منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٥

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٢٧

أصلا سببا وموردا ومرتبة (١) ، لعدم تطرق الإهمال و [أو] الإجمال في حكم العقل ، كما لا يخفى.

أما بحسب الأسباب فلا تفاوت بنظره فيها (٢).

وأما بحسب الموارد (٣) ، فيمكن أن يقال بعدم استقلاله بكفاية الإطاعة الظنية الا فيما ليس للشارع مزيد اهتمام فيه بفعل الواجب وترك الحرام ، واستقلاله (٤) بوجوب الاحتياط فيما فيه مزيد الاهتمام كما في الفروج والدماء ، بل (٥) وسائر حقوق الناس مما لا يلزم من الاحتياط فيها العسر.

______________________________________________________

(١) قوله : «سببا ، موردا ، مرتبة» بيان لقوله : «أصلا» و «لعدم» تعليل لعدم الإهمال ، وقد مر توضيحه بقولنا : إذ الإهمال في النتيجة يكون في صورة الشك ... إلخ.

(٢) أي : فلا تفاوت بنظر العقل بين الأسباب ، فكل من الظن الاطمئناني الحاصل من خبر العدل ، والقوي الحاصل من خبر الثقة ، والضعيف الناشئ من الشهرة الفتوائية حجة بحكم العقل ـ في حال الانسداد ـ بوزان واحد ، وضمير «فيها» راجع إلى الأسباب.

(٣) تقدم توضيحه بقولنا : وأما عدم الإهمال بحسب الموارد ... إلخ.

(٤) عطف على «عدم» في قوله : «بعدم» يعني : فيمكن أن يقال باستقلال العقل بوجوب الاحتياط ، وضمير «فيه» في الموضعين راجع إلى الموصول في «فيما» في الموضعين أيضا المراد به المورد.

(٥) اضراب عن استقلال العقل بوجوب الاحتياط في الفردين إلى استقلاله بوجوبه في الفرد الخفي أيضا مما يمكن القول بوجوب الاحتياط فيها ما لم

٢١

وأما بحسب المرتبة فكذلك (١) لا يستقل إلّا بلزوم التنزل إلى [الا بكفاية] مرتبة الاطمئنان من الظن إلّا على تقدير عدم كفايتها في دفع محذور العسر (٢).

______________________________________________________

يوجب عسرا أو حرجا ، وأما في الموارد الثلاثة فيجب فيها الاحتياط مطلقا من غير تقييد بعدم استلزامه للحرج.

(١) أي : فكالموارد فيما ذكرناه من التفصيل بين الظن الاطمئناني وغيره على ما تقدم توضيحه.

(٢) هذا مبني على كون النتيجة التبعيض في الاحتياط ، بأن يقال : ان مقتضى العلم الإجمالي بالاحكام هو الاحتياط التام ، لكنه ـ لإخلاله بالنظام ، أو لإيجابه للعسر والحرج ـ يرفع اليد عنه ، ويقتصر فيه على المقدار غير الموجب للعسر ، فان ارتفع العسر برفع اليد عن الاحتياط في موهومات التكليف فقط اقتصر عليه ، ووجب الاحتياط في غيرها من المظنونات والمشكوكات ، بل إذا ارتفع العسر بتركه في بعض موهومات التكليف ـ وان كان مما ظنّ اطمئنانا عدم التكليف فيه ـ اقتصر عليه ، ووجب الاحتياط في البعض الآخر من موهومات التكليف وان كان من المظنون اطمئنانا عدم التكليف فيه.

وبالجملة : لا بد في رفع اليد عن الاحتياط التام من الاقتصار على ما يرتفع به محذور الاختلال أو العسر ، وهذا هو المراد بقوله : «في دفع محذور العسر» (*).

__________________

(*) لكن الّذي ينبغي أن يقال بناء على مبنى المصنف ـ وهو الحكومة ـ : ان المنجز لما كان هو العلم بالاهتمام أو الإجماع ، لسقوط العلم الإجمالي ـ بسب استلزام الاحتياط العقلي للاختلال أو العسر ـ عن التأثير ، فالتعميم والتخصيص من حيث المرتبة والسبب والمورد تابعان للعلم بالاهتمام والإجماع

٢٢

وأما على تقرير الكشف (١) ، فلو قيل بكون النتيجة هو نصب

______________________________________________________

التفصيل في إهمال النتيجة وتعيينها على الكشف

(١) لما كان معنى حجية الظن على الكشف هو نصب الشارع الظن ـ حال الانسداد ـ طريقا ، فالوجوه المتصورة في نصب الطريق الظني ثلاثة :

الأول : أن يستكشف بمقدمات الانسداد أن المنصوب هو الطريق الواصل بنفسه ، بمعنى كون المقدمات الجارية في الأحكام موجبة للعلم بجعل الشارع طريقا معينا وأصلا بنفسه ، فلا حاجة في تعيين ذلك الطريق إلى غير المقدمات الجارية في نفس الأحكام ، وعليه فالطريق الظني الّذي يكشف عنه دليل الانسداد هو كل ما يورث الظن بالحكم مما وصل بنفسه إلى المكلف إذا لم يكن بعض أفراده متيقن الاعتبار بالنسبة إلى بعضها الآخر ، فيكون مثل هذا الظن حجة مطلقا يعني سواء حصل من الخبر الصحيح أم الموثق أم الحسن أم الضعيف المنجبر بعمل المشهور أم الإجماع المنقول أم غيرها ، فلو كان بينها تفاوت فالواصل إلى المكلف هو الظن الحاصل من ذلك السبب الخاصّ كخبر العدل الإمامي دون غيره ، لتعلق غرض الشارع

