواب : أن إيجاب الاحتياط ليس أثرا لـ «ما لا يعلمون» بهذا العنوان ، بل من آثار التكليف الواقعي الناشئ عن الملاك الّذي اهتم به الشارع ولم يرض بتركه حتى في حال الجهل به كما في النفوس والاعراض ، إذ لو لم يهتم به لم يوجب الاحتياط ، فوجوب الاحتياط ليس أثرا للفعل المجهول بما هو مجهول حتى يقال انه أثر للفعل بعنوانه الثانوي ، فلا يصح رفعه به ، لأن المقتضي للشيء لا يكون رافعا له ، بل هو في الحقيقة من آثار العناوين الأولية التي هي موضوعات الأحكام الواقعية الناشئة من المصالح الداعية إلى تشريعها. نعم لما لم يعقل إيجاب الاحتياط في حال العلم بالواقع ، لتقوم مفهوم الاحتياط

٢١٣

في موردها (١) (*) ضرورة أن الاهتمام به (٢) يوجب إيجابهما [إيجابها] لئلا يفوت على المكلف كما لا يخفى.

______________________________________________________

بالجهل به اختص تشريعه بصورة الجهل ، وأما المقتضي لتشريعه فهو مصلحة الحكم الواقعي المجعول للعنوان الأولي. وكذا الحال في وجوب التحفظ ، فانه لا مجال له إلّا في حال الخطاء ومورده ، وأما المقتضي له فهو مصلحة الحكم الواقعي الثابت للعناوين الأولية.

(١) إشارة إلى ظرفية الجهل والنسيان والخطاء لإيجاب الاحتياط والتحفظ ، وضمير «يكون» راجع إلى إيجاب الاحتياط ، وضمير «موردها» إلى العناوين.

(٢) هذا الضمير والمستتر في «يفوت» راجعان إلى الواقع ، وضمير «إيجابهما» بناء على تثنيته راجع إلى الاحتياط والتحفظ ، وبناء على إفراده راجع إلى المذكورات المراد بها أيضا التحفظ والاحتياط.

__________________

(*) وعليه فيكون الشك موردا لإيجاب الاحتياط كمورديته للأمارات ، وهذا خلاف ما هو ظاهر قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «رفع ما لا يعلمون» من موضوعية الجهل بالحكم للرفع لا مورديته له. كما أنه خلاف ما بنوا عليه من الفرق بين الأمارات والأصول بجعل الشك موردا في الأول ، وموضوعا في الثاني ، فيخرج حينئذ قاعدة الاحتياط عن الأمارات والأصول ، لعدم كاشفيتها ولو نوعا حتى تندرج في الأمارات ، وعدم موضوعية الجهل لها حتى تدخل في الأصول العملية التي موضوعها الشك ، إذ المفروض كون الجهل موردا للاحتياط لا موضوعا له ، مع أن المسلم عندهم كون قاعدة الاحتياط من الأصول العملية.

نعم بناء على الفرق بين الأصول والأمارات من ناحية المحمول بأن يراد بالحجية في الأمارات إلغاء الشك وتتميم الكشف تكون قاعدة الاحتياط من الأصول العملية ، إذ ليس حجيتها بمعنى طريقيتها للواقع وكشفها عنه ، لوضوح عدم

٢١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

كشف ناقص فيها حتى يكون دليل حجيتها متمما له كما هو كذلك في الأمارات حيث ان فيها كشفا ناقصا ، ودليل اعتبارها يتمم هذا النقص على ما قيل.

ويمكن أن يريد المصنف (قده) بـ «موردها» موضوعية الجهل والخطاء والنسيان لا يجاب الاحتياط والتحفظ لا ظاهره وهو الظرفية ، فان كان كذلك فلا إشكال ، إذ المفروض حينئذ موضوعية الشك لقاعدة الاحتياط على حذو موضوعيته لسائر الأصول العملية ، فتدبر.

