وتحقيق المقام على وجه يزيل جميع الأوهام هو : أنّه لا تنافي بين وجوب الإنقياد والإطاعة لهارون ، وعدم حصول مرتبة تنفيذ الأحكام على سبيل الإنفراد والإستقلال ... لأن حال هارون عليهالسلام في تلك الصورة حال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قبل البعثة ، فإنه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان موصوفاً بالنبوة ووجوب الطاعة قبل البعثة بل قبل الخلقة ، لكن حصول وصف تنفيذ الأحكام له كان موقوفاً على خلقه في هذا العالم وحصول بعثته :
قال الحافظ السيوطي : « قال الشيخ تقي الدين السبكي في كتابه ( التعظيم والمنّة في ( لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ) آل عمران ٣ : ٨١ في هذه الآية من التنويه بالنبي صلّى الله عليه وسلّم وتعظيم قدره العلي ما لا يخفى ، وفيه مع ذلك أنه على تقدير مجيئه في زمانهم يكون مرسلاً إليهم ، فتكون نبوّته ورسالته عامّةً لجميع الخلق ، من زمن آدم إلى يوم القيامة ، وتكون الأنبياء واممهم كلّهم من امّته ، ويكون قوله : بعثت إلى الناس كافّة ، لا يختص به الناس من زمانه إلى يوم القيامة ، بل يتناول مَن قبلهم أيضاً. ويتبيَّن بذلك معنى قوله صلّى الله عليه وسلّم : كنت نبيّاً وآدم بين الروح والجسد ...
فحقيقته موجودة من ذلك الوقت ، وإنْ تأخّر جسده الشريف المتّصف بها ، واتّصاف حقيقته بالأوصاف الشريفة المفاضة عليه من الحضرة الإلهيّة ، وإنما يتأخّر البعث والتبليغ وكلّ ما له جهة الله ، ومن تأهل ذاته الشريفة وحقيقته معجل لا تأخير فيه ، وكذلك استنباؤه وإيتاؤه الكتاب والحكم والنبوة ، وإنّما المتأخر تكوّنه وتنقّله ، إلى أنْ ظهر صلّى الله عليه وسلّم وغيره من أهل الكرامة ...