منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٥

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

واجب العمل على كل تقدير ، فيؤخذ به ويطرح الباقي للشك في حجيته. الثاني : كون بعض الظنون أقوى من بعض فتعين العمل عليه. الثالث : كون بعض الظنون مظنون الحجية ، فانه في مقام دوران الأمر بينه وبين غيره يكون أولى من غيره اما لكونه أقرب إلى الحجية من غيره ..... واما لكونه أقرب إلى إحراز مصلحة الواقع» انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علو مقامه ، ثم أخذ (قده) في مناقشة المرجحات الثلاثة بقوله : «لكن المسلم من هذه في الترجيح لا ينفع والّذي ينفع غير مسلم كونه مرجحا» فراجع كلامه. وأما المصنف فلم يتعرض للمرجح الأول هنا ، بل ذكر فيما تقدم ما يدل على ارتضائه له ، حيث قال عند بيان النتيجة بناء على الاحتمال الأول : «فلا إهمال فيها بحسب الأسباب ... لو لم يكن بينها ما هو المتيقن» وقال بناء على الاحتمال الثاني : «وإلّا فلا بد من الاقتصار على متيقن الاعتبار منها أو مظنونه» وقال بناء على الاحتمال الثالث : «لو لم يكن منها متيقن الاعتبار».

وأما المرجح الثاني فسيأتي الحديث عنه.

وأما المرجح الثالث وهو الّذي تعرض له المصنف هنا بقوله : «ان الظن باعتبار ظن ...» فقد ارتضاه بناء على أن تكون النتيجة نصب الطريق الواصل بنفسه. وحاصل ما أفاده فيه : حجية الظن الّذي قام على اعتباره ظن آخر ، وذلك لعدم احتمال نصب الشارع طريقا غيره بلا قرينة ، فلو لم يكن الظن المظنون الاعتبار حجة لزم أن لا تكون النتيجة هي الطريق الواصل بنفسه ، وهو خلاف الفرض ، فيحصل القطع باعتباره بالخصوص حينئذ بملاحظة دليل الانسداد وان احتمل عدم حجيته في نفسه مع الغض عنه ، وعليه فالظن بالاعتبار يوجب القطع بحجية ذلك الظن سواء كان غيره حجة أم لا. مثلا إذا تعددت الأسباب الموجبة للظن ،

٤١

اليقين باعتباره (١) من باب دليل الانسداد على تقرير الكشف بناء على كون النتيجة هو الطريق الواصل بنفسه ، فانه (٢) حينئذ (٣) يقطع بكونه حجة كان غيره (٤) حجة أولا ، واحتمال (٥) عدم حجيته بالخصوص (٦)

______________________________________________________

وحصل الظن باعتبار الظن الحاصل من خبر العدل المزكى بعدل واحد ، وقلنا بأن نتيجة دليل الانسداد حجية الطريق الواصل إلى المكلف ، فلا محالة يتعين هذا الظن الواصل دون غيره من الإجماع المنقول والشهرة مثلا.

(١) أي : اعتبار ظن بالخصوص ، و «من باب» متعلق بـ «باعتباره» (٢) الضمير للشأن ، وقوله : «بناء» قيد لـ «اليقين».

(٣) أي : حين كون النتيجة الطريق الواصل بنفسه.

(٤) هذا الضمير وضمير «بكونه» راجعان إلى ظن بالخصوص كخبر العدل.

(٥) إشارة إلى توهم ، وهو : أن الظن باعتبار بعض الظنون ـ كالظن الحاصل من خبر العدل ـ لا يصلح لأن يوجب القطع باعتباره دون سائر الظنون الحاصلة من أسباب أخر ، إذ المفروض أن الظن الخبري مثلا لم يكن بنفسه حجة لو لا دليل الانسداد ، لعدم تمامية أدلة حجية الخبر ، وإلّا لكان باب العلمي مفتوحا ، فدليل حجية الخبر ليس إلّا دليل الانسداد ، ومن المعلوم أن شأنه اعتبار الظن مطلقا من أي سبب حصل عدا ما نهي عنه كالقياس ، لا اعتبار خصوص الظن الخبري ، وعليه فقيام الظن على اعتبار بعض الظنون يكون بلا أثر ، ولا يوجب اختصاص الحجية بالمظنون اعتباره.

(٦) يعني : من باب الظن الخاصّ لا بدليل الانسداد.

٤٢

لا ينافى (١) القطع بحجيته بملاحظة (٢) الانسداد ، ضرورة (٣) أنه على الفرض (٤) لا يحتمل أن يكون غيره حجة (٥) بلا نصب قرينة ، ولكنه (٦) من المحتمل أن يكون هو الحجة دون غيره ، لما فيه (٧) من خصوصية الظن بالاعتبار (*).

______________________________________________________

(١) خبر «واحتمال» ودفع للتوهم ، توضيحه : أنه لا منافاة بين احتمال عدم حجيته بالخصوص وبين القطع بحجيته بملاحظة دليل الانسداد ، إذ المفروض أن هذا الفرد الخاصّ واجد لمزية لم تكن في سائر الافراد ، وهذه المزية ـ وهي الظن بالاعتبار ـ توجب اليقين باعتباره.

(٢) متعلق بـ «القطع» وضمير «بحجيته» راجع إلى «ظن بالخصوص».

