منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٥

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٢٧

في نفسه (١) كما أشكل فيه برأسه (٢) بملاحظة توهم استلزام النصب لمحاذير (٣) تقدم الكلام في تقريرها وما هو التحقيق في جوابها في جعل الطرق ، غاية الأمر تلك المحاذير ـ التي تكون فيما إذا أخطأ الطريق المنصوب ـ كانت (٤) في الطريق المنهي عنه في مورد الإصابة (٥) ، ولكن من الواضح أنه لا دخل لذلك (٦)

______________________________________________________

بالطرق مترتب على الطريق المصيب ، وهنا مترتب على القياس المخطئ ، كما إذا أدى القياس إلى جواز تناول العصير العنبي مع حرمته واقعا ، فانه يجتمع فيه الحرمة الواقعية مع حرمة العمل بالقياس.

وبالجملة : فدفع إشكال النهي عن القياس من الجهة الأولى كما تقدم وسيأتي عن الشيخ الأعظم (قده) أيضا لا يغني عن دفعه من الجهة الثانية.

(١) هذا الضمير وضمير «فيه» راجعان إلى النهي.

(٢) هذا الضمير وضمير «فيه» راجعان إلى الأمر ، وغرضه : أن إشكال المحاذير المتقدمة في كلام ابن قبة وارد في النهي عن القياس كوروده في الأمر بالطريق ، وقد تقدم توضيحه آنفا.

(٣) أي : خطابية وملاكية ، وقد تقدمت آنفا ، و «بملاحظة» متعلق بـ «أشكل» وبيان له ، و «في جعل» متعلق بـ «تقدم».

(٤) خبر «تلك المحاذير» والجملة خبر «غاية» و «في مورد الإصابة» خبر «كانت» والأولى سوق العبارة هكذا «غاية الأمر أن تلك المحاذير التي كانت في صورة خطاء الطريق المنصوب تكون في الطريق المنهي عنه في مورد الإصابة.

(٥) مثلا إذا أدى القياس إلى وجوب شيء وهو واجب واقعا ، فانه يجتمع مصلحة الواقع مع المفسدة المفروضة في العمل بالقياس.

(٦) أي : لا دخل للإشكال المتقدم في الطرق ـ وهو المحذور الخطابي

٦١

في الإشكال على دليل الانسداد بخروج القياس (١) ، ضرورة (٢) أنه بعد الفراغ عن صحة النهي عنه في الجملة (٣) قد أشكل في عموم النهي لحال الانسداد بملاحظة حكم العقل (٤) ، وقد عرفت (٥) أنه بمكان من الفساد. واستلزام (٦) إمكان المنع عنه

______________________________________________________

والملاكي ـ في إشكال خروج القياس عن عموم نتيجة دليل الانسداد بناء على الحكومة ، وذلك لأن إشكال خروج القياس إشكال في صحة النهي عنه من ناحية حكم العقل المنافي لهذا النهي ، لا من ناحية صحة النهي في نفسه ، وقد عرفت اختلاف الجهتين ، وعدم ارتباط إحداهما بالأخرى ، لأن تصحيح النهي من الجهة الأولى ـ وهي حكم العقل بحجية الظن مطلقا بأحد الوجوه التي ذكرها شيخنا الأعظم وغيره وأشار إلى بعضها المصنف فيما سيأتي ـ لا يغني عن تصحيحه بلحاظ الجهة الثانية وهي نهي الشارع عن العمل بالظن الحاصل من القياس.

(١) متعلق بالإشكال.

(٢) الضمير للشأن ، وهذا تعليل لعدم دخل إشكال النهي في نفسه في الإشكال على دليل الانسداد بخروج القياس ، لأن هذا الإشكال انما يكون بعد الفراغ عن صحة النهي في نفسه.

(٣) يعني : مع قطع النّظر عن حكم العقل بحجية الظن ، وضمير «عنه» راجع إلى القياس.

(٤) بما تقدم تقريره عن الرسائل ، و «بملاحظة» متعلق بـ «أشكل».

(٥) في قوله : «وأنت خبير بأنه لا وقع لهذا الإشكال ...» وضمير «أنه» راجع إلى الإشكال المستفاد من قوله : «أشكل».

(٦) غرضه دفع ما ذكره شيخنا الأعظم في تقرير الإشكال بقوله : «فان المنع عن العمل بما يقتضيه العقل ...» وتوضيح الدفع : أن احتمال المنع عن أمارة

٦٢

لاحتمال (١) المنع عن أمارة أخرى ، وقد اختفي علينا وان كان (٢) موجبا لعدم استقلال العقل ، إلّا أنه انما يكون (٣) بالإضافة إلى تلك الأمارة (٤) لو كان غيرها (٥) مما لا يحتمل فيه المنع

______________________________________________________

أخرى لا دافع له إذا كان غيرها من سائر الأمارات كافيا ، ومع كفايتها لا يحكم العقل باعتبار تلك الأمارة المحتمل منعها كالأولوية الظنية ، لعدم استقلاله بحكم مع احتمال وجود مانعة ، وعدم حاجة إلى اعتبارها ، لوفاء غيرها من الأمارات التي لا يحتمل المنع عنها بمعظم الفقه ، بل يحكم العقل حينئذ باعتبار غير تلك الأمارة من سائر الأمارات الوافية بالفقه. وأما إذا لم تكن تلك الأمارات وافية ، فباب احتمال النهي عنها منسد ، لما تقدم من اهتمام الشارع بالاحكام وقبح تفويتها بلا تدارك ، وعدم الترخيص في مخالفة الظن حينئذ.

