ودخول ( إلى ) في الآية لا يدل على أن المراد بالنظر الرؤية ، ولا تعليقه بالوجوه يدل على ذلك ، لاَنا أنشدنا البيت وفيه تعليق النظر بالوجه وتعديه بحرف ( إلى ) والمراد به الاِنتظار ، وقال جميل بن معمر :
وإذا نظرت إليك من ملك |
|
والبحر دونك جدتني نعما |
والمراد به الاِنتظار والتأميل.
وأيضاً ، فإنه في مقابلة قوله في صفة أهل النار : تظن أن يفعل بها فاقرة ، فالمؤمنون يؤمنون بتجديد الكرامة وينتظرون الثواب ، والكفار يظنون الفاقرة ، وكله راجع إلى فعل القلب.
ولو سلمنا أن النظر يعد الرؤية لجاز أن يكون المراد أنها رؤية ثواب ربها ، لاَن الثواب الذي هو أنواع اللذات من المأكول والمشروب والمنكوح تصح رؤيته.
ويجوز أيضاً أن يكون إلى واحد إلاء وفي واحدها لغات ( ألا ) مثل قفا و ( ألي ) مثل معي و ( ألي ) مثل حدي و ( أل ) مثل حسا ، فإذا أضيف إلى غيره سقط التنوين ، ولا يكون ( إلى ) حرفاً في الآية. وكل ذلك يبطل قول من أجاز الرؤية على الله تعالى.
وليس لاَحد أن يقول : إن الوجه الاَخير يخالف الاِجماع ، أعني إجماع المفسرين ، وذلك لاَنا لا نسلم لهم ذلك ، بل قد قال مجاهد وأبو صالح والحسن وسعيد بن جبير والضحاك : إن المراد نظر الثواب. وروي مثله عن علي عليهالسلام.
وقد فرق أهل اللغة بين نظر الغضبان ونظر الراضي ، يقولون : نظر غضبان ، ونظر راض ، ونظر عداوة ونظر مودة ، قال الشاعر :
تخبرني العينان ما الصدر كاتم |
|
ولا حن بالبعضاء والنظر الشزر |
والرؤية ليست كذلك فإنهم لا يضيفونها ، فدل على أن النظر غير الرؤية ، والمرئي هو المدرك ، والرؤية هي الاِدراك بالبصر ، والرائي هو المدرك ، ولا تصح الرؤية وهي الاِدراك إلا على الاَجسام أو الجوهر أو الاَلوان. ومن شرط المرئي أن يكون هو أو محله مقابلاً أو في حكم المقابل ، وذلك يستحيل عليه تعالى ، فكيف تجيز الرؤية عليه تعالى!