ومن ذلك كلّه يتّضح لك الخدشة في النحو الأوّل من دعوى الإجماع ، أعني دعوى الإجماع على عدم وجوب الاحتياط التامّ في جميع الأطراف ، فإنّه مضافاً إلى ما عرفت من الاعتراف بأنّه لم يوجد في كلمات القوم وإنّما يستفاد ذلك الحكم أعني عدم وجوب الاحتياط التامّ من مذاقهم ، ومضافاً أيضاً إلى أنّه على تقدير وجوده في كلماتهم فمن المحتمل أن يكون نظرهم إلى حال الانفتاح ، من الممكن أن يكون نظرهم في الحكم بعدم وجوب الاحتياط التامّ إلى ما ذكر من اختلال النظام أو لزوم العسر والحرج.
ومن ذلك يظهر لك إمكان الخدشة في دعوى الإجماع على عدم جواز الرجوع إلى الأُصول النافية ، فإنّ ذلك الحكم وإن كان مقطوعاً به أو فرضنا التصريح به في كلماتهم ، إلاّ أنّه من المحتمل قوياً أن يكون المستند فيه هو العلم الاجمالي الارتكازي الموجود في الأذهان ، ولو من جهة العلم بأنّا لسنا كالبهائم وأنّ لنا شريعة قد صدع بها النبي صلىاللهعليهوآله وبيّنها لنا أئمّتنا ( صلوات الله عليه وعليهم أجمعين ). ولو فرض أنّ أحداً منّا لا يقول بمنجّزية العلم الاجمالي ، لكان هذا المطلب ـ وهو المنع من الرجوع إلى الأُصول النافية عند الانسداد ـ من أقوى الايرادات عليه ، وإن أمكنه الجواب عنه بالفرق بين المقامين بالاعتماد على الإجماع على [ عدم ] جواز الرجوع إلى البراءة المتحصّل من الإجماع على عدم جواز الإهمال ، بأن يقول إنّ الإجماع على عدم الرجوع إلى البراءة يكشف عن أنّ الشارع أوكل المكلّفين إلى ما تحكم به عقولهم من الاحتياط ولو بعد أن فهموا من ذلك الحكم المجمع عليه ، أعني عدم الترخيص الشرعي ، فإنّهم لو بقوا هم والعلم الاجمالي لقلت بأنّهم لا تحكم عقولهم بالاحتياط ، لكن بعد أن حكم الشارع بعدم الترخيص تكون عقولهم حاكمة بالاحتياط ومنجّزية الاحتمال عقلاً