(٣) تعليل لقوله : «لا ينافى» وحاصله : أنه مع فرض كون نتيجة دليل الانسداد نصب الطريق الواصل بنفسه لا يحتمل أن يكون غير الظن المظنون الاعتبار حجة بدون القرينة ، لكن يحتمل أن يكون مظنون الاعتبار حجة بدونها لخصوصية الظن باعتباره ، وضمير «أنه» للشأن.

(٤) وهو كشف دليل الانسداد عن الطريق الواصل بنفسه.

(٥) أي : لا يحتمل حجية غير هذا الظن الخبري مثلا بلا نصب قرينة أي دليل يخصِّص الحجية به ، لتساوي جميع الظنون في الحجية بدليل الانسداد ، وقبح الترجيح بلا مرجح.

(٦) الضمير للشأن ، وضميرا «هو ، غيره» راجعان إلى ظن بالخصوص.

(٧) تعليل لقوله : «ولكنه ...» وضمير «فيه» راجع إلى «ظن بالخصوص» و «من خصوصية» بيان للموصول.

__________________

(*) لا بد أن تكون تلك الخصوصية مما يصح الاعتماد عليه في تعيين الطريق المنصوب ، وإلّا كان كغيره من سائر الظنون ، وحيث ان المفروض كون النتيجة

٤٣

وبالجملة : الأمر يدور (١) بين حجية الكل وحجيته ، فيكون مقطوع الاعتبار.

ومن هنا (٢) ظهر حال القوة ، ولعل نظر من رجح بهما (٣) [بها] (*)

______________________________________________________

(١) يعني : يدور الأمر ـ بملاحظة دليل الانسداد ـ بين حجية جميع الظنون فيكون الظن المظنون الاعتبار حجة ، لكونه من جملتها ، وبين حجية خصوص الظن المظنون الاعتبار ـ دون سائر الظنون ـ لكونه ذا مزية وهي قيام الظن على اعتباره ، فبدليل الانسداد يكون الظن المظنون الاعتبار على كلا التقديرين مقطوع الاعتبار ، فالضمير المستتر في «فيكون» راجع إلى الظن المظنون اعتباره.

(٢) أي : ومن صيرورة ظن مقطوع الاعتبار لقيام ظن على اعتباره ظهر حال الترجيح بالقوة ، وصحة الاتكال عليها في تعيين الطريق ، وهذا هو المرجح الثاني في كلام الشيخ كما تقدم ، وحاصله : أنه إذا كان بعض الظنون أقوى من بعض كالظن الحاصل من الخبر بالنسبة إلى الشهرة الفتوائية مثلا أمكن الترجيح به كالترجيح بالظن بالاعتبار ، لصحة الاعتماد عليه في تعيين الطريق ، فيكون الظن القوي لاشتماله على خصوصية القوة متيقن الاعتبار ، وغيره مشكوك الاعتبار.

(٣) أي : بالقوة ، وبناء على تثنية الضمير ـ كما في بعض النسخ ـ فالضمير راجع إلى القوة والظن بالاعتبار ، وسيأتي أن الصحيح هو تثنية الضمير.

__________________

هي الطريق الواصل بنفسه فلا محيص عن وفاء الخصوصية بتعيين الحجة ، وإلّا لزم أن لا يكون واصلا بنفسه.

(*) الظاهر أن الصحيح تثنية الضمير حتى يكون الترجيح بكلا المرجحين

٤٤

إلى هذا الفرض (١) ، وكان منع شيخنا العلامة أعلى الله مقامه عن

______________________________________________________

(١) أي : فرض كون النتيجة الطريق الواصل بنفسه ، وهذا إشارة إلى ما وقع من الخلاف ـ في جواز الترجيح بكل من الظن بالاعتبار وبالقوة ـ بين المحقق القمي والفاضل النراقي وغيرهما المجوِّزين للترجيح بهما على ما نسب إليهم وبين شيخنا الأعظم المانع عن الترجيح بهما ، فانه (قده) بعد بيان المرجحات المتقدمة ناقش فيه ، فقال معترضا على الترجيح بالقوة : «أن ضبط مرتبة خاصة له متعسر أو متعذر ... إلى أن قال : مع أن كون القوة معيّنة للقضية المجملة محل منع ، إذ لا يستحيل أن يعتبر الشارع في حال الانسداد ظنا يكون أضعف من غيره كما هو المشاهد في الظنون الخاصة ، فانها ليست على الإطلاق أقوى من غيرها بالبديهة ... إلى أن قال : فلا يلزم من كون بعضها أقوى كونه هو المجعول ...» وقال معترضا على الترجيح بالظن بالاعتبار ما لفظه : «ان الترجيح على هذا الوجه يشبه الترجيح بالقوة والضعف في أن مداره على الأقرب إلى الواقع ، وحينئذ فإذا فرضنا كون الظن الّذي لم يظن بحجيته أقوى ظنا بمراتب من الظن الّذي ظن حجيته فليس بناء العقلاء على ترجيح الثاني ...» والمصنف (قده) يريد أن يجمع بين تجويز الترجيح والمنع عنه بجعل النزاع لفظيا ، بأن يقال : ان مراد الشيخ المانع من الترجيح هو عدم الترجيح فيما إذا كانت النتيجة الطريق الواصل ولو بطريقه ، أو حجية الطريق ولو لم يصل أصلا ، ومقصود المجوِّزين هو الترجيح به إذا كانت النتيجة الطريق الواصل بنفسه ، إذ لو لم يكن الظن بالاعتبار والقوة معيِّنين لما نصبه الشارع مع تقدم المظنون الاعتبار والظن القوي على غيره من الظنون لم يكن الطريق وأصلا بنفسه ، وهو خلاف الفرض.