ثم انه لا بأس بالتعرض لجملة من المباحث المتعلقة بحديث الرفع مضافة إلى ما تقدم :

المبحث الأول : أن حديث الرفع من الأدلة القابلة للتخصيص والتقييد ، فلو دلّ الحديث بإطلاقه على عدم قدح الخلل بأركان الصلاة مثلا كنسيان الركوع أو السجود أو غيرهما من الأركان كان هذا الإطلاق مقيدا بمثل حديث «لا تعاد» لو لم نقل بحكومته على حديث الرفع.

المبحث الثاني : أن حديث الرفع يرفع التكليف واقعا فيما عدا «ما لا يعلمون» بسبب الخطأ والنسيان والاضطرار ، فالسورة مثلا يرفع أثرها الشرعي وهو كونها جزءا للصلاة ، وكذا جزئية الإحرام أو شرطيته للحج ، ووجوب الترتيب في مناسك منى ترفع بتركهما نسيانا أو إكراها أو اضطرارا ، وكذا لو أتى بشيء من موانع الصلاة مثلا كذلك كالتكلم والضحك ، فان حديث الرفع يرفع حكم ما يعرضه النسيان ونحوه من الفعل أو الترك.

وبالجملة : فالشيء الموضوع لحكم يرفع حكمه بعروض أحد العناوين المذكورة سواء عرضت فعله أم تركه.

٢١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

لا يقال : ان كان الفعل موضوعا للأثر الشرعي فلا مانع من ارتفاعه بالنسيان ونحوه ، وأما تركه نسيانا مثلا فليس موضوعا للحكم حتى يرتفع بأحد تلك العناوين ، فلا محيص عن اختصاص حديث الرفع بالافعال التي لها آثار شرعية إذا أتى بها نسيانا مثلا ، ولا وجه لشموله للتروك ، فلا يجري حديث الرفع في ترك السورة نسيانا مثلا ، إذ شأنه تنزيل الموجود منزلة المعدوم يعني تنزيل الفعل المأتيِّ به نسيانا كالتكلم في الصلاة منزلة عدمه ، حيث انه ينزل وجود التكلم كعدمه في عدم إبطاله للصلاة ، فالحديث يرفع مانعيّته.

فانه يقال : انه يكفي في صحة الرفع وإضافته إلى التروك ترتب الأثر الشرعي على الأفعال كما قرر في الاستصحاب من صحة جريانه بلحاظ أثر النقيض كاستصحاب عدم البلوغ ، وعدم بلوغ المال حد الاستطاعة ، وعدم الدين فان المترتب على هذه الاستصحاب ليس إلّا عدم الحكم ، وجريانها فيها انما هو لأجل أحكام وجود تلك المستصحبات ، وبهذه العناية يصح رفع جزئية وشرطية ما عدا الخمسة من أجزاء الصلاة وشرائطها بحديث «لا تعاد» أيضا عند تركها نسيانا ، فان ترك السورة ليس موضوعا لحكم حتى يرتفع بسبب تركها نسيانا. ودعوى تنزيل الموجود منزلة المعدوم أجنبية عن مدلول حديث الرفع كأجنبيته عن مدلول حديث «لا تعاد» فان غاية ما يدل عليه الحديثان رفع الحكم عن الشيء بسبب النسيان ونحوه سواء كان المنسي فعلا أم تركا ، وليس فيهما من التنزيل عين ولا أثر. نعم لا تبعد دعوى التنزيل في مثل «لا تنقض اليقين بالشك» لاحتمال إرادة تنزيل المشكوك منزلة المتيقن أو الشك منزلة اليقين.

مضافا إلى : أن الترك بنفسه قد يكون ذا أثر شرعي كما إذا أكره على ترك

٢١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

ما نذره من صلاة الليل مثلا أو اضطر إليه أو نسيه بناء على كون ترك المنذور مطلقا موضوعا لوجوب الكفارة ، فيصح أن يقال : ان حكم الترك الإكراهي أو الاضطراري أو النسياني مرفوع ، فلا يوجب الكفارة.

وبالجملة : مصبّ الرفع هو حكم ما تعلق به النسيان والاضطرار والإكراه سواء أكان أمرا وجوديا أم عدميا ، والمراد بالمرفوع جميع الآثار الشرعية المترتبة على المنسي والمضطر إليه والمكره عليه ، فجزئية السورة مثلا مرفوعة بتركها نسيانا ، ومانعية ما لا يؤكل مرفوعة عند لبسه نسيانا.

