داخل فيما يفعله المكلّف بداع نفساني ، فيكون هذا المثال في باب الأوامر نظير ترك ستر العورة من الشريف في باب النواهي.
ثمّ لو تصوّرنا مثالاً للصورة المفروضة ، لأمكننا أن نقول بقبح الأمر فيها لا من [ جهة ] كون الأمر له نظر إلى مخالفته كالنهي من حيث تضمّنه المنع والزجر ، بل من جهة أنّ نفس البعث إلى ما يكون تركه غير مقدور عادة يكون قبيحاً ، وإن قلنا بحسن الأمر فيما يفعله المكلّف من قبل نفسه ، والفارق هو أنّ ما يفعله من قبل نفسه يمكنه تركه فيصحّ الأمر به ، بخلاف ما لا يمكنه تركه عادة ، فتأمّل.
لا يقال : قد اعترفتم بأنّه لابدّ في حسن النهي من كون ضدّ المطلوب به ممكناً عادة ، ولازم ذلك عدم صحّة الأمر بالشرب من تلك الآنية ، لأنّ الأمر بالشيء عين النهي عن تركه أو لازمه الذاتي ، والنهي المتعلّق بالترك يستدعي إمكان ضدّ متعلّقه إمكاناً عادياً ، والمفروض أنّ النهي المتعلّق بترك الشرب أعني قوله : لا تترك الشرب من تلك الآنية ، لا يكون ضدّه إلاّ الشرب نفسه ، المفروض كونه غير ممكن عادة.
لأنّا نقول : إنّ النهي عن الترك الذي هو لازم الأمر بالشيء أو عينه ، لا يزيد على نفس الأمر في مقتضياته ، لأنّه عينه أو هو منتزع منه ، فتأمّل.
وخلاصة المبحث : أنّ التكاليف التحريمية بالنسبة إلى ما هو المطلوب فيها الذي هو الترك لا يعتبر فيها أزيد من القدرة العقلية عليه ، لكن بالنسبة إلى ضدّ ذلك المطلوب أعني نفس الفعل لابدّ من القدرة العادية ، فالقدرة بالنسبة إلى موافقة التحريم يكفي فيها القدرة العقلية ، وبالنسبة إلى الطرف المخالف لابدّ من القدرة العادية.
وهذا بخلاف الأوامر فإنّها لا يعتبر فيها أزيد من القدرة على موافقتها قدرة