وبالجملة : ففي الصورة الأولى وان كان احتمال النهي عن بعض الأمارات موجودا ، لكنه لا يضر بحكم العقل بحجية غيرها ، وفي الصورة الثانية باب الاحتمال منسد ، لما عرفت من اهتمام الشارع بالاحكام.

والمتحصل : أن احتمال منع الشارع عن بعض الظنون غير قادح في استقلال العقل بحجية الظن ، اما للوفاء بالفقه ، واما لاهتمام الشارع بها.

(١) متعلق بـ «واستلزام» وضمير «عنه» راجع إلى القياس.

(٢) خبر «واستلزام» يعني : وان كان الاستلزام موجبا ، وضمير «اختفى» راجع إلى المنع.

(٣) الضمير المستتر فيه وضمير «أنه» راجعان إلى عدم استقلال العقل بحجية الظن.

(٤) أي : التي احتمل المنع عنها كالأولوية الظنية.

(٥) أي : غير تلك الأمارة التي يحتمل المنع عنها ، فكلمة «غيرها» اسم

٦٣

بمقدار الكفاية ، وإلّا (١) فلا مجال لاحتمال المنع فيها مع فرض (٢) استقلال العقل ، ضرورة (٣) عدم استقلاله يحكم مع احتمال وجود مانعة ، على ما يأتي تحقيقه في الظن المانع والممنوع.

وقياس حكم العقل (٤) بكون الظن مناطا للإطاعة في هذا الحال

______________________________________________________

«كان» و «بمقدار الكفاية» خبره ، و «مما» بيان لـ «غيرها» يعني : لو كان غير الأمارة التي يحتمل المنع عنها وافيا بالاحكام كالخبر الواحد والإجماع المنقول والشهرة الفتوائية ، فانه لا يستقل العقل حينئذ باعتبار مثل الأولوية الظنية مما يحتمل المنع عنه ، ولا مانع من عدم استقلال العقل بحجيته حينئذ مع وفاء غيرها مما لا يحتمل المنع عنها بمعظم الفقه.

(١) يعني : وان لم يكن غير تلك الأمارة المحتمل فيها المنع كافيا فلا مجال ... ، لاحتمال المنع في تلك الأمارة التي يحتمل النهي عنها ، وذلك للاهتمام.

(٢) متعلق بـ «لا مجال» ووجه استقلال العقل هو : أن اهتمام الشارع بالاحكام وعدم كفاية سائر الظنون مما لا يحتمل المنع عنه يوجبان استقلال العقل بحجية الظن المحتمل المنع.

(٣) تعليل لقوله : «فلا مجال» يعني : أن احتمال المنع مناف لاستقلال العقل ، لوضوح أنه مع احتمال المنع لا يحرز جميع ما له دخل في موضوع حكمه ، ومن المعلوم أن عدم المانع مما له دخل في ذلك ، فلا يحكم العقل الا بعد إحرازه ، كما هو واضح.

(٤) الغرض منه دفع ما ذكره شيخنا الأعظم في تقرير إشكال خروج القياس بقوله : «كيف يجامع حكم العقل» وحاصل ما ذكره : قياس حجية الظن في حال الانسداد على حجية العلم في حال الانفتاح ، فكما أن حكم العقل باعتبار العلم حال الانفتاح لا يقبل التخصيص ببعض أفراده دون بعض ، فكذا حجية الظن حال

٦٤

على (١) حكمه بكون العلم مناطا لها في حال الانفتاح لا يكاد (٢) يخفى على أحد فساده ، لوضوح (٣) أنه مع الفارق ، ضرورة (٤) أن حكمه في العلم على نحو التنجز ، وفيه على نحو التعليق.

ثم لا يكاد ينقضي تعجبي لم خصصوا الإشكال (٥) (*) بالنهي

______________________________________________________

الانسداد غير قابل للتخصيص ، لمنافاته لما استقل به العقل.

وقد دفعه المصنف بما حاصله : أن هذا القياس مع الفارق ، لأن حكم العقل في العلم تنجيزي وفي الظن تعليقي بالتقريب المتقدم.

(١) متعلق بـ «وقياس» وضمير «حكمه» راجع إلى العقل ، والمراد بـ «هذا الحال» حال انسداد باب العلم والعلمي ، وضمير «لها» راجع إلى الإطاعة.

(٢) خبر «وقياس» ودفع له ، وضمير «فساده» راجع إلى القياس.

(٣) تعليل لفساد قياس الظن على العلم ، وضمير «أنه» راجع إلى القياس ، يعني : أن قياس الظن حال الانسداد على العلم حال الانفتاح قياس مع الفارق.

(٤) تعليل لكون هذا القياس مع الفارق ، وضمير «حكمه» راجع إلى العقل ، وضمير «فيه» إلى الظن.

(٥) غرضه : أنه لا وجه لتخصيص الإشكال على دليل الانسداد ـ بناء على الحكومة ـ بالنهي عن القياس المفروض افادته للظن مع وحدة الملاك فيه وفي الأمر بما لا يفيد الظن كاليد والسوق ، إذ كما يكون النهي منافيا لحكم العقل وموجبا لارتفاعه ، كذلك الأمر ، فان العقل حاكم بقبح الاكتفاء بما دون الظن ، لكنه فيما إذا لم يأمر الشارع بالعمل بما لا يفيد الظن ، فلو أمر بالعمل بما لا يفيده لم يحكم العقل بقبحه ، فلا فرق في انتفاء حكم العقل بين النصب والردع ، لأن حكمه معلق على عدم النصب والردع.

