فالويل لمن جحد المقدر وأنكر المدبر. زعموا أنهم كالنبات ما لهم زارع ، ولا لاختلاف صورهم صانع ، ولم يلجؤوا إلى حجة فيما ادعوا ، ولا تحقيق لما أوعوا. وهل يكون بناء من غير بان ، أو جناية من غير جان.
وإن شئت قلت في الجرادة ، إذ خلق لها عينين حمراوين ، وأسرج لها حدقتين قمراوين ، وجعل لها السمع الخفي ، وفتح لها الفم السوي ، وجعل لها الحس القوي ، ونابين بهما تقرض ، ومنجلين بهما تقبض ، يرهبها الزراع في زرعهم ، ولا يستطيعون ذبها ولو أجلبوا بجمعهم ، حتى ترد الحرث في نزواتها ، وتقضي منه شهواتها ، وخلقها كله لا يكون إصبعاً مستدقة.
فتبارك الله الذي يسجد له من في السموات والاَرض طوعاً وكرهاً ، ويعفرِّ له خداً ووجهاً ، ويلقى إليه بالطاعة سلماً وضعفاً ، ويعطى له القياد رهبة وخوفاً ، فالطير مسخرة لاَمره ، أحصى عدد الريش منها والنفس ، وأرسى قوائمها على الندى واليبس ، وقدر أقواتها ، وأحصى أجناسها ، فهذا غراب ، وهذا عقاب ، وهذا حمام ، وهذا نعام. دعا كل طائر باسمه ، وكفل له برزقه ، وأنشأ السحاب الثقال فأهطل ديمها ، وعدد قسمها ، فبلَّ الاَرض بعد جفوفها ، وأخرج نبتها بعد جدوبها.
علي عليهالسلاممؤسس علم التوحيد
ـ أمالي المرتضى ج ١ ص ١٠٣
إعلم أن أصول التوحيد والعدل مأخوذة من كلام أمير المؤمنين علي عليهالسلاموخطبه ، وأنها تتضمن من ذلك ما لا مزيد عليه ولا غاية وراءه ، ومن تأمل المأثور في ذلك من كلامه ، علم أن جميع ما أسهب المتكلمون من بعد في تصنيفه وجمعه ، إنما هو تفصيل لتلك الجمل ، وشرح لتلك الاَصول.
وروي عن الاَئمة من أبناءه عليهمالسلام من ذلك ما لا يكاد يحاط به كثرة ، ومن أحب الوقوف عليه وطلبه من مظانه أصاب منه الكثير الغزير ، الذي في بعضه شفاء للصدور السقيمة ،