فيثبتون النظر وينفون الرؤية ، ولو كان معناه الرؤية لكان ذلك مناقضة ، ويقولون : ما زلت أنظر إليه حتى رأيته ، ولا يقولون : ما زلت أراه حتى رأيته. ولو سلم أن النظر بمعنى الرؤية لجاز أن يكون معناه : إلى ثواب ربها رائية ، وثواب الله يصح رؤيته.
ويحتمل أن تكون إلى في الآية واحد الآلاء ، لاَنه يقال إلى وإلي وألي ، وإنما لم تنون لمكان الاِضافة ، فتكون إلى في الآية إسماً لا حرفاً ، فتسقط بذلك شبهة المخالف.
وقول موسى عليهالسلام : رب أرني أنظر اليك ، يحتمل أن يكون سأل الرؤية لقومه على ما حكاه الله عز وجل في قوله : فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة ، فسأل الله تعالى ذلك ليرد الجواب من جهته فيكون أبلغ.
ويحتمل أن يكون سأل العلم الضروري الذي تزول معه الخواطر والشبهات ، أو إظهار آية من آيات الساعة التي يحصل عندها العلم الذي لا شك فيه ، وللاَنبياء أن يسألوا تخفيف البلوى في التكليف ، كما سأل ابراهيم عليهالسلامفقال : رب أرني كيف تحيي الموتى ، قال أو لم تؤمن ، قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ، وكل ذلك لا ينافي الآية التي ذكرناها. انتهى. ويؤيد الوجه الاَخير الذى ذكره الشيخ الطوسي رحمهالله تركيب الآية : أرني أنظر اليك ، ولم يقل أنظرك ، فهو يريد أن يريه شيئاً يجعله كأنه يشاهد اللّه تعالى.
ـ تفسير التبيان ج ٤ ص ٢٢٣
قوله تعالى : لا تدركه الاَبصار وهو يدرك الاَبصار وهو اللطيف الخبير ـ ١٠٣
في هذه الآية دلالة واضحة على أنه تعالى لا يرى بالاَبصار ، لاَنه تمدح بنفي الاِدراك عن نفسه ، وكلما كان نفيه مدحاً غير متفضل به فإثباته لا يكون إلا نقصاً ، والنقص لا يليق به تعالى. فإذا ثبت أنه لا يجوز إدراكه ولا رؤيته.
وهذه الجملة تحتاج إلى بيان أشياء : أحدها ، أنه تعالى تمدح بالآية. والثاني أن الاِدراك هو الرؤية. والثالث أن كلما كان نفيه مدحاً لا يكون إثباته إلا نقصاً.