وزان الحديث الشريف حينئذ وزان حديث رفع القلم عن الصبي والمجنون والنائم ، غايته أنّه يكون الرفع الذي هو بمعنى عدم الجعل واقعياً في جميع الفقرات التسع ما عدا « ما لا يعلمون » ، وفي خصوص « ما لا يعلمون » يكون ذلك ـ أعني الرفع بمعنى عدم الحكم ـ ظاهرياً.
ولا يخفى أنّ هذا المعنى أعني كون الرفع في « ما لا يعلمون » ظاهرياً وفي غيره واقعي ، لا يختلف الحال فيه بين أخذ الرفع بمعنى عدم الجعل ، أو أخذه بمعناه الأصلي الذي هو رفع الشيء الموجود ، غايته أنّه في المقام يكون رفع الشيء المنزّل منزلة الموجود باعتبار الاقتضاء ، وحينئذ يكون الرفع في « ما لا يعلمون » مخالفاً في السياق لباقي التسع من وجهين ، أحدهما : من جهة المسند إليه ، فإنّ المرفوع فيه هو نفس الموصول الذي هو عبارة عن الحكم ، والمرفوع فيها هو أحكامها لا نفسها. الثاني : من جهة المسند ، فإنّه في « ما لا يعلمون » لا يكون إلاّظاهرياً ، وفي باقي التسع لا يكون إلاّواقعياً ، وهذه الجهة ـ أعني الواقعية والظاهرية ـ توجب الاختلاف في ناحية نفس المجعول الذي هو المسند إلى كلّ واحدة من هذه الفقرات ، وإن كان الاختلاف ناشئاً عن المسند إليه.
ولا يخفى أنّ التعبير عن هذه الجهة الثانية باختلاف السياق لا يخلو عن مسامحة ، لأنّ اختلاف السياق إنّما يكون في المتعاطفات من دون أن تجمعها ثمّ بعد ذلك تذكر التعاطف ، وما نحن فيه قد أسند الرفع أوّلاً إلى مجموع التسع ثمّ تلاها التعاطف ، فليس الإشكال من جهة اختلاف السياق ، بل هو راجع إلى الجمع بين معانٍ متعدّدة في لفظ واحد.
نعم ، الإشكال من الجهة الأُولى سياقي ، لأنّ الاختلاف فيه إنّما هو في المتعاطفات ، فبعضها وهو « ما لا يعلمون » سلّط عليه الرفع باعتبار نفسه ،