__________________

(*) لعل وجه التخصيص كما قيل هو : أن مورد استقلال العقل بالإطاعة الظنية

٦٥

عن القياس مع جريانه في الأمر بطريق غير (١) مفيد للظن ، بداهة (٢) انتفاء حكمه في مورد الطريق قطعا ، مع أنه لا يظن بأحد أن يستشكل بذلك (٣) ، وليس (٤) إلّا لأجل أن حكمه به معلق على عدم النصب ،

______________________________________________________

والحاصل : أن نصب الطريق والنهي عنه من واد واحد في أن حكم العقل معلق على عدم تصرف الشارع ، فلا مجال لتقرير الإشكال بالنسبة إلى خصوص النهي عن القياس كما عرفت.

(١) كاليد والسوق ، فانهما أمارتان اعتبرهما الشارع وان لم يفيدا الظن ، فيتوجه الإشكال بخروج القياس هنا أيضا ، ويقال : كيف يأمر الشارع بالعمل بهما حال الانسداد مع حكم العقل باعتبار الظن فقط وقبح العمل بما لا يفيده؟ وحكم العقل غير قابل للتخصيص.

(٢) بيان لوجه اشتراك الإشكال بين الأمر بطريق غير مفيد للظن وبين النهي عن مثل القياس ، وضمير «حكمه» راجع إلى العقل.

(٣) أي : أن يستشكل بالأمر بطريق لا يفيد الظن ، بأن يقول : كيف يأمر الشارع بطريق لا يفيد الظن مع استقلال العقل بعدم كفاية الإطاعة بما دون الظن؟

(٤) أي : وليس عدم الظن بأحد أن يستشكل بالأمر بالطريق إلّا لأجل أن حكم

__________________

دون الشكية والوهمية بعد التنزل عن الاحتياط التام صورة دوران أمر إطاعة الواجبات والمحرمات المعلومة إجمالا بين دائرة المظنونات ودائرتي المشكوكات والموهومات وترجيح الإطاعة الظنية عليهما لقبح ترجيح المرجوح على الراجح ، وأما الإطاعة الشكية أو الوهمية زيادة على العمل بمظنونات التكاليف بسبب نصب ما لا يفيد الظن فهي أجنبية عن مورد حكم العقل ، ولا يستقل العقل بقبحه حتى ينافيه النصب المزبور وبالجملة : فالنهي عن العمل بظن مناف لحكم العقل بالإطاعة الظنية ، بخلاف نصب ما لا يفيد الظن ، فانه لا ينافي حكم العقل ، فتأمل جيدا.

٦٦

ومعه لا حكم له كما هو كذلك (١) مع النهي عن بعض أفراد الظن ، فتدبر جيدا.

وقد انقدح بذلك (٢) أنه لا وقع للجواب عن الإشكال تارة بأن (٣)

______________________________________________________

العقل بالظن معلق على عدم نصب الشارع طريقا خاصا ولو لم يفد الظن ، وعليه فليكن حكمه باعتبار مطلق الظن حال الانسداد معلقا أيضا على عدم نهي الشارع عن طريق مخصوص كالقياس فيما نحن فيه ، وضمير «معه» راجع إلى النصب و «له» إلى العقل.

(١) أي : كما أن حكم العقل معلق مع النهي عن بعض الظنون.

الوجوه المذكورة لدفع الإشكال والمناقشة فيها

(٢) أي بما ذكرناه من أن إشكال القياس انما هو بعد الفراغ عن صحة النهي في نفسه ، فتصحيح النهي بأحد الوجوه الآتية لا يرفع إشكال خروجه عن نتيجة دليل الانسداد بملاحظة حكم العقل ، فان هذين الجوابين اللذين ذكرهما شيخنا الأعظم (قده) يدفعان الإشكال من الجهة الأولى دون الثانية وهي بملاحظة حكم العقل ، وعلى هذا فلا ربط لهما بالإشكال من الجهة التي نحن فيها.

(٣) هذا هو الوجه السابع الّذي اختاره شيخنا الأعظم (قده) في دفع الإشكال ، قال : «الوجه السابع هو : أن خصوصية القياس من بين سائر الأمارات هي غلبة مخالفتها للواقع كما يشهد به قوله : ان السنة إذا قيست محق الدين ، وقوله : كان ما يفسده أكثر مما يصلحه ، وقوله : ليس شيء أبعد من عقول الرّجال من دين الله ، وغير ذلك. وهذا المعنى لمّا خفي على العقل الحاكم بوجوب سلوك الطرق الظنية عند فقد العلم ، فهو انما يحكم بها لإدراك أكثر الواقعيات المجهولة فإذا كشف الشارع عن حال القياس وتبين عند العقل حال القياس فيحكم حكما إجماليا بعدم جواز الركون إليه ... إلخ».

٦٧

المنع عن القياس لأجل كونه غالب المخالفة. وأخرى (١) بأن العمل به يكون ذا مفسدة غالبة على مصلحة الواقع الثابتة عند الإصابة ، وذلك لبداهة (٢) أنه انما يشكل بخروجه بعد الفراغ عن صحة المنع عنه في نفسه بملاحظة (٣) حكم العقل بحجية الظن ، ولا يكاد يجدي

______________________________________________________

(١) وهو الوجه السادس الّذي أفاده الشيخ ، ولكن أورد عليه بعد ذلك ، قال : «ان النهي يكشف عن وجود مفسدة غالبة على المصلحة الواقعية المدركة على تقدير العمل به ، فالنهي عن الظنون الخاصة في مقابل حكم العقل بوجوب العمل بالظن مع الانسداد نظير الأمر بالظنون الخاصة في مقابل حكم العقل بحرمة العمل بالظن مع الانسداد نظير الأمر بالظنون الخاصة في مقابل حكم العقل بحرمة العمل بالظن مع الانفتاح ... إلخ» وحاصل هذين الوجهين : أن العقل انما يحكم بلزوم اتباع الظن لكونه أقرب إلى الواقع ، وعدم مزاحمته بالمفسدة الغالبة وكونه غالب الإيصال إليه ، لأجل استيفاء مصلحته ، فإذا كشف نهي الشارع عن أن الظن الحاصل من القياس غير مصيب للواقع غالبا ، أو أن المفسدة المترتبة على الأخذ به أكثر من مصلحته ، فلا محالة يحكم العقل بعدم جواز الركون إليه تخصيصا لحكمه بلزوم مراعاة الظن.