__________________

ففي كل مورد ثبت وجوب الاحتياط فيه شرعا لذلك أي للإجماع أو للعلم بالاهتمام وجب فيه الاحتياط عقلا ، لعدم وصول النوبة إلى الظن مع التمكن منه ، وكل مورد لم يثبت فيه الاحتياط الشرعي ـ لعدم الإجماع ولا العلم بالاهتمام ـ لم يجب فيه الاحتياط عقلا ، فلا مجال للترجيح بالمرتبة ولا بمزيد الاهتمام على مبنى الحكومة ، إلّا إذا كان المقدار الّذي قام الإجماع على وجوب الاحتياط فيه بمقدار لم يمكن فيه الاحتياط التام لا خلاله بالنظام ، أو كان حرجيا ، فيرجع حينئذ إلى الترجيح بالمرتبة ومزيد الاهتمام ، فتدبر جيدا.

٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

بوصول الطريق إليه وتعينه لديه ، فلو لم تكن هذه المزية موجبة لتعينه لزم نقض الغرض. وسيأتي لازم هذا الوجه من إهمال النتيجة أو تعينها.

الثاني : أن يستكشف بمقدمات الانسداد أن المنصوب هو الطريق الواصل ولو بطريقه ، بمعنى كون المقدمات موجبة للعلم بنصب الشارع طريقا معينا إلى الأحكام ولو فرض تعينه لنا بغير هذه المقدمات مما يوجب العلم بطريقيته وتعينه كإجراء مقدمات الانسداد مرة ثانية في نفس الطريق للكشف عنه ، بأن يقال : ان مطلق الظن صار حجة بدليل الانسداد ، ولم يعلم رضى الشارع بخصوص طريق دون آخر ، والاحتياط في الطرق باطل ، وترجيح المرجوح على الراجح قبيح ، ويستكشف منها حينئذ نصب طريق خاص. والفرق بين الانسداد الكبير الجاري في نفس الأحكام وبين الجاري في الطرق هو : أن الأول يثبت رضى الشارع بتحصيل المكلف الظن بالحكم الشرعي ، وأن الحجة عنده طبيعة الظن بلا نظر إلى الخصوصيات ، وأما الثاني فيتكفل تعين تلك الطرق الظنية التي اقتضتها مقدمات الانسداد الجارية في الأحكام.

وبالجملة : فالمنصوب على هذا الوجه هو ما عينته المقدمات ولو بإجرائها مرة ثانية ، وسيأتي لازم هذا الوجه أيضا من إهمال النتيجة أو تعينها.

الثالث : أن يستكشف بالمقدمات نصب طريق إلى الأحكام واقعا بمعنى كون المقدمات موجبة للعلم بنصب الشارع طريقا إلى الأحكام ولو لم يصل إلينا ولم يتعين لنا لا بنفسه ولا بطريق يؤدي إليه كانسداد آخر جار في نفس الطريق. وعليه فالثابت بمقدمات الانسداد هو حجية ظن بنحو الفرد المنتشر بين الظنون مع فرض عدم سبيل إلى إحراز اعتبار واحد منها بالخصوص ـ كالمستفاد من خبر الثقة مثلا ـ مع فرض اختلافها قوة وضعفا. وسيأتي لازم هذا الوجه أيضا.

٢٤

الطريق الواصل بنفسه ، فلا إهمال فيها (١)

______________________________________________________

(١) أي : في النتيجة ، وهذا شروع في بيان لازم الوجه الأول ، وحاصله : أنه ـ بناء على كون نتيجة مقدمات الانسداد على الكشف هو نصب الطريق الواصل بنفسه ـ لا إهمال فيها بحسب الأسباب ، فالنتيجة حينئذ معينة ، وهي اما كلية يعني أن الظن حجة من أي سبب حصل ، واما جزئية ، وذلك لأنه ان كان بين الأسباب ما هو متيقن الاعتبار كخبر العادل المزكى بعدلين مثلا وكان وافيا بمعظم الفقه فهو حجة معينا دون سائر الظنون. أما أن المتيقن الاعتبار حجة معينا فلفرض أقوائية سببه من سائر الأسباب المفيدة للظن الموجبة لتيقن اعتباره ، وأما أن غيره ـ مما لم يتيقن باعتباره من سائر الظنون ـ لا يكون بحجة ، فلعدم المجال لاستكشاف حجية غير المتيقن الاعتبار بعد فرض أن الحجة هو خصوص الطريق الواصل بنفسه ، وأنه المتيقن اعتباره دون غيره.

وان لم يكن بين الأسباب ما هو متيقن الاعتبار ، أو كان ولكن لم يف بمعظم الفقه كانت الحجة هو الظن الحاصل من أي سبب ، عدا ما نهى الشارع عن اتباعه كالقياس. هذا كله بحسب الأسباب.

وكذا بحسب الموارد ـ وهي الأحكام الفرعية من الطهارة والصلاة وغيرها من أحكام النفوس والاعراض والأموال ـ فان النتيجة كلية أيضا ، إذ لو لم تكن كلية ولو لأجل التردد في بعض الموارد لزم خلاف الفرض وهو وصول الحجة بلا واسطة ، يعني : يلزم عدم وصول الحجة بنفسها إلينا ولو كان عدم وصولها كذلك لأجل التردد في مواردها.

