قلت : قد عرفت فيما تقدّم (١) أنّه لو كانت تلك الطرق هي الطرق العقلائية وقد جعلها الشارع إمضاءً لا تأسيساً ، لكان بقاؤها إلى زماننا كما هو المفروض موجباً لانحلال العلم الاجمالي الكبير ، ولا وجه لما حرّرته عنه بقولي : ومدّعي العلم الاجمالي به غير مجازف ، وذلك لأنّ العلم بحجّية تلك الطرق يكون تفصيلياً لا إجمالياً ، ومعه لا يتمّ لصاحب الفصول ما أراده من إثبات حجّية الظنّ بالطريق. نعم لو كان الممضى هو بعض تلك الطرق ولم يعيّنه لنا الشارع ، لكان من قبيل العلم الاجمالي ، لكنّك قد عرفت أنّ الايكال إلى بعض تلك الطرق من دون تعيينه أسوأ حالاً من عدم جعل الطرق ، الذي قلنا إنّه لا يجتمع مع جعل الأحكام ، إلاّ أن يدّعي صاحب الفصول أنّ ذلك الطريق العقلائي قد عيّنه الشارع ، إلاّ أنّ ذلك التعيين لم يصل إلينا ، وحينئذ يكون عدم وصول التعيين إلينا محقّقاً للعلم الاجمالي في حقّنا.
وحينئذ لا يمكن الجواب عنه إلاّبدعوى القطع بعدم التعيين ، وإلاّ فإنّ أصالة عدم التعيين لا تثبت أنّ الذي أوكلنا الشارع إليه هو مطلق الطرق العقلائية وحينئذ يكون احتمال التعيين كافياً في تحقّق العلم الاجمالي ، فتأمّل
قوله : إذ فيه أنّ ما هو المتيقّن في النصب من هذه الطرق هو ما ذكره بقوله وثانياً ، وهو الخبر المفيد للاطمئنان ، وقد عرفت أنّه قليل لا يفي بالأحكام الشرعية ، والطرق الأُخر ليس فيها ما هو متيقّن الاعتبار ، بل احتمال النصب في كلّ واحد منها على حدّ سواء ... الخ (٢).
يمكن التأمّل فيه بما عرفت في الايراد الثاني.
__________________
(١) في الحاشية السابقة.
(٢) فوائد الأُصول ٣ : ٢٨٤.