(٢) تعليل لقوله : «لا وقع» وتوضيحه : أن إشكال النهي عن العمل بالقياس يقع في جهتين : الأولى : في صحة النهي عنه في نفسه مع الغض عن دليل الانسداد. الثانية : في صحة النهي عنه بملاحظة الانسداد بناء على الحكومة ، وأنه كيف يصح تخصيص الشارع حكم العقل بلزوم مراعاة الظن مع فرض استقلاله في حكمه ، ومن المعلوم أن الوجهين المتقدمين عن شيخنا الأعظم (قده) يصححان النهي عنه باعتبار الجهة الأولى ، ولا يصححانه باعتبار الجهة الثانية يعني حتى مع استقلال العقل بحجية الظن حال الانسداد.

(٣) متعلق بـ «يشكل» أي : يشكل خروج القياس بملاحظة حكم العقل ... إلخ

٦٨

صحته (١) كذلك في الذب [التفصي] عن الإشكال في صحته بهذا اللحاظ ، فافهم فانه لا يخلو عن دقة (*).

______________________________________________________

وضمير «أنه» للشأن ، وضميرا «بخروجه ، عنه» راجعان إلى القياس.

(١) يعني : لا يجدي صحة المنع عن القياس كذلك يعني في نفسه بلحاظ كونه غالب المخالفة للواقع ، أو لأن في العمل به مفسدة غالبة على مصلحة الواقع عند الإصابة ـ في دفع الإشكال عن صحة المنع عنه بلحاظ حكم العقل بحجية مطلق الظن. والظرف متعلق بـ «يجدي» وقد مر غير مرة أن الصواب : في ذب الإشكال.

__________________

(*) لا يقال : ان المفاسد المترتبة على العمل بالقياس الموجبة للنهي عنه كافية في خروجه عن عموم نتيجة مقدمات الانسداد ، لعدم استقلال العقل بحجيته مع كثرة مخالفته للواقع أو ترتب مفسدة عليه ، فلا تفكيك في صحة النهي عن القياس بين الانفتاح والانسداد.

فانه يقال : بالفرق بين الانفتاح والانسداد ، إذ لا طريق ـ حال الانسداد ـ لامتثال الأحكام الواقعية غير الظن ، ومن المعلوم أن العقل مستقل بحجيته ، وهذا بخلاف حال الانفتاح ، لفرض التمكن من إحراز الواقع بعلم أو علمي ، ومعه لا تصل النوبة إلى العمل بشيء من الطرق الموجبة للظن خصوصا إذا كان غالب المخالفة للواقع. وحينئذ فلا محيص في خروج القياس عن هذا الحكم العقلي في ظرف الانسداد عن الالتزام بما أفاده المصنف من كون حكم العقل في باب الإطاعة معلقا على عدم تصرف الشارع في كيفيتها ، وليس منجزا ، فإذا تصرف الشارع واكتفي في بعض الموارد بالإطاعة الشكية كما في مورد قاعدتي التجاوز والفراغ لم يحكم العقل بعدم الاجتزاء بها ولزوم الامتثال العلمي التفصيليّ.

٦٩

وأما ما قيل في جوابه (١) من (٢) «منع عموم المنع عنه بحال الانسداد ، أو منع (٣) (*) حصول الظن منه بعد انكشاف حاله ، وأن ما يفسده

______________________________________________________

(١) أي : في جواب إشكال خروج القياس عن عموم النتيجة. ومراده بـ «ما قيل» الأمران الأوّلان من الأمور السبعة التي ذكرها شيخنا الأعظم في توجيه خروج القياس.

(٢) هذا هو الأمر الأول ، قال شيخنا الأعظم : «الأول ما مال إليه أو قال به بعض من منع حرمة العمل بالقياس في أمثال زماننا ، وتوجيهه بتوضيح منّا : أن الدليل على الحرمة ان كان هي الاخبار المتواترة معنى في الحرمة فلا ريب أن بعض تلك الاخبار في مقابلة معاصري الأئمة صلوات الله عليهم من العامة التاركين للثقلين حيث تركوا الثقل الأصغر الّذي عنده علم الثقل الأكبر ، ورجعوا إلى اجتهاداتهم وآرائهم فقاسوا واستحسنوا وضلوا وأضلوا ... إلخ» وحاصله : أنه لا مجال لإشكال المنافاة بين نهي الشارع عن العمل بالقياس وبين حكم العقل بحجية مطلق الظن ، وذلك لاختصاص الاخبار الناهية عن العمل بالقياس بحال الانفتاح وعدم شمولها لحال الانسداد. وعليه فحكم العقل باعتبار مطلق الظن باق على عمومه وان حصل من القياس.