وأما بحسب المرتبة فالنتيجة مهملة ، لاحتمال كون الطريق المنصوب خصوص الظن الاطمئناني عند وفائه بالمعظم ، فيقتصر عليه ، إذ مع فرض الكفاية لا حاجة إلى غير الاطمئناني حتى يتعدى إليه.

٢٥

أيضا (١) بحسب الأسباب ، بل يستكشف حينئذ (٢) أن الكل حجة لو لم يكن بينها ما هو المتيقن ، وإلّا (٣) فلا مجال لاستكشاف حجية غيره (٤) ، ولا (٥) بحسب الموارد ، بل يحكم بحجيته في جميعها (*) وإلّا لزم (٦) عدم وصول الحجة ولو لأجل التردد في مواردها كما لا

______________________________________________________

(١) أي : كما لا إهمال فيها بحسب الأسباب بناء على الحكومة كما عرفته.

(٢) أي : حين تقرير المقدمات على نحو يستنتج منها نصب الطريق الواصل بنفسه يستكشف منها أن كل ظن من أي سبب حصل حجة ، وضمير «بينها» راجع إلى الظنون.

(٣) أي : وان كان بين الظنون ما هو متيقن الاعتبار.

(٤) أي : غير متيقن الاعتبار.

(٥) عطف على «بحسب الأسباب» وضمير «بحجيته» راجع إلى الظن ، وضمير «في جميعها» إلى الموارد ، وقد مرّ توضيحه بقولنا : «وكذا بحسب الموارد ... إلخ».

(٦) أي : وان لم يحكم بحجية الظن في جميع الموارد والمسائل الشرعية لزم الخلف أي خلاف ما فرضناه من كون النتيجة هي الحجة الواصلة يعني : حجية الطريق الواصل بنفسه ، فيلزم من عدم الالتزام بحجية ما وصل إلينا من الطرق في جميع الموارد عدم كون النتيجة حجية جميع ما وصل إلينا ، ومعنى ذلك عدم وصول الحجة إلينا ولو لأجل تردد ذلك الظن بين ظنون متعددة ، للشك في اعتبار أي واحد منها.

__________________

(*) ينبغي تقييد إطلاق العبارة هنا كما قبلها بعدم المتيقن الوافي بالموارد

٢٦

يخفى. ودعوى الإجماع على التعميم بحسبها (١) في مثل هذه المسألة المستحدثة مجازفة جدا (*).

وأما بحسب المرتبة ، ففيها إهمال ، لأجل احتمال حجية خصوص الاطمئناني منه (٢) إذا كان وافيا ، فلا بد من الاقتصار عليه (**).

______________________________________________________

(١) أي : بحسب الموارد ، وهذه الدعوى من الشيخ الأعظم (قده) قال بعد تقرير الكشف والحكومة : «ثم ان هذين التقريرين مشتركان في الدلالة على التعميم من حيث الموارد يعني المسائل ، إذ على الأول ـ وهو الكشف ـ يدعى الإجماع القطعي على أن العمل بالظن لا يفرق فيه بين أبواب الفقه». وأورد المصنف على هذه الدعوى بأنها مجازفة ، إذ لم تكن هذه المسألة معنونة في كتب القدماء حتى يثبت الإجماع فيها ، فالنتيجة بحسب الموارد كلية ، لكن لا لما يدعيه الشيخ الأعظم من الإجماع ، بل لمنافاة الإهمال فيها لفرض وصول الطريق بنفسه بناء على الكشف ، إذ التردد في الطريق مناف لوصوله وتعينه كما هو ظاهر.

(٢) أي : من الظن إذا كان وافيا بجميع الأحكام أو معظمها ، وضمير «ففيها» راجع إلى النتيجة ، وضمير «عليه» إلى الظن الاطمئناني.

__________________

كما إذا فرض وفاء خبر العادل بجميع الموارد ، إذ لا حاجة حينئذ إلى حجية غيره فيها. إلّا أن يقال : ان التقييد في العبارة الأولى يغني عن تقييدها هنا ، لأن فرض تيقن الاعتبار بمقدار يكون وافيا بالموارد يغني عن غير متيقن الاعتبار في الموارد كما هو الحال في الأسباب ، فتأمل جيدا.

(*) لكن مجرد عدم تعنونها في كتب القدماء لا يمنع عن دعوى الإجماع إذا كان الحكم معلوما من مذاقهم كغيره من نظائره ، نعم لا تخلو دعوى الإجماع على التعميم بحسب الموارد عن غموض من جهة أخرى وهي : أن المفروض وصول الطريق المنصوب شرعا بنفسه ، وقيام الإجماع عليه ينافي الوصول بنفسه.

(**) لا يخفى أن إهمال النتيجة بحسب المرتبة في غاية الخفاء ، فانه

٢٧

ولو قيل بأن النتيجة هو نصب الطريق الواصل ولو بطريقه ، فلا إهمال فيها (١) بحسب الأسباب

______________________________________________________

(١) أي : في النتيجة ، وهذا شروع في بيان لازم الوجه الثاني من الوجوه المحتملة في نتيجة المقدمات بناء على الكشف ، وهو كون النتيجة حجية الطريق الواصل ولو بطريقه. وتوضيح ما أفاده فيه بالنسبة إلى السبب هو : أن الظن بالحكم حجة ان كان سببه واحدا ، وكذا ان كان متعددا ، لكن مع التساوي في اليقين بالاعتبار أو الظن به. أما الأول ، فلان الوحدة في السبب توجب التعين الذاتي ، فلا إهمال في النتيجة. وأما الثاني فلان تعين بعض الافراد مع فرض التساوي بينها وعدم التفاوت بين أسبابها يكون من الترجيح بلا مرجح ، وهو قبيح ، فلا بد من الالتزام بحجية الجميع.

