سالبة مهملة في قوة الجزئية ، فكان المعنى لا تدركه بعض الاَبصار ، ونحن نقول بموجبه حيث لا يراه الكافرون ، ولو سلم فلا نسلم عمومه في الاَحوال والاَوقات فيحمل على نفي الرؤية في الدنيا جمعاً بين الاَدلة.
والجواب : أنه قد تقرر في موضعه أن الجمع المحلى باللام عام نفياً وإثباتاً في المنفي والمثبت كقوله تعالى : وما الله يريد ظلماً للعباد ، وما على المحسنين من سبيل ، حتى أنه لم يرد في سياق النفي في شيء من الكتاب الكريم إلا بمعنى عموم النفي ، ولم يرد لنفي العموم أصلاً ، نعم قد اختلف في النفي الداخل على لفظة كل لكنه في القرآن المجيد أيضاً بالمعنى الذي ذكرنا كقوله تعالى : والله لا يحب كل مختال فخور ، إلى غير ذلك ، وقد اعترف بما ذكرنا في شرح المقاصد وبالغ فيه.
وأما منع عموم الاَحوال والاَوقات فلا يخفى فساده ، فإن النفي المطلق الغير المقيد لا وجه لتخصيصه ببعض الاَوقات إذ لا ترجيح لبعضها على بعض ، وهو أحد الاَدلة على العموم عند علماء الاَصول.
وأيضاً صحة الاِستثناء دليل عليه ، وهل يمنع أحد صحة قولنا : ما كلمت زيداً إلا يوم الجمعة ، ولا أكلمه إلا يوم العيد ، وقال تعالى : ولا تعضلوهن ، إلى قوله : إلا أن يأتين. وقال : ولا تخرجوهن ، إلى قوله إلا أن يأتين.
وأيضاً كل نفي ورد في القرآن بالنسبة إلى ذاته تعالى فهو للتأبيد وعموم الاَوقات لا سيما فيما قبل هذه الآية.
وأيضاً عدم إدراك الاَبصار جميعاً لشيء لا يختص بشيء من الموجودات ، خصوصاً مع اعتبار شمول الاَحوال والاَوقات ، فلا يختص به تعالى ، فتعين أن يكون التمدح بعدم إدراك شيء من الاَبصار له في شيء من الاَوقات.
وثانيهما : أنه تعالى تمدح بكونه لا يرى فإنه ذكره في أثناء المدائح ، وما كان من الصفات عدمه مدحاً كان وجوده نقصاً يجب تنزيه الله تعالى عنه ، وإنما قلنا من الصفات احترازاً عن الاَفعال كالعفو والاِنتقام فإن الاَول تفضل ، والثاني عدل ، وكلاهما كمال.