(٣) هذا هو الأمر الثاني ، قال شيخنا الأعظم : «الثاني منع إفادة القياس للظن خصوصا بعد ملاحظة أن الشارع جمع في الحكم بين ما يتراءى مخالفة ، وفرق بين ما يتخيل متآلفة ، وكفاك في هذا عموم ما ورد أن دين الله لا يصاب بالعقول ، وأن السنة إذا قيست محق الدين ، وأنه لا شيء أبعد عن عقول الرّجال من دين الله

__________________

(*) الأولى بحسب الترتب الطبعي تقديم الجواب الثاني على الأول ، بأن يقال : أنه لا يحصل الظن من القياس أوّلا ، ولا يشمل النهي حال الانسداد على تقدير حصوله منه ثانيا ، لاختصاص الاخبار الناهية عن العمل به بحال الانفتاح.

٧٠

أكثر مما يصلحه» ففي (١) غاية الفساد ، فانه ـ مضافا إلى كون كل واحد

______________________________________________________

وغيرها مما دل على غلبة مخالفة الواقع في العمل بالقياس ... إلخ» وحاصله : أن خروج القياس عن عموم النتيجة تخصصي لا تخصيص في حكم العقل حتى يتوجه الإشكال ، إذ بعد ملاحظة الاخبار الناهية عن العمل به لا يحصل الظن منه حتى يشمله حكم العقل بعموم حجية الظن ليشكل خروجه بنهي الشارع عنه. ومن المعلوم عدم وقوع التهافت حينئذ بين نهي الشارع وبين حكم العقل ، إذ موضوع حكمه هو الطريق المورث للظن بحكم الله لا نفس القياس وان لم يفد الظن ، ومن المسلم عدم حصول الظن منه مع ملاحظة المنع الشرعي ، هذا. وقد نسب في أوثق الوسائل هذين الأمرين الأولين من الأمور السبعة مع الثالث والرابع منها إلى المحقق القمي (قده) ولم يتعرض المصنف للثالث والرابع.

(١) جواب «وأما ما قيل» وضمير «فانه» راجع إلى الموصول في «ما قيل» وهذا شروع في الرّد على الأمرين ـ أي المنعين ـ وهذا الرد على وجهين : أحدهما ما يتضمن لكل من الأمرين جوابا على حدة ، وثانيهما ما يشتركان فيه.

أما الوجه الأول فمحصل الجواب عن الأمر الأول : عدم صحة منع عموم الاخبار الناهية عن العمل بالقياس لحال الانسداد ، ومحصل الجواب عن الأمر الثاني عدم صحة منع حصول الظن من القياس.

أما عدم صحة منع العموم فلجهات ثلاث الأولى : دعوى الإجماع على عموم المنع عن العمل بالقياس لحال الانسداد.

الثانية : إطلاق دليل المنع الشامل لحال الانسداد على ما هو شأن كل إطلاق أحوالي ، قال الشيخ في رد الوجه الأول : «لكن الإنصاف أن إطلاق بعض الاخبار وجميع معاقد الإجماعات يوجب الظن المتاخم بالعلم بل العلم بأنه ليس

٧١

من المنعين غير سديد ، لدعوى (١) الإجماع على عموم المنع (٢) ، مع إطلاق أدلته (٣) ، وعموم علته (٤) ، وشهادة (٥) الوجدان بحصول الظن

______________________________________________________

مما يركن إليه في الدين مع وجود الأمارات السمعية».

الثالثة : عموم علة المنع لحال الانسداد أيضا مثل قولهم عليهم‌السلام في مقام تعليل النهي عن القياس بـ «أن السنة إذا قيست محق الدين» و «أن ما يفسده أكثر مما يصلحه» حيث ان ظاهر التعليل اقتضاء ذات القياس لمحق الدين ومحوه ومن المعلوم أن ما كان من مقتضيات الذات لا يتخلف عنه في حال دون حال كما هو واضح.

وأما عدم صحة منع حصول الظن من القياس فلما سيأتي.

(١) شروع في الجواب عن الأمر الأول المختص به ، وهذا إشارة إلى أول وجوهه الثلاثة.

(٢) يعني : لحال الانسداد.

(٣) أي : أدلة المنع عن القياس ، وهذا إشارة إلى ثاني وجوهه.

(٤) أي : علة المنع مثل «أن السنة إذا قيست محق الدين» وهذا إشارة إلى ثالث وجوهه.

(٥) عطف على «دعوى». وهذا شروع في الجواب عن الأمر الثاني المختص به الّذي أشرنا إليه بقولنا : «وأما عدم صحة منع حصول الظن من القياس فلما سيأتي» وتوضيحه : أنا نمنع عدم حصول الظن من القياس ، بل ربما يحصل منه القطع في بعض الأحيان ، فكيف يقال بعدم حصول الظن منه بعد ملاحظة نهي الشارع. وعليه ، فيعود الإشكال بعدم قابلية حكم العقل للتخصيص. وهذا الجواب أورده الشيخ الأعظم أيضا على الأمر الثاني ، فقال : «وفيه : أن منع حصول الظن من القياس في بعض الأحيان مكابرة مع الوجدان ... إلى أن قال : وأما منعه

٧٢

منه في بعض الأحيان ـ لا يكاد (١) يكون في دفع الإشكال

______________________________________________________

عن ذلك دائما فلا ، كيف وقد يحصل من القياس القطع».

وقد تحصل من كلمات المصنف في الجواب الأول عن الأمرين : أنّا نمنع الأمر الأول بعدم اختصاص المنع بحال الانفتاح ، للإجماع وإطلاق الأدلة وعموم العلة ، كما نمنع الأمر الثاني بأنه قد يحصل الظن في بعض الموارد من القياس فيعود الإشكال. هذا كله في الجواب الأول المختص بكل واحد من الأمرين ، وأما الجواب الثاني المشترك بينهما فسيأتي.

