ولا يخفى أيضاً أنّه يمكن سوق كلّ واحد من الدليلين على وجه يكون دليلاً مستقلاً لاثبات حجّية الظنّ بالطريق ، لا أنّه يكون من فروع دليل الانسداد ، وأنّه على تقدير تمامية مقدّمات دليل الانسداد هل تكون النتيجة هي حجّية الظنّ بالواقع أو حجّية الظنّ بالطريق. وإن شئت قلت : إنّ الأوّل استدلال بالانسداد في نفس الطريق ، والثاني استدلال بالانسداد فيما يكون محصّلاً للحكم الشرعي بالفراغ.
فالأولى جعلهما دليلين مستقلّين كما صنعه صاحب الحاشية وصاحب الفصول ، فإنّ الذي صنعه صاحب الحاشية هو جعل الدليلين المذكورين مع باقي الأدلّة الثمانية من أدلّة الظنون الخاصّة ، في قبال القول بحجّية مطلق الظنّ ، وجعل دليل الانسداد هو الأوّل من أدلّة حجّية مطلق الظنّ ، والثاني منها هو الرجوع إلى الكتاب والسنّة ، فإن تمكّنا من ذلك بطريق العلم ، وإلاّ كان اللازم هو طريق الظنّ ، والثالث هو دفع الضرر المظنون.
وأمّا صاحب الفصول فإنّه ذكر لحجّية الخبر أدلّة ثمانية أو عشرة على اختلاف النسخ ، أربعة منها الآيات الشريفة ، الخامس الإجماع ، السادس سيرة المسلمين ، السابع قوله تعالى : ( وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ) الخ (١) الثامن الأخبار المتواترة ، التاسع أنّه تمسّك وطاعة للعترة الطاهرين ، العاشر الدليل المعروف بدليل انسداد باب العلم ، وقرّره بوجهين : الأوّل منهما قال فيه : وهو المعتمد وإن لم يسبقني إليه أحد : وهو أنّا كما نقطع بأنّا مكلّفون ، إلى آخر ما ذكره بما تقدّم نقله (٢). الوجه الثاني وهو المعروف في ألسنة المتأخّرين : أنّ التكليف بالأحكام ثابت في حقّنا
__________________
(١) التوبة ٩ : ٦١.
(٢) راجع فوائد الأُصول ٣ : ٢٨١.