__________________

ويتوجه منع شيخنا الأعظم عليهما لا على الظن بالاعتبار فقط كما جعله في بعض الحواشي. ويؤيد ما ذكرنا أن المصنف أفاد هذا الجمع والتوجيه في حاشيته على الرسائل بالنسبة إلى كل من الظن بالاعتبار والقوة ، فراجع الحاشية.

٤٥

الترجيح بهما (١) [بها] بناء على كون النتيجة هو الطريق الواصل ولو بطريقه أو الطريق ولو لم يصل أصلا ، وبذلك (٢) ربما يوفّق بين كلمات الاعلام (*) في المقام ، وعليك بالتأمل التام.

ثم لا يذهب عليك أن الترجيح بها (٣) انما هو على تقدير كفاية (٤)

______________________________________________________

(١) أي : بالظن بالاعتبار وبالقوة ، أو بالقوة بناء على النسخة الثانية.

(٢) أي : وبالتوجيه الّذي ذكرناه من احتمال اختلاف المباني ربما يوفّق ... إلخ. وقد عرفت توضيح التوجيه بقولنا : «والمصنف يريد أن يجمع بين تجويز الترجيح والمنع عنه بجعل النزاع لفظيا ... إلخ» وقد تحصل من مجموع ما أفاده المصنف : أن الترجيح بالظن بالاعتبار وبالقوة ان ثمّ فلازمه كون النتيجة معينة وهي جزئية ، إذ المفروض عدم حجية الظن الفاقد للمزية ، وان نوقش في الترجيح بهما ـ كما أفاده شيخنا الأعظم حيث ناقش في جميع المرجحات الثلاثة ـ كانت النتيجة كلية بمعنى حجية كل ظن ، وهذا هو المراد بالتعميم.

(٣) أي : بالقوة ، وكان الأولى تثنية الضمير حتى يرجع إلى كل من الظن بالاعتبار والقوة.

(٤) بحيث يجوز الرجوع في غير مورد الراجح إلى الأصول النافية للتكليف من دون محذور ، وأما على تقدير عدم كفاية الظن الراجح فلا بد من التعدي عنه إلى غيره ، فيكون عدم كفاية الظن الراجح معمّما للنتيجة وموجبا لحجية كل ظن ، وهذا معنى قوله : «وإلّا فلا بد من التعدي ... إلخ» وهذا أعني عدم كفاية

__________________

(*) لا يخفى وجاهة هذا التوجيه في نفسه ، لكن لا يساعده ظاهر كلماتهم ، فان نظر الشيخ المانع عن الترجيح إلى إثبات عموم النتيجة بإبطال الترجيح بالظن

٤٦

الراجح (*) ، وإلّا فلا بد من التعدي إلى غيره بمقدار (١) الكفاية ، فيختلف الحال باختلاف

______________________________________________________

ظن الراجح هو المعمم الثاني الّذي ذكره شيخنا الأعظم بقوله : «الثاني من طرق التعميم ما سلكه غير واحد من المعاصرين من عدم الكفاية ، حيث اعترفوا بعد تقسيم الظنون إلى مظنون الاعتبار ومشكوكه وموهومه بأن مقتضى القاعدة بعد إهمال النتيجة الاقتصار على مظنون الاعتبار ثم على المشكوك ثم التعدي إلى الموهوم ، لكن الظنون المظنونة الاعتبار غير كافية ... إلخ.»

(١) متعلق بـ «التعدي» وضمير «غيره» راجع إلى الراجح.

__________________

وهو مبني على كون النتيجة الكشف عن الطريق الواصل بنفسه ، إذ لا يلائم بطلان الترجيح بالظن مع استنتاج اعتبار الظن من دليل الانسداد إلّا مع البناء على كون النتيجة هي الطريق الواصل بنفسه ، فحمل كلامه على أن نتيجة الانسداد عنده هي الطريق الواصل بطريقه أو غير الواصل أجنبي عن مرامه.

وكذا كلام النراقي فانه ـ على ما قيل ـ ظاهر في أن مراده من الترجيح بالظن إجراء مقدمات الانسداد في تعيين الطريق ، ومن المعلوم أنه مبني على عدم كون النتيجة الكشف عن الطريق الواصل بنفسه ، فكيف يصح حمل كلامه على كون النتيجة الطريق الواصل بنفسه؟

وأما التوجيه المزبور بالنسبة إلى كلمات المحقق النقي فقيل انها تساعده ولا يحضرني عبارته حتى أراجعها.

(*) تخصيص الترجيح بكفاية الراجح غير سديد ، لما عرفت من أن الترجيح بذي المزية ثابت على كل حال سواء وفي بجميع الأحكام أم لا ، غايته

٤٧

الأنظار (١) بل الأحوال.

وأما تعميم النتيجة بأن قضية العلم (٢) الإجمالي بالطريق هو الاحتياط في أطرافه ، فهو (٣) لا يكاد يتم الا على تقدير كون النتيجة

______________________________________________________

(١) إذ ربما يكون الظن بالاعتبار الموجب للترجيح حاصلا بنظر شخص دون غيره ، أو الظن الراجح كافيا بنظر شخص دون نظر آخر ، بل يختلف ذلك باختلاف الأحوال أيضا ، بأن يكون شخص واحد يكفي عنده الظن الراجح بمعظم المسائل أو جميعها في حال ولا يكفي عنده في حال آخر ، أو يكون الظن راجحا في حال وغير راجح في حال آخر.