المبحث الثالث : قد ظهر مما ذكرنا إمكان تصحيح العبادة الفاقدة لجزء أو شرط نسيانا أو إكراها أو اضطرارا بحديث الرفع كإمكان تصحيحها به فيما إذا اقترنت بمانع كذلك كالتكلم والتكتف في الصلاة ، وغموض ما في ما تقريرات المحقق النائيني قدس‌سره «من منع التمسك بحديث الرفع لتصحيح العبادة الفاقدة لجزء أو شرط تارة بعدم شمول الحديث للأمور العدمية ، لعدم محل لورود الرفع على الجزء والشرط المنسيين ، لخلوّ صفحة الوجود عنهما ، فيمتنع تعلق الرفع بهما ، لأن رفع المعدوم عبارة أخرى عن الوضع والجعل ، فرفع الجزء المتروك نسيانا هو وضعه ، وأثر وجود السورة هو الإجزاء والصحة وهذا وضع لا رفع.

وأخرى بأن المرفوع إذا كان أثر وجود الجزء المنسي وهو الإجزاء ، ففيه أولا : أنه أثر عقلي لا شرعي حتى يرفع بالحديث.

وثانيا : أنه ينتج عدم الاجزاء ، وهو مع كونه ضد المقصود خلاف الامتنان.

وثالثة بأنه ان أريد جريان الحديث في المركب الفاقد للجزء أو الشرط

٢١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

المنسي ، حيث انه أمر وجودي قابل لتوجه الرفع إليه ، ففيه أوّلا : أنه ليس هو المنسي ليتوجه إليه الرفع. وثانيا : أنه لا يجدي رفعه ، لأن رفع المركب الفاقد لا يثبت كونه هو المركب الواجد الّذي قصد إثباته بالحديث ، لأنه وضع لا رفع.

وان أريد جريانه في أثر الفاقد وهو الفساد ، ففيه : أنه أثر عقلي مترتب على عدم انطباق الواجد عليه ، فلا تناله يد الرفع التشريعي.

ورابعة بأنه لو كان المستند في صحة الصلاة الفاقدة لجزء أو شرط حديث الرفع كان اللازم صحة الصلاة بنسيان الجزء أو الشرط مطلقا وان كان ركنا ، لإطلاق الحديث وعدم تعرضه للتفصيل بين الأركان وغيرها.

ثم أيد ذلك بأنه لم يعهد من الفقهاء التمسك بحديث الرفع لصحة الصلاة وغيرها من سائر المركبات» انتهى ما في التقريرات ملخصا.

وقد عرفت مما ذكرناه ضعف هذه الوجوه ، لأن حديث الرفع سيق لبيان رفع آثار الشيء حين نسيانه مثلا ، فلو كان جزءا ونسي رفع أثره وهو جزئيته ، فالسورة ترفع جزئيتها للصلاة حين نسيانها ، فتمام المأمور به حينئذ هو ما عدا السورة من سائر الأجزاء على ما هو مقتضى أدلتها بعد ضمّ حديث الرفع إليها ، فيصح أن يقال : السورة المنسية مرفوعة جزئيتها للصلاة ، فوزان حديث الرفع وزان حديث «لا تعاد» في نفي دخل ما عدا الخمسة من الأجزاء والشرائط في الصلاة حال النسيان ، فكما لا تنزيل في حديث لا تعاد فكذلك لا تنزيل في حديث الرفع ، ومن المعلوم أن الجزئية ـ ولو بمنشإ انتزاعها ـ قابلة للرفع التشريعي حين عروض النسيان لمتعلقها كالسورة ، وكذا الشرطية ، فانها تقبل الرفع حين ترك موضوعها اضطرارا أو إكراها كالوقوف في عرفات في غير يوم عرفة

٢١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

تقية ، فشرط صحة الوقوف وهو وقوعه يوم عرفة قد ترك تقية ورفع لأجلها شرطيته ، فالوقوف في غير يوم عرفة يقع مأمورا به بعد سقوط شرطه المزبور بحديث الرفع ونحوه من الأدلة المذكورة في محلها ، فما ذكرناه في مباحث الحج مع العامة تقية في الجزء الثاني من هذا الشرح من الإشكال في جريان حديث الرفع في ترك الجزء أو الشرط ليس على ما ينبغي.

