ثمّ إنّه قد تقدّم في هذا التحرير :
قوله : فمن الأوّل ما إذا ورد عام كقوله : أكرم العلماء ، وعلم بخروج زيد وعمرو عن العام ولكن شكّ في أنّ خروجهما هل هو على وجه الاطلاق ... الخ (١).
ولا يخفى أنّه لو كان الشكّ بهذه الصورة التي أفادها ، يكون المتعيّن هو التخيير في قبال الحكم بخروجهما معاً ، وحينئذ يخرج عمّا هو محلّ الكلام من الدوران بين التخيير والتعارض ، ولو أردنا جعله ممّا نحن فيه لابدّ لنا من فرض المسألة بصورة أُخرى ، بأن نفرض حصول العلم بأنّ المولى لا يريد الجمع في الاكرام بين زيد وعمرو ، فإن كان الخارج هو أحدهما كانت النتيجة هي معارضة العام في كلّ منهما به في الآخر ، لأنّ إخراج مفهوم أحدهما لا محصّل له ، وإخراج زيد دون عمرو أو العكس ترجيح بلا مرجّح ، فتكون النتيجة هي التعارض في العام بالنسبة إلى كلّ منهما والتساقط والرجوع في كلّ منهما إلى الأُصول ، نظير ما لو كان الخارج هو زيداً وتردّد بين شخصين بالشبهة المفهومية أو بالشبهة المصداقية. وإن كان الخارج هو كلاً منهما في حال الإقدام على إكرام الآخر ، كانت النتيجة هي التخيير ، ثمّ نرجّح الطريقة الثانية لكون التخصيص فيها أحوالياً على الأُولى لكون التخصيص فيها أفرادياً.
ومن ذلك يظهر لك : أنّ القول بالتساقط في المثال الآتي ـ أعني مثال عدم القدرة ـ إنّما هو مبني على التخصيص الأفرادي في أحد الغريقين ، والقول بالتخيير فيه إنّما هو مبني على الأخذ بالتخصيص الأحوالي.
ثمّ لا يخفى أنّ التخصيص الأحوالي إنّما يقدّم على الأفرادي فيما لو دار
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٢٩.