(٢) هذا هو الطريق الثالث من طرق تعميم النتيجة ، وقد ذكره شيخنا الأعظم بقوله : «الثالث من طرق التعميم ما ذكره بعض مشايخنا طاب ثراه من قاعدة الاشتغال بناء على أن الثابت من دليل الانسداد وجوب العمل بالظن في الجملة فإذا لم يكن قدر متيقن كاف في الفقه وجب العمل بكل ظن ...» وحاصله : أنه بناء على الكشف يكون مقتضى العلم الإجمالي بنصب الطريق هو الاحتياط في جميع الأطراف ، فالمعمّم هو العلم الإجمالي.

(٣) أي تعميم النتيجة. وهذا جواب «وأما» ورد للمعمم الثالث بوجهين : أحدهما ما أفاده هنا وفي حاشية الرسائل من اختصاص هذا المعمِّم بما إذا كانت النتيجة بناء على الكشف الطريق ولو لم يصل أصلا ، إذ لو كانت هي الطريق الواصل بنفسه كان الجميع حجة ، ولو كانت هي الطريق الواصل ولو بطريقه أمكن تعيينه بما تقدم من الترجيح بالظن بالاعتبار أو بالقوة ، فلا وجه للأخذ ٠ بالجميع من باب الاحتياط.

__________________

أنه مع عدم الوفاء لا بد من التعدي إلى غير ذي المزية بمقدار الكفاية ، فالأولى سوق العبارة هكذا : ان الترجيح بها متعين ، فان وفى فهو ، وإلّا فلا بد ...».

٤٨

هو نصب الطريق ولو لم يصل أصلا. مع أن التعميم بذلك (١) لا يوجب العمل إلّا على وفق المثبتات من الأطراف دون النافيات (٢) إلّا فيما كان هناك ناف من جميع الأصناف (٣) ، ضرورة (٤) أن الاحتياط فيها

______________________________________________________

(١) أي : بالعلم الإجمالي ، وهذا ثاني وجهي رد المعمم الثالث ، توضيحه : أن هذا التعميم لا يوجب العمل الا بالطرق المثبتة للتكليف ، لموافقتها للاحتياط ، ولا يقتضي العمل بالنافيات ، لأنها مع الشك في حجيتها لا تصلح للمؤمِّنية ، فلا يمكن الاعتماد عليها في رفع اليد عن الواقعيات ، إلّا إذا كان هناك ناف من جميع الأصناف ، كما إذا قام خبر العادل والإجماع المنقول وغيرهما على عدم وجوب الدعاء عند رؤية الهلال مثلا ، حيث ان الحجة قامت على نفي التكليف فتصلح للمؤمنية. وبهذا أجاب شيخنا الأعظم عن المعمِّم الثالث ، حيث قال : «ولكن فيه أن قاعدة الاشتغال في مسألة العمل بالظن معارضة في بعض الموارد بقاعدة الاشتغال في المسألة الفرعية ، كما إذا اقتضى الاحتياط في الفرع وجوب السورة وكان ظن مشكوك الاعتبار على عدم وجوبها ، فانه يجب مراعاة قاعدة الاحتياط في الفروع وقراءة السورة لاحتمال وجوبها ...».

(٢) إذ هي لا تقتضي الترك ولا تؤمِّن من العقوبة مع الشك في اعتبارها.

(٣) للعلم حينئذ بقيام الحجة على نفي التكليف ، فيحصل الأمن من تبعة التكليف.

(٤) هذا تعليل للمستثنى ـ أعني جواز العمل بالنافي إذا كان من جميع الأصناف ـ وتوضيحه : أنه انما جاز العمل بالنافي إذا كان من جميع الأصناف لأنه حينئذ حجة صالحة للمؤمنية كما تقدم ، ولا ينافي مع ذلك حسن الاحتياط بالفعل حتى يتوهم أن الحجة المثبتة للتكليف مقدمة في هذا الفرض أعني قيام الحجة على نفيه أيضا نظرا إلى موافقتها للاحتياط.

٤٩

لا يقتضي رفع اليد عن الاحتياط في المسألة الفرعية إذا (١) لزم ، حيث (٢) لا ينافيه ،

______________________________________________________

وجه عدم المنافاة : أن النافي ليس مقتضيا للعمل به حتى يكون مزاحما للاحتياط في المسألة الفرعية من باب تزاحم المقتضيين حتى يقدم الاحتياط في المسألة الفقهية يقتضي الفعل ، والاحتياط في المسألة الأصولية يقتضي الترك ، فيتزاحم المقتضيان ويقدم الأول أعني الاحتياط في المسألة الفقهية. وجه عدم المزاحمة ما عرفت من أن الحجة النافية لا ترفع حسن الاحتياط بالفعل ، كما إذا قامت أمارة معتبرة على عدم وجوب السورة في الصلاة ، فانها لا تزاحم حسن الاحتياط بفعلها ، إذ موضوع الاحتياط هو احتمال المطلوبية ، وهو باق في صورة قيام معلوم الحجة على نفي التكليف فضلا عن مشكوكها ، وحيث كانت مطلوبية الاحتياط بالفعل باقية حتى بعد قيام الحجة النافية التكليف جاز العمل بالنافية مع بقاء حسن العمل بالمثبتة أيضا.