وبالجملة : فلا فرق في رفع النسيان وأخواته للآثار الشرعية بين عروضها للأمر الوجوديّ والعدمي ، والمرفوع هو الأحكام الشرعية المترتبة على الأشياء لعروض أحد هذه العناوين الثانوية عليها فعلا أو تركا ، فليس المرفوع في شيء منها الإجزاء حتى يقال : انه حكم عقلي أوّلا ، وأن رفعه خلاف الامتنان ثانيا.

وكذا ليس مجرى الحديث المركب الفاقد للجزء أو الشرط حتى يرد عليه أوّلا بعدم كونه هو المنسي. وثانيا بعدم إجرائه ، لكونه وضعا لا رفعا. وثالثا بأن أثر الفاقد وهو الفساد عقلي وليس بشرعي حتى يصح رفعه.

ومن جميع ما ذكرنا ظهر اندفاع الإشكال الرابع أيضا ، ضرورة أن حديث الرفع من الإطلاقات القابلة للتقييد كحديث «لا تعاد» الّذي قيد إطلاق عقده المستثنى منه بتكبيرة الإحرام والقيام المتصل بالركوع ، فإطلاق حديث الرفع الشامل للأركان يقيد أيضا بما دل على التفصيل بين الأركان وغيرها من حديث «لا تعاد» ونحوه.

وأما ما أفاده (قده) من أنه لم يعهد من الفقهاء التمسك بحديث الرفع لصحة الصلاة وغيرها ، ففيه : أن جماعة من الفقهاء تمسكوا به في مواضع

٢١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

كالسيد (قده) في الناصريات ، قال في كتاب الصلاة المسألة : ٩٤ في حكم التكلم في الصلاة : «الّذي يذهب إليه أصحابنا أن من تكلم متعمدا بطلت صلاته ، ومن تكلم ناسيا فلا إعادة عليه وانما يلزمه سجدة السهو ... دليلنا على أن كلام الناسي لا يبطل الصلاة بعد الإجماع المتقدم ما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله رفع عن أمتي النسيان وما استكرهوا عليه ، ولم يرد رفع الفعل ، لأن ذلك لا يرفع ، وانما أراد رفع الحكم ، وذلك عام في جميع الأحكام إلّا ما قام عليه دليل» فان قوله : «وذلك عام» يدل على عدم خصوصية للتكلم ناسيا ، ولا للفعل فلو ترك شيء نسيانا لم يقدح في صحة الصلاة.

وقريب منه كلام السيد أبي المكارم في الغنية ، حيث قال في كتاب الصلاة قبل الزكاة بأسطر فيما يوجب فواته الجبران بسجدة السهو من نسيان سجدة واحدة والتشهد ما لفظه : «ولمن تكلم بما لا يجوز مثله في الصلاة ناسيا ، كل ذلك بدليل الإجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط ، ويعارض من قال من المخالفين بأن كلام الساهي يبطل الصلاة بما روي من طرقهم من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : رفع عن أمتي الخطاء والنسيان وما استكرهوا عليه ، لأن المراد رفع الحكم لا رفع الفعل نفسه ، وذلك عام في جميع الأحكام إلّا ما خصه الدليل».

ونسب شيخنا الأعظم الأنصاري (قده) في طهارته صلى‌الله‌عليه‌وآله ١٥٩ إلى المحقق في المعتبر تمسكه بحديث الرفع لصحة صلاة ناسي النجاسة ، حيث قال الشيخ : «ولو فرض التكافؤ رجع إلى عموم قوله : لا تعاد الصلاة الا من خمسة ... إلى أن قال : بل وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله رفع عن أمتي الخطاء والنسيان ، بناء على شموله لنفي الإعادة كما يظهر من المحقق في المعتبر (١) في مسألة ناسي النجاسة»

__________________

(١) المعتبر ، ص ١٢٢.

٢٢٠