(١) خبر «فانه» واسم «يكون» ضمير راجع إلى الموصول في «ما قيل» المراد به كلا المنعين ، و «بمفيد» خبره ، أي : لا يكون المنع عن عموم الأدلة الناهية ، وكذا المنع عن حصول الظن بمفيد. وهذا هو الجواب الثاني المشترك الورود على كلا الأمرين ـ أعنى المنعين ـ وحاصله : أن هذين الأمرين لا يدفعان إشكال خروج القياس ، والتهافت بين حكمي العقل والشرع ، ضرورة أن الإشكال بخروجه انما هو على فرض حصول الظن منه ، فمنع هذا الإشكال تارة بأن القياس لا يفيده بعد منع الشارع عن العمل به ، وأخرى بجواز العمل بالظن الحاصل من القياس حال الانسداد خروج عن الفرض ، وهدم لموضوع الإشكال ، فهو في الحقيقة تسليم للإشكال ، لا دفع له مع بقاء موضوعه ، والجواب بهذا النحو عن الإشكال نظير الجواب عن الإشكال على عدم إكرام زيد المفروض أنه من العلماء بأنه ليس بعالم ، فان هذا الجواب لا مساس له بالإشكال ـ بعد فرض أنه من العلماء ـ فهو فرار عن الإشكال ان لم يكن تسليما له ، لا أنه جواب عنه كما لا يخفى.

وبالجملة : فلا بد من علاج محذور لزوم تخصيص الحكم العقلي بحجية مطلق الظن ، ولا يرتفع هذا المحذور بدعوى أن نهي الشارع عن العمل بالقياس

٧٣

بالقطع (١) بخروج الظن الناشئ منه بمفيد ، غاية الأمر (٢) أنه لا إشكال (٣) مع فرض أحد المنعين ، لكنه (٤) غير فرض الإشكال ، فتدبر جيدا.

______________________________________________________

مانع عن حصول الظن به ، أو أن نهيه عنه كاشف عن كونه غالب المفسدة ، إذ من المعلوم أن جميع النواهي الشرعية كاشفة عن وجود المفاسد الكامنة في متعلقاتها ـ بناء على مذهب العدلية ـ وهذا لا مساس له بإشكال عدم قابلية حكم العقل للتخصيص في شيء من الحالات.

(١) متعلق بـ «الإشكال» وضمير «منه» راجع إلى القياس.

(٢) لعل الأولى تبديله بما يفيد التعليل كقوله : «لأنه لا إشكال».

(٣) لعدم بقاء موضوع الإشكال مع أحد المنعين ، وهما عدم إفادة القياس للظن ، أو عدم شمول دليل النهي له أصلا كما هو واضح.

(٤) أي : لكن فرض ثبوت أحد المنعين غير فرض الإشكال مع فرض عدمهما ، لأن فرض ثبوت المنعين دفع للإشكال برفع موضوعه ، وهو خلاف فرض دفع الإشكال مع فرض بقاء موضوعه كما هو المطلوب. وبعبارة أخرى : لو سلمنا المنعين المذكورين لزم الخروج عن مورد الكلام وهو فرض إشكال خروج القياس مع افادته الظن وحرمة العمل به حال الانسداد أيضا ، فقوله : «لكنه غير فرض ... إلخ» معناه : أن فرض ثبوت أحد المنعين غير فرض إشكال خروج القياس مع افادته الظن وحرمة العمل به حال الانسداد أيضا.

فالمتحصل : أنه لو سلمنا المنعين فإشكال خروج القياس والتهافت بين حكمي العقل والشرع ـ فيما إذا فرض افادته الظن وعدم ثبوت جواز العمل به حال الانسداد ـ بعدُ باق.

٧٤

فصل

إذا قام ظن على عدم حجية ظن بالخصوص ، فالتحقيق أن يقال (١)

______________________________________________________

الظن المانع والممنوع

(١) الغرض من عقد هذا الفصل بيان ما إذا منع ظن عن العمل بظن مخصوص كما إذا قامت الشهرة على عدم حجية الظن الحاصل من الأولوية ، فانه بناء على تقرير مقدمات الانسداد على نحو الحكومة لا ريب في تساويهما ـ أي المانع والممنوع ـ في نظر العقل من حيث الحجية والاعتبار ، إذ المفروض إفادة كليهما للظن ، ومن المعلوم حينئذ استحالة العمل بكليهما معا ، فهل يقدم الظن المانع ، أو الظن الممنوع ، أو يقدم ما له مرجح منهما ، أو يتساقطان؟ وجوه ، ذهب إلى الأول جمع من المحققين ومنهم المصنف (قده) وتوضيح ما أفاده في وجهه بقوله : «لا استقلال للعقل» : أن حكم العقل بحجية الظن معلق على إحراز عدم الردع عنه ، فاحتماله مانع عن حكمه بها ، ومع احتمال المنع عن الأولوية الظنية مثلا ـ فضلا عن قيام الظن على عدم اعتبارها ـ لا يستقل العقل بحجية الظن الحاصل منها ، لما تقدم في الفصل السابق من عدم استقلال العقل بحجية الظن مع احتمال المنع عنه شرعا ، فلا بد من الاقتصار على ظن لا يحتمل المنع عنه أصلا وهو الظن المانع كالشهرة في المثال المتقدم ، فان وفى بالاحكام ، وإلا ضم إليه ظن احتمل المنع عنه ـ لا ما ظن بعدم اعتباره ـ ويكون الظن الّذي يحتمل المنع عنه حجة شرعا ، ولا يعتنى باحتمال

٧٥

بعد تصور المنع (١) عن بعض الظنون في حال الانسداد أنه لا استقلال للعقل بحجية ظن احتمل المنع عنه (٢) (*) فضلا عما إذا ظن (٣) كما أشرنا إليه في الفصل السابق (٤) ، فلا بد (٥) من الاقتصار على ظن قطع بعدم

______________________________________________________

المنع عنه ، وذلك للعلم باهتمام الشارع بالاحكام ، والمفروض قيامه ببعضها ، فيجب الأخذ به ، قال الشيخ الأعظم : «المقام الثاني فيما إذا قام ظن من أفراد مطلق الظن على حرمة العمل ببعضها بالخصوص ، لا على عدم الدليل على اعتباره ، فيخرج مثل الشهرة القائمة على عدم حجية الشهرة ، وفي وجوب العمل بالظن الممنوع أو المانع أو الأقوى منهما أو التساقط وجوه بل أقوال».

