وإنّما هي ـ أعني حجّية القطع ـ عقلية صرفة ، فلا يكون الملازم للقطع بالفراغ عند العمل على طبق القطع إلاّ أنّ نفس الحكم الشرعي الواقعي المقطوع به ملازم للحكم الشرعي بأنّ الاتيان بمتعلّقه مجزئ ومبرئ للذمّة ، وحينئذ فيكون الظنّ بالحكم الواقعي ملازماً للظنّ بالفراغ بالعمل على طبقه ، حتّى لو كان ذلك الظنّ المتعلّق بالواقع حاصلاً من القياس ، غايته أنّ ذلك الظنّ القياسي لو كان مخالفاً للواقع لكان غير موجب للمعذورية ، لا أنّه ـ أعني ذلك الظنّ ـ غير موجب للظنّ بالحكم الشرعي بالفراغ ، فإنّا لو قلنا بأنّ الظنّ القياسي المتعلّق بالواقع غير موجب للظنّ بالحكم الشرعي بالفراغ ، لكان الظنّ القياسي المتعلّق بحجّية طريق مثل الشهرة غير موجب للظنّ بالحكم الشرعي بالفراغ.
وبالجملة : كما أنّ الظنّ المتعلّق بالواقع قد يكون مظنون الاعتبار و[ قد ] يكون مشكوكه وقد يكون اعتباره معلوم العدم ، فكذلك الظنّ المتعلّق بحجّية الطريق فإنّه أيضاً قد يكون مظنون الاعتبار ، وقد يكون مشكوكه ، وقد يكون اعتباره معلوم العدم.
ثمّ إنّ الظاهر ممّا أفاده شيخنا قدسسره في مناقشاته مع صاحب الحاشية هو أنّه راجع إلى إنكار المقدّمة الأُولى ، وأمّا ما أفاده قدسسره أخيراً (١) من أنّه لا أثر للطريق مع عدم وصوله إلى المكلّف وعدم العلم التفصيلي بجعله ، فهو راجع إلى ما أورد به فيما تقدّم على ذلك الدليل العقلي الذي استدلّوا به لحجّية خبر الواحد ، وعلى الدليل المتقدّم لحجّية الظنّ بالطريق ، وقد تقدّم تفصيل البحث فيه ، فراجع (٢) وتأمّل.
__________________
(١) فوائد الأُصول ٣ : ٢٩٢ ـ ٢٩٣.
(٢) راجع المجلّد السادس من هذا الكتاب ص ٤٩٩ وما بعدها.