ـ الاِقتصاد للشيخ الطوسي ص ٣٩
ولا يجوز عليه تعالى الرؤية بالبصر ، لاَن من شرط صحة الرؤية أن يكون المرئي نفسه أو محله مقابلاً للرائي بحاسة ، أو في حكم المقابل ، والمقابلة يستحيل عليه لاَنه ليس بجسم ، ومقابلة محله أيضاً يستحيل عليه لاَنه ليس بعرض على ما بيناه.
ولاَنه لو كان مرئياً لرأيناه مع صحة حواسنا وارتفاع الموانع المعقولة ووجوده ، لاَن المرئي إذا وجد وارتفعت الموانع المعقولة وجب أن نراه ، وإنما لا نراه إما لبعد مفرط أو قرب مفرط أو لحائل بيننا وبينه أو للطافة أو صغر ، وكل ذلك لا يجوز عليه تعالى لاَنه من صفات الاَجسام والجواهر.
وبمثل ذلك بعينه يعلم أنه لا يدرك بشيء من الحواس الباقية ، فلا وجه للتطويل بذكره ، والحاسة السادسة غير معقولة ، ولو كانت معقولة لكان حكمها حكم هذه الحواس مع اختلافها واتفاقها في هذا الحكم.
وأيضاً قوله تعالى : لا تدركه الاَبصار وهو يدرك الاَبصار ، دليل على استحالة رؤيته ، لاَنه تمدح بنفي الاِدراك عن نفسه ، وكل تمدح تعلق بنفي فإثباته لا يكون إلا نقصاً ، كقوله : لا تأخذه سنة ولا نوم ، وقوله تعالى : ما اتخذ الله من ولد ، وقوله تعالى : ولم تكن له صاحبة ولا ولداً ، وقوله تعالى : لا يظلم الناس شيئاً ، وغير ذلك مما تعلق المدح بالنفي ، فكان إثباته نقصاً. والآية فيها مدح بلا خلاف وإن اختلفوا في جهة المدح ، والاِدراك في الآية بمعنى الرؤية ، لاَنه نفى عن نفسه ما أثبته لنفسه بقوله : وهو يدرك الاَبصار.
وقوله : وجوه يومئذ ناضرة ، إلى ربها ناظرة ، لا يعارض هذه الآية ، لاَن النظر المذكور في الآية معناه الاِنتظار ، فكأنه قال : لثواب ربها منتظرة.
ومثله قوله : وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة ، أي منتظرة. وليس النظر بمعنى الرؤية في شيء من كلام العرب ، ألا ترى أنهم يقولون : نظرت إلى الهلال فلم أره ،