الطريقية كما هو ظاهر أدلّة حجّية الأخبار بل غيرها من الأمارات ، بمعنى أنّ الشارع لاحظ الواقع وأمر بالتوصّل إليه من هذا الطريق ، لغلبة إيصاله إلى الواقع ، فالمتعارضان لا يصيران من قبيل الواجبين المتزاحمين ، للعلم بعدم إرادة الشارع سلوك الطريقين معاً ، لأنّ أحدهما مخالف للواقع قطعاً ، فلا يكونان طريقين إلى الواقع ، ولو فرض محالاً إمكان العمل بهما ، كما يعلم إرادته لكلّ من المتزاحمين في نفسه على تقدير إمكان الجمع ـ إلى أن قال ـ فإذا تعارض خبران جامعان لشرائط الحجّية لم يعقل بقاء تلك المصلحة في كلّ منهما ( يعني مصلحة الإيصال إلى الواقع في كلّ منهما ) بحيث لو أمكن الجمع بينهما أراد الشارع إدراك المصلحتين ، بل وجود تلك المصلحة في كلّ منهما بخصوصه مقيّد بعدم معارضته بمثله ، ومن هنا يتّجه الحكم حينئذ بالتوقّف ، فراجعه ـ إلى قوله قدسسره ـ هذا ما تقتضيه القاعدة في مقتضى وجوب العمل بالأخبار من حيث الطريقية (١).
ولا يبعد أنّ مطلب الكفاية مأخوذ من قوله : للعلم بعدم إرادة الشارع سلوك الطريقين معاً ، لأنّ أحدهما مخالف للواقع قطعاً. لكن العبارة مشتملة على مطلب آخر لعلّه هو السبب في دعوى عدم إرادة الشارع لكلّ منهما ، وهو وحدة الملاك الذي هو الوصول إلى الواقع ، حتّى أنّ المكلّف لو أمكنه العمل بهما معاً فالشارع لا يريد إلاّ أحدهما.
ولا يخفى أنّا لو نظرنا إلى الجهة الأُولى وهي العلم بأنّ أحدهما مخالف للواقع ، كانت هذه الجهة جارية في الأُصول المتعارضة في باب العلم الاجمالي ، للعلم بأنّ أحدها خارج عن دليل حجّية الأُصول ، للعلم بأنّ أحدها مخالف للواقع. ولو نظرنا إلى الجهة الثانية كانت غير جارية في الأُصول المذكورة ،
__________________
(١) فرائد الأُصول ٤ : ٣٧ ـ ٣٩.