(١) ظرف للاحتياط في المسألة الفرعية ، والضمير المستتر في «لزم» راجع إلى الاحتياط ، وضمير «فيها» إلى النافيات ، يعني : أنه إذا كان التكليف الإلزامي محتملا في المسألة الفرعية لزم الاحتياط فيها وان قام مشكوك الاعتبار على نفيه ، كما إذا قلنا بوجوب الاحتياط في الأقل والأكثر الارتباطيين على ما هو مذهب جمع. ووجه عدم اقتضاء النافيات رفع اليد عن الاحتياط في المسألة الفرعية ما عرفته من أن النافيات لا تقتضي الترك ولا الأمن من العقوبة.

(٢) تعليل لقوله : «لا يقتضي» والأولى دفعا لاحتمال كونه ظرفا إبداله بـ «لأنه لا ينافيه» يعني : أن النافي للتكليف لا ينافي الاحتياط في المسألة الفرعية كما عرفت توضيحه.

٥٠

كيف (١)؟ ويجوز الاحتياط فيها مع قيام الحجة النافية كما لا يخفى ، فما ظنك بما لا يجب الأخذ بموجبة (٢) إلّا من باب الاحتياط ، فافهم (٣).

______________________________________________________

(١) أي : كيف ينافي مشكوك الاعتبار الاحتياط في المسألة الفرعية؟ والحال أن النافي المعلوم الاعتبار لا ينافي الاحتياط في المسألة الفرعية ، فغرضه من قوله : «كيف» هو أن مشكوك الحجية ليس بأقوى من معلوم الحجية ، فكما أن معلوم الاعتبار لا ينافي حسن الاحتياط بالفعل ، فكذلك مشكوك الاعتبار لا ينافيه بطريق أولى. وضمير «فيها» راجع إلى المسألة الفرعية.

(٢) بفتح الجيم أي : مقتضاه ، وضميره راجع إلى الموصول في «بما» المراد به النافي ، وحاصله : أنه إذا جاز الاحتياط مع قيام الحجة على نفي التكليف فكيف لا يجوز مع ما لا يجب الأخذ بمقتضاه إلّا من باب الاحتياط لكونه مشكوك الاعتبار؟

(٣) لعله إشارة إلى ضعف الجواب الثاني ، لأن دليل الانسداد يقتضي حجية الطرق المثبتة للأحكام على ما هو مقتضى العلم الإجمالي بثبوت الأحكام في الشريعة المقدسة ، وليس حجية الطرق النافية للتكليف نتيجة له حتى يتم ما ذكر في الجواب الثاني ، فالعمدة في الجواب عن المعمِّم الثالث هو الوجه الأول.

٥١

فصل (١)

قد اشتهر الإشكال

______________________________________________________

إشكال خروج القياس من عموم النتيجة

(١) الغرض من عقد هذا الفصل بيان وجه خروج الظن الحاصل من القياس عن عموم حجية الظن بدليل الانسداد بناء على الحكومة ، إذ لا إشكال في خروجه بناء على الكشف ، إذ المفروض أن حجية الظن حينئذ تكون بجعل الشارع ، فله إثبات الحجية لبعض الظنون ونفيها عن الآخر حسبما تقتضيه المصلحة في نظره ، وعليه فالعقل لا يستكشف حينئذ عن حجية ظن نهى الشارع عنه كالقياس في كثير من الروايات الصادرة عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، فلا يكون الظن القياسي طريقا منصوبا من قِبَل الشارع لا ثبات الأحكام أو نفيها ، بل الحجة هو ما عداه من الظنون ، وهذا بلا فرق بين كون النتيجة كلية من أول الأمر ثم تخصص بأدلة النهي عن القياس ، وبين إهمالها ثم تعيينها في الظنون ذات المزية أو تعميمها بأحد أنحاء التعميم.

وأصل هذا الإشكال من المحدث الأمين الأسترآبادي ـ على ما حكي ـ أورده على الأصوليين القائلين باعتبار الظن. وقد عقد شيخنا الأعظم (قده) ثالث المقامات من التنبيه الثاني للبحث عنه ، فقال (قده) : «المقام الثالث في أنه إذا بني على تعميم الظن ، فان كان التعميم على تقرير الكشف ... فلا إشكال من جهة العلم بخروج القياس عن هذا العموم ، لعدم جريان المعمم فيه بعد وجود الدليل على

٥٢

بالقطع (١) بخروج القياس عن عموم نتيجة دليل الانسداد بتقرير الحكومة ، وتقريره (٢) على ما في الرسائل : «أنه كيف يجامع

______________________________________________________

حرمة العمل به ... وأما على تقرير الحكومة ، فيشكل توجيه خروج القياس وكيف يجامع ...» إلى آخر ما نقله عنه في المتن.

(١) متعلق بالإشكال ، والباء للسببية ، يعني : أن الإشكال ينشأ من القطع بخروج القياس عن عموم النتيجة.

(٢) المستفاد من هذا التقرير أمور : الأول : استقلال العقل بكون الظن في حال الانسداد كالقطع ـ في حال الانفتاح ـ مناطا للإطاعة والمعصية.

الثاني : عدم قابلية الحكم العقلي للتخصيص.

الثالث : إفادة القياس للظن بالحكم.

الرابع : منع الشارع عن العمل بالظن القياسي.

الخامس : أن إحراز عدم صدور الممكن بالذات عن الحكيم منحصر في صيرورته ممتنعا بالغير ، وإلّا فلا دافع لاحتمال صدوره عنه ، وذلك في التشريعيات كتشريع التكاليف الحرجية والضررية مثلا ، فانه ممكن بالذات ، ولا دافع لاحتمال صدوره منه تعالى إلّا قبحه بسبب منافاته لحكمته تبارك وتعالى ، وفي التكوينيات كمؤاخذة من لا ذنب له من العباد ، فانها ممكنة بالذات في حقه تعالى ، ولا دافع لاحتمال صدورها منه عزوجل إلّا قبحها الموجب لامتناع صدوره منه تعالى.

