وكان في الدرس ـ كما حرّرته عنه ـ قد بنى هذه المسألة على أنّ العلم المتعلّق بالقدر الجامع بالنسبة إلى تنجّز ذلك القدر الجامع هل هو من قبيل الجهة التعليلية ، أو أنّه من قبيل الجهة التقييدية. وعلى الأوّل يسري التنجّز إلى الأطراف وإن لم يكن العلم سارياً إليها ، وعلى الثاني لا يكون التنجّز سارياً إلى الأطراف. والذي اختاره هناك وهنا هو الأوّل ، وهذا هو أساس نظريته في كون العلم علّة تامّة في لزوم الموافقة القطعية ، وأنّه بنفسه مانع من جريان الأصل في أحد الأطراف وإن لم يكن في البين تعارض.
ولا يخفى أنّ المحكّم في عالم التنجيز هو الوجدان ، فهل يحكم الوجدان بأنّ القدر الجامع بعد أن تنجّز بالعلم يكون تنجّزه سارياً إلى أفراده التي لا يكون انطباق ذلك الكلّي عليها معلوماً ، فراجع وجدانك في علمك بوجوب إكرام العالم ، وهل ترى أنّ ذلك التكليف الكلّي المنجّز بالعلم يكون منجّزاً في إكرام من شكّ في كونه عالماً ، لاحتمال انطباق ذلك الكلّي عليه. وإن قلت : إنّ هذا المثال من قبيل الانحلال ، والمقدار المعلوم عالميته هو المنجّز دون من شكّ في عالميته. فافرض المثال من قبيل الكلّي الطبيعي ، وعلّق الوجوب أو التحريم به بنحو الطبيعة السارية. على أنّ الانحلال لا يدفع الإشكال بعد فرض أنّ المكلّف قد علم بوجوب إكرام كلّ فرد من أفراد هذه الطبيعة ، وأنّ التنجّز سارٍ من الكلّي إلى أفراده ، فتأمّل جيّداً ودع عنك دعوى كون المعلوم الاجمالي كلّياً وقدراً جامعاً بين الطرفين ، بل قل إنّه شخص خارجي. وانظر إلى الوجوب في مسألة الدوران بين الظهر والجمعة ، فلا ترى إلاّ أنّك قد علمت وانكشف لديك ذات الوجوب بما أنّه ذات الوجوب معرّى عن كونه وجوب ظهر أو وجوب جمعة ، وترى أنّ كون ذلك الوجوب المنكشف لديك هو وجوب جمعة أو وجوب ظهر مجهول