(١) يعني : بعد إمكانه كالقياس ، إذ بناء على استحالة المنع حتى عن مثل القياس ـ كما مال إليها بعض في الفصل السابق في دفع إشكال خروج القياس عن نتيجة دليل الانسداد بناء على الحكومة ـ يمتنع فرض قيام ظن كالشهرة على المنع عن ظن آخر كالأولوية. لكن قد عرفت هناك عدم استحالة المنع ، بل إمكانه ووقوعه كالمنع عن القياس نظرا إلى أن حكم العقل بحجية الظن تعليقي لا تنجيزي.

(٢) أي : عن ظن محتمل المنع ، وضمير «انه» للشأن.

(٣) أي : ظنّ المنعُ عن ذلك الظن كالأولوية في المثال المتقدم.

(٤) حيث قال : «ضرورة عدم استقلاله بحكم مع احتمال وجود مانعة على ما يأتي تحقيقه في الظن المانع والممنوع».

(٥) هذا نتيجة عدم استقلال العقل بحجية ظن ظن أو احتمل المنع عنه ، وعلى هذا فاستقلال العقل بحجية الظن لا يكون في مورد الظن بالمنع أو احتماله ،

__________________

(*) إلّا أن يقال : ان المانع ليس هو الردع بوجوده الواقعي ، بل بوجوده العلمي فاحتمال وجوده واقعا ـ مع عدم إحرازه ـ غير قادح في استقلال العقل بحجيته ، فوزان الرادعية وزان الحجية في عدم ترتب الأثر عليها الا بعد العلم بها.

٧٦

المنع عنه (١) بالخصوص (٢) ، فان كفى (٣) ، وإلّا (٤) فبضميمة ما لم يظن المنع عنه وان احتمل (٥) مع قطع النّظر عن مقدمات الانسداد وان انسدّ باب هذا الاحتمال معها كما لا يخفى ، وذلك ضرورة أنه (٦) لا احتمال مع الاستقلال حسب الفرض (٧).

______________________________________________________

بل ينحصر في مورد واحد وهو القطع بعدم ردع الشارع عنه.

(١) كالخبر الواحد الّذي يعلم بعدم الردع عنه بالخصوص.

(٢) يعني : لا بنحو العموم المقتضي لعدم حجية شيء من الظنون ، مثل قوله تعالى : «ان الظن لا يغني من الحق شيئا» الدال على عدم حجية شيء من الظنون ضرورة أنه لا عبرة بهذا النهي العام ، للزوم رفع اليد عنه بدليل الانسداد المقتضي لحجية الظن.

(٣) يعني : فهو المطلوب ، ولم يجز التعدي عنه إلى موهوم المنع أو مشكوكه فضلا عن محتمله أو مظنونه.

(٤) أي : وان لم يكفِ ما قطع بعدم الردع عنه بالخصوص في استفادة الأحكام ، فلا بد من ضم ما يحتمل المنع عنه إليه دون ما ظنّ المنع عنه.

(٥) أي : وان احتمل المنع عن بعض الظنون بلحاظ حال الانفتاح ، فان ذلك الاحتمال مانع عن حجيته حاله لا حال الانسداد ، لعدم العبرة ـ حال الانسداد ـ باحتمال المنع ، وضمير «معها» راجع إلى المقدمات.

(٦) الضمير للشأن ، وهذا تعليل لانسداد باب احتمال المنع عن بعض الظنون مع مقدمات الانسداد ، وحاصله : أنه ـ مع مقدمات الانسداد ـ ينسد باب احتمال المنع عن بعض الظنون ، فلو لم ينسد بابه لزم عدم استقلال العقل بحجية الظن والمفروض استقلاله.

(٧) أي : فرض الانسداد. والمتحصل مما أفاده : أن الظنون غير المحتمل منعها

٧٧

ومنه (١) انقدح أنه لا تتفاوت الحال لو قيل بكون النتيجة هي

______________________________________________________

ان كانت وافية بمعظم الفقه ، فالعقل يحكم بحجيتها فقط ولا يحكم باعتبار ما يحتمل منعه من الأمارات فضلا عن مظنون المنع ، وان لم تكن وافية فيضم إليها ما لا يظن المنع عنه وان احتمل مع الغض عن مقدمات الانسداد وانسد هذا الاحتمال بسببها ، لمنافاته لاستقلال العقل كما عرفت.

(١) هذا رد لما استظهره الشيخ الأعظم (قده) من كلمات جمع من المحققين في مسألة تقديم الظن المانع أو الممنوع من ابتناء الأقوال فيها على ما يستفاد من دليل الانسداد ، وأن تقديم الظن الممنوع مبني على القول بأن النتيجة حجية الظن في الفروع ، وتقديم الظن المانع مبني على القول بأن النتيجة حجيته في الأصول ، قال الشيخ : «ذهب بعض مشايخنا إلى الأول بناء منه على ما عرفت سابقا من بناء غير واحد منهم على أن دليل الانسداد لا يثبت اعتبار الظن في المسائل الأصولية التي منها مسألة حجية الظن الممنوع ، ولازم بعض المعاصرين الثاني ـ أي تقديم المانع ـ بناء على ما عرفت منه من أن اللازم بعد الانسداد تحصيل الظن بالطريق ، فلا عبرة بالظن بالواقع ما لم يقم على اعتباره الظن ، وقد عرفت ضعف كلا البناءين ... إلخ».