وان كان سبب الظن بالحكم متعددا ، كما إذا نشأ من خبر الواحد والإجماع والشهرة وكانت الظنون متفاوتة من حيث الاعتبار ، فان كان التفاوت بينها باليقين بالاعتبار والظن به ، فالمتيقن اعتباره حجة دون غيره ، إذ الواصل إلى المكلف هو المعلوم الاعتبار ، نعم مع عدم الكفاية يتعدى عنه إلى غيره وان كان التفاوت بينها لأجل التفاوت في نفس الظن بالاعتبار بأن يكون بعض الظنون المتعلقة بالواقع مظنون الاعتبار كخبر الإمامي الممدوح بما لا يفيد العدالة ، وبعضها

__________________

على تقدير كفاية الظن الاطمئناني تكون النتيجة معينة ، لتعين حجيته بلا حاجة إلى ضمِّ غير الاطمئناني إليه بناء على الترجيح بقوة الظن ، وبناء على عدمه فالنتيجة معينة أيضا ، لحجية الكل حينئذ من الاطمئناني وغيره. فعلى كل تقدير لا إهمال في النتيجة ، غاية الأمر أنها كلية بناء على عدم الترجيح بالقوة ، وجزئية بناء على الترجيح بها. إلّا أن يقال : حيث ان المفروض حجية الظن كشفا يمكن

٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

مشكوك الاعتبار كالشهرة وبعضها معلوم الاعتبار كالظن الحاصل من الخبر الصحيح الأعلائي احتيج في تعيين الحجة الشرعية إلى إجراء مقدمات الانسداد في الطريق المستكشف نصبه في الجملة من مقدمات الانسداد الجارية في الأحكام الواقعية ، بأن يقال : ان باب العلم والعلمي بالنسبة إلى الطرق المنصوبة شرعا منسد ، وإهمالها غير جائز ، والاحتياط فيها غير ممكن أو غير واجب ، فيدور الأمر بين العمل بمظنون النصب أو مشكوكه أو موهومه ، والعقل يحكم ـ بمقتضى قبح ترجيح المرجوح على الراجح ـ بتقديم مظنون الاعتبار على مشكوكه وموهومه ، هذا كله بحسب السبب.

وأما بحسب المورد ، فالنتيجة ـ بناء على الكشف وكون الطريق واصلا ولو بطريقه ـ عامة بالنسبة إلى الموارد كالواصل بنفسه ، وإلّا لزم عدم وصوله ولو للتردد في مواردها كما تقدم في الواصل بنفسه.

وأما بحسب المرتبة فهي مهملة ، لما تقدم أيضا من احتمال حجية خصوص الظن الاطمئناني إذا كان وافيا ، والتعدي إلى غيره مع عدم الوفاء.

__________________

للشارع جعل الحجية لمطلق الظن حتى المرتبة الضعيفة منه لمصلحة التسهيل مثلا على المكلف وان أمكن تحصيل الاطمئناني منه بسهولة أيضا ، كما يمكن جعل الحجية لخصوص الظن الاطمئناني ، وبهذين الاحتمالين تكون النتيجة مهملة ، فيتم ما أفاده المصنف قدس‌سره.

٢٩

لو لم يكن فيها تفاوت (١) أصلا لو لم يكن بينها إلّا واحد (٢) ، وإلّا (٣) فلا بد من الاقتصار على متيقن الاعتبار (٤) منها أو مظنونه (٥) بإجراء (٦) مقدمات دليل الانسداد حينئذ (٧) مرة أو مرات في تعيين الطريق المنصوب حتى ينتهي إلى ظن واحد (٨)

______________________________________________________

(١) أي : لو لم يكن في الأسباب تفاوت في تيقن الاعتبار وعدمه كما عرفت توضيحه ، وعليه فلا إهمال في صورتين :

الأولى : إذا لم يكن بين الأسباب الموجبة للظن تفاوت في تيقن الاعتبار بل كانت متساوية من حيث الاعتبار كخبر العدل والإجماع والشهرة مثلا.

الثانية : إذا لم يكن سبب للظن إلّا واحد نوعي ، فالنتيجة جزئية وهي حجية خصوص خبر الواحد مثلا بأقسامه المتعددة وعدم حجية غيره.

(٢) أي : واحد نوعي كالخبر الواحد في مقابل الإجماع المنقول والشهرة وغيرهما.

(٣) أي : وان كان بينها تفاوت في اعتبار بعضها دون الآخر فلا بد ... إلخ.

(٤) إذا كان التفاوت بين الظنون في اليقين بالاعتبار.

(٥) إذا كان التفاوت بينها في الظن بالاعتبار ، وهو معطوف على «متيقن».

(٦) متعلق بـ «الاقتصار» يعني : لا بد من إجراء مقدمات الانسداد في الطريق وقد عرفت كيفية جريانها آنفا.

(٧) أي : حين وجود التفاوت بينها باعتبار بعضها دون بعض.

(٨) كما عرفته في صورة كون النتيجة نصب الطريق الواصل بنفسه ، فالحجة هو الظن الناشئ من سبب واحد دون غيره ، وقوله : «في تعيين» متعلق بـ «إجراء».

