__________________
وأصل المسألة وهو التخيير التكويني ، فلا يكون احتمال أهميّة أحدهما المعيّن على الآخر مؤثّراً ، فتأمّل.
ثمّ إنّك قد عرفت فيما تقدّم أنّ التخيير العقلي تارةً يكون لأجل التزاحم بين التكليفين المعلومين مثل إنقاذ الغريقين ، وهذا يكون الترجيح فيه بأهمية أحدهما ، وحينئذ يكون احتمال أهمية أحدهما المعيّن من قبيل دوران الأمر بين التعيين والتخيير. وأُخرى يكون لأجل العلم الاجمالي بأحد الأمرين مع فرض عدم إمكان الاحتياط وعدم التمكّن من الموافقة القطعية مع فرض التمكّن من المخالفة القطعية ، كما في غريقين أحدهما مسلم يجب إنقاذه والآخر حيوان أو كافر يباح إنقاذه ، ولا يمكن الجمع بإنقاذهما جميعاً ، والتخيير في هذه الصورة يكون من قبيل لزوم تبعيض الاحتياط بإنقاذ أحدهما ، لكون المفروض عدم إمكان الاحتياط التامّ بإنقاذهما. والترجيح في هذه لا يكون بالأهمية إذ لا مورد لها ، وإنّما يكون الترجيح بقوّة الاحتمال في أحدهما ، ولا مورد فيه لاحتمال الأهمية ، فلا يتصوّر فيه الدوران بين التعيين والتخيير.
وقد عرفت فيما تقدّم أنّ التخيير فيما نحن فيه ليس من قبيل الأوّل ، وهو واضح ، كما أنّه ليس من قبيل الثاني ، لما عرفت من أنّ مرجع التخيير في الثاني إلى المنع من المخالفة القطعية ، وإلزام العقل بإنقاذ أحد هذين الجسمين فراراً من المخالفة القطعية ، وحيث إنّ ما نحن فيه لا يمكن فيه المخالفة القطعية ، فلا يتأتّى فيه التخيير المذكور ، فلا محصّل فيه للقول بالترجيح بالأهمية ولا للترجيح بقوّة الاحتمال ، هذا بالنسبة إلى نفس التكليف المعلوم المردّد بين الوجوب والتحريم.
نعم ، لو تمّ ما ذكرناه من كونه من قبيل التزاحم بين الاحتياطين ، أمكن الترجيح فيه بكلّ من الأهميّة وقوّة الاحتمال ، لأنّ أهميّة أحد التكليفين الذي هو التحريم مثلاً توجب ترجيح الاحتياط فيه على الاحتياط في الطرف الآخر الذي هو الوجوب ، كما