وقول المصنف «ومنه انقدح ... إلخ» يعني : ومما حققناه بقولنا : «ضرورة أنه لا احتمال مع الاستقلال» ظهر : أنه لا تتفاوت الحال في وجوب الأخذ بالمانع وطرح الممنوع بين ما اختاره صاحب الفصول وغيره من اقتضاء مقدمات الانسداد حجية الظن في الأصول أي بالطرق المتكفلة للأحكام فقط ، وبين ما ذهب إليه آخرون كصاحب الرياض وشريف العلماء على ما حكي عنهما (قدهما) من اختصاص حجية الظن بالفروع فقط ، وبين ما اختاره المصنف تبعا للشيخ من اقتضائها حجيته إذا تعلق بكل من الواقع والطريق ، وأن الأقوال في هذه المسألة ليست مبنية على ما يستفاد من دليل الانسداد.

٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وجه عدم تفاوت الحال ما عرفت من أنه مع احتمال المنع فضلا عن ظنه لا استقلال للعقل بحجية الظن ، سواء كانت نتيجة الانسداد حجية الظن بالفروع أم بالأصول أم بهما ، أما الأول أعني عدم استقلال العقل بحجية غير الظن المانع فيما إذا كانت نتيجة الانسداد حجية الظن بالفروع ، فلان احتمال عدم حجية ظن بالفروع كاف في منع استقلال العقل بحجية ذلك الظن بعد ما تقدم من أن المانع هو الردع الواقعي اللازم منه كفاية احتماله في منع استقلال العقل ، فدليل الانسداد وان لم يثبت حجية خصوص الظن بالطريق أي الظن المانع ، لكنه لا يثبت عدم حجيته أيضا ، فهو باق تحت عموم نتيجة دليل الانسداد. وهذا بخلاف الظن الممنوع المتعلق بالفروع ، فان احتمال حجية الظن المانع الموجب لاحتمال عدم حجيته ـ أي الظن الممنوع ـ لمّا كان باقيا على حاله ، لشمول دليل الانسداد له كما تقدم ، فهو يمنع استقلال العقل بحجية الظن الممنوع.

وأما الثاني ـ أعني عدم استقلاله بحجية غير الظن المانع فيما إذا كانت النتيجة حجية الظن بالطريق ـ فلان المفروض اقتضاء دليل الانسداد لحجيته ، فالعقل مستقل بها ، فيكون الظن المانع هو الحجة فقط ، فلا يجوز العمل بالممنوع.

وأما الثالث ـ أعنى عدم استقلاله بحجية غير المانع فيما إذا كانت النتيجة حجية الظن بالفروع والطريق معا ـ فلان دليل الانسداد وان كان مقتضيا لحجية كل من الظن بالفروع والأصول ـ أي الممنوع والمانع ـ إلّا أن اقتضاءه لحجية المانع تنجيزي لعدم إناطته بشيء ، واقتضائه لحجية الممنوع تعليقي ، يعني أنه معلق على عدم ما يمنع استقلال العقل بحجيته ، وحيث ان شمول نتيجة الانسداد للظن المانع موجب لسلب استقلال العقل بحجية الظن الممنوع فيسقط عن الحجية ، فيكون المانع هو الحجة دون الممنوع.

٧٩

حجية الظن في الأصول أو في الفروع أو فيهما ، فافهم (١) (*).

______________________________________________________

(١) لعله إشارة إلى ضعف الاستظهار المذكور في نفسه ، وأن ما بنى عليه المحققون في نتيجة دليل الانسداد من حجية الظن في الفروع أو الأصول لا يقتضي ما استظهره شيخنا الأعظم (قده) منه من حجية الظن الممنوع أو المانع ، قال المصنف (قده) في حاشيته على الرسائل معلقا على قول الشيخ «بناء منه» ما لفظه : «لا يخفى أن هذا البناء لا يقتضي وجوب العمل بالممنوع ، ضرورة أن عدم حجية الظن الا في الفروع لا يلازم حجيته فيها مطلقا ولو ظن عدم اعتباره ... إلى أن قال : كما أنه ليس لازم من ذهب إلى حجية الظن في الأصول حجية المانع مطلقا ، لإمكان أن يكون كل من المانع والممنوع فيها ، كما لو قام ظن على عدم حجية ظن قام على حجية أمارة أو أصل ، وانما يصح ذلك فيما كان الممنوع في فرع».

__________________

(*) هذا كله على الحكومة التي بنى عليها المصنف ، ولم يذكر هنا ما يترتب على الكشف ، فنقول : بناء عليه ان كانت النتيجة الطريق الواصل بنفسه أو بطريقه تعين العمل بالمانع بناء على اعتبار الظن في مقام الترجيح ، حيث ان الظن بالمنع يوجب الظن بكون الطريق المنصوب غيره. وان كانت النتيجة الطريق في الجملة ولو لم يصل ، فعلى تقدير إمكان الاحتياط ووجوبه يجب العمل بالممنوع ، لأنه من أطراف الشبهة وان كان مظنون المنع. وعلى تقدير عدم إمكانه أو عدم وجوبه لا سبيل إلى الأخذ به مع الظن بعدم اعتباره بل لا بد من الأخذ بالمانع ، فتأمل.

٨٠