السادس : أنه لو جاز المنع عن العمل بالظن القياسي لجاز المنع عن العمل بسائر الظنون ، فلا يستقل العقل حينئذ بالعمل بالظن ، لاحتمال النهي عن غيره من الظنون أيضا.

إذا عرفت هذه الأمور عرفت تقريب الإشكال في خروج القياس عن عموم نتيجة دليل الانسداد بناء على الحكومة ، وتوضيحه : أنه مع استقلال العقل بكون الظن كالعلم مناطا للامتثال والعصيان كيف يمكن منع الشارع عن بعض أفراد

٥٣

حكم العقل (١) بكون الظن كالعلم مناطا للإطاعة والمعصية ويقبح (٢) على الآمر والمأمور التعدي عنه (٣)

______________________________________________________

الظن ـ وهو القياس ـ مع أن الحكم العقلي لا يقبل التخصيص ، ولو صحّ هذا المنع من الشارع لتطرق احتمال المنع في سائر الظنون ، ومع قيام هذا الاحتمال لا يستقل العقل بحجية الظن أصلا ، وهو خلاف ما فرضناه من استقلال العقل باعتبار الظن حال الانسداد.

والحاصل : أن خروج القياس عن عموم نتيجة المقدمات ينافي استقلال العقل بحجية الظن مطلقا حال الانسداد ، وقد فرضنا استقلاله بها كذلك. قال المنصف في حاشية الرسائل في توضيح الإشكال ما لفظه : «فالمنع عن اتباع مثل القياس في هذا الحال مع حصول الظن منه أو الاطمئنان لا يخلو اما يكون مع عدم تحقق ما هو ملاك حكم العقل فيه ، واما يكون مع تحققه ، والأول مستلزم لعدم كون الانكشاف الظني أو الاطمئناني مناطا ، وهو خلف ، وإلّا فلا وجه لاستقلال العقل بذلك في سائر أفرادهما ، والثاني مستلزم لانفكاك المعلول عن علته التامة ، وفسادهما بيّن».

(١) هذا إشارة إلى الأمر الأول من الأمور الستة المزبورة.

(٢) الظاهر أنه معطوف على «كون» في قوله : «بكون الظن ... إلخ» يعني : كيف يجامع حكم العقل بكون الظن كالعلم وبقبح التعدي عنه على الآمر والمأمور؟ والعبارة لا تخلو عن حزازة ، فالأولى أن يقال : «كيف يجامع حكم العقل بكون الظن كالعلم مناطا للإطاعة وبقبح التعدي عنه على الآمر والمأمور مع حصول الظن أو خصوص الاطمئنان من القياس وعدم تجويز الشارع العمل به» ويحتمل ضعيفا كون الواو في «ويقبح» للحال.

(٣) أي : عن الظن ، فلا يجوز للآمر ـ وهو الشارع ـ مطالبة العبد بأكثر

٥٤

ومع ذلك (١) يحصل الظن أو خصوص الاطمئنان من القياس ، ولا يجوز (٢) الشارع العمل به؟ فان (٣) المنع عن العمل بما يقتضيه العقل من الظن أو خصوص الاطمئنان لو فرض ممكنا جرى (٤) في غير القياس ، فلا يكون (٥) العقل مستقلا ، إذ (٦) لعله نهى عن أمارة مثل ما نهى عن القياس واختفي علينا ، ولا دافع لهذا الاحتمال

______________________________________________________

من الإطاعة الظنية ، كما لا يجوز للمأمور الاقتصار بما دونها من الإطاعة الشكية والوهمية.

(١) أي : ومع كون الظن مناطا للإطاعة والمعصية ، وهذا إشارة إلى الأمر الثالث.

(٢) إشارة إلى الأمر الرابع ، وهذه الجملة في موضع المفعول لقوله : «كيف يجامع» فالأولى أن يقال : «كيف يجتمع حكم العقل ... مع نهي الشارع عن العمل به ...»

(٣) إشارة إلى الأمر السادس ، وتعليل للإنكار المستفاد من قوله : «كيف يجامع حكم العقل» وبيان للمحذور المترتب على نهي الشارع ، يعني : لا يجتمع حكم العقل بكون الظن مناطا للإطاعة والمعصية مع نهي الشارع عنه ، لأن المنع عن العمل بما يقتضيه العقل .... إلخ.

(٤) جواب «لو فرض» وجملة الشرط وجوابها خبر «فان المنع» أي : فان المنع عن العمل بالقياس لو فرض ممكنا لجرى في غير القياس أيضا ، ومقتضى جريانه عدم استقلال العقل بحجية الظن ، وهو خلاف الفرض.

(٥) هذا نتيجة جواز المنع عن العمل بظن خاص كالقياس.

(٦) تعليل لعدم استقلال العقل بحجية الظن مطلقا فيما إذا جاز النهي عن العمل ببعض أفراده كالقياس ، وضمير «لعله» راجع إلى الشارع ، والضمير في «اختفى» راجع إلى النهي عن أمارة.

٥٥

إلّا قبح ذلك (١) على الشارع ، إذ (٢) احتمال صدور ممكن بالذات عن الحكيم لا يرتفع إلّا بقبحه ، وهذا (٣) من أفراد ما اشتهر من أن الدليل العقلي لا يقبل التخصيص» انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علو مقامه.