٣٠

أو إلى ظنون متعددة (١) لا تفاوت بينها ، فيحكم بحجية كلها ، أو متفاوتة يكون بعضها الوافي متيقن الاعتبار ، فيقتصر عليه.

وأما بحسب الموارد والمرتبة ، فكما إذا كانت النتيجة هي الطريق الواصل بنفسه (٢) فتدبر جيدا.

ولو قيل بأن النتيجة (٣)

______________________________________________________

(١) كما عرفته أيضا في الطريق الواصل بنفسه ، غاية الأمر أن تعيين هذين القسمين ـ أعني الظن الواحد والظنون المتعددة التي لا تفاوت بينها ـ كان في الطريق الواصل بنفسه بإجراء مقدمات الانسداد في نفس الأحكام ، وفي المقام ـ وهو الطريق الواصل ولو بطريقه ـ بإجرائها ثانيا في الطريق إلى الأحكام وثالثا وهكذا.

(٢) قد عرفت توضيحه بقولنا : «وكذا بحسب الموارد فالنتيجة ... إلخ».

(٣) هذا تعرض للازم الوجه الثالث من الوجوه المحتملة في نتيجة المقدمات بناء على الكشف ، وهي كون النتيجة حجية الطريق إجمالا يعني ولو لم يصل أصلا لا بنفسه ولا بطريقه ، وتوضيح ما أفاده في ذلك : أن النتيجة مهملة من الجهات الثلاث ، وتتعين الوظيفة حينئذ بالاحتياط التام في أطراف العلم الإجمالي بالطريق بأن يؤخذ بكل ما يحتمل كونه طريقا ان لم يلزم منه محذور عقلا كاختلال النظام أو شرعا كالعسر ، وان لزم منه ذلك فلا بد من التنزل من الكشف إلى حكومة العقل بما يظن طريقيته فقط إذا لم يكن بين الظنون ما هو متيقن الاعتبار ، وإلّا فالمتعين الأخذ به كشفا.

والوجه في تعين الحكومة في صورة تساوي الظنون : أنه لا سبيل لاستكشاف الطريق المنصوب ، والمفروض عدم وجوب الاحتياط أو عدم جوازه ، فيتعين

٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

المصير إلى الحكومة.

وبالجملة : فمع إمكان الاحتياط لا كشف ولا حكومة ، ومع عدمه يتعين الحكومة ، لفرض عدم وصول الطريق المنصوب ولو بالواسطة.

ولا يخفى أن ما أفاده المصنف (قده) ـ من ابتناء إهمال النتيجة وتعيينها على أن تكون نتيجة المقدمات بناء على الكشف نصب الطريق الواصل بنفسه أو بطريقه أو الطريق ولو لم يصل أصلا ـ تعريض بشيخنا الأعظم وغيره ، إذ الظاهر من كلامه (قده) أن لازم القول بالكشف هو الإهمال فيحتاج تعميم النتيجة حينئذ إلى الوجوه التي ذكروها للتعميم ، قال الشيخ : «أما على تقدير كون العقل كاشفا عن حكم الشارع بحجية الظن في الجملة ، فقد عرفت أن الإهمال بحسب الأسباب وبحسب المرتبة ، ويذكر للتعميم من جهتهما وجوه» وظاهره أن الإهمال لازم للكشف وهو ملزوم له ، ولم يكن للتفصيل بين الاحتمالات الثلاثة عين ولا أثر في كلماتهم ، فأورد المصنف على ذلك بأن تعميم النتيجة بما ذكروه لا يتمّ على الكشف مطلقا ، إذ محتملات الكشف كما عرفت ثلاثة ، فبناء على الاحتمال الأول يتوجه التعيين بالوجهين الأولين ، كما أنه يتم التعميم بالوجه الثالث بناء على الاحتمال الثالث فقط ، ولا يخفى أن المصنف قد أوضح ذلك بعبارة وافية في حاشيته الأنيقة على الرسائل فلاحظها للوقوف على إفاداته.

٣٢

هو الطريق ولو لم يصل أصلا (*) ، فالإهمال فيها يكون من

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

(*) فيكون جعل الطريقية كسائر الأحكام الواقعية ذا مراتب من الإنشائية والفعلية والتنجز. لكن فيه : أن الغرض من جعل الطرق لمّا كان رفع جهل المكلف ليقتدر على امتثال الواقعيات كان جعلها بدون وصولها أصلا ولو بطريقها لغوا ، لعدم ترتب الغرض الداعي إلى تشريعها ـ وهو تنجيز الواقعيات مع الإصابة والتعذير عنها عند الخطاء ـ عليه ، فلا بد أن يكون الطريق وأصلا ولو بطريقه ، لوفاء الطريق الواصل ولو بطريقه بالغرض المزبور أيضا ، بخلاف ما لم يصل أصلا ، فانه لا يرفع حيرة المكلف ولا ينجز الواقعيات ، فيلغو جعل الطريقية له ولا يترتب عليه أثر إلّا تضييق دائرة الاحتياط فيما احتمل جعله طريقا ، إذ لو لا الجعل المزبور كانت دائرة الاحتياط أوسع.

