ثمّ إنّ التعارض على تقدير القول بإخراج أحدهما وبقاء الآخر إنّما جاء من قبل كون إجراء العموم في هذا بعينه ترجيحاً بلا مرجّح ، وهذا بعينه متأت على تقدير التقييد ، بأن نقول بأنّه يجوز ارتكاب كلّ منهما عند الاجتناب عن الآخر ، فإنّ أيّ واحد منهما يريد أن يجعله مورداً للعموم وجواز الارتكاب يكون اختياره ترجيحاً بلا مرجّح. نعم في مثل الغريقين لابدّ من الاختيار ، للوجوب الموجود في البين المانع من إسقاطهما ، بخلاف أحد طرفي العلم الاجمالي بالحرمة في البين فتأمّل.
وأمّا مسألة الجمع بين الأُختين فليس المانع هو عدم إمكان الجمع عقلاً ، بل هو حرمة الجمع شرعاً ، وهي عبارة أُخرى عن الحكم الشرعي بأنّه يجوز له العقد على الواحدة المعيّنة منهما عند عدم العقد على الأُخرى ، وأنّ الحرام هو العقد عليها في ظرف كون الأُخرى معقوداً عليها ، فلا تنتهي النوبة فيه إلى الترجيح بلا مرجّح ، فتأمّل جيّداً.
ثمّ إنّه تقدّم لشيخنا قدسسره عبارة في كيفية التعارض في الأُصول حاصلها : أنّ نسبتها إلى كلّ واحد من الأطراف على حدّ سواء ، ولا يمكن أن تجري في الجميع لأنّه يلزم المخالفة القطعية ، ولا في الواحد المعيّن لأنّه يلزم الترجيح بلا مرجّح ، ولا في الواحد لا بعينه لأنّ الأُصول إنّما تجري في كلّ طرف بعينه ، ومقتضى ذلك هو سقوط الأُصول بالنسبة إلى جميع الأطراف (١).
وهذا المفاد هو عبارة عن كيفية التعارض والتساقط بين المتعارضين ، سواء كانا من الأُصول العملية في أطراف العلم الاجمالي ، أو كانا من قبيل الأخبار ، أو كانا من سائر الأمارات. ولعلّه هو المراد أيضاً من عبارة الكفاية التي تقدّم نقلها
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٢٥.