بل التزموا بالتخيير المبني على التصرّف في العموم الأحوالي ، لتكون النتيجة هي جواز نكاح كلّ منهما مقيّداً بعدم نكاح الأُخرى.
نعم ، في تعارض الخبرين خصوصية توجب كونه من قبيل التساقط لا التخيير ، وتلك الخصوصية هي ما أشار إليه في الكفاية بقوله : فصل ، التعارض وإن كان لا يوجب إلاّسقوط أحد المتعارضين عن الحجّية رأساً ، حيث لا يوجب إلاّ العلم بكذب أحدهما ، فلا يكون هناك مانع عن حجّية الآخر ، إلاّ أنّه حيث كان بلا تعيين ولا عنوان واقعاً الخ (١) وتلك الخصوصية هي أنّ المقام ليس من قبيل مجرّد منع الجمع ، بل إنّ علّة منع الجمع في الحجّية بينهما هو العلم بأنّ أحدهما غير مطابق للواقع ، فلا يشمله دليل الحجّية ، فيكون دليل الحجّية مقصوراً على الآخر ، وحيث إنّه لا معنى لحجّية أحدهما المبهم ، ولا دليل على التعيين لكونه حينئذ ترجيحاً بلا مرجّح ، وقع التعارض بينهما والتساقط ، مع الاحتفاظ بحجّية أحدهما بالمقدار الذي يترتّب عليه من نفي الثالث ، فيكون نفيه به لا بهما.
وهذا المعنى لو تمّ يجري في باب الأُصول أيضاً ، إذ لا ريب في عدم شمول دليل حجّية الأصل لما علم كونه غير مطابق للواقع حتّى الاحتياط ، ومن المعلوم أنّه عند العلم الاجمالي يكون أحد الأصلين غير مطابق للواقع ، فلا يشمله دليل ذلك الأصل ، وحينئذ ينتهي الأمر إلى التساقط.
ولكن يمكن المناقشة في هذا المبنى ، فإنّ الخبر الجامع لشرائط الحجّية محكوم بأنّه حجّة بأصالة العموم في دليل الحجّية ، والعلم الاجمالي بكذب أحد الخبرين لا أثر له بالنسبة إلى كلّ واحد منهما بخصوصه ، إلاّ الشكّ في كونه هو الغير المطابق ، فيكون ذلك العلم الاجمالي محقّقاً لكون كلّ منهما موضوعاً
__________________
(١) كفاية الأُصول : ٤٣٩.