وأنت خبير بأنه لا وقع لهذا الإشكال (٤) بعد وضوح كون حكم

______________________________________________________

(١) هذا إشارة إلى الأمر الخامس ، أي : ولا دافع لاحتمال نهي الشارع عن أمارة مثل ما نهى عن القياس إلّا قبح النهي عليه الموجب لامتناعه.

(٢) تعليل لانحصار دافع احتمال النهي في قبحه على الشارع ، لأنه الموجب لامتناعه.

(٣) إشارة إلى الأمر الثاني ، يعني : وحكم العقل بحجية الظن في حال الانسداد على الحكومة من أفراد القاعدة الكلية وهي : أن الحكم العقلي غير قابل للتخصيص.

(٤) أي : إشكال خروج القياس عن حجية مطلق الظن بتقرير الحكومة ، وتوضيح ما أفاده في دفع الإشكال : أن خروج الظن القياسي شرعا لا ينافي استقلال العقل بالحكم بحجية الظن ، وذلك لأن للعقل حكمين : أحدهما تنجيزي ، والآخر تعليقي ، وهو ما يكون منوطا بعدم نهي الشارع عن ظن بالخصوص ، فلو نهي الشارع عن العمل به لم يبق موضوع لحكم العقل بحجية مطلق الظن فينتفي حكمه حينئذ من باب السالبة بانتفاء الموضوع لا أن موضوع حكمه باق مع ارتفاع حكمه حتى يكون تخصيصا في حكم العقل ، ومن المعلوم أن المنافاة تكون في الحكم التنجيزي دون التعليقي ، لأن حكم العقل في كيفية الإطاعة لمّا كان لأجل تحصيل الأمن من تبعات تكاليف الشارع فهو معلق على عدم حكم الشارع نصبا وردعا ، فإذا أمر بالعمل بطريق لا يفيد الظن

٥٦

العقل بذلك (١) معلّقا على عدم نصب الشارع طريقا وأصلا ، وعدم (٢) حكمه به فيما كان (٣) هناك منصوب ولو كان أصلا (*) بداهة (٤) أن من مقدمات حكمه عدم وجود علم ولا علمي ، فلا موضع لحكمه مع (٥) أحدهما. والنهي (٦) عن ظن حاصل من سبب

______________________________________________________

فلا إشكال في عدم حكم العقل بقبح الأخذ به مع حكمه بالقبح في صورة عدم أمر الشارع به ، فكما يكون حكم العقل معلقا على عدم نصب الشارع فكذلك يكون معلقا على عدم ردعه عن ظن ، فلا منافاة بين خروج بعض الظنون ـ لنهي الشارع عنه ـ وبين استقلال العقل باعتبار الظن في حال الانسداد.

هذا توضيح ما أفاده المصنف هنا ، وبه أجاب عن الإشكال في حاشية الرسائل فقال : «وخلاصة المقال في حل الإشكال أن يقال : ان حكم العقل بلزوم اتباع الظن في هذا الحال ليس إلّا على نحو التعليق بعدم المنع عنه شرعا ، فلا مجال له مع المنع ، لعدم مناطه وملاكه ...».

(١) أي : باعتبار الظن بدليل الانسداد.

(٢) معطوف على «كون حكم العقل» وضمير «حكمه» راجع إلى العقل وضمير «به» إلى اعتبار الظن المراد من اسم الإشارة وهو «بذلك».

(٣) أي : وجد ، فـ «كان» هنا تامة ، يعني : وبعد وضوح عدم حكم العقل باعتبار الظن في صورة نصب الشارع طريقا ولو كان ذلك الطريق أصلا.

(٤) تعليل لكون حكم العقل باعتبار الظن حال الانسداد تعليقيا ، وقد عرفت توضيحه.

(٥) أي : فلا موضع لحكم العقل بحجية الظن مع وجود العلم أو العلمي.

(٦) يعني : أن حكم العقل معلق على عدم الردع كتعليقه على عدم النصب.

__________________

(*) لا يخلو من مسامحة ، لعدم كون الأصل طريقا ، ولذا تكفلت المقدمة

٥٧

ليس (١) إلّا كنصب شيء ، بل هو يستلزمه (٢) (*) فيما كان

______________________________________________________

وهذا إشارة إلى وهم ودفعه ، توضيح الوهم : أن تعليق حكم العقل بحجية الظن على عدم نصب الشارع طريقا في محله ، حيث ان النصب يهدم انسداد باب العلمي الّذي هو من مقدمات دليل الانسداد ويوجب انفتاحه ، وأما تعليقه على عدم نهي الشارع عن العمل بظن كالقياس ، فلا مجال له ، لأنه ليس كنصب الطريق موجبا لانفتاح باب العلمي حتى يصح تعليق حكم العقل عليه.

(١) هذا خبر «والنهي» ودفع للوهم ، وتوضيحه : أن النهي عن ظن ناش عن سبب خاص كالقياس ليس إلّا كنصب طريق ، حيث انه بعد النهي عنه لا يصلح لأن يقع به الامتثال ، فلا يكون مؤمِّنا ، بل يمكن أن يقال : ان النهي عن ظن يستلزم نصب طريق لامتثال الحكم الواقعي حتى لا تفوت مصلحته ، فعليه يكون النهي عن ظن كنصب طريق في إناطة حكم العقل بحجية الظن بعدمه.

