وحينئذ نقول : إن صحّ لنا تحصيل العلم بتفريغ الذمّة في حكم الشارع فلا إشكال في وجوبه وحصول البراءة به ، وإن انسدّ علينا سبيل العلم به كان الواجب علينا تحصيل الظنّ بالبراءة في حكمه ، إذ هو الأقرب إلى العلم به ، فيتعيّن الأخذ به عند التنزّل من العلم في حكم العقل بعد انسداد سبيل العلم والقطع ببقاء التكليف ، دون ما يحصل معه الظنّ بأداء الواقع كما يدّعيه القائل بأصالة حجّية الظنّ ، وبينهما بون بعيد ، إذ المعتبر في الوجه الأوّل هو الأخذ بما يظنّ كونه حجّة لقيام دليل ظنّي على حجّيته ، سواء حصل منه الظنّ بالواقع أو لا ، وفي الوجه الثاني لا يلزم حصول الظنّ بالبراءة في حكم المكلّف ، إذ لا يستلزم مجرّد الظنّ بالواقع ظنّاً باكتفاء المكلّف بذلك الظنّ في العمل ، سيّما بعد ما ورد من النهي عن العمل بالظنّ والأخذ به ، فإذا تعيّن تحصيل ذلك بمقتضى حكم العقل حسبما عرفت ، لزم اعتبار أمر آخر يظنّ معه برضا المكلّف بالعمل به ، وليس ذلك إلاّ الدليل الظنّي الدالّ على حجّيته ، فكلّ طريق قام دليل ظنّي على حجّيته واعتباره في نظر الشرع يكون حجّة ، دون ما لم يقم عليه (١) ، انتهى كلامه قدسسره.
قوله قدسسره : وأنّ الواجب علينا أوّلاً هو تحصيل العلم بتفريغ الذمّة في حكم المكلّف الخ.
المكلّف بالكسر ، والمراد ـ كما فسّره به ـ هو أنّه يجب علينا أوّلاً أي في حال الانفتاح تحصيل العلم بحكم الشارع بفراغ ذمّتنا من التكاليف الواقعية ، أي يجب علينا أن نعمل عملاً نقطع بأنّ الشارع حكم عليه بأنّه مفرغ للذمّة.
قوله : بأن يقطع معه الخ.
لا وقع لهذا الظرف ، والصواب إسقاطه ، إذ لا مرجع في العبارة لضميره.
__________________
(١) هداية المسترشدين ٣ : ٣٥١ ـ ٣٥٢.