ولكن لا يصح أن يكون هذا الأثر غرضا من نصب الطريق دائما ، بل يصح أحيانا ، فجعل الطريق وان كان في نفسه كالاحكام النفسيّة قابلا لعدم الوصول إلى مرتبة التنجز ، إلّا أن ضيق الغرض الداعي إلى جعله أوجب بلوغه حد التنجز ، فلا بد من فرض كون الطريق المستكشف نصبه شرعا من دليل الانسداد وأصلا بنفسه أو بطريقه ، ولا يصح أن يكون المستكشف طريقا غير واصل مطلقا. فالعمدة في اعتبار كون الطريق المستكشف وأصلا بنفسه أو بطريقه هي ضيق الغرض المذكور لا ما قيل من : «أن المقدمات تكشف لمّا عن نصب الظن شرعا ، ولا إهمال في العلة ، فلا إهمال في المعلول ، فيستقل العقل بحجية الظن عموما أو خصوصا ، وحيث ان المقدمات علة ، فالمتعين للنصب هو الظن في قبال الشك والوهم» وذلك لأن العقل ليس هو حاكما حتى يقال : انه ليس شاكا في حكمه ، بل يقطع بموضوعه ، فيحكم ، بل العقل بوسيلة مقدمات الانسداد يحرز ولو من باب

٣٣

الجهات (١) ، ولا محيص حينئذ (٢) الا (*) من الاحتياط في الطريق بمراعاة أطراف الاحتمال لو لم يكن بينها (٣) متيقن الاعتبار (٤) لو لم يلزم (٥) منه محذور ، وإلّا (٦) لزم التنزل إلى حكومة العقل بالاستقلال ، فتأمل ، فان المقام من مزال الإقدام.

______________________________________________________

(١) الثلاث وهي الأسباب والموارد والمرتبة.

(٢) أي : حين كون الإهمال من جميع الجهات.

(٣) أي : بين أطراف الاحتمال ، والمراد بالأطراف الطرق.

(٤) إذ لو كان ، كان هو الحجة دون غيره.

(٥) قيد لـ «فلا محيص» وضمير «منه» راجع إلى الاحتياط ، يعني : أنه لا محيص عن الاحتياط في الطريق ما لم يستلزم محذور الاختلال أو العسر.

(٦) أي : وان لزم المحذور من الاحتياط فلا بد من التنزل من الكشف إلى حكومة العقل مطلقا.

__________________

القدر المتيقن حجية طريق خاص شرعا كالظن الحاصل من خبر صحيح أعلائي ، ومن المعلوم أن الحكم من باب القدر المتيقن غير حكم العقل بنصب طريق خاص فقط دون غيره ، فتأمل جيدا.

(*) الصواب إسقاط «الا» أو كلمة «من» لأن المقصود حين الإهمال من جميع الجهات هو إثبات الاحتياط والعمل به ، وهذه الجملة لو أبقيت على حالها تفيد عكس المطلوب ، لأنها تفيد نفي الاحتياط والفرار عن العمل به كما لا يخفى. وقد تقدم نظيره مع وجهه سابقا.

٣٤

وهم ودفع ، لعلك تقول (١) : ان القدر المتيقن الوافي لو كان في البين لما كان مجال لدليل الانسداد ، ضرورة (٢) أنه من مقدماته انسداد باب العلمي أيضا (٣).

لكنك غفلت (٤) عن أن

______________________________________________________

(١) هذا إشكال على التفصيل في تعيين النتيجة بحسب الأسباب بناء على الكشف بين وجود القدر المتيقن الوافي بمعظم الفقه المتعين في الحجية ، فالنتيجة جزئية ، وبين عدمه ، فالنتيجة كلية. وحاصل الإشكال : أنه بناء على وجود المتيقن الوافي ينهدم أساس الانسداد ، إذ عمدة مقدماته انسداد باب العلمي ، وعلى تقدير وجود الطريق المتيقن الاعتبار ـ كخبر العدل أو الثقة ـ ينفتح باب العلمي ، فينهدم إحدى مقدمات دليل الانسداد وهي انسداد باب العلمي ، فلا بد من رفع اليد اما عن هذا التفصيل ليبقى الكلام على الانسداد سليما عن الإشكال ، واما من الخروج عن فرض الانسداد إلى الانفتاح ، وهو خلف.

(٢) تعليل لقوله : «لما كان مجال» والضمير للشأن.

(٣) أي : كانسداد باب العلم ، وضمير «مقدماته» راجع إلى دليل الانسداد.

(٤) هذا دفع الإشكال ، وحاصله : أن وجود القدر المتيقن ينافي الانسداد إذا لم يكن للانسداد دخل فيه ، وأما إذا كان القدر المتيقن الاعتبار مستندا إليه ومعلولا له فلا ينافيه ، لامتناع أن يكون المعلول منافيا لعلته. توضيح الاستناد المزبور : أن نتيجة الانسداد هي اليقين بنصب الطريق ، وهناك يقين آخر وهو القطع بالملازمة بين نصب الطريق وكون الطريق المنصوب هو القدر المتيقن ، وهذا اليقين وان لم يكن مستندا إلى دليل الانسداد ، لكن اليقين الأول مستند

٣٥

المراد (١) ما إذا كان اليقين بالاعتبار من قبله (٢) ،

______________________________________________________

إليه ، وهو كاف في دخالته في حصول القدر المتيقن ، لأن اليقين بأحد المتلازمين ـ وهو نصب طريق شرعا الّذي هو نتيجة دليل الانسداد ـ دليل على الملازم الآخر وهو حجية خبر العادل مثلا ، وأما دليل الملازمة فلا يدل إلّا على التلازم بين المتلازمين.