(٢) أي : بل النهي عن ظن يستلزم نصب طريق ، فضمير «هو» راجع إلى النهي ، والضمير المتصل إلى «نصب».

__________________

الرابعة لنفيه ، والمقدمة الثانية لنفي الطريق ، فلو قال «كان هناك حجة» سلم من الإشكال.

(*) لم يظهر وجه لهذا الاستلزام بعد كون إطلاق دليل ذلك الأصل شاملا لمورد النهي ، فان النهي عن القياس مثلا لا يدل بشيء من أنحاء الدلالة الالتزامية على نصب طريق أو جعل أصل في مورده. ولعل مراده باستلزام النهي بقاء الأصل المجعول في مورد النهي على حاله ، لا أن النهي يستلزم تشريع أصل في مورده. لكن فيه : أن جريانه منوط بعدم مانع من معارض أو خروج عن الدين مثلا ، ومجرد النهي في مورده لا يكفي في جريانه.

٥٨

في مورده (١) أصل شرعي ، فلا يكون (٢) نهيه عنه رفعا لحكمه عن موضوعه ، بل به (٣) يرتفع موضوعه. وليس حال النهي عن سبب مفيد للظن إلّا كالأمر (٤) بما لا يفيده ، وكما لا حكومة معه للعقل لا حكومة [لا حكم] له (٥) معه ،

______________________________________________________

(١) الضمير راجع إلى الموصول في «فيما» المراد به الواقعة التي ليست من دوران الأمر بين المحذورين ، وأما فيه فلا أصل شرعي ، لأنه فاعل تكوينا أو تارك كذلك.

(٢) هذا نتيجة ما أفاده من أن حكم العقل بحجية الظن تعليقي ، يعني : بعد ما كان حكمه معلقا على ما ذكر فلو نهى الشارع عن بعض الظنون لم يكن ذلك رافعا لحكم العقل عن موضوعه حتى يستشكل فيه بعدم تعقل التخصيص في الأحكام العقلية ، بل يكون رافعا لموضوع حكمه ، فضمير «نهيه» راجع إلى الشارع ، وضمير «عنه» إلى الظن الحاصل من القياس مثلا ، وضمير «لحكمه» راجع إلى العقل ، وضمير «موضوعه» إلى «حكمه».

(٣) أي : بل بالنهي الشرعي يرتفع موضوع حكم العقل ، فيكون تخصصا لا تخصيصا حتى يكون محالا.

(٤) خبر «وليس» والضمير البارز في «لا يفيده» راجع إلى الظن ، والمستتر راجع إلى الموصول في «بما» المراد به السبب والطريق ، يعني : أنه لا فرق في عدم استقلال العقل في الحكم ـ لعدم بقاء موضوع حكمه ـ بين الأمر بشيء لا يفيد الظن كالأمر باتباع خبر العادل غير المفيد للظن فضلا عن الاطمئنان ، وبين النهي عما يفيد الظن كالقياس ، لما عرفت من كون حكم العقل في باب الإطاعة معلقا على عدم نهي الشارع عن طريق مخصوص إلى الإطاعة وإلّا سقط ذلك الطريق عن الحجية العقلية.

(٥) أي : للعقل مع نهي الشارع ، وضمير «معه» المتقدم راجع إلى الأمر

٥٩

وكما لا يصح بلحاظ حكمه الإشكال فيه (١) لا يصح الإشكال فيه بلحاظه.

نعم (٢) لا بأس بالإشكال فيه

______________________________________________________

يعني : كما أنه ليس للعقل الحكم بعدم حجية ما لا يفيد الظن إذا أمر الشارع باتباعه ، كذلك ليس له الحكم بحجية ما يفيد الظن إذا نهى الشارع عن اتباعه.

(١) أي : في الأمر بما لا يفيد الظن ، وضمير «حكمه» راجع إلى العقل وضمير «بلحاظه» إلى حكم العقل بحجية الظن ، وضمير «فيه» الثاني إلى النهي عن سبب مفيد للظن ، والمعنى واضح.

(٢) استدراك على قوله : «وأنت خبير بأنه لا وقع لهذا الإشكال» وغرضه أن الإشكال في النهي عن القياس يكون من جهتين :

الأولى : من جهة حكم العقل بالإطاعة الظنية ، وقد تقدم دفعه.

الثانية : من جهة نفس نهي الشارع عن العمل بالظن الحاصل من القياس ، إذ لو فرض اصابته للواقع لم يصح النهي عنه ، لأنه موجب لفوات الواقع ، توضيح ذلك : أنه إذا قام ظن قياسي على وجوب شيء أو حرمته وكان مصيبا للواقع ، فالنهي عن العمل به يستلزم المحذور الملاكي من فوات المصلحة أو الوقوع في المفسدة والمحذور الخطابي ، لكونه واجبا بحسب الواقع ، وحراما بسبب النهي عنه ، فكما أن الأمر بالطريق غير المصيب مستلزم لترتب المحاذير المذكورة عليه ، فكذلك النهي عن الطريق المصيب ـ وهو هنا القياس ـ مستلزم لترتب تلك المحاذير ، نعم لا يترتب شيء منها على القياس المخطئ ، كما إذا أفاد القياس الظن بوجوب صلاة الجمعة مثلا وكان مخطئا ، فان مقتضى النهي عن القياس هو حرمة البناء على وجوب صلاة الجمعة ، والمفروض عدم وجوبها أيضا.

هذا كله فيما عدا اجتماع المثلين من المحاذير الخطابية ، وأما هو في الأمر

٦٠