القول بدلالته على أنه ما كان إماماً فذلك لم يقله أحد بَعد من الامّة : وإنْ سلّمنا عدم الإجماع ولكنْ لو حكمنا بدلالته على عدم إمامته لزم أنْ لا يكون إماماً بعد عثمان وهو باطل.
لأنا نقول : أمّا الأول فجوابه : أن معنى قوله : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى : أن حالك معي أو عندي كحال هارون من موسى ، وهذا القول يدخل تحته أحوال هارون نفياً وإثباتاً : وأمّا الثاني فجوابه : إن إفادة الكلام لهذا النفي لا يمنع من دلالته على الفضل : بيانه : إن إماماً لو ولّى ابنه إمارة بلدةِ معيّنة فقط ، ثم ولّى إمام آخر بعده إنساناً آخر تلك البلدة فقط ، فطلب ذلك الإنسان من الإمام الثاني تولية بلدة اخرى ، فإنه يحسن من الإمام الثاني أن يقول له : أما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة ابن الإمام الأول منه ، فهذا الكلام مع ما يفيد من فضيلة ذلك الإنسان فإنه يفيد نفي توليته عن سائر البلاد ، فكذلك هنا : وأما الثالث : فجوابه : إنا لا نسلّم إجماع الامّة على عدم دلالة هذا الحديث على نفي إمامته ، فإن الجاحظ احتج به عليه : وإنْ سلّمنا إنعقاد الإجماع ولكنْ نحن لم نذكر ما قلنا للإستدلال ، بل لنجعله معارضاً لما ذكرتموه حتى يبطل به ذلك : وبهذا يظهر الجواب عمّا ذكروه رابعاً » (١).
فترى الرازي يقول : « لا نسلّم إجماع الامة على عدم دلالة هذا الحديث على نفي إمامته » أي مطلقاً ، ثم يعلّل عدم التسليم لهذا الإجماع بقوله : « فإن الجاحظ احتجّ به عليه ».
__________________
(١) نهاية العقول ـ مخطوط.