ولا يخفى أنّ هذه الجملة لو تمّت لكانت هادمة لأساس مسلك شيخنا قدسسره من التعارض ، لأنّها توجب استحالة الترخيص في بعض الأطراف ، لأنّ الترخيص إن كان اقتضائياً ، بمعنى كون الطرف في حدّ نفسه مشكوكاً يكون مقتضياً للترخيص مع قطع النظر عن العلم الاجمالي ، فهذا الترخيص لا محصّل له ولا يترتّب عليه أثر عملي. وإن كان الترخيص فعلياً حتّى مع النظر إلى العلم الاجمالي فهو لا دليل عليه ، لأنّ الترخيصات الشرعية منحصرة بما كان المورد قد توجّه الشكّ فيه إلى أصل توجّه التكليف به ، وما نحن فيه لم يكن الشكّ فيه كذلك ، بل كان الشكّ فيه راجعاً إلى انطباق التكليف المعلوم عليه ، وحينئذ لا يكون شيء من أطراف العلم الاجمالي مورداً للأُصول الترخيصية كي يكون جريانه في أحد الأطراف معارضاً بجريانه في الطرف [ الآخر ].
وعمدة الكلام إنّما هو في هذه الجملة ، فنقول بعونه تعالى : أمّا الترخيص الاقتضائي المعبّر عنه بالطبعي فلا أصل له أصلاً ، فإنّ الأدلّة المتكفّلة للترخيص مثل حديث الرفع (١) و « كلّ شيء لك حلال » (٢) ونحوهما ، دالّة على الترخيص الفعلي ، بل لا محصّل للترخيص الاقتضائي. وأمّا الترخيص الفعلي فلا مانع منه ، فإنّ كلّ واحد من الأطراف مشكوك الحكم ولو من ناحية الشكّ في انطباق التكليف المعلوم عليه. على أنّ نفس الشكّ في انطباق المعلوم بنفسه مورد لحديث الرفع ، وكاف في انطباق « ما لا يعلمون » عليه ، بمعنى أنّ ذلك التكليف المعلوم أعني الوجوب المردّد بين كونه صلاة الجمعة أو صلاة الظهر ، يكون مرتفعاً على تقدير انطباقه على وجوب صلاة الجمعة ، لأنّ نفس ذلك التكليف
__________________
(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٦٩ / أبواب جهاد النفس ب ٥٦ ح ١.
(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٨٧ و ٨٩ / أبواب ما يكتسب به ب ٤ ح ١ ، ٤.