نعم يكون اليقين بالملازمة المزبورة واسطة ثبوتية لدلالة دليل الانسداد ، إذ لو لا اليقين بهذه الملازمة لم يدل دليل أحد المتلازمين على الملازم الآخر ، مثلا إذا ثبت بالدليل الملازمة بين وجوب قصر الصلاة للمسافر ووجوب الإفطار عليه ، ثم دل دليل على أن المسافر ثمانية فراسخ ملفقة مثلا يقصر ، فيقال : ان الدليل على وجوب القصر دليل على وجوب الإفطار ، ومن المعلوم أن دلالة هذا الدليل على وجوب الإفطار تكون بمعونة الدليل الدال على ثبوت الملازمة بين وجوب القصر ووجوب الإفطار ، فالدليل على الملازمة متمّم لدلالة دليل أحد المتلازمين ـ وهو الصلاة في هذا المثال ـ على الملازم الآخر وهو الصوم ، هذا وقد أشار شيخنا الأعظم إلى التوهم ودفعه عند الشروع في بيان المرجح الأول فقال : «ولا يتوهم أن هذا المقدار المتيقن حينئذ من الظنون الخاصة ، للقطع التفصيليّ بحجيته ، لاندفاعه بأن المراد من الظن الخاصّ ما علم حجيته بغير دليل الانسداد ، فتأمل».

(١) أي : بقوله فيما تقدم : «لو لم يكن بينها متيقن الاعتبار ...»

(٢) الضمير راجع إلى دليل الانسداد ، يعني : أن اليقين بالاعتبار ينشأ من ناحية دليل الانسداد لا غيره حتى ينافيه ، ومن المعلوم أن اليقين بالاعتبار الّذي هو معلول الانسداد لا ينافي عليته أصلا.

٣٦

لأجل اليقين (١) بأنه (٢) لو كان شيء حجة شرعا كان هذا الشيء حجة قطعا ، بداهة أن (٣) الدليل على أحد المتلازمين انما هو الدليل على

______________________________________________________

(١) تعليل لحصول اليقين بالاعتبار من دليل الانسداد ، يعني : أن الوجه في حصول اليقين باعتبار طريق مخصوص كخبر العادل من دليل الانسداد هو أن دلالة دليل الانسداد ـ الكاشف عن نصب طريق فرض كونه أحد المتلازمين ـ على الملازم الآخر وهو اعتبار المتيقن كخبر العادل أو الثقة انما هي بواسطة اليقين بالملازمة المزبورة الّذي هو واسطة ثبوتية للدلالة المذكورة كما مر آنفا ، فقوله : «لأجل اليقين» معناه : لأجل اليقين بالملازمة.

(٢) الضمير للشأن ، يعني : لو كان طريق حجة شرعا كان خبر الثقة حجة قطعا ، وهذه القضية هي تقريب الملازمة المذكورة ، ومنشأ القطع باعتباره غلبة مطابقته للواقع أو غيرها.

فالمراد من «شيء» الفرد المنتشر من الطريق ، ومن «الشيء» خصوص فرد معين كخبر العدل مثلا ، والتقييد بقوله : «شرعا» لأجل ابتناء أصل التوهم على حجية الظن على نحو الكشف لا الحكومة.

(٣) تعليل لكون المراد ما إذا كان اليقين بالاعتبار من قبل دليل الانسداد ، فهو في الحقيقة إشارة إلى دفع ما يمكن أن يتوهم في المقام من أن الإشكال المزبور ـ وهو كون القدر المتيقن الوافي منافيا لدليل الانسداد ، لفرض انفتاح باب العلمي حينئذ ـ لم يندفع بما تقدم من أن اليقين بالاعتبار مستند إلى دليل الانسداد ، وهو كاف في انسداد باب العلمي أي الظن الخاصّ.

وجه عدم الاندفاع : أن القطع بحجية ظن وان كان مستندا إلى دليل الانسداد ، لكن اليقين بالملازمة بينه وبين حجية خبر العادل مثلا مستند إلى الخارج ، لا إلى دليل الانسداد ، فيكون القطع بحجية خبر العادل ناشئا من غير دليل الانسداد فيعود المحذور ، وهو عدم انسداد باب العلمي والظن الخاصّ.

٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

توضيح دفع التوهم : أن الدليل على التلازم بين شيئين ليس دليلا على وجود المتلازمين أو أحدهما حتى يعود المحذور أعني انفتاح باب العلمي ، وذلك لأن دليل التلازم لا يثبت إلّا الملازمة بين شيئين ، وأما وجود نفس الشيئين المتلازمين أو وجود أحدهما فيحتاج إلى دليل آخر. وفي المقام نقول : ان الدليل على التلازم بين حجية طريق وحجية خصوص خبر العادل مثلا ـ كقوله : لو نصب الشارع طريقا لكان خبر العادل حجة ـ لا يستفاد منه إلّا وجود العلقة بينهما واقعا ، وأنه إذا ثبت أحدهما ـ وهو حجية الطريق ـ ثبت الآخر أعني حجية خبر العادل أيضا ، وأما أن الطريق حجة فعلا ـ حتى يكون خبر العادل حجة فعلا لكونها لازمة لحجية الطريق ـ فلا يتكفله الدليل على التلازم المذكور ، بل انما يتكفله دليل الانسداد ، وقد تقرر في محله أن الدليل على وجود أحد المتلازمين دليل على وجود الآخر ، وأما الدليل على أصل الملازمة بينهما فلا يكون دليلا على وجودهما أو وجود أحدهما.

والسّر فيه واضح ، فان صدق القضية الشرطية لا يتوقف على وجود الطرفين أو أحدهما ، ألا ترى أن قوله عليه‌السلام في حديث (١) «إذا قصرت أفطرت ، وإذا أفطرت قصرت» أو في حديث (٢) آخر «وليس يفترق التقصير والصيام ، فمن قصّر فليفطر» انما يدل على أصل الملازمة بين التقصير والإفطار ، ولا يكون دليلا على ثبوت الإفطار فعلا ، بل ثبوته كذلك يحتاج إلى دليل آخر وهو الدليل على وجوب القصر ، فان دلّ على وجوبه دليل ثبت فعلا وثبت وجوب الإفطار كذلك

__________________

(١) الوسائل ج ٧ ص ١٣٠ ، الحديث ١.

(٢) الوسائل ج ٧ ص ١٣٠ ، الحديث ٢.

٣٨

الآخر (١) ، لا (٢) الدليل على الملازمة.

______________________________________________________

أيضا بمقتضى الملازمة بينهما ، وإلّا لم يثبت ، لعدم ثبوت القصر ، ولا تنافي بين عدم ثبوته فعلا ـ لعدم ثبوت القصر كذلك ـ وبين ثبوت الملازمة بينهما واقعا ، لما عرفت من عدم توقف صدق الشرطية على ثبوت طرفيها.

وبهذا البيان ظهر : أن مقصود المصنف (قده) بقوله : «انما هو الدليل ... إلخ» هو : أن الدليل على ثبوت الملازمة بين شيئين لا يكون دليلا على وجودهما أو وجود أحدهما ، بل الدليل على وجود أحدهما يكون هو الدليل على وجود الآخر ، وكان هذا ـ أعني تخيل أن ثبوت الملازمة دليل على ثبوت أحد المتلازمين ـ هو منشأ التوهم المزبور ، فزعم أن المقصود حصول القدر المتيقن الوافي بمجرد ثبوت الملازمة مع قطع النّظر عن دليل الانسداد. وليس كما توهم ، بل المقصود حجية المتيقن الاعتبار الثابت بدليل الانسداد المثبت لحجية طريق ما ، فلا بد أوّلا من ملاحظة دليل الانسداد ليثبت شرعا حجية طريق ما حتى تثبت ـ بمقتضى الملازمة ـ حجية المتيقن الاعتبار. وعليه فالدليل على الملازمة ليس دليلا على حجية خبر العادل المفروض كونه متيقن الاعتبار ، بل الدليل على حجيته هو دليل الانسداد لأنه دليل على ملازمه وهو اعتبار طريق ما.

وبالجملة : فتيقن الاعتبار إنما نشأ من دليل الانسداد بضميمة دليل الملازمة.

(١) يعني : أن الدليل على وجوب القصر هو الدليل على وجوب الإفطار ، لا الدليل على ثبوت الملازمة بينهما ، إذ هو دليل على أصل الملازمة لا على وجوب الإفطار.

(٢) عطف على قوله : «هو» يعني : أن الدليل على وجود الملازم ـ وهو حجية خبر العادل مثلا ـ ليس هو دليل الملازمة ، بل هو الانسداد الّذي يكون دليلا على أحد المتلازمين أعني : حجية طريق ما ، وقد عرفت توضيحه.

٣٩

ثم لا يخفى (١) ان الظن باعتبار ظن [الظن] بالخصوص يوجب

______________________________________________________

طرق تعميم النتيجة على الكشف

(١) ما أفاده المصنف هنا إلى آخر الفصل تعرض لما نقله الشيخ الأعظم (قده) عن المحقق القمي والفاضل النراقي وشيخه شريف العلماء وغيرهم قدس الله تعالى أسرارهم في طرق تعميم النتيجة بناء على أن تكون نتيجة مقدمات الانسداد حجية الظن كشفا ، ونقول توضيحا لكلامه (قده) : قد عرفت تفصيل الماتن في عموم النتيجة وإهمالها سببا وموردا ومرتبة بناء على الاحتمالات الثلاثة المتقدمة من كون النتيجة نصب الطريق الواصل بنفسه أو بطريقه أو الطريق ولو لم يصل أصلا ، وأنه يختلف الحال باختيار كل واحد من هذه الوجوه ، فتحتاج النتيجة إلى تعميم بأحد المعممات الثلاثة على بعض التقادير. وغرض المصنف فعلا التعرض لما أفاده شيخنا الأعظم ومن تقدم عليه (قدس‌سرهم) من جعل النتيجة بناء على الكشف مهملة بحسب الأسباب والموارد والمرتبة وتعميمها بحسب الموارد بالإجماع بلا تفصيل بين ما للشارع فيه مزيد اهتمام وغيره ، وأما بحسب الأسباب والمرتبة فقد نقل عنهم طرقا ثلاثة للتعميم ، وما أفاده في المتن بقوله : «ثم لا يخفى ان الظن باعتبار ظن ... إلخ» شروع في مناقشة المعمم الأول ، ولا بأس بذكر بعض عبارات شيخنا الأعظم ثم توضيح ما أفاده المصنف ، قال الشيخ في المقام الثاني من الأمر الثاني : «ويذكر للتعميم من جهتهما وجوه : الأول : عدم المرجح لبعضها على بعض ، فيثبت التعميم ، لبطلان الترجيح بلا مرجح والإجماع على بطلان التخيير ، والتعميم بهذا الوجه يحتاج إلى ذكر ما يصلح أن يكون مرجّحا وإبطاله ..... ، فنقول : ما يصلح أن يكون معينا أو مرجحا أحد أمور ثلاثة : الأول كون بعض الظنون متيقنا بالنسبة إلى الباقي بمعنى كونه

٤٠