بالاجتناب عمّا لا يقدر عقلاً على ارتكابه محالاً ، إمّا لكونه تحصيلاً للحاصل ، وإمّا لكون التكليف بالاجتناب عنه قبيحاً ، لأنّ الغرض من النهي هو إحداث الداعي إلى الاجتناب حيث يمكن أن تنقدح إرادة العبد للارتكاب ، فإذا لم يكن انقداح إرادة العبد ممكناً كان النهي عنه قبيحاً.
وأمّا القسم الثاني فالأولى أن يعلّل عدم التنجّز فيه بما مرّ (١) الكلام فيه في انحلال العلم الاجمالي بما إذا كان بعض أطرافه معلوم الحرمة تفصيلاً ، من دون حاجة إلى تكلّف أنّ غير المقدور شرعاً ملحق بغير المقدور عقلاً ، وعليه فلا فرق حينئذ بين كون احتمال الإذن أو الشراء من صاحبه قريباً أو بعيداً.
والأولى أن يمثّل لذلك بما إذا وجب إتلاف أحد الطرفين في جهة خاصّة مثل إطفاء نار يخشى منها على النفس أو إسقائه لنفس محترمة من جهة خوف التلف عليها من العطش ، ومثله أيضاً ما لو توقّف حفظ نفسه على شربه خوف التلف من العطش ، فإنّ مخالفة النهي المتعلّق باستعمال ذلك الطرف فيما لا يجوز استعماله فيه إلاّبالطهارة تكون غير مقدورة شرعاً ، فتأمّل.
وأمّا القسم الثالث وهو المعبّر عنه بالخروج عن محلّ الابتلاء ، فخلاصة العلّة في سقوط العلم الاجمالي به هو ما أشرنا إليه أخيراً في القسم الأوّل ، وهو أنّ النهي إنّما يحسن عند إمكان تعلّق إرادة العبد بارتكاب المنهي عنه ، وإذا كان الارتكاب ممتنعاً عادة بحيث إنّه كان الارتكاب غير ممكن عادة ، كان تعلّق إرادة العبد به غير ممكن عادة ، فلا يتحقّق ملاك حسن النهي ، وهو إمكان تعلّق إرادة العبد بالارتكاب. وقد شرحنا ذلك مفصّلاً وأوضحناه بما لا يمكننا المزيد عليه فعلاً في شرح عبارة الأُستاذ قدسسره في الوسيلة المتعلّقة بهذه المباحث.
__________________
(١) راجع فوائد الأُصول ٤